عناصر الموضوع

مفهوم الألوهية

الألوهية في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الألوهية أصل التوحيد

أركان الألوهية

نفي ألوهية غير الله

منهج القرآن في إثبات الألوهية

حقوق الألوهية

مدعو الألوهية في القرآن

الألوهية

مفهوم الألوهية

أولًا: المعنى اللغوي:

الهمزة واللام والهاء أصل واحد، أله يأله من باب تعب إذا تحير؛ إذ العقول تتحير في معرفته، وقيل: من أله الفصيل إذا أولع بأمه؛ إذ العباد مولعون بالتضرع إلى الله، وأصله وله يوله، إلاهة وألوهة وألوهية، بضمهما، بمعنى عبد عبادة، وتأله تعبد، والإله المعبود وهو الله عز وجل، ثم استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله تعالى من الأصنام وغيرهم؛ لاعتقادهم أن العبادة تحق لها، والتأليه: التعبيد، والتأله: التنسك والتعبد، وقيل: اشتقاقه من ألهت إليه: أي فزعت إليه.

قال سيبويه: الإله أصل اسم اللاه تعالى، فحذفت الهمزة، وجعلت الألف واللام عوضًا لازمًا، فصار بذلك كالاسم العلم، والجمع آلهة وأله إلاهة بالكسر، ومنه قولنا: (الله) وأصله إلاه على فعال، بمعنى مفعول؛ لأنه مألوه، أي: معبود، كقولنا: إمام فعال بمعنى مفعول؛ لأنه مؤتم به1. وأله فلانًا: اتخذه إلهًا، وتأله فلان: تنسك وتعبد، وادعى الألوهية، و(التأليه) القول بوجود إله مدبر للكون2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

المعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والإله المألوه الذي تألهه القلوب، وكونه يستحق الألوهية مستلزم لصفات الكمال، فلا يستحق أن يكون معبودًا محبوبًا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد»3.

والإله الحق هو الذي تحق له العبادة وتجب دون غيره من المعبودات4.

وتوحيد الألوهية: صرف جميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة لله تعالى، دون شرك أو رياء، كالخوف، والرجاء، والتوكل، والصلاة، والزكاة.

الألوهية في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أله) في القرآن (٢٨٥١) مرة5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

اسمًا مفردًا

١١١

( ﯿ ) [البقرة:١٦٣]

اسمًا جمعًا

٢

( ) [النحل:٥١]

اسمًا مجموعًا

٣٤

( ) [الفرقان:٣]

لفظ الجلالة (الله)

٢٦٩٩

( ) [الإخلاص:١]

اللهم

٥

( ﭿ ) [يونس:١٠]

ويدور معنى الألوهية في القرآن الكريم حول العبادة واللجوء6.

الألفاظ ذات الصلة

الربوبية:

الربوبية لغةً:

الرب: هو الله عز وجل، هو رب كل شيء، أي: مالكه ومستحقه، وله الربوبية على جميع الخلق، لا شريك له، وهو رب الأرباب، ومالك الملوك والأملاك، والرب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله عز وجل وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: رب الدين ورب المال7.

الربوبية اصطلاحًا:

أما الربوبية فهي مصدر صناعي، وهي صفة لله تعالى بكونه ربًا8.

الصلة بين الألوهية والربوبية:

والذي يظهر أن كلًا منهما يستلزم الآخر، فالإله الحق يلزم أن يكون متصفًا بصفات الربوبية، واتصافه بصفات الربوبية يلزم منه أن يكون إلهًا.

العبادة:

العبادة لغةً:

من الفعل عبد يعبد، عبادةً وعبوديةً، والمفعول: معبود، وعبد الله بمعنى وحده وأطاعه، وانقاد وخضع وذل له، والتزم شرائع دينه، وأدى فرائضه9.

العبادة اصطلاحًا:

قال المناوي: «العبادة فعل المكلف على خلاف هوى نفسه؛ تعظيمًا لربه، وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصت بالرب، وهي أخص من العبودية التي تعني مطلق التذلل»10.

وقال الراغب: «العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى »11.

الصلة بين الألوهية والعبادة:

إن بين الألوهية والعبادة علاقة وثيقة، فالإقرار بالألوهية ينتج عنها بالضرورة العبادة، فصفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها إلا الله عز وجل، فإذا عرفنا ذلك واعترفنا به حقًا أفردناه بالعبادة كلها، الظاهرة، والباطنة، فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله، وحقوق خلقه، وغير ذلك من العبادات.

الألوهية أصل التوحيد

لقد أقر المشركون بأن الله الخالق والرازق، ولكنهم أشركوا في توحيد الألوهية والعبادة.

قال تعالى: ( ﯘﯙ ) [العنكبوت: ٦١].

لذا كانت دعوة رسل الله جميعًا إلى توحيد الألوهية وعدم الإشراك في عبوديته أحدًا مما خلقه الله جل جلاله .

أولًا: حاجة العبد الفطرية إلى الله سبحانه وتعالى:

إن شعور الإنسان بألوهية الله، وبوجود الله الواحد الأحد هو شعور فطري مستقر في أساس تكوينه، وعلاقته بخالقه هي علاقة المخلوق بخالقه الرحمن الرحيم، وهي علاقة لا يستطيع أي مخلوق دفعها، أو الحياد عنها، فشعور الإنسان بوجود الله خالقه، هو ضرورة من ضروراته التي لا يستطيع أن يتخلى عنها، فحاجة الإنسان إلى الإيمان بالله كحاجته إلى التنفس، وإلى الطعام والشراب، والراحة، فإذا كانت حاجاته هذه قانونًا من قوانين وجوده المادي، فإن إيمانه بالله الخالق، الرحمن، الرحيم، هو قانون من قوانين وجوده الروحي، وضرورة من ضروراته.

لقد كرم الله عز وجل الإنسان بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على الصراط المستقيم الذي ارتضاه لنا وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، وقضية الإيمان بخالق للإنسان والكون والحياة، قضية راسخة في الفطرة الإنسانية عميقة الجذور، عمق الشعور بالذات البشرية واحتياجاتها وعجزها وافتقارها إلى الملجأ والملاذ.

فكما يشعر الإنسان بعمق غرائز الأبوة والأمومة وحب البقاء وحب التملك في كيانه، يشعر بالقلق والاضطراب في روحه أيضًا إن لم تشبع بالطريقة السليمة، وتوجيهها الوجهة السليمة للمعبود الحق12.

قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الأعراف: ١٧٢].

الحديث هنا عن أقدم وأول ميثاق أخذه الله سبحانه وتعالى على كافة العباد، وهم لا يزالون في أصلاب آبائهم في عالم الذر، وهذا الميثاق هو ميثاق فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهو يتضمن في جوهره الإقرار بربوبية الله وبعبودية الإنسان، على أساس من التوحيد والإيمان، فما من إنسان إلا وولد على فطرته الأولى التي أرادها الله جل جلاله، ولم تتعرض فطرته لعوامل التشويه والإفساد، إلا وهو مقر بألوهية الله وربوبيته للعباد، ومعترف من أعماق قلبه بهذا الميثاق، وملتزم بجميع نتائجه وآثاره على الإطلاق، دون معارضة، ولا جحود أو تكبر، ودون أي حجج واهية13.

قال تعالى: ( ﯗﯘ ﯞﯟ ﯣﯤ )[الروم: ٣٠].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء).

ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قال تعالى: ( ﯞﯟ) [الروم: ٣٠]14.

ومن أدلة حاجة العبد إلى ربه جل جلاله أنه يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى حين ييأس من كل شيء حوله، وحين يمسه الضر، وحين يفقد قوته.

قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [يونس: ٢٢].

وقال تعالى: ( ﭚﭛ ﭠﭡ ) [الإسراء: ٦٧].

