عناصر الموضوع
الافتراء
أولًا: المعنى اللغوي:
الافتراء مصدر مشتق من مادة (فري): بمعنى قطع الشيء، يقال: فراه يفريه فريًا: شقه شقًا، ثم يفرع منه ما يقاربه، من ذلك، فيقال: فريت الشيء أفريه فريًا، وذلك قطعك له لإصلاحه، ومن الباب: فلانٌ يفري الفري إذا كان يأتي بالعجب، كأنه يقطع الشيء قطعًا عجبًا1. وفرى الكذب: اختلقه، يقال: فرى فلانٌ كذبًا يفريه إذا خلقه2.
فالافتراء في اللغة هو: اختلاق الكذب.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المعنى الاصطلاحي للافتراء هو ذاته المعنى اللغوي؛ إذ إن الافتراء في الاصطلاح هو: اختلاق الأخبار التي لا أصل لها، وهو بذلك من الكذب العمد؛ بل هو شر الكذب.
قال ابن عاشور: «الافتراء: اختلاق الأخبار، أي: ابتكارها، وهو الكذب عن عمد»3.
وقال ابن عطية: «الافتراء أخص من الكذب، ولا يستعمل إلا فيما بهت به المرء وكابر، وجاء بأمر عظيم منكر»4.
وبالتأمل في المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي نجد أنه لا فرق بينهما؛ إذ كلاهما يعني: اختلاق الكذب، والافتراء أخص من الكذب، وأشد منه.
وردت مادة (فري) في القرآن (٦٠) مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢٥ |
(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النساء:٤٨] |
الفعل المضارع |
٢٦ |
(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [طه:٦١] |
المصدر |
٢ |
(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنعام:١٤٠] |
اسم الفاعل |
٣ |
(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأعراف:١٥٢] |
اسم المفعول |
٣ |
(ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [هود:١٣] |
الصفة المشبهة |
١ |
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [مريم:٢٧] |
وجاء الافتراء في القرآن على معناه اللغوي، وهو: الاختلاق والكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، فهو أخص من الكذب، وأصله من الشق والقطع للإفساد، ولم يخرج في الاستعمال القرآني عن هذا المعنى6.
الكذب:
الكذب لغة:
مادة كذب: الكاف والذال والباء: أصلٌ صحيحٌ يدل على خلاف الصدق7.
الكذب اصطلاحًا:
قال الجرجاني: «هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع؛ سواء بالقول، أو بالإشارة، أو بالسكوت»8.
الصلة بين الكذب والافتراء:
أن الافتراء أخص من الكذب، وأشد قبحًا منه؛ لأن الافتراء اختلاق الأخبار الكاذبة التي لا أصل لها، وكذلك فإن الافتراء كذبٌ في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه لا في حق الغير؛ ولذا يقال لمن قال: «فعلت كذا ولم أفعل كذا» مع عدم صدقه في ذلك: هو كاذب، ولا يقال: هو مفتر، وكذا من مدح أحدًا بما ليس فيه، يقال: إنه كاذب في وصفه، ولا يقال: هو مفتر؛ لأن ذلك مما يرتضيه المقول فيه غالبًا، وقال سبحانه وتعالى حكاية عن الكفار: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الشورى: ٢٤]؛ لزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم بما لا يرتضيه الله سبحانه مع نسبته إليه9.
الإفك:
الإفك لغةً:
أفك إفكًا وأفوكًا: كذب، وأفك فلانًا: جعله يكذب، وحرمه مراده10.
الإفك اصطلاحًا:
أعظم الكذب، وكل شيء في القرآن إفك فهو كذب11.
قال الشنقيطي: «واعلم بأن الإفك هو أسوأ الكذب؛ لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل، والعرب تقول: أفكه بمعنى قلبه»12.
الصلة بين الإفك والافتراء:
يشترك الإفك والافتراء في أن كلًا منهما يعد من أشنع الكذب وأفظعه؛ وفي كليهما إساءة وإيذاء، ويختلف الإفك عن الافتراء بأن الإفك فيه قلب للحقيقة، أما الافتراء فهو اختلاق أخبار كاذبة ليس لها حقيقة أصلًا، وكلاهما شرٌ محض.
البهتان:
البهتان لغة:
مشتقٌ من بهت الرجل يبهته بهتًا وبهتانًا فهو بهات، أي: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوتٌ، والبهتان: افتراءٌ13.
البهتان اصطلاحًا:
هو الافتراء على الغير، وهو: الخبر المكذوب الذي لا شبهة لكاذبه فيه؛ لأنه يبهت من ينقل عنه14.
وقيل: هو كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيره؛ لفظاعته، وقال أبو البقاء: «سمي به؛ لأنه يبهت أي: يسكت؛ لتخيل صحته، ثم ينكشف عند التأمل»15.
الصلة بين البهتان والافتراء:
قال الكفوي: البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه أي: يدهش له ويتحير. وهو أفحش من الكذب؛ لأنه إذا كان عن قصد يكون إفكًا، والإفك: إذا كان على الغير يكون افتراء، والافتراء: إذا كان بحضرة المقول فيه يكون بهتانًا16.
الميادين التي يكثر فيها الافتراء، ويظهر بقوة متعددة ؛نجملها فيما يلي:
أولًا: الافتراء في العقائد:
١. الألوهية.
من أعظم أنواع الافتراء: الفرية على الله سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله، والذي يعني الاختلاق عليه والحكاية عنه ما لم يقله، أو اتخاذ الأنداد والشركاء.
١. الافتراء على الله بادعاء الشركاء:
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء:٤٨].
أي: ومن يجعل لغير الله شركة مع الله قيوم السموات والأرض -سواء كانت الشركة بالإيجاد أو بالتحليل والتحريم- فقد اخترع ذنبًا عظيم الضرر17؛ لأن الشرك انقطاع ما بين الله والعباد، فلا يبقى لهم معه أمل في مغفرة، إذا خرجوا من هذه الدنيا وهم مشركون، مقطوعو الصلة بالله رب العالمين.
٢. الافتراء على الله بما لم يقله:
ومن صور الافتراء على الله تزكية اليهود والنصارى لأنفسهم من غير برهان على ذلك، كما قال تعالى:
(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء: ٤٩-٥٠].
هذا توبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى، ومن نحا نحوهم من كل من زكى نفسه بأمر ليس فيه؛ وذلك أن اليهود والنصارى يقولون: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المائدة: ١٨].
ويقولون: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة:١١١].
وهذا مجرد دعوى لا برهان عليها، فتزكيتهم أنفسهم من أعظم الافتراء على الله عز وجل؛ لأن مضمون تزكيتهم لأنفسهم الإخبار بأن الله جعل ما هم عليه حقًا، وما عليه المؤمنون المسلمون باطلًا، وهذا أعظم الكذب، وقلبٌ للحقائق بجعل الحق باطلًا، والباطل حقًا18.
ولما كان الشرك أعظم الافتراء على الله أرسل الله الرسل لإبطال ما اختلقه المشركون على الله من عبادة غير الله، ودعوتهم إلى عبادة الله، كما قال هود عليه السلام لقومه: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [هود: ٥٠].
أي: ولقد أرسلنا إلى عادٍ أخاهم هودًا آمرًا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ناهيًا لهم عن عبادة الأوثان التي افتروها، واختلقوا لها أسماء الآلهة19، وتسميتهم إياهم شفعاء يتقربون بهم أو بقبورهم أو بصورهم وتماثيلهم ويرجون النفع وكشف الضر عنهم بجاههم عنده.
ولما قام الأنبياء -صلوات الله عليهم- بدعوة أقوامهم إلى ترك عبادة غير الله، والقيام بعبادة الله؛ آمن بهم فريق، وعاندهم فريق آخر، سماهم القرآن الملأ.
كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف: ٨٨-٨٩].
