عناصر الموضوع
الأمة
أولًا: المعنى اللغوي:
الأمة مشتقة من (أم) وجذر هذه المادة، كما قال ابن فارس: «الهمزة والميم فأصل واحد، يتفرع منه أربعة أبواب، وهي: الأصل والمرجع والجماعة والدين، وهذه الأربعة متقاربة، وبعد ذلك أصول ثلاثة، وهي القامة والحين والقصد»1، والأمة في الأصل راجعة إلى القصد، وهي: الجماعة التي تقصد الأمر بتضافر وتعاون2.
وقال ابن قتيبة: «أصل الأمة: الصنف من الناس والجماعة»3.
وقال الكفوي: «الأمة في الأصل: المقصود، كالعمدة والعدة في كونهما معمودًا ومعدًا، وتسمى بها الجماعة من حيث تؤمها الفرق، كقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [القصص: ٢٣]»4.
وكل مشتقات هذه المادة ترجع إلى معنى القصد، ولا يخرج شيء منها عن ذلك5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي
قال الراغب الأصفهاني: «والأمة: كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرًا أو اختيارًا»6.
وقال ابن عاشور: «والأمة: اسم للجماعة الذين أمرهم واحد، مشتقة من الأم بفتح الهمزة وهو القصد، أي: يؤمون غاية واحدة»7.
وقال سيد قطب رحمه الله: «(الأمة) عبارة عن طائفة من الناس، متوافقة فيما بينها، اجتمعت وتألفت وامتازت من بين طوائف أخرى؛ لاشتراكها في بعض الأمور الجوهرية»8.
«وإنما تكون الجماعة أمة إذا اتفقوا في الموطن، أو الدين، أو اللغة، أو في جميعها»9.
وردت (الأمة) في القرآن الكريم (٦٤) مرة10.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
مفرد |
٥١ |
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران:١١٠] |
جمع |
١٣ |
(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنعام:٣٨] |
وجاءت (الأمة) في القرآن على أربعة أوجه11:
الأول: العصبة والقوم والجماعة: ومنه قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة:١٢٨] يعني عصبة.
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النحل:٩٢] يعني أن يكون قوم أكثر من قوم.
الثاني: الملة: ومنه قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [البقرة:٢١٣] يعني ملة.
الثالث: المدة من الزمن: ومنه قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [هود:٨] يعني سنين معدودة.
الرابع: الإمام في الخير: ومنه قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [النحل:١٢٠] يعني إمامًا يقتدى به في الخير.
الجمع:
الجمع لغة:
ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعته فاجتمع12، وجمعت الشيء: إذا جئت به من هاهنا وهاهنا، وتجمع القوم: اجتمعوا أيضًا من هاهنا وهاهنا»13،
الجمع اصطلاحًا:
قال ابن عاشور: «والجمع: الجماعة من الناس»14.
الصلة بين الأمة والجمع:
هو أن الأمة هي الجماعة التي تقصد الأمر بتضافر وتعاون، لكن الجمع هو فقط الجماعة من الناس، فالعلاقة بينهما أن لفظ الجمع أعم من لفظ الأمة.
الحزب:
الحزب لغة:
قال الأزهري: «والحزب: الصنف من الناس.
وقال ابن الأعرابي: الحزب: الجماعة من الناس»15، وقد ورد لفظ (الحزب) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد والجمع دون التثنية؛ للدلالة على مفهوم الأمة.
الحزب اصطلاحًا:
«والحزب: الجماعة المجتمعون على أمر من اعتقاد أو عمل، أو المتفقون عليه»16.
الصلة بين الأمة والحزب:
بينهما عموم وخصوص؛ فلفظ الأمة أعم من لفظ الحزب، فكلاهما يدل على الصنف والجماعة، إلا أن الحزب خاص بجماعة البشر، والأمة عامة في جماعة البشر وغيرها، كما قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنعام: ٣٨].
القوم:
القوم لغة:
القاف والواو والميم: أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناسٍ، وربما استعير في غيرهم، والآخر على انتصاب أو عزم17.
القوم اصطلاحًا:
قال الراغب: «والقوم: جماعة الرجال في الأصل دون النساء، ولذلك قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحجرات: ١١]، وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعًا»18.
قال الرازي: «القوم: اسم يقع على جمع من الرجال ولا يقع على النساء ولا على الأطفال، والقائم بالأمور هم الرجال؛ فعلى هذا الأقوام الرجال لا النساء»19.
الصلة بين الأمة والقوم:
لفظ الأمة أعم من لفظ القوم، فكل أمة قوم، وليس كل قوم أمة.
الثلة:
الثلة لغة:
الثاء واللام أصلان متباينان: أحدهما التجمع، والآخر السقوط والهدم والذل، والثلة: الجماعة من الناس.
قال الله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الواقعة: ٣٩-٤٠]20.
الثلة اصطلاحًا:
قال القاسمي: «أي: جماعة وأمة»21.
وقال السعدي: «أي: جماعة كثيرون»22.
الصلة بين الأمة والثلة:
أن الثلة جزءٌ من الأمة، فكل أمة ثلة وليس كل ثلة أمة.
كان الناس أمة واحدة على دين واحد وملة واحدة، واستمروا على ذلك فترة من الزمن فاختلفوا، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة: ٢١٣].
اختلف أهل التأويل في معنى (الأمة) الذين وصفهم الله بأنهم: كانوا أمة واحدة.
فقال بعضهم: هم الذين كانوا بين آدم ونوح، وهم عشرة قرون، كلهم كانوا على شريعة من الحق، فاختلفوا بعد ذلك.
قاله: ابن عباس وقتادة.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك كان آدم على الحق إمامًا لذريته، فبعث الله النبيين في ولده، ووجهوا معنى (الأمة) إلى طاعة لله، والدعاء إلى توحيده واتباع أمره، من قول الله عز وجل: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [سورة النحل: ١٢٠]، يعني بقوله: (ﮀ): إمامًا في الخير يقتدى به، ويتبع عليه. قاله مجاهد.
وقال آخرون: معنى ذلك كان الناس أمة واحدة على دين واحد يوم استخرج ذرية آدم من صلبه، فعرضهم على آدم.
قاله أبي بن كعب وابن زيد.
وقال آخرون بخلاف ذلك كله في ذلك.
وقالوا: إنما معنى قوله: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، على دين واحد، فبعث الله النبيين. قاله ابن عباس.
وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أن الناس كانوا (ﮀ ﮁ) على دين واحد وملة واحدة، وكان الدين الذي كانوا عليه دين الحق، فاختلفوا في دينهم، (ﮂ ﮃ) عند اختلافهم في دينهم (ﮄ ﮅ ﮆ).
فإن دليل القرآن واضحٌ على أن الذين أخبر الله عنهم أنهم كانوا أمة واحدة، إنما كانوا أمة واحدة على الإيمان ودين الحق دون الكفر بالله والشرك به، وذلك أن الله جل وعز قال: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يونس: ١٩].
فتوعد جل ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع، ولا على كونهم أمة واحدة، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر ثم كان الاختلاف بعد ذلك، لم يكن إلا بانتقال بعضهم إلى الإيمان، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جل ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد؛ لأنها حال إنابة بعضهم إلى طاعته، ومحالٌ أن يتوعد في حال التوبة والإنابة، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشرك23.
وفي هذه الآية: اختار ابن كثير رواية ابن عباس: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)؛ لأنها أصح سندًا ومعنى؛ ولأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام ، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض24.
وقال ابن كثير عند قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [يونس: ١٩]، «ثم أخبر الله تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس كائن بعد أن لم يكن، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد، وهو الإسلام»25.
وقال ابن القيم: «وهذا هو القول الصحيح في الآية»26.
وبنحوه قال الشنقيطي: «أن آدم أرسل إلى ذريته وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه، ونوح هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك بالله تعالى، ويأمرهم بإخلاص العبادة له وحده، ويدل على هذا قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [يونس: ١٩]، أي: على الدين الحنيف، أي: حتى كفر قوم نوح، وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ... الآية) [ البقرة: ٢١٣]، والله تعالى أعلم»27، وهو قول الجمهور28.
ويقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: «وهذه هي قصة الاختلاف بين الناس في التصورات والعقائد، والموازين والقيم... (ﭾ ﭿ ﮀ) على نهج واحد وتصور واحد، وقد تكون هذه إشارة إلى حالة المجموعة البشرية الأولى الصغيرة من أسرة آدم وحواء وذراريهم قبل اختلاف التصورات والاعتقادات، فالقرآن يقرر أن الناس من أصل واحد، وهم أبناء الأسرة الأولى: أسرة آدم وحواء.
وقد شاء الله أن يجعل البشر جميعًا نتاج أسرة واحدة صغيرة؛ ليقرر مبدأ الأسرة في حياتهم، وليجعلها هي اللبنة الأولى، وقد غبر عليهم عهد كانوا فيه في مستوى واحد واتجاه واحد وتصور واحد في نطاق الأسرة الأولى، حتى نمت وتعددت وكثر أفرادها، وتفرقوا في المكان، وتطورت معايشهم، وبرزت فيهم الاستعدادات المكنونة المختلفة التي فطرهم عليها؛ لحكمة يعلمها، ويعلم ما وراءها من خير للحياة في التنوع والاستعدادات والطاقات والاتجاهات، عندئذ اختلفت التصورات، وتباينت وجهات النظر، وتعددت المناهج، وتنوعت المعتقدات... وعندئذ بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين»29.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [فاطر: ٢٤]، اقتضت حكمة الله تعالى في الأمم قبل هذه الأمة أن يرسل في كل أمة نذيرًا، وهذه سنة الله مع الأمم.
ثم أخبر الله تعالى أن كل أمة انقسمت مع رسولها إلى قسمين.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النحل: ٣٦]، وسنتحدث في هاتين النقطتين بشيء من التفصيل في السطور القادمة:
أولًا: إرسال الرسل إلى الأمم سنة إلهية:
أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث فيها رسولًا، وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبين أن بعثة الرسل أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٣٦].
قال الرازي في هذه الآية: «فبين تعالى أن سنته في عبيده إرسال الرسل إليهم، وأمرهم بعبادة الله ونهيهم عن عبادة الطاغوت»30.
وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته، واجتناب الشيطان وكل ما يدعو إلى الضلال، وأنهم بعد ذلك فريقان (ﮀ ﮁ ﮂ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)، فكان في ذلك دليل على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان، ولا يريد الهداية إلا للبعض؛ إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد31.
وقال ابن كثير بنحو ما ذكره الشوكاني ردًا على المشركين في هذه الآية: «فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النحل: ٣٥]، فمشيئته تعالى الشرعية منتفية؛ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأما مشيئته الكونية، وهي تمكينهم من ذلك قدرًا، فلا حجة لهم فيها؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة، ثم إنه تعالى قد أخبر أنه عير عليهم، وأنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل»32.
وقال البيضاوي في هذه الآية: «بين الله تعالى أن البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها سببًا لهدى من أراد اهتداءه وزيادة لضلال من أراد ضلاله، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه، ويضر المنحرف ويفنيه»33.
وقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس: ٤٧].
قال أبو حيان: «لما بين حال الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه بين حال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مع أقوامهم؛ تسلية له وتطمينًا لقلبه، ودلت الآية على أنه تعالى ما أهمل أمة، بل بعث إليها رسولًا34.
وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [فاطر: ٢٤].
قال الرازي في هذه الآية: «لما قال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) بين أنه ليس نذيرًا من تلقاء نفسه إنما هو نذير بإذن الله وإرساله، ثم قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) تقريرًا لأمرين؛ أحدهما: لتسلية قلبه حيث يعلم أن غيره كان مثله محتملًا لتأذي القوم. وثانيهما: إلزام القوم قبوله، فإنه ليس بدعًا من الرسل، وإنما هو مثل غيره يدعي ما ادعاه الرسل ويقرره»35.
وقال ابن عاشور: «وفيه دفع توهم أن يكون قصره على النذارة قصرًا حقيقًا؛ لتبين أن قصره على النذارة بالنسبة للمشركين الذين شابه حالهم حال أصحاب القبور، أي: إن رسالتك تجمع بشارة ونذارة، فالبشارة لمن قبل الهدى، والنذارة لمن أعرض عنه، وكل ذلك حق؛ لأن الجزاء على حسب القبول، فهي رسالة ملابسة للحق ووضع الأشياء مواضعها...، وقوله: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) إبطال لاستبعاد المشركين أن يرسل الله إلى الناس بشرًا منهم، فإن تلك الشبهة كانت من أعظم ما صدهم عن التصديق به، فلذلك أتبعت دلائل الرسالة بإبطال الشبهة الحاجبة على حد قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الأحقاف: ٩]، وأيضًا في ذلك تسفيه لأحلامهم إذ رضوا أن يكونوا دون غيرهم من الأمم التي شرفت بالرسالة، ووجه الاقتصار على وصف النذير هنا دون الجمع بينه وبين وصف البشير هو مراعاة العموم الذي في قوله: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)، فإن من الأمم من لم تحصل لها بشارة؛ لأنها لم يؤمن منها أحد»36.
ثانيًا: موقف الأمم من الرسل:
أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في أكثر من آية موقف الأمم السابقة من رسلهم، حيث وجد الرسول صلى الله عليه وسلم من يكذب به وبرسالته، فبين الله تعالى أن الأمم السابقة قد حدث فيها هذا أيضًا ، وهي سنة أمثالهم من كفرة الأمم بالله من قبلهم وتكذيبهم رسل الله التي أرسلها إليهم.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [فاطر: ٢٥].
قال المراغي في هذه الآية: «وإن يكذبك أيها الرسول مشركو قومك فلا تبتئس بما يفعلون، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم الذين جاءوهم بالمعجزات الباهرة، والأدلة القاطعة، وبالكتب الواضحة كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داود»37.
فكانت تلك الآيات تعزية وتسلية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يثبت في دعوته.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحج: ٤٢-٤٤].
قال الطبري في هذه الآية: «يقول تعالى ذكره مسليًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله، وحاضًا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السب والتكذيب: وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما آتيتهم به من الحق والبرهان، وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم من قبلهم، فلا يصدنك ذلك، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال»38.
ولم يكتف هؤلاء المشركون بالسب والتكذيب بل جادلوا رسلهم بالباطل، وهموا بقتلهم.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [غافر: ٥].
قال السعدي في هذه الآية: «ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق؛ ليبطلوه، وعلى الباطل؛ لينصروه، و أنه بلغت بهم الحال، وآل بهم التحزب إلى أنه (ﮔ ﮕ ﮖ) من الأمم (ﮗ ﮘ) أي: يقتلوه.
وهذا أبلغ ما يكون الرسل الذين هم قادة أهل الخير الذين معهم الحق الصرف الذي لا شك فيه ولا اشتباه، هموا بقتلهم، فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء إلا العذاب العظيم الذي لا يخرجون منه؟ ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية: (ﮟﮠ) أي: بسبب تكذيبهم وتحزبهم (ﮡ ﮢ ﮣ)؟! كان أشد العقاب وأفظعه، ما هو إلا صيحة أو حاصب ينزل عليهم أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم فإذا هم خامدون»39.
وقد بين الله سبحانه وتعالى لنبيه أنه لا حجة بأيدي هؤلاء الكفار سوى تقليد آبائهم الضالين، وهذا من أباطيلهم وشبههم الزائفة، وأخبره أن غير هؤلاء من الكفار من الأمم الماضية قد سبقهم إلى هذه المقالة.
قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الزخرف: ٢٢-٢٣].
قال الرازي: «لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآيات لكفت في إبطال القول بالتقليد؛ وذلك لأنه تعالى بين أن هؤلاء الكفار لم يتمسكوا في إثبات ما ذهبوا إليه لا بطريق عقلي ولا بدليل نقلي، ثم بين أنهم إنما ذهبوا إليه بمجرد تقليد الآباء والأسلاف، وإنما ذكر تعالى هذه المعاني في معرض الذم والتهجين، وذلك يدل على أن القول بالتقليد باطل...
