عناصر الموضوع

مفهوم الإلحاد

الإلحاد في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

صور الإلحاد في ضوء القرآن

أسباب الإلحاد

منهج القرآن في إبطال الإلحاد

آثار الإلحاد على الفرد والمجتمع

الإلحاد

مفهوم الإلحاد

أولًا: المعنى اللغوي:

مادة (ل ح د) تدل على معنى ميل عن استقامة، فيقال: (لحد السهم عن الهدف)، أي: عدل عنه، واللحد: حفرة مائلة عن الوسط، وفلان عدل عن الحق وأدخل فيه ما ليس منه، ويقال: (ألحد إليه)، مال عنه، وألحد الرجل، أي: ظلم في الحرم واستحل حرمته وانتهكها، ولحد الرجل في الدين، طعن وحاد عنه وعدل وجادل ومارى، ولحد. أي: مال عن طريق القصد، وجار وظلم1.

والملحد: «الطاعن في الدين المائل عنه»2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

هو: «الميل، والجور، والانحراف عن الإسلام، أو الإيمان»3.

وقد عرفه ابن عاشور بقوله: «لما كان وسط الشيء يشبه به الحق والصواب، استتبع ذلك تشبيه العدول عن الحق إلى الباطل بإلحاد، فأطلق الإلحاد على الكفر والفساد»4.

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي إلا أنه خص بالانحراف في الإسلام.

الإلحاد في الاستعمال القرآني

ورد الجذر (ل ح د) في القرآن (٦) مرات، منها مادة (ألحد) (٤) مرات5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل المضارع

٣

( ) [الأعراف:١٨٠]

المصدر

١

( ) [الحج:٢٥]

وجاء الإلحاد في القرآن بمعناه في اللغة وهو: الميل عن الحق6.

الألفاظ ذات الصلة

الردة:

الردة لغةً:

«من ردد بمعنى: رجع، وارتد الشخص، أي: رد نفسه إلى الكفر»7.

الردة اصطلاحًا:

«الرجوع من الإسلام إلى الكفر»8.

الصلة بين الإلحاد والردة:

الإلحاد هو زيغ وانحراف وميل عن الحق، والردة تكون بالنكوص والرجوع عن الإسلام، فهما مشتركان في الكفر.

الكفر:

الكفر لغةً:

الستر والتغطية، يقال لمن غطى درعه بثوب: قد كفر درعه، والمكفر: الرجل المتغطي بسلاحه، وهو ضد الايمان، لأنه تغطية للحق9.

الكفر اصطلاحًا:

«الجحود بالوحدانية أو النبوة، أو الشريعة، أو بثلاثتها»10.

الصلة بين الإلحاد والكفر:

الكفر هو إنكار وجحود الإيمان، والإلحاد صورة من صور الكفر.

الزيع:

الزيغ لغةً:

«الزيغ: الميل عن الاستقامة، والتزايغ: التمايل، ورجل زائغ وقوم زاغة وزائغون، وزاغت الشمس، وزاغ البصر»11.

الزيغ اصطلاحًا:

الميل عن الحق إلى الباطل، والتحول من الإيمان إلى الكفر.

الصلة بين الإلحاد والزيغ:

كلاهما يشترك في الانحراف عن الحق، والتشكك في الإيمان وأصوله.

الاستقامة:

الاستقامة لغةً:

«الاعتدال»12.

الاستقامة اصطلاحًا:

هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة وترك المنهيات كلها كذلك13.

الصلة بين الإلحاد والاستقامة:

الإلحاد ميل عن الحق ومفارقته، والاستقامة الديمومة على الحق والبقاء عليه ولزومه، فالاستقامة تعني: الاعتدال، والإلحاد يعني: الانحراف فهما متضادان.

صور الإلحاد في ضوء القرآن

تعددت صور ومعاني الإلحاد في القرآن الكريم، وأبرز صور الإلحاد في القرآن الكفر والشرك والردة والنفاق، والإلحاد ضربان، وهما «إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني يوهن عراه ولا يبطله»14، والإلحاد له صور وأشكال متعددة كلها تصب في معاني الانحراف العقدي والسلوكي والتعبدي، وبيان ذلك فيما يأتي:

أولًا: الإلحاد في الألوهية:

توحيد الألوهية حق لله وحده، ولا يحل لعبده أن يشرك معه غيره، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، والإلحاد في ألوهيته هو ظلم وجور وتجاوز خطير في حق الخالق سبحانه.

قال تعالى: ( ) [طه: ١٤].

«هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.

وقوله: () أي: وحدني وقم بعبادتي من غير شريك، وصل لتذكرني. وقيل: معناه: وأقم الصلاة عند ذكرك لي»15، جمعت الآية أصول توحيد الألوهية وهي توحيده وعبادته، فتوحيد الألوهية: «هو إفراد الله تعالى بالعبادة المستلزم لعبادة الله تعالى بكل ما شرع أن يعبد به من أعمال القلوب والجوارح، وأن لا يشرك معه غيره في شيء منها، مع عدم الاعتراف بعبادة غيره تعالى »16 وأضل الخلق إلحادًا في الألوهية هم أهل الكتاب، والمشركون، والفرق الضالة الخارجة عن دين الإسلام.