أي: ما أعظم افتراءنا على الله إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وهدانا الصراط المستقيم باتباع ملة إبراهيم20.
وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في الدعوات أن يقوم الرسل وورثتهم من بعدهم بدعوة أقوامهم إلى عبادة الله، وترك عبادة غير الله، فيؤمن فريق، ويكفر فريق، ويتدافع الفريقان، ويجاهد الرسل والمؤمنون في الله حق جهاده، فيثبتون، وتكون العاقبة لهم، كما قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ) [القصص: ٨٣].
٢. النبوة والمعجزات.
من قبح المفترين ادعاؤهم على الرسل أنهم لم يأتوا بالمعجزات الباهرة والدلائل القاهرة من عند الله، وإنما هي اختلاق من عند أنفسهم، كما حكى الله عن فرعون وقومه من دعوة موسى عليه السلام بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [القصص: ٣٦].
يخبر تعالى عن مجيء موسى وأخيه هارون عليهما السلام إلى فرعون وملئه، وعرضه ما آتاهما الله من المعجزات الباهرة والدلالات القاهرة على صدقهما فيما أخبر عن الله عز وجل من توحيده، واتباع أوامره، فلما عاين فرعون وملؤه ذلك وشاهدوه وتحققوه، وأيقنوا أنه من الله، عدلوا بكفرهم وبغيهم إلى العناد والمباهتة؛ وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق، فقالوا: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي: مفتعل مصنوع، وأرادوا معارضته بالحيلة والجاه، فما صعد معهم ذلك21.
وقد جعلوا انتفاء بلوغ مثل هذه الدعوة إلى آبائهم حتى تصل إليهم بواسطة آبائهم الأولين دليلًا على بطلانها؛ وذلك آخر ما يلجأ إليه المحجوج المغلوب حين لا يجد ما يدفع به الحق بدليل مقبول، فيفزع إلى مثل هذه التلفيقات والمباهتات22.
ولما جاءت مريم -عليها السلام- بعيسى عليه السلام المعجزة الإلهية من غير أب تحمله، أنكر عليها قومها ذلك، كما قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ).
والذي يفهم من الآية أن مرادهم بقولهم: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) أي: منكرًا عظيمًا؛ لأن «الفري» فعيلٌ من الفرية، يعنون به الزنا؛ لأن ولد الزنا كالشيء المفترى المختلق؛ لأن الزانية تدعي إلحاقه بمن ليس أباه، ويدل على أن مرادهم بقولهم: «فريًا» الزنا؛ قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ١٥٦].
لأن ذلك البهتان العظيم الذي هو ادعاؤهم أنها زنت، وجاءت بعيسى من ذلك الزنا -حاشاها وحاشاه من ذلك- هو المراد بقولهم لها: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)، ويدل لذلك قوله تعالى بعده: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [مريم: ٢٨]. والبغي الزانية، يعنون كان أبواك عفيفين لا يفعلان الفاحشة، فما لك أنت ترتكبينها؟! ومما يدل على أن ولد الزنا كالشيء المفترى قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الممتحنة: ١٢].
قال بعض العلماء: أي: ولا يأتين بولد زنًا يقصدن إلحاقه برجلٍ ليس أباه، هذا هو الظاهر الذي دل عليه القرآن في معنى الآية23.
وعندما ينسخ الله حكمًا، ويأتي بحكم آخر لحِكَمٍ يعلمها ورحمة بعباده سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [البقرة: ١٠٦].
قدحوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به؛ كما قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النحل: ١٠١-١٠٢].
يذكر تعالى أن المكذبين بهذا القرآن يتتبعون ما يرونه حجة لهم، وهو أن الله تعالى هو الحاكم الحكيم، الذي يشرع الأحكام، ويبدل حكمًا مكان آخر لحكمته ورحمته، فإذا رأوه كذلك قدحوا في الرسول، وبما جاء به، و (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) .
قال الله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) فهم جهال لا علم لهم بربهم ولا بشرعه.
ولهذا ذكر تعالى حكمته في ذلك فقال: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) وهو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة وآفة.
(ﯶ) أي: نزوله بالحق، وهو مشتمل على الحق في أخباره وأوامره ونواهيه، فلا سبيل لأحد أن يقدح فيه قدحًا صحيحًا؛ لأنه إذا علم أنه الحق علم أن ما عارضه وناقضه باطل.
(ﯷ ﯸ ﯹ) عند نزول آياته وتواردها عليهم وقتًا بعد وقت، فلا يزال الحق يصل إلى قلوبهم شيئًا فشيئًا حتى يكون إيمانهم أثبت من الجبال الرواسي، وأيضًا فإنهم يعلمون أنه الحق، وإذا شرع حكمًا من الأحكام ثم نسخه علموا أنه أبدله بما هو مثله أو خير منه لهم، وأن نسخه هو المناسب للحكمة الربانية والمناسبة العقلية.
(ﯺ ﯻ ﯼ) أي: يهديهم إلى حقائق الأشياء، ويبين لهم الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ويبشرهم أن لهم أجرًا حسنًا، ماكثين فيه أبدًا، وأيضًا فإنه كلما نزل شيئًا فشيئًا كان أعظم هداية وبشارة لهم مما لو أتاهم جملة واحدة، وتفرق الفكر فيه، بل ينزل الله حكمًا وبشارة أكثر، فإذا فهموه وعقلوه وعرفوا المراد منه وترووا منه أنزل نظيره وهكذا.
ولذلك بلغ الصحابة رضي الله عنهم به مبلغًا عظيمًا، وتغيرت أخلاقهم وطبائعهم، وانتقلوا إلى أخلاق وعوائد وأعمال فاقوا بها غيرهم.
وكان أعلى وأولى لمن بعدهم أن يتربوا بعلومه ويتخلقوا بأخلاقه، ويستضيئوا بنوره في ظلمات الغي والجهالات ويجعلوه إمامهم في جميع الحالات، فبذلك تستقيم أمورهم الدينية والدنيوية24.
يقول صاحب الظلال رحمه الله: «إن المشركين لا يدركون وظيفة هذا الكتاب، لا يدركون أنه جاء لإنشاء مجتمع عالمي إنساني، وبناء أمة تقود هذا المجتمع العالمي، وأنه الرسالة الأخيرة التي ليست بعدها من السماء رسالة، وأن الله الذي خلق البشر عليم بما يصلح لهم من المبادئ والشرائع، فإذا بدل آية انتهى أجلها واستنفدت أغراضها، ليأتي بآية أخرى أصلح للحالة الجديدة التي صارت إليها الأمة، وأصلح للبقاء بعد ذلك الدهر الطويل الذي لا يعلمه إلا هو، فالشأن له، ومثل آيات هذا الكتاب كمثل الدواء تعطى للمريض منه جرعات حتى يشفى، ثم ينصح بأطعمة أخرى تصلح للبنية العادية في الظروف العادية.
إن المشركين لا يدركون شيئًا من هذا كله، ومن ثم لم يدركوا حكمة تبديل آية مكان آية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فحسبوها افتراء منه، وهو الصادق الأمين الذي لم يعهدوا عليه كذبًا قط25.
وقد حاول المشركون بكل الطرق فتنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليفتري على الله غير القرآن بما يوافق أهواءهم، لكن الله حفظ نبيه صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء: ٧٣].
يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال: قد كادوا لك أمرًا لم يدركوه، وتحيلوا لك، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك26.
٣. الكتب.
أخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم عن تعنت الكافرين، واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه:
فتارة يزعمون أنه سحرٌ .
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [سبأ: ٤٣].
إنهم بقولهم هذا يغالطون أنفسهم، ويغالطون قومهم لستر مكابرتهم ولدفع ما ظهر من الغلبة عليهم، وهذا شأن المغلوب المحجوج أن يتعلق بالمعاذير الكاذبة.