إن افتقار المخلوق إلى أن يكون عبدًا لله تبارك وتعالى هو افتقار ذاتي فطري، وهو حاجة ملحة لا يسدها حقًا إلا عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي أودع في العبد هذه الحاجة الفطرية، والمشركون والملحدون يلجؤون إلى الله في أوقات الشدة؛ لأن في داخلهم افتقارًا لله سبحانه وتعالى، وهذا الافتقار الذاتي إلى عبادة الله من فطريته وضروريته في النفس الإنسانية، أنه لا يمكن أن ينكره منكر، ولا يكابر فيه مكابر، حتى الكفار الذين جحدوا آيات الله، وعاندوا أنبياء الله عز وجل، وردوا ما جاءوا به من أمر الله، واستكبروا على عبودية الله، فإنك في وقت الشدة تراهم يذعنون لله تبارك وتعالى بالعبودية، ويظهرون الافتقار والحاجة إليه، في وقت الضرورة الذي تنتفي فيه كل البهارج وكل ما يكون على القلب من الكبر والعتو15.

قال تعالى: ( ﯓﯔ ) [يونس: ١٢].

وقال تعالى: ( ) [الروم: ٣٣].

وقال تعالى: ( ﯚﯛ ﯟﯠ ) [الزمر: ٨].

أن يتضرع الناس ويلجؤون وقت الشدة إلى الله، ويعترفون أنه لا ملجأ ولا منجىً منه إلا إليه، وأنه هو الذي يغيث الملهوف، وينقذ المكروب ويكشف الغم هي فطرة، فطر الله سبحانه وتعالى عليها كل واحد.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابًا: لو كانت لك الدنيا وما فيها، أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك -أحسبه قال: ولا أدخلك النار- فأبيت إلا الشرك)16.

وقال ابن تيمية رحمه الله: «إن أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري فطري؛ وذلك أن اضطرار النفوس إلى ذلك أعظم من اضطرارها إلى ما لا تتعلق به حاجتها، ألا ترى أن الناس يعرفون من أحوال من تتعلق به منافعهم ومضارهم، كولاة أمورهم ومماليكهم وأصدقائهم وأعدائهم، مالا يعلمونه من أحوال من لا يرجونه ولا يخافونه، ولا شيء أحوج إلى شيء من المخلوق إلى خالقه، فهم يحتاجون إليه من جهة ربوبيته؛ إذ كان هو الذي خلقهم، وهو الذي يأتيهم بالمنافع، ويدفع عنهم المضار»17.

إن الإنسان متدين بالطبع وبالفطرة.

قال تعالى: ( ﯗﯘ ) [الروم: ٣٠].

ومهمة المربين من آباء ومعلمين ودعاة ومصلحين تربية فطرة المسلم على الإيمان الصحيح وخشية الله وعبادته، والتعليم والقدوة أساس الفضيلة والأخلاق؛ ولذلك كانت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لها قيمة تربوية خلقية، وقد أمرنا الله جل جلاله بأن نتبع الرسول وأن نأخذ ما آتانا وبه وننتهي عما نهانا عنه.

قال تعالى: ( ﮧﮨ ﮪﮫ ) [الحشر: ٧].

والتدين فطرة في الإنسان، يسعد به من هداه الله، فيظهر عليه، ويعيش في رحابه، ويحيا على آدابه، ويخفيه ويقاومه من لم يهده الله، فلا يظهر عليه، ولا يعيش في رحابه، ولا يعرف آدابه، ولا ينطق به إلا وقت الشدائد، يوم لا ينفع نفسًا تدينها ولا إيمانها، ويصيرون كمن إذا أدركته المنية يقول آمنت، يوم لا ينفع الإيمان.

ومما سبق يتضح أن بني آدم جميعًا يشعرون بحاجتهم وفقرهم، وهذا الشعور أمر ضروري فطري، فإذا ألمت بالإنسان -حتى المشرك- مصيبة قد تؤدي به إلى الهلاك فزع إلى خالقه سبحانه، والتجأ إليه وحده، واستغنى به، ولم يستغن عنه، وأدرك أنه لا إله إلا هو، وشعور هذا الإنسان بحاجته وفقره إلى ربه تابع لشعوره بوجوده وإقراره، فرجوع الإنسان وإنابته إلى ربه عند الشدائد دليل على أنه يقر بفطرته بخالقه وربه سبحانه، وهكذا كل إنسان إذا رجع إلى نفسه أدنى رجوع عرف افتقاره إلى الباري سبحانه وتعالى في تكوينه في رحم أمه وحفظه له، وعرف كذلك افتقاره إليه في بقائه وتقلبه في أحواله كلها.

والاعتراف بأن الله هو الخالق لا يتضمن مجرد الإقرار بذلك فقط بل إقرارًا يتبعه عبودية لله بالحب والتعظيم وإخلاص الدين له، وأصل الإيمان قول القلب وعمله، والقلب مفطور على ذلك، وإذا كان بعض الناس قد خرج عن الفطرة بما عرض له من المرض، إما بجهله وإما بظلمه، فجحد بآيات الله واستيقنتها نفسه ظلمًا وعلوًا، لم يمتنع أن يكون الخلق ولدوا على الفطرة.

ثانيًا: الألوهية أصل دعوة الرسل، ومنهجهم في الدعوة إليها:

إن الله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، وأرسل الرسل لبيان هذه الحكمة والدعوة إليها، وبيان تفصيلها وبيان ما يضادها، هكذا جاءت الكتب السماوية، فجميع الرسل عليهم السلام دعوا إلى توحيد الله عز وجل وإخلاص العبادة له.

كما قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ٣٦].

وقال تعالى: ( )[الأنبياء: ٢٥].

والعبادة حق الله على عباده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا)18.

ولقد وردت آيات كثيرة تبين حال الرسل ومنهجهم مع أقوامهم فيقولون لهم: ( ) [الأعراف: ٥٩].

وقد تكررت هذه الآية في القرآن الكريم كثيرًا؛ لأن هذا هو هدف الدعوة إلى الله، عبادة الله وحده.

فبعث الله سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم ليجدد لهم دين أبيهم إبراهيم؛ حيث إنهم أشركوا في الألوهية بحجة أن معبوداتهم تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله عز وجل، لا يصلح منه شيء لأي أحد، وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله جل جلاله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يخلق ولا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره19.

قال تعالى: ( ﯬﯭ ﯿ ﰂﰃ ) [المؤمنون: ٨٤٨٩].

فهذا يوسف عليه السلام وهو الذي كان يعيش في قصر الملك، ولاقى الأذى والسجن ظلمًا من الملك وزوجته، ولكن كل ذلك لم يمنعه من الدعوة إلى عبادة الله وحده، سائرًا على منهج الأنبياء الرباني في الدعوة إلى التوحيد.

قال تعالى: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يوسف: ٣٩-٤٠].

وقد بذل الرسل في سبيل دعوة الناس إلى الله جهودًا عظيمة، وفي هذه الآية نرى الجهد الذي بذله نوح عليه السلام على مدار تسعمائة وخمسين عامًا، فقد دعاهم ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية، واستعمل أساليب الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وحاول أن يفتح عقولهم، وأن يوجهها إلى ما في الكون من آيات20.

قال تعالى: ( ) [نوح: ٢-٣].

ولكنهم أعرضوا، و رفضوا الدعوة، ووقفوا منها موقفًا سلبيًا، وواجهوا نوحًا بعدد من المواقف، فقد أنكروا الدعوة، واتهموه بالضلال، والجنون، والسفاهة21.

قال تعالى: ( ) [نوح: ٥-٧].

وقال تعالى: ( ﯖﯗ ) [نوح: ٢١-٢٤].

لقد قامت دعوة نوح عليه السلام على دعوة الناس إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وقصر العبادة له وحده، وترك ما عدا ذلك، من شرك وضلال، يوضح الله سبحانه وتعالى هذه الحقيقة في آيات متعددة.

قال تعالى: ( ) [الأعراف: ٥٩].

وقال تعالى: ( ﮛﮜ ) [المؤمنون: ٢٣].