ثم بين الله سبحانه وتعالى أن الداعي إلى القول بالتقليد والحامل عليه، إنما هو حب التنعم في طيبات الدنيا وحب الكسل والبطالة، وبغض تحمل مشاق النظر والاستدلال؛ لقوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) والمترفون: هم الذين أترفتهم النعمة أي: أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويبغضون تحمل المشاق في طلب الحق، وإذا عرفت هذا علمت أن رأس جميع الآفات حب الدنيا واللذات الجسمانية، ورأس جميع الخيرات هو حب الله والدار الآخرة»40.
وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل، ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة41.
وإنما قال أولًا (ﰄ)، وثانيًا: (ﭥ)؛ لأن الأول وقع في محاجتهم النبي صلى الله عليه وسلم وادعائهم أن آباءهم كانوا مهتدين، وأنهم مهتدون كآبائهم، فناسبه (ﰄ) والثاني وقع حكاية عن قوم ادعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء، فناسبه (ﭥ)، وفى هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم، وتخصيص المترفين بالذكر؛ للإشعار بأن الترف هو الذي أوجب البطر وصرفهم عن النظر إلى التقليد42.
من سنن الله تعالى في خلقه أن جعلهم مختلفين في ألوانهم وصورهم وألسنتهم، وكذلك أيضًا جعلهم مختلفين في عقائدهم وأفكارهم وتصوراتهم، وعن هذا النوع الأخير من الاختلاف سيكون حديثنا في النقاط الآتية:
أولًا: سنة الاختلاف بين الأمم:
لقد خلق الله تعالى البشر مختلفين في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، متفاوتين في العقول، مختلفين في التفكير تتصادم مصالحهم وتتنازع رغباتهم، وهذا الاختلاف بين في المشارب والأهواء، سنة من سنن الله في الخلق والتكوين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ) [هود: ١١٨-١١٩].
قال ابن كثير في هذه الآية: «يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة، من إيمان أو كفران، كما قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [يونس: ٩٩]، وقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) ، أي: ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم»43.
وقال السعدي: «يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء، ولكنه اقتضت حكمته، أن لا يزالوا مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، كل يرى الحق، فيما قاله، والضلال في قول غيره، وقوله: (ﭢ ﭣ) أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذين هدى الله، والفريق الذين حقت عليهم الضلالة؛ ليتبين للعباد، عدله وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء»44.
وقد بين الله سبحانه وتعالى الحكمة من ذلك، حيث قال جل شأنه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [المائدة: ٤٨].
قال الخازن في هذه الآية: « (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) يعني: جماعة متفقة على شريعة واحدة ودين واحد لا اختلاف فيه (ﮦ ﮧ) يعني: ولكن أراد أن يختبركم (ﮨ ﮩ ﮪ) يعني: من الشرائع المختلفة هل تعملون بها أم لا؟ فيتبين بذلك المطيع من العاصي والموافق من المخالف»45، وقد سلى الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما كان يناله من قومه، حيث كان حريصًا على هداهم، فبين الله تعالى له الحكمة في ذلك، حيث قال جل شأنه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الشورى: ٨].
قال المراغي في هذه الآية: «ثم سلى رسوله على ما كان يناله من الغم والهم بتولي قومه عنه، وعدم استجابة دعوته، وأعلمه أن أمور عباده بيده، وأنه الهادي إلى الحق من يشاء، والمضل من أراد فقال: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) أي: ولو شاء الله لجعل الجميع مؤمنين كما تريد وتحرص عليه.
ولكن حكمته اقتضت أن يكون بعضهم مؤمنين كما تحب، وبعضهم كفارًا وهم الذين اتخذوا من دون الله أولياء؛ لأنه سبحانه شاء أن يكون الإيمان مبنيًا على التكليف والاختيار...
ولو شاء لجعل الإيمان بالقسر والإلجاء، فكان الناس جميعًا أمة واحدة، ولكن له الحجة البالغة، والمثل الأعلى، لم يشأ ذلك، فلا تأس على عدم إيمان قومك...
وقد جاء هذا المعنى في غير آية... منها كقوله: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأنعام: ٣٥]، وقوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [السجدة: ١٣]»46.
وقال ابن عاشور في هذه الآية: «أي: ولكن شاء مشيئة أخرى جرت على وفق حكمته، وهي أن خلقهم قابلين للهدى والضلال بتصاريف عقولهم وأميالهم، ومكنهم من كسب أفعالهم وأوضح لهم طريق الخير وطريق الشر بالتكليف، فكان منهم المهتدون وهم الذين شاء الله إدخالهم في رحمته، ومنهم الظالمون الذين (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)...
وهذا مسوق؛ لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على تمنيهم أن يكون الناس كلهم مهتدين، ويكون جميعهم في الجنة»47.
وقد جاء في الحديث ما يؤكد على هذا الاختلاف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)48.
١. الاختلاف العقدي.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[البقرة: ٢١٣]
قال الرازي في قوله تعالى: «(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) أي: وما اختلف في الحق إلا الذين أوتوا الكتاب.
وقال أكثر المفسرين: المراد بهؤلاء: اليهود والنصارى، والله تعالى كثيرًا ما يذكرهم في القرآن»49.
والمراد بالاختلاف الذي بعث الله النبيين؛ ليحكموا فيه بين الناس: هو الاختلاف في الآراء والنحل والأديان والمعتقدات المتعلقة بما يسعد الإنسان به أو يشقى في الآخرة والدنيا، والاختلاف الواقع بينهم على أوجه منها:
الاختلاف في أصل النحلة، وهو قول جماعة من المفسرين50.
قال عطاء في قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [هود: ١١٨]، «اليهود والنصارى والمجوس، والحنيفية، وهم الذين رحم ربك»51.
وأصل هذا الاختلاف هو في التوحيد والتوجه للواحد الحق سبحانه ، فإن الناس في عامة الأمر لم يختلفوا في أن لهم مدبرًا يدبرهم وخالقًا أوجدهم، إلا أنهم اختلفوا في تعيينه على آراء مختلفة، من قائل بالاثنين وبالخمسة، وبالطبيعة أو الدهر، أو بالكواكب، إلى أن قالوا: بالآدميين والشجر والحجارة وما ينحتون بأيديهم، ومنهم من أقر بواجب الوجود الحق لكن على آراء مختلفة أيضًا، إلى أن بعث الله الأنبياء مبينين لأممهم حق ما اختلفوا فيه من باطله، فعرفوا بالحق على ما ينبغي، ونزهوا رب الأرباب عما لا يليق بجلاله من نسبة الشركاء والأنداد، وإضافة الصاحبة والأولاد، فأقر بذلك من أقر به، وهم الداخلون تحت مقتضى قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [هود: ١١٩]52.
وفي وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة: ٢١٣].
قال زيد بن أسلم: «اختلفوا في يوم الجمعة؛ فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة، واختلفوا في القبلة؛ فاستقبلت النصارى الشرق واليهود بيت المقدس، وهدى الله أمة محمد للقبلة، واختلفوا في الصلاة؛ فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في الصيام فمنهم من يصوم النهار، ومنهم من يصوم من بعض الطعام، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود: كان يهوديًا.
وقالت النصارى: كان نصرانيًا، وجعله الله حنيفًا مسلمًا، فهدى الله أمة محمد، للحق من ذلك، واختلفوا في عيسى، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانًا عظيمًا، وجعلته النصارى إلهًا وولدًا، وجعله الله روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك»53.
وقد ذكر الله تعالى أمثلة على اختلاف أهل الكتاب وغيرهم من أهل الشرك فيما يعتقدونه، حيث قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ) [التوبة: ٣٠].
قال السعدي: «(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم، فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرءوا فيها على الله، وتنقصوا عظمته وجلاله، وقد قيل: إن سبب ادعائهم في (ﮝ) أنه ابن الله، أنه لما سلط الله الملوك على بني إسرائيل، ومزقوهم كل ممزق، وقتلوا حملة التوراة، وجدوا عزيرًا بعد ذلك حافظًا لها أو لأكثرها، فأملاها عليهم من حفظه، واستنسخوها، فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة. (ﮠ ﮡ ﮢ) عيسى ابن مريم (ﮣ ﮤﮥ)»54.
واختلف في سبب قولهم لذلك على قولين:
أحدهما: أنه لما خلق من غير ذكر من البشر قالوا: إنه ابن الله! تعالى الله عن ذلك.
