عناصر الموضوع

مفهوم الأكل

الأكل في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أقسام المأكولات من حيث الحل والحرمة

أنواع المأكولات من حيث الطيب والخبث

تصنيف المأكولات حسب طبيعتها

المخلوقات والأكل

آداب الأكل

أثر الأكل على العبد

الأكل

مفهوم الأكل

أولًا: المعنى اللغوي:

جاء في لسان العرب: «أكلت الطعام أكلًا ومأكلًا، وأكل الطعام يأكله أكلًا؛ فهو آكل، والجمع أكلة، والإكلة هيئة الأكل، والإكلة الحال التي يأكل عليها متكئًا أو قاعدًا مثل الجلسة والركبة، يقال: إنه لحسن الإكلة، والأكلة المرة الواحدة حتى يشبع والأكلة اسم للقمة، وقال اللحياني: الأكلة والأكلة كاللقمة واللقمة، يعنى بها جميعًا المأكول»1.

والأكل بالضم والسكون، هو ما أكل من الطعام ونحوه، والأكال بالفتح ثم الضم هو ما يؤكل أيضًا2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرفه الجرجاني بأنه: «إيصال ما يتأتى فيه المضغ إلى الجوف، ممضوغًا كان أو غيره، فلا يكون اللبن والسويق مأكولًا»3.

وعرفه الكرماني بأنه: «بلع الطعام بعد المضغ»، ثم قال: «فبلع الحصاة ليس بأكل حقيقة»4.

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.

الأكل في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أكل) في القرآن (١٠٩) مرات 5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٥

( ) [طه:١٢١]

الفعل المضارع

٥٦

( ) [الحجرات:١٢]

فعل الأمر

٣٢

( ) [سبأ:١٥]

المصدر

٤

( ) [الفجر:١٩]

اسم الفاعل

٣

( ) [الصافات:٦٦]

اسم المفعول

١

( ) [الفيل:٥]

صيغة المبالغة

١

( ) [المائدة:٤٢]

اسم جامد

٧

( ) [إبراهيم:٢٥]

وجاء الأكل في الاستعمال القرآني على خمسة وجوه 6:

الأول: بمعناه المعروف وهو تناول الأكل: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة:٣٥]. وقوله: ( ) [يوسف:١٣]. يعني: يفترسه فيأكله.

الثاني: الشيء المأكول: ومنه قوله تعالى: ( ) [الكهف:٣٣]. يعني: ما تثمره فيؤكل.

الثالث: أخذ الأموال وسلبها بالباطل: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٨٨].

الرابع: الإحراق: ومنه قوله تعالى: ( ﭿ ) [آل عمران:١٨٣]. يعني: تحرقه النار.

الخامس: الفساد: ومنه قوله تعالى: ( ) [الفيل:٥]. يعني: مأكول أو متآكل فاسد.

الألفاظ ذات الصلة

الطعام:

الطعام لغةً:

الطعام اسمٌ جامعٌ لكل ما يؤكل، ويقال: طعم يطعم طعمًا؛ فهو طاعمٌ، إذا أكل، أو ذاق، وإذا استعمل هذا الفعل بمعنى الذواق جاز فيما يؤكل وفيما يشرب. وروي عن ابن عباس أنه قال في زمزم: (إنها طعام طعمٍ، وشفاء سقمٍ)7. أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها، كما يشبع من الطعام، ويطعم: بمعنى يشبع، ويطلق الطعام عند الحجازيين على البر خاصة8.

الطعام اصطلاحًا:

لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي الأول.

الصلة بين الأكل والطعام:

أن الطعام هو ما كل يؤكل؛ فالصلة بينهما قوية.

الشراب:

الشراب لغة:

الشَرْب مصدر شَربْتُ أَشْرَبُ شَرْبًا وشُرْبًا، يقال: شرب الماء وغيره شَرْبًا وشُرْبًا وشِرْبًا، ومنه قوله تعالى: ( ) [الواقعة: ٥٤ ٥٥].

والشَرْبُ: المصدر، والشِرْبُ: الاسم، والشِرْبُ: الماء، والجمع أشرابٌ.

الشراب اصطلاحًا:

ما شرب من أي نوعٍ كان، وعلى أي حال كان، وقال أبو حنيفة: الشراب والشروب والشريب واحد9، والشربة: في المفهوم الطبي قدر من السائل يشرب مرة واحدة، أو مرات متتالية10.

الصلة بين الأكل والشراب:

كلاهما من الأطعمة، لكن غلب استعمال الشراب على السوائل، والأكل على ما يمضغ من الطعام.

أقسام المأكولات من حيث الحل والحرمة

الأصل في المأكولات على جهة الإطلاق الحل إذا كانت طيبة، والحرمة إذا كانت خبيثة، فالطيبات حلال بنص قول الله تعالى: ( ﮗﮘ )، وقوله جل شأنه:( ) [المائدة:٥].

والمراد بالسؤال في الآية السؤال عما تستطيبه النفس وتشتهيه، ولا يجوز أن يراد الحلال؛ لأنهم سألوه عما يحل لهم فكيف يقول أحل لكم الحلال، والخبائث قال عنها المولى عز وجل: ( ) [الأعراف:١٥٧].

فجعل الطيب صفةً في المباح عامةً تميزه عن المحرم، وجعل الخبيث صفةً في المحرم تميزه عن المباح11.

قال الماوردي ما ملخصه: اعلم أن المأكول ضربان: حيوان ونبات، فأما النبات فأخر الكلام عليه، ثم قال: وأما الحيوان فضربان: بري وبحري، فأما البحري فقد مضى الكلام، وأما البري فضربان: دواب وطائر، وهذا الباب يشتمل على ما حل منها وحرم، وهو على ثلاثة أضرب:

أحدها: ما ورد النص بتحليله في كتاب أو سنة، فهو حلال.

والضرب الثاني: ما ورد النص بتحريمه في كتاب أو سنة فهو حرام.

والضرب الثالث: ما كان غفلًا لم يرد فيه نص بتحليل ولا تحريم، فقد جعل الله تعالى له أصلًا يعرف به حلاله وحرامه، في آيتين من كتابه وسنة عن رسوله12.

أولًا: المأكولات المباحة:

المأكولات المباحة تشمل أصنافًا شتى ورد بعضها في كتاب الله تعالى بصيغة الإجمال، وبعضها بصيغة التفصيل، وبينت السنة النبوية هذه الأصناف، وجملة الأصناف المباحة من الأطعمة هي:

أولًا: كل طعام طيب طاهر في حال الاختيار، لا مضرة منه، سواء كان من الحبوب أو الفواكه أو الخضروات أو غير ذلك، ويشمل ذلك الأطعمة الجامدة والمائعة13.

قال تعالى: ( ﮗﮘ ) [المائدة:٤].

قال الرازي: «الطيب في اللغة هو المستلذ، والحلال المأذون فيه يسمى أيضًا طيبًا تشبيهًا بما هو مستلذ، لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرة»14.

ثانيًا: كل حيوان بحري سواء صيد حيًّا، أو خرج ميتًا، وسواء صاده مسلم أم غير مسلم.

ثالثًا: كل طير باستثناء ما كان ذا مخلب، خلافًا لمن أباح أكل الطير ذي المخلب من فقهاء المالكية وغيرهم15.

رابعًا: العصائر والمشروبات المتخذة من نباتات وفواكه مختلفة ما لم تصل لدرجة الإسكار أو إذا أمن سكرها.

خامسًا: يجوز أكل الأطعمة التي فيها الدود والسوس؛ كالفواكه والقثاء والبطيخ والحبوب والخل إذا لم تقذره نفسه وطابت به؛ لأن التحرز من ذلك يشق على الناس16.

ثانيًا: المأكولات المحرمة:

المأكولات المحرمة بنص القرآن الكريم أوردها في مسألتين على النحو التالي:

المسألة الأولى: مأكولات محرمة بنصوص قرآنية صريحة:

  1. الميتة.

    الميتة من الحيوان هي ما مات بغير تذكية17، أو الحيوان الذي مات حتف أنفه أو على هيئة غير مشروعة 18.

    وقد جاء تحريم الميتة بالنص الصريح في القرآن الكريم في أربعة مواضع هي:

    أولًا: قول الله تعالى: ( ﮗﮘ ﮡﮢ ) [البقرة:١٧٣].

    ثانيًا: قوله تعالى: ( ) [المائدة:٣].

    ثالثًا: قوله تعالى: ( ﯖﯗ ) [الأنعام: ١٤٥].

    رابعًا: قوله تعالى: ( ﮞﮟ ) [النحل: ١١٥].

    «والميتة من الأطعمة الخبيثة ليس لذاتها بل لعارض الموت الذي طرأ عليها ولم تتم تذكيتها بالطريقة الشرعية، والحكمة من تحريمها: أنها تكون في الغالب ضارة؛ لأنها لا بد أن تكون ماتت بمرض أو ضعف أو نسمة خفية مما يسمى الآن بالميكروب ... يولد فيها سمومًا، وقد يعيش ميكروب المرض في جثة الميت زمنًا؛ ولأنها مما تعافها الطباع السليمة وتستقذره وتعده خبثًا، وكذلك ما فيها من احتباس الدم والرطوبات التي لا تزول منها إلا بالذكاة الشرعية»19.

  2. الدم المسفوح.

    الدم المسفوح هو: الدم السائل من الحيوان، ولا جدال في نجاسته وحرمة استخدامه.

    قال القرطبي: اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به20.

    وقد جاء تحريم الدم المسفوح في القرآن في أربعة مواضع، ثلاث منها بلفظ (الدم) وهي في سورة البقرة (١٧٣) والمائدة (٣) والنحل (١١٥)، وقد سبق ذكر الآيات في الميتة.

    والرابع بلفظ الدم المسفوح في ( ﯖﯗ) [الأنعام: ١٤٥].

    والمعروف كما ذكره أحد المعاصرين «أن الدم يجري في البدن ليغذيه، ثم تصب فيه الخلايا التالفة والسموم والجراثيم، فيحملها في جريانه، ويمر بها على الكليتين لتصفيته هناك منها، وإخراجها بشكل السائل المعروف بالبول، الذي هو من أخبث الخبائث، واجتمعت على إثبات خبثه بدهيات العادات، ومقررات الشرائع، وكرهته واستخبثته الفطر السليمة، لما جعل الله تعالى فيه من الروائح المنفرة لكي يتجنبه من يعلم ضرره ومن لا يعلمه.

    فالدم الذي يحتوي على هذا البول حرمته الشريعة، لكمالها، ولم تنص على تحريم البول؛ لأن البول يتجنب بالفطرة، أما الدم فلا تستدعي الفطرة تجنبه، ولذلك جعلت الشريعة إخراجه من الحيوانات بالتذكية شرطًا لحل لحمها، تقليلًا للأضرار، وإصلاحًا للأبدان، وحملًا للمؤمنين على أكمل مناهج الحياة»21.

  3. لحم الخنزير.

    ورد النص بتحريم الخنزير صراحة في أربعة مواضع من سور القرآن، أولها في البقرة: ١٧٣، والثاني في المائدة: ٣، والثالث في الأنعام: ١٤٥، والرابع في النحل: ١١٥، ونصوص الآيات سبق ذكر ها في الميتة.

    والخنزير أكبر مستودع للجراثيم الضارة، ويأكل غالبًا كل شيء، ويتميز بالخمول والكسل، ولا يحب العيش في الأماكن النظيفة، وهو محرم الأكل في الإسلام واليهودية والنصرانية، بل وفي البوذية والهندوسية، والزرادشتية22.

    قال القنوجي: «كل شيء في الخنزير حرام، وتخصيص اللحم بالذكر؛ لأنه يقصد في العادة، والخنزير مسخ بصورته قوم، ولم يزل نوح ومن بعده من الأنبياء يحرمون الخنزير ويأمرون بالتبعد عنه إلى أن يتنزل عيسى فيقتله، ويشبه أن الخنزير كان يأكله قوم فنطقت الشرائع بالنهي عنه وهجر أمره أشد ما يكون»23.

    ويقول أحد الأطباء الصينيين: «إن لحم الخنزير له رائحة غير مقبولة، ويعطي عند طبخه مرقًا مركزًا جدًا وله تأثيرات سامة على جسم الإنسان»24.