وهود عليه السلام دعا قومه، وطلب منهم تصحيح العقيدة، أساس الإيمان، وبين لهم أن العقيدة السليمة تحتاج إلى توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته، وهذا يقتضي منهم أن تكون عبادتهم، وتوجههم لله فقط، وترك عبادة الأصنام والأوثان؛ لأن عبادة غير الله صرفٌ للعمل في غير وجهه، وإضاعة للوقت، والوقوع في الكفر والضلال، وذكرهم بنعم الله فيهم22.

قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯚﯛ ﯥﯦ ﯬﯭ ﯿ ) [هود: ٥٠ ٥٢]

ولكنهم أبوا إلا العناد والكفر.

قال تعالى: ( ﭗﭘ) [هود: ٥٣-٥٤].

ووصية الأنبياء عليهم السلام عند وفاتهم التوحيد.

قال تعالى: ( )[البقرة: ١٣٢-١٣٣].

إننا بحاجة إلى الرسل وتعاليمهم لصلاح قلوبنا، وإنارة نفوسنا، وهداية عقولنا، ونحن بحاجة إلى الرسل كي نعرف وجهتنا في الحياة، وعلاقتنا بالحياة وخالق الحياة، وكيلا ننحرف أو نزيغ فنقع في مستنقع الضلال.

مما سبق يتبين أن جميع الرسل عليهم السلام دعوا الناس إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وترك تأليه ما سواه، ورأينا أن الدعوة إلى عبادة الله جاءت ملازمة للدعوة إلى التوحيد؛ لأن التوحيد بلا عبادة عبث لا يجوز في دين الله عز وجل.

وكان لكل رسول منهجه في القيام للدعوة إلى الله جل جلاله، وقد عانى رسل الله الويلات من أقوامهم ليطمسوا دعوة التوحيد، لكن الله يأبى إلا أن يتم نوره.

أركان الألوهية

الألوهية صفة استحقاق، أي: أن الله عز وجل مستحق للألوهية، ومستحق للعبودية، والإله معناه المعبود كما ذكرنا سابقًا، وهذا مجمع عليه عند أهل اللغة، وأجمع السلف الصالح على أن الإله بمعنى المعبود وحده سبحانه وتعالى، ولهذا فإن (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحق إلا الله.

وقد بين الطبري معنى قوله تعالى: ( ﯿﰀ ) [البقرة: ١٦٣].

أن الذي يستحق الطاعة، ويستوجب منا العبادة معبود واحد ورب واحد، لا رب للعالمين غيره، ولا يستوجب على العباد عبادة سواه، وأن كل ما سواه فهم خلقه، والواجب على جميعهم طاعته، والانقياد لأمره، وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجر الأوثان والأصنام؛ لأن جميع ذلك خلقه وعلى جميعهم الإقرار له بالوحدانية والألوهية، ولا تنبغي الألوهية إلا له، فلا يصح عبادة غيره ولا الشرك معه سواه، فإن من يشركونه مع الله عبادٌ لله مثلهم، وإلهكم إله واحد لا مثل له ولا نظير، ومعنى وحدانية الله نفي الأشباه والأمثال عنه23.

وإن من خواص الألوهية علم السر والعلن، والحياة الدائمة، مما يدل على أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، ويدل على إبطال عبادة غير الله تعالى24.

قال سبحانه وتعالى: ( ﭧﭨ ﭱﭲ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮌﮍ ﮕﮖ ﮨﮩ ) [النحل: ١٧٢٣].

ومما سبق يتضح أن للألوهية أركانًا تقوم عليها، وأركان الألوهية هي:

الأول: النفي: وهو المراد بقولنا: (لا إله) نفي ما يعبد من دون الله جل جلاله.

والثاني: الإثبات: وهو المراد بقولنا: (إلا الله) إثبات أن الله سبحانه وتعالى هو فقط المستحق للعبادة.

إذن مدلول كلمة الشهادة: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله)، فلا عبادة ولا طاعة إلا لله، ولا طريق لذلك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل طريق غيره فإنه لا يوصل إلى المطلوب25.

فمن اجتمعت له هذه الأركان نال كل كمال وسعادة وفلاح، ولا ينقص كمال العبد إلا بنقص واحد من هذه الأشياء، فمن اعتقد أن غير الله تعالى يستحق العبادة مع الله، أو يستحق أن يصرف له أي نوع من أنواع العبادة فهو مشرك في الألوهية.

فليس هناك رب معطٍ رازق إلا الله جل جلاله، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، ولكن هناك من لا يخلص لله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة أخرى، هذا من أشقى خلق الله؛ لأنه لم يسخر نفسه لله فقط.

قال العلامة القنوجي في تفسير قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٢٣].

أنه تقرر أن العبادة لا تجوز إلا لله، وأنه هو المستحق لها، فكل ما يسمى في الشرع عبادة ويصدق عليه مسماها فإن الله يستحقه، ولا استحقاق لغيره فيها، ومن أشرك فيها أحدًا من دون الله فقد جاء بالشرك26.

ويظهر لنا مما سبق بأن من لوازم الاعتراف بالألوهية أن تكون قائمة على أركان ثلاثة، وهي:

  1. الإخلاص، فلا يكون للمرء مراد إلا الله جل جلاله .
  2. الصدق ببذل كل الطاقة لعبادة الله.
  3. المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

نفي ألوهية غير الله

  1. لقد أصر عدد كبير جدًا من السفهاء على عبادة غير الله جل جلاله على مر العصور، وكان الله سبحانه وتعالى يرسل أنبياءه لدعوتهم لتوحيد العبودية له جل جلاله، فنبهوا ووعظوا وأنذروا، وقد جاء في الكتاب الحكيم الكثير من الآيات القرآنية التي بينت فساد ما يعبدون بعدة طرق.

    أولًا: نفي النفع والضر عن المعبودات من دون الله:

    إن العبادة أعظم أنواع التعظيم، فلا تليق إلا بالله الواحد الأحد، خالق كل شيء ومليكه، الذي يضر وينفع، يحيي ويميت، وهذه الأصنام التي عبدوها جماد وحجارة، لا تضر ولا تنفع، وفي هذه الآية توبيخ وتقريع وتبكيت لهؤلاء المشركين الذين يعبدون أصنامًا، لا تضرهم إن عصوها وتركوا عبادتها، ولا تنفعهم إن عبدوها وأطاعوها؛ لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع، والمعبود ينبغي أن يكون مثيبًا ومعاقبًا؛ حتى تعود عبادته بجلب نفع أو دفع ضر27.

    قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯜﯝ ) [يونس: ١٨].

    وكانت حجتهم في عبادتها أنها تشفع لهم عند الله عز وجل، افتروا على الله بدعواهم هذه، فعند الله علم السماوات والأرض لا لأحد غيره.

    قال تعالى: ( ﯿ ﰂﰃ ) [الفرقان: ٥٥].

    إن المشركين بالله يعبدون من دونه آلهة أحجارًا صماء لا تضر ولا تنفع، ويتركون عبادة من أنعم عليهم بالكثير من النعم التي لا تعد ولا تحصى، وهذه الآية تنعى على المشركين خفة أحلامهم وسفه عقولهم في إعراضهم عن توحيد الله، وإنكار ألوهيته، وتندد باتخاذهم آلهة من دون الله يصنعونها بأيديهم ثم يعظمونها، ويقدمون لها القرابين من نعم الله وما أفاءه عليهم، وهي من الضعف والهوان بحيث لا تستطيع أن تجلب لهم نفعًا، ولا أن تدفع عنهم ضرًا، بل هي من المهانة بحيث لا تستطيع أن تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها شرًا، بل كان إن جاع أحدهم أكله، وهم بذلك معينين للشيطان على ربهم، مظاهرين له على معصيته28.

    قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٥٦].

    قال ابن عباس: «إن ناسًا من خزاعة كانوا يعبدون الجن، وهم يرون أنهم هم الملائكة»، وقال مجاهد: «هم قوم من المشركين كانوا يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرًا»29.

