أسماء الله الحسنى
أولًا: المعنى اللغوي:
الاسم لغة:
ذكر الجوهري أن في الاسم أربع لغات: «اسم» بكسر الهمزة وضمها، و«سم» بكسر السين وضمها، وهو مشتق من السمو والعلو1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الاسم مشتق من السمو وهو العلو كما قال النحاة البصريون؛ لأن الاسم يظهر به المسمى ويعلو، فيقال للمسمي: «سمه» أي: أظهره، و«أعله» أي: أعل ذكره بالاسم الذي يذكر به» 2.
«وقيل: هو اللفظ الموضوع لمعنًى تعيينًا أو تمييزًا، وقيل: هو العلامة توضع على الشيء يعرف بها» 3.
الحسنى لغة:
حسنى على وزن (فعلى) تأنيث أفعل التفضيل، فحسنى تأنيث أحسن، ككبرى تأنيث أكبر، وصغرى تأنيث أصغر، ولذلك يخطئ من يقول: «إنها تأنيث حسن»؛ لأن تأنيث (حسن) (حسنة)، ومن أجل ذلك لا يصح أن نقول: «إن أسماء الله حسنة»، والصواب هو أن نقول: «إن أسماء الله حسنى» كما وصفها الله بذلك 4.
والحسنى في اللغة: جمع الأحسن، لا جمع الحسن، فإن جمع الحسن حِسان وحَسَنَة، فأسماء الله تعالى التي لا تحصى كلها حُسْنَى، أي: أنها أحسن الأسماء.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها» 5.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة) 6.
أولًا :معنى الإحصاء:
قيل في معنى الإحصاء عدة أقوال، بيانها فيما يلي7:
١. الحفظ.
أن يعدها حتى يستوفيها حفظًا ويدعو ربه بها، ويثني عليه بجميعها.
قال تعالى: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [الجن: ٢٨].
ودليل ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لله تسعة وتسعون اسمًا، من حفظها دخل الجنة) 8.
قال ابن حجر: «لا يلزم من مجيئه بلفظ: (حفظها) تعيين السرد عن ظهر قلب، بل يحتمل الحفظ المعنوي»9.
٢. الإطاقة.
كقوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المزمل: ٢٠] أي: لن تطيقوه10، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا.. ). أي: لن تبلغوا كل الاستقامة، فيكون المعنى: أن يطيق الأسماء الحسنى، ويحسن المراعاة لها وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بواجبها، فإذا قال: «يا رحمن يا رحيم»، تذكر صفة الرحمة، واعتقد أنها من صفات الله سبحانه، فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته، وإذا قال: «السميع البصير»، علم أنه يراه ويسمعه، وأنه لا تخفى عليه خافية، وأنه يعلم السر كما يعلم العلن، ويعلم الباطن كما يعلم الظاهر، فيحافظ على قدسيتها ويرعى حرمتها، فيخافه في سره وعلنه، ويراقبه في كافة أحواله، فإذا حدثته نفسه بمعصيةٍ ذكرها بقدرة الله وعظمته وأسمائه وصفاته؛ لعلها تنزجر11.
٣. العقل والمعرفة.
فيكون معناه أن من عرفها، وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة. وهو مأخوذ من الحصاة وهي: العقل، والعرب تقول: فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل ومعرفة بالأمور12.
ومن كرم الله تعالى، أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة؛ وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين13.
قال ابن القيم: «إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم؛ فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقًا له تعالى أو أمرًا، إما علم بما كونه أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى، وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم، والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كله مصلحة وحكمة ولطف وإحسان؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، وفعله كله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، فلا تفاوت في خلقه ولا عبث، ولم يخلق خلقه باطلًا ولا سدًى ولا عبثًا، وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه، فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها. وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى، ولهذا لا تجد فيها خللًا ولا تفاوتًا؛ لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما أن يكون لجهله به، أو لعدم حكمته، وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم، فلا يلحق فعله ولا أمره خلل ولا تفاوت ولا تناقض» 14.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في معنى الإحصاء15:
وقال أيضًا: أما قولـه صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) 16، فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: إن أسماء الله تسعة وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة أو نحو ذلك 17.
أما عن رأي المفسرين في قضية إحصاء أسماء الله عز وجل، فقد قال الإمام الألوسي، عند تفسير قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف: ١٨٠]: «والذي أراه أنه لا حصر لأسمائه- عزت أسماؤه- في التسعة والتسعين، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قال عبدٌ قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحًا). قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: (أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن)18.
فهذا الحديث صريح في عدم الحصر، وحكى النووي اتفاق العلماء على ذلك، وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، وهو لا ينافي أن له تعالى أسماء غيرها» 19.
الإيمان بأسماء الله عز وجل ركن من أركان الإيمان بالله تعالى ، وللإيمان بأسماء الله وصفاته أسس وقواعد يرتكز عليها، أصلها إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسله، ونفي ما نفوه، مع الجزم بنفي مماثلته لخلقه، وعدم الإلحاد في شيء منها.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان وروحه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه وقوي يقينه» 20.
أركان الإيمان بأسماء الله وصفاته:
الأول: تنزيه خالق السموات والأرض عن مشابهة المخلوقين في الذات، والأسماء، والصفات، والأفعال.
الثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله من الأسماء، والصفات.
الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية أسماء الله، وصفاته، وأفعاله21.
فكما لا نعلم كيفية ذاته سبحانه لا نعلم كيفية أسمائه، وصفاته، وأفعاله، كما قال سبحانه : (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى: ١١]
يقول محمد بن إبراهيم: «مذهب أهل السنة والجماعة الإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته لفظًا ومعنًى، واعتقاد أن هذه الأسماء والصفات على الحقيقة لا المجاز، وأن لها معاني حقيقية تليق بجلال الله وعظمته، وأدلة ذلك أكثر من أن تحصر، ومعاني هذه الصفات ظاهرة معروفة من القرآن كغيرها لا لبس فيها ولا إشكال ولا غموض، فقد أخذ أصحاب رسول الله عنه القرآن، ونقلوا عنه الأحاديث، لم يستشكلوا شيئًا من معاني هذه الآيات والأحاديث؛ لأنها واضحة صريحة وكذلك من بعدهم من القرون الفاضلة» 22.
هناك مجموعة من الأسس التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة في قضية الإيمان بأسماء الله عز وجل، منها:
الأساس الأول: إثبات ما أثبته الله ورسوله.
قال الإمام الشافعي: «آمنت بما جاء عن الله، وبما جاء عن رسوله، على مراد رسول الله» 23.