وتارة يزعمون أنه أضغاث أحلام، وتارة يزعمون أنه شعر جاء به شاعر، كما قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأنبياء: ٥].
يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من القرآن العظيم، وأنهم سفهوه، وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة.
فتارة يقولون: (ﮅ ﮆ) بمنزلة كلام النائم الهاذي، الذي لا يحس بما يقول، وتارة يقولون: (ﮈ) واختلقه وتقوله من عند نفسه.
وتارة يقولون: إنه (ﮋ) وما جاء به شعر.
وكل من له أدنى معرفة بالواقع، من حالة الرسول، ونظر في هذا الذي جاء به، جزم جزمًا لا يقبل الشك، أنه أجل الكلام وأعلاه، وأنه من عند الله، وأن أحدًا من البشر لا يقدر على الإتيان بمثل بعضه، كما تحدى الله أعداءه بذلك، ليعارضوا مع توفر دواعيهم لمعارضته وعداوته، فلم يقدروا على شيء من معارضته، وهم يعلمون ذلك وإلا فما الذي أقامهم وأقعدهم وأقض مضاجعهم وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا يقوم له شيء.
وإنما يقولون هذه الأقوال فيه -حيث لم يؤمنوا به- تنفيرًا عنه لمن لم يعرفه، وهو أكبر الآيات المستمرة، الدالة على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، وهو كاف شاف.
فمن طلب دليلًا غيره، أو اقترح آية من الآيات سواه، فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء المعاندين الذين كذبوه وطلبوا من الآيات الاقتراح ما هو أضر شيء عليهم، وليس لهم فيها مصلحة؛ لأنهم إن كان قصدهم معرفة الحق إذا تبين دليله، فقد تبين دليله بدونها، وإن كان قصدهم التعجيز وإقامة العذر لأنفسهم، إن لم يأت بما طلبوا فإنهم بهذه الحالة -على فرض إتيان ما طلبوا من الآيات- لا يؤمنون قطعًا، فلو جاءتهم كل آية، لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم27.
وتارة يزعمون أنه: (ﮔ ﮕﮖ) وهذا القول من بهتانهم، كما قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الفرقان: ٤].
يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: إن هذا القرآن كذب كذبه محمد، وإفك افتراه على الله، وأعانه على ذلك قوم آخرون، فرد الله عليهم ذلك بأن هذا مكابرة منهم، وإقدام على الظلم والزور.
فهم أشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال صدقه وأمانته وبره التام، وأنه لا يمكنه، لا هو ولا سائر الخلق أن يأتوا بهذا القرآن الذي هو أجل الكلام وأعلاه، وأنه لم يجتمع بأحد يعينه على ذلك، فقد جاءوا بهذا القول ظلمًا وزورًا.
ومن جملة أقاويلهم فيه أن قالوا: هذا الذي جاء به محمد (ﭻ ﭼ ﭽ ) أي: هذا قصص الأولين وأساطيرهم التي تتلقاها الأفواه، وينقلها كل أحد استنسخها محمد (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) وهذا القول منهم فيه عدة عظائم:
منها: رميهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أبر الناس وأصدقهم بالكذب والجرأة العظيمة.
ومنها: إخبارهم عن هذا القرآن الذي هو أصدق الكلام وأعظمه وأجله بأنه كذب وافتراء.
ومنها: أن في ضمن ذلك أنهم قادرون أن يأتوا بمثله وأن يضاهي المخلوق الناقص من كل وجه للخالق الكامل من كل وجه بصفة من صفاته، وهي الكلام.
ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علمت حالته، وهم أشد الناس علمًا بها، أنه لا يكتب، ولا يجتمع بمن يكتب له، وقد زعموا ذلك28، وما جرأهم على هذا البهتان إلا إشراكهم وتصلبهم فيه، ليس ذلك لشبهة تبعثهم على هذه المقالة لانتفاء شبهة ذلك29.
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [سبأ: ٤٣].
يخبر تعالى عن حالة المشركين عندما تتلى عليهم آيات الله البينات، وحججه الظاهرات، وبراهينه القاطعات، الدالة على كل خير، الناهية عن كل شر، التي هي أعظم نعمة جاءتهم، ومنةٍ وصلت إليهم، الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق والانقياد والتسليم، أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي، ويكذبون من جاءهم بها30.
«فلم يثبتوا على صفة له، ولا على رأي يرونه فيه؛ لأنهم إنما يتمحلون ويحاولون أن يعللوا أثره المزلزل في نفوسهم بشتى التعللات، فلا يستطيعون، فينتقلون من ادعاء إلى ادعاء، ومن تعليل إلى تعليل، حائرين غير مستقرين، ثم يخلصون من الحرج بأن يطلبوا بدل القرآن خارقة من الخوارق التي جاء بها الأولون»31.
ودفاعًا عن القرآن ضد افتراءات المكذبين قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: لو افتريت يا محمد على القرآن كذبًا لطبع الله على قلبك، ولسلبك ما آتاك من القرآن، كما قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الشورى: ٢٤].
ثم برأ عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه المفترون، وأثبت أنه الحق الكامل من ربه، كما قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [السجدة: ٣].
فالقرآن هو الحق من رب العالمين: «الحق بما في طبيعته من صدق ومطابقة لما في الفطرة من الحق الأزلي، وما في طبيعة الكون كله من هذا الحق الثابت.
الحق.. بما يحققه من اتصال بين البشر الذين يرتضون منهجه وهذا الكون الذي يعيشون فيه ونواميسه الكلية، وما يعقده بينهم وبين قوى الكون كله من سلام وتعاون وتفاهم وتلاق.
الحق.. الذي تستجيب له الفطرة حين يلمسها إيقاعه، في يسر وسهولة، وفي غير مشقة ولا عنت؛ لأنه يلتقي بما فيها من حق أزلي قديم، الحق.. الذي لا يظلم أحدًا في دنيا أو آخرة»32.
ثم نفى سبحانه وتعالى أن يختلق هذا القرآن كذبًا، فقال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يونس: ٣٧].
أي: مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله، ولا يشبه هذا كلام البشر (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) من الكتب المتقدمة، ومهيمنًا عليها، ومبينًا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وفيه بيان الأحكام والحلال والحرام، بيانًا شافيًا كافيًا حقًا لا مرية فيه من الله رب العالمين33.
قال سيد قطب رحمه الله: «وما كان من شأنه أصلًا أن يفترى، فليس الافتراء هو المنفي، ولكن جواز وجوده هو المنفي، وهو أبلغ في النفي وأبعد»34.
ثم بين سبحانه وتعالى أن المنتفعين بهذا القرآن هم المؤمنون فهو هدى ورحمة لهم، كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [يوسف: ١١١].
أي: وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله، أي: يكذب ويختلق (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) من الكتب المنزلة من السماء، وهو يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير.
(ﯼ ﯽ ﯾ) من تحليل وتحريم، ومحبوب ومكروه، وغير ذلك من الأمر بالطاعات والواجبات والمستحبات، والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات، والإخبار عن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية، والإخبار عن الرب تبارك وتعالى بالأسماء والصفات، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقات.
فلهذا كان: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد، ومن الضلالة إلى السداد، ويبتغون به الرحمة من رب العباد، في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد35.
هكذا عرض القرآن الكريم افتراءات المكذبين، ثم دحضها عن القرآن وعن حامله، ثم أثبت بأنه من رب العالمين، ثم حدد المنتفعين به، وهم المؤمنون.
الافتراء على كتاب الله في الزمن الحاضر:
لقد ظهر في هذا العصر أحفاد للمفترين السابقين ساروا على نهجهم، واستخدموا طريقتهم في الافتراء، لم يوص بعضهم بعضًا بذلك، بل تشابهت قلوبهم في الافتراء، كما قال الله: (ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الذاريات: ٥٣].