  4. كل ما ذبح لغير الله عز وجل.

    ما أهل لغير الله به يشمل أصنافًا من الذبائح:

    • منها: المذبوح المتقرب به لغير الله تعالى، كالمذبوح لعيسى عليه السلام، أو للعزير، أو ما يذبحه الكفار لآلهتهم.قال تعالى:( ) [المائدة: ٣].
    • ومنها: المذبوح على النصب، وهي الحجارة التي كان يعظمها أهل الجاهلية ويذبحون عليها، وقال جل شأنه: ( ) [المائدة:٣].

      روي عن مجاهد قوله: ( ) قال: «كان حول الكعبة حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية، ويبدلونها إذا شاؤوا بحجر هو أحب إليهم منها»25.

      وقال ابن عطية: «ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله، ولكن خص بالذكر بعد جنسه لشهرة الأمر وتشرف الموضع وتعظيم النفوس له»26.

      وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيلٍ بأسفل بلدح، قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرةٌ، فأبى أن يأكل منها ثم قال زيدٌ: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرٍو كان يعيب على قريشٍ ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارًا لذلك وإعظامًا له)27.

  5. الحيوانات التي ماتت حتف أنفها ولم يتمكن من تذكيتها.

    وهي الوارد ذكرها في قول الله تعالى: ( ) [المائدة:٣].

    وبيانها كالتالي:

  1. المنخنقة: وهي التي تموت بالخنق، إما قصدًا، وإما اتفاقًا، بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به.
  2. الموقوذة: وهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد كالخشبة حتى توقذ فتموت، كما قال ابن عباس وغيره، وقال قتادة: «كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي، حتى إذا ماتت أكلوها»28.
  3. المتردية: وهي التي تقع من شاهق أو موضع عال كالجبل ونحوه فتموت بذلك، أو التي تتردى في بئر، والتفسيران مرويان عن ابن عباس وقتادة29.
  4. النطيحة: وهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها فهي حرام، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم، ولو من مذبحها.
  5. ما أكل السبع: وهي التي عدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب فأكل بعضها فماتت بذلك، فهي حرام، وإن كان قد سأل منها الدم ولو من مذبحها30.

    ويستفاد من الآية الكريمة أن الحيوان يحل أكله إذا أزهقت روحه بالذكاة الشرعية، ولا يحل بما سوى ذلك؛ كالخنق، والوقذ، والتردي، والنطح، وأكل السبع، حتى لو سال دمه نتيجة ذلك، مما يفيد إفادة واضحة أن الحيوان لا يحل بمجرد سيلان الدم، ولو من مذابحه، وإنما يجب أن يسيل الدم بطريق شرعه الله تعالى للتذكية.

    المسألة الثانية: مأكولات محرمة بنصوص قرآنية عامة أو نصوص من السنة:

    هناك طائفة من الأطعمة استفيد تحريمها من نصوص عامة في القرآن الكريم، ونصوص صريحة في السنة النبوية، وغيرها من الأدلة هذا بيانها:

    ١. كل ذي ناب من السباع.

    كل ذي ناب هو الحيوان الذي يفترس بأنيابه ويعدو كالأسد والذئب والكلب والفهد وغير ذلك، وأكثر الفقهاء على أنه لا يؤكل لحمه، فقد ذهب إلى ذلك أبو حنيفة ومالك والشافعي31.

    وقد استدلوا على ذلك بما أخرجه الشيخان عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع32.

    كما استدلوا بالمعقول بأن هذه الحيوانات تأكل الجيف، ولا تستطيبها العرب33.

    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أسباب التحريم فقال: «وأسباب التحريم: إما القوة السبعية التي تكون في نفس البهيمة فأكلها يورث نبات أبداننا منها فتصير أخلاق الناس أخلاق السباع، أو لما الله أعلم به، وإما خبث مطعمها كما يأكل الجيف من الطير، أو لأنها في نفسها مستخبثة كالحشرات، فقد رأينا طيب المطعم يؤثر في الحل وخبثه يؤثر في الحرمة كما جاءت به السنة في لحوم الجلالة ولبنها وبيضها؛ فإنه حرم الطيب لاغتذائه بالخبيث، وكذلك النبات المسقي بالماء النجس والمسمد بالسرقين عند من يقول به»34.

    هذا وقد رويت إباحة أكله عن السيدة عائشة، وعامر الشعبي، وسعيد بن جبير، وتبعهم على ذلك بعض المالكية35، واستدلوا على ذلك بعموم قول الله تعالى: ( ) [الأنعام: ١٤٥].

    ٢. كل ذي مخلب من الطير.

    للفقهاء قولان في أكل الطيور ذات المخلب:

    القول الأول: أنه يحرم أكلها، وهو مذهب الحنفية والشافعية وأحمد وأكثر أهل العلم36.

    واستدلوا على ذلك من السنة بما روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي نابٍ من السباع وعن كل ذي مخلبٍ من الطير)37.

    كما استدلوا بالمعقول بأن طبيعة هذه الأشياء مذمومة شرعًا؛ فيخشى أن يتولد من لحمها شيء من طباعها فيحرم إكرامًا لبني آدم كما أنه يحل ما أحل إكرامًا له38.

    القول الثاني: أنه يباح أكلها، وهو قول مالك والليث والأوزاعي39.

    وذلك استدلالًا بعموم قوله: ( ) [الأنعام: ١٤٥].

    ومن حجة الإمام مالك رحمه الله في ذلك أنه لم يجد أحدًا من أهل العلم يكره أكل سباع الطير، وأنكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم40.

    والقول الأول أرجح، لموافقته لنص الحديث الصحيح، ولأن هذه الآية مكية، وكل محرم حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم أو جاء في الكتاب مضموم إليها، فهو زيادة حكم من الله تعالى على لسان نبيه عليه السلام.

    قال القرطبي: «إنه ليس يمتنع أن تقع الزيادة بعد قوله:( ) [الأنعام: ١٤٥].

    بما يرد من الدليل فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)41 .

    فذكر الكفر والزنا والقتل، ثم قال علماؤنا: إن أسباب القتل عشرة بما ورد من الأدلة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم إنما يخبر بما وصل إليه من العلم عن الباري تعالى، وهو يمحو ما يشاء ويثبت وينسخ ويقدم»42.

أنواع المأكولات من حيث الطيب والخبث

  1. أولًا: المأكولات الطيبة:

    ذكر الله تعالى لفظ الطيب بمشتقاته المختلفة في أكثر من عشرين موضعًا في القرآن الكريم، أكثره مرتبط بالرزق من الطعام والشراب ونحوه، وبين أن ذلك من نعم الله تعالى وفضله على الناس من المؤمنين وغيرهم.

    وقد أخبر الله تبارك وتعالى أن الطعام المباح في الطعام الطيب.

    قال تعالى ( ﮗﮘ ) [المائدة:٤].

    وقد أمر الله عز وجل بالأكل من الطيبات، فقال تعالى: ( ﮧﮨ ) [المؤمنون: ٥١].

    وقال تعالى: ( ) [البقرة:١٦٨].

    ونهى عن تحريم ما أحل من الطيبات فقال جل وعلا: ( ﮜﮝ ﮩﮪ) [المائدة: ٨٧ -٨٨].

    وقال عز وجل: ( ) [الأعراف:٣٢].

    وقد امتن الله تعالى على بني آدم بأن زرقهم الطيبات.

    قال تعالى: ( ) [الإسراء:٧٠].

    وامتن الله عز وجل على بني إسرائيل بإنزال الطيبات عليهم.

    قال تعالى: ( ) [الجاثية: ١٦].

    وقد وصف الله عز وجل الغنائم التي يحوز المؤمنون في المعارك بأنها من الطيبات.

    قال تعالى: ( ) [الأنفال:٢٦].

    ثانيًا: المأكولات الخبيثة:

    والخبائث أنواع كثيرة، يحرم على المرء تناولها في حال الاختيار، سواء ظهرت لنا حكمة التحريم أو لم تظهر.

    قال ابن القيم رحمه الله: وقد حرم الله سبحانه وتعالى علينا تناول الخبائث، والخبث الموجب للتحريم قد يظهر لنا وقد يخفى، فما كان ظاهرًا لم ينصب عليه الشارع علامة غير وصفه، وما كان خفيًا نصب عليه علامة تدل على خبثه، فعلى سبيل المثال احتقان الدم في الميتة سبب ظاهر، وأما ذبيحة المجوسي والمرتد وتارك التسمية ومن أَهَلَ بذبيحة لغير الله عز وجل؛ فإن ذبح هؤلاء أكسب المذبوح خبثًا أوجب تحريمه، ولا ينكر أن يكون ذكر اسم الأوثان والكواكب والجن على الذبيحة يكسبها خبثًا، وذكر اسم الله وحده يكسبها طيبًا43.

    وقد اختلف العلماء في المقصود بالخبائث التي ورد تحريمها في القرآن على أقوال:

    القول الأول: أن الخبائث هي المحرمات؛ لأن العرب تقول لكل خبيث محرم44.

    القول الثاني: أن الخبائث هي لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله، وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما45.

    القول الثالث: أن الخبائث هي ما لا يوافق النفس من المحظورات46.

    وأما الفقهاء فإنهم اختلفوا في المقصود بالخبيث والخبائث على هذا النحو:

    فعند الحنفية أن الخبائث هي ما تستخبثه الطباع السليمة ولا تتقبل أكله، وذلك يشمل حيوانات وطيور وحشرات بعينها، ويشمل أجزاء معينة من جسد الحيوان المباح، مثل: المرارة والمثانة والذكر والأنثيين ونحو ذلك مما لا تتقبله الطباع، وتدخل النجاسات في الخبائث بلا خلاف عند الحنفية47.

    والعبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة، قال ابن عابدين نقلًا عن بعض فقهاء الحنفية: «أجمع العلماء على أن المستخبثات حرام بالنص وهو قوله تعالى: ( ) [الأعراف:١٥٧].

    وما استطابه العرب حلال لقوله تعالى: ( ) [الأعراف:١٥٧].

    وما استخبثه العرب فهو حرام بالنص، والذين يعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار؛ لأن الكتاب نزل عليهم وخوطبوا به ولم يعتبر أهل البوادي؛ لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما يجدون وماوجد في أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز.

    فإن كان مما يشبه شيئًا منها فهو مباح؛ لدخوله تحت قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٤٥] الآية.

    ولقوله عليه السلام: (ما سكت الله عنه فهو مما عفا الله عنه)4849.

    وعند المالكية أن الخبائث هي الحرام، وذلك يقابله عندهم أن الطيبات هي الحلال50.

    وعند الشافعية الخبائث هي المستقذرات ونحوها، مثل: الخنافس والعقارب، وذلك يقابله أن الطيبات هي المستلذات إلا ما حرمه الشرع كالخمر والخنزير51.

    وعند الحنابلة: الخبائث هي النجاسات، وكذلك المفترس من الحيوانات52.

    وبناء على كل ما سبق، فإن الخبائث من الأطعمة تشمل الآتي:

  1. كل طعام حرام سواء كان من الحيوان أو النبات أو غير ذلك على نحو ما تقدم ذكره في المبحث السابق..
  2. كل طعام نجس سواء كان نجسًا نجاسة أصلية أو طرأت عليه النجاسة.
  3. كل طعام مستقذر لا تستطيبه العرب أو لا تستطيبه النفوس السليمة.

    وعلى هذا يمكن تقسيم الخبائث إلى قسمين: أولهما: الخبيث لذاته، والثاني: الخبيث لعارض من العوارض.

    فالأول: وهو الخبيث لذاته يشمل أصنافًا من الأطعمة والأشربة، مثل: الخنزير والكلب والخمر، والنجاسات بأنواعها كالدم المسفوح، ومخلفات الإنسان والحيوان.

    والثاني: وهو الخبيث لعارض، مثل: الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، ونحو ذلك من الحيوان الذي لم تتم تذكيته بالطريقة الشرعية، وكذا ما ذبح على النصب، وما لم يسم الله عليه عند الذبح، وما ذبح لغير الله.

    وقد سبق ذكر هذه المحرمات وأدلتها من الكتاب والسنة على وجه التفصيل في المبحث السابق.