ويدل على صحة هذا الأساس أمور منها:
أن أسماء الله غيبٌ لا يعرف إلا من قبل الوحي الصادق.
أن رد ما أثبته الله لنفسه، أو الرسول لربه، تكذيبٌ لله ولرسوله.
النصوص الآمرة بالإيمان بأسماء الله- عز وجل، كما قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة: ٢٣١].
وكما في قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ٢٤٤]24.
الأساس الثاني: اعتقادهم أن أسماء الله كلها حسنى، وصفاته كلها كاملةٌ عليا.
قال الله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف: ١٨٠].
وقال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الإسراء: ١١٠].
قال ابن تيمية: «الكمال ثابت لله، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تبارك وتعالى يستحقه بنفسه المقدسة»25.
الأساس الثالث: تنزيه الباري تبارك وتعالى عن التشبيه والتمثيل وكل صفات النقـص.
قال الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى: ١١].
وقال أيضًا: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [مريم: ٦٥].
يقول ابن تيمية: «الله سبحانه ليس كمثله شيء، لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة، وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب نقصًا أو حدوثًا، فإن الله منزه عنه حقيقة؛ فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع عنه الحدوث لامتناع العدم عليه»26.
وأهل السنة والجماعة يعرفون ربهم بأسمائه الواردة في القرآن والسنة، ويصفون ربهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعدتهم في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٨٠]
فالإيمان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله أساس بنيان الدين، وهو من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، ومتى كان الأساس راسخًا حمل البنيان، والأقوال والأعمال بنيان الدين، وسقفه الأخلاق الحسنة.
وأساس كل ذلك الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وتوحيده بها، ومتى كان الأساس قويًا حمل البنيان، وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه.
وإن كان الأساس غير وثيق لم يحمل البنيان، وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان كله.
وعلى قدر إحكام الأساس يكون علو البنيان.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ¯ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الزمر: ٦٥- ٦٦]
وأوثق أساس يبني عليه العبد بنيانه مركبٌ من أمرين:
معرفة الله وتوحيده بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.. وتجريد الانقياد لله ورسوله.
والقرآن كله بيان لهذا الأساس، وترسيخ له، ودعوة إلى إتقانه، والعمل به، فهو الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها كما قال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸI ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الذاريات: ٥٦- ٥٧]
وقد ذكر الله سبحانه في القرآن كثيرًا من أسمائه وصفاته وأفعاله، وأظهرها في آياته ومخلوقاته؛ ليعرف عباده بها، ليؤمنوا بها، وليعبدوه بموجبها، ويدعوه بها.
أسماء الله الحسنى وصفاته العلى كثيرة لا تحد بعدد معين، ولا يحيط بعلمها إلا الله عز وجل الذي تسمى بها واتصف بها، فأسماؤه عز وجل متعددة ومتنوعة، وهذا ما سيوضحه البحث في الأسطر التالية.
أولًا: تعدد أسماء الله عز وجل:
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف: ١٨٠].
هذه الآية دلت على تعدد أسماء الله عز وجل بشكل واضح وصريح، فقال عز وجل (ﭴ) وهو جمع (اسم).
قال الألوسي: «والذي أراه أنه لا حصر لأسمائه-عزت أسماؤه-في التسعة والتسعين» 27.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة) 28.
«واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماءٌ غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء»29.
ولهذا جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قال عبد قط إذا أصابه همٌ وحزن: «اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي»، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحًا).
قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: (أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن)30، فهذا الحديث صريح في تعدد أسمائه عز وجل.
ثانيًا: تنوع أسماء الله عز وجل:
أسماء الله عز وجل كلها مترادفة في الدلالة على الذات، متباينة في الدلالة على الصفات، لدلالة كل اسم منها على معنى خاص مستفاد منه كالعظيم، والكبير، والعزيز، والخالق، والرزاق، والكريم، وغيرها من الأسماء الحسنى، فكل أسماء الله الحسنى تدل على ذات الله، وتدل على صفات متعددة للرب، كالخلق، والتصوير، والعلم، والقدرة، والرزق، والكرم، وهكذا31.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الإسراء: ١١٠].
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فدعا الله تعالى فقال: (يا الله، يا رحمن)، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين، فنزلت الآية32.
وقال أبو السعود: «والضمير في (له) للمسمى؛ لأن التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام (أيًا ما تدعو فهو حسن)، فوضع موضعه (فله الأسماء الحسنى) للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه؛ إذ حسن جميع أسمائه يستدعي حسن ذلك الاسمين، وكونها حسنى لدلالتها على صفات الكمال من الجلالة والجمال والإكرام» 33.
إن تنوع أسماء الله عز وجل ليس عبثًا، فأسماؤه عز وجل أعلام وأوصاف، أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهى بالاعتبار الأول مترادفة؛ لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله عز وجل ، وبالاعتبار الثاني متباينة؛ لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص، فـ «الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم» كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله- سبحانه وتعالى-، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليها، كما في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ) [يونس: ١٠٧].
وقوله: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الكهف: ٥٨].
فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة، ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: «عليم» إلا لمن علم، ولا «سميع» إلا لمن سمع، ولا «بصير» إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل 34.
ومما يوضح الصورة أكثر في قضية تنوع أسماء الله عز وجل ما جاء في أواخر سورة الحشر.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحشر: ٢٣-٢٤]
ذكرت هذه الآيات بعضًا من أسمائه عز وجل، فكل اسم من أسمائه سبحانه له ما يميزه عن غيره، كقوله تعالى: (ﯕ) أي: المالك لجميع الأشياء، والحاكم على جميع المخلوقات، والمتصرف فيها تصرف المالك في ملكه35، وقوله (ﯖ) أي: المنزه عن كل نقص، البالغ أقصى ما يتصوره العقل في الطهارة، وفي البعد عن النقائص والعيوب، وعن كل ما لا يليق36، وقوله: (ﯗ) أي: ذو السلامة من كل ما لا يليق، أو ذو السلام على عباده في الجنة37 وهكذا...
وكما ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) 38.
لعل أكثر ما يشد انتباه قارئ القرآن (أسماء الله عز وجل) وما تحمل من كل معاني الكمال والقوة والعظمة، فنلاحظ أن أسماءه -جل وعلا- تأتي مفردة: كالقدير، والسميع، والبصير... إلخ، ومقترنة بعضها ببعضٍ، نحو: السميع البصير، الغفور الرحيم، الغني الحميد، النافع الضار.. وهكذا، وهذا الاقتران فيه حكمة عظيمة مما يدل على كمال الرب سبحانه وتعالى، وفي الأسطر الآتية سيتطرق البحث إلى قضية الاقتران ويذكر أمثلة لها لتتضح صورتها أكثر.