فـ«منهم من أنكر الوحي، وادعى أن القرآن «أثر أدبي خالد» وأنه «منتج ثقافي» لا أكثر» 36.
وصنف آخر اختلقوا قرآنًا يسمونه الفرقان الحق37، وهو زيف وكذب وافتراء وتشويه وطمس للحقائق، لتشويه القرآن الكريم ورسالته السامية النبيلة، لقد بلغ صاحب هذا الكتاب ما لم يبلغه مسيلمة الكذاب، بل مسيلمة الكذاب لم يبلغ كذبه وافتراؤه إلى هذا الحد، بل كان يقر للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، لكن كان يدعي أنه رسول آخر، ولا ينكر وجود الرب، ولا ينكر القرآن في الظاهر، وهذا المفتري جحد الرب، وأشرك به كل شيء، وافترى هذا الكتاب الذي يزعم أنه أعظم من القرآن.
وهذه المحاولة للدس والافتراء على كتاب الله الكريم ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، ولكنها محاولات فاشلة. وسيبقى كتاب الله تعالى محفوظًا في الصدور وفي السطور، ولن تؤثر فيه محاولات التحريف والتزييف.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر: ٩].
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [القمر: ١٧].
وسيقذف الله بنور «القرآن الحق» على ظلام «الفرقان الحق المزعوم» فإذا هو مضمحل، كما اضمحلت المحاولات السابقة للافتراء على القرآن، ويخرج القرآن من هذه الافتراءات منتصرًا مضيئًا للخلق طريق الحق، كما قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الأنبياء: ١٨].
وإنا من ذلك لعلى يقين.
لكن منزل القرآن سبحانه وتعالى يحب من حملته أن يكونوا درعًا حصينة في صد ودحض الافتراءات التي لا تنتهي ولن تنتهي؛ لأنها سنة الله في دعوته، وهذه الافتراءات زبد يتلاشى؛ إذ لا نفع فيها، كما قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الرعد: ١٧].
رابعًا: آيات الله وبراهينه:
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [يونس: ١٧].
أي: لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجرامًا (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) وتقول على الله، وزعم أن الله أرسله، ولم يكن كذلك.
فليس أحد أكبر جرمًا ولا أعظم ظلمًا من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء!
فإن من قال هذه المقالة صادقًا أو كاذبًا فلا بد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس.
فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى ووقت نصف الليل في حندس الظلماء، فمن سيما كل منهما وكلامه وفعاله يستدل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة الكذاب، وسجاح، والأسود العنسي38.
و «من» استفهام إنكاري مستعمل في تهويل ظلم هذا الفريق، المعبر عنه بمن افترى على الله كذبًا و «من» الثانية موصولة، وهي عامة لكل من تتحقق فيه الصلة، وإنما كانوا أظلم الناس ولم يكن أظلم منهم لأن الظلم اعتداء على حق، وأعظم الحقوق هي حقوق الله تعالى، وأعظم الاعتداء على حق الله الاعتداء عليه بالاستخفاف بصاحبه العظيم، وذلك بأن يكذب بما جاءه من قبله، أو بأن يكذب عليه فيبلغ عنه ما لم يأمر به، فإن جمع بين الأمرين فقد عطل مراد الله تعالى من جهتين:
جهة إبطال ما يدل على مراده، وجهة إيهام الناس بأن الله أراد منهم ما لا يريده الله، والمراد بهذا الفريق: هم المشركون من العرب، فإنهم كذبوا بآيات الله التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وافتروا على الله الكذب فيما زعموا أن الله أمرهم به من الفواحش39.
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٢١].
«أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا كزعم من زعم أن له ولدًا أو شريكًا، أو أن غيره يدعى معه أو من دونه ويتخذ وليًا له يقرب الناس إليه زلفى ويشفع لهم عنده، أو زاد في دينهما ليس منه أو كذب بآياته المنزلة كالقرآن المجيد، أو آياته الكونية الدالة على وحدانيته أو التي يؤيد بها رسله»40.
ثانيًا: الافتراء في الشرائع:
من أعظم القضايا التي يقع فيها الافتراء قضية التحليل والتحريم، وهما تشريع شرعه الله سبحانه لعباده، وليس لمخلوقٍ حقٌ في تحريم شيءٍ أباحه الرب لعباده تدينًا به إلا بوحيه وإذنه، وقد أنكر الله على من فعل ذلك.
فقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [يونس: ٥٩].
وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ؛ كقوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنعام: ١٥٠].
وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام: ١٤٠].
وقوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٣٩].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأنعام: ١٣٨].
وقد نهى سبحانه وتعالى عن القول عليه بما لم يقل، كما قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النحل: ١١٦].
ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس فيها مستند شرعي، أو حلل شيئًا مما حرم الله، أو حرم شيئًا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه41.
فـ(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) حين تقولونها بلا نص هي الكذب عينه، الذي تفترونه على الله، والذين يفترون على الله الكذب ليس لهم إلا المتاع القليل في الدنيا، ومن ورائه العذاب الأليم، والخيبة والخسران، ثم يجرؤ ناس بعد ذلك على التشريع بغير إذن من الله، وبغير نص في شريعته يقوم عليه ما يشرعونه من القوانين، وينتظرون أن يكون لهم فلاح في هذه الأرض أو عند الله!42.
وانتصب (الكذب) على المفعول المطلق لـ(تصف) أي: وصفًا كذبًا؛ لأنه مخالف للواقع؛ لأن الذي له التحليل والتحريم لم ينبئهم بما قالوا، ولا نصب لهم دليلًا عليه43.
وقد وقعوا فيما نهاهم الله عنه كما أخبر عنهم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٣٨-١٣٩].
أي: من أنواع سفاهتهم أن الأنعام التي أحلها الله لهم عمومًا، وجعلها رزقًا ورحمة، يتمتعون بها وينتفعون، قد اخترعوا فيها بدعًا وأقوالًا من تلقاء أنفسهم.
فعندهم اصطلاح في بعض الأنعام والحرث أنهم يقولون فيها: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) أي: محرم (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: لا يجوز أن يطعمه أحد، إلا من أردنا أن يطعمه، أو وصفناه بوصف -من عندهم-.
وكل هذا بزعمهم لا مستند لهم ولا حجة إلا أهويتهم، وآراؤهم الفاسدة، وأنعام ليست محرمة من كل وجه، بل يحرمون ظهورها، أي: بالركوب والحمل عليها، ويحمون ظهرها، ويسمونها الحام، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها، بل يذكرون اسم أصنامهم، وما كانوا يعبدون من دون الله عليها، وينسبون تلك الأفعال إلى الله.
وهم كذبة فجار في ذلك (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) على الله، من إحلال الشرك، وتحريم الحلال من الأكل، والمنافع.
ومن آرائهم السخيفة أنهم يجعلون بعض الأنعام، ويعينونها محرمًا ما في بطنها على الإناث دون الذكور، فيقولون: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) أي: حلال لهم، لا يشاركهم فيها النساء، (ﭵ ﭶ ﭷﭸ) أي: نسائنا، هذا إذا ولد حيًا، وإن يكن ما في بطنها يولد ميتًا فهم فيه شركاء، أي: فهو حلال للذكور والإناث.
(ﮀ) الله (ﮁﮂ) حين وصفوا ما أحله الله بأنه حرام، ووصفوا الحرام بالحلال، فناقضوا شرع الله وخالفوه، ونسبوا ذلك إلى الله (ﮃ ﮄ) حيث أمهل لهم، ومكنهم مما هم فيه من الضلال (ﮅ) بهم، لا تخفى عليه خافية، وهو تعالى يعلم بهم وبما قالوه عليه وافتروه، وهو يمهلهم جل جلاله.
ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم، فقال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) أي: خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم، وصار وصفهم -بعد العقول الرزينة- السفه المردي، والضلال (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) أي: ما جعله رحمة لهم، وساقه رزقًا لهم، فردوا كرامة ربهم، ولم يكتفوا بذلك، بل وصفوها بأنها حرام، وهي من أحل الحلال.
وكل هذا (ﮓ ﮔ ﮕﮖ) أي: كذبًا يكذب به كل معاند كفار (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) أي: قد ضلوا ضلالًا بعيدًا، ولم يكونوا مهتدين في شيء من أمورهم44.
وقد ذمهم الله سبحانه على قولهم وفعلهم، فقال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [المائدة: ١٠٣].
أي: ما شرع الله هذه الأشياء، ولا هي عنده قربة، ولكن المشركين افتروا ذلك، وجعلوه شرعًا لهم وقربة يتقربون بها إليه، وليس ذلك بحاصل لهم، بل هو وبال عليهم45.
والبحيرة: ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة.
والسائبة: ناقة، أو بقرة، أو شاة، إذا بلغت شيئًا اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئًا من ماله يجعله سائبة.
والحام: جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم.
فكل هذه مما جعلها المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان، وإنما ذلك افتراء على الله، وصادرة من جهلهم، وعدم عقلهم46.
روى البخاري بسنده عن سعيد بن المسيب قال: «البحيرة: التي يمنع درها للطواغيت، فلا يحلبها أحدٌ من الناس، والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيءٌ».
قال: وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب).
والوصيلة: الناقة البكر، تبكر في أول نتاج الإبل، ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكرٌ، والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيءٌ وسموه الحامي47.
وكان أول من تولى كبر هذا الافتراء «عمرو بن لحي»، فهو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام، روى ابن حبان بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عرضت علي النار، فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة ابن خندف يجر قصبه48في النار، وكان أول من غير عهد إبراهيم، وسيب السوائب)49.
تنوعت أساليب القرآن في ذم المفترين والرد عليهم، وسنتناول هذه الأساليب في النقاط الآتية:
أولًا: وصفهم بالظلم:
قال سبحانه وتعالى في معرض المبالغة في افتراء المفترين على الله الذين لم يبلغ أحد من الظالمين قبلهم ظلمهم: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الأعراف: ٣٧].
فلا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا ما بأن أوجب على عباده من العبادات ما لم يوجبه، أو حرم عليهم في الدين ما لم يحرمه، أو عزا إلى دينه أي حكمٍ لم ينزله على رسله، أو كذب بآياته المنزلة عليهم بالقول أو بما هو أدل منه وهو الاستكبار عن اتباعها، أو الاستهزاء بها، أو تفضيل غيرها عليها بالعمل50.
«وإنما كانوا أشد الظالمين ظلمًا؛ لأن الظلم الاعتداء على أحد بمنعه من حقه، وأشد من المنع أن يمنعه مستحقه، ويعطيه من لا يستحقه، وأن يلصق بأحد ما هو بريء منه، ثم إن الاستحقاق وعدمه قد يثبتان بحكم العوائد، وقد يثبتان بأحكام الشرائع، وقد يثبتان بقضايا العقول السليمة، وهو أعلى مراتب الثبوت، ومدار أمور أهل الشرك على الافتراء على الله بأن سلبوا عنه ما هو متصف به من صفات الإلهية الثابتة بدلالة العقول.
وأثبتوا له ما هو منزه عنه من الصفات والأفعال بدلالة العقول، وعلى تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، ونكران دلالة المعجزة التي يقتضيها العقل، وعلى رمي الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو بريء منه بشهادة العقل والعادة التي عرفوها منه بهتانًا وكذبًا، فكانوا بمجموع الأمرين وضعوا أشياء في مواضع لا يمكن أن تكون مواضعها، فكانوا أظلم الناس؛ لأن عدم الإمكان أقوى من عدم الحصول.
وتقييد الافتراء بالحال المؤكدة في قوله: (ﯴ) لزيادة تفظيع الافتراء؛ لأن اسم الكذب مشتهر القبح في عرف الناس، وإنما اختير الافتراء للدلالة على أنهم يتعمدون الاختلاق تعمدًا لا تخالطه شبهة»51.
ثانيًا: تحديهم بالإتيان فيما زعموا أنه مفترى:
مر تحدي الله عز وجل للمشركين في القرآن المكي والمدني بأن يأتوا فيما زعموا أنه مفترى بمراحل:
المرحلة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى تحداهم بالقرآن كله ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده، وليستعينوا بمن شاءوا، وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك، ولا سبيل لهم إليه، فقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الإسراء: ٨٨].
أي: قل: لو اتفقت الإنس والجن على محاولة الإتيان بمثل هذا القرآن المعجز لا يستطيعون الإتيان به، ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك.
المرحلة الثانية: تدرج معهم إلى عشر سور منه، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [هود: ١٣].
أي: فإن كنتم صادقين فأتوا بعشر سور مثله مفتريات.
المرحلة الثالثة: ثم تحداهم بسورة، فقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يونس: ٣٨].
أي: إن شككتم في أن هذا من عند الله، وقلتم كذبًا: «إن هذا من عند محمد»، فمحمد بشر مثلكم، وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن، فأتوا أنتم بسورة مثله، أي: من جنس القرآن، واستعينوا على ذلك بكل من قدرتم عليه من إنس وجان، ولفظ سورةٍ هنا يشمل القصيرة والطويلة.
وكذا في سورة البقرة تحداهم بسورة منه، وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدًا، فقال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ٢٣-٢٤].
هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم؛ وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب، ولكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد به، ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام وحلاوته، وجزالته وطلاوته، وإفادته وبراعته، فكانوا أعلم الناس به، وأفهمهم له، وأتبعهم له وأشدهم له انقيادًا52.
وهنا تساؤل: لم قال في سورة البقرة: (ﯬ ﯭ) وقال في سورة يونس: (ﯗ ﯘ ﯙ)؟
والجواب: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان رجلًا أميًا، لم يتعلم على أحد، ولم يطالع كتابًا، فقال في سورة البقرة (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) يعني: فليأت إنسان يساوي محمدًا صلى الله عليه وسلم في أميته بسورة تساوي هذه السورة، وحيث ظهر العجز ظهر المعجز.
فهذا لا يدل على أن السورة في نفسها معجزة، ولكنه يدل على أن ظهور مثل هذه السورة من إنسان مثل محمد صلى الله عليه وسلم في أميته معجز، ثم إنه تعالى بين في سورة يونس أن تلك السورة في نفسها معجز، فإن الخلق وإن تعلموا وطالعوا وتفكروا فإنه لا يمكنهم الإتيان بمعارضة سورة واحدة من هذه السور، فلا جرم قال تعالى في هذه الآية: (ﯗ ﯘ ﯙ) ولا شك أن هذا ترتيب عجيب في باب التحدي وإظهار المعجز53.
وعن جهاده صلى الله عليه وسلم في دحض افتراءات المفترين: قال الفضيل بن عياض رحمه الله: فلم يزل يقرعهم النبي صلى الله عليه وسلم أشد التقريع ويوبخهم غاية التوبيخ ويسفه أحلامهم، ويحط أعلامهم، وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته، محجمون عن مماثلته، يخادعون أنفسهم بالتكذيب والإغراء بالافتراء54.
ثالثًا: بيان تناقضهم في الاتهام والأقوال:
أخبر سبحانه عن تناقض أقوال المشركين، ولقن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بـ(قل) التلقينية، فقال: قل لهؤلاء: هل حرم الله الذكرين من الغنم؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا في ذلك؛ لأنهم لا يحرمون كل ذكر من الضأن والمعز، وقل لهم: هل حرم الله الأنثيين من الغنم؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا أيضًا؛ لأنهم لا يحرمون كل أنثى من ولد الضأن والمعز.