وقد أورد القرآن الكريم قصص الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم، وما من نبي ولا رسول إلا وأمر قومه بعبادة الله وإفراده بالعبادة.

قال تعالى عن الرسل في دعوتهم لأقوامهم: ( ) [الأعراف: ٥٩].

وقال: ( ﯞﯟ ﯨﯩ ) [الأعراف: ٦٥].

وقال: ( ﯙﯚ ) [الأعراف: ٧٣].

وقال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف: ٨٥].

هذه الدعوات قابلها أقوام الأنبياء والمرسلين بالصد والإساءة، إلا من رحمه الله بالإيمان بما جاء به الأنبياء، ومن صور رد هذه الدعوات والإلحاد فيها:

أولًا: إلحاد المشركين في الألوهية:

لقد بلغت عقول المشركين من السفاهة والانحطاط الفكري مبلغًا كبيرًا في الفساد والإلحاد في الألوهية، حتى عبدوا الحجارة من دون الله.

ومن صور إلحادهم في الألوهية:

١. عبادة الأصنام:

من أكبر إلحاد المشركين عبادتهم للأصنام من دون الله، مع علمهم عدم نفعها ولا ضرها.

قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٥٢].

أي: «معتكفون على عبادتها»17، فكانوا يعبدون الأصنام ويجعلونها في بيوتهم، وفي حلهم وترحالهم، بل جعلت قريش الأصنام داخل الحرم المكي وداخل الكعبة، ولعظم إلحادهم في الألوهية قال تعالى: ( )[الفرقان: ٣].

وقال تعالى: ( ﮉﮊ ) [الزمر: ٣].

«كان المسلمون إذا قالوا لهم: من خلق السماوات والأرض؟ أقروا، وقالوا: الله، فإذا قالوا لهم: فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى»18، وهذا يمثل الذروة في الميل، والعوج، والزيغ عن الحق لعلمهم بذلك.

٢. نسبة الملائكة والجن لله:

ألحد المشركون في نسبة الولد لله بادعائهم أن الملائكة هم بنات الله، وكانوا يعبدونهم؛ لينالوا الشفاعة عند الله بزعمهم وإلحادهم في الله.

فقال تعالى: ( ﭨﭩ ) [الصافات: ١٥٨-١٥٩].

أي: «إن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجنة: صنف من الملائكة يقال لهم: الجُنَة»19.

٣. عبادة الملائكة:

اتخذ المشركون عبادتهم الملائكة ليكونوا وسطاء وشفعاء لهم عند الله فقال تعالى: ( ﮒﮓ ) [آل عمران: ٨٠].

أي: «ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين؛ لأن الذين قالوا: إن عيسى إله، عبدوه واتخذوه ربًا، وقال قوم من الكفار: إن الملائكة أربابنا، يقال لهم: الصابئون»20.

٤. إلحاد العبادات:

ابتدعوا صلاة لهم ودعاءً بالتصفيق والتصفير إلحادًا وزيغًا عما شرعه الله من الصلاة والدعاء.

فقال تعالى: ( ﭯﭰ ) [الأنفال: ٣٥].

أي: وما كان دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة، أو ما يضعون موضعها، إلا مكاءً صفيرًا، وتصديةً تصفيقًا، وقيل: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، مشبكين بين أصابعهم، يصفرون فيها ويصفقون21، والعبادات بهذه الكيفية التي لم يأذن بها الله إلحاد في الألوهية.

٥. التحريم والتحليل:

سلك المشركون في ذبائحهم وأنعامهم إلى إلحاد في التحليل والتحريم حسب أهوائهم وميلهم في الذبح، والأكل، والتوريث دون الاستناد لشريعة ربانية، فقال تعالى: ( ﭦﭧ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٣٨-١٣٩].

أي: إنهم حرموا أنعامًا وحرثًا وجعلوها لأصنامهم، أو لخدام الأصنام، وهذا قول وفعل لم يرد به شرع، وجعلوا ما في بطونها من اللبن أو الأجنة حلالًا للذكور، وحرامًا على الإناث22، وهذا من جورهم وظلمهم، واعتدائهم على حق الله في التحليل والتحريم.

ثانيًا: إلحاد أهل الكتاب:

تعددت صور إلحاد أهل الكتاب في الألوهية، وسطرها القرآن الكريم في العديد من الآيات.

ومن صور إلحاد أهل الكتاب من اليهود والنصارى:

١. تأليه عزير وعيسى عليه السلام:

ألـهت اليهود العزير، وألهت النصارى عيسى عليه السلام وادعوا بنوتهما إلى الله إلحادًا عن دين الله، فقال تعالى: ( ﮤﮥ ﮨﮩ ) [التوبة: ٣٠].

