عناصر الموضوع
الاستكبار في الاستعمال القرآني
أساليب القرآن في عرض الاستكبار
الاستكبار
أولًا: المعنى اللغوي:
مادة (كبر) تأتي على معانٍ متعددة، أهمها:
أنها تدل على خلاف الصغر، والكبر: معظم الأمر، والكبر: العظمة، وكذلك الكبرياء1، والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب،وأصل ذلك أن يستعمل في الأعيان ثم استعير للمعاني، ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة، نحو: (ﮎ ﮏ) [الرعد:٩].
وأكابر القوم رؤساؤهم، والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته، والجمع كبائر، وأكبرت الشيء: رأيته كبيرًا، والتكبير يقال لذلك، ولتعظيم الله تعالى بقولهم: الله أكبر، ولعبادته واستشعار تعظيمه2،والكبرياء: الملك، كما في قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يونس:٧٨]3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
وقال الراغب الأصفهاني: «الكبر: الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره»4.
وقيل أيضًا: الحالة التي يكون عليها الإنسان من الترفع والتعالي على الآخرين واحتقارهم، والتمنع عن قبول الحق معاندة وجحودًا وإنكارًا.
وهذا التعريف يشمل الاستكبار الناتج عن تعالي النفس واستصغارها للغير، سواء أكان ذلك حقًا أم باطلًا، وكذلك الحديث عن عدم قبول الحق والخضوع له، وهذا هو مفهوم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس)5.
الاستكبار في الاستعمال القرآني
وردت مادة (كبر) في القرآن الكريم (١٥٤) مرة، يخص موضوع البحث منها (٧٥) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢٩ |
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف:٧٥] |
الفعل المضارع |
١٣ |
(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأعراف:١٣] |
اسم الفاعل |
١٣ |
(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [المؤمنون:٦٧] |
المصدر |
٢ |
(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [غافر:٥٦] |
وجاء الاستكبار في القرآن بمعناه في اللغة وهو: استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له 7.
الاستنكاف:
الاستنكاف لغةً:
نكف عن الشيء نكفًا: امتنع أنفة، وأنكفه: نزهه عما يستنكف منه، واستنكف عن العمل: امتنع مستكبرًا8.
الاستنكاف اصطلاحًا:
«هو الامتناع والانقباض عن الشيء حمية وعزة»9.
الصلة بين الاستكبار والاستنكاف:
فرق الزجاج بين التكبر والاستنكاف فقال: الاستنكاف تكبر فيه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك10، فإذا اقترن التكبر مع الأنفة كان استنكافًا؛ لذا كان الاستنكاف أوسع دلالة وأعلى رتبة من الاستكبار.
قال أبو السعود: «والاستكبار دون الاستنكاف المنبىء عن توهم لحوق العار والنقص من المستنكف عنه»11.
العجب:
العجب لغةً:
العجب بالضم: الزهو والكبـر، ورجلٌ معجبٌ: مزهوٌ بما يكون منه حسنًا أو قبيحًا، وقيل: المعجب، الإنسان المعجب بنفسه أو بالشيء، وقد أعجب فلان بنفسه إذا ترفع وتكبر فهو معجب برأيه وبنفسه. والاسم: العجب، وهذه المادة مما تدل عليه كبر واستكبار للشيء12.
العجب اصطلاحًا:
مسرة بحصول أمر، يصحبها تطاول به على من لم يحصل له مثله، بقول أو ما في حكمه، من فعل، أو ترك، أو اعتقاد.
الصلة بين الاستكبار والعجب:
«الفرق بين العجب والكبر:أن العجب بالشيء شدة السرور به حتى لا يعادله شيء عند صاحبه، تقول: هو معجب بفلانة إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه إذا كان مسرورًا بخصالها،ولهذا يقال: أعجبه، كما يقال: سُرَ به، فليس العجب من الكبر في شيء»13،فالعجب ليس هو الكبر، وإنما هو أحد أسبابه الداعية إليه14.