وقل لهم: هل حرم الله ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضأن والمعز من الحمل؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا أيضًا؛ لأنهم لا يحرمون كل حمل من ذلك، خبروني بعلم يدل على صحة ما ذهبتم إليه، إن كنتم صادقين فيما تنسبونه إلى ربكم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنعام: ١٤٣-١٤٤].
المعنى: قل لهم: إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام؛ لئن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام، لئن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، يعني من الضأن والمعز، فكل مولود حرام، ذكرًا كان أو أنثى، وكلها مولود فكلها إذًا حرام لوجود العلة فيها، فبين انتقاض علتهم وفساد قولهم55.
«ففي هاتين الآيتين كشف الله لهم عما في معتقداتهم وتصوراتهم وتصرفاتهم من وهن وسخف وهزال، وقد بين لهم أنها لا تقوم على علم ولا بينة ولا أساس، وقد ردهم إلى نشأة الحرث والأنعام التي يتصرفون فيها من عند أنفسهم، أو بوحي شياطينهم وشركائهم، بينما هؤلاء لم يخلقوها لهم، إنما الذي خلقها لهم هو الله، الذي يجب أن تكون له وحده الحاكمية فيما خلق وفيما رزق، وفيما أعطى من الأموال للعباد.
الآن يقرر لهم ما حرمه الله عليهم من هذا كله، ما حرمه الله حقًا عن بينة ووحي، لا عن ظن ووهم، والله هو صاحب الحاكمية الشرعية، الذي إذا حرم الشيء فهو حرام، وإذا أحله فهو حلال بلا تدخل من البشر، ولا مشاركة ولا تعقيب في سلطان الحاكمية والتشريع»56.
رابعًا: إرخاء العنان لهم في المجادلة ثم إدانتهم:
الحق تبارك وتعالى يرخي للخصم العنان؛ ليقول كل ما عنده، وليأخذه إلى جانبه، لا بما يكره، بل بما يحب وأمثلة ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [هود: ١٣].
ومعنى (ﭚ) أنها مفتريات المعاني كما تزعمون على القرآن، أي بمثل قصص أهل الجاهلية وتكذيبهم، وهذا من إرخاء العنان والتسليم الجدلي، فالمماثلة في قوله: (ﭙ) هي المماثلة في بلاغة الكلام وفصاحته، لا في سداد معانيه57.
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [هود:٣٥].
وهذه الآية وإن اختلف المفسرون في المراد منها، فقيل: إنها حكاية عن نوح صلى الله عليه وسلم، وما قاله لقومه، وقيل: هي حكاية عن المحاورة الواقعة بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكفار مكة58.
وعلى القول بأنها في النبي صلى الله عليه وسلم فالمراد: أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون: افترى هذا وافتعله من عنده محمد (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) أي: فإثم ذلك علي (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) أي: ليس ذلك مفتعلًا ولا مفترى؛ لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه59.
وفي هذه الجملة توجيه بديع وهو إفادة تبرئة نفسه من أن يفتري القرآن، فإن افتراء القرآن دعوى باطلة ادعوها عليه فهي إجرام منهم عليه، فيكون المعنى: وأنا بريء من قولكم الذي تجرمونه علي باطلًا60.
وقال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأحقاف: ٨].
أي: لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني -وليس كذلك- لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه، كقوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الجن: ٢٢-٢٣].
وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الحاقة: ٤٧-٤٤].
ولهذا قال ها هنا: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ) هذا تهديد لهم، ووعيد أكيد، وترهيب شديد61.
وهذه الأمثلة من باب إرخاء العنان للخصم ليدخل في المقصود بألطف موعود.
خامسًا: التهديد والوعيد لهم بسوء المصير:
أقسم سبحانه وتعالى بذاته العلية أنه سوف يسأل المفترين يوم القيامة عن افتراءاتهم، وسيجازيهم عليها، كما قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النحل: ٥٦].
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه، وائتفكوه، وليقابلنهم عليه، وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم62.
وقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [يونس: ٦٠].
أن يفعل الله بهم من النكال، ويحل بهم من العقاب، وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر: ٦٠].
والمراد منه تعظيم وعيد من يفتري على الله.
ثم قال سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: دعهم وافتراءهم، فأنا من ورائهم قادر على أخذهم ومدخر لهم جزاءهم، كما قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنعام: ١١٢].
وكما ابتليناك -أيها الرسول- بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع الأنبياء عليهم السلام بأعداء من مردة قومهم، وأعداء من مردة الجن، يلقي بعضهم إلى بعض القول الذي زينوه بالباطل؛ ليغتر به سامعه، فيضل عن سبيل الله، ولو أراد ربك جل جلاله لحال بينهم وبين تلك العداوة، ولكنه الابتلاء من الله، فدعهم وما يختلقون من كذب وزور.
للافتراء أسباب، منها:
١. الكفر.
أخبر تعالى أن الذين يفترون الكذب على الله وعلى رسوله شرار الخلق من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس، كما قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النحل: ١٠٥].
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علمًا وعملًا وإيمانًا وإيقانًا، معروفًا بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا بالأمين محمد63.
ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيما قال له: وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله64.
٢. العناد.
أخبر تعالى أن العناد والظلم كان سببًا لافتراء المفترين، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [سبأ: ٨].
فهذا الرجل الذي يأتي بذلك، هل (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) فتجرأ عليه، وقال ما قال؟ (ﭕ ﭖ ﭗ)؟ فلا يستغرب منه، فإن الجنون فنون.
وكل هذا منهم، على وجه العناد والظلم، ولقد علموا أنه أصدق خلق الله وأعقلهم، ومن علمهم أنهم أبدوا وأعادوا في معاداتهم، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في صد الناس عنه.
فلو كان كاذبًا مجنونًا لم ينبغ لكم -يا أهل العقول غير الزاكية- أن تصغوا لما قال، ولا أن تحتفلوا بدعوته، فإن المجنون لا ينبغي للعاقل أن يلفت إليه نظره، أو يبلغ قوله منه كل مبلغ، ولولا عنادكم وظلمكم لبادرتم لإجابته، ولبيتم دعوته65.
ولكن (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [يونس: ١٠١].
٣. الجهل.
أخبر تعالى أن الجهل سبب افتراء المشركين، ومن على شاكلتهم، كما قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النحل: ٥٦].
يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم على الله الكذب، وأنهم يجعلون لأصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر نصيبًا مما رزقهم الله، وأنعم به عليهم، فاستعانوا برزقه على الشرك به، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة، كما قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام: ١٣٦]66.
قال أبو حيان رحمه الله: «قبح تعالى فعلهم ذلك، وهو أن يفردوا نصيبًا مما أنعم به تعالى عليهم لجماداتٍ لا تضر ولا تنفع، ولا تنتفع هي بجعل ذلك النصيب لها، ثم أقسم تعالى على أنه يسألهم عن افترائهم واختلاقهم في إشراكهم مع الله آلهةً، وأنها أهلٌ للتقرب إليها بجعل النصيب لها، والسؤال في الآخرة، أو عند عذاب القبر، أو عند القرب من الموت»67.
ويقول سيد قطب رحمه الله: «ما يزال أناس بعد أن جاءت عقيدة التوحيد وتقررت، يجعلون نصيبًا من رزق الله لهم موقوفًا على ما يشبه آلهة الجاهلية، ما يزال بعضهم يطلق عجلًا يسميه «عجل السيد البدوي» يأكل من حيث يشاء لا يمنعه أحد، ولا ينتفع به أحد، حتى يذبح على اسم السيد البدوي لا على اسم الله! وما يزال بعضهم ينذرون للأولياء ذبائح يخرجونها من ذمتهم لا لله، ولا باسم الله، ولكن باسم ذلك الولي، على ما كان أهل الجاهلية يجعلون لما لا يعلمون نصيبًا مما رزقهم الله، وهو حرام نذره على هذا الوجه، حرام لحمه، ولو سمي اسم الله عليه»68.