الثاني: أنهم قالوا ذلك؛ لأجل من أحياه من الموتى وأبرأه من المرضى55.
ثم قال تعالى: (ﮦ) القول الذي قالوه (ﮧ ﮨ) لم يقيموا عليه حجة ولا برهانًا، ومن كان لا يبالي بما يقول، لا يستغرب عليه أي قولٍ يقوله، فإنه لا دين ولا عقل يحجزه عما يريد من الكلام، ولهذا قال: (ﮪ) أي: يشابهون في قولهم هذا (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) أي: قول المشركين الذين يقولون: (الملائكة بنات الله) (ﯶ ﯷ) [البقرة: ١١٨]، فتشابهت أقوالهم في البطلان، (ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ) أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين، إلى القول الباطل المبين56.
والخلاصة في القول: إن الاختلاف بين الأمم من أهل الكتاب وغيرهم قد يكون في المعتقدات، وفي أصل التوحيد.
٢. الاختلاف في الشرعة والمنهاج.
ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم أنه جعل لكل أهل ملة من الأمم شريعة ومنهجًا واضحًا.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة: ٤٨].
اختلف أهل التأويل في معنى قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ) إلى قولين.
قال ابن الجوزي: «وللمفسرين فيها قولان:
أحدهما: أن المعنى: لكل ملة جعلنا شرعةً ومنهاجًا، فلأهل التوراة شريعة، ولأهل الإنجيل شريعة، ولأهل القرآن شريعة، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أن المعنى: لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعةً ومنهاجًا»57.
والشرعة والشريعة في الأصل: الطريقة الظاهرة، ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الدين، والمنهاج: الطريق المستقيم58، وبينهما فرق لطيف، وهو أن الشريعة: هي التي أمر الله بها عباده، والمنهاج: الطريق الواضح المؤدي إلى تلك الشريعة59.
وفي الآية إخبار عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام، المتفقة في التوحيد، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حرامًا ثم يحل في الشريعة الأخرى، وبالعكس، وخفيفًا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه، وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة، والحجة الدامغة60.
وهذا يدل على عدم التعلق بشرائع الأولين61، لذلك احتج بهذه الآية من قال من العلماء بأن شرع من قبلنا لا يلزمنا؛ لأن قوله: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) يدل على أن كل رسول جاء بشريعة خاصة فلا يلزم أمة رسول الاقتداء بشريعة رسول آخر62.
وقال أبو زهرة في هذه الآية: «الخطاب لليهود والنصارى والمسلمين وغيرهم من الذين أوتوا كتابًا نزل بشريعة من عند الله تعالى.
والمعنى على هذا: أن لكل نبي من الأنبياء السابقين شرعة يسير نحوها، ويتجه إليها، ومنهاجًا واضحًا بينًا يسير في طريقه، ولا يخرج منه، والذين يعاصرونه -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- هم الذين يخاطبون بشرعته، ويسيرون في منهاجه، فالذين نزل فيهم القرآن مخاطبون بما جاء في القرآن، وشرعته ومنهاجه لهم؛ لأن شرعة الأنبياء السابقين ومنهاجهم قد انتهيا بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وبقي من شرائعهم ما يقره القرآن، وما جاء النص بإقراره»63.
والخلاصة في القول: إن لكل أهل ملة من الأمم السابقة جعل الله لها شريعة ومنهجًا واضحًا يبينه، وأن أصل الدين المتفق عليه بين الرسل هو التوحيد، وأن الشرائع السابقة قد انتهت بمبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الشرعة: هي الشريعة التي أمر الله بها عباده، والمنهاج: هو الطريق الواضح المؤدي إلى تلك الشريعة. والله أعلم.
٣. الاختلاف بالنسك.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الحج: ٦٧].
قال الطبري: «وقوله: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) يقول: لكل جماعة قوم خلت من قبلك يا محمد، جعلنا مألفًا يألفونه، ومكانًا يعتادونه لعبادتي فيه، وقضاء فرائضي، وعملًا يلزمونه، وأصل المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر، يقال: إن لفلان منسكًا يعتاده: يراد مكانًا يغشاه ويألفه لخير أو شر، وإنما سميت مناسك الحج بذلك؛ لتردد الناس إلى الأماكن التي تعمل فيها أعمال الحج والعمرة»64.
وقال السعدي في هذه الآية (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ): «يخبر تعالى أنه جعل لكل أمة (ﭽ) أي: معبدًا وعبادة، قد تختلف في بعض الأمور، مع اتفاقها على العدل والحكمة، (ﭾ ﭿ) أي: عاملون عليه بحسب أحوالهم، فلا اعتراض على شريعة من الشرائع، خصوصًا من الأميين، أهل الشرك والجهل المبين»65.
وفي قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ) .
قال القاسمي: «أي: في ذلك الجعل والوضع والحوار في تنوعه في كل أمة، وعدم وحدته، أو في أمر ما جئتهم به؛ لأنهم جاهلون بحكمته سبحانه وتعالى في تكوين الأمم وتربيتها بالشرائع المناسبة لزمنها ومكانها، وحياتها ومنشئها»66.
فلكل زمان ما يليق به من الشرائع التي تناسب من فيه في تلك الحقبة.
وقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ) [الحج: ٣٤].
قال النيسابوري في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) أي: «موضعًا أو وقتًا يذبح فيه النسائك أي: الذبائح لوجهه على جهة التقرب، وجعل الغاية في ذلك هي أن يذكر اسمه على نحرها، ثم بين العلة في تخصيص اسمه بذلك قائلًا: (ﮌ ﮍ ﮎ)»67، أي: فإن معبودكم واحد، وإن اختلفت العبادات بحسب الأزمنة والأمكنة، ونسخ بعضها بعضًا، فما المقصد منها جميعًا إلا عبادة الله وحده لا شريك له68.
وإنما اختلفت التكاليف باختلاف الأزمنة والأشخاص؛ لاختلاف المصالح، لا لتعدد الإله69.
والخلاصة في القول: أن النسك يختلف باختلاف الشرائع والأمم، فلكل أمة منسكًا هم ناسكوه.
من سنة الله في خلقه سنة التفاضل، فقد خلق سبع سماوات ثم اختار سابعها، وخلق الملائكة واصطفى منهم جبريل، وخلق الأرض وكرم منها مكة، وخلق البشر واصطفى منهم الرسل، وكذلك خلق الأمم واصطفى منهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وسيتم الحديث عن اصطفاء الله لهذه الأمة من خلال النقاط الآتية:
أولًا: دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
أخبر الله عز وجل عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وما كانا يفعلان في بناء البيت، وما كانا يقولان وهما يبنيان، حيث قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة: ١٢٧-١٢٩].
قال المراغي: «(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) أي: واذكروا إذ يرفع إبراهيم قواعد البيت وأساسه، وهذا نص في أنهما هما اللذان بنياه لعبادة الله في تلك البلاد الوثنية... (ﭘ ﭙ ﭚ) أي: إن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما وهما يرفعان قواعد البيت: (ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) أي: ربنا أنت السميع لدعائنا، العليم بنياتنا في جميع أعمالنا»70.
وفي الآية دليل: أن الإنسان إذا عمل خيرًا ينبغي أن يدعو الله بالقبول، ويقال: ينبغي أن يكون خوف الإنسان على قبول العمل بعد الفراغ أشد من شغله بالعمل، لأن الله تعالى قال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٢٧]71.
وفي الآية كذلك تذكير للعرب بأن الذي بنى البيت هو أبوهم إبراهيم بمعونة ابنه إسماعيل؛ ليجذبهم بذلك إلى الاقتداء بسلفهم الصالح الذي ينتمون إليه ويفاخرون به، وقد كانت قريش تنتسب إلى إبراهيم وإسماعيل، وتدعى أنها على ملة إبراهيم، وسائر العرب في ذلك تبع لقريش72.
وقال البيضاوي في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) أي: «مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين من أسلم، إذا استسلم وانقاد، والمراد: طلب الزيادة في الإخلاص والإذعان، أو الثبات عليه»73، وفي قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) .
