عناصر الموضوع
الاضطرار
أولًا: المعنى اللغوي:
الاضطرار: الاحتياج إلى الشيء، يقال: اضطر فلانٌ إلى كذا، من الضرورة، وقد اضطره إليه أمرٌ، ورجلٌ ذو ضارورةٍ وضرورةٍ، أي: ذو حاجةٍ، وقد اضطر فلان إلى الشيء: أي ألجئ إليه، والضرورة اسمٌ لمصدر الاضطرار، تقول: حملتني الضرورة على كذا وكذا1.
إذن فالاضطرار يدور معناه حول دنو الضيق والحاجة.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب الأصفهاني: «الاضطرار: حمل الإنسان على ما يضره»2.
وقال الجرجاني: «الضرورة: مشتقة من الضرر، وهو النازل مما لا مدفع له»3.
وهي عند الفقهاء: «بلوغ الإنسان حدًا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعًا أو عريانًا لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم»4.
وخلاصة القول: إن المتدبر في المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد اتصالًا وثيقًا بينهما، حيث إن المعنى الاصطلاحي هو أن الاضطرار يعني وصول الإنسان إلى درجة من الضيق واللجوء إلى مكروه، وهذا مرتبط بمعناه في اللغة الذي هو متمثلٌ في دنو الضيق والحاجة.
وردت مادة (اضطر) في القرآن (٨) مرات 5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٥ |
(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [البقرة:١٧٣] |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [لقمان:٢٤] |
اسم مفعول |
١ |
(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النمل:٦٢] |
وجاء الاضطرار في القرآن على معناه اللغوي: الحاجة، والضرورة، والإلجاء 6.
الحاجة:
الحاجة لغةً:
«الحاء والواو والجيم أصلٌ واحد، وهو الاضطرار إلى الشيء، فالحاجة واحدة الحاجات، والحوجاء: الحاجة، ويقال أحوج الرجل: احتاج، ويقال أيضًا: حاج يحوج بمعنى: احتاج»7.
الحاجة اصطلاحًا:
تعريف أحمد كافي: «ما يحتاجه الأفراد أو تحتاجه الأمة للتوسعة ورفع الضيق إما على جهة التأقيت أو التأبيد فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة وقد تبلغ مبلغ الفساد المتوقع في الضرورة»8.
الصلة بين الحاجة والاضطرار:
أن الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي أقل من الاضطرار، ومرتبتها أدنى منها، كما لا يتأتى الهلاك بفقدها9.
قال الزحيلي: «الضرورة: ما يترتب على عصيانها خطر، أما الحاجة: فهي ما يترتب على عدم الاستجابة إليها عسر وصعوبة»10.
المشقة:
المشقة لغةً:
يقال: شق عليه الشيء يشق شقًا ومشقة إذا أتعبه، فهي تعني الجهد والعناء والشدة والثقل11.
المشقة اصطلاحًا:
قال الراغب: «الانكسار الذي يلحق النفس والبدن»12.
الصلة بين المشقة والاضطرار:
يتبين أن الاضطرار أعلى درجات المشقة.
الرخصة:
الرخصة لغة:
من رخص الراء والخاء والصاد أصل واحد، والرخصة مفرد وجمعها رخص ورخصات، والمقصود بها التيسير واللين والتسهيل والإذن في عمل ما13.
الرخصة اصطلاحًا:
تغيير الحكم الأصلي إلى حكم آخر أيسر منه لوجود عارض معين14.
وقال الجرجاني: «اسمٌ لما استبيح بعذر مع قيام الدليل المحرم»15.
الصلة بين الرخصة والاضطرار:
يتبين أن الأخذ بالرخصة لا يكون إلا مع الاضطرار، فلا يؤخذ بالرخصة إلا إذا كان الإنسان مضطرًا.
العزيمة:
العزيمة لغةً:
قال ابن فارس: «العين والزاء والميم أصلٌ واحد صحيحٌ يدل على الصريمة والقطع، يقال: عزمت أعزم عزمًا، ويقولون: عزمت عليك إلا فعلت كذا، أي: جعلته أمرًا عزمًا، أي: لا مثنوية فيه»16.
العزيمة اصطلاحًا:
ذكر الغزالي أنها: «عبارةٌ عما لزم العباد بإيجاب الله تعالى»17.
الصلة بين العزيمة والاضطرار:
لا شك أن الإنسان المضطر إذا أخذ بالعزيمة فإنه يعرض نفسه للهلاك، ولذلك يضطر إلى الرخصة.
الإكراه:
الإكراه لغةً:
يقال: أكرهته، أي:حملته على أمرٍ هو له كارهٌ، والكره (بالفتح): المشقة، وبالضم: القهر، وقيل العكس، وأكرهته على الأمر إكراهًا: حملته عليه قهرًا. يقال: فعلته كرهًا «بالفتح» أي: إكراهًا»18.
الإكراه اصطلاحًا:
الإكراه حمل الغير على ما يكرهه بالوعيد الشديد19.
الصلة بين الإكراه والاضطرار:
لا شك أن الإنسان المكره هو مضطر فالإكراه صورة من صور الاضطرار.
الحرج:
الحرج لغةً:
بمعنى الضيق، يقال: حرج الرجل: أثم، وصدرٌ حرجٌ: ضيقٌ، ورجلٌ حرجٌ: آثمٌ، ويقال: تحرج الإنسان تحرجًا، أي: فعل فعلًا جانب به الحرج20.