إن ظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلقاتها، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقًا، والبارئ يقتضي مبروءًا، والمصور يقتضي مصورًا ولا بد، فأسماؤه الغفار التواب تقتضي مغفورًا له وما يغفره له، وكذلك من يتوب عليه وأمورًا يتوب عليه من أجلها، ومن يحلم عنه ويعفو عنه، وما يكون متعلق الحلم والعفو، فإن هذه الأمور متعلقة بالغير، ومعانيها مستلزمة لمتعلقاتها39.
فكل اسم من أسماء الله هو الأعظم في موضعه بظهور أثره في العباد، وحكمة الله في ترتيب المصالح المقصودة والغايات الحميدة، والله عز وجل من حكمته أيضًا أنه يقرن بين أسمائه في كثير من المواضع لتظهر دلالتها على أوصافه ككمال فوق الكمال، وجلال فوق الجلال، بحيث تتجلى عظمة رب العزة والجلال في أسمائه وصفاته وأفعاله، كما قال: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الرحمن: ٧٨].
وفيما يلي بعض الأمثلة على اقتران أسماء الله تعالى:
١. اقتران العليم بالحكيم.
كقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة: ٣٢].
يفيد اقتران الاسمين أن الله سبحانه وتعالى حكيم في تعليمه ما شاء لمن يشاء، ومنعه ما شاء عمن يشاء، وفي هذا المعنى يقول ابن كثير: «( ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) أي: العليم بكل شيء، الحكيم في خلقك وأمرك، وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء، لك الحكمة في ذلك والعدل التام»40.
ويقول السعدي: «لما خلق الله آدم، وعلمه أسماء كل شيء مما جعله الله له، وبين يديه، وعجزت الملائكة عن معرفتها، وأنبأهم آدم بها (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) فاعترفوا لله بسعة العلم، وكمال الحكمة»41.
٢. اقتران التواب بالرحيم.
كقوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة: ٣٧].
وقوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [البقرة: ١٢٨].
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ١٦٠]
إذا تأملنا الآيات السابقة وجدنا أن التوبة موضوع أساسي في هذه الآيات، فناسب تذييل الآيات بذكر اسم (التواب)، حثًا للعباد عليها، وترغيبًا لهم فيها. واقترن اسم (الرحيم) مع (التواب)؛ لأن التوبة بقسميها، سواء كان التوفيق للتوبة، أو قبولها، فإن ذلك كله من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ لأن بقاءهم على الذنب من غير توبة سبب للعقوبة، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل التوبة سببًا لدفع العقوبة عنهم.
وفي هذا يقول الإمام الطبري: «وأما قوله: (ﯢ)، فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة، ورحمته إياه إقالة عثرته وصفحه عن عقوبة جرمه» 42.
ومن رحمة الله سبحانه أنه لم يعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلهم ليتمكنوا من التوبة43.
قال أبو السعود في اقتران الاسمين: «وفي الجمع بين الوصفين44 وعدٌ بليغ للتائب بالإحسان مع العفو والغفران» 45.
٣. اقتران الواسع بالعليم.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة: ١١٥].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ٢٤٧].
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢٦١]
قال الإمام الطبري في معنى (ﮕ ﮖ): «يسع خلقه كلهم بالكفاية والإفضال، والجود والتدبير، وأما قوله: (ﮖ) فإنه يعني أنه عليم بأفعالهم، لا يغيب عنه منها شيء، ولا يعزب عن علمه، بل هو بجميعها عليم» 46.
وقال السعدي: «واسع الفضل والصفات عظيمها، عليم بسرائركم ونياتكم. فمن سعته وعلمه وسع لكم الأمر، وقبل منكم المأمور، فله الحمد والشكر» 47.
وفي الآية الثانية قال الطبري: «وأما قوله: ( ﮔ ﮕ ﮖ) فإنه يعني بذلك: والله واسع بفضله، فينعم به على من أحب، ويريد به من يشاء، (عليم) بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه، وفضله الذي يعطيه، فيعطيه ذلك لعلمه به، وبأنه لما أعطاه أهل، إما للإصلاح به، وإما لأن ينتفع هو به» 48.
وقال ابن كثير: «(ﮔ ﮕ ﮖ) أي: هو واسع الفضل يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحق» 49.
وفي الآية الثالثة قال الطبري في تفسيره: «القول في تأويل قوله تعالى: ( ﮔ ﮕ ﮖ) يعني -تعالى ذكره- بذلك: والله واسع أن يزيد من يشاء من خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السبعمائة التي وعده أن يزيده، عليم من يستحق منهم الزيادة» 50.
وقال ابن القيم: «وقد ختم الآية باسمين من أسمائه الحسنى مطابقين لسياقها، وهما الواسع والعليم، فلا يستبعد العبد هذه المضاعفة ولا يضيق عنها عطنه51، فإن المضاعف واسع العطاء، واسع الغنى، واسع الفضل، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق؛ فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها، ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها، فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته، بل يضع فضله موضعه لسعته ورحمته، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته وعلمه» 52.
ويتضح مما سبق أن هذين الاسمين (واسع عليم) اقترنا لبيان سعة عطاء الله سبحانه وتعالى، وعلمه بمن يستحق هذا العطاء، والمواضع الأخرى من القرآن الكريم التي اقترن فيها هذان الاسمان لا تخرج عن المعنى المذكور.
٤. اقتران السميع بالعليم.
كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ١٢٧].
وقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [البقرة: ١٣٧].
وقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [البقرة: ١٨١].
وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ٢٢٤].
تختلف مناسبة اقتران هذين الاسمين من آية إلى أخرى، وذلك لاختلاف موضوع الآيات، فالآية الأولى في شأن الدعاء، ولذا ناسب أن يختم الدعاء بالتوسل إلى الله سبحانه باستجابة الدعاء بهذين الاسمين، فالسميع بمعنى السامع للدعاء، أو مجيب الدعاء، والعليم بحال الداعي وحاجته، فإن البشر لو سأل بشرًا مثله لابد له أن يعلمه بحاله وما فيه من العوز، أما الله - سبحانه وتعالى- لا يخفى عليه شيء من حال الداعي، فهو السامع لدعائه، العالم بحاله.
وأما في الآية الثانية فإن اقتران هذين الاسمين يحمل معنى التهديد والوعيد لأعداء الله، فالله سبحانه وتعالى هو السامع لأقوالهم، العليم بأفعالهم.