الاستعلاء:
الاستعلاء لغةً:
العين واللام والحرف المعتل أصل واحد يدل على السمو والارتفاع، ومن ذلك: العلاء والعلو، ويقولون: تعالى النهار، أي: ارتفع15.
الاستعلاء اصطلاحًا:
طلب العلو المذموم، وقد يكون طلب العلا أي الرفعة، وقوله: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [طه:٦٤]، يحتملهما16.
الصلة بين الاستكبار والاستعلاء:
الاستعلاء يشترك مع الاستكبار في معناه المجازي، ويفترق عنه في معناه الحقيقي،فأصل الكلمة أن تستعمل في الحقيقة على معنى الارتفاع ضد السفل، ثم تجوز بها عن التكبر والاستيلاء على وجه الظلم17، وقد وصف الله تعالى بالاستعلاء بعض خلقه في الحق تارة، وفي الباطل تارة أخرى،ولم يصف أحدًا بالاستكبار على الوجه المحمود.
العتو:
العتو لغةً:
عتا يعتو عتوًا وعتيًا: استكبر وجاوز الحد. والعتا: العصيان، والعاتي: الجبار، وجمعه عتاةٌ، والعاتي: الشديد الدخول في الفساد، المتمرد الذي لا يقبل موعظة18.
العتو اصطلاحًا:
العتو: عبارة عن الإباء والعصيان19، ومجاوزة الحد فيه بحيث لا يتأثر معه القلب بالموعظة ولا يقبل النصيحة.
قال تعالى حكاية عن بني إسرائيل وقد بلغ العتو فيهم مبلغه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأعراف:١٦٦].
والعتو هنا بمعنى التكبر، أي: «فلما تكبروا عن ترك ما نهوا عنه»20.
الصلة بين الاستكبار والعتو:
الفرق بين العتو والاستكبار واضح في أن العتو أعلى درجات الاستكبار، فإذا تجاوز المستكبر الحد في العصيان والتمرد، بحيث انغلق قلبه عن الموعظة وسماع النصيحة صار عاتيًا.
التواضع:
التواضع لغةً:
الوضع ضد الرفع، وضعه يضعه وضعًا وموضوعًا،والضعة: الذل والهوان والدناءة، والتواضع: التذلل وتواضع الرجل: ذل21.
التواضع اصطلاحًا:
«تذلل القلوب لعلام الغيوب بالتسليم لمجاري أحكام الحق»22.
الصلة بين الاستكبار والتواضع:
التواضع ضد الاستكبار، فالأول محمود، والثاني مذموم.
الكبرياء والعظمة لا يكونان إلا لله تعالى وحده لا يشاركه فيهما أحد، فليس للعبد الحق في أحدهما -فضلًا عن كليهما-، إذ هما من خصائص العلي الكبير سبحانه؛ لذا تقررت هذه العقيدة في آيات من كتاب الله تعالى، منها الآية الخاتمة لسورة الجاثية: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الجاثية:٣٧].
بعد أن ذكر سبحانه في مطلع السورة من مظاهر العظمة والكبرياء، وتوعد المستكبرين عن آياته بالعذاب الأليم، وقد تحقق هذا الوعيد قبيل ختام السورة الكريمة فقال: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الجاثية:٣١].
فكان سبب عذابهم أنهم نازعوا الله تعالى شيئًا من خصائصه وهو الكبرياء، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الشهير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)23.
وقد تأكدت هذه الحقيقة في قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الحشر:٢٣].
إنه سبحانه وتعالى ينزه نفسه عن أن يشاركه أحد في كبريائه، فهو المتكبر وحده، وكل من دونه فهو صغير حقير أمام عظمته جل جلاله.
«إن المخلوقين قد يتكبرون ويدعون مشاركة الله في هذا الوصف؛ لكنه سبحانه منزه عن التكبر الذي هو حاصل للخلق؛ لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم، فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي، أما الحق سبحانه فله العلو والعزة، فإذا أظهره كان ذلك ضم كمال إلى كمال، فسبحان الله عما يشركون في إثبات صفة المتكبرية للخلق.»24.