الحرج اصطلاحًا:
ذكرت الموسوعة الفقهية الكويتية في تعريفه: «أنه يطلق على كل ما تسبب في الضيق، سواءٌ أكان واقعًا على البدن، أم على النفس، أم عليهما معًا»21.
الصلة بين الحرج والاضطرار:
تعد حالة الاضطرار من أعلى أنواع الحرج الموجبة للتخفيف.
اعتبار الاضطرار في القرآن الكريم
يقتضي الحديث في هذا المطلب عن ذكر أدلة اعتبار الاضطرار في القرآن الكريم، بالإضافة إلى الحديث عن الحكمة من تذييل آيات الاضطرار بالمغفرة والرحمة.
أولًا: أدلة اعتبار الاضطرار في القرآن الكريم:
إن مما جعل لموضوع الاضطرار اعتبارًا في الشريعة الإسلامية مجموعة من آيات القرآن الكريم وهي كما يأتي:
ويلاحظ على هذه الآيات القرآنية أنها مدنية من جهة، كما أنها وردت في باب المحرمات من الأطعمة من جهة أخرى.
ثانيًا: حكمة تذييل آيات الاضطرار بالمغفرة والرحمة:
لقد ورد تذييل آيات الاضطرار بالمغفرة والرحمة (ﮥ ﮦ) في بضع آيات من القرآن الكريم، وقد يتساءل البعض تساؤلًا مفاده: ما هي علاقة المغفرة والرحمة في مثل هذه المواضع، فالمغفرة والرحمة تقتضيان ذنبًا فعله صاحبه ثم يتوب، ومن ثم يقبل الله عز وجل توبته فينعم الله تعالى عليه بالمغفرة والرحمة، فمثلًا في قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [البقرة:١٧٣].
فما ذكر في الآية من تحريم الأطعمة الآتية:
هذا كله من شرع الله عز وجل الذي يجب تنفيذه والالتزام به، وبعد هذا يذكر الله جل جلاله أن الميتة لا تحل إلا عند الضرورة، وهذا شرعه تعالى أيضًا، والإنسان المضطر حين يأخذ مما حرم عليه سابقًا على قدر ضرورته، فإن هذا هو إباحةٌ من الحق سبحانه وتعالى، فأين الذنب الذي ارتكبه المضطر ليستحق بها المغفرة والرحمة من الله عز وجل؟!
وللإجابة عن هذا التساؤل.
قال الإمام الرازي: «والجواب: من وجوه أحدها: أن المقتضي للحرمة قائم في الميتة والدم، إلا أنه زالت الحرمة لقيام المعارض، فلما كان تناوله تناولًا لما حصل فيه المقتضي للحرمة عبر عنه بالمغفرة، ثم ذكر بعده أنه رحيم، يعني لأجل الرحمة عليكم أبحت لكم ذلك، وثانيها: لعل المضطر يزيد على تناول الحاجة، فهو سبحانه غفورٌ بأن يغفر ذنبه في تناول الزيادة، رحيمٌ حيث أباح في تناول قدر الحاجة، وثالثها: أنه تعالى لما بين هذه الأحكام عقبها بكونه غفورًا رحيمًا؛ لأنه غفورٌ للعصاة إذا تابوا، رحيمٌ بالمطيعين المستمرين على نهج حكمه سبحانه وتعالى»23.
وقال ابن عادل: «فإن قيل: قوله تبارك وتعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ) يناسب أن يقال بعده: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) فإن الغفران، إنما يذكر عند حصول الإثم، فالجواب من وجوه:
أحدها: أن المقتضي للحرمة قائم في الميتة والدم إلا أنه زالت الحرمة؛ لقيام المعارض، فلما كان تناوله تناولًا لما حصل فيه المقتضي للحرمة، عبر عنه بالمغفرة، ثم ذكر بعده أنه (ﮦ)، يعني: لأجل الرحمة عليكم، أبحت لكم ذلك.
وثانيها: لعل المضطر يزيد على تناول قدر الحاجة.
وثالثها: إن الله تعالى، لما بين هذه الأحكام، عقبها بقوله تعالى: (ﮥ) للعصاة، إذا تابوا، (ﮦ) بالمطيعين المستمرين على منهج الحكمة»24.
قال ابن عاشور: «وقوله: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) تذييل قصد به الامتنان، أي: إن الله موصوف بهذين الوصفين فلا جرم أن يغفر للمضطر أكل الميتة؛ لأنه رحيم بالناس، فالمغفرة هنا بمعنى التجاوز عما تمكن المؤاخذة عليه لا بمعنى تجاوز الذنب، ونحوه ... ومعنى الآية: أن رفع الإثم عن المضطر حكم يناسب من اتصف بالمغفرة والرحمة»25.
وعليه فإن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنب الذي يحدث من صاحبه بلا مناسبة تستدعيه، فمن باب أولى أن يغفر الله جل جلاله للذي أجبرته ظروف الضرورة على أكل المحرم، فالله تعالى غفورٌ رحيمٌ في الأصل، أفلا يغفر لمن أعطاه رخصة للضرورة التي ألجأته على تناول المحرم؟ فهو جل جلاله غفورٌ رحيمٌ، كتب المغفرة لمن اضطر وكسر قاعدة التحريم عند الاضطرار.
سبق بيان أن الاضطرار: هو الاحتياج الشديد، فالمضطر قد ألجأته الضرورة إلى فعل المحرم.
يقول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المائدة:٣].