وسبب نزول هذه الآية أن ابن عباس قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفي، ومحمد بن دحية، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أن عزيرًا ابن الله فأنزل الله الآية»23.

٢. عبادة الأحبار والقساوسة:

استجاب أهل الكتاب لأحبارهم وقساوستهم لما أحلوا لهم من الحرام ما أحلوه، وحرموا ما حرموه عليهم، فكانت هذه عبادتهم لهم.

قال تعالى: ( ﯧﯨ ﯬﯭ ) [التوبة: ٣١].

وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم عبادتهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال، فعن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: (يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة ( ) قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه)24.

٣. رد حكم الله:

تعطيل ورد حكم التوراة من صور إلحاد اليهود والنصارى في حكم الله والإعراض عنه، فقال تعالى: ( ﯿ ﰀﰁ ) [المائدة: ٥٠].

أي: «أيريد أولئك الخارجون عن أمر الله ونهيه أن يحكموا بأحكام الجاهلية التي لا عدل فيها، بل الهوى هو الذي يحكم بأن يجعلوا أساس الحكم الميل والمداهنة؟ وهذه هي طريقة أهل الجاهلية»25.

٤. نسبة بنوتهم لله:

نسب اليهود أنفسهم ببنوتهم لله تعالى وادعائهم محبته ظلمًا وبهتانًا، فذكر الله قولهم، فقال تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ) [المائدة: ١٨].

وسياق الآية أبرز وأوضح إلحاد وضلال اليهود والنصارى معًا، وهو «دعواهم أنهم ( )، وهو تبجح وسفه وضلال، فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: قل لهم يا رسولنا: ( )»26، وفي هذا تبكيت لهم، وتهديد ووعيد لإلحادهم في ألوهيته سبحانه.

ومن صور إلحاد أهل الكتاب الخاصة بشرائعهم:

إلحاد اليهود في الألوهية:

ورد في القرآن الكريم بعض صور إلحاد اليهود في الألوهية، التي تبرز وتوضح زيغ وانحراف وضلال اليهود، ومن هذه الصور:

١. تبديل كلام الله وتحريفه:

ومن إلحاد اليهود تحريفهم كلام الله وتبديله؛ افتراءً، وميلًا وعدولًا عن الحق، فوصفهم الله بقوله: ( ﯖﯗ ) [المائدة: ٤١].

أي: إن إقدام القوم على التحريف لا بد وأن يكون لخوف ورهبة، أو لطمع ورغبة، والمقصد والمراد: إياكم وأن تحرفوا كتابي للخوف من الخلق والملوك والأشراف، فتعطلوا الحدود الواجبة عليهم واختلاقكم الحيل في سقوط تكاليف الله تعالى عنهم، والزيغ عن الحق27.

٢. عبادتهم العجل:

قال تعالى عن عبادتهم لعجل السامري الذي صنعه لهم وأمامهم من حليهم: ( ﯖﯗ ﯟﯠ )[الأعراف: ١٤٨].

«يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من الحلي، فشكل لهم منه عجلًا جسدًا لا روح فيه وقد احتال بإدخال الريح فيه حتى صار يسمع له خوار، أي: صوتٌ كصوت البقر»28، وعبادة جسد مصنوع من الذهب وهو لا يملك نفعًا ولا ضرًا هو إلحاد قبيح.

قولهم وفعلهم هذا يستحقون بسببه التقريع والتوبيخ، أي: كيف عبدوا العجل واتخذوه إلهًا مع أنه ليس فيه شيء29.

وبهذا الإلحاد استوجبوا عقاب الله تعالى وغضبه عليهم لانحرافهم وزيغهم في حقه تعالى فقال: ( ﮔﮕ ) [الأعراف: ١٥٢].

٣. طلبهم الإلهة:

قال تعالى واصفًا إلحادهم في طلب الإله: ( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [الأعراف: ١٣٨].

«كان أولئك القوم من لخم، وكانوا نزولًا بالرقة وقيل: كانت أصنامهم تماثيل بقر، ( ) نظيره قول جهال الأعراب -وقد رأوا شجرة تسمى ذات أنواط يعظمونها في كل سنة يومًا-: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط»30.

إلحاد النصارى في الألوهية:

لم يكن النصارى بعيدين عن اليهود في إلحادهم في الألوهية بل قاربوا اليهود في ضلالهم وانحرافهم وزيغهم عن الحق، ومن صور إلحاد النصارى في الألوهية:

١. تأليه المسيح:

ألحد النصارى في جعل المسيح عيسى عليه السلام إلهًا من دون الله، فقال تعالى عن إلحادهم في ألوهيته: ( ) [المائدة: ١٧].

«يقول تعالى مخبرًا وحاكيًا بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم، وهو عبد من عباد الله، وخلقٌ من خلقه أنه هو الله، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا»31.