أولًا: آثار الافتراء على الفرد:
ثانيًا: آثار الافتراء على المجتمع:
للافتراء عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة نتناولها فيما يأتي:
أولًا: عواقب الافتراء في الدنيا:
١. الخيبة والخزي.
أخبر الله عن كليمه موسى عليه السلام أنه حذر سحرة فرعون من الافتراء على الله، ووعدهم بعذاب من عند الله، وأنه سيخيب سعيهم، فلا يحققون النصر الذي يرجون، كما قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [طه: ٦١].
أي: «لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم، وتغالبون الحق، وتفترون على الله الكذب، فيستأصلكم بعذاب من عنده، ويخيب سعيكم وافتراؤكم، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملئه، ولا تسلمون من عذاب الله»71.
وكانت لهذه الكلمات الأثر الكبير في زعزعة عقيدة سحرة فرعون الباطلة، وانتقلوا بفضل الله، ثم بفضل هذه الكلمات الصادقة من الكفر إلى الإيمان، وفي هذا المعنى قال سيد قطب رحمه الله: «وهكذا تنزل الكلمة الصادقة الواحدة الصادرة عن عقيدة، كالقذيفة في معسكر المبطلين وصفوفهم، فتزعزع اعتقادهم في أنفسهم وفي قدرتهم، وفي ما هم عليه من عقيدة وفكرة»72.
٢. استحقاق الوصف بالظلم.
أخبر تعالى أن المفترين على الله ورسوله هم المستحقون للوصف بالظلم، كما قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [آل عمران: ٩٣-٩٤].
والمعنى: وأي ظلم أعظم من ظلم من يدعى إلى تحكيم كتابه فيمتنع من ذلك عنادًا وتكبرًا وتجبرًا73.
وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام: ٩٣].
نزلت في كذاب اليمامة والأسود العبسي وسجاح زوج مسيلمة؛ كلهم تنبأ وزعم أن الله قد أوحى إليه.
قال القرطبي رحمه الله: «ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن يقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا؛ فيحكمون بما يقع في قلوبهم، ويغلب عليهم من خواطرهم، ويزعمون أن ذلك لصفائها من الأكدار، وخلوها من الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكليات، ويعلمون أحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأغبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون لتلك النصوص.
وقد جاء فيما ينقلون: «استفت قلبك وإن أفتاك المفتون» ويستدلون على هذا بالخضر؛ وأنه استغنى بما تجلى له من تلك العلوم، عما كان عند موسى عليه السلام من تلك الفهوم، وهذا القول زندقة وكفر، يقتل قائله ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب؛ فإنه يلزم منه هد الأحكام وإثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم»74.
٣. عدم الفلاح.
أخبر سبحانه وتعالى أن المفترين لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [يونس: ٦٨-٧٠].
توعد تعالى المفترين ممن زعم أن له ولدًا، بأنهم لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة، فلا ينالون مطلوبهم، ولا يحصل لهم مقصودهم، وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلًا، ثم ينتقلون إلى الله، ويرجعون إليه، فيذيقهم العذاب الشديد المؤلم بسبب كفرهم.
وجملة: (ﯷ ﯸ ﯹ) استئناف بياني؛ لأن القضاء عليه بعدم الفلاح يتوجه عليه أن يسأل سائل: كيف نراهم في عزة وقدرة على أذى المسلمين وصد الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فيجاب السائل بأن ذلك: متاع في الدنيا لا يعبأ به، وإنما عدم الفلاح مظهره الآخرة، فـ«متاعٌ» خبر مبتدأ محذوف يعلم من الجملة السابقة، أي: أمرهم متاع، والمتاع: المنفعة القليلة في الدنيا؛ إذ يقيمون بكذبهم سيادتهم وعزتهم بين قومهم، ثم يزول ذلك75.
٤. الغضب والذلة.
أخبر سبحانه وتعالى أن جزاء المفترين الغضب والذلة، كما قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٥٢].
أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة، حتى قتل بعضهم بعضًا، كما قال تعالى في سورة البقرة: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة: ٥٤].
وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلًا وصغارًا في الحياة الدنيا.
وقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ) نائلة لكل من افترى بدعة، فإن ذل البدعة ومخالفة الرسالة متصلة من قلبه على كتفيه، كما قال الحسن البصري رحمه الله: «إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هملجت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين»76.
وعن أبي قلابة الجرمي رحمه الله أنه قرأ هذه الآية: (ﮖ ﮗ ﮘ) قال: «هي -والله -لكل مفتر إلى يوم القيامة»، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: «كل صاحب بدعة ذليل»77.
وقال مالك بن أنس رحمه الله: «ما من مبتدع إلا ويجد فوق رأسه ذلة، وذلك؛ لأن المبتدع مفتر في دين الله»78.
«فهو جزاء متكرر كلما تكررت جريمة الافتراء على الله، ووعد الله صادق لا محالة، وقد كتب على الذين اتخذوا العجل الغضب والذلة، وكان آخر ما كتب الله عليهم أن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب.
فإذا بدا في فترة من فترات التاريخ أنهم يطغون في الأرض، ويستعلون بنفوذهم، وأنهم يملكون سلطان المال، وسلطان أجهزة الإعلام، وأنهم يقيمون الأوضاع الحاكمة التي تنفذ لهم ما يريدون، وأنهم يستذلون بعض عباد الله، ويطردونهم من أرضهم وديارهم في وحشية، والدول الضالة تساندهم وتؤيدهم إلى آخر ما نراه في هذا الزمان.
فليس هذا بناقض لوعيد الله لهم، ولا لما كتبه عليهم، فهم بصفاتهم هذه وأفعالهم يختزنون النقمة في قلوب البشر، ويهيئون الرصيد الذي يدمرهم من السخط والغضب، وستجيء الصحوة من هذه الغيبوبة، وسيفيء أخلاف المسلمين إلى سلاح أسلافهم المسلمين.
ومن يدري فقد تصحو البشرية كلها يومًا على طغيان اليهود! لتحقق وعيد الله لهم، وتردهم إلى الذلة التي كتبها الله عليهم، فإن لم تصح البشرية فسيصحوا أخلاف المسلمين، هذا عندنا يقين»79.
وقد رأى سيد قطب رحمه الله هؤلاء الذين كانوا في خياله من أخلاف المسلمين وجدهم حقيقة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فقال لهم: «إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين، فوجدتهم في واقع الحياة قائمين، يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، مؤمنين في قرارة نفوسهم، إن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، إن أمامكم كفاحًا مريرًا شاقًا طويلًا، يجب أن تستعدوا له استعدادًا كبيرًا، بأن نرتفع إلى مستوى هذا الدين، نرتفع إلى مستواه في حقيقة إيماننا بالله، وفي حقيقة معرفتنا به فإننا لن نؤمن حق الإيمان حتى نعرفه حق المعرفة، ونرتفع إلى مستواه في عبادتنا لله، فإننا لن نعرف الله حق المعرفة إلا إذا عبدناه حق العبادة، ونرتفع إلى مستواه في وعينا لما حولنا، ومعرفتنا لأساليب عصرنا، ورحم الله رجلًا عرف زمانه، فاستقامت طريقته»80.
وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بسنده عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك»81.
ثانيًا: عواقب الافتراء في الآخرة:
١. حرمان الشفاعة والنصرة.
«أخبر سبحانه وتعالى أن جزاء المفترين في الآخرة أن ما يعبدون من دونه لا يشفعون لهم، ولا يدفعون عنهم العذاب، كما قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [يونس: ٢٨- ٣٠].