ففي هذه الآية سرد الله تعالى مجموعة من الأطعمة المحرمة التي لم يحرمها جل جلاله إلا صيانةً لعباده، وحمايةً لهم من الضرر والخبث الموجود فيها، وهذه المحرمات هي: الميتة وهي التي ماتت بدون ذبح شرعي، وكذلك الدم المسفوح، ولحم الخنزير، والمنخنقة التي ماتت بالخنق، والموقوذة التي ماتت بالضرب، والمتردية الساقطة من علوٍ فماتت، والنطيحة التي نطحتها غيرها فماتت، وإذا ماتت بعض الحيوانات بسبب أكل السبع من أسد أو نمر أو طير مفترس ونحوه، فإنها لا تحل أيضًا، ثم بين الله عز وجل في ختام الآية أنه سبحانه قد أكمل دين الإسلام بتمام النصر، وإكمال الشريعة.
فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فيهما تمام الدين من أصول وفروع، كما أتم سبحانه وتعالى على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، واختار الإسلام واصطفاه لنا دينًا، ثم عاد الله تعالى إلى الحديث عن المحرمات السابقة في أول الآية، فذكر أن من ألجأته الضرورة إلى تناول شيء من هذه المحرمات، وهو في حالة مخمصة أي: في حالة جوع شديد، حتى إن البطن ليضمر من قلة الغذاء الوارد إليه، فمن اضطر فأكل منها فلا إثم عليه؛ لأن الله تعالى غفور رحيم26.
ويقول الله عز وجل أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنعام:١١٩].
فيذكر الأصوليون أن هذه الآية تضمنت استثناء حالة الضرورة حفاظًا على النفس من الهلاك، والاستثناء من التحريم إباحة 27.
هذا وقد بين أبو بكر الجصاص حقيقة الضرورة وذكر أن معناها متمثلٌ في خوف الإنسان المضطر من لحوق الضرر على نفسه، أو على بعض أعضائه إن ترك الأكل، وأوضح أنه يندرج تحت هذا معنيان:
الأول: أن يكون المضطر في وضع لا يجد فيه غير الميتة أو المحرم.
الثاني: أن يكون الحلال موجودًا، ولكنه أكره على تناول المحرم، وذلك بتهديدٍ ووعيدٍ يخاف من جرائه إلحاق الهلاك بنفسه، أو بتلف بعض أعضائه.
وبين الجصاص أن كلًا من المعنيين مراد في الآية لاحتمالهما28.
وقال الإمام ابن عاشور في بيان حقيقة الضرورة وحدها: «هي الحاجة التي يشعر عندها من لم يكن دأبه البغي والعدوان بأنه سيبغي ويعتدي. وهذا تحديدٌ منضبطٌ، فإن الناس متفاوتون في تحمل الجوع ولتفاوت الأمزجة في مقاومته، ومن الفقهاء من يحدد الضرورة بخشية الهلاك ومرادهم الإفضاء إلى الموت والمرض وإلا فإن حالة الإشراف على الموت لا ينفع عندها الأكل، فعلم أن نفي الإثم عن المضطر فيما يتناوله من هذه المحرمات منوطٌ بحالة الاضطرار، فإذا تناول ما أزال به الضرورة فقد عاد التحريم كما كان، فالجائع يأكل من هاته المحرمات إن لم يجد غيرها أكلًا يغنيه عن الجوع، وإذا خاف أن تستمر به الحاجة كمن توسط فلاةً في سفرٍ أن يتزود من بعض هاته الأشياء حتى إن استغنى عنها طرحها؛ لأنه لا يدري هل يتفق له وجدانها مرةً أخرى»29.
ويخلص من هذا إلى أن حقيقة الاضطرار تكمن في خوف المضطر على نفسه من الهلاك، فمن ألجأته الضرورة إلى أكل المحرم، فأكل فلا إثم ولا حرج عليه، كما يجب على المضطر تناول المحرم بمقدار ما يسد به رمقه ويبقيه على قيد الحياة، فيأمن معه الموت لقوله جل جلاله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة:١٩٥].
«فإن ترك المضطر تناول المحرم حتى مات، فقد وقع في المعصية؛ لأنه ألقى نفسه إلى الهلاك، وهذا منهيٌ عنه؛ ولأنه كان قادرًا على إحياء نفسه بما أباحه الله تعالى له، فلزمه ذلك، كما لو كانه معه طعامٌ حلال»30.
للاضطرار صور كثيرة جدًا، لا يمكن حصرها، وقد ذكر القرآن بعض الصور.
ومن تلك الصور التي ذكرها القرآن الكريم:
أولًا: أكل وشرب المحرمات:
الأصل في الأطعمة التي ذكر الاضطرار فيها هو التحريم، ولا تكسر قاعدة التحريم إلا عند الاضطرار، فيباح للمضطر أن يأكل لحم الخنزير وغيره مما لا يحل من الحيوانات من باب المحافظة على الحياة، والصيانة للنفس الإنسانية من الهلاك والموت.
هذا بالإضافة إلى إباحة تناول شرب المحرم كالخمر في حالة الاضطرار.
قال سيد سابق: «كما أجازوا (أي الفقهاء) تناول الخمر في حال الاضطرار، ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق، ولم يجد ما يسيغها سوى الخمر، أو من أشرف على الهلاك من البرد ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة من الخمر، أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت»31.
أما بالنسبة لمسألة التدواي بالخمر وهل يباح للعلاج، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة بين مانع ومجيز. أما من منع فقد استدل بأن الناس كانوا في الجاهلية يتناولون الخمر للعلاج، فلما جاء الإسلام نهاهم عن ذلك وحرمه.