قال ابن عاشور: «وهذا دعاء ببقاء دينهما في ذريتهما، (ﭥ) في قوله: (ﭥ ﭦ)؛ للتبعيض، وإنما سألا ذلك لبعض الذرية؛ جمعًا بين الحرص على حصول الفضيلة للذرية وبين الأدب في الدعاء؛ لأن نبوءة إبراهيم تقتضي علمه بأنه ستكون ذريته أممًا كثيرة، وأن حكمة الله في هذا العالم جرت على أنه لا يخلو من اشتماله على الأخيار والأشرار، فدعا الله بالممكن عادة، وهذا من أدب الدعاء»74.
وقيل: أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم 75.
وكل قوم نسبوا إلى نبي فأضيفوا إليه فهم أمته، وكل جيل من الناس أمة على حدة76، ويقال: إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته لهذه الأمة77.
وفي قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) .
قال البيضاوي: «(ﭪ ﭫ) متعبداتنا في الحج، أو مذابحنا، والنسك في الأصل غاية العبادة، وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة، (ﭬ ﭭ) استتابة لذريتهما، أو عما فرط منهما سهوًا، ولعلهما قالا هضمًا لأنفسهما وإرشاد لذريتهما (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) لمن تاب»78.
وفائدة تكرير النداء بقوله: (ﭴ)؛ إظهار الضراعة إلى الله تعالى وإظهار أن كل دعوى من هاته الدعوات مقصودة بالذات، ولذلك لم يكرر النداء إلا عند الانتقال من دعوة إلى أخرى، فإن الدعوة الأولى لطلب تقبل العمل والثانية لطلب الاهتداء79.
وقول إبراهيم وإسماعيل: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) يدل على أن الإسلام والإيمان سواء؛ إذ لم يسألا إلا أعلى الرتب وأشرف المنازل، وهو الإيمان الذي هو الإسلام80.
وقال الطبري في تأويل قوله تعالى: «(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) وهذه دعوة إبراهيم وإسماعيل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وهي الدعوة التي كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى)»8182.
وطلبا في ذلك الموقف أن يكون الرسول (ﭸ)؛ ليكونوا أسكن إليه وأسهل عليهم83.
وقد أجاب الله دعاءهما وكون منهم أمة كانت خير الأمم، سادت العالم وملكت المشارق والمغارب ردحًا من الزمان، وكان فيها رجال حفظ لهم التاريخ صادق بلائهم، وعظيم سياستهم للشعوب التي انضوت تحت لوائهم، بما لم تجارهم فيه أرقى الأمم مدنية في عصرنا، عصر الرقي والحضارة84.
ثانيًا: وسطية الأمة المحمدية:
شرف الله تعالى هذه الأمة وفضلها بأن جعلها أمة وسطًا بين الأمم.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣]، والوسط في كلام العرب: الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي: متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه، وهو وسط في قومه وواسط85.
قال أبو نخيلة 86:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم
وللمفسرين في هذه الآية معان عدة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
قال الإمام الطبري رحمه الله: «ومعنى الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء، الذي هو بين الطرفين، مثل: وسط الدار، وإنما وصفهم بذلك؛ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، كغلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، كتقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك؛ إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها»87.
وقال ابن كثير رحمه الله: «والوسط هاهنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا، أي: خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه، أي: أشرفهم نسبًا، ولما جعل الله هذه الأمة وسطًا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحج: ٧٨]»88.
وقال السعدي رحمه الله: «(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) أي: عدلًا خيارًا، ، فجعل الله هذه الأمة، وسطًا في كل أمور الدين، وسطًا في الأنبياء، بين من غلا فيهم كالنصارى، وبين من جفاهم كاليهود.
وفي باب الطهارة والمطاعم، لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، ولا يطهرهم الماء من النجاسات، وقد حرمت عليهم الطيبات، عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئًا، ولا يحرمون شيئًا، بل أباحوا ما دب ودرج، بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها»89.
وقال سيد قطب في تفسير هذه الآية: «وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط، سواء من الوساطة بمعنى: الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى: الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه المادي والحسي، أمة وسطًا في التصور والاعتقاد، أمة وسطًا في التفكير والشعور، أمة وسطًا في التنظيم والتنسيق، أمة وسطًا في الارتباطات والعلاقات، أمة وسطًا في الزمان، أمة وسطًا في المكان... وما يعوق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا الذي وهبه الله لها، إلا أنها تخلت عن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة، ليست هي التي اختارها الله لها»90.
وسبب نزول هذه الآية كما قال ابن الجوزي: «أن اليهود قالوا: قبلتنا قبلة الأنبياء، ونحن عدل بين الناس، فنزلت هذه الآية»91.
وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة، وأنهم معصومون عن الخطأ؛ لإطلاق قوله: (ﭭ) فلو قدر اتفاقهم على الخطأ، لم يكونوا وسطًا، إلا في بعض الأمور، ولقوله: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك، وفيها اشتراط العدالة في الحكم، والشهادة، والفتيا، ونحو ذلك92.
ثالثًا: خيرية الأمة:
وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بأنها خير الأمم، حيث قال جل شأنه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].
قال الماتريدي: «وقوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) ، يحتمل معناها وجوهًا:
يحتمل: (ﭞ): أي: صرتم خير أمة أظهرت للناس؛ بما تدعون الخلق إلى النجاة والخير.
ويحتمل: (ﭞ ﭟ ﭠ) في الكتب السالفة؛ بأنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
ويحتمل: تكونون خير أمة إن أمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر.
(ﭞ): صرتم خير أمة، وكانوا كذلك هم خير ممن تقدمهم من الأمم؛ بما بذلوا مهجهم لله في نصر دينه، وإظهار كلمته، والإشفاق على رسوله، حتى كان أحب إليهم من أنفسهم؛ ويرونه أولى بهم»93.
وأصل الخطاب في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ) لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعم سائر أمته94، وإنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة؛ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى95.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم -ثم ذكر كلام السلف في تأويل هذه الآية- بأن المعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ ولهذا قال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)... ثم قال: والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم... وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبيًا قبله ولا رسولًا من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه96.
ولكن هذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله97.
فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح لهم، كما قال قتادة: «بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها»98.
وقد ذكر أن سبب نزول هذه الآية: «أن مالك بن الصيف ووهب بن يهودا اليهوديين قالا لعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة: نحن أفضل منكم وديننا خير من دينكم الذي تدعوننا إليه فأنزل الله هذه الآية»99، والخلاصة: إن هذه الخيرية لا تثبت لهذه الأمة إلا إذا حافظت على هذه الأصول الثلاثة، فإذا تركتها لم تكن لها هذه المزية.
والآية تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الأمم، ولا صلاح لهم إلا إذا قاموا بحقه، فالأمم تصلح بالأمر بالمعروف، وتفسد بتركه، ولهذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله في الذكر، مع أن الإيمان مقدم على كل الطاعات، ولأنهما كذلك سياج الإيمان وحفاظه، فكان تقديمهما في الذكر موافقًا للمعهود عند الناس في جعل سياج كل شيء مقدمًا عليه100. وقد استدل بهذه الآية على أن إجماع هذه الأمة حجة؛ لأنها لو لم تحكم بالحق، لم تكن خيرًا من المبطل؛ ولأن اللام في (ﭤ) وفي (ﭧ)؛ للاستغراق فيقتضي كونهم آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر، فيكون إجماعهم حقًا101.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة: ٢١٣]، هذه هي سنة الله تعالى في إرسال رسله للبشرية؛ ليهدوهم إلى صراط مستقيم الذي يجمع كلمتهم ويوحد صفهم، وقد وعد الله تعالى بالنعيم المقيم لكل أمة استجابت لرسولها وآمنت به، وتوعد كل أمة كذبت رسولها بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فكانت هذه هي آجال الأمم المرسومة في كتاب الله تعالى، وهذا ما سنوضحه بشيء من التفصيل فيما يأتي:
أولًا: لكل أمة أجل:
ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم بأن لكل أمة أجلًا، وأنه لا يسبق أحد أجله المحدد له، ولا يتأخر عنه.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف: ٣٤].