    [انظر: الطعام: أنواع الأطعمة في القرآن الكريم]

    تصنيف المأكولات حسب طبيعتها

    ذكر القرآن الكريم أصنافًا من المأكولات نتناولها فيما يأتي:

    أولًا: الفاكهة:

    الفاكهة معروفة، وهي اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده، أي: يتنعم به زيادة على المعتاد والرطب واليابس فيه سواء، وقد اختلف العلماء في حقيقتها على أقوال:

    القول الأول: أن كل شيء قد سمي من الثمار في القرآن نحو العنب والرمان فإنا لا نسميه فاكهةً.

    القول الثاني: أن كل الثمار فاكهةٌ وإنما كرر في القرآن في قوله تعالى: ( ) [الرحمن: ٦٨]. لتفضيل النخل والرمان على سائر الفواكه دونهما53.

    والفواكه أنواع كثيرة بعضها موجود في كل البلاد، وبعضها تنفرد به بلاد دون أخرى حسب طبيعتها وحسب موقعها الجغرافي، ومناخها، وتتنوع الفواكه كذلك داخل البلد الواحد بحسب فصول السنة.

    وقد ورد ذكر لفظ «الفاكهة» وما يتعلق بها مفردًا وجمعًا، وأصنافًا متعددة في القرآن الكريم على سبيل الإجمال في مواضع عدة بلغت بضعة وعشرين موضعًا، وهي على ثلاثة وجوه في تقديري كما يظهر من استقراء الآيات الكريمة:

    الوجه الأول: مواضع جاء فيها ذكر الفاكهة صريحًا على سبيل الإجمال:

    وذلك إما في بيان ما يتنعم به أهل الجنة من الطعام والشراب، أو في بيان النعم التي أنعم الله تعالى بها على الناس جميعًا من حيث إنبات الزرع وتعدد أصنافه.

    فمن النوع الأول وهو ما جاء في فاكهة أهل الجنة:

  1. قوله تعالى: ( ) [يس: ٥٧].
  2. قوله جل شأنه: ( ) [الزخرف: ٧٢ ٧٣].
  3. قوله: ( ) [الدخان: ٥٥].
  4. قوله: ( ) [الواقعة: ٢٠].
  5. قوله جل شأنه: ( ) [الواقعة:٣٢ ٣٣].
  6. قوله تعالى: ( ) [المرسلات:٤١ ٤٢].

    ومن النوع الثاني وهو بيان النعم التي أنعم الله تعالى بها على الناس جميعًا، وما في خلق الأرض وإنبات الزرع من المعجزات والعبر، وذلك في المواضع التالية:

  1. قول الله تعالى: ( ) [الرحمن:١٠ ١١].
  2. قوله جل شأنه: ( ) [عبس: ٢٤ ٣٢].

    وفي هذه الآية صنوف من النعم التي تنبت بالأرض وهي: الحب، وهو معروف وسيأتي الكلام عليه، والعنب، والقضب، والزيتون، والنخيل، ثم جاء ذكر الحدائق إجمالًا، ثم الفاكهة، ثم الأب.

    والأب هذا روي فيه عن أنس قال: «قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه (عبس وتولى) فلما أتى على هذه الآية ( ) قال: قد عرفنا الفاكهة؛ فما الأب؟ قال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف»54.

    وقد ورد في تفسير الأب أنه كل ما ينبت على وجه الأرض، والغُلْب في قوله: ( ) جمع غلباء وهي الحديقة الملتفة الأشجار55.

    وحكى القرطبي أن السبع- أي الأصناف السبعة الواردة في الآية - لابن آدم، والأب للأنعام. والقضب يأكله ابن آدم ويسمن منه النساء؛ هذا قول. وقيل: «القضب البقول لأنها تقضب؛ فهي رزق ابن آدم».

    وقيل: «القضب والأب للأنعام، والست الباقية لابن آدم، والسابعة هي للأنعام؛ إذ هي من أعظم رزق ابن آدم»56.

    وقيل: إن الفاكهة «هي ما يأكله الناس، والأب ما تأكله الأنعام»، وهو مروي عن مجاهد والحسن57.

    الوجه الثاني: ذكر أصناف بعينها وأسمائها من الفاكهة.

    مثل نعمة التمر التي أنعم الله بها على السيدة مريم عليها السلام، وشجرة اليقطين التي أنبتها الله تعالى على نبي الله يونس عليه السلام.

    فمن النوع الأول قوله: ( ﯿ ) [مريم:٢٥].

    ومن النوع الثاني قوله تعالى: ( ) [الصافات:١٤٦].

    الوجه الثالث: ذكر الجنات والحدائق المثمرة التي أنعم الله بها على أقوام بعينهم:

    وذلك في مواضع بيان جوانب إعجاز الخلق، وتكثير النعم، وصنوف بعينها من فاكهة أهل الجنة، أو فاكهة توجد في بلاد ما أو أنعم الله تعالى بها على أحد من خلقه، مثل: صاحب الجنتين في سورة الكهف، وجنتي سبأ، وجنة القوم الذين ورد ذكرهم في سورة القلم.

    وهذه تجدها في المواضع التالية:

    قول الله تعالى مبينًا بعض النعيم على أهل الجنة: ( ) [الواقعة:٢٧ ٢٩].

    وآيات أخرى، من هذا القبيل قوله تعالى في شأن صاحب الجنتين: ( ﯶﯷ ) [الكهف: ٣٢ ٣٣].

    وقوله تعالى في شأن سبأ: ( ﭖﭗ ﭛﭜ ﭢﭣ ) [سبأ: ١٥ -١٦].

    وقوله تعالى في شأن أصحاب الجنة: ( ) [القلم: ١٧].

    ثانيًا: الحبوب:

    الحب معروف، وهو مستعمل في أشياء جمة، حبةٌ من بر وحبة من شعير حتى يقولوا حبةٌ من عنبٍ، والحبة من الشعير والبر ونحوهما، والجمع حباتٌ وحبٌ وحبوبٌ وحبانٌ الأخيرة نادرة؛ لأن فعلة لا تجمع على فعلانٍ إلا بعد طرح الزائد58.

    والحبوب أصناف شتى بعضها موجود في كل البلاد وبعضها الآخر يوجد في بلاد دون أخرى، وذلك بحسب موقع كل بلد ومناخها، كما أن هذه الحبوب بعضها مما يأكله الإنسان والحيوان والطير، وبعضها مما هو قوت للإنسان فقط، وبعضها مما يأكله الحيوان والطير فقط، وتنقسم الحبوب باعتبار آخر إلى نوعين: حبوب تقتات وتدخر، وحبوب لا تقتات ولا تدخر، ومعنى الاقتيات هو: قيام بنية الآدمي به، ومعنى الادخار عدم فساده بالتأخير المعروف فيه59.

    فالتي تقتات وتدخر، مثل: القمح والشعير والأرز والذرة والسمسم والفول ونحوها، ولذلك كانت الزكاة واجبة في أصناف من هذه الحبوب، بخلاف غيرها؛ كذلك فإن الفقهاء حينما تكلموا عن علة تحريم الربا في الأصناف التي وردت في الأحاديث، اختلفوا فيها -أي العلة- هل هي الاقتيات والادخار، أو الادخار فقط، أو الاقتيات، وهذا معروف في مواضعه من كتب الفقه، ولا يتسع المقام لإيراده هنا.

    والمقصود بالأحاديث الأحاديث الواردة في تحريم ربا النساء في الحبوب، مثل: البر والشعير والتمر ونحو ذلك، ومنها حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء)60.

    والحبوب التي ذكرت في القرآن جاءت في مواضع مختلفة يمكن تقسيمها على النحو التالي:

    ١. الحبوب الوارد ذكرها في معرض بيان نعم الله تعالى على الناس.

    وذلك في المواضع التالية:

  1. قول الله تعالى: ( ) [الأنعام:٩٩].
  2. قوله: ( ) [يس:٣٣].
  3. قوله جل شأنه: ( ) [ق: ٩].
  4. قوله: ( ) [النبأ:١٤ ١٥].
  5. قوله تعالى: ( ) [عبس:٢٤ ٢٧].

    وبالنظر إلى كل المواضع السابقة نجد أن سياق الآيات يدل على إعجاز خلق المطر وأثره في إنبات الزرع، وإعجاز شق الأرض التي يلقى فيها الحب بذرًا فيخرج حبوبًا متعددة، وتنوع صنوف الحب وتعدد أشكاله وأحجامه.

    ٢. تشبيه الإنفاق في سبيل الله تعالى بالحبة التي تثمر حبات عديدة.

    وذلك في قول الله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة:٢٦١].

    ٣. علم الله سبحانه وتعالى بدقائق الخلق وعظائمه، ومن ذلك الحبة في ظلمات الأرض.

    وذلك في قوله تعالى: ( ﯿ ) [الأنعام:٥٩].

    ٤. نعمة البُر وكيفية الحفاظ عليها وتخزينها في حالات المجاعة والأزمات.

    وذلك كما ورد في سورة يوسف ( ﭿ ) [يوسف: ٤٧ ٤٩].

    وما سوى ذلك من مواضع ذكر الحب في القرآن الكريم إنما هو في معرض بيان دقة الحساب يوم القيامة، وأن المرء لا يفقد من عمله مقدار حبة من خردل، وأن كل ما يفعل المرء صغيرًا كان أو كبيرًا إنما هو مسطر عليه في الكتاب من خير أو شر61.

    ثالثًا: بهيمة الأنعام:

    لحوم الحيوانات والطيور هي عماد غذاء الإنسان، نظرًا لما تحتويه من مواد بروتينية تمد الجسم بطاقة معينة تساعد على بنائه، وهذه المواد يصعب الحصول عليها من غير الجسم، فضلًا عن كونها تقي الجسم من أمراض مختلفة، وقد عالج القرآن الكريم والسنة النبوية هذا الموضوع علاجًا وافيًا، حيث بينت الشريعة ما يحل من الحيوان وما يحرم62.

    والحيوانات كما هو معروف بعضها أهلي أو مستأنس، وأكثرها بري، فالمستأنس أو الأهلي أشهره الأنعام الثلاثة التي تجب فيها الزكاة، وهي الإبل والبقر والغنم، ويدخل مع البقر الجاموس، ويدخل مع الغنم الماعز، ومن الطيور البط والأوز والحمام والدجاج ونحو ذلك إلا أن الطيور لا زكاة فيها، وما عدا ذلك من الحيوان بعضه يمكن استئناسه وتربيته في البيوت، وأكثره بري يعيش في الغابات والبراري والجبال.

    وقد وردت الآيات القرآنية المتعددة التي تشير إلى حل أكل بهيمة الأنعام.

    والبهيمة تطلق على كل ذات أربع قوائم من دواب البر والماء، والجمع بهائم، والبهمة الصغير من أولاد الغنم الضأن والمعز والبقر من الوحش وغيرها الذكر والأنثى في ذلك سواء، وسميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها؛ ومنه باب مبهم، أي: مغلق، وليل بهيم63.

    ومن ذلك قول الله تعالى: ( ﮎﮏ ﮜﮝ ) [المائدة: ١].

    وقوله تعالى في بيان الأصناف التي تجب فيها الزكاة من الحيوان: ( ﭒﭓ ﭙﭚ ﭤﭥ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الأنعام: ١٤٣ ١٤٤].

    وقوله جل شأنه: ( ﮤﮥ ) [الحج: ٢٨].

    وقوله تعالى: ( ﯧﯨ ) [الحج: ٣٠].

    وقوله:( ﭿ ﮊﮋ ﮐﮑ ) [الحج: ٣٤].

    وقوله تعالى: ( ﭨﭩ ) [يس:٧١ ٧٣].

    هذا وقد ذكر بعض المفسرين أنه جرى خلاف في الأنعام التي أحلها الله تعالى بمقتضى قوله: ( )، هل هي على التعميم أم على التخصيص، ويمكن إجمال خلافهم في ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أن بهيمة الأنعام هي الثلاثة المعروفة (الإبل والبقر والغنم) وهو مروي عن الحسن البصري وقتادة والسدي والربيع بن أنس والضحاك64.

    القول الثاني: أن بهيمة الأنعام هي أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها -إذا نحرت أو ذبحت- ميتةً، وذكاتها ذكاة أمها حينئذٍ، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر65.