ويؤيد هذا ما ورد عن وائل الحضرمي أن طار بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: (إنه ليس بدواءٍ، ولكنه داءٌ)32.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داءٍ دواءً فتداووا ولا تداووا بحرامٍ)33.
ورجح سيد سابق هذا الرأي34.
أما من أجاز التداوي بالخمر، فقد أجازها في حالة الاضطرار حيث لم يجد المضطر سواها، فعدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام هو شرطٌ للتداوي بالخمر، كما أنه يشترط عدم قصد المتداوي بها اللذة والنشوة، وألا يتجاوز المقدار المحدد له من قبل الطبيب المسلم الثقة، فهذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات للحفاظ على النفس من الهلاك35.
وأما بالنسبة للأدوية المحرمة كالمخدرات مثلًا، فإن الأصل في تعاطيها عن طريق الأكل أو الشرب أو الحقن هو التحريم؛ وذلك لما تحتوي عليه المخدرات من الأضرار الجسيمة، وتعطيل الأعمال، كما أنها باب من أبواب الصد عن ذكر الله تعالى، والقعود عن أداء الطاعات.
ولذلك يقول الله عز وجل: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النساء:٢٩].
وأما التداوي بهذه المخدرات، فإنها تستعمل في مجال الطب لأمرين، وهما:
الأول: استعمال المخدر في العمليات الجراحية، وقد يكون التخدير جزئيًا أو كليًا للمريض، وهذا النوع جائز؛ لأن فيه تفويتًا على المريض للإحساس بالألم الشديد الذي يصيبه أثناء العملية الجراحية، فإباحته من باب الضرورة.
الثاني: استعمال المخدر مع الأدوية الطبية بنسب معينة لتسكين الآلام والأوجاع الشديدة، فهذا جائز ويباح التداوي به للحاجة والحفاظ على النفس من لحوق الضرر بها أو الهلاك، بشرط أن تكون نسبة المخدر في الدواء قليلة، ولا يترتب عليها ضرر أو سكر، فيحصل للمريض به نفع، وكذلك يشترط أن يكون المريض محتاجًا إلى هذا الدواء، ولم يوجد غيره مقامه، وأن الطبيب قد قرر أنه لا بد من تناوله، فيتناوله المريض بقدر الحاجة والضرورة36.
ثانيًا: قتل النفس:
يقول الله عز وجل: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء:٢٩].
ذكر مجموعة من المفسرين أن المراد بقتل النفس الوارد في الآية يقصد به قتل بعضهم بعضًا، وعبر عن ذلك بالنفس؛ لأن المسلمين كلهم كالنفس الواحدة، فإذا قتل أحدهم الآخر فكأنما قتل نفسه37.
وتحتمل الآية أيضًا معنى قتل المرء نفسه، حيث قال ابن عطية: «فأجمع المتأولون أن المقصد بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضها، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل، أو بأن يحملها على غرر ربما مات منه، فهذا كله يتناوله النهي، وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد خوفًا على نفسه منه، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجاجه»38.
ويمكن أن يكون من أنواع الغرر الذي تحدث عنه ابن عطية أن يكون الإنسان في حالة اضطرار وقد أباح له الشرع ما كان محرمًا من الأطعمة أو الأشربة، فإذا قصر في ذلك، ولم يأخذ بالرخصة، فإنه يعرض نفسه للهلاك، فكأنما أصبح هو السبب في قتل نفسه، وقد قال الله عز وجل في موضع آخر: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة:١٩٥].
قال السعدي: «والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سببٌ موصلٌ إلى تلف النفس أو الروح»39.
ثالثًا: التلفظ بالكفر ونحوه:
يقول الله جل جلاله في هذا: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النحل:١٠٦].
والمعنى أن الله تعالى يخبر في هذه الآية عن شناعة حال من كفر بالله عز وجل بعدما أبصر طريق الحق، واهتدى بنوره، ولكنه رجع إلى ما كان عليه من ضلال وغواية، وارتضى بهذا الكفر واطمأن به، فلهم الغضب الشديد.
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: «أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به: أنه قد غضب عليه، لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه، وأن لهم عذابًا عظيمًا في الدار الآخرة؛ لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا، ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق، فطبع على قلوبهم فلا يعقلون بها شيئًا ينفعهم وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها، ولا أغنت عنهم شيئًا، فهم غافلون عما يراد بهم»40.
أما قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)، فقد قال ترجمان القرآن ابن عباس: «نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرًا وأمه سمية وصهيبًا وبلالًا وخبابًا وسالمًا فعذبوهم، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال، فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام. وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهًا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عمارًا كفر، فقال: (كلا، إن عمارًا ملئ إيمانًا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه)، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه، وقال: (إن عادوا لك فعد لهم بما قلت)، فأنزل الله تعالى هذه الآية»41.
ويلاحظ من هذا أن عمار بن ياسر رضي الله عنه كفر بلسانه، ووافق المشركين بلفظه مكرهًا لما ناله من شدة الضرب والأذى، لكن قلبه يأبى ويرفض ما قاله بلسانه، فقلبه مطمئنٌ بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم .
وعليه فإن الإنسان إذا أكره على التلفظ بألفاظ الكفر، فهو في حالة اضطرار، فيجوز له التلفظ بالكفر؛ لأنه لو فعل ما أراده المكره لأدى ذلك إلى قتله وهلاكه، والحفاظ على النفس من الهلاك مقصدٌ من مقاصد الشريعة.