اقتران اسم الله الكبير بالعلي:
ورد اسم الله (الكبير) في خمسة مواضع من الكتاب العزيز، وجميع هذه المواضع اقترن فيها هذا الاسم بالعلو؛ ففي سورة الرعد قال: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الرعد:٩].
أما (ﯘ ﯙ) فقد وردت في أربع سور هي: الحج، لقمان، سبأ، وغافر، وهذه المواضع هي:
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحج:٦٢].
وقال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [لقمان:٣٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [سبأ:٢٣].
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [غافر:١٢].
وكما هو ملاحظ من الآيات أن جميعها جاءت في سياق الوحدانية والتفرد في المشيئة، وبما يؤكد أن الكبرياء والعظمة والعلو لله وحده لا شريك له، وأن ما دونه فهو مربوب مقهور.
عند النظر في كتاب الله تعالى نجد أن استكبار العبد يرجع إلى أسباب متعددة، نقف عليها من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الكفر:
«الكفر: تغطية ما حقه الإظهار، والكفران: ستر نعمة المنعم بترك أداء شكرها. وأعظم الكفر: جحود الوحدانية أو النبوة أو الشريعة. والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالًا، والكفر في الدين أكثر»25.
فالكافر: هو من جاءه الحق من الله تعالى على لسان الرسل أو من ينوب منابهم في مهمة الدعوة إلى الله، فاستكبر عن الخضوع والإذعان له، وتمرد وتعالى عليه، وجحد نعمة الدين، وأبى أن يكون من الموحدين التابعين له.
إن الله تعالى قد وصف قومًا من أهل النار بأنهم كذبوا بآيات الله واستكبروا عنها، وأنهم كانوا من الكافرين.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الزمر:٥٩].
وذكر تعالى أن عادًا جحدوا آيات الله، وتمادوا في عتوهم وعنادهم، فكان كفرهم وجحودهم سببًا في استكبارهم بغير الحق، وكان استكبارهم سببًا في عذابهم وهلاكهم.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [فصلت:١٥-١٦].
وأخبر تعالى عن قوم نوح عليه السلام، وقد وصل بهم العناد والجحود والكفر إلى درجة بالغة، فكان ذلك الإصرار على الكفر سببًا لبلوغ الكبر عندهم إلى أعلى الدرجات، حتى صور الله حالهم بصورة تبين ذلك بأبلغ تصوير، فقال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [نوح:٧].
فالكفر هو أحد الأسباب القوية لحصول الكبر، ومانع من الهداية إلى الإيمان.
ثانيًا: اتباع الهوى:
«الهوى: ميل النفس إلى الشهوة، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة، وقيل: سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية»26.
ويطلق الهوى ويراد به المحبة، كما يطلق على الشيء المحبوب مبالغة، كما يكنى به عن الباطل والجور والظلم لما هو متعارف من الملازمة بين هذه الأمور وبين هوى النفس، فإن العدل والإنصاف ثقيل على النفوس فلا تهواه غالبًا،»وهوى النفس يكون في الأمور السهلة عليها، الرائقة عندها، ومعظم الكمالات صعبة على النفس؛ لأنها ترجع إلى تهذيب النفس والارتقاء بها عن حضيض الحيوانية إلى أوج الملكية»27.
ولما كان الاستكبار مما تهواه النفس وتميل إليه؛ كان الهوى سببًا له، وسبيلًا إليه، وقد أخبر تعالى أن بني إسرائيل تمردوا على الحق لما جاءهم، وكذبوا رسلهم وقتلوهم، وسبب ذلك هوى النفس الذي ساقهم إلى الاستكبار والتمرد.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة:٨٧].