    القول الثالث: أن بهيمة الأنعام هي الوحشي منها، كالظباء وبقر الوحش والحمر قاله الفراء66.

    هذا ولا خلاف في أن جميع الأنعام المباح أكلها إنما يشترط في حلها الذكاة الشرعية المعروفة بشروطها، والتي هي ذبح أو نحر أو عقر، بحسب كل نوع منها على ما هو معروف في الفقه.

    رابعًا: صيد البر والبحر:

    الصيد يكون بالحيوان أو الطير المعلم كالكلب والصقر، وبالآلات الحادة مثل الرماح، والنبال، وباليد، وبالشباك ونحوها في الأسماك والطيور، والحيوان، وغير ذلك من آلات الصيد المعروفة والتي تتطور عبر الزمان، وتختلف من مكان لآخر.

    وقد ورد ذكر الصيد وبعض آلاته في القرآن الكريم في غير موضع منها قول الله تعالى: ( ﮗﮘ ﮜﮝ ﮦﮧ ﮯﮰ ﯓﯔ ) [المائدة: ٤].

    وقوله جل شأنه: ( ﮯﮰ ) [المائدة: ٩٤].

    وللصيد شروطه المعتبرة التي على أساس توافرها يكون الحيوان حلال الأكل، وهذه الشروط مطلوبة في الصائد، والمصيد، وآلة الصيد على ما هو معروف في مواضعه67.

    ١. صيد البر:

    الحيوان البري: هو ما يعيش في البر كالغابات والصحاري والجبال، وينقسم إلى قسمين: حيوان مقدور عليه، وحيوان غير مقدور عليه، أو بلفظ آخر، حيوان أهلي، وحيوان وحشي، فالحيوان الأهلي هو الذي يألف البيوت ويربى فيها كالأنعام الثلاثة التي تجب فيها الذكاة والدواجن التي تربى في البيوت.

    والوحشي: هو الذي يعيش في البر مأخوذ من الوحشة وهي الخلوة، وذلك مثل الظباء والنعام والطيور التي تعيش في البراري68.

    وباب الحلال والحرام من الأطعمة الحيوانية باب كبير معروف في السنة النبوية والفقه في جميع المذاهب على اختلاف في تسميته في كل مذهب، ولو ذهبنا نتتبع أصناف الحيوانات والطيور وما يحل وما يحرم منها لخرجنا عن المقصود في هذا البحث التفسيري، ولكن أكتفي بذكر أشهرها على سبيل الاختصار:

    أولًا: الحيوانات المجمع على حلها أو متفق على حلها (ما عدا الأنعام الثلاثة):

    الظبي، الغزال، النعام، الكركي، الحباري، الطاووس، البط والأوز، القطا، الحمام وما يلحق به، مثل: اليمام والقنبر والدبس والفاخت والقمري والسمان، والعصفور، والأرنب.

    ثانيًا: الحيوانات المجمع على تحريمها أو متفق على تحريمها:

    المحرم من هذه الحيوانات نوعان:

    النوع الأول: الحيوان المحرم لذاته أو لعينه، وذلك مثل: الخنزير، والسباع من الطيور والحيوانات ذوات الأربع، والحيوانات ذوات الحافر، والحيوانات التي تأكل الجيف والقاذورات، والحيوانات التي ورد الأمر في السنة بقتلها في الحل والحرم، وهي الفواسق (الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والحدأة)، والحيوانات التي تعافها النفوس السليمة، ولا تقبلها الفطرة، مثل القرد وابن عرس.....

    والنوع الثاني: الحيوان المحرم لعارض، مثل الميتة، والأنعام التي لم تكتمل ذكاتها، والجلالة69.

    ويمكن إجمال حكمة تحريم هذه الأصناف فيما يلي:

    • أن بعض هذه الحيوانات يورث آكله بغيًا وظلمًا وقسوة، كما هو الحال في أكل السباع ونحوها، والمغتذي شبيه بما يتغذى به، فالقوة السبعية التي في هذه الحيوانات يمكن أن تسري إلى نفس آكلها، فيتشابه الإنسان مع الحيوان.
    • أن بعض هذه الحيوانات خبيثة، مثل الميتة، والجلالة والخنزير؛ ويترتب على أكلها ضرر بالجسم .
    • أن بعض هذه الحيوانات ذات صفات سيئة كالبلادة وعدم الغيرة، وشدة الشهوة كما هو الحال في الخنزير، مما يسري إلى نفس آكله، وإكسابه هذه الصفات70.

      ثالثًا: الحيوانات المختلف فيها المذاهب الفقهية:

      اختلف الفقهاء في أكل طائفة كبيرة من الحيوانات، ما بين موسع ومضيق، سواء كان الخلاف في داخل المذهب الواحد أو بينه وبين المذاهب الأخرى، وأورد هنا طرفًا مما اختلفوا فيه على سبيل الإيجاز:

    • الضب: حلال عند جميع الفقهاء ما عدا الحنفية71. وقصة أكل الضب أمام النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره للصحابة على ذلك مشهورة، ولكن النبي عليه السلام لم يأكله.
    • الخيل: يباح أكلها عند محمد بن الحسن وأبي يوسف من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية72، وروي ذلك أيضًا عن عبد الله بن الزبير، وفضالة بن عبيد، وأنس بن مالك، وأسماء بنت أبي بكر، وسويد بن غفلة، وعلقمة، والأسود بن يزيد، وعطاء وشريح القاضي، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وحماد بن سليمان، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، ويحرم أكلها عند ابن عباس وأبي حنيفة، ولكن داخل المذهب المالكي خلاف فيها يدور بين الكراهة والحل والتحريم، وأشهر الأقوال فيها عندهم التحريم73.
    • البغال: حرام عند جمهور الفقهاء، وحلال عند الحسن البصري وابن حزم74.
    • الحمر الأهلية: حرام عند جمهور العلماء، وحلال عند ابن عباس75.
    • الثعلب: مباح عند الشافعية، وأحمد في رواية، وطاوس وقتادة وأبي ثور، وحرام عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الثانية، وابن حزم76؛ لأنه سبع فيدخل في عموم النهي.
    • الضبع: مباح عند الشافعية77، والظاهرية، ورويت إباحته عن علي بن أبي طالب وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وخلائق من الصحابة والتابعين78.

      ٢. صيد البحر.

      صيد البحر يقصد به كل ما صيد من البحر من السمك ونحوه، فالمراد بالصيد هنا هو المصيد، وإنما أضيف إلى البحر؛ لأنه مستخرج منه، وهو نوعان:

      النوع الأول: ما لا يعيش إلا في الماء بحيث إذا خرج منه يموت بعد فترة، وذلك مثل جميع أنواع السمك.

      والنوع الثاني: ما يمكنه العيش في البر والبحر، أو الحيوانات البرمائية، وذلك مثل السرطان والتمساح79.

      وهناك تقسيم آخر ذكره بعض المفسرين أن صيد البحر قسمان: سمك وغيره، فالسمك معروف، وغير السمك قسم يعيش في البر كالضفدع والسرطان، فلا يحل أكله، وقسم يعيش في الماء ولا يعيش في البر إلا عيش المذبوح، وذلك مثل الجريث أو حية البحر80.

      المقصود بصيد البحر وطعامه:

      تواترت الآثار الدالة على أن المقصود بصيد البحر هو كل ما صيد منه، كما هو مروي عن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وقتادة وغيرهم، وروي عن ابن عباس رواية أخرى وروي نحوه عن سعيد بن جبير والسدي بأن صيد البحر هو الطري منه81.

      أما طعام البحر فقد اختلف في المقصود به على أقوال:

      القول الأول: أن طعام البحر هو ما قذفه البحر بلا صيد من الإنسان، وهو مروي عن عمر وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم82.

      القول الثاني: أن طعام البحر هو كل ما نضب الماء عنه فأخذ بغير صيد ميتًا83.

      القول الثالث: أن طعامه كل ما سقاه الماء فأنبت من الأرض84.

      القول الرابع: أن طعام البحر هو السمك المملح أو المقدد منه، وهو مروي عن سعيد بن جبير وعكرمة وسعيد بن المسيب وقتادة والنخعي85.

      حكم أكل صيد البحر وطعامه:

      اختلف العلماء في أكل صيد البحر على أربعة أقوال:

      القول الأول: أن جميع حيوانات البحر حلال، وهو مذهب المالكية، والشافعية على الأصح86.

      وهو قول ابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري في رواية الأشجعي عنه87.

      ودليلهم من القرآن عموم قول الله تعالى: ( ) [المائدة: ٩٦].

      وسبق بيان القول في المقصود بالصيد والطعام.

      ودليلهم من السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)88.

      القول الثاني: أن جميع حيوانات البحر حلال عدا الحية والتمساح والضفدع، وهو مذهب الحنابلة89.

      ودليلهم عموم الآية السابقة، وأما استثناء الضفدع والتمساح والحية، فلأن الضفدع منهي عن قتله، وهو يدل على تحريمه، والتمساح حيوان مفترس، والحيات من المستخبثات90.

      القول الثالث: أن الحلال من حيوانات البحر هو السمك فقط، وما عداه لا يحل، وكذا لا يحل السمك الذي وجد طافيًا على سطح البحر، والمقصود السمك الذي يموت في الماء حتف أنفه بغير سبب حادث منه سواء علا على وجه الماء أو لم يعل بعد أن مات في الماء حتف أنفه من غير سبب حادث.

      وهو مذهب الحنفية91، ووجه عند الشافعية92، وهو قول الثوري في رواية أبي إسحاق الفزاري عنه93.

      القول الرابع: أن السمك حلال الأكل، وما سوى السمك من حيوانات البحر ينظر، فإن كان له نظير يؤكل في البر، فحيوان البحر كذلك، وإن كان نظيره من حيوان البر لا يؤكل فكذلك حكم حيوان البحر، وذلك مثل: خنزير البحر وكلب البحر. وهو وجه عند الشافعية94، وقول عند الحنابلة.

      ودليله القياس على حيوان البر المحرم كالخنزير والكلب ونحوهما95.

      الرأي المختار: الذي تطمئن النفس إلى اختياره هو القول الأول الذي يرى حل جميع ما صيد من البحر، وذلك نظرًا لقوة أدلته وسلامة مدركه، لأن الأقوال الأخرى لم تسلم من المناقشة، مما لا يتسع المقام لذكره، إلا أنه ينبغي أن يوضع في الاعتبار مع هذا أمور أخرى، مثل: كون الحيوان البحري خاليًا من السموم والأضرار التي تترتب على أكله، كما هو الحال في بعض الأسماك السامة.

    المخلوقات والأكل

    • تحدث القرآن الكريم عن أصناف من المخلوقات منها ما يأكل ومنها ما لا يأكل نبينها فيما يأتي:

      أولًا: الملائكة والأكل:

      الملائكة صنف من خلق الله تعالى خلقوا من نور، ولهم وظائف شتى، وهم يختلفون عن الإنس والجن في أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزوجون ولا يتناسلون، ولا يملون عن عبادة الله تعالى، ولا يفترون، ولا يتعبون، وقد اتفق المحققون من أهل العلم على ذلك96.

      قال تعالى: ( ﮥﮦ ) [الأنبياء:١٩ ٢٠].

      ولهذا لما وفدت الملائكة على سيدنا إبراهيم عليه السلام في صورة أناس من بني بشر، قدم لهم طعام الضيافة فرفضوا أن يأكلوا، ولم تمتد أيديهم إلى الطعام، فأوجس منهم خيفة؛ فلما كشفوا له عن حقيقتهم زال خوفه وتعجبه.

      قال تعالى: ( ﯛﯜ ﯞﯟ ﯰﯱ ) [هود: ٦٩-٧٠].

      وقال جل شأنه: ( ﯤﯥ ﯺﯻ ﯾﯿ ) [الذاريات:٢٤ ٢٨].

      وقد أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى: ( ) قال: « كانوا إذا نزل لهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وأنه يحدث نفسه بشر. قال: ثم حدثوه عند ذلك»97.