    وانصرف النصارى إلى عبادة المسيح دون الله سبحانه وتعالى فأشركوا، كما عبد المشركون البشر والملائكة والأصنام، فكانوا سواء في الكفر والضلال، فأمر الله رسوله أن يخاطبهم متعجبًا منكرًا: ( ﯹﯺ )[المائدة: ٧٦].

    والمسيح لا يملك من الضر والنفع شيئًا مما يقدر عليه الله عز وجل، فهم قد عدلوا عن إفراد الله السميع لأقوال عباده في السر والعلن، العليم بكل شيء، إلى عبادة مخلوق خلقه الله، لا يستطيع أن يضرهم بمثل ما يضرهم الله به من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال، ولا يقدر أن ينفعهم بمثل ما ينفعهم الله به من صحة الأبدان وسعة الأرزاق، فإن الضار والنافع هو الله سبحانه وتعالى، لا من يعبدون من دونه، ومن لم يقدر على النفع والضر لا يكون إلهًا، والله وحده هو السميع العليم30.

    قال ابن عباس: «إن أهل مكة قالوا: يا محمد، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري به فتربح فيه عند الغلاء، وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصبت» فأنزل الله عز وجل: ( ﭛﭜ ﭦﭧ ) [الأعراف: ١٨٨].

    فهذا أمر إلهي لتعليم وتلقين جميع المؤمنين، ولإزالة كل شك أو ريب، في أن الله وحده هو النافع الضار، والمنفرد بالتصرف المطلق في خلقه دون غيره، ولو كان هذا الغير رسولًا فهو أضعف من ذلك، فالرسول لا يملك حتى لنفسه نفعًا ولا ضرًا، رغمًا عن كونه خاتم المرسلين، وخير من وطئت قدمه الثرى، وفي أعلى درجات القرب من الله عز وجل والحصول على رضاه، فيعترف الرسول صلى الله عليه وسلم ببشريته وضعفه أمام قدرة الله جل جلاله، فيقر بأنه لا يقدر على اجتلاب نفع إلى نفسه، ولا دفع ضر يحل بها، ولو كان يعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد لأعد الكثير من الخير31.

    فعلى الإنسان بعد ذلك كله أن يخضع ويسلم أمره لله وحده، فليس هناك ضار أو نافع إلا الله فأمورنا كلها بيده؛ حياتنا، رزقنا، سعادتنا، فلا يضير المرء بعد ذلك قوله الحق، والسطوع به في وجه كل طاغية متجبر يظن أنه إله هذا الكون، ونسي أنه مخلوق ضعيف، لا يملك لنفسه فضلًا عن غيره ضرًا أو نفعًا، فلنكن جميعًا عبيدًا للواحد القهار النافع الضار، ولسنا عبيد مصالح ومناصب.

    ثانيًا: نفي الاستجابة:

    من طرق القرآن الكريم لإثبات الألوهية لله وحده ونفيها عمن سواه التطرق إلى عجزها عن مناصرة من يعبدها وعدم الاستجابة لهم، وهنا بيان لعجز من يدعى من دون الله إما لعدم قدرته على السماع أصلًا، أو لعدم استجابته إن سمع الدعاء، وهذا يدل بلا أدنى شك على عدم استحقاقها للعبادة من دون الله.

    قال تعالى: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٩٤].

    والأمر هنا للتحدي أو للتعجيز، وليس للطلب أو الإباحة، فلقد تحداهم الله عز وجل أن يدعوهم، فإن استجابوا لكم فصدقت دعواكم لهم بالألوهية، ولكن هيهات أن تجيبهم صخور صماء، ولو سمعوا ما استجابوا لهم، وما أجابوهم، ويوم القيامة يتبرؤون منهم ومن عبادتهم لها، فهنا تسفيه لمعتقدات المشركين وإقامة الحجة عليهم32.

    ويذكر الله تعالى أن التعجيز يقع في الآخرة أيضًا.

    فمن ذلك قول الله تعالى: ( ) [الكهف: ٥٢].

    لقد وصف كتاب الله موقف المشركين الحرج يوم القيامة، ممن كانوا يزعمون أنهم شركاء لله، عندما يأمر الله المشركين به أن ينادوا ما كانوا يعبدون من دونه عز وجل ليشفعوا فيهم، وينقذوهم من العذاب الشديد، ثم يدعونهم فلا يستجيبون لهم ولا يلبون نداءهم، بل يتجاهلونهم بالمرة، كأنهم لا يعرفونهم، أو كأن بينهم عداوة متأصلة من قديم، فجعل بين الداعين من المشركين والمدعوين من الشياطين، مهلكًا مشتركًا وهو النار التي يصلونها جميعًا33.

    ونظير ذلك قوله تعالى: ( ﮛﮜ ) [القصص: ٦٤].

    فقد طلب الله عز وجل من الكفار تقريعًا لهم، وتهكمًا وتوبيخًا وتشهيرًا بهم على رؤوس الأشهاد بدعاء ما عبدوا في الدنيا من دون الله لتنصرهم، وتدفع عنهم الأذى، مثلما كانوا يفعلون ذلك في الدنيا، فاستغاثوا بهم، فلم يجيبوهم ولم ينصروهم، فيتمنوا وقتها لو أنهم كانوا مؤمنين بالله جل جلاله .

    فعدم قدرتهم على الاستجابة والنصرة دليل عجزهم الواضح، ولكنها العقول الضالة التي تأبى إلا العناد والكفر، فلو كانوا يهتدون بهدي الله سبحانه وتعالى، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويرون العذاب الذي أنذرهم به حقيقة وواقعًا لا يتخلفون عنه لما حدث لهم هذا، ولما واجهوا هذه العاقبة الأليمة34.

    ومن الآيات الجامعة قول الله تعالى: ( ﯵﯶ ﯿ )[سبأ: ٢٢].

    فهو خطاب توبيخ وتقريع المشركين لدعوة ما زعموا أنها آلهة لهم من دون الله سبحانه وتعالى لتنفعهم وتذب عنهم، ولكنهم لا يملكون دفع ضر في أي أمر من الأمور، أو حتى جلب منفعة، وليس لهم قدرة على خير ولا شر، فليس للآلهة في السماوات والأرض مشاركة لا بالخلق ولا بالملك ولا بالتصرف، فما لله من هؤلاء من معين على خلق شيء، بل الله المنفرد بالخلق والإيجاد، فهو الذي يعبد، وعبادة غيره محال35.

    وما نراه اليوم من فعل بني جلدتنا ممن يدعون أنهم مسلمون من التضرع لقبور الأولياء والصاحين، والتمسح بقبورهم، ودعائهم من دون الله لجلب منفعة أو دفع ضر، ليس إلا صورة من صور الشرك بالله فهذه القبور لا تستجيب لهم، ولا تملك لنفسها فضلًا عن غيرها الشر أو الخير، تمسكوا بعادات وتقاليد آبائهم الفاسدة الضالة؛ فضلوا وأضلوا من بعدهم.

    ثالثًا: المعبودات من دون الله عبيد لله تعالى:

    إن مقياس الألوهية هو الخلق والتكوين، فإن كان الله هو الخالق المكون فهو المالك لما خلق وكون، وهو وحده المستحق للعبادة سبحانه وتعالى، والله عز وجل مالك السماوات والأرض وخالقهما، وخالق الإنسان فكيف يعبد غيره؟!؛ ولذا قال جل جلاله مستنكرًا ما عليه الضالون ممن أشركوا بالله عز وجل غيره من المخلوقات أو الجمادات.

    قال تعالى: ( v ) [الأعراف: ١٩١-١٩٢].

    وهنا استنكار وتجهيل على المشركين، أيشركون به سبحانه وتعالى وهو الخالق لهم ولكل شيء، ما لا يخلق شيئًا من الأشياء مهما يكن صغيرًا أو حقيرًا؟!

    إن هذه الأصنام التي تعبد من دون الله مخلوقة ومصنوعة، فكيف يليق بذي العقل السليم التنازل عن عقولهم، وجعل المخلوق العاجز الذي لا يملك لنفسه أي مقومات الحياة شريكًا لله سبحانه وتعالى الخالق القادر المصور؟!36.