ويخلص من هذا إلى أن إباحة ما كان محرمًا من الأطعمة والأشربة والأدوية، وقتل النفس، والتلفظ بالكفر هي صورٌ لحالة الاضطرار التي ترخص للإنسان المضطر وتبيح له أن يأخذ بها، ويزيل عنه الضرر الحال الذي ألم به.
كما أن للاضطرار حقيقةً وحدًا، فكذلك له شروط وضوابط محددة ليكون العمل بحكم الضرورة شرعيًا، وتفصيل هذه الضوابط فيما يأتي:
أولًا: اليقين أو غلبة الظن بوقوع الضرر:
إن من شروط العمل بهذه الرخصة التي أباح الله عز وجل الأخذ بها للإنسان المضطر أن يكون متيقنًا من وقوع الضرر ولحوقه به، فاليقين هو إدراك الشيء من غير احتماليته لشيء آخر، أما غلبة الظن فهي تحتمل أمرين أحدهما أرجح في نفس المضطر بحسب النظر فيما يظهر له.
قال أبو هلال العسكري: «إن الظن ضرب من أفعال القلوب يحدث عند بعض الأمارات، وهو رجحان أحد طرفي التجوز، وإذا حدث عند أمارات غلبت وزادت بعض الزيادة فظن صاحبه بعض ما تقتضيه تلك الأمارات سمي ذلك غلبة الظن. ويستعمل الظن فيما يدرك وفيما لا يدرك»42.
وهذا الظن يجب أن يكون مبنيًا على النظر في الأدلة الشرعية، والحجج والبراهين والقرائن واستقراء الأحوال، لا ظنًا مبنيًا على الهوى والشهوة ومخالفة النصوص الصحيحة الصريحة، فهذا ظن مذموم لا يجوز الاعتماد عليه، ولهذا الضابط أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ومنها -على سبيل المثال لا الحصر-: قوله جل جلاله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة:١٨٥].
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة:٢٨٦].
وغيرهما الكثير.
ووجه دلالة مثل هذه الآيات تفيد لو أن الإنسان كلف بالوصول إلى درجة اليقين لكلف ما لا يطيق، فيكون هذا من التعسير والوقوع في الحرج، وليس من التيسير.
أما من السنة النبوية المطهرة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم، كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم)43، وقد ورد عن أبي واقدٍ الليثي قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرضٍ تصيبنا بها مخمصةٌ، فما يحل لنا من الميتة؟ قال: (إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بقلًا44، فشأنكم بها)45.
ووجه دلالة مثل هذه الأحاديث أننا مأمورون بمجموعة من الأوامر، وعلينا تنفيذها بقدر استطاعتنا، فما لا يدخل في استطاعتنا فإننا لسنا مطالبين بتنفيذه، فالحصول على درجة اليقين ليس مستطاعًا في كل أمر، فإنه يتعذر، وحيث تعذر فإنه يصار إلى ما هو أخف منه وأقل منه درجة وهو غلبة الظن؛ لأنها هي المستطاعة في كثير من الأمور، وحديث أبي واقد يدل دلالة واضحة على أن المخالفة وارتكاب المحظور لا يتم إلا بعد التيقن والجزم أو غلبة الظن المبني على النظر في الأدلة الشرعية واستقراء الأحوال بحصول الضرر.
وعليه فإنه قد علم في الشريعة من أن الأحكام تناط باليقين والظنون الغالبة، وأنه لا التفات فيها إلى الأوهام والظنون المرجوحة البعيدة46.
وعودةً إلى الشخص المضطر فقد قال الله عز وجل فيه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [النحل:١١٥].
فهذا الفعل على وزن (افتعل)، ومعلومٌ أن الاضطرار حالة خارجة عن سيطرة الإنسان التي يعلم من خلالها اليقين أو غلبة الظن بحصول الضرر، فيشترط في هذه الضرورة أن تكون قائمة وموجودة، ولا ينتظرها صاحبها في المستقبل، فيغلب على ظنه الهلاك على نفسه إن لم يأكل الميتة.
قال الدكتور وهبة الزحيلي: «أي أن يحصل في الواقع خوف الهلاك على النفس أو المال بغلبة الظن بحسب التجارب، أو التحقق من خطر التلف، لو لم يأكل، ويكفي في ذلك الظن، كما في الإكراه على أكل الحرام، فلا يشترط فيه التيقن ولا الإشراف على الموت، بل لو انتهى إلى هذه الحالة لم يفد الأكل ولم يحل الأكل كما صرح الشافعية»47.
ثانيًا: تعذر الوسائل المباحة في إزالة الضرر:
إذا كانت الوسائل المشروعة والمباحة في إزالة الضرر متعذرة، ولم يبق إلا الوسيلة المحظورة، فإنه حينئذٍ يتعين على الشخص المضطر ارتكاب المحظور كوسيلة لدفع هذا الضرر الواقع، وفي المقابل يفهم أنه إذا أمكن إزالة هذا الضرر بوسيلة مشروعة امتنع ارتكاب الوسيلة المحظورة.
وهذا يفهم من عموم قوله عز وجل: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن:١٦].
والحاجة الشديدة الملحة التي ليس لها دافع مشروع يدفعها إنما تتأتى وتتحقق بتعذر جميع الوسائل المباحة.
وذكر الإمام الطبري في تفسير هذه الآية قوله: «واحذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه، وتجنبوا عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، والعمل بما يقرب إليه ما أطقتم وبلغه وسعكم»48.
كما ذكر أيضًا أن هذه الآية هي ناسخة لقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران:١٠٢]، تخفيفًا عن المسلمين.