      ثانيًا: الرسل والأكل:

      الرسل والأنبياء صفوة خلق الله تعالى من البشر، وهم المبلغون لشرائع الله تعالى للأمم من خلال الوحي الذي نزل عليهم، والكتب السماوية التي نزلت عليهم، وقد شاءت حكمة الله تعالى أن يصطفيهم من البشر لا من الملائكة ليكونوا أنسب لتبليغ العباد مراد رب العباد منهم.

      ولهذا أودع الله تعالى فيهم خصائص البشر من تناول الطعام والشراب، والنوم واليقظة، والمرض والصحة، والتزاوج والتناسل ونحو ذلك من صفات البشر الجبلية.

      وقد ورد في القرآن آيات تتعلق بحالة الرسل والأنبياء مع الطعام والشراب، بيانها على النحو الآتي:

      ١. إرسال الله تعالى الرسل بشرًا يأكلون الطعام.

      الرسل بشر كسائر الناس في الخلق والتكوين والصفات الجبلية، إلا أنهم يختلفون عن بقية الناس في الصفات الخلقية التي أودعها الله تعالى فيهم لتحمل الرسالة التي يبلغونها للناس.

      ومن الأمور الجبلية التي يشترك فيها جميع الناس بمن فيهم الأنبياء والرسل: الأكل والشرب، اللذان بهما قوام الحياة ونمو البدن وسلامته، ولذلك ذكر الله تعالى في كتابه العزيز في موضعين أن هذا من صفات الرسل شأنهم شأن بقية الناس.

      الموضع الأول: في قوله تعالى ( ﮚﮛ ) [الفرقان:٧].

      وهذا جاء على سبيل الاستنكار من المشركين على نحو ما سيأتي في موضعه.

      الموضع الثاني: في قوله تعالى: ( ﯭﯮ ﯳﯴ ) [الفرقان: ٢٠]. وهو بمثابة الإجابة على السؤال السابق كما ذكره بعض المفسرين98.

      ٢. أمر الرسل بأكل الطيبات.

      أمر الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله بأن يأكلوا من الطيبات التي أفاء الله عليهم بها، وأن يعملوا صالحًا، والأمر للرسل ولأتباع الرسل قال تعالى: ( ﮧﮨ ) [المؤمنون:٥١].

      ٣. اعتراض المشركين على أن الرسل بشر يأكلون الطعام.

      أنكر المشركون على الرسل أنهم مثل سائر البشر في تناول الأطعمة والسعي في الأسواق، وزعموا أنه -أي: النبي عليه الصلاة والسلام- إذا كان مثلهم يأكل الطعام ويمشى في الأسواق، فلا يجوز أن يمتاز عنهم بالنبوة، وكانوا يقولون: أنت لست بملَك ولا ملِك؛ فلست بملَك لأنك تأكل الطعام، ولست بملِك لأنك تتسوق وتتبذل، والملوك لا يتسوقون ولا يتبذلون، وهذا الذي قالوه كله فاسد؛ وذلك لأن أكله الطعام لا ينافي النبوة، ولا مشيه في الأسواق، فإن أكله الطعام يدل على أنه آدمي محتاج، ومشيه في الأسواق يدل على أنه متواضع غير متكبر، وأما اختصاصه بفضلة النبوة من بين الناس فجائز؛ لأن الله تعالى لم يسو بين الناس، بل فاضل بينهم99.

      قال تعالى: ( ﮚﮛ ) [الفرقان: ٧].

      قال السلمي: «عيروا الرسل بالتواضع والانبساط، ولم يعلموا أن ذلك أتم لهيبتهم وأشد في باب الاحترام لهم، وذلك أنهم لم يشاهدوا منهم إلا ظاهر الخلق ولو شاهدوا منهم خصائص الاختصاص لألهاهم ذلك من قولهم: ( ) »100.

      وعليه فإن إن المشركين لم يدركوا حكمة الله تعالى في إرسال الرسل، حيث اختارهم من جنس بني البشر يشتركون مع سائر الناس في العادات والصفات البدنية ونحوها، حتى يستطيعوا أن يبلغوا دعوتهم للناس.

      ولكن على الرغم من هذا التشابه والاشتراك إلا أن الرسل هم صفوة الناس بما أودع الله تعالى فيهم من صفات خلقية؛ كالصدق والأمانة وقربهم لله عز وجل مما يجعلهم متميزين عن غيرهم.

      كذلك ما أودعه الله تعالى فيهم من الذكاء والفطنة، وهذه الصفات وإن كانت موجودة في الكثير من الناس إلا أن الرسل قد حازوها على أكمل وجه وأحسنه.

      ٤. ابتلاء سيدنا آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة.

      وردت قصة سيدنا آدم عليه السلام في غير موضع في كتاب الله عز وجل، وقد أمر الله تعالى آدم بأن يأكل من الجنة رغدًا حيث شاء، باستثناء شجرة معينة، اختلف العلماء في حقيقتها اختلافًا كبيرًا لا يتسع المقام لذكره، فوسوس الشيطان لآدم وظل يغويه حتى أكل من الشجرة المنهي عنها، فعوقب بسبب ذلك بالإخراج من الجنة والنزول إلى الأرض التي قدر الله تعالى له أن يسكنها ويعمرها هو وذريته.

      قال تعالى: ( ﯮﯯ ﯴﯵ ) [البقرة:٣٥-٣٦].

      وقال جل شأنه: ( ﯷﯸ ﯿ ﰄﰅ ) [الأعراف:١٩ ٢٢].

      والرغد في الآية المقصود به الواسع من العيش، الهنيء الذي لا يعني صاحبه، يقال: أرغد فلان: إذا أصاب واسعًا من العيش الهنيء، كما قال امرؤ القيس101:

      بينما المرء تراه ناعمًا

      يأمن الأحداث في عيشٍ رغد

      هذا وقد ترتب على أكل سيدنا آدم عليه السلام من الشجرة المنهي عنها ثلاثة أمور كما يستنبط من القصة القرآنية:

      الأول: ظهور عورتهما، ولم يكن لهما سابق علم بها، حيث لم يكونا بحاجة إلى الإخراج.

      الثاني: عتاب الله تعالى لسيدنا آدم عليه السلام على ما فعل، وتذكيره بالنهي الذي نهاه ولم يمتثل له نسيانًا منه، وإغواء من الشيطان.

      الثالث: الهبوط من الجنة إلى الأرض للعيش عليها.

      رابعًا: سائر المخلوقات والأكل:

      ١. أكل الإنس.

      كل ما ورد ذكره في القرآن الكريم أمرًا بالأكل إنما هو للإنسان، إلا ما ورد بشأن الحيوان على نحو ما سيأتي في موضعه، وأمر الله عز وجل للإنسان بالأكل جاء في معارض كثيرة، فجاء مرة في معرض تعداد النعم على بني إسرائيل، ومرة في معرض أمر المؤمنين بأكل الطيبات، ومرة في معرض أمر الناس بالأكل مما في الأرض من رزق الله تعالى، وهكذا، وهذه المواضع كلها جاء ذكرها في أماكنها من هذا البحث بما يغني عن إعادتها هنا.

      إلا أن الذي أكتفي بالإشارة إليه من أكل الإنس هنا هو بضعة مواضع فيها بعض العبر والنكات التفسيرية وهي:

      أولًا: أكل الفقير بالمعروف من مال اليتيم صيانة لنفسه.

      حث الله سبحانه وتعالى عباده على الاقتصاد في الطعام والشراب وسائر وجوه النفقة، وفي حالة كون المرء قيمًا على مال يتيم، فقد حثه الشارع على أن يراعي حاله من حيث الغنى والفقر، بحيث يتعامل مع مال اليتيم بالحذر.

      فإن كان القيم على مال اليتيم غنيًا، فليتعفف عن أن ينال منه شيئًا، وإن كان فقيرًا فليكن تناوله منه بالمعروف حفاظًا على مال اليتيم، وذلك عملًا بقاعدة (ما أبيح للضررورة يقدر بقدرها)102.

      قال تعالى: ( ﯱﯲ ﯸﯹ ﯽﯾ ﯿ ﰃﰄ ﰊﰋ ) [النساء: ٦].

      وفي معنى ( ﯸﯹ) أنهم لا يأكلون أموالهم على سبيل الإسراف والإتلاف، أو يبادرون بأكل أموالهم خشية أن يكبروا - أي اليتامى- فيتسلمون أموالهم من القائمين عليها.

      أو كما عبر بعض المفسرين بقوله: «مسرفين ومبادرين كبرهم؛ أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا»103.

      روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ( ) يعني: أكل مال اليتيم مبادرًا أن يبلغ، فيحول بينه وبين ماله»104.

      وقد روي نحو هذا المعنى عن معمر وقتادة والحسن والسدي105.

      وفي معنى ( ﰃﰄ) أقوال كثيرة للسلف منها:

      ما روي عن مجاهد قوله: «(ﯿ ﰃﰄ) من مال اليتيم، بغير إسراف ولا قضاء عليه فيما أكل منه»106.

      ومن بلاغة الآية الكريمة استنبط منها بعض التابعين أن المقصود ليس أكل الفقير من مال اليتيم، بل أكل الفقير من مال نفسه بالمعروف، فقد روي عن مجاهد قال: «لا تقرب مال اليتيم إلا للتجارة ولا تستقرض.

      قال: فأما قوله تعالى: (ﯿ ﰃﰄ)، فإنما معناه فليأكل من ماله بالمعروف يعني من مال نفسه»107.

      وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه -أي: الفقير- يأكل بأطراف أصابعه108.

      وروي عن عطاء وعكرمة أنه يأكل بأطراف أصابعه، ولا يسرف ولا يكتسي منه، ولا يلبس الكتان ولا الحلل، ولكن ما سد الجوعة ووارى العورة.

      وروي عن الحسن وجماعة أنه يأكل من ثمر نخيله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه، فأما الذهب والفضة فلا؛ فإن أخذ شيئًا منه رده.

      وقال الكلبي: «المعروف ركوب الدابة وخدمة الخادم، وليس له أن يأكل من ماله شيئًا»109.

      ثانيًا: النهي عن أكل الإنسان مال اليتيم.

      ورد في القرآن التحذير من أكل أموال اليتامى بدون وجه حق في صورة شديدة تبين قبح الفعل وسوء العاقبة، وذلك في قول الله تعالى: ( ﮎﮏ ) [النساء:١٠].

      وليس المراد بالأكل هنا الأكل تناول الطعام، بل المراد الإتلاف أو نهب المال أو أخذه بدون وجه حق، أو كما قال الإمام القرطبي: «ليس المقصود في الآية صورة الأكل أو نفس الأكل، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان؛ إلا أن الأكل لما كان أوفى أنواع التمتع بالمال عبر عن التصرفات بالأكل»110.

      ولما نزلت هذه الآية اشتد الأمر على بعض الناس ممن يتولون أموال اليتامى، فعزلوا طعامهم وشرابهم عن طعام وشراب اليتامى حتى فسد الطعام وصار حرج كبير بسبب ذلك، فنزلت آية أخرى ترفع الحرج عنهم.

      روي عن ابن عباس قال: «لما نزلت: ( ) [الأنعام:١٥٢]. و ( ﮎﮏ ) [النساء: ١٠]، انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد؛ فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ﭠﭡ) [البقرة: ٢٢٠]. فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم»111.

      لطيفة في ذكر الأكل والبطون:

      لم ذكر الأكل والبطون في هذه الآية مع أنه معروف أن الأكل لا يكون إلا في البطون؟

      والجواب من وجهين:

      الوجه الأول: أن القرآن قد ذكر الأكل إلا أن المراد منه كل أنواع الإتلافات فإن ضرر اليتيم لا يختلف بأن يكون إتلاف ماله بالأكل أو بطريق آخر، وإنما ذكر الأكل وأراد به كل التصرفات المتلفة لوجوه:

      أحدها: أن عامة مال اليتيم في ذلك الوقت هو الأنعام التي يأكل لحومها ويشرب ألبانها فخرج الكلام على عادتهم.

      وثانيها: أنه جرت العادة فيمن أنفق ماله في وجوه مراداته خيرًا كانت أو شرًا أنه يقال: إنه أكل ماله.

      وثالثها: أن الأكل هو المعظم فيما يبتغي من التصرفات112.

      الوجه الثاني: أن ذكر البطون ورد مورد قوله تعالى: ( ﭻﮊ) [آل عمران:١٦٧].