    ففي الآية تدرج ومراحل للوصول إلى الحقيقة، ويتحدث عن ذلك الشيخ الشعراوي قائلًا: «فأول مرحلة عرفهم أن الأصنام لا تخلق، وثاني مرحلة عرفهم أنهم هم أنفسهم مخلوقون، والأصنام لا تقدر على نصرهم، إذن فهم معطلون من كل ناحية؛ لأنهم لا يخلقون، وهذا أول عجز، ومن ناحية أخرى أنهم يخلقون وهذا عجز آخر، لكن بعد هذا العجز الأول والعجز الثاني فهل هم قادرون على نصر غيرهم؟»37.

    وتكون النتيجة النهائية لهذه المراحل أن ما يعبد السفهاء عباد مثلهم.

    قال تعالى: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٩٤].

    فهذه الأصنام ليست لها أدنى قدرة إن جاءها من يحطمها، أو يكسرها، أو يسرقها، فهي أضعف من عابديها، والمعبود يجب أن يكون أعلى منكم؛ لتسجدوا له، فكيف تعبدون مثلكم؟! ولماذا تختارونه للعبادة وهو على أكثر تقدير له مثلكم لا فرق بينكم وبينهم؟! فكلكم عبيد لله مملوكون38.

    قال تعالى: ( )[الفرقان: ٣].

    وفي هذه الآية أيضًا تقريع للمشركين بعبادتهم ما دون الله، وتنبيه لهم على موضع خطأ فعلهم، ببيان أن آلهتهم التي يعبدونها لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، ومع ذلك فهي لا تملك دفع ضر عن نفسها ولا جلب منفعة إليها، ولا تملك إماتة ولا إحياء، ولا بعثًا ولا نشورًا، فهذه هي صفتها، فهي لا تستحق العبادة، فكيف يليق بالإنسان أن يعبد مع ربه أحدًا من خلقه، ويتخذ أندادًا يعبدهم من دون الله، ويحبهم كما يحبه، وهم مخلوقون مثله، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض؟!39.

    فهذا من أعجب العجب، وأسفه السفه أن يعطي الله عز وجل للإنسان عقلًا مفكرًا ودلائل ساطعة على أنه الإله الخالق، ويعلم أن الله جل جلاله هو الرازق الخالق المدبر، ثم يشرك به غيره، ويعبد معه آلهة أخرى، لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعًا ولا ضرًا.

    وصاحب الدعوة إلى الله يلجأ إلى الله ويلوذ إليه وهو مدرك أنه لن يؤذيه شيء إلا بإذن ربه، ولكن قد يؤذى المرء كثيرًا وهو سائر في طريق الله، ليس عقابًا أو عجزًا عن حمايته ولا تخليًا منه سبحانه وتعالى عن نصرة أوليائه، ولكن ابتلاء لعباده الصالحين للتربية والتمحيص والتدريب، واستدراجًا لعباده الطالحين للإعذار والإمهال والكيد المتين.

    لقد كان أبو بكر رضي الله عنه يتناوله المشركون بالأذى، ويضربون وجهه الكريم بالنعال المخصوفة يحرفونها إلى عينيه ووجهه، حتى تركوه وما يعرف له فم من عين، فما كان منه إلا أن يردد طوال هذا الاعتداء «رب ما أحلمك! رب ما أحلمك! رب ما أحلمك!... »40 فقد كان يعرف في قرارة نفسه ما وراء هذا الأذى من حلم ربه، لقد كان واثقًا أن ربه لا يعجز عن تدمير أعدائه، كما كان واثقًا أن ربه لا يتخلى عن أوليائه الصاحين!41.

منهج القرآن في إثبات الألوهية

  1. لقد انتهج القرآن الكريم العديد من المناهج لإثبات الألوهية، وجميع هذه المناهج والأدلة يمكن فهمها واستيعابها لجميع البشر وعلى جميع المستويات؛ لأنها من لدن عليم خبير، فلا يكون عذر لبشر بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله، في وجود العقل، وتكوين الفطرة.

    أولًا: المنهج الفطري:

    يقرر القرآن الكريم حقيقةً كبيرةً، وهي أن الإنسان قد خلقه الله على فطرة سليمة تتجه إلى بارئها وتلجأ إليه، فقد جبلت النفـوس على معرفة خالقهـا سبحانه وتعالى، منذ أن أخذ الله جل جلاله العهـد والميثاق علـى أبنـاء آدم يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن الله ربهم ومالكهم وأنه لا إله إلا الله، وذلك حين خلق آدم وأخذ من ظهور ذريته ذريتهم في عالم الذرة، حيـث قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٧٢]42.

    وكل مولود في هذا الوجود يولد على الفطرة؛ ولذلك يخاطب الله تعالى الإنسان ويذكره بهذه الفطرة بأسلوب وجداني حي؛ ليوقظ إحساسه بالأمور الإيمانية والعقيدة، وأهمها: توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة.

    ولقد سلك القرآن الكريم المنهج الفطري للتعرف على الله وإثبات ألوهيته، يعرض القرآن الكريم قضية التوحيد، ويدعو الناس لتوحيد الله ونبذ الشركاء والأنداد، ويقيم الحجج والبراهين على وحدانية الله تعالى، فقد دعا إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وجعل هذا النظر والتفكر هو المنهج القويم لمن يريد أن يعرف الله ويؤمن به من خلال المشاهدات المحسوسة اليسيرة التي يتعامل معها الناس جميعًا.

    وآثار الله سبحانه وتعالى تتجلى لنا في هذا الوجود الذي تعمل فيه حواسنا وعقولنا دون أن تقع في مجال الحس والإدراك؛ ولهذا فرض الله سبحانه وتعالى معرفة ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله على العباد من خلال آثاره في الآفاق وفي أنفسهم؛ حتى يتبين للناس جميعًا أنه الحق43.

    فمن المشاهدات الأولية اليسيرة في حياة الناس يكون التوصل إلى الإيمان بخالق الكون ومدبره قيوم السماوات والأرض بالنظر والتفكر والتدبر والتذكر، فلا نقرأ الآيات إلا ونراها تعرض علينا الأكوان، وتأمرنا بالنظر فيها واستخراج أسرارها؛ لذا كانت كل الأدلة ملموسة في حياتنا44.

    قال تعالى: ( ) [الغاشية: ١٧-٢٠].

    وقال تعالى: ( ﮣﮤ ) [النازعات: ٢٧ -٣٣].

    وقال تعالى: ( ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ) [النبأ: ٦ ١٦].

    إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة البينة التي تبين عظمة الخالق وقدرته، والتي تدعو إلى الرجوع للفطرة السليمة التي بها نعرف الخالق العظيم.

    ويقول الدكتور صلاح الخالدي: «إن مخاطبة الناس بما يدركون، والاستدلال على القضايا بما يحسون، وضرب الأمثال بما يفقهون، والاستدلال من خلالها على ما يعقلون، هو الأسلوب الفطري المؤثر الفعال في إيجاد القناعات لديهم، وهي الطريقة المثلى لتحريك كوامن الفطرة السليمة، واستجاشتها عندهم»45.

    إن وراء خلق الكون قوة خارقة، وقد عرفها العربي بفطرته فقال: البعرة تدل على البعير، والقدم تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟!! إنه دليل فطري، يدلك على وجود القوة، إنها الطريقة الفطرية في المحاجة والاستدلال، والقرآن بدأ هذه البدايات الميسرة، وتوصل إلى تلك النتائج الباهرة المقنعة من خلال إقامة البراهين، هذه هي القضية التي يراد إثباتها والاستدلال عليها، وهي قضية: تفرد الله سبحانه وتعالى بالخلق والإيجاد، وعدم وجود الشركاء له في ذلك46.