قال الطبري: «فسيكفيك الله يا محمد هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) من اليهود والنصارى، إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرقوا بين الله ورسله، إما بقتل السيف، وإما بجلاء عن جوارك، وغير ذلك من العقوبات، فإن الله هو السميع لما يقولون لك بألسنتهم، ويبدون لك بأفواههم من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضالة، العليم بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء. ففعل الله بهم ذلك عاجلًا وأنجز وعده، فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم حتى قتل بعضهم وأجلى بعضًا، وأذل بعضًا وأخزاه بالجزية والصغار»53.
قال ابن سعدي: «ولهذا وعد الله رسوله أن يكفيه إياهم؛ لأنه السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، العليم بما بين أيديهم، وما خلفهم، بالغيب والشهادة، بالظواهر، والبواطن، فإذا كان كذلك كفاك الله شرهم»54.
وفي الآية الثالثة أيضًا جاء اقتران الاسمين تهديدًا ووعيدًا لمن بدل الوصية، لذا قال القرطبي في تفسيره عن هذين الاسمين وما تضمناه من الصفات: «صفتان لله تعالى لا يخفى معهما شيء من جنف55 الموصين وتبديل المعتدين» 56.
وفي الآية الرابعة أيضًا يدل اقتران الاسمين فيها على التهديد لمن جعل الحلف مانعًا له من الخير، وفي ذلك يقول الطبري: «والله سميع لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف، فقال: والله لا أبر، ولا أتقي، ولا أصلح بين الناس، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم. عليم بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك الخير تريدون أم غيره، لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور، لا تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني أمر علن فظهر، أو خفي فبطن، وهذا من الله تعالى ذكره تهديد ووعيد …» 57.
الخلاصة: أن اقتران هذين الاسمين (السميع العليم) جاء في آيات الدعاء للإشعار بقربه وسمعه للداعين، وعلمه بأحوالهم، وفي الجزاء لبيان سماعه لأقوالهم وعلمه بأعمالهم من خير وشر.
٥. اقتران العزيز بالحكيم.
كقوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة: ١٢٩].
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [البقرة: ٢٠٩].
وقوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ٢٢٠].
وقوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ٢٤٠]
تختلف مناسبة اقتران الاسمين من آية إلى أخرى، ففي الآية الأولى جاء اقتران الاسمين على لسان إبراهيم عليه السلام في دعائه لربه تعظيمًا وإجلالًا، فذكر اسم (العزيز) إشعارًا بقدرة الله سبحانه وتعالى على تحقيق مطلوبه، وذكر (الحكيم) تفاؤلًا بتحقيق الخير من الله - سبحانه وتعالى-لن يفعل بذريته إلا ما هو خير، وفي هذا يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية: «إنك يا رب أنت العزيز القوي الذي لا يعجزه شيء أراده، فافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك. والحكيم: الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذريتنا، ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك»58.
ويقول السعدي: «كما أن بعثك لهذا الرسول فيه الرحمة السابغة، ففيه تمام عزتك، وكمال حكمتك، فإنه ليس من حكمة أحكم الحاكمين أن يترك الخلق سدى هملًا، لا يرسل إليهم رسولا، فحقق الله حكمته ببعثته خاتمًا، كما حقق حكمته ورحمته ببعثة إخوانه المرسلين من قبله. لئلا يكون للناس على الله حجة. والأمور كلها: قدريها، وشرعيها، لا تقوم إلا بعزة الله، ونفوذ حكمه»59.
والآية الثانية جاء اقتران الاسمين فيها للتهديد والوعيد لمن عدل عن الحق بعد ما تبين له، فإن العزيز الحكيم إذا عصاه العاصي عن علم، قهره بقوته، وعذبه بمقتضى حكمته، فإن من حكمته تعذيب العصاة والجناة، يقول ابن كثير في هذه الآية: «وقوله: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، أي: عدلتم عن الحق بعدما قامت عليكم الحجج، (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)، أي: في انتقامه لا يفوته هارب ولا يغلبه غالب، حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه»60.
قال الطبري في تفسيره: «فإن أخطأتم الحق، فضللتم عنه، وخالفتم الإسلام وشرائعه، من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون، فاعلموا أن الله ذو عزة، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع، حكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه بعد إقامته الحجة عليكم، وفي غيره من أموره»61.
واقتران الاسمين في الآية الثالثة لبيان أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يضيق عليكم، ولكن حكمته سبحانه لم تقتض ذلك، بل شرع لكم كل ما هو محكم ومتقن، ويقول الطبري في تفسير الآية: «إن الله عزيز في سلطانه، لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة، لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه، فقصرتم في القيام به، ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله هو، لكنه بفضل رحمته من عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك، وهو حكيم في ذلك لو فعله بكم، وفي غيره من أحكامه وتدبيره لا يدخل أفعاله خلل ولا نقص ولا وهن ولا عيب؛ لأنه فعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقب الأمور، فيدخل تدبيره مذمة عاقبة، كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور، لسوء اختيارهم فيها ابتداء»62.
واقتران الاسمين في الآية الرابعة فيه التهديد والوعيد لمن خالف شرع الله المحكم، وفي هذا يقول الطبري: «وأما قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ) فإنه يعني تعالى ذكره: والله (عزيز) في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء، فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل: من المتعة، والصداق، والوصية، وإخراجهن قبل انقضاء الحول، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها، ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات، (حكيم) فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ) وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته»63.
الخلاصة: أن اقتران (العزيز الحكيم) في الآيات السابقة جاء بمناسبة الدعاء إجلالًا لله وتعظيمًا، وإشعارًا بقدرته على تحقيق المطلوب، وتفاؤلًا بحصول الخير، فإن ذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى. كما جاء اقتران الاسمين بمناسبة ما جاء من أمر الله وشرعه المحكم الذي لا نقص فيه ولا خلل، وأن الله سبحانه وتعالى مقابل هذا الإحكام في شرعه وأمره قادر على الانتقام ممن خالف ذلك، لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب.
٦. اقتران الرءوف بالرحيم.
كقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ١٤٣]
قال محمد رشيد رضا في قوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ): «الجملة استئنافية لبيان علة النفي فيما قبلها»64.
قال أبو السعود: «(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) تحقيق وتقرير للحكم، وتعليل له، فإن اتصافه عز وجل بهما يقتضي لا محالة أن لا يضيع أجورهم، ولا يدع ما فيه صلاحهم»65.
ولما كانت هذه الآية فيها طمأنة للمسلمين على إيمانهم وعلى صلاتهم، وأنهم ليسوا على ضلال، وأن صلاتهم لم تضع، ناسب ختامها باجتماع هذين الاسمين (رءوف رحيم)، فإن ذلك كله من رأفة الله سبحانه وتعالى بعباده ورحمته بهم. ولما كان هذا في حال المؤمنين الأوائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على ذكر الرحمة فحسب، بل أكد ذلك بالرأفة وهي أشد الرحمة.