ونقل عن قتادة قوله: «قوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده. وكان الله جل ثناؤه أنزل قبل ذلك (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم خفف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنزل الرخصة بعد ذلك فقال: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) فيما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطعتم»49.
ثالثًا: ارتكاب أخف الضررين:
يتمثل هذا الضابط في أن الإنسان إذا ألمت به ضرورة، فإنه يجب عليه إزالة هذا الضرر الواقع به، فلا يزال بضرر مماثل له؛ لأن الضرر حينئذٍ باقٍ على ما هو عليه، ولم يزل، وكذلك لا يزال بضرر أكبر منه؛ لأنه سوف يكون من باب جلب المفاسد، والمفسدة في هذه الحالة أكبر من المصلحة، والمطلوب هو درء المفاسد بإزالة الضرر الواقع، وليس زيادته50.
وعليه فإنه يجب أن يراعى في إزالة الضرر إزالته بضرر أخف منه، فالمصلحة في هذه الحالة أكبر وأعظم من المفسدة، فإن الإنسان المضطر إلى أكل الميتة مثلًا أمامه ضرران هما:
الأول: هلاك نفسه، وقد قال الله جل جلاله: (ﭹ ﭺ ﭻﮊ ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النساء:٢٩].
وهو ضرر كبير وعظيم.
الثاني: تناول المحظور، وهو ضرر أدنى وأخف من الأول، فيأخذ به المضطر، فيكون بذلك قد جلب منفعة أكبر من مفسدة الضرر الأول.
فيجب على المضطر ارتكاب أخف الضررين لينقذ نفسه من الهلاك.
رابعًا: الضرورة تقدر بقدرها:
يتمثل هذا الضابط في ارتكاب المحظور أو تناول المحرم في حالة الاضطرار بقدر الضرورة الملجئة بدون زيادة أو نقصان، يقول الله عز وجل: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [البقرة:١٧٣].
وذكر جمهور المفسرين في تفسير هذه الآية قولين:
الأول: أن من أُكره على أكل المحظور فلا إثم عليه.
الثاني: أن من احتاج إلى أكل المحظور لضرورة دعته من خوفه على نفسه فلا إثم عليه51.
هذا وقد ذكر الماوردي في تفسيره لقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) ثلاثة أقوال، وهي كما يأتي:
الأول: أي غير باغٍ على الإمام، ولا عادٍ على الأمة بإفساد شملهم.
الثاني: غير باغٍ في أكله فوق حاجته، ولا عادٍ يعني متعديًا بأكل المحظور وهو يجد غيره من المباح.
الثالث: غير باغٍ في أكل المحظور شهوةً وتلذذًا، ولا عادٍ باستيفاء الأكل إلى حد الشبع52.
وبين الإمام الرازي أن المضطر لا يأكل من الميتة إلا ما يسد به رمقه، ووضح أن هذا هو الأقرب في دلالة الآية، وعلل ذلك بقوله: «لأن سبب الرخصة إذا كان الإلجاء، فمتى ارتفع الإلجاء ارتفعت الرخصة، كما لو وجد الحلال لم يجز له تناول الميتة لارتفاع الإلجاء إلى أكلها لوجود الحلال، فكذلك إذا زال الاضطرار بأكل قدر منه فالزائد محرم»53.
ويقول الله عز وجل في موضع آخر: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المائدة:٣].
والمعنى: أن من دعته الضرورة إلى أكل الميتة وسائر المحرمات المذكورة في الآية، بسبب الخمص وهو ضمور البطن من شدة الجوع، وكان هذا المضطر غير مائلٍ للحرام بشكل متعمد ومقصود فيه للمعصية، فإن الله تعالى له غفور رحيم54.
ويخلص من هذا إلى أن المضطر يأكل من المحظور بالقدر الذي يزيل عنه الضرورة التي ألجئ إليها فقط، ولا يزيد على ذلك فيدخل في دائرة التلذذ وقضاء شهوة الأكل، ولا ينقص من ذلك فيؤدي إلى هلاك نفسه.
ويخلص من هذا إلى أن ضوابط الاضطرار متمثلة في حصول اليقين أو غلبة الظن بوقوع الضرر، وتعذر الوسائل المشروعة في إزالة الضرر الواقع، ووجوب تقدير الضرورة بقدرها دون زيادة أو نقصان، وبارتكاب أخف الضررين لينجو بنفسه.
مقاصد الشريعة في اعتبار الاضطرار
إن مراعاة حالة الاضطرار ينتج عنها تحقيقٌ لبعض مقاصد الشريعة الإسلامية، وتفصيل هذه المقاصد وبيانها كما يأتي:
أولًا: التيسير والتخفيف ورفع الحرج والمشاق عن المكلفين:
إن الله سبحانه وتعالى عندما أحل الحلال وحرم الحرام، قد جعل الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص شرعي على تحريمه، فالحلال كثير وواسع، أما الحرام فهو معدود وضيق.
يقول الله جل جلاله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنعام:١١٨-١١٩].
ففي هاتين الآيتين يأمر الله عز وجل المسلمين أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عز وجل عليه، فكل ما ذكر الذابح عليه اسم الله تعالى كان حلالًا إن كان مما أباح الله تعالى أكله، ثم أنكر سبحانه وتعالى عليهم عدم أكلهم مما سموا عليه بعد أن أذن الله تعالى لهم بذلك.