    ويعرض القرآن الكريم موضوع الخلق والموت والرزق بطريقة توقظ الفطرة، وتحرك الوجدان لمعــرفة الله تعالى، ولمعرفة أنه سبحانه المتفرد بهذا الرزق والعطاء، وأن الإنسان مهما بذل من جهد فهو لا ينشئها في الحقيقة، وإنما يعمل فيها بسنة الله ومشيئته، ولكن المنشئ والخالق هو الله سبحانه وتعالى، وهذه حجج وبراهين على إمكان البعث، وإثبات أنه في مقدور الله، بضرب الأمثلة والنظائر المشاهدة المحسوسة التي لا يمكن إنكارها47.

    قال تعالى: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) [الواقعة: ٥٧-٧٤].

    يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآيات: وفيه تنجلي طريقة القرآن في مخاطبة الفطرة البشرية، وفي تناول الدلائل الإيمانية، وفي التلطف إلى النفوس في بساطة ويسر، وهو يتناول أكبر الحقائق في صورها القريبة الميسورة، إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر وحوادثهم المكرورة قضايا كونية كبرى، يكشف فيها عن النواميس الإلهية في الوجود، وينشئ بها عقيدة ضخمة شاملة، وتصورًا كاملًا لهذا الوجود.

    إن طريقة القرآن في مخاطبة الفطرة البشرية تدل بذاتها على مصدره، إنه المصدر الذي صدر منه الكون، فطريقة بنائه هي طريقة بناء الكون، المشاهدات التي تدخل في تجارب كل إنسان: النسل، والزرع، والماء، والنار، أي إنسان على ظهر هذه الأرض لم تدخل هذه المشاهدات في تجاربه؟ أي ساكن كهف لم يشهد نشأة حياة جنينية، ونشأة نبتة، ومسقط ماء، وموقد نار.

    ومن هذه المشاهدات التي رآها أي إنسان ينشئ القرآن العقيدة؛ لأنه يخاطب كل إنسان في كل بيئة، وهذه المشاهدات اليسيرة الساذجة هي بذاتها أضخم الحقائق الكونية وأعظم الأسرار الربانية، فهي في بساطتها تخاطب فطرة كل إنسان. وهي في حقيقتها موضوع دراسة أعلم العلماء إلى آخر الزمان48.

    ويعرض لنا القرآن الكريم جانبًا منها بطريقة تصويرية أخاذة، تبين كمال قدرة الله جل جلاله الذي أنزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف، وجعل فيه ماء غزيرًا منه يشربون وتشرب مواشيهم، ويسقون منه حروثهم؛ فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة، فيرسم لها صورة شاملة متكاملة، ثم يخلص إلى النتيجة والتوجيه والقناعة الوجدانية.

    كما في قوله عز وجل: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮐﮑ ) [النحل: ١٠-١١]49.

    وقال تعالى: ( ﯿ ﰔﰕ ) [الزمر: ٢١]50.

    ثانيًا: المنهج العقلي:

    لقد اهتم القرآن الكريم بالعقل كثيرًا، حيث تواردت النصوص التي تحض على التفكير، وتذم الذيـن يعطلون عقولهم عما خلقت من أجله من تفكر سليم وعقل صحيح، حيث قال تعالى: ( )[الأنفال: ٢٢].

    وقال تعالى: ( ﮦﮧ ) [العنكبوت: ٤٣].

    فالإسلام ينوه تنويهًا كبيرًا بالعقل ويعلي من مكانته وقيمته، ونجد شاهدًا على ذلك في الآيات القرآنية التي تنزلت بشأنه، فالعقل هو هبة الله جل جلاله للإنسان؛ ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى سببًا للتكليف، ومناطًا للمسؤولية.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فالاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة، وهي طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية، دل عليها القرآن وهدى الناس إليها؛ فإن نفس كون الإنسان حادثًا بعد أن لم يكن، ومخلوقًا من نطفة ثم من علقة، فإن هذا يعلمه الناس كلهم بعقولهم، فهو إذن عقليٌ؛ لأنه بالعقل تعلم صحته، وهو شرعيٌ أيضًا»51.

    ففي مجال الألوهية يعرض القرآن الكريم جملة من آيات الله الكونية البارزة في خلقه، ووصف طائفة من نعمه السابغة، من آيات القدر والخلق، ومظاهر الموت والحياة والزرع والماء والنار، هذه النعم التي يتقلب فيها الإنسان ليل نهار، صباح مساء دون أن يحسب لها حسابًا52.

    فيقول الله سبحانه وتعالى: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) [الواقعة: ٥٧ - ٧٤].

    والقرآن الكريم يخاطب العقل، ويقنع الإنسان بالمنطق السهل المؤثر في النفس، بأسلوب حي جذاب؛ حيث يوجه نظره إلى آيات الله في الكون والرزق والحياة والموت والأحداث الجارية -كما سبق الحديث عنها- في المنهج الفطري الوجداني، ولكنه مرة أخرى يعرض لها؛ لما فيها من أسلوب منطقيٍ يتصف بالحيوية؛ لما فيها من الأسئلة الموجهة إلى المخاطب والإجابة عنها، إلى أن يصل إلى النتيجة المطلوبة بأسلوب ومنهج عقلي يؤدي في النهاية إلى الغاية ذاتها، وهي إدراك حقيقة الألوهية، وما يتفرع عنها من حقائق وقضايا الإيمان والعقيدة53.

    ولو تأمل الإنسان بعقله وفكره آيات الله الباهرة المبثوثة في الأرض والسماء وفي النفس والآفاق، لأيقن بأن وراء هذه الآيات قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنها دليل على الإله الأوحد الذي تجب طاعته، والالتزام بأمره ونهيه، وخلع ما يعبد من دونه من الأنداد والشركاء، فهو المتفرد بالألوهية، فليست نفوسكم مخلوقة بالصدفة ولا بالطبيعة، وإنما خالقها الله القادر على كل شيء، وعلى البعث وإعادة الحياة54.

    قال تعالى: ( ﮣﮤ ) [الذاريات: ٢٠-٢١].

    وبالأسلوب العقلي المنطقي تأتي أدلة الوحدانية، فتأتي الآيات القرآنية تباعًا لتبين أنه لو كان للكون خالقان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على إحكام واحد، ولكان العجز يلحق أحدهما؛ لتنازع الإرادتين بين سلب وإيجاب، وذلك لو أراد أحدهما مثلًا إحياء جسم، وأراد الآخر إماتته، فإما أن تنفذ إرادتهما فتتناقض؛ لاستحالة تجزؤ الفعل إن فرض الاتفاق، أو لامتناع اجتماع الضدين إن فرض الاختلاف، وإما لا تنفذ إرادتهما فيؤدي إلى عجزهما، أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه، والإله لا يكون عاجزًا ويسمى هذا الدليل دليل التمانع، أي: امتنعت الثنوية لامتناع الفساد، فكانت الوحدانية55.

    قال تعالى: ( ﭠﭡ ﭫﭬ ) [المؤمنون: ٩١].

    باستنكار وتعجب يكذبهم الله عز وجل فيما يدعون من الشريك والولد، و ( )، فلو كان هناك شريك لانفرد كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه، ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره، ومنع كل إله الآخر عن الاستيلاء على ما خلقه هو، وطلب بعضهم مغالبة بعض، كما يفعل ملوك الدنيا فيما بينهم، ولغلب القوي منهم الضعيف، فتعدد الآلهة يلزمه التنازع والتغالب بينهم، فيختل النظام لهذا الكون، ويضطرب الأمر، ويعم الفساد في هذا العالم، والضعيف لا يمكن أن يكون إلهًا.

    ولما كان المشاهد غير ذلك؛ إذ كل شيء في هذا الكون يسير بنظام محكم دقيق، دل الأمر على أن لهذا الكون كله إلهًا واحدًا قادرًا، وإذا كان كذلك فعلم عقلًا أنه إله واحد، بيده ملكوت كل شيء، ويقدر على كل شيء، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لمن عقل وتدبر.

    قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ) [الإسراء: ٤٢-٤٣].

    قال ابن العباس رضي الله تعالى عنهما: «لطلبوا مع الله منازعة وقتالًا كما تفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض».

    وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: «المعنى إذًا لطلبوا طريقًا إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه؛ لأنهم شركاؤه»56.

    فالنتيجة النهائية لهذا المنطق أن الله واحد لا شريك له، له وحده تجب العبادة والخشية والخضوع.

    قال تعالى: ( ﯣﯤ ﯨﯩ ) [النحل: ٥١].

    فالآيات القرآنية قد جاءت متضمنة الأدلة العقلية، صافية من كل كدر، فما على العقل إلا فهمها وإدراكها، وعدم التكبر والعناد.

حقوق الألوهية

  1. إن للألوهية حقوقًا واجبة على العباد، وإن من أهم حقوق الألوهية ما يلي:

    أولًا: التوحيد:

    وهو الإقرار بوحدانية الله سبحانه وتعالى وعدم الإشراك به، وذلك بالاعتقاد الراسخ بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والعمل بمقتضاه57.

    وقد بين الله عز وجل كفر الذين أشركوا بالله ولو يوحدوه، فذم الله النصارى الذين زعموا أن الإلهية ثلاثة مشتركة، الله والمسيح ومريم فكفروا بذلك58.

    قال تعالى: ( ﮒﮓ ﮙﮚ ) [المائدة: ٧٣].

    واتخذ اليهود والنصارى علماءهم وقراءهم وأحبارهم ورهبانهم أربابًا، فهم لم يعبدوهم مباشرة، بل إنهم أطاعوهم في معصية الله، عز وجل واستحلوا ما أحلوا، وحرموا ما حرموا، فاتخذوهم كالأرباب، وكذلك اتخذوا المسيح ابن مريم عليه السلام، إلهًا ( ﯧﯨ ﯬﯭ )[التوبة: ٣١]59.

    عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، فقال: (يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟)، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا)، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟ قال: (لا تبشرهم، فيتكلوا)60.

    ثانيًا: العبادة:

    ومن حق الألوهية أيضًا القيام لها بالعبادة، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، سواءٌ أعمال القلوب أو أعمال الجوارح، كلها يجب أن تكون على وفق الشرع، وأن تكون خالصة لله، وأن يكون التأله لله وحده، وإذا حصل تأله لغير الله فإن هذا هو الشرك، ويجب أن يكون الحب والخضوع والذل والتعظيم في أداء العبادات لله وحده61.

    فما خلقهم الله تعالى إلا لذلك.

    قال تعالى: ( ) [الذاريات: ٥٦].

    إن الله جل جلاله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق السماوات والأرض؛ ليعرف ويعبد ويوحد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له، هذا الذي من أجله خلق الله تبارك وتعالى الثقلين، فالعبادة لله هي الغاية المحبوبة المرضية له عز وجل62.

    قال تعالى: ( ﮤﮥ ) [البينة: ٥].

    تبين الآية أن الملة القيمة والدين المنجي من العذاب المحقق للإسعاد والكمال ما قام على أساس عبادة الله وحده، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والمسارعة إلى فعل الخيرات، والميل عن كل دين إلى هذا الدين، فحق الله عز وجل علينا أن نعبده، ونخلص له العبادة شكرًا لله على النعم التي منحنا إياها63.

    كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تبارك وتعالى)64.

    إن تشريع الأحكام حق لله عز وجل وحده، ولا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله؛ لأنه إخلال بالألوهية، فإن طاعة البشر في التشريعات والأحكام المخالفة لحكم الله شرك في الألوهية.

    قال تعالى: ( ﯙﯚ) [الشورى: ٢١].

    إن التشريع حق من حقوق الله سبحانه وتعالى، من ادعاه فقد ادعى الألوهية، ومن ادعى الألوهية فقد كفر، وهذا ما يعرفه الكثير الكثير من علماء السلطان الذين يلوون أعناق الآيات؛ لتماشي هوى السلطان فيما لا يرضي الله عز وجل، فقد فضلوا الدنيا على الآخرة، وجعلوا من سلاطين الدنيا آلهة لهم، لها حق التشريع والحكم، وضربوا بعرض الحائط كل الأحكام والقوانين الإلهية، ومن الناس من جعل أندادًا مع الله في الحاكمية، يغتصبون حقوق الألوهية وخصائصها، ويزاولونها في حياة الناس، وعن هذا يقول سيد قطب رحمه الله: «وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها، ويعلن غيرها، ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة، والفتاوى المطلوبة لسلطان الأرض الزائل!

    يحاول أن يثبت بها هذا السلطان المعتدي على سلطان الله وحرماته في الأرض جميعًا! لقد رأينا من هؤلاء من يعلم ويقول: إن التشريع حق من حقوق الله سبحانه من ادعاه فقد ادعى الألوهية.

    ومن ادعى الألوهية فقد كفر، ومن أقر له بتلك الفرية وتابعه عليها، فقد كفر أيضًا.

    فقد يصل الكفر في مرحلة من مراحله لدرجة أن يدعي أناسٌ الألوهية من دون الله، وقد يكون هذا الادعاء قولًا ولفظًا، مثلما قال فرعون (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ) [القصص: ٣٨].

    وقد يكون حكمًا وواقعًا، فإذا كان هناك أناس يشرعون للناس من دون الله عز وجل، فهذا ادعاءٌ للألوهية من دون الله سبحانه وتعالى بالفعل، قد لا يكون واضحًا بالقول، ولكنه على أية حال منازعة لله عز وجل في حقٍ عظيمٍ من حقوق الألوهية وهو التشريع، مثل القوانين الوضعية التي يتحاكم عليها الناس تاركين شرع رب الأرباب.

مدعو الألوهية في القرآن

  1. إن ادعاء الألوهية جريمة كبرى في حق الله تعالى، ولا شك أن للشيطان والهوى الأمارة بالسوء دورًا فاعلًا في هذا الادعاء الباطل، ولا شك أن مصير هؤلاء الـمدعين ومتبعيهم إلى سخط الله وعذابه في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك فيما يلي:

    أولًا: مدعو الألوهية:

    ١. نمرود بن كنعان ملك بابل أول ملك في الأرض65.

    قال سبحانه وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٢٥٨].

    قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: «وقوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥٨].

    أي: وجود ربه، وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره»66.

    فزعم أنه يفعل كما يفعل الله عز وجل، فقال إبراهيم: ربي هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص بالذكر الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا، والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال النمرود: ( ) فزعم أنه يقتل شخصًا فيكون قد أماته، ويستبقي على حياة آخر فيكون قد أحياه، واطرد سيدنا إبراهيم معه في الدليل فقال إبراهيم: ( ) وهذا أمر يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر، فلما قال له أمرًا لا قوة له في شبهة تشوش دليله، ولا قادحًا يقدح في سبيله، ( ﮓﮔ) تحير فلم يرجع إليه جوابًا، وانقطعت حجته، وسقطت شبهته.

    قال تعالى: ( )، بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك67.

    ٢. فرعون مصر.

    فقد قال الله عنه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [القصص: ٣٨].

    وقال لموسى عليه السلام: ( ) [الشعراء: ٢٩].

    وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)[الزخرف: ١٥].

    ثانيًا: أسباب دعاواهم:

    قال تعالى: ( )[البقرة: ٢٥٨].

    فإيتاء الملك العظيم لهذا النمرود أبطره وأورثه الكبر. وبدلًا من شكر الله على النعم العظيمة التي منحه الله عز وجل إياها حاج إبراهيم عليه السلام في ربه، والمحاجة هي أقبح وجوه الكفر، وادعى لنفسه مقام الألوهية عنادًا ومكابرة، ويوهم أنه الفاعل لذلك، وأنه هو الذي يحيي ويميت، كما اقتدى به فرعون في قوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [القصص: ٣٨]68.