وهذا القول من أضل صور الإلحاد في الألوهية، وبه أضلوا أتباعهم «وهو كفر من أقبح أنواع الكفر، وهذا وإن لم يكن قول أكثر النصارى فإنهم بانتمائهم إلى النصرانية وقولهم بها وانخراطهم في تعاليمها يؤاخذون به؛ لأن الرضا بالكفر كفر»32.

٢. الشرك بالله:

ومن إلحاد النصارى عقيدة التثليث -الأب والابن وروح القدس- بنسبة الشريك لله، فذكر الله كفرهم وإلحادهم فقال: ( ﮒﮓ ) [المائدة: ٧٣].

أي: «أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة، فقوله ثالث ثلاثةٍ، أي: أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة»33.

ووصف الله بهذه الصورة إلحاد وزيغ واضح وبين في الألوهية -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-.

٣. تعطيل حكم الله:

أمر الله النصارى بالاحتكام إلى الإنجيل، فألحدوا فيه وزاغوا عنه بالاحتكام لغير منهجه، فقال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المائدة: ٤٧].

وفي الآية «إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان ويحكمون بحسبه وبحسب الشهوات»34.

ثالثًا: إلحاد الفرق الضالة في الألوهية:

ضج التاريخ الإسلامي بالفرق الضالة التي اتبعت غير سبيل المؤمنين، فمنها التي ألهت علي بن أبي طالب أو الحاكم بأمر الله الفاطمي وغيرهما من الباطنية، وحكمت شرع الجاهلية، وعطلت حكم الله، وأحلت الحرام وحرمت الحلال وغير ذلك، ومن صور الإلحاد عند الفرق الضالة في الألوهية:

١. تحريم الحلال وتحليل الحرام:

التحليل والتحريم حق لله وحده ولا يجوز لأحد أن يحرم ما أحله الله أو يحل ما حرمه الله، فمن فعل ذلك فقد ألحد في ألوهية الله.

قال تعالى: ( ﮜﮝ ) [المائدة: ٨٧].

وقال تعالى: ( ﯙﯚ )[النحل: ١١٦].

والآية تعني: «لا تقولوا لوصف ألسنتكم أو لأجل وصفكم الكذب أنكم تحلون وتحرمون لأجل الكذب لا لغيره، هذا حلال وهذا حرام، يعني البحيرة والسائبة؛ لتفتروا على الله الكذب، فتقولون إن الله أمرنا بهذا»35.

ومن أشكال التحريم والتحليل والكذب على الله إصدار الفتوى بغير علم أو لتحقيق هدف أو انتصار لمذهب أو تزلف لسلطان أو حاكم.

٢. الإلحاد في الحاكمية:

تعتبر الحاكمية من أخص صفات الألوهية؛ لذا قال الله تعالى: ( ﯫﯬ ﯶﯷ ﯿ ﰀﰁ ) [المائدة: ٤٩-٥٠].

وقال تعالى: ( ) [المائدة: ٤٤].

فأما قوله تعالى: ( ) وقوله تعالى بعدها: ( )[المائدة: ٤٥].

(ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[المائدة: ٤٧].

فقد تباينت آراء العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال:

أحدها: أنها نزلت في اليهود خاصة.

والثاني: أنها نزلت في المسلمين.

والثالث: أنها عامة في اليهود، وفي هذه الأمة.

والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى.

والخامس: أن الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى.

وخلاصة القول: إن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا له، وهو يعلم أن الله أنزله، كما فعلت اليهود، فهو كافر، ومن لم يحكم به ميلًا إلى الهوى من غير جحود، فهو ظالم وفاسق36.

وفي جميع هذه الحالات الحكم بغير ما أنزل الله هو إلحاد وانحراف وعوج عن دين الله تعالى وحكمه وشرعه.

وختامًا فالإلحاد في الألوهية عند أهل الكتاب والمشركين والفرق الضالة له صور كثيرة غير ما أسلفنا، ومنها صرف القلوب بالخشية والخوف والحب والرجاء والنذر والذبح والركوع والسجود وما شابه لغير الله.

قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة: ١٦٥].

أي: «ومن الناس من تبلغ بهم الجهالة أن يتخذ من غير الله أندادًا، أي: رؤساء وأصنامًا، يعظمونهم ويخضعون لهم»37.

٣. الإلحاد في أسماء الله وصفاته:

لقد سمى الله نفسه في القرآن الكريم بأسماء، ووصف نفسه بصفات لا تصح لغيره سبحانه تنزهت أسماؤه وعلت صفاته، فالأسماء الحسنى لا تكون إلا لله، والصفات العلى له، وهي محصورة ومقصورة على الله، ويجب أن تكون موصوفة بالحسن والكمال والجمال والجلال، وأي تعطيل أو تكييف أو تمثيل أو تشبيه فيها هو ضرب من ضروب الإلحاد.