الخلاصة: إذا تأملنا المواضع الأخرى من القرآن الكريم التي اقترن فيها هذان الاسمان (الرءوف الرحيم) وجدنا أنها لا تخرج عن امتنان الله سبحانه على عباده بأمر ديني أو دنيوي. فكل ما وهبه الله سبحانه وتعالى لعباده من خير، أو ما دفعه عنهم من سوء، فهو من رأفته ورحمته بهم.
٧. اقتران الغفور بالرحيم.
كقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ١٧٣].
وقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [البقرة: ١٩٢].
وقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة: ١٩٩].
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢١٨]
في تفسير الآية الأولى قال السعدي: «والإنسان في هذه الحالة مأمور بالأكل، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة، وأن يقتل نفسه. فيجب إذًا عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلًا لنفسه، وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: (ﯞ ﯟ ﯠ) أخبر أنه غفور، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال، خصوصًا وقد غلبته الضرورة، وأذهبت حواسه المشقة»66.
وقال ابن كثير: «قال سعيد بن جبير: غفور لما أكل من الحرام رحيم إذ أحل له الحرام في الاضطرار»67.
وأما الآية الثانية فقد قال الطبري في تفسيرها: «وأما قوله: (ﯞ ﯟ ﯠ) فإنه يعني: والله غفور رحيم للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف والإثم، إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به، رحيم بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يجنف عليه لغيره أو يأثم فيه له»68.
وأما الآية الثالثة فقال ابن كثير في تفسيرها: «أي: فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره لمن تاب منه إليه»69.
والآية الرابعة جاء اقتران الاسمين بعد الأمر بالاستغفار بعد الفراغ من العبادة للخلل الواقع فيها، وكثيرًا ما يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بالاستغفار بعد الفراغ من العبادات، واقترن هذان الاسمان في الآية المذكورة ترغيبًا في الاستغفار70.
٨. اقتران الغفور بالحليم.
كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ٢٢٥].
وقوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٣٥]
وقال الطبري: «والله غفور لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر الله -تعالى ذكره- أنه لا يؤاخذهم بها، ولو شاء واخذهم بها، ولما واخذهم بها فكفروها في عاجل الدنيا بالتكفير فيه، ولو شاء واخذهم في آجل الآخرة بالعقوبة عليه، فساتر عليهم فيها، وصافح لهم بعفوه عن العقوبة فيها وغير ذلك من ذنوبهم. حليم في تركه معاجلة أهل معصيته العقوبة على معاصيهم»71.
وفي الآية الثانية يقول الطبري: «(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)، يعني: أنه ذو ستر لذنوب عباده، وتغطية عليها فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة المعتدات وذكرهم إياهن في حال عددهن، وفي غير ذلك من خطاياهم، وقوله ( ﮟ)، يعني: أنه ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم»72.
الخلاصة: أن الله سبحانه وتعالى عقب باقتران هذين الاسمين بعد الإخبار بتجاوزه سبحانه وتعالى عن عباده المؤمنين في بعض الأمور، ففي الآية الأولى بين سبحانه وتعالى تجاوزه عنهم في اللغو في الأيمان، وفي الآية الثانية بين التجاوز عنهم في التعريض بخطبة النساء.
٩. اقتران الغني بالحميد.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[البقرة: ٢٦٧].
قال السعدي في هذه الآية: «فهو الغني عن جميع المخلوقين، وهو الغني عن نفقات المنفقين، وعن طاعة الطائعين. وإنما أمرهم بها وحثهم عليها، لنفعهم، محض فضله عليهم، ومع كمال غناه، وسعة عطاياه، فهو الحميد فيما يشرعه لعباده من الأحكام الموصلة لهم إلى دار السلام»73.
وقال ابن القيم رحمه الله : «فإن الغنى صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما»74.
الخلاصة: الآيات التي اقترن فيها هذان الاسمان نجد أن اقترانهما ورد في ختام الآيات التي فيها إخبار عن إعراض المعرض؛ إما عن الإيمان بالكلية أو عن طاعة من الطاعات. كما جاء أيضًا في ختام الآيات التي تشير إلى عظمة ملك الله سبحانه وتعالى.
أحكام تتعلق بأسماء الله الحسنى
هذا الجزء من البحث يوضح أهم الأحكام المتعلقة بأسماء الله عز وجل، كوقفيتها، والدعاء بها، والإلحاد فيها.
أولًا: أسماء الله الحسنى توقيفية:
وبيان ذلك في النقاط الآتية:
١. معنى الوقف في أسماء الله تعالى.
معنى الوقف في أسماء الله سبحانه وجوب الوقوف على ما جاء نصًا في الكتاب والسنة دون زيادة أو نقصان، والاقتصار في هذا الباب على ذلك، فلا يجوز أن نسمي الله عز وجل باسم من عندنا؛ لأن فتح هذا الباب يوقع الإنسان في الخطأ، وقد ناظر أبو الحسن الأشعري رحمه الله شيخه حين أجاز أن يطلق على الله اسم (العاقل) فقال له شيخه: وأنت تطلق عليه (الحكيم) والحكيم يطلق على المخلوق، فأجابه أبو الحسن بقوله: المسألة عندي ليست بالقياس، أنا أطلقت حكيمًا؛ لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلًا؛ لأن الشرع منعه75.
٢. الأدلة على أن أسماء الله توقيفية.
قال السفاريني76:
لكنها في الحق توقيفية لنا بذا أدلة وفية
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف: ١٨٠].
هذه الآية دلت على أن أسماء الله توقيفية من وجهين:
الأول: أن الله سبحانه قال فيها: (ﭳ ﭴ)، فالأسماء هنا جاءت مقترنة بأل، وهي هنا للعهد، فالأسماء بذلك لا تكون إلا معهودة.
الوجه الثاني: قوله: (ﭵ) يعني: وصف الله عز وجل لأسمائه بالحسنى؛ لأن هذا الوصف يدل على أنه ليس في الأسماء الأخرى أحسن منها، وأن غيرها لا يقوم مقامها ولا يؤدي معناها، ودليل آخر من هذه الآية وهو قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٨٠].
قال الإمام البغوي: «قال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تعالى: تسميته بما لا يسمى به، ولم ينطق به كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم»77.
وقال ابن حجر: «أهل التفسير: ذكروا أن من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة»78، فمعنى الآية: «ذروا من لا يتوقفون على ذلك عند حدود النص الوارد في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم»79.
والنبي صلى الله عليه وسلم من أعرف الناس بالله عز وجل وأعلم الناس به، وقد بين لأمته كل ما تحتاج إليه، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أصاب عبدٌ قط همٌ ولا غمٌ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك؛ أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحد من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)80.