فهذه الآية الكريمة تكشف عن النفسية اليهودية المتمردة المتكبرة على رسل الله ودعاة الحق، فقد أخبر تعالى أنه أرسل إليهم رسله تترا، مؤيدين بالآيات الباهرات، والمعجزات البينات، وأيدهم بروح القدس جبريل عليه السلام، كل ذلك من أجل هدايتهم إلى دين الله القويم وصراطه المستقيم، والأخذ بأيديهم من موارد الردى والحرمان إلى نور الهداية والإيمان؛ رحمة بهم، وإشفاقًا عليهم، فبدلًا من أن ينصاعوا لأمر الله، ويستجيبوا لداعي الله، حملتهم الأنفة والكبرياء إلى معاندة كل ما لا يوافق هوى نفوسهم، وقتل كل داعٍ إلى الفضيلة وترك الرذيلة، وهذه النفسية لا تقف عند حدٍ زمني، أو تنقطع عند حدٍ مكاني، وإنما لها صورة مستنسخة عبر العصور وتعاقب الأجيال، لا يكسر كبرياءهم إلا قوة الحق، وقد كسر ومرغت أنوفهم في التراب حتى سمع لأعتاهم قوة عويل.
ثالثًا: إنكار البعث:
بعث الأجساد بعد فنائها عقيدة لا يماري فيها إلا معاند مكابر جهول، فقد ثبت يقينًا بالأدلة النقلية والعقلية وفي الواقع ما يؤكد البعث والنشور، ويبرهن عليه بأبلغ برهان، وفي القرآن-خاصة المكي منه- بيان شافٍ لهذه الحقيقة، ومجادلة قوية لمنكريها، فهي إحدى كبريات العقيدة الثلاث التي كان ينكرها المشركون-التوحيد والرسالات والبعث-.
وقد كشف القرآن الكريم عن أن إنكار البعث سبب من الأسباب التي تؤدي إلى الاستكبار والتعاظم والتمرد على الحق، فقال جل جلاله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الفرقان:٢١].
والمراد بقوله (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) «يريد: لا يخافون البعث ولقاء الله، أي لا يؤمنون بذلك.»28 فكان إنكارهم للبعث سببًا في إضفاء صفة الاستكبار عليهم، وإلصاق هذه التهمة بهم، وتميزهم بها عن غيرهم.
رابعًا: الحسد:
الحسد مرض من أمراض القلوب المؤدية إلى المهالك؛ ومنه ما هو محمود، وهو ما يسمى (غبطة)، وهو أن يكون لأخيك نعمة لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها، وهذا مباح لا إثم فيه.
والآخر مذموم: وهو أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمى حسدًا. فالحسد حده: كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه، وهو محرم 29.
والمقصود في هذا المبحث من هذين المعنيين هو الثاني؛ لأنه الذي يؤدي إلى الكبر؛ كما حدث مع إبليس اللعين حين أمر بالسجود لآدم عليه السلام فأبى واستكبر؛ وعلل امتناعه عن السجود بأنه خير من آدم، واستدل على ذلك بأصل الخلقة، فقاس أصل خلقته بأصل خلقة آدم عليه السلام، فقال: أنا خير منه، وما منعه إلا الكبر، وما كان سببه في الحقيقة إلا الحسد. ويصور القرآن ذلك المشهد فيقول الله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف:١١-١٣].
قال قتادة: «حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة فقال: أنا ناري وهذا طيني، فكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم»30.
وعن جنادة بن أبي أمية قال: أول خطيئة كانت الحسد، حسد إبليس آدم أن يسجد له حين أمر، فحمله الحسد على المعصية31.
فالحسد قد تسبب عنه الكبر الذي جعل إبليس يأبى السجود لآدم عليه السلام طاعة لأمر الله، وقبولًا للحق، لذا قال حجة الإسلام الغزالي: «ويدعو الحسد أيضًا إلى جحد الحق، يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل؛ لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدًا وبغيًا عليه، فهو يعرض عنه ويتكبر عليه مع معرفته بأنه يستحق التواضع بفضل علمه، ولكنه الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبرين، وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه»32، فالحذر الحذر منه.
خامسًا: القوة المادية:
القوة المادية من أهم الأسباب التي تدعو إلى التكبر والتمرد على الحق، والتعالي على العباد، واستحقارهم والاستخفاف بهم.