      والقول لا يكون إلا بالفهم، وقال: ( ) [الحج: ٤٦].

      والقلب لا يكون إلا في الصدر، وقال: ( ) [الأنعام:٣٨]؛ والطيران لا يكون إلا بالجناح، والغرض من كل ذلك التأكيد والمبالغة113.

      ثالثًا: النهي عن أكل أموال الناس بالباطل.

      ورد النهي عن أكل أموال الناس بالباطل في مواطن عدة، منها قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٨].

      وقوله جل شأنه: ( ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء:٢٩].

      ( ) [البقرة: ١٨٨]. وقد سبق ذكر ذلك في مبحث الاستعمال القرآني للأكل.

      رابعًا: ذم حياة الكفار وتشبيه أكلهم بأكل الأنعام.

      ذم الله سبحانه وتعالى حياة الكفار وشبهها بحياة الأنعام، بجامع أن كليهما لا يشغله إلا الطعام والشراب فقال جل شأنه: ( ﭜﭝ ) [محمد:١٢].

      والمعنى كما ذكره بعض المفسرين يحتمل ثلاثة أوجه:

      الوجه الأول: أن الأنعام يهمها الأكل لا غير والكافر كذلك، والمؤمن يأكل ليعمل صالحًا ويقوى عليه.

      الوجه الثاني: أن الأنعام لا تستدل بالمأكول على خالقها والكافر كذلك.

      الوجه الثالث: أن الأنعام تعلف لتسمن وهي غافلة عن الأمر، لا تعلم أنها كلما كانت أسمن كانت أقرب إلى الذبح والهلاك، وكذلك الكافر114.

      وقيل: إن المراد بالآية أن الأنعام تأكل وتشرب ولا تدري ما في الغد، وكذلك حال الكفار، لا يلتفتون إلى الآخرة والمثوى والمنزل115.

      ويؤيد هذا التشبيه ما أكدته آية أخرى من تشبيه الكفار بالأنعام بل وصفهم بأنهم أسوأ من الأنعام، وذلك في قول الله تعالى: ( ﭗﭘ ﭧﭨ ﭭﭮ ) [الأعراف:١٧٩].

      وقوله جل شأنه: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ) [الفرقان:٤٤].

      خامسًا: تعدد أصناف النبات لتكون طعامًا للإنسان.

      ذكر القرآن الكريم طائفة من النعم التي بثها الله تعالى في الأرض من أصناف النبات والزروع، مما يتخذ قوتًا للإنسان من الخضر والفاكهة، وقوتًا للحيوان أخضر ويابسًا116.

      قال تعالى: ( ﭴﭵ ) [طه:٥٣ ٥٤].

      وذكر الإمام الرازي أن ما في الأرض من النبات المختلف ألوانه وأنواعه ومنافعه، وإليه الإشارة بقوله: ( )[ق:٧]؛ فاختلاف ألوانها دلالة، واختلاف طعومها دلالة، واختلاف روائحها دلالة، فمنها قوت البشر، ومنها قوت البهائم، كما قال: ( ﭴﭵ) [طه٥٤].

      أما مطعوم البشر، فمنها الطعام، ومنها الإدام، ومنها الدواء، ومنها الفاكهة117.

      سادسًا: إباحة أكل الإنسان من بيوت معينة لما فيه من القرابة بينه وبين صاحب البيت.

      أباح القرآن للإنسان أن يأكل من بيوت أشخاص بعينهم؛ نظرًا لما بينه وبينهم من القرابة والمودة، فقال تعالى: ( ﮱﯓ ﯛﯜ) [النور:٦١].

      وحكى الطبري عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن أظهر معاني الآية أنه لا حرج على هؤلاء الذين سموا في هذه الآية أن يأكلوا من بيوت من ذكره الله فيها، على ما أباح لهم من الأكل منها118.

      وقد روي في سبب نزول الآية أقوال أشهرها قولان:

      القول الاول: أن الآية نزلت في بني بكر من كنانة، وكان لا يأكل أحد منهم وحده حتى يجد ضيفًا يأكل معه، وإذا لم يجد وأجهده الجوع نصب خشبة ولف عليها ثوبًا وأكل عندها؛ ليظن الناس أنه إنسان يأكل معه، وروي أن واحدًا منهم نزل بلقاحه واديًا، فجاع فحلب لقحة منها، ونادى في الوادي: من كان ها هنا فليحضر ليأكل، وكان في الوادي رجل فاختفى ولم يجب، وأجهده الجوع، فجلس يأكل وحده، فخرج الرجل، وقال له: يا رضيع، أتأكل وحدك؟ فأخذ الرجل سيفه وعدى عليه وقتله مخافة أن ينشر في الناس ذلك الفعل منه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأباح للقوم أن يأكلوا منفردين وجماعة119.

      القول الثاني: أن سبب النزول أن الأنصار كان يتحرجون من الأكل مع هؤلاء إذا دعوا إلى طعام، ويقولون: الأعمى لا يبصر أطيب الطعام، والأعرج لا يقدر على الزحام عند الطعام، والمريض يضغف عن مشاركة الصحيح في الطعام، فكانوا يعزلون طعامهم، ويرون أنه أفضل من مشاركتهم120.

      سابعًا: بيان آداب الأكل في بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

      النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالمؤمنين، رءوف رحيم بهم، آخذ بحجز أمته عن النار، ناصح لهم الحريص عليهم، وزوجاته الطاهرات الطيبات هن أمهات المؤمنين، بنص القرآن الكريم، فيحرم على الأمة إيذاء النبي عليه السلام أو إيذاء أهل بيته بقول أو فعل.

      قال تعالى: ( ﯜﯝ ) [الأحزاب:٦].

      وقال جل شأنه: ( ﯹﯺ ﯿ ) [الأحزاب:٥٣].

      وقد أباح الله تعالى للمؤمنين دخول بيوت النبي عليه الصلاة والسلام بالاستئذان، وأباح لهم أكل الطعام في بيت النبي عليه السلام إذا دعوا إلى الطعام، ولكن ( ).

      فقال تعالى: ( ﮮﮯ ﯗﯘ ﯝﯞ) [الأحزاب: ٥٣].

      وفي معنى قول الله تعالى: ( ) أقوال للسلف والمفسرين.

      فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المقصود غير ناظرين للطعام أن يصنع121.

      وروي عن مجاهد وقتادة أن المقصود غير متحينين لنضج الطعام واستوائه122.

      وقيل: إن المقصود- كما ذكره الطبري- غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إنى وأنيا وإناء.

      قال الشاعر123:

      وآنيت العشاء إلى سهيلٍ

      أو الشعرى فطال بي الأناء

      والمعروف أن سبب نزول الآية كما في الصحيحين أن أنس بن مالكٍ قال: (أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب، لما أهديت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معه في البيت، صنع طعامًا، ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج، ثم يرجع، وهم قعودٌ يتحدثون، فأنزل الله تعالى: ( ) إلى قوله: ( ) فضرب الحجاب، وقام القوم)124.

      ٢. أكل الجن.

      الجن صنف من خلق الله عز وجل خلقوا من النار، ولهم مواصفات خاصة معروفة في الكتاب العزيز والسنة النبوية، وطبيعتهم تختلف عن طبيعة البشر والملائكة، وقد ورد ذكر جنس الجن في القرآن الكريم في بضعة وعشرين موضعًا، وورد ذكر الشيطان في حوالي ثمانية وسبعين موضعًا.

      وقد اختلف العلماء في طعام الجن، أي: هل يأكلون أم لا يأكلون، وحاصل هذا الخلاف ثلاثة أقوال كما ذكرها بعض العلماء:

      القول الأول: أن جميع الجن يأكلون ويشربون، وأن طعامهم العظم وروث الحيوانات ونحو ذلك125.

      وأصحاب هذا القول انقسموا في طبيعة أكل الجن إلى فريقين:

      الفريق الأول: يرى أن أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وهذا القول هو الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة والعمومات الصريحة.

      وهذه أبرز الأدلة من السنة على أكل الجن، وعلى أن أكلهم مضغ وبلع:

      ١. ما رواه مسلم عن عامرٍ قال: سألت علقمة هل كان ابن مسعودٍ شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعودٍ فقلت: هل شهد أحدٌ منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ ففقدناه فالتمسناه فى الأودية والشعاب فقلنا: استطير أو اغتيل. قال: فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ. فلما أصبحنا إذا هو جاءٍ من قبل حراء. قال: فقلنا: يا رسول الله، فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ. فقال: «أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن». قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: «لكم كل عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرةٍ علفٌ لدوابكم». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم»126.

      ٢. ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوةً لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: «من هذا». فقال: أنا أبو هريرة. فقال: «ابغنى أحجارًا أستنفض بها، ولا تأتني بعظمٍ ولا بروثةٍ». فأتيته بأحجارٍ أحملها فى طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: «هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظمٍ ولا بروثةٍ إلا وجدوا عليها طعامًا»)127.

      وليلة الجن هي ليلة نصيبين الشهيرة التي نزل بشأنها قول الله تعالى: ( ﭜﭝ ) [الأحقاف: ٢٩ ٣٠].

      فدل الحديثان على أن الجن يأكلون الطعام، وأن طعامهم العظم والروث ونحوه مما ذكر في الحديث.

      ٣. ما رواه أبو داود عن أمية بن مخشيٍ -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمةٌ فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه»)128.

      والحديث دليل على أن أكل الجن إنما هو مضغ وبلع مثل الإنس.

      الفريق الثاني: يرى أن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ وبلع129.

      القول الثاني: أن صنفًا منهم يأكلون ويشربون، وصنفًا لا يأكلون ولا يشربون130.

      ويشهد لهذا القول أثر مروي عن وهب، فقد أخرج الطبري عن عبد الصمد بن معقل.

      قال: سمعت وهب بن منبه، وسئل عن الجن ما هم، وهل يأكلون أو يشربون، أو يموتون، أو يتناكحون؟ قال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون، وهي هذه التي منها السعالي والغول وأشباه ذلك131.

      القول الثالث: أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، وهذا قول محكي عن بعض الأطباء والفلاسفة، وقد وصفه بعض العلماء بأنه قول ساقط132.

      ٣. أكل الحيوانات.

      لم يرد في القرآن الكريم ذكر أكل الحيوانات كثيرًا، إلا في مواضع قليلة على الرغم من ورود ذكر حيوانات متعددة في القرآن الكريم، وبيان ذلك على النحو التالي:

      أولًا: الوحي إلى النحل بالأكل من كل الثمرات.

      من نعم الله تعالى وإعجازه في خلق النحل أنه أوحى إليه باتخاذ مساكنه من الجبال والشجر ومما صنعه الناس من عرائش، وأباح له جل شأنه أن يأكل من كل الثمرات التي خلقها الله عز وجل، لينتج شراب العسل الذي هو غذاء ودواء، فقال جل شأنه: ( ﮝﮞ ﮧﮨ ) [النحل: ٦٨ ٦٩].

      ولفظة (من) في الآية حملها بعض المفسرين على التبعيض، وحملها بعض آخر على ابتداء الغاية133.

      ولفظة (كل) في الآية يرى أكثر المفسرين على أنها ليست للعموم، وقيل: المقصود إباحة الأكل لها من أي ثمرة تشتهيها134.

      قال الرازي: «لفظة (من) ههنا للتبعيض أو لابتداء الغاية... ألهم الله تعالى هذا النحل حتى أنها تلتقط تلك الذرات من الأزهار وأوراق الأشجار بأفواهها وتأكلها وتغتذي بها، فإذا شبعت التقطت بأفواهها مرة أخرى شيئًا من تلك الأجزاء وذهبت بها إلى بيوتها ووضعتها هناك؛ لأنها تحاول أن تدخر لنفسها غذاءها، فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شيء كثير فذاك هو العسل، ومن الناس من يقول: إن النحل تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق المعطرة أشياء، ثم إنه تعالى يقلب تلك الأجسام في داخل بدنها عسلًا، ثم إنها تقيء مرة أخرى فذاك هو العسل، والقول الأول أقرب إلى العقل وأشد مناسبة إلى الاستقراء»135.