أي: في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس، وتعلم ما أسلفت من عملها من خير وشر، ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل، ففصلها، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وذهب عن المشركين ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه»82، فلا تنفعهم ولا تدفع عنهم العذاب.
«وقال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأحقاف: ٢٨].
فهو إفك، وهو افتراء؛ وذلك مآله، وتلك حقيقته، الهلاك والتدمير، فماذا ينتظر المشركون الذين يتخذون من دون الله آلهة بدعوى أنها تقربهم من الله زلفى؟ وهذه هي العاقبة وهذا هو المصير»83.
«وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النحل: ٨٦-٨٧].
أي: ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله، فلا ناصر لهم، ولا معين ولا مجيز»84.
٢. الفضيحة على رؤوس الأشهاد.
أخبر سبحانه وتعالى عن حال المفترين وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق، فقال: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [القصص: ٧٤-٧٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأعراف: ٥٢- ٥٣].
وكما قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [هود: ١٨].
يبين تعالى حال المفترين عليه، وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق؛ من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان85.
ويفسر ذلك ما رواه الإمام أحمد بسنده عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر؛ إذ عرض له رجلٌ، فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في النجوى يوم القيامة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله عز وجل يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك. قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فيقول الأشهاد: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)86.
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) حيث فوتوها أعظم الثواب، واستحقوا أشد العذاب (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) أي: اضمحل دينهم الذي يدعون إليه ويحسنونه، ولم تغن عنهم آلهتهم التي يعبدون من دون الله؛ لما جاء أمر ربك (ﭶ ﭷ) أي: حقًا وصدقًا (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) حصر الخسار فيهم، بل جعل لهم منه أشده لشدة حسرتهم وحرمانهم، وما يعانون من المشقة والعذاب87.
«إنه التشهير والتشنيع بالإشارة «هؤلاء» (ﯳ ﯴ ﯵ) وعلى من؟ (ﯶ ﯷ) لا على أحد آخر!
إن جو الفضيحة هو الذي يرتسم في هذا المشهد، تعقبها اللعنة المناسبة لشناعة الجريمة (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) يقولها الأشهاد كذلك، فهو الخزي والتشهير -إذن- في ساحة العرض الحاشدة! أو هو قرار الله سبحانه في شأنهم إلى جانب ذلك الخزي والتشهير على رءوس الأشهاد»88.
إن جزاء اختلاق الكذب والتشهير والتشنيع بالمؤمنين الصادقين التشهير والتشنيع في الآخرة، والجزاء من جنس العمل.
٣. الاصطلاء في النار:
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [يونس: ٥٩- ٦٠].
أيحسبون أنه يصفح عنهم ويغفر؟ كلا بل يصليهم في النار.
موضوعات ذات صلة: |
الحرام، الحلال، الزور، الكذب، النبوة |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/ ٤٩٧.
2 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٩/٢٣٠.
3 التحرير والتنوير ١٩/١٣.
4 المحرر الوجيز ٣/ ٤٠٣.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٢٦٧-٢٦٩، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٨٧٥-٨٧٦.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٤٩٦-٤٩٧، لسان العرب، ابن منظور، ١٥/١٥٢-١٥٤.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/ ١٦٨، المصباح المنير، الفيومي، ٢/ ٥٢٨.
8 التعريفات، ص٧٤، وانظر: التوقيف، المناوي، ص٩٥٢.
9 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٥٠- ٤٥١.
10 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٩٣١.
11 انظر: الكليات، الكفوي ص ١٥٣.
12 أضواء البيان ٦/١٥.
13 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٠٠.
14 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٤٨.
15 انظر: التوقيف، المناوي ص ٨٤، الكليات، الكفوي ص ٢٢٦.
16 الكليات، الكفوي ص١٥٤.
17 تفسير المراغي ٥/٥٩.
18 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٨٢.
19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٢٩.
20 تفسير المراغي ٩/ ٥.
21 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٣٧.
22 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/ ٥٥.
23 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٤١٤.
24 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٤٩.
25 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢١٩٦.
26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦٣.
27 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥١٨.
28 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٧٨.
29 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٣.
30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨٢.
31 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٣٦٨.
32 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٢٨٠٥.
33 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٢٦٩.
34 في ظلال القرآن ٣/ ١٧٨٦.
35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٢٧.
36 المفترون، خطاب التطرف العلماني في الميزان، فهمي هويدي، ص٣٢.
37 الفرقان الحق، كتبه القسيس الأمريكي «أنيس شوروش» بلغة عربية؛ لأنه من أصل عربي، فهو من نصارى مدينة «الناصرة» في فلسطين، وقد ادعى في كتابه أنه نجح في معارضة القرآن، وأنه بديل القرآن! وقد ادعى «شوروش» في كتابه النبوة «متنبئ الأمريكان» ويزعم أن الله أرسله نبيًا للعالمين في القرن الحادي والعشرين، أنزل عليه كتابه الأخير «الفرقان الحق» وقد استغرق إعداد الكتاب سبع سنوات، حيث بدأ إعداده بعد حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١م، وانتهى منه عام ١٩٩٩م، وطبعه ثلاث طبعات، كانت الطبعة الثالثة عام٢٠٠٢م وأصدره في ولاية تكساس في أمريكا باللغتين العربية والإنجليزية في سبع وسبعين سورة، ودعا فيه المسلمين بصراحة إلى التخلي عن ما هم فيه من كفر وضلال، أخذوه من القرآن والإيمان به هو، وإفكه المفترى «الفرقان الحق»، ليكونوا على هدى وفلاح! وبذلك جعل كتابه بديلًا عن القرآن.
انظر: الانتصار للقرآن، تهافت فرقان متنبئ الأمريكان أمام حقائق القرآن، صلاح الخالدي ص ١٠.
38 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٢٥٥.
39 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/ ٨٦.
40 المنار، محمد رشيد رضا ٧/ ٢٨٧.
41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٦٠٩.
42 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٠٠.
43 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢٥٠.
44 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٧٥.
45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/٢١١.
46 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٤٦.
47 أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة)، رقم ٤٦٢٣.
48 الأقصاب: الأمعاء، واحدها قصب.
انظر: غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلام ٢/ ٣٢.
49 أخرجه ابن حبان في صحيحه، ذكر رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم في النار ابن قمعة يعذب فيها، رقم ٧٤٩٠.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٦٧٧.
50 المنار، محمد رشيد رضا ٨/ ٣٦٧.
51 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٢٠٥.
52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٢٦٩.
53 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/ ٢٥٤.
54 التحرير والتنوير ١/ ١٠٤.
55 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/ ١١٥.
56 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٢٤.
57 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/ ٢١٩.
58 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٤٥.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣١٨.
60 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٢٥٤.
61 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٢٧٦.
62 المصدر السابق ٤/ ٥٧٧.
63 المصدر السابق ٤/٦٠٥.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، رقم ٧.
65 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٥.
66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/ ٢٨.
67 البحر المحيط ٦/٥٤٧.
68 في ظلال القرآن ٤/ ٢١٧٧.
69 اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية ٢/٢٨١.
70 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠٣.
71 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٠٨.
72 في ظلال القرآن ٤/٢٣٤١.
73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١٣٨.
74 الجامع لأحكام القرآن، ٧/ ٣٩.
75 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/١٣٦.
76 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٤٧٨.
77 المصدر السابق.
78 مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٣٧٣.
79 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٣٧٦.
80 العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب ص٥.
81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق)، رقم ٥٣.
82 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٦٦.
83 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦٨.
84 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٩٣.
85 المصدر السابق ٤/٣١٤.
86 أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، ٢/٧٤، رقم ٥٤٣٦.
وصححه الألباني في ظلال الجنة ص٦٠٤.
87 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٧٩.
88 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/١٨٦٨.