الشاهد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك).
هذا المقطع من الحديث شاهد ودليل على أن أسماء الله عز وجل توقيفية.
٣. أسباب وقفية الأسماء الحسنى.
أنها من أمور الغيب التي لا يعلمها الخلق إلا أن يعلمهم الله إياها من خلال الوحي إلى الأنبياء والرسل.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [ الجن: ٢٦- ٢٧ ].
أن عقل الإنسان قاصرٌ لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [طه: ١١٠].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أحصي ثناءً عليك)81، لذلك يجب الوقوف في معرفة أسماء الله على الشرع.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء: ٣٦].
أن القول على الله بغير علم من أشد المحرمات، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى وتوعد الله من فعل ذلك بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأعراف: ٣٣].
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الحج: ٣-٤].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعمد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار)82.
هذا عقاب الكاذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن يكذب على الله عز وجل.
ثانيًا: الدعاء بأسماء الله الحسنى:
دعاء الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ثلاثة أنوع:
الأول: دعاء الإيمان والعبادة:
كما في قوله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [ مريم: ٤٨ ].
قال ابن كثير رحمه الله: «أي: أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله: ( ﯩ ﯪ) أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له»83.
وكما في قوله جل وعلا: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الجن: ٢٠ ].
قال ابن كثير رحمه الله: «أي: إنما أعبد ربي وحده لا شريك له، وأستجير به، وأتوكل عليه ولا أشرك به أحدًا»84.
الثاني: دعاء الحمد والثناء:
أفضل ما يقوله أهل الجنة -وهم في أعظم نعمة، وأكمل رحمة، وقد امتلأت قلوبهم بحب ربهم- هو: (ﮄ ﮅ) .
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [ يونس: ١٠ ].
دعاؤهم هنا أن يقولوا: (ﭻ ﭼ) أي: تنزيهًا لك وتقديسًا يا الله، فإذا ما طلبوه وجدوه عندهم، فهم يدعون الله ويطلبونه باسمه المعروف85.
قال الإمام القرطبي: «ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن التهليل، والتسبيح، والحمد يسمى دعاء»86.
الثالث: دعاء المسألة والطلب:
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [ غافر: ٦٠ ].
هذا أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين أن يكثروا من التضرع إليه بالدعاء، والمعنى: تضرعوا إلي أيها المؤمنون بالدعاء، وتقربوا إلي بالطاعات، أستجب لكم، ولا أخيب لكم رجاءً87.
هذه الآية عامة في قضية الدعاء بأسماء الله عز وجل، وهناك آيات يكون فيها الدعاء بأسماء معينه من أسماء الله عز وجل منها:
دعاء سليمان عليه السلام ربه باسم الوهاب.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [ ص: ٣٥ ].
ومن دعاء المؤمنين: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [ آل عمران: ٨ ].
الإلحاد في أسماء الله:
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٨٠].
قال الإمام الطبري: «واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ﭻ) فقال بعضهم: يكذبون، وقال آخرون: يشركون، وكان إلحادهم في أسماء الله، أنهم عدلوا بها عما هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها (اللات) اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو (الله)، وسموا بعضها (العزى) اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو (العزيز)»88.
قال ابن السكيت: «الملحد هو: المائل عن الحق، المدخل فيه ما ليس منه. والإلحاد في اللغة: هو الزيغ والميل والذهاب عن سنن الصواب، ومنه يمسي الملحد ملحدًا؛ لأنه مال عن طريق الحق»89.
قال ابن القيم رحمه الله90:
أسماؤه أوصاف مدح كلها
مشتقة قد حملت لمعان
إياك والإلحاد فيها إنه
كفر معاذ الله من كفران
وحقيقة الإلحاد فيها الميل
بالإشراك والتعطيل والكفران
هناك عدة صور للإلحاد في أسماء الله عز وجل، منها:
١. أن تسمي الأصنام بها.
فسمى المشركون الأحجار، والأشجار، والأوثان، التي كانوا يعبدونها (آلهة)، وسموا اللات من (الإله)، والعزى من (العزيز)، ومناة من (المنان)، فهذا إلحاد؛ لأنهم عدلوا ومالوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.
٢. وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص.
كقول اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة: «إنه فقير»، وقولهم: «إنه استراح بعد أن خلق الخلق»، وقولهم: «يد الله مغلولة».
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [المائدة: ٦٤].
٣. تسمية الله عز وجل بما لم يسمِ به نفسه.
كأن يطلق بعض الناس على الله اسم (الموجود)، أو (المقصود)، أو (المهدي)، وكذلك اسم (العال)، ولكن الذي ورد (العلي، والأعلى، والمتعال)، كذلك (الونيس)، و(المتجلي)، أو كما يدعي الجهلاء من عباد القبور أن من أسمائه كلمة ( هو)، و(هو) معلوم أنه ضمير قد يضاف إلى أي غائب، وهو ليس من أسماء الله تبارك وتعالى.
إنكار شيء من الأسماء، أو مما دلت عليه من الصفات، ومثاله: من ينكر أن اسم (الرحمن) من أسماء الله تعالى كما فعل أهل الجاهلية، أو يثبت الأسماء، ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات، كما يقول بعض المبتدعة: إن الله تعالى رحيم بلا رحمة، وسميع بلا سمع91.
ثمرات الإيمان بأسماء الله الحسنى
إن للتعبد بالأسماء والصفات فضائل وثمرات كثيرة على قلب العبد وعمله.
قال العز بن عبد السلام: «اعلم أن معرفة الذات والصفات مثمرة لجميع الخيرات العاجلة والآجلة، ومعرفة كل صفة من الصفات تثمر حالًا علية، وأقوالًا سنية، وأفعالًا رضية، ومراتب دنيوية، ودرجاتٍ أخروية، فمثل معرفة الذات والصفات كشجرة طيبة أصلها-وهو معرفة الذات- ثابت بالحجة والبرهان، وفرعها-وهو معرفة الصفات- في السماء مجدًا وشرفًا (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [إبراهيم: ٢٥].
وهو خالقها؛ إذ لا يحصل شيء من ثمارها إلا بإذنه وتوفيقه، منبت هذه الشجرة القلب الذي إن صلح بالمعرفة والأحوال صلح الجسد كله»92.
وفيما يلي بعض الفضائل والثمرات للإيمان بأسماء الله تعالى:
١. الخشية من الله تعالى.
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [ فاطر: ٢٨ ].
يقول البحر ابن عباس رضي الله عنه في معنى الآية: «إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني»93، وقال الطبري: «إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته - العلماء بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد»94.