      ثانيًا: من نعم إنبات الزرع والثمار أنها طعام للحيوان:

      ذكر الله سبحانه وتعالى صورًا من النعم التي أنعم بها على الإنسان والحيوان، منها إنبات أصناف مختلفة من الزروع والثمار ليأكل منها الإنسان، ويرعى أنعامه، فقال جل شأنه: ( ﭴﭵ ) [طه:٥٣٥٤].

      وقد ذكر الإمام الرازي رحمه الله طرفًا من فوائد الأرض ما فيها من النبات المختلف ألوانه وأنواعه ومنافعه، وإليه الإشارة بقوله: ( )[ق:٧].

      فاختلاف ألوانها دلالة، واختلاف طعومها دلالة، واختلاف روائحها دلالة؛ فمنها قوت البشر، ومنها قوت البهائم، كما قال: ( )136.

      وأكل الحيوان للنبات قد يكون جافًا وقد يكون أخضر، وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى ذلك بقوله: ( ) أي: شيء لطعامكم وفاكهتكم، وشيء لأنعامكم لأقواتها خضرًا ويابسًا137.

      ثالثًا: تشبيه حياة الكفار بحياة الأنعام في الأكل.

      قال الله تعالى: ( ﭜﭝ ) [محمد: ١٢].

      وقد سبق ذكر جامع الشبه بين الكفار وبين الأنعام في الحياة المجردة عن الأهداف والغايات، والتي هي فقط مجرد حياة أكل وشرب.

    آداب الأكل

    • للأكل آداب تحدث عنها القرآن الكريم نتناولها فيما يأتي:

      ١. تحري الطيب من المأكولات.

      أمر الله تعالى عباده بتحري طيب المطعم والابتعاد عن خبيثها، والطيب والخبث أعم من أن يكونا حسيين، بل يشمل ذلك الحسي والمعنوي، وقد أمر الله تعالى أنبياءه ورسله بالأكل من الطيبات، والأمر لهم أمر لأمتهم أيضًا.

      كذلك أمر الله تعالى الناس عامة بتحري الطيب، وكذ أمر أصنافًا من الناس بتحري طيب المطعم، فأمر المؤمنين بالأكل من الطيب، وأمر بني إسرائيل كذلك، وذلك على النحو التالي:

    1. جاء في شأن الرسل والأنبياء قول الله تعالى: ( ﮧﮨ ) [المؤمنون:٥١].
    2. وجاء في شأن الناس جميعًا قول الله تعالى: ( ﯲﯳ ) [البقرة: ١٦٨].
    3. ومما جاء في شأن المؤمنين قول الله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [البقرة: ١٧٢].
    4. وجاء في شأن بني إسرائيل قوله: ( ﯨﯩ ﯮﯯ ) [البقرة: ٥٧].

      وقوله جل شأنه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ) [الأعراف: ١٦٠].

      وقوله جل ثناؤه: ( ﮌﮍ ) [طه: ٨١].

      والناظر لهذه المواضع الثلاثة يجد أنها جاءت في معرض تعداد النعم التي أنعم الله عز وجل بها على بني إسرائيل.

      ٢. الأكل مما ذكر اسم الله عليه.

      أمر الله تعالى المؤمنين بالأكل مما سمي اسم الله عليه، وحذرهم مما لم يسم عليه، مبينًا لهم أنه فسق، وأنه من عمل الشيطان، فقال تعالى: ( ﮉﮊ ﮐﮑ ) [الأنعام:١٢١].

      أخرج الطبري عن عكرمة قال: «كان مما أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الإنس: كيف تعبدون شيئًا لا تأكلون مما قتل، وتأكلون أنتم ما قتلتم؟ فروي الحديث حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ( )».

      وفي رواية: «أن ناسًا من المشركين دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت، من قتلها؟ فقال: الله قتلها. قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلالٌ، وما قتله الله حرام! فأنزل الله: ( ) »138.

      ٣. تجنب الإسراف في الأكل.

      جاء النهي عن الإسراف في القرآن الكريم صريحًا في موضعين كلاهما مرتبط بالأكل.

      الأول: في آية زكاة الرزوع والثمار.

      قال تعالى: ( ﭜﭝ ) [الأنعام:١٤١].

      والثاني: في معرض إباحة التنعم بنعم الله تعالى من الملبس والمأكل والمشرب، وذلك في قوله: ( ﭜﭝ ) [الأعراف:٣١].

      قال البقاعي: «أمر بكسوة الباطن بالطعام والشراب لتوقف القدرة عادة عليها فقال: ( ) وحسن ذلك أن بعضهم كان يتدين في الحج بالتضيق في ذلك، ولما أمر بالملبس والمطعم، نهى عن الاعتداء فيهما فقال: ( ) بوضع شيء من ذلك فيما لا يكون أحق مواضعه -ولو بالزيادة على المعاء (جمع معي)- ومن ذلك أن يتبع السنة في الشرب فيسير؛ لأن العكر يرسب في الإناء فربما أذى من شربه، ولذلك نهى عن النفس في الإناء، وأما الطعام فليلعق الأصبع لنيل البركة وهو أنظف، ثم علل ذلك بقوله: ( ) أي: لا يكرمهم، ولا شك أن من لا يحصل له شيءمن الخير فيحيط به كل شر، ومن جملة السرف الأكل في جميع البطن، والاقتصاد الاقتصار على الثلث»139.

      وجاء ذم التبذير على جهة العموم والتقبيح من صنيع فعل المبذرين في قول الله تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الإسراء: ٢٦-٢٧].

      وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسرافٍ ولا مخيلةٍ)140.

      والأحاديث والآثار في النهي عن الإسراف كثيرة في كتب السنة.

      ٤. شكر المنعم سبحانه وتعالى.

      شكر المنعم سبحانه وتعالى فرض على كل مكلف كما ذهب إليه كثير من العلماء141.

      وقد ورد الأمر به في القرآن الكريم مرارًا لا سيما في المواضع التي فيها ذكر النعم من المأكل والمشرب.

      قال تعالى: (M ﭿ ) [البقرة: ١٧٢].

      وقال جل شأنه: ( ) [النحل: ١١٤].

    أثر الأكل على العبد

    1. لللأكل آثار حسية ومعنوية على العبد نتناولها فيما يأتي:

      أولًا: المأكولات الطيبة:

      تترك المأكولات الطيبة أثرًا حسنًا حسيًا ومعنويًا، ومن تلك الآثار:

      ١. المأكولات الطيبة سبب لاستجابة الدعاء.

      إن أكل الطعام الطيب الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجبٌ لإجابة الدعاء، والتوسع في الحرام أكلًا وشربًا ولبسًا وتغذيةً يمنع استجابة الدعاء142.

      فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ( ﮧﮨ)، وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر: أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!)143.

      وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) [البقرة:١٦٨].

      فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به)144.

      قال ابن رجب الحنبلي: «ومن أعظم ما يحصل به طيبة الأعمال للمؤمن طيب مطعمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عمله، وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله، وبعد ذكره لنص الحديث قال: والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالًا، فالعمل صالح مقبولٌ، فإذا كان الأكل غير حلالٍ، فكيف يكون العمل مقبولًا؟ وما ذكره بعد ذلك من الدعاء، وأنه كيف يتقبل مع الحرام، فهو مثالٌ لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام»145.

      ٢. أن أكل الحلال وطيب المطعم أعون للمرء على العمل الصالح، وعلى الطاعة، وأن العمل الصالح لابد أن يكون مسبوقًا بأكل الحلال146.

      قال ابن كثير: «يأمر تعالى عباده المرسلين، عليهم الصلاة والسلام أجمعين، بالأكل من الحلال، والقيام بالصالح من الأعمال، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح، فقام الأنبياء، عليهم السلام، بهذا أتم القيام. وجمعوا بين كل خير، قولًا وعملًا ودلالة ونصحًا، فجزاهم الله عن العباد خيرًا»147.

      وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع خلالٍ إذا أعطيتهن فلا يضرك ما عزل عنك من الدنيا: حسن خليقةٍ، وعفاف طعمةٍ، وصدق حديثٍ، وحفظ أمانةٍ)148.

      ٣. المأكولات الطيبة عنصر لنمو الجسد وصحته وسلامته.

      وهذه لا تحتاج لبرهان، فإن الشارع الحكيم حين أمرنا بتناول الطيبات وتجنب الخبائث، فنظرًا لما في الطيب من مزايا النفع للبدن، وسلامته من الأمراض، والمحافظة على صحة الإنسان؛ ولهذا نجد أن الشرع قد أمر الصائم بالإفطار على الطعام الطيب مثل: التمر واللبن ونحو ذلك مما فيه نفع للبدن وتقويته بعد الضعف الذي لحقه خلال الصيام.

      ثانيًا: المأكولات الخبيثة:

      للمأكولات الخبيثة آثار سيئة على النفس، وهذه الآثار لا تتوقف على جانب واحد، ولا على شخص واحد، فهي تضر بالبدن ضررًا حسيًّا ومعنويًّا.

      ١. المأكولات الخبيثة تضر بالجسم.

      من حكمة الله تعالى أن حرم علينا تناول المأكولات الخبيثة؛ نظرًا لما تجلبه على الجسم من أضرار وأخطار، ولعل أبرز ما ورد في القرآن من الأطعمة الخبيثة: الميتة والدم ولحم الخنزير.

      قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٣].

      وهذه الثلاثة جامعة لطائفة من الأضرار والأمراض الفتاكة ما يعترف به الجميع قديمًا وحديثًا، ويكفي أن أشير هنا بإيجاز إلى طرف من هذه الأضرار:

    1. أن التغيرات التي تحدث بعد موت الحيوان من ترسب الدم في جسمه بما يسمى في الطب بـ «الزرقة الجيفية» وتكون الأحماض بعدها، مما ينشأ عنه تكون الجراثيم الهوائية واللاهوائية، التي تؤدي إلى تعفن الحيوان وتكون روائح كريهة وآثار سامة تضر بجسم الإنسان إذا تناول الميتة149.
    2. أن الحيوان قد يكون مات بسبب مرض معين، فيخشى من انتقال هذا المرض للإنسان.
    3. أن الخنزير جمع من الأضرار والمفاسد والخبائث ما لا يخفى على عاقل، وأن هذه الأضرار تطال كل أجهزة جسم الإنسان، وبعضها تظهر سريعًا على آكل الخنزير، وبعضها تكمن وتتراكم في البدن.

      ٢. المأكولات الخبيثة تؤدي إلى فساد الأعمال والطاعات.

      وقد سبق ذكر قول النبي عليه السلام «والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا»150.

      وقال الغزالي نقلًا عن أحد العلماء: «إذا صمت يا مسكين فانظر عند من تفطر، وعلى أي شيء تفطر، فإن العبد ليأكل أكلة فينقلب قلبه عما كان عليه ولا يعود إلى حالته الأولى، فالذنوب كلها تورث قساوة القلب وتمنع من قيام الليل وأخصها بالتأثير تناول الحرام؛ وتؤثر اللقمة الحلال في تصفية القلب وتحريكه إلى الخير ما لا يؤثر غيرها، ويعرف ذلك أهل المراقبة للقلوب بالتجربة بعد شهادة الشرع له؛ ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة، وكم من نظرة منعت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة»151.

      ٣. المأكولات الخبيثة تمنع استجابة الدعاء.

      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ( ﮧﮨ)، وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر: أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟)152.

      وهذا لا شك أنه مما يخيف المؤمن؛ لأن حاجته للدعاء أعظم حاجة، فدل هذا على أن إطابة المطعم من أعظم أسباب إجابة الدعاء، وأنه إذا تخلف هذا السبب ولو وجدت الأسباب الأخر فإنها لا تجاب الدعوة غالبًا لقوله: (فأنى يستجاب لذلك).

      ٤. الأجساد النابتة من المأكولات الخبيثة مصيرها النار.

      جاء في تفسير قول الله تعالى: ( ﭔﭕ) [المائدة:٤٢].

      أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به)153.

      فالأكل إذا كان طيبًا كان البدن طيبًا، وسلم من العذاب، وإذا تغذى البدن على حرام كان البدن آثمًا أو نجسًا.

      موضوعات ذات صلة:

      الحرام، الحلال، الحيوان، الشرب، الطعام، النبات


1 لسان العرب، ابن منظور ١١/١٩.