    أما فرعون فقد كان مثالًا للطاغية المتجبر، المتجاوز لحد الظلم والتجبر والاستبداد والمعصية، وكان قومه صورة للأقوام التي خضعت وتابعت هذا الطاغية، ووصل الأمر بفرعون إلى ادعاء الألوهية، والاستخفاف بعقول الناس وإرادتهم ومصالحهم، وكلما أنس منهم السكوت على ظلمه، والخضوع لبغيه وعدوانه ازداد صلفًا وتجبرًا وتمردًا، حتى يصل إلى التأله، والإعراض عن كل الآيات التي جاءته من الله حتى أهلكه الله وقومه.

    قال تعالى: ( ) [النازعات: ٢٣-٢٤].

    فكان هذا هو السبب في ادعاء فرعون للألوهية.

    ثالثًا: مصيرهم:

    ١. النمرود:

    «بعث الله عز وجل عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه، وكان جبارًا أربعمائة سنة، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، ثم أماته الله، وهو الذي كان بنى صرحًا إلى السماء، فأتى الله بنيانه من القواعد»69.

    ٢. فرعون:

    كان مصير هذا الفرعون الطاغي أن أغرقه الله في قاع البحر، وبقيت جثته على الماء؛ ولم يصدق بنو إسرائيل بهذا؛ لأن بني إسرائيل كان في نفوسهم من عظمته وجبروته ما خيل إليهم أنه لن يهلك، حتى كذبوا موسى حين أخبرهم بغرقه، إلى أن رأوه ملقى على الساحل، وكذلك ليكون لمن يأتي بعد ذلك من القرون التي ستسمع بأمره عبرة ونكالًا للطغيان، أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظيم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور، بعيد عن مظان الألوهية70.

    قال تعالى: ( ﭦﭧ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮉﮊ ) [يونس: ٩٠-٩٢].

    رابعًا: مصير متبعيهم:

    مصير أتباع النمرود: «بعث الله عز وجل إلى ذلك الملك الجبار ملكًا يأمره بالإيمان بالله جل جلاله، فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى، ثم الثالثة فأبى وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، وأرسل الله عليهم بابًا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عز وجل عليهم، فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظامًا بادية»71.

    مصير أتباع فرعون: أخذ الله عز وجل أتباع فرعون من الجنود الذين كانوا عونًا له في الظلم والاستبداد فنبذهم وطرحهم في البحر، ورماهم فيه رمي البقايا التالفة والمخلفات التي لا قيمة لها، وفي ذلك فخامة وتعظيم لشأن الآخذ، واستحقار شديد للمأخوذين، وكأنه أخذهم مع كثرتهم وطرحهم في اليم كما يأخذ الإنسان شيئًا عديم القيمة فيرميه.

    وكذلك أتبعهم في هذه الدنيا التي فتنتهم وصرفتهم عن اتباع الهدى والحق المنير، لعنة وطردًا وإبعادًا عن الرحمة، يلعنهم الناس والملائكة إلى يوم الدين، وهم يوم القيامة من المطرودين المبعدين عن رحمة الله عز وجل72.

    قال تعالى: ( ﮤﮥ ﮰﮱ ﯜﯝ )[القصص: ٤٠ ٤٢].

    ونظير ذلك قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٣٦].

    وقال تعالى: ( ﭧﭨ ﭫﭬ ﭴﭵ )[الأنفال: ٥٤].

    وقال تعالى: ( ﮡﮢ )[الزخرف: ٥٤٥٦].

    وفي سورة غافر يبين الله جل جلاله نوعًا آخر لعذاب متبعي فرعون غير الغرق في الدنيا، فهم إلى يوم القيامة يعرضون على نار جهنم صباحًا ومساء.

    يقول عز وجل: ( ﮢﮣ ) [غافر: ٤٥-٤٦]73.

    وهناك العديد من الآيات التي تبين شدة العقاب الواقع عليهم في الدنيا والآخرة، وهذا يدل على عظم جريمة أتباع الظلمة والمفسدين، ومناصرتهم، وتأييدهم للظلم والمساعدة فيه.

    قال تعالى: ( ﭨﭩ ﭮﭯ ) [آل عمران: ١١].

    وقال تعالى: ( ﯫﯬ ﯯﯰ ﯶﯷ ) [الأنفال: ٥٢].

    موضوعات ذات صلة:

    أسماء الله، الإيمان، التوحيد، الشرك، صفات الله


1 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٢٣، مختار الصحاح، الرازي، ص ٢١، المصباح المنير، الفيومي ١/١٩.

2 انظر: القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب، ص ٢٢، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٢٥.

3 اقتضاء الصراط المستقيم ٢/٨٤٦.

4 انظر: المخصص، ابن سيده ٥/٢١٦.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣٨-٧٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص١٠٧.

6 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/١٢-٣٠، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ١/١٠٥.

7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٣٩٩، المصباح المنير، الفيومي ١/٢١٤.

8 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٢/٤٦٣، معجم لغة الفقهاء، قلعجي وقنيبي، ص ٢١٩، المطلع على ألفاظ المقنع، البعلي، ص ٤٦٢.

9 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة ٢/١٤٤٨.

10 التوقيف، ص ٢٣٤.

11 المفردات، ص ٣١٨.

12 انظر: التفسير الموضوعي، مسلم، ص٩٥.

13 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٢٧، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩١.

14 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، ٢/٩٤، رقم ١٣٥٨.

15 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٠٤١.

16 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبًا، ٤/٢١٦٠، رقم ٢٨٠٥.

17 انظر: درء تعارض العقل والنقل ٨/٣٤٧.

18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم، أمته إلى توحيد الله، تبارك وتعالى، ٩/١١٤، رقم ٧٣٧٣.

19 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢٧٥.

20 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٦.

21 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥٠٠.

22 انظر: تفسير المراغي ١٢/٤٦.

23 انظر: جامع البيان ٢/٧٤٥.

24 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٤/١٠٥.

25 انظر: الجواهر المضية، محمد بن عبدالوهاب، ص ٤.

26 انظر: فتح البيان، القنوجي ٧/٣٧٤.

27 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٤٣٤.

28 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٨٤.

29 الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٦/٤٢٢٧.

30 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥٩.

31 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٣٠٢.

32 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٩١، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣٠٣٥.

33 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٢.

34 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٤٢٧، تفسير الشعراوي، ١٨/١٠٩٨٨.

35 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٢٩٥.

36 انظر: تفسير الشعراوي ٨/٤٥١٩.

37 المصدر السابق ٨/٤٥٢١.

38 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣٠٣٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٣١٢.

39 انظر: موسوعة فقه القلوب، محمد التويجري ١/١٦٣.

40 البداية والنهاية، ابن كثير٣/٩٥.

41 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤١٦.

42 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٧٤٩.

43 انظر: التوحيد، عمر العرباوي، ص ٥٢.

44 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١/٢٠٨.

45 مباحث في التفسير الموضوعي، ص ١٠٦.

46 انظر: تفسير الشعراوي، ٤/١٩٦٣.

47 انظر: التفسير الواضح، حجازي ٣/٦٠١.

48 في ظلال القرآن: ٦/٣٤٦٦، باختصار.

49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٣٦.

50 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٢٤٩.

51 النبوات ١/٢٩٣.

52 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي ٦/١٥١.

53 انظر: التفسير الوسيط، نخبة من علماء الأزهر ٩/١٢٦١.

54 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٧/١٩.

55 انظر: المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة، ص ٢٧٢.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٦٥.

57 انظر: التوحيد، عمر الحملاوي، ص ١٥.

58 انظر: الوسيط، الواحدي ٢/٢١٣.

59 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٣٣٩.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار، ٤/٢٩، رقم ٢٨٥٦.

61 انظر: شرح فتح المجيد، الغنيمان ٢٧/١٠.

62 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٥٥.

63 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٦٠١.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة)، ١/١٤، رقم ٢٥.

65 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٤٣١.

66 تفسير القرآن العظيم ١/٦٨٦.

67 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١١١.

68 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٢/١٩٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٨٦.

69 فتح القدير، الشوكاني ١/٣١٩.

70 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٤٩٦.

71 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٨٧، فتح القدير، الشوكاني ١/٣١٩.

72 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٤١٦.

73 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٧٥.