وقال ابن كثير: «إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم، القدير، العليم، الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى -كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، وكانت الخشية له أعظم وأكثر»95.
٢. التوكل عليه سبحانه.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأنفال: ٤٩].
أي: ومن يكل أمره إلى الله، ويثق به ينصره سبحانه على أعدائه، فإنه عز وجل عزيز لا يغلبه شيء، حكيم فيما يدبر من أمر خلقه96، وقال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الطلاق: ٣].
أي: ومن يفوض أمره إلى الله تعالى ويتوكل عليه وحده، فهو سبحانه كافيه في جميع أموره97.
إن من أجل ما يثمره التعبد بالأسماء والصفات أن يعتمد القلب على الله، ويخلص في تفويض أمره إليه، وذلك حقيقة التوكل على الله.
والتوكل من أعظم العبادات تعلقًا بالأسماء والصفات، ذلك أن مبناه على أصلين عظيمين:
الأول: علم القلب، وهو يقينه بعلم الله وكفايته، وكمال قيامه بشأن خلقه، فهو القيوم سبحانه الذي كفى عباده شئونهم، فبه يقومون وله يصمدون.
والثاني: عمل القلب، وهو سكونه إلى العظيم الفعال لما يريد، وطمأنينته إليه، وتفويض أمره إليه، ورضاه وتسليمه بتصرفه وفعله؛ إذ كل شيء يمضي ويكون فبحكمه وحكمته وقدرته وعلمه، لا ينفذ شيء في الأرض ولا في السماء عن قدرته، فله الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله98.
٣. الإخلاص له تعالى.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البينة: ٥].
إن إدراك معاني الأسماء يحمل العبد على إفراد الله بالقصد، والابتعاد عن صرف شيء من العبادة لغيره تعالى، ولذا كان من أعظم ما يخلص العبد من دنس الرياء ملاحظة أسماء الله وصفاته، فمن لاحظ من أسماء الله الغني دفعه ذلك إلى الإخلاص، لغنى الله تعالى عن عمله وفقره هو إلى الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)99.
ومن تأمل اسم الله العليم، فإنه يعلم أن ما أخفاه عن أعين الناس من ملاحظة الخلق لا يخفى على الله لعلمه التام بكل شيء، ومن تأمل اسم الله (الحفيظ) حمله ذلك على ترك الرياء؛ لأن كل ما يفعله العبد محفوظ عليه سيوافى به يوم القيامة.
٤. محبته عز وجل .
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الإخلاص: ١-٤].
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟) فسألوه، فقال: «لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أن الله يحبه)100.
فمن تأمل أسماء الله وصفاته وتعلق قلبه بها طرحه ذلك على باب المحبة، وفتح له من المعارف والعلوم أمورًا لا يعبر عنها101، وإن من عرف الله أورثه ذلك المحبة له سبحانه وتعالى.
قال ابن الجوزي: «فينبغي الاجتهاد في طلب المعرفة بالأدلة، ثم العمل بمقتضى المعرفة بالجد في الخدمة، لعل ذلك يورث المحبة، ذلك الغنى الأكبر»102.
ومراده أن من عرف الله أحبه، ومن أحب الله أحبه الله، وذلك والله هو الفوز العظيم والجنة والنعيم، والمحبة هي المنزلة التي «فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبوب، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، والتي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه»103.
دعاء الله بأسمائه الحسنى أعظم أسباب تفريج الكروب وزوال الهموم:
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب أحدًا قط همٌ ولا حزنٌ، فقال: «اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي» إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدل مكانه فرحًا)، فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: (بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها)104.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم)105.
من عرف الأسماء الحسنى كما ينبغي فقد عرف حقيقة الأشياء:
إن أسماء الله الحسنى كلها حسن وبركة، ومن حسنها أنها تعرفك بكل شيء على حقيقته من غير إفراطٍ ولا تفريط، فمن عرف أن الله عز وجل هو الخالق، عرف أن كل ما دونه مخلوق.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الرعد: ١٦].
ومن عرف أن الله عز وجل هو الرزاق علم أن كل ما دونه مرزوق.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [هود: ٦].
وكذلك يعلم أنه لا يملك الرزق سواه.
قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النمل: ٦٤].
ومن عرف أن الله تبارك وتعالى هو الملك، عرف أن كل ما دونه مملوك.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [المائدة: ١٧].
فمن عرف الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، علم أنه بالكمال موصوف، وبالإحسان والجمال والجلال معروف، وعرف أيضًا نفسه بكل نقص وعيب، إلا أن يرزقه الله عز وجل كمال الإيمان وصالح الأعمال فيورث له ذلك عبوديةً صادقةً بالانكسار بين يدي الجبار تبارك وتعالى، فيذل لعزته ويخضع لقوته.
٥. التلذذ بالعبادات.
إن من أعظم ما يحصل به لذة العبادة هو تأمل الأسماء والصفات وتعبد الله بها، ومراعاتها في كل عبادة يأتي بها العبد أو يتركها.
فإذا تصدق العبد بالقليل مستشعرًا أن الله شكور لا يضيع عمله، بل يبارك له فيه -ولو كان قليلًا- كان ذلك مدخلًا على قلبه الفرح والسرور بربه، ووجد في قلبه حلاوةً عظيمةً لعمله.
ومن صلى لله تعالى متذكرًا حينما قام لله صافًا قدميه، تذكر قيومية الله تعالى، وأن الله قائم بذاته وعباده لا يقومون إلا به- سبحانه وتعالى-، ثم إذا كبر ورفع يديه استشعر أن الله أكبر من كل شيء، وشاهد كبرياء الله وعظمته وجلاله، ثم إذا قرأ دعاء الاستفتاح استشعر ما فيه من تنزيه الرب عن كل نقص، وإذا استعاذ وبسمل التجأ بقلبه إلى الركن الركين، وتبرأ من كل حول، واعتصم بالله من عدوه واستعان به لا بغيره، ثم إذا قرأ الفاتحة استشعر ما فيها من استحقاق الله لكل المحامد وألوهيته وربوبيته ورحمته بخلقه وملكه لكل شيء، واستحضر أنه يناجي ربه، وأن ربه يجيبه على مناجاته كما في الصحيح: قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: «الحمد لله رب العالمين». قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: «الرحمن الرحيم». قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: «مالك يوم الدين». قال: مجدني عبدي، فإذا قال: «إياك نعبد وإياك نستعين». قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين». قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل)106.
وكل عبادة يقدم عليها العبد مستشعرًا هذه المعاني، وقد امتلأ قلبه بالحب للخالق العظيم، فإنه ولا بد يحصل لذتها والأنس بها، وفي الحديث: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)107.