وقد جعل الله «الإلحاد في أسمائه مظهرًا من مظاهر الكفر، وذلك بإنكار تسميته تعالى بالأسماء الدالة على صفات ثابتة له، وهو الأحق بكمال مدلولها»38.

قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٨٠].

«والمراد من الأسماء في الآية وأحاديث الرسول: التسميات بلا خلاف، وهي عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه، ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به، ومنها صفات لذاته، ومنها صفات أفعال، وهذه الأسماء عند العلماء توقيفية، فلا يسمى باسم لم يرد في القرآن والسنة كالرفيق والسخي والعاقل»39.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)40.

ومعنى أحصاها: «عدها وحفظها وتفكر في مدلولها»41.

وقد سمى الله نفسه ووصف ذاته قائلًا: ( ﮧﮨ ) [طه: ٨].

وقال: ( ﭪﭫ )[الأنعام: ١٠٣].

وقال: ( ﭣﭤ ) [الشورى: ١١].

هذه الشواهد تبرز بمعنى واضح لا لبس فيه بتسمية الله نفسه بأسماء مثل الله، اللطيف، الخبير، السميع، البصير كما في الآيات السابقة وغيرها، وكذا الصفات السميع والبصير، وعدم وجود الشبيه أو المثيل له وأي ميل أو زيغ أو انحراف عنها هو إلحاد في أسمائه وصفاته تعالى.

ووردت عدة أقوال في الإلحاد في أسماء الله وصفاته ومنها:

قول الراغب الأصفهاني: «الإلحاد في أسماء الله على وجهين:

أحدهما: أن يوصف بما لا يصح وصفه به.

والثاني: أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به»42.

وقال الزحيلي: «والإلحاد يكون بثلاثة أوجه:

أحدها: بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه، فسموا بها أوثانهم، فاشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان.

الثاني: بالزيادة فيها، أي: التشبيه، فالمشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه.

الثالث: بالنقصان منها، أي: التعطيل، فالمعطلة سلبوه ما اتصف به، كما يفعل الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرونه بغير ما يذكر من أفعاله، وهكذا»43.

خلاصة هذه الأقوال: إن الإلحاد في أسماء الله وصفاته يكون بالزيادة عليها أو إنقاصها، أو تبديلها وتغييرها والاشتقاق منها.

والتعطيل والتحريف والتمثيل والتكييف في أسماء الله وصفاته أوقع المشبهة والمعطلة في الضلال والإلحاد في أسماء الله وصفاته، ووجه ذلك أن الأسماء: «ألفاظ دالة على المعاني، فهي إنما تحسن بحسن معانيها ومفهوماتها، ولا معنى للحسن في حق الله تعالى إلا ذكر صفات الكمال ونعوت الجلال، وهي محصورة في نوعين: عدم افتقاره إلى غيره، وثبوت افتقار غيره إليه»44.

ونفي معاني الأسماء الحسنى من أقبح وأفحش معاني الإلحاد في أسماء الله الحسنى.

قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٨٠].

أي: «نفي معاني أسماء الله من أعظم الإلحاد»45.

وممن ألحد في أسماء الله وصفاته أهل الكتاب والمشركون وغيرهم.

أولًا: إلحاد المشركين في أسماء الله وصفاته:

ورد في القرآن الكريم العديد من صور إلحاد المشركين في أسماء الله وصفاته ومنها:

١. اشتقاق المشركين أسماء لآلهتهم من أسمائه سبحانه:

نسب المشركون بعض أسماء الله إلى آلهتهم ظلمًا وافتراء على الله ( ﭼ ﭽ) «يميلون عن الحق، حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم، كاللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة: من المنان»46.

وفي ذلك قال تعالى: ( ﯬﯭ ﯴﯵ ) [النجم: ١٩-٢٣].

«اللات وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا: اللات، يعنون مؤنثة منه، -تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا-، وكذا العزى من العزيز، وأما مناة فكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة»47.

٢. إنكارهم اسم الرحمن:

لم يعترف المشركون باسم الله الرحمن زعمًا منهم أنهم لا يعرفونه بهذا الاسم، فقال تعالى: ( ) [الفرقان: ٦٠].

وقال تعالى: ( ﭪﭫ ) [الرعد: ٣٠].

«أي: هذه الأمة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن لا يقرون به؛ لأنهم كانوا يأنفون من وصف الله بالرحمن الرحيم، ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم، وقالوا: ما ندري ما الرحمن الرحيم»48، وقيل: «سمع أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الحجر ويقول: (يا الله يا رحمن)، فقال: كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين، فنزلت هذه الآية، ونزل ( ) [الإسراء: ١١٠].

ثانيًا: إلحاد اليهود في أسماء الله وصفاته:

ورد في القرآن الكريم بعض صور إلحاد اليهود في أسماء الله وصفاته، مما يسفر عما في قلوبهم من زيغ وانحراف وضلال.