والحال أنه جل جلاله قد فصل لهم ما حرم عليهم، وبين لهم بيانًا مفصلًا شافيًا يدفع الشك ويزيل الشبهة، ثم استثنى الله تعالى من هذه المطعومات المحرمة عليهم ما كان في حالة الضرورة؛ وذلك لأن الضرورة تحلل الحرام، ثم بين سبحانه وتعالى أن الكفار الذين كانوا يحرمون البحيرة والسائبة ونحوهما أن أفعالهم هذه مبنية على الجهل الذي كانوا يضلون الناس فيتبعونهم ولا يعلمون أن ذلك صادر منهم عن جهل وضلالة، وليس فيه شيء من العلم.
وبعد ذلك أمر الله عز وجل المؤمنين أن يتركوا ظاهر الإثم من أفعال الجوارح، وأن يتركوا أيضًا باطن الإثم من أفعال القلوب، ثم توعد الكاسبين للإثم بالجزاء بسبب افترائهم على الله جل جلاله55.
وعليه فإن هذه الشريعة الإسلامية السمحة مبنية على التيسير والتخفيف عن أفراد الأمة الإسلامية، ورفع الحرج والمشاق عنهم، وقد وردت كثير من النصوص القرآنية والنبوية أيضًا على هذا المقصد.
ومنها: قوله عز وجل: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة:١٨٥].
وقوله جل جلاله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النساء:٢٨].
وقوله تعالى أيضًا: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحج:٧٨].
فهذه النصوص وغيرها تفيد أن الله عز وجل لا يريد لنا المشقة والتعسير والوقوع في الحرج؛ بل يريد لنا التيسير والتخفيف ورفع الحرج لأداء العبادة التي فرضها سبحانه وتعالى علينا وأدائها على أكمل وجه.
أما من السنة النبوية المطهرة، فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المقصد، ومنها-على سبيل المثال-: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا)56، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة)57.
ثانيًا: الحفاظ على الضروريات الثلاث:
الضروريات جمع كلمة ضروري، والضروريات عرفها علماء الأصول بأنها: «هي الأمور التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة؛ بل على فسادٍ وتهارج، وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين»58، وهي ضروريات خمس، وقد أجمع العلماء عليها، وهي متمثلة في حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال59.
وقد ذكر العلماء أنه قد علم بالاستقراء التام الحاصل بتتبع النصوص القرآنية الكريمة، والسنة النبوية المطهرة، ومن خلال قرائن الأحوال والأمارات المتفرقة، علم مراعاة الشارع الحكيم لهذه الضروريات الخمسة، واعتماده عليها في جميع أحكامه، ويستحيل عليه أن يفوت هذه الضروريات الخمسة في شيء من أحكامه، فجميع التكاليف الشرعية من أوامر ونواه تدور حول هذه الضروريات الخمسة بالحفظ والصيانة60.
فالإنسان المضطر عندما تلجئه الضرورة من مخمصة، أو جوع شديد، أو إكراه، أو خوف على النفس من الهلاك، فتلجئه إلى تناول الحرام وأكله بشرط أن يأكل ما يسد به رمقه ويبقيه على قيد الحياة.
كما ورد في قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة:١٧٣].
وقوله عز وجل: (ﮋ ﮌ ﮍ) [المائدة:٣].
فمراعاته لحكم الاضطرار الذي هو عليه جعله يسعى إلى إنقاذ نفسه من الموت.
وذكر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة:١٧٣]: أن الله تعالى إنما أباح هذه المحرمات إبقاءً للنفس ودفعًا للهلاك عنها61.
وقد قال الله عز وجل: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النساء:٢٩].
وقوله تعالى أيضًا: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة:١٩٥].
فإن في الامتناع عن الأكل من المحرمات عند الضرورة سعيًا في قتل النفس، وإلقائها في التهلكة.
ثالثًا: جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم:
إن الشريعة الإسلامية مبنية أيضًا على جلب المصالح للعباد ودفع المفاسد عنهم62، وقد تواترت كثير من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على ذلك، ومنها قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنبياء:١٠٧].
والمعنى: أي وما أرسلناك بالقرآن وأمثاله من الشرائع والأحكام التي بها مناط السعادة في الدارين إلا لرحمة الناس وهدايتهم في شئون معاشهم ومعادهم.
قال المراغي: «بيان هذا أنه عليه الصلاة والسلام أرسل بما فيه المصلحة في الدارين، إلا أن الكافر فوت على نفسه الانتفاع بذلك، وأعرض عما هنالك؛ لفساد استعداده وقبح طويته، ولم يقبل هذه الرحمة، ولم يشكر هذه النعمة، فلم يسعد لا في دين ولا دنيا، كما قال: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [إبراهيم:٢٨].
وقال في صفة القرآن: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [فصلت:٤٤]»63.
ومن النصوص الدالة على هذه القاعدة أيضًا قوله عز وجل: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل:٩٠].
حيث تعد هذه الآية جامعة لكل الأوامر والنواهي.
قال السعدي: «صارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبق شيء إلا دخل فيها، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات، فكل مسألة مشتملة على عدل أو إحسان أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به.
وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي فهي مما نهى الله عنه. وبها يعلم حسن ما أمر الله به وقبح ما نهى عنه، وبها يعتبر ما عند الناس من الأقوال وترد إليها سائر الأحوال، فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور والفرقان بين جميع الأشياء؛ ولهذا قال: (ﮉ) أي: بما بينه لكم في كتابه بأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عما فيه مضرتكم، (ﮊ ﮋ) ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه، فإنكم إذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها»64.