موضوعات ذات صلة: |
الألوهية، التوحيد، صفات الله |
1 انظر: الصحاح ٦/ ٢٣٨٣.
2 مجموع الفتاوى ٦/ ٢٠٧.
3 معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، التميمي ص ٢٩.
4 انظر: معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، التميمي ص ٣٠.
5 شرح العقيدة الأصفهانية ص٣١.
6 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم، رقم ٧٣٩٢، ٩/١١٨.
7 انظر: النهج الأسمى، النجدي ١/٥٢، ٥٦.
8 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا، ٩/١١٨، رقم ٧٣٩٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله، ٤/٢٠٦٢، رقم ٢٦٧٧.
9 فتح الباري ١١/٢٢٦.
10 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٤٦٠.
11 انظر: شأن الدعاء، الخطابي ص٢٧-٢٨، فتح الباري، ابن حجر ١١/٢٢٥-٢٢٦ .
12 انظر: المصدر السابق .
13 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١١/٢٢٥.
14 بدائع الفوائد، ١/١٦٣.
15 القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ٢/٢١٤.
16 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا، رقم ٧٣٩٢، ٩/١١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله، ٤/ ٢٠٦٢، رقم ٢٦٧٧.
17 القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ٢/٢١٤.
18 أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبدالله بن مسعود، رقم ٤٣١٨، ٧/٣٤١.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٣٨٣.
19 روح المعاني، ٥/١١٥.
20 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، ص ٤١.
21 مختصر الفقه الإسلامي، التويجري ص ٤٨.
22 فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ١/٢٢٣.
23 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/٢.
24 انظر: الأسماء والصفات، الأشقر ص٩٩-١٠١.
25 مجموع فتاوى ابن تيمية ٦/١٧
26 المصدر السابق ٥/٢٦.
27 روح المعاني، ٥/١١٥.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم، رقم ٧٣٩٢، ٩/١١٨.
29 شرح صحيح مسلم، النووي ١٧/٥.
30 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٤٣١٨، ٧/٣٤١.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٣٨٣.
31 انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه، ابن عثيمين ١/١٢.
32 أخرجه الطبري في تفسيره، ١٧/٥٨٠.
33 إرشاد العقل السليم، ٥/٢٠٠.
34 انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه، ابن عثيمين ١/٨.
35 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٥٤.
36 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٥/٣١٧.
37 انظر: المصدر السابق.
38 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الدعاء، ٢/٧٩، رقم ١٤٩٥.
39 انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/٢٨٧.
40 تفسير القرآن العظيم، ١/٧٥.
41 القواعد الحسان لتفسير القرآن، ص ٦٠.
42 جامع البيان ١/١٩٥.
43 انظر: المنار، محمد رشيد رضا، ١/٣٢١.
44 الوصفان اللذان يتضمنهما الاسمان.
45 إرشاد العقل السليم، ١/٩٢.
46 جامع البيان، ١/٤٠٣.
47 تيسير الكريم الرحمن، ص١٢٩.
48 جامع البيان، ٢/٦٢٠.
49 تفسير القرآن العظيم ١/٣٠٢.
50 جامع البيان ٣/٤٢.
51 العطن للإبل كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض، ورجل رحب العطن أي: رحب الذراع، كثير المال، واسع الرحل.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢٨٦.
52 أسماء الله الحسنى، ص ٣٠٠.
53 جامع البيان، ١/٤٤٤.
54 تيسير الكريم الرحمن، ص١٤٩.
55 الجنف: الميل.
انظر: الصحاح، الجوهري، ٤/١٣٣٩.
56 الجامع لأحكام القرآن، ٢/١٨٠.
57 جامع البيان ٢/٢٤٠.
58 المصدر السابق ١/٤٣٦.
59 القواعد الحسان لتفسير القرآن، ص ٦٣.
60 تفسير القرآن العظيم ١/٢٤٩.
61 جامع البيان ٢/١٨٩- ١٩٠.
62 المصدر السابق ٢/٢٢١.
63 المصدر السابق ٢/٥٩٨.
64 المنار، ٢/١١-١٢.
65 إرشاد العقل السليم، ١/١٧٤.
66 تيسير الكريم الرحمن، ص٢٠٦.
67 تفسير القرآن العظيم، ١/٢٠٧.
68 جامع البيان، ٢/٧٥.
69 تفسير القرآن العظيم ١/٢٢٩.
70 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٤٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٤٧.
71 جامع البيان ٢/٢٤٩.
72 المصدر السابق ٢/٣٢٧.
73 تيسير الكريم الرحمن، ص٣٣٠.
74 بدائع الفوائد، ١/١٦١.
75 انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، ابن عثيمين ص ١٣.
76 لوامع الأنوار البهية ١/١٢٤.
77 معالم التنزيل ٣/٣٠٦.
78 فتح الباري، ١١/٢٢١.
79 انظر: الدر المصون، الحلبي ٥/٥٢٢.
80 أخرجه الإمام أحمد في المسند، رقم ٣٧١٢، ٦/٢٤٦.
وصححه الألباني في التعليقات الحسان ٢/٢٩٧.
81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، ١/٣٥٢، رقم ٤٨٦.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ١/٣٣، رقم ١٠٨.
83 تفسير القرآن العظيم، ٣/١١٩.
84 المصدر السابق.
85 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١١/١١٣،.
86 الجامع لأحكام القرآن، ٨/٣١٣.
87 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/٣٠٤.
88 جامع البيان ١٣/٢٨٢.
89 غرائب القرآن، النيسابوري ٣/٣٥٢.
90 الكافية الشافية ص ٢١٦.
91 انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه، ابن عثيمين ص ٢٦.
92 شجرة المعارف والأحوال، ص ١٤-١٥.
93 زاد المسير، ٣/٥١٠ .
94 جامع البيان ٢٢/٨٧ .
95 تفسير القرآن العظيم ٦/٥٤٣.
96 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٢٣.
97 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٨/٢٦٣.
98 انظر: طريق الهجرتين، ابن القيم ص ٤٢٦.
99 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم ٢٩٨٥، ٤/٢٢٨٩.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ٧٣٧٥، ٩/١١٥.
101 انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/٢٨٦.
102 صيد الخاطر، ١/١١٠.
103 مدارج السالكين، ابن القيم ٣/٨.
104 أخرجه أحمد في المسند، رقم ٣٧١٢، ٦/ ٢٤٦.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/ ٣٣٧.
105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، رقم ٦٣٤٥، ٨/٧٥.
106 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة، رقم ٣٩٥، ١/٢٩٦.
107 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان خصال الإيمان، رقم ٤٣، ١/٦٦.