ومن هذه الصور:

١. وصفوا الله بالفقر:

وصف الله نفسه في القرآن الكريم بأنه الغني والمعطي والكريم، وألحد اليهود في اسمه الغني وصفته، وسموه ووصفوه بالفقير، فقال الله تعالى عن إلحادهم: ( ) [آل عمران: ١٨١].

«قيل: نزلت هذه الآية في اليهود. قالوا لما نزل قوله: ( )[البقرة: ٢٤٥]: إن الله فقير يستقرضنا ونحن أغنياء»49.

٢. وصفوا الله بالبخل:

ذكر الله إلحاد اليهود في صفاته وتعديهم على ذاته الإلهية بوصفهم الله بالبخل -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-، وهو الجواد الكريم المعطي، فحقت عليهم اللعنة.

فقال تعالى: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ...) [المائدة: ٦٤].

«عن ابن عباس أنه قال: ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة، لكنهم يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، -تعالى ربنا عما يقول الظالمون-»50.

ثالثًا: إلحاد الفرق الضالة في أسماء الله وصفاته:

ألحدت بعض الفرق التي تدعي الإسلام في أسماء الله وصفاته إما بالنفي أو التشبيه «فمن نفى عنه ما وصف به نفسه، وسماها به من أسماء فقد كفر، ومن شبه تلك الأسماء والصفات بأسماء وصفات المحدثين فقد كفر وأشرك»51.

ومن صور إلحاد الفرق الضالة ممن يدعون الإسلام:

التأويل:

فيؤولون «استواء الله تعالى على العرش بالاستيلاء فرارًا من وصف الله تعالى بالاستواء على عرشه، وتأويل صفة العلو بالقهر فرارًا من وصف الجهة والتحيز»52.

قال تعالى: ( ) [طه: ٥].

وقال: ( ) [الأعراف: ٥٤].

«أولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى، بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل»53.

فلا يحل أن يسمى الله أو يوصف بما لا يليق به، ومن وقع في ذلك فقد ألحد في أسماء الله وصفاته.

ثانيًا: الإلحاد في الكتب المنزلة:

تعرضت الكتب السماوية الأولى للعديد من صور التحريف والتكتم والنكران من أهل الكتاب.

قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [البقرة: ٧٩].

ومن رحمة الله بهذه الأمة تنزيل القرآن الكريم، والذي تكفل الله بحفظه، وكشف ما ألحده أهل الكتاب في كتبهم الأولى، ومنها:

أولًا: إلحاد المشركين في كتاب الله:

من صور إلحاد المشركين في القرآن والتشكيك والطعن فيه:

١. نسبة القرآن للسان أعجمي:

ألحد المشركون في القرآن بأن نسبوه لنصراني أعجمي يلقيه على النبي صلى الله عليه وسلم فرد الله عليهم، فقال تعالى: ( ﭗﭘ ) [النحل: ١٠٣].

«فمعنى يلحدون: يميلون عن الحق، فهم يتركون الحق القويم من أنه كلام منزلٌ من الله إلى أن يقولوا يعلمه بشر، فذلك ميل عن الحق، وهو إلحاد»54.

فهم يلحدون في نسبة كلام الله الذي يتلوه عليهم النبي إلى لسان رومي أعجمي، وكلام الله نزل بلسان عربي، والله قال: ( ) [الزخرف: ٣].

أي: «أنزلناه بلغة العرب فصيحًا واضحًا، حتى تفهمونه وتتدبرونه»55، فنسبة القرآن للعجمية إلحاد وزيغ عن وصفه قرآنًا عربيًا.

٢. الكذب على الله.

ومثاله قوله تعالى: ( ﯾﯿ ﰆﰇ ) [المائدة: ١٠٣].

قال القرطبي: «والمعنى في هذه الآية ما سمى الله، ولا سن ذلك حكمًا، ولا تعبد به شرعًا»56.

فالكذب في سن أحكام ونسبة ذلك لله تعالى، إلحاد في التشريع.

ثانيًا: إلحاد أهل الكتاب في الكتب المنزلة:

فضح القرآن الكريم إفساد اليهود والنصارى في كتبهم وإلحادهم فيها، بالتحريف أو الإنكار أو التأويل الفاسد، ومن صور إلحاد أهل الكتاب في التوراة والإنجيل:

١. الكفر بآيات الله:

ذكر الله كفر أهل الكتاب بآياته فقال تعالى: ( ) [آل عمران: ٩٨].

وقال تعالى: ( ﯪﯫ ﯵﯶ ) [البقرة: ٦١].

أي: «يكفرون بآيات الكتب المتلوة مطلقًا، أو التوراة أو آيات منها كالآيات التي فيها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو التي فيها الرجم أو القرآن، وفي إضافة الآيات إلى اسمه تعالى زيادة تشنيع عليهم، وبدأ سبحانه بكفرهم بآياته؛ لأنه أعظم كل عظيم»57.