ولعل الناظر في كتاب الله تعالى يجد نماذج متعددة حول هذه القضية، فقد ذكر لنا القرآن من شأن موسى وفرعون ما يؤكد أن القوة المجردة عن إيمان صاحبها تسوقه إلى الكبرياء والتعاظم على الآخرين، واحتقارهم واستصغارهم، والنظر إليهم نظر شزرٍ.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [المؤمنون:٤٥-٤٨].
فهذه النظرة الفرعونية إلى موسى وقومه على أنهم عبيد له ولملئه تنم عن كبر في نفوسهم، وتعاظم وتعالٍ، وسبب هذه النظرة هو ما هم عليه من القوة المفرطة، والسلطان والفاجر. وقد عبر القرآن الكريم عن هذا الكبر لدى فرعون في موضع آخر؛ حيث قال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الزخرف:٥١-٥٣].
فهذه النظرة الدونية من فرعون لموسى عليه السلام سببها ما كان عليه فرعون من القوة والسلطان.
وقد سبق فرعون قوم هود عليه السلام فيما ذكر القرآن الكريم من أخبارهم، وقص علينا من أنبائهم، إذ إنهم استكبروا وجحدوا آيات الله، وكان سبب هذا التمرد والتكبر والطغيان هو ما كانوا عليه من القوة الشديدة، فاغتروا بهذه القوة وتكبروا على الحق، فأهلكهم الله.
قال الله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [فصلت:١٥-١٦].
ولا عجب أنك ترى في هذا الزمان من أوتي من القوة والعتاد على المستوى العسكري والتكنولوجي ما أبهر المنهزمين نفسيًا وأخلاقيًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، حتى اعتقد أكثرهم أن تلك الدولة صاحبة تلك القوة لن تهزم، وأن أحدًا لن يستطيع أن يصمد أمامها، وقاس هؤلاء المنهزمون قوة العدو بقوة المجاهدين، وقضوا بأن لا تكافؤ بين القوتين، وأن الهزيمة محققة للمجاهدين.
ونسي هؤلاء المنهزمون، ونسي كذلك هؤلاء المغترون بقوتهم وعتادهم أن الله هو أشد منهم قوة، وأنه سبحانه مهلك الطغاة المتمردين، والعتاة المتكبرين. إنها سنة الله في الأولين والآخرين، فكما أهلك عادًا الأولى، وفرعون الذي طغى، فإنه مهلكٌ كل متمرد على الحق، متكبر على عباد الله، وحينئذٍ لن تكون له فئة ينصرونه من دون الله، ولن يكون منتصرًا.
بديهي أن يكون المتكبر في المجتمع ظاهرًا، وأن حاله معلومة بصفات تظهر عليه، وتبدو في أفعاله وسلوكه، ولظهور أمر المتكبرين في المجتمع «قال العلماء: كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان.»33.
والاستكبار له علامات تدل عليه، وأمارات تومئ إلى أن صاحبها من المتكبرين، نقف على تلك المظاهر ونتعرف عليها من خلال النقاط الآتية:
أولًا: ترك العمل بشرع الله:
هذه أول خصلة من خصال المتكبرين، فهم قوم يعاندون الحق، ويتمردون على شرع الله، ويتكبرون على رسل الله والدعاة، فيكون تركهم للعمل بشرع الله من باب أولى.
لذا نجد القرآن الكريم قد ذكر أن أول مظهر من مظاهر الاستكبار هو ترك العمل بشرع الله، والتمرد على طاعته والإذعان لأمره، وهو ما وقع من إبليس اللعين، حيث أبى الخضوع لأمر الله ورفض طاعته فيما أمره به من السجود لآدم عليه السلام.
قال الله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة:٣٤].
فكان رفضه للسجود لآدم مظهرًا من مظاهر كبره. وشأن كل من أبى السجود لله تعالى شأن إبليس في رفضه السجود لآدم عليه السلام، لذا ذم الله ناسًا استكبروا عن السجود له حين أمرهم به، ومدح من خضع إلى عظمته وتذلل إليه، فذكرهم بصفة العبادة الدائمة والطاعة المطلقة التي لا يشوبها كبر ولا تمرد على أمره، مرغبًا في الطاعة، ومحذرًا من المخالفة.