2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٢١٦.

3 التعريفات ص٥٠.

4 التوقيف، المناوي ص٨٥.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣٥،٣٦، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٦٦-٦٨.

6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١١١-١١٢، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ١/٩٨-١٠٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/٨١-٨٢.

7 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر رضي الله، رقم ٢٤٧٣.

8 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٦٣.

9 لسان العرب، ابن منظور ١/٤٧٨.

10 معجم المصطلحات الطبية ٢/٦٩.

11 كشاف القناع، البهوتي٦/١٨٩.

12 الحاوي الكبير، ١٥/١٣٦ بتصرف يسير.

13 انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل ٣/٢٦، كشاف القناع، البهوتي ٦/١٨٩.

14 مفاتيح الغيب، الرازي ١/١٦٠٨.

15 شرح الخرشي على مختصر خليل ٣/٢٦.

16 المغني، ابن قدامة ١١/٨٣.

17 الذكاة: إنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور والعقر في غير المقدور عليه، مقرونًا ذلك بنية القصد إليه، وذكر الله تعالى عليه، وهي تشمل أربعة أنواع: الذبح، والنحر، والعقر، وما يموت به مما ليس له نفس سائلة.

انظر: أحكام القرآن، ابن العربي٢/٥٤١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٥٣.

18 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٩٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٨٩١.

19 حكم تناول الميتة، صالح الفوزان، مجلة البحوث الإسلامية ٩/٢٠٤.

20 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٢١.

21 الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة، محمد سليمان الأشقر، مجلة مجمع الفقه١٠/٢٦٤.

22 انظر: حكمة وأسباب تحريم لحم الخنزير في العلم والدين، سليمان قوش ص١٩-٢٢.

23 الروضة الندية، القنوجي ٢/٢٦٢.

24 انظر: حكمة وأسباب تحريم لحم الخنزير في العلم والدين، سليمان قوش ص٢١، والطبيب هو لي شن تشن ويعد من أشهر أطباء الصين له كتاب في الطب حوالي ٥٠ مجلدًا اسمه المواد الطبية.

25 أخرجه الطبري في تفسيره ٩/٥٠٩.

26 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٧٧.

27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب ما ذبح على النصب والأصنام، رقم ٥٤٩٩.

28 عمدة القاري، العيني ٢١/١٣٥.

29 المصدر السابق.

30 المصدر السابق.

31 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٢١.

32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، رقم٥٥٣٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، باب أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، رقم ٥١٠٣، عن أبي ثعلبة الخشني.

33 المجموع، النووي ٩/١٢.

34 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢١/٥٨٥.

35 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٢١.

36 انظر: تحفة الفقهاء، السمرقندي ٣/٦٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٢١، الحاوي الكبير، الماوردي ١٥/١٤٥، المغني، ابن قدامة ١١/٦٦، كشاف القناع، البهوتي ٦/١٩٠.

37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، باب أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، رقم ٥١٠٥.

38 حاشية ابن عابدين ٦/٣٠٤.

39 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١١٨.

40 المصدر السابق.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قوله تعالى: (أن النفس بالنفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، رقم١٦٧٦، عن ابن مسعود رضي الله عنه.

42 الجامع لأحكام القرآن ٧/١١٦.

43 أعلام الموقعين، ٢/١٧٣ بتصرف.

44 معاني القرآن، النحاس ٣/٩٠.

45 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/١٦٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٤٨، الدر المنثور، السيوطي ٣/٥٨٢.

46 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٨٤.

47 انظر: البحر الرائق، ابن نجيم ١/٨٣، بدائع الصنائع، الكاساني ٥/٦١.

48 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأطعمة، باب ما لم يذكر تحريمه، ٣/٣٥٤، رقم ٣٨٠٠، والترمذي في سننه، أبواب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، ٤/٢٢٠، رقم ١٧٢٦.

ورجح الترمذي وقفه على سلمان رضي الله عنه.

49 حاشية ابن عابدين ٦/٣٠٦.

50 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٠٠، البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٥٥٥.

51 انظر: الأم، الشافعي ٢/١٧٤.

52 المغني، ابن قدامة ١١/٧٨، شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/٤٠٧.

53 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٢١٣.

54 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٤/٢٢٩.

55 تفسير السمرقندي ٣/٥٢٦.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١١١.

57 تفسير مجاهد٢/٧٣١.

58 لسان العرب، ابن منظور ١/٢٨٩.

59 انظر: مواهب الجليل، الحطاب ٦/١٩٨، الفواكه الدواني، النفراوي ٣/١٠٩١.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيع، باب بيع التمر بالتمر، رقم٢١٧٠.

61 وذلك كما في سورة الأنبياءآية ٤٧، وسورة لقمان آية ١٦.

62 الذبائح واللحوم بين الحلال والحرام، علاء الدين مرشدي ص٦٤ بتصرف.

63 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٥٦.

64 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٤٥٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٧٧.

65 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٤٥٦، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٧٧، معاني القرآن، النحاس ٢/٢٤٨.

66 معاني القرآن، الفراء ١/٢٧٤.

67 انظر: الذبائح واللحوم بين الحلال والحرام ص٣٠-٣٥.

68 انظر: الأطعمة وأحكام الصيد، الفوزان ص٣٣.

69 انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد ١/٣٤٠، المغني، ابن قدامة
١١/٦٦، الأطعمة وأحكام الصيد، الفوزان ص٣٩.

70 انظر: الأطعمة وأحكام الصيد، الفوزان ص٤٠.

71 أحكام القرآن، الجصاص ٤/١٨٩، المبسوط، السرخسي ١١/٤١٨، المغني، ابن قدامة ١١/٧٦.

72 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٧٦، أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣، بدائع الصنائع، الكاساني ٥/١٨، مغني المحتاج، الشربيني ٤/٢٩١، كشاف القناع، البهوتي ٦/١٩٠، المحلى، ابن حزم ٧/٤٠٦.

73 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣، المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٣/٩٥، بدائع الصنائع، الكاساني ٥/٣٩، مواهب الجليل، الحطاب ١/١٧٢.

74 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٧٨، الحاوي الكبير، الماوردي ١٥/١٤٤، المحلى، ابن حزم ٧/٤٠٨.

75 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٤٧٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٧٧.

76 انظر: المجموع، النووي ٩/٢، مغني المحتاج، الشربيني ٤/٢٩٩، المغني، ابن قدامة ١١/٦٦، المجموع، النووي ٩/٩، بدائع الصنائع، الكاساني ٢/١٩٨، أحكام القرآن، ابن العربي٥/١٥٨، المحلى، ابن حزم ٧/٣٩٧.

77 انظر: المجموع، النووي ٩/٩، وحكي عن الشافعي قوله: ما زال الناس يأكلون الضبع ويبيعونه بين الصفا والمروة.

78 انظر: المحلى، ابن حزم ٧/٣٩٧، المجموع، النووي ٩/٩.

79 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٨.

80 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/١٠١.

81 جامع البيان، الطبري ١١/٥٧-٦٠.

82 انظر: معاني القرآن، النحاس ٢/٣٦٤، تفسير السمرقندي ١/٤٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٨.

83 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٤١.

84 انظر: المصدر السابق.

85 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/١٠٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٨٩.

86 انظر: الشرح الكبير، الدردير ٢/١١٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٩، مغني المحتاج، الشربيني ٤/٢٢٧.

87 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٩.

88 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوضوء، باب الوضوء بماء البحر، رقم٨٣، والترمذي في سننه، أبواب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، رقم٦٩، والنسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب ماء البحر، رقم٥٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الوضوء، باب الوضوء بماء البحر، رقم٣٨٦.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

89 انظر: المغني، ابن قدامة ١١/٨٣، شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/٤١١.

90 انظر: شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/٤١١، الأطعمة وأحكام الصيد، الفوزان ص٨٧.

91 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/١٣٣، بدائع الصنائع، الكاساني ٥/٣٦.

92 مغني المحتاج، الشربيني ٤/٢٩٧.

93 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٨.

94 انظر: الحاوي الكبير، الماوردي ١٥/٦٣، المجموع، النووي ٩/٣٢.

95 انظر: مغني المحتاج، الشربيني٤/٢٩٩.

96 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١/٢٨، لوامع الأنوار البهية، السفاريني ١/٤٤٧.

97 تفسير عبد الرزاق الصنعاني ١/٣٠٥.

98 تفسير القرآن، السمعاني ٤/١٢.

99 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٧.

100 حقائق التفسير ٢/٥٩.

101 جامع البيان، الطبري ١/٥١٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١١٠.

102 انظر: الأشباه والنظائر، السيوطي ص٨٤، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص٨٦.

103 الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٥.

104 جامع البيان، الطبري ٧/٥٨٠.

105 انظر: تفسير القرآن، عبد الرزاق الصنعاني ١/١٤٦، جامع البيان، الطبري ٧/٥٨٠.

106 أخرجه الطبري في تفسيره ٧/٥٨٦.

107 معاني القرآن، النحاس ٤/١٥٣.

108 أخرجه الطبري في تفسيره ٧/٥٨٦.

109 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/٢٥٩، معالم التنزيل، البغوي ٢/١٦٨، لباب التأويل، الخازن١/٤٨١.

110 الجامع لأحكام القرآن، ٥/٢٦ بتصرف.

111 جامع البيان، الطبري ٤/٣٥٠.

112 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/١٦٣.

113 المصدر السابق.

114 انظر: المصدر السابق ٢٨/٣٣.

115 زاد المسير، ابن الجوزي ٧/٤٠٠.

116 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٩٩.

117 انظر: مفاتيح الغيب، ١/٢٦٠.

118 انظر: جامع البيان، ١٩/٢٢٢.

119 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص٢٤٨، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٥٥٣.

120 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/١٢٢.

121 جامع البيان، الطبري٢٠/٣٠٦.

122 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٣٠٦، معاني القرآن، النحاس ٥/٣٧١.

123 جامع البيان، الطبري٢٠/٣٠٥.

والبيت للحطيئة.

انظر:رسالة الملائكة، المعري ص٢٤٢.

124 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم)، رقم٤٧٩٢، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، رقم ٣٥٧٨.

125 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٩٧، مفاتيح الغيب، الرازي ١/٢٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٦.

126 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، رقم ١٠٣٥.

127 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر الجن، رقم ٣٨٦٠.

128 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام، رقم ٣٧٧٠، وأخرجه الطبراني في الكبير، ١/٢٩٢، رقم ٨٥٥، والحاكم في المستدرك، ٤/١٢١، رقم ٧٠٨٩.

وصححه الحاكم، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، ٧/٢٦، لأن في إسناده راويًا مجهولًا.

129 آكام المرجان في أحكام الجان، الشبيلي ص٣٣.

130 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١٠٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٥٦.

131 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١٠٠.

132 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٦.

133 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٤٠٨، مفاتيح الغيب، الرازي٢٠/٢٣٨.

134 انظر: الكشف والبيان، النيسابوري ٦/٢٨، البحر المحيط، أبو حيان٥/٤٩٦.

135 مفاتيح الغيب ٢٠/٢٣٨.

136 المصدر السابق ٣/٣١٩.

137 تفسير القرآن العظيم ٥/٢٩٩.

138 أخرجه الطبري في تفسيره ١٢/٧٨، ٨٠.

139 نظم الدرر، ٣/٢٥.

140 أخرجه البخاري تعليقًا في صحيحه، كتاب اللباس باب قول الله تعالى: (قل من حرم زينة الله).

141 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/١٢١.

142 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ص١٠٧.

143 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم ٢٣٩٣.

144 أخرجه الطبراني في الأوسط ٦/٣١٠، رقم ٦٤٩٥.

وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ٤/٢٩٢، رقم ١٨١٢.

145 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ص١٠٠.

146 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٩١.

147 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٧٧.

148 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، كتاب حسن الخلق، باب حسن الخلق إذا فقهوا، رقم ٢٨٨.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٧٣٣.

149 انظر: الوقاية الصحية في الإسلام، وادع الثبيتي، مجلة البحوث الإسلامية، ٧١/٢٦٣.

150 سبق تخريجه.

151 إحياء علوم الدين ١/٣٥٦.

152 سبق تخريجه.

153 سبق تخريجه.