٢. تحريف الكلم عن مواضعه:

قال تعالى فاضحًا بعض خبايا اليهود القذرة، ومنها إلحادهم في كلامه سبحانه بتحريفه: ( ﮧﮨ ﮯﮰ ﯖﯗ ) [المائدة: ٤١].

وقال تعالى عنهم مرة ثانية: ( ﮫﮬ ﮰﮱ ) [المائدة: ١٣].

أي: إن اليهود كانوا «( ) أي: يتأولونه على غير تأويله، ويبدلونه ( ) [البقرة: ٧٥].

ومن أمثلتها قال تعالى لهم: ( ﭢﭣ ) [البقرة: ٥٨-٥٩].

أمرهم الله تعالى «أن يدخلوها سجدًا...، علامة على التواضع والخشوع، ويقولوا: حطة... أي: حط عنا ذنوبنا واغفر لنا، دخلوها على غير الهيئة التي أمروا بها، وقالوا قولًا آخر غير الذي أمروا به»58، «فقد بدلوا الحطة بالحنطة والحنطة هي القمح»59 وقالوا: «حبة في شعرة»60، ومن تحريفهم للكلم قوله تعالى عنهم: ( ﯛﯜ ) [البقرة: ١٠٤].

وتحريفهم الكلم جاء بعد عقلهم إياه وعلمهم به مبالغة في إلحادهم وزيغهم.

قال تعالى: ( ) [البقرة: ٧٥].

والاستفهام هنا «للاستبعاد أو للإنكار التوبيخي»61؛ لإلحادهم القبيح في كتبهم.

٣. إخفاء وكتمان الآيات والأحكام:

ومثاله قوله تعالى: ( ﭢﭣ ) [آل عمران: ١٨٧].

أي: «() أي: الميثاق، ( ) فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه، وهذا مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات»62.

ومنها إخفاؤهم وكتمانهم آية وحكم رجم الزاني، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟). فقالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلامٍ: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده، فإذا آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة»63.

٤. تجزئة الكتاب وتقسيمه:

فرق أهل الكتاب بين أحكام الله، فقبلوا ما ناسب أهواءهم وردوا ما خالفها.

فقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ) [البقرة: ٨٥].

لذا حذر الله تعالى المؤمنين من الإيمان ببعض الكتاب ورد بعضه كما فعل اليهود والنصارى فقال: ( ﯿ ) [الحجر: ٩٠-٩١].

«أي: قسموه إلى حق وباطل حيث قالوا عنادًا وعداوة، بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما»64.

فمن يفعل فعلهم من المسلمين بتجزئة القرآن وأخذ بعض أحكامه وترك بعضها فهو إلحاد في القرآن، مشابهة لليهود والنصارى.

٥. نكران نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:

ومنها: قوله تعالى: ( ﮭﮮ ﯕﯖ ﯘﯙ ) [آل عمران: ٨١].

( ) يعني: «محمدًا صلى الله عليه وسلم، جاء بالقرآن بصدق التوراة في الأخبار والأقاصيص، () بالإيمان والنصرة له، وقبلتم؟ قالوا: ()، فقال الله للنبيين: () أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم»65.

وقيل: «عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به.

قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا عهدًا في محمد، فأنزل الله تعالى: ( ﯜﯝ ) [البقرة: ١٠٠]»66.

٦. التدليس في كتابة الكتب السماوية:

ومثاله قوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [البقرة: ٧٩].

أي: «يكتبون الكتاب أي: المحرف، أو ما كتبوه من التأويلات الزائغة بأيديهم، فإن نسبة المحرف والتأويل الزائغ إلى الله سبحانه صريحًا أشد شناعة من نفس التحريف والتأويل؛ ليشتروا به أي: يأخذوا لأنفسهم بمقابلته ثمنًا، هو ما أخذوه من الرشا بمقابلة ما فعلوا من التحريف والتأويل»67 .

وهذا تدليس على الكتب السماوية وإلحاد واضح عن الحق النازل من عند الله، ومنها:

أسباب الإلحاد

منهج القرآن في إبطال الإلحاد

آثار الإلحاد على الفرد والمجتمع


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٩٠، مختار الصحاح، الرازي ص٢٤٧، لسان العرب، ابن منظور ٣/ ٣٣٨، المصباح المنير، الفيومي ص٣٢٧.

2 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٨٥٠.

3 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٩/١٧٢.

4 التحرير والتنوير ٩/١٨٩.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٦٤٥.

6 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٧٣٧.

7 المصباح المنير، الفيومي ص١٣٧.

8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢١٣.

9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٩١.

10 انظر: المفردات، الأصفهاني ص٤٧٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٩١.

11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٤٠، مختار الصحاح، الرازي ص١١٨، المصباح المنير، الفيومي ص١٥٨.

12 مختار الصحاح، الرازي ص٢٣٢.

13 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب، ص ١٩٣.

14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٩٥.

15 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٢٧٧.

16 عقيدة المؤمن، الجزائري ص١٠٢.

17 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣.