فقال الله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [فصلت:٣٧-٣٨].
وفي سياق آخر أمر الله تعالى بالإصغاء والإنصات لكلامه إذا تلي، وبذكره ذكرًا دائمًا سرًا وجهارًا، ليلًا ونهارًا، ونهى عن الغفلة عن ذكره، ثم مدح الذين عنده بصفة التواضع وعدم التكبر عن أمر الله وطاعته؛ تعريضًا بمن غفل عن ذكر الله، وأن ترك العمل بشرعه، ومخالفة أمره ومعصيته ليست من شأن العابدين الطائعين، وإنما هي من شأن المستكبرين.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأعراف:٢٠٦].
إن طاعة الله تعالى فيما أمر، والبعد عن كل ما نهى عنه وزجر سمة المؤمنين العابدين، وهي مظهر من مظاهر التواضع والخضوع والتذلل لعظمة الله، وعلى العكس تمامًا فإن الذي يرفض العمل بشرع الله، ويأبى الطاعة المطلقة للخالق الكبير المتعال، يعد فعله هذا مظهرًا من مظاهر التكبر والكبرياء على منهج الله.
ثانيًا: التكذيب:
من مظاهر الاستكبار: التكذيب بكل ما هو حق، والتصديق بالباطل، فإذا رأيت الرجل يكذب بالحق إذ جاءه، ويماري فيه بعدما تبين، فاعلم أنه من المستكبرين، وقد قص علينا القرآن من خبر الأولين، وكشف عن صفة السابقين؛ بأنهم كذبوا بآيات الله واستكبروا عنها، وكذبوا رسل الله بعدما جاءوهم بالبينات، واتهموهم بأنواع الفرى والأباطيل، فاسمع إلى هذا الحوار الذي يظهر فيه تعنت فرعون وملئه، وتكبرهم على موسى وأخيه-عليهما السلام- وتعاليهم عليهما، برغم وضوح المعجزات بما لا يدع مجالًا للمماطلة، لكنهم قوم مستكبرون على الحق مجرمون، ولو جاءتهم كل آية لا يؤمنون.
قال الله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [يونس:٧٥-٧٨].
فأي تعنت هذا؟! وأي استكبار ومعاندة؟! تكذيب فاتهام، يتلوهما قرار برفض الإيمان بما جاء به موسى عليه السلام بحجة التمسك بموروث الآباء والأجداد، وبمبرر زائف ممجوج: وتكون لكما الكبرياء في الأرض، وهذا لعمري تصرف الجهلاء، لا يقارعون الحجة بالحجة، وإنما يلجأون إلى الاتهامات والأراجيف وسيلة للدفاع عن غيهم وتكذيبهم، فأمرهم عجيب، وشأنهم غريب.
وإن من مظاهر تكذيبهم بالحق أنهم يكفرون بالله ويجعلون له الشريك، رغم وضوح الدلائل وظهور البراهين، فإنهم يبقون على ما هم عليه من الشرك، ويصرون على ما هم عليه من الكفر والجحود، استكبارًا من عند أنفسهم.
قال تعالى شأنه: (ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النحل:٢٢].
«لما ذكر تعالى ما اتصفت به آلهتهم بما ينافي الألوهية، أخبر تعالى أن إله العالم هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ، وأن الذين لا يؤمنون بالجزاء بعد وضوح بطلان أن تكون الإلهية لغيره بل له وحده، هم مستمرون على شركهم، منكرون وحدانيته، مستكبرون عن الإقرار بها؛ لاعتقادهم الإلهية لأصنامهم وتكبرها في الوجود. ووصفهم بأنهم لا يؤمنون بالآخرة مبالغة في نسبة الكفر إليهم، إذ عدم التصديق بالجزاء في الآخرة يتضمن التكذيب بالله تعالى وبالبعث، إذ من آمن بالبعث يستحيل أن يكذب الله عز وجل.»34 فظهر بذلك أن إشراكهم مع الله آلهة أخرى، وتكذيبهم به