ووجه دلالة هاتين الآيتين أن الله عز وجل لم يكلف على عباده إلا ما فيه مصلحة يجلبها لهم، سواءٌ كانت في الدنيا أم في الآخرة، كما أنه تعالى لم يحرم عليهم شيئًا إلا وفيه مفسدة يدفعها عنهم في الدنيا أو في الآخرة، أما من السنة النبوية المطهرة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار)65.
وعليه فإن مراعاة الإنسان المضطر لحكم الاضطرار الذي هو عليه جعله يدرأ مفسدة الهلاك عن نفسه، ويجلب لنفسه مصلحة النجاة والبقاء على الحياة.
ويخلص من هذا إلى أن مراعاة حكم الاضطرار يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية من التيسير والتخفيف ورفع الحرج والمشاق عن المكلفين، ومن الحفاظ على الضروريات الثلاث: النفس والعقل والنسب، ومن جلب المصالح ودرء المفاسد.
موضوعات ذات صلة: |
الإكراه، الحرام، الحلال، الضر |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٣٦٠، لسان العرب، ابن منظور، ٤/٤٨٣.
2 المفردات، ص٥٠٤.
3 التعريفات، ص١٣٨.
4 الموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٨/١٩٨.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤١٩.
6 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص١٨٣.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٩١.
8 الحاجة الشرعية، أحمد كافي ص٣٣-٣٤.
9 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ١٦/٢٤٧.
10 الفقه الإسلامي وأدلته، ١/١٢٨.
11 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٠/١٨٣.
12 المفردات، ص٤٥٩.
13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٥٠٠، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ٢/ ٨٧٤.
14 انظر: الكليات، الكفوي، ص٤٧٢.
15 التعريفات، ص ١١٠.
16 مقاييس اللغة، ٤/٣٠٨.
17 المستصفى، ص ٧٨.
18 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٣٥٣، المصباح المنير، الفيومي، ٢/٥٣٢.
19 التوقيف، المناوي، ٨٤.
20 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٢/٢٣٣.
21 الموسوعة الفقهية الكويتية ١٧/ ١٦٨.
22 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢/٧٨.
23 مفاتيح الغيب، ٥/١٩٤.
24 اللباب في علوم الكتاب، ٣/١٨٠.
25 التحرير والتنوير، ٢/١٢١.
26 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٢١٩، أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٥٩٢.
27 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، ٤/٢٦٠٣، الموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٨/١٩٣.
28 انظر: أحكام القرآن، ص١٥٩.
29 التحرير والتنوير، ٢/١٢٠.
30 الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، ٤/٢٦٠١.
31 فقه السنة، سيد سابق، ٣/٢٩٦.
32 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب تحريم التداوي بالخمر، ٣/١٥٧٣، رقم ١٩٨٤.
33 أخرجه أبو داوود في سننه، كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، ٤/٧، رقم ٣٨٤٧، عن أبي الدرداء.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، رقم ١٥٩٦، ١/٢٢٦.
34 انظر: فقه السنة، سيد سابق، ٣/٢٩٦.
35 انظر: فقه السنة، سيد سابق، ٣/٢٩٦، موسوعة الفقه الإسلامي، محمد التويجري، ٤/٣٥٧.
36 انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، محمد التويجري، ٤/٣٥٩.
37 انظر: جامع البيان، الطبري، ٨/٢٢٩، تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/١٤٣، معالم التنزيل، البغوي، ٢/٢٠٠.
38 المحرر الوجيز، ٢/٤٢.
39 تيسير الكريم الرحمن، ص ٩٠.
40 تفسير القرآن العظيم، ٤/٦٠٥.
41 أسباب النزول، الواحدي، ص ٢٨١.
42 الفروق اللغوية، ص ٩٨.
43 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٣٠، رقم ١٣٣٧، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
44 لم تحتفئوا بها بقلًا: لم تجدوا فيها ما يقتلع فيؤكل.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، ص ٤١١.
45 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢١٨٩٨، ٣٦/٢٢٧، والحاكم في مستدركه، رقم ٧٢٣٦، ٤/٢٣٠.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
46 انظر قاعدة من شك هل فعل شيئًا أو لا؟ في: الأشباه والنظائر، السيوطي، ص ٥٥، الأشباه والنظائر، ابن نجيم، ص ٥١.
47 الفقه الإسلامي وأدلته، ٤/٢٦٠٣.
48 جامع البيان، ٢٣/٤٢٦.
49 المصدر السابق، ٢٣/٤٢٧.
50 انظر: الأشباه والنظائر، السيوطي، ص ٨٦.
51 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ١/٢٢٢.
52 انظر: المصدر السابق، ١/٢٢٣.
53 مفاتيح الغيب، ٥/٢٠٣.
54 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/٦٥.
55 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/١٧٨.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، رقم ٦٩، ١/٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، رقم ١٧٣٤، ٣/١٣٥٩، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
57 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٢٢٩١، ٣٦/٦٢٤، عن أبي أمامة الباهلي.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٩٢٤، ٦/١٠٢٢.
58 الموافقات، الشاطبي، ٢/٨.
59 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٨/٢٠٧.
60 انظر: روضة الناظر، ابن قدامة المقدسي، ص٤٨١.
61 انظر: مفاتيح الغيب، ٥/٢٠٣.
62 انظر: الأشباه والنظائر، السبكي، ١/١٠٥.
63 تفسير المراغي، ١٧/٧٨.
64 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٤٧.
65 أخرجه ابن ماجه في سننه، رقم ٢٣٤١، ٢/٧٨٤.
وصححه الألباني في إرواء الغليل، رقم ٨٩٦، ٣/٤٠٨.