18 الكشاف، الزمخشري، ٤/١١١.

وانظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/١٦٩.

19 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٥٤.

20 الوسيط، الواحدي، ١/٤٥٧.

21 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/٥٨.

22 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/ ٩٤.

23 لباب النقول في أسباب النزول، السيوطي، ص١١٥.

24 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ١٠ من سورة التوبة، ٥/٢٧٨، رقم ٣٠٩٥.

وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٣٢٩٣.

25 المنتخب في تفسير القرآن، نخبة من علماء الأزهر، ١/١٥٥.

26 أيسر التفاسير، الجزائري، ١/٦١٣.

27 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٦٧.

28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٧.

29 صفوة التفاسير، الصابوني ١٧/٤٣٧.

30 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٢٧٣.

31 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٦١.

32 أيسر التفاسير، الجزائري، ١/٦١٢.

33 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٢/٤٠٨.

وانظر: الوسيط، الواحدي، ٢/٢١٣.

34 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٢٠٣.

35 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٠١.

36 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ١/٥٥٣.

37 صفوة التفاسير، الصابوني، ١/٩٩.

38 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/١٨٩.

39 التفسير المنير، الزحيلي ٩/ ١٧٤.

40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا، ٦/٢٦٩١، رقم ٦٩٥٧.

41 التفسير المنير، الزحيلي، ٩/١٧٣.

42 المفردات ص٤٩٥.

43 التفسير المنير، الزحيلي، ٩/ ١٧٤.

44 المصدر السابق، ٩/١٧٥.

45 الإيمان بالله جل جلاله، الصلابي ص١١٥.

46 التفسير المنير، الزحيلي ٩/١٧١.

47 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٤٢٢- ٤٢٣.

48 المصدر السابق، ٤/٣٩٦.

49 الوسيط، الواحدي، ١/٥٢٨.

50 أخرجه الطبري في تفسيره، ١٠/٤٥٢.

51 عقيدة المؤمن، الجزائري ص١١٠.

52 المصدر السابق ص١١٠.

53 معالم التنزيل، البغوي ١/٥٧٣.

54 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٤/٢٨٧.

55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٢١٨.

56 الجامع لأحكام القرآن، ٦/٣٣٥.

57 روح المعاني، الألوسي، ١/٣٤٣.

58 في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٧٣.

59 تفسير الشعراوي، ١/١٩٦.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، ٤/١٦٢٧، رقم ٤٢٠٩.

61 روح المعاني، الألوسي، ١/٣٧٣.

62 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/٥٣.

63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله إلى العربية، ٩/١٥٨، رقم ٧٥٤٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، ٣/١٣٢٦، رقم ١٦٩٩.

64 روح المعاني، الألوسي، ١٠/٧٢.

65 الوسيط، الواحدي، ١/٤٥٨.

66 معالم التنزيل، البغوي، ١/١٤٦.

67 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ١/١٢٠.

68 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/١٢٨.

69 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/١٢١.

70 الموسوعة القرآنية، إبراهيم الإبياري، ١١/١٢٣.

71 التفسير المنير، الزحيلي، ٢٤/٢٤٠.

72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشدٍ على الدوام، ٢/٩٨٦، رقم ١٣٥٣.

73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٩٦.

74 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٠/١٤٨.

75 فتح القدير، الشوكاني، ٥/٧٦.

76 المصدر السابق، ١/ ٢٠٥.

77 التفسير المنير، الزحيلي، ١٧/ ١٨٨.

78 التفسير الحديث، دروزة، ٦/٢٣.

79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٤١١.

80 التفسير المنير، الزحيلي، ١٧/ ١٨٩.

81 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٤٤.

82 فتح القدير، الشوكاني، ٤/١٨٣.

83 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٩/٥١.

84 المصدر السابق، ١٦/٨٣.

85 جامع البيان، الطبري، ١٣/٨٠.

86 الوسيط، الواحدي، ٢/٢١٤.

87 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢٦٥.

88 جامع البيان، الطبري، ٢/٣٢٤.

89 الكشاف، الزمخشري، ٣/٣٢٢.

90 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/١٥٣.

91 المصدر السابق، ١/٩٦.

92 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٤٢٧.

93 تفسير الشعراوي، ١/٥٨٤٢.

94 المصدر السابق، ١/ ٤١٥٣.

95 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/١٢١.

96 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٨/٢٥٥.

97 زاد المسير، ابن الجوزي، ٣/ ١٨١.

98 أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/١١٧.

99 التفسير المنير، الزحيلي، ٩/١٦٦.

100 التفسير الواضح، الحجازي، ١/٦٢٩.

101 التفسير المنير، الزحيلي، ٨/٢٧.

102 المصدر السابق، ٢/١٦٣.

103 التفسير الحديث، دروزة، ٤/١٥٣.

104 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٢٧٦.

105 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٣٦٧.

106 صفوة التفاسير، الصابوني، ١/٤٩٢.

107 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٦٨.