قال الخازن في هذه الآية: «قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) الأجل: الوقت المؤقت لانقضاء وقت المهلة، ثم في هذا الأجل المذكور في الآية قولان:
أحدهما: أنه أجل العذاب، والمعنى: أن لكل أمة كذبت رسله وقتًا معينًا، وأجلًا مسمى أمهلهم الله إلى ذلك الوقت (ﮢ ﮣ ﮤ) يعني: إذا حل وقت عذابهم (ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ) يعني: فلا يؤخرون ولا يمهلون قدر ساعة ولا أقل من ساعة، وإنما ذكرت الساعة؛ لأنها أقل أسماء الوقت في العرف، وهذا حين سألوا نزول العذاب، فأخبرهم الله تعالى أن لهم وقتًا إذا جاء ذلك الوقت هو وقت إهلاكهم واستئصالهم، فلا يؤخرون عنه ساعة ولا يستقدمون.
والقول الثاني: أن المراد بهذا الأجل هو أجل الحياة والعمر، فإذا انقضى ذلك الأجل وحضر الموت، فلا يؤخر ساعة ولا يقدم ساعة، وعلى هذا القول يلزم أن يكون لكل واحد أجل لا يقع فيه تقديم ولا تأخير، وإنما قال تعالى: (ﮞ ﮟ) ؛ لتقارب أعمار أهل كل عصر، فكأنهم كالواحد في مقدار العمر»102.
وأما ابن عاشور فقال في هذه الآية: «وليس المراد في الآية، بأجل الأمة، أجل أفرادها، وهو مدة حياة كل واحد منها؛ لأنه لا علاقة له بالسياق، ولأن إسناده إلى الأمة يعين أنه أجل مجموعها لا أفرادها، ولو أريد آجال الأفراد لقال: لكل أحد أو لكل حي أجل»103.
والأجل يطلق على مدة الإمهال، ويطلق على الوقت المحدد به انتهاء الإمهال، ولا شك أنه وضع في الآية لأحد الأمرين، ثم استعمل في الآخرة على تأويل منتهى المدة، أو تأخير المنتهى، وشاع الاستعمالان.
فعلى الأول: يقال: قضى الأجل، أي: المدة، كما قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ) [القصص: ٢٨].
وعلى الثاني: يقال: دنا أجل فلان.
وقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الأنعام: ١٢٨]، والواقع في هذه الآية يصح للاستعمالين بأن يكون المراد بالأجل الأول المدة، وبالثاني الوقت المحدد لفعل ما104، والغرض من ذكر الأجل هو التخويف؛ ليتشدد المرء في القيام بالتكاليف كما ينبغي105.
وذكر عموم الأمم في هذا الوعيد، مع أن المقصود هم المشركون من العرب الذين لم يؤمنوا، إنما هو مبالغة في الإنذار والوعيد بتقريب حصوله كما حصل لغيرهم من الأمم على طريقة الاستشهاد بشواهد التاريخ في قياس الحاضر على الماضي، فيكون الوعيد خبرًا معضودًا بالدليل والحجة، كما قال تعالى في آيات كثيرة منها: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)[آل عمران: ١٣٧]106.
وخلاصة معنى الآية: إن لكل أمة أجلًا لا يتأخرون عنه إذا جاء، ولا يتقدمون عليه أيضًا ، فيهلكوا قبل مجيئه، وبنحو هذه الآية قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الحجر: ٥].
ثانيًا: نهاية الأمم:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم ما حل بالأمم السابقة من العذاب بسبب تكذيبهم رسلهم، وكفرانهم نعمه جل وعلا، وهذه من سنن الله الثابتة في هلاك الظالمين.
وقد ذكر الله جل وعلا نوعين من العذاب، حيث قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الإسراء: ٥٨].
فهذه الآية بينت نوعين من العذاب:
فالنوع الأول: الهلاك، ويقصد به الفناء والاستئصال107.
والنوع الثاني: العذاب الشديد، ويقصد به القتل بالسيف أو الزلازل أو الأمراض أو الخوف أو غير ذلك108. وهذا ما يسمى بنهاية العطاء الحضاري.
وسوف نبين هذين النوعين بشيء من التفصيل فيما يأتي:
١. نهاية العطاء الحضاري.
وهو العذاب الذي لا يؤدي إلى زوال الأمة، كالنقص في الأموال والأنفس والشدة والقحط وغير ذلك.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنعام: ٤٢].
قال القاسمي في تفسير هذه الآية: «(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: رسلًا، فكذبوهم ولم يبالوا؛ لكونهم في الرخاء، (ﯣ ﯤ) أي: الشدة والقحط، (ﯥ) أي: المرض ونقصان الأنفس والأموال (ﯦ ﯧ) أي: يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون إليه من كفرهم ومعاصيهم، فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد»109.
فأخذهم بالبأساء والضراء، أخذ ابتلاء واختبار، وذلك مفيد لهم؛ لأن سنة الله قد جرت بأنهم في مثل هذه الحال يتضرعون ويجأرون بالدعاء إلى ربهم، فالشدائد تربي النفوس وتهذب الأخلاق، فترجع المغرورين عن غرورهم، وتكف الفجار عن فجورهم110.
وهذا رحمة من الله تعالى بهم111.
٢. نهاية استئصال.
وهو ذهاب الأمة برمتها بحيث يهلك أفرادها بعذاب ما، ولا يبقى منهم أحد، كما حدث لقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ولكن يبقى من هؤلاء الصالحون.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [غافر: ٥].
قال المراغي في تفسير هذه الآية: «كذبت قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب، فحلت بهم نقمتنا بعد بلوغ أمدهم، كما هي سنتنا في أمثالهم من المكذبين، كعاد وثمود ومن بعدهم، وكانوا في جدلهم على مثل الذي عليه قومك، فأهلكتهم واستأصلت شأفتهم، فلم أبق منهم ديارًا ولا نافخ نار، وصاروا كأمس الدابر، وإنكم لتمرون على ديارهم مصبحين وممسين، كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ) [الصافات: ١٣٧-١٣٨]، وهكذا سأفعل بقومك إن هم أصروا على الكفر والجدل في آيات الله.
وفي الآية تسلية لرسوله على تكذيب من كذبه من قومه، وبأن له أسوة في سلفه من الأنبياء، فإن أقوامهم كذبوهم وما آمن منهم إلا قليل»112، وتهديد لمن جادل في آيات الله؛ ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق؛ ليبطلوه، وعلى الباطل؛ لينصروه113.
جعل الله تعالى دار الدنيا دار عمل ومسابقة ومنافسة على طاعة الله تعالى، وأمهل فيها كل أمة مهلة كافية؛ لتؤمن فيها برسولها، وترى دلائل ربوبية الله تعالى وألوهيته، وصدق رسله ماثلة مبثوثة في آياته الكونية والشرعية، ثم جعل الله تعالى الحياة الآخرة دارًا يحاسب فيها كل أمة بعملها، ويقيم على كل أمة شهودًا على أن كل رسول قد أقام الحجة على أمته.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [النساء: ١٦٥].
أولًا: لكل أمة شهيد:
أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن للأمم شهداء عليهم يوم القيامة، وشهداء الأمم أنبياؤهم، وسوف يشهدون عليهم بما عملوا.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ٤١].
قال البغوي: «وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ)، أي: فكيف الحال وكيف يصنعون إذا جئنا من كل أمة بشهيد، يعني: نبيها يشهد عليهم بما عملوا، (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) شاهدًا يشهد على جميع الأمة على من رآه ومن لم يره»114.
وهذه الشهادة عبارة عن عرض أعمال الأمم على أنبيائهم، لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين ومقابلة عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم بعقائد الأنبياء وأعمالهم وأخلاقهم، فمن شهد لهم نبيهم بأنهم على ما جاء به وما أمر الناس بالعمل به فهم ناجون ومن تبرأ منهم أنبياؤهم؛ لمخالفة أعمالهم وعقائدهم لما جاءوا به فأولئك هم الخاسرون، وإن ادعوا اتباعهم والانتماء إليهم115.
فجعل الله شهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق؛ لتكون الحجة على المسيء أبلغ، والتبكيت له أعظم، وحسرته أشد، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول، وأظهر الطاعة أعظم، ويكون هذا وعيدًا للكفار الذين قال الله فيهم: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ٤٠]، ووعدًا للمطيعين الذين قال الله فيهم (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النساء: ٤٠]116.
وجاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي) قلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأت سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) قال: (حسبك الآن) فإذا عيناه تذرفان117.
وبكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر؛ إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدًا118.
قال ابن عاشور: «لا فعل أجمع دلالة على مجموع الشعور عند هذه الحالة من بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه دلالة على شعور مجتمع فيه دلائل عظيمة: وهي المسرة بتشريف الله إياه في ذلك المشهد العظيم، وتصديق المؤمنين إياه في التبليغ، ورؤية الخيرات التي أنجزت لهم بواسطته، والأسف على ما لحق بقية أمته من العذاب على تكذيبه، ومشاهدة ندمهم على معصيته، والبكاء ترجمان رحمة ومسرة وأسف وبهجة»119.
والخلاصة في معنى الآية: أن الله يأتي بالأنبياء شهداء على أممهم بما عملوا، ويؤتى بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم شهيدًا على أمته.
ثانيًا: شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على الأمم السابقة:
لقد بينا فيما سبق، أن الله سبحانه وتعالى شرف هذه الأمة بأن جعلها أمة وسطًا بين الأمم، وذكرنا كلام المفسرين في معنى هذه الوسطية، وسوف نذكر -فيما يأتي- العلة من ذلك، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣].
قال السعدي: «فإن شك شاك في فضل هذه الأمة، وطلب مزكيًا لها، فهو أكمل الخلق، نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فلهذا قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم، أنه إذا كان يوم القيامة، وسأل الله المرسلين عن تبليغهم، والأمم المكذبة عن ذلك، وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم استشهدت الأنبياء بهذه الأمة، وزكاها نبيها»120.
وقال ابن عاشور: «وأما شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فهي شهادة بصدق المسلمين في شهادتهم على الأمم بأن رسلهم أبلغوا إليهم رسالات ربهم»121.
ومما يؤكد على شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على الأمم السابقة، ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنه قد بلغ: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣]، فذلك قوله جل ذكره: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣])122.
وفي الآية (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) دليل على قبول شهادة أهل الإسلام على أهل الكفر، ورد شهادتهم علينا؛ لأنه لو قبلت شهادتنا عليهم على التبليغ، ثم شهد أولئك بأنهم لم يبلغوا، لكان فيه تناقض، فدل أن شهادتنا تقبل عليهم، ولا تقبل شهادتهم علينا. والله أعلم123.
والخلاصة في القول: أن شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على الأمم السابقة بتزكيته وتصديقه لأمته بما شهدت للأنبياء على أممهم بتبليغ الرسالة. والله أعلم.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الأمة على غيرها من الأمم.
ثالثًا: لا تحاسب أمة بذنب غيرها:
أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن كل أمة مؤاخذة بعملها، ولا تحاسب أمة بذنب غيرها.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ١٣٤].
قال السعدي: «(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) أي: مضت (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) أي: كل له عمله، وكل سيجازى بما فعله، لا يؤخذ أحد بذنب أحد، ولا ينفع أحدًا إلا إيمانه وتقواه، فاشتغالكم بهم وادعاؤكم، أنكم على ملتهم، والرضا بمجرد القول، أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم، أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها، هل تصلح للنجاة أم لا؟»124.
و(ﯴ ﯵ) إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون125، وسبب نزول هذه الآية أن اليهود والنصارى كانوا يقولون: نحن على دينهم، فقال لهم تبارك وتعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) ، أي: لا تقدرون عليهم فيشهدوا لكم، فلهم ما عملوا وإنما لكم ما تعملون، وإنما ينظر اليوم إلى أعمالكم، ولا ينفعكم من أعمالهم شيء126.
وقد ذكرت هذه الآية في موضع آخر في السورة نفسها.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة: ١٤١].
وتكرارها كما قال القرطبي: «لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف، أي: إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم فأنتم أحرى، فوجب التأكيد، فلذلك كررها»127.
وقال البيضاوي: «وتكريرها؛ للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطباع من الافتخار بالآباء والاتكال عليهم، وفي الآية تحذيرٌ لنا عن الاقتداء بهم»128.
وفي الآية سواء كانت الأولى أو الثانية دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب، فالعبد مكتسب لأفعاله، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك، فإن كان خيرًا فبفضله وإن كان شرًا فبعدله، وهذا مذهب أهل السنة129.
والخلاصة في القول: إن كل أمة تسأل عن عملها لا عن عمل غيرها، وكل يجازى بما فعله، لا يؤخذ أحد بذنب أحد، ولا ينفع أحدًا إلا إيمانه وتقواه، وأن الاعتماد على أعمال الآباء، والافتخار بهم، والاتكال عليهم لا يجدي شيئًا.
رابعًا: دعوة الأمم لأخذ كتب أعمالها:
ذكر الله سبحانه وتعالى حال الأمم وهي تدعى إلى كتب أعمالها، حيث قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الجاثية: ٢٨].
قال ابن كثير: «(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) أي: على ركبها من الشدة والعظمة (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) يعني: كتاب أعمالها، كقوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الزمر: ٦٩]؛ ولهذا قال: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: تجازون بأعمالكم خيرها وشرها، كقوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [القيامة: ١٣-١٥]»130.
وقال المراغي: «بين الله تعالى حال الأمم في ذلك اليوم، وما تلاقيه من الشدائد؛ انتظارا لفصل القضاء، فقال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) على ركبها؛ لشدة الهول والرعب، واستعدادًا لما تؤمر بها حين فصل القضاء (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) الذي أنزل عليها لتعبد ربها بهديه، وكتابها الذي نسخته الحفظة من أعمالها؛ ليطبق أحدهما على الآخر، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا، ومن خالفه هلك وكان من الأخسرين أعمالًا، ثم ذكر أنهم ينذرون ويبشرون بما سيبنى عليه حكم القضاء، فقال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: ويقال لهم حال دعائهم: اليوم تجازون بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا خيرها وشرها»131.
فكل أمة مدعوة إلى كتابها، الذي تحاسب به، على حسب شريعتها التي دعيت إليها، فلكل أمة شريعة، ولكل أمة حسابها على هذه الشريعة من حيث اتباعها والاستقامة عليها، أو تضييعها والخروج عنها132.
والخلاصة في المعنى: إن كل أمة تدعى؛ لتعرض أعمالها على ما أمرت به في كتابها المنزل عليها من ربها، فإن وافق عملها كتاب ربها نجت، وإن خالف عملها كتاب ربها هلكت. والله أعلم.
خامسًا: تلاعن الأمم في النار:
أخبر الله جل ثناؤه عن تلاعن الأمم من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ٣٨].
قال البغوي: «يقول الله تعالى لهم يوم القيامة: (ﭒ ﭓ ﭔ) أي: مع جماعات (ﭕ ﭖ) أي: مضت (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) يعني: كفار الأمم الخالية، ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) يريد: أختها في الدين لا في النسب، فتلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى، وكل فرقة تلعن أختها، ويلعن الأتباع القادة، ولم يقل: أخاها؛ لأنه عنى الأمة والجماعة، (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) أي: تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار، (ﭩ ﭪ ﭫ) أي: آخرهم دخولًا النار وهم الأتباع (ﭬ) ، أي: لأولاهم دخولًا وهم القادة؛ لأن القادة يدخلون النار أولًا، (ﭭ ﭮ ﭯ) عن الهدى، يعني: القادة (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ) أي: ضعف عليهم العذاب.
قال الله تعالى: (ﭷ ﭸ)، يعني: القادة والأتباع ضعف من العذاب (ﭹ ﭺ ﭻ) ما لكل فريق منكم من العذاب»133.
وفي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) دليل أن الكفار من الجن يعذبون، كما يعذب الكفار من الإنس134.
وفيها كذلك إيماء إلى أنه تعالى لا يسوق الكفار بأجمعهم إلى النار دفعة واحدة، بل يدخلهم أفواجًا، فيكون منهم سابق ومسبوق، ويشاهد الداخل من الأمة في النار من سبقه135.
وفي قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) يقول الماتريدي: «وسبب لعن الأتباع للمتبوعين؛ لما دعوهم إليه وصرفوهم عن دين الله، كقولهم: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) ، ولعن المتبوعين للأتباع؛ لما يزداد لهم العذاب بكثرة الأتباع وبقدرهم؛ فيلعن بعضهم بعضًا، وفيها دليل على أن أهل الكفر -وإن اختلفوا في مذاهبهم- فهم إخوة وأخوات بعضهم لبعض، كالمؤمنين بعضهم إخوة وأخوات لبعض»136.
وقال ابن عاشور في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) مبينًا السبب في مطالبة الأتباع مضاعفة العذاب للمتبوعين: «لأنهم علموا أن الضلال سبب العذاب، فعلموا أن الذين شرعوا الضلال هم أولى بعقوبةٍ أشد من عقوبة الذين تقلدوه واتبعوهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [سبأ: ٣١]»137.
والخلاصة في القول: أن الأمم الكافرة من أهل النار يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا، ويعادي بعضهم بعضًا؛ لأنهم ضل بعضهم باتباع بعض.
موضوعات ذات صلة: |
الاجتماع، الاختلاف، العلاقات الاجتماعية، الوحدة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢١.
2 انظر: الوجوه والنظائر، العسكري ص ٣١.
3 تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص ٢٤٨، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ١٤٢.
4 الكليات، الكفوي ص ١٨١.
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٧.
6 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٦، وانظر: الكليات، الكفوي ص ١٧٦.
7 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٠٠.
8 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤٤٦.
9 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٠٠.
10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٨٠.
11 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان ص ٤٧.
12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٩٦.
13 لسان العرب، ابن منظور ٨/٥٣.
14 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/١٨٢.
15 تهذيب اللغة، الأزهري ٤/٢١٧.
16 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٧٣.
17 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٣.
18 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٩٣.
19 مفاتيح الغيب، ٢٨/١٠٨ بتصرف يسير.
20 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٦٨.
21 محاسن التأويل ٩/١٢٣.
22 تيسير الكريم الرحمن، ص ٨٣٢.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٧٥-٢٨٠.
24 انظر: تفسير القرآن العظيم، ١/٥٦٩.
25 المصدر السابق ٤/٢٥٧.
26 إغاثة اللهفان ٢/٢٠٤.
27 أضواء البيان، الشنقيطي ١/١٥٥.
28 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢/٢٤٦.
29 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢١٥.
30 مفاتيح الغيب، ٢٠/٢٠٤.
31 فتح القدير، الشوكاني ٣/١٩٤.
32 تفسير القرآن العظيم، ٤/٥٧٠.
33 أنوار التنزيل، ٣/٢٢٦ بتصرف يسير.
34 البحر المحيط، ٦/٦٦.
35 مفاتيح الغيب، ٢٦/٢٣٤.
36 التحرير والتنوير، ٢٢/٢٩٦-٢٩٧.
37 تفسير المراغي ٢٢/١٢٤.
38 جامع البيان، ١٨/٦٥٢.
39 تيسير الكريم الرحمن، ص ٧٣٢.
40 انظر: مفاتيح الغيب، ٢٧/٦٢٧- ٦٢٨.
41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٤.
42 تفسير المراغي ٢٥/٨٠.
43 تفسير القرآن العظيم، ٤/٣٦١.
44 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٢.
45 لباب التأويل، الخازن ٢/٥١.
46 تفسير المراغي ٢٥/١٨-١٩.
47 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٣٩.
48 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم٤٥٩٦، والترمذي في سننه، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم٢٦٤٠.
قال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
49 مفاتيح الغيب، ٦/٣٧٦ بتصرف يسير.
50 انظر: الاعتصام، الشاطبي ٢/٦٧١.
51 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٦/٢٠٩٤.
52 الاعتصام، الشاطبي ٢/٦٧١- ٦٧٢.
53 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٢/٣٧٨.
54 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٤.
55 النكت والعيون، الماوردي ٢/٣٥٣.
56 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٤.
57 زاد المسير، ١/٥٥٥ بتصرف واختصار.
58 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ٤/٣٧٠.
59 لباب التأويل، الخازن ٢/٥١.
60 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٢٩.
61 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢١١.
62 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٥١.
63 زهرة التفاسير، ٤/٢٢٢٦-٢٢٢٧ بتصرف واختصار.
64 جامع البيان، ١٨/٦٧٨-٦٧٩ بتصرف يسير.
65 تيسير الكريم الرحمن، ص ٥٤٥ باختصار.
66 محاسن التأويل، ٧/٢٧٣ بتصرف واختصار.
67 غرائب القرآن، ٥/٨١ بتصرف واختصار.
68 تفسير المراغي ١٧/١١٣.
69 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٥/٨١.
70 تفسير المراغي ١/٢١٥ باختصار.
71 تفسير السمرقندي ١/٩٣.
72 انظر: تفسير المراغي ١/٢١٥.
73 أنوار التنزيل، ١/١٠٦.
74 التحرير والتنوير، ١/٧٢٠.
75 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٠٦.
76 الوسيط، الواحدي ١/٢١١.
77 النكت والعيون، للماوردي ١/١٩١.
78 أنوار التنزيل، ١/١٠٦.
79 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٧١٩.
80 الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١/٤٤٤.
81 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٣٧٩، رقم ١٧١٥٠.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ٥/١٠٢، رقم ٢٠٨٥.
82 جامع البيان، الطبري ٣/٨٢.
83 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ١/١٢٦.
84 انظر: تفسير المراغي ١/٢١٨.
85 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٤١.
86 البيان والتبيين، الجاحظ ٣/١٥٣.
87 جامع البيان، ٣/١٤٢ بتصرف.
88 تفسير القرآن العظيم، ١/٤٥٤ باختصار.
89 تيسير الكريم الرحمن، ص ٧٠.
90 في ظلال القرآن، ١/١٣١-١٣٢.
91 زاد المسير، ١/١١٩.
92 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧١.
93 تأويلات أهل السنة، ٢/٤٥٠ - ٤٥١ بتصرف يسير.
94 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٥٦.
95 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٧١.
96 انظر: تفسير القرآن العظيم، ٢/٩٣-٩٤.
97 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٨٩.
98 أخرجه الطبري في تفسيره ٧/١٠٢.
99 لباب التأويل، الخازن ١/٢٨٤.
100 انظر: تفسير المراغي ٤/٣٠، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/٢٣٢٠.
101 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٢٣٤.
102 لباب التأويل، الخازن ٢/١٩٦.
103 التحرير والتنوير، ٨/١٠٤-١٠٥.
104 المصدر السابق ٨/١٠٣-١٠٤.
105 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٣٤.
106 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/١٠٣.
107 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٧٥.
108 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٣١٧.
109 محاسن التأويل، ٤/٣٥٩.
110 انظر: تفسير المراغي ٧/١٢٣-١٢٤.
111 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٥٦.
112 انظر: تفسير المراغي ٢٤/٤٥.
113 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٢.
114 معالم التنزيل، ١/٦٢٤.
115 تفسير المراغي ٥/٤٣.
116 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٨٣.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب قول المقرئ للقارئ حسبك، ٦/١٩٦، رقم ٥٠٥٠.
118 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٩٧.
119 التحرير والتنوير، ٥/٥٨.
120 تيسير الكريم الرحمن، ص ٧٠-٧١ بتصرف يسير.
121 التحرير والتنوير، ٢٩/٢٧٣.
122 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا)، رقم ٤٤٨٧.
123 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١/٥٨٤.
124 تيسير الكريم الرحمن، ص ٦٧.
125 مدارك التنزيل، النسفي ١/١٣٣.
126 انظر: تفسير السمرقندي ١/٩٦.
127 الجامع لأحكام القرآن، ٢/١٤٧.
128 انظر: أنوار التنزيل، ١/١١٠.
129 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١٣٩.
130 تفسير القرآن العظيم، ٧/٢٧١ باختصار.
131 تفسير المراغي ٢٥/١٦٢-١٦٣ باختصار.
132 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/٢٥٢-٢٥٣.
133 انظر: معالم التنزيل، ٢/١٩١.
134 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٤/٤١٨.
135 انظر: تفسير المراغي ٨/١٤٨.
136 تأويلات أهل السنة، ٤/٤١٨.
137 التحرير والتنوير، ٨/١٢٢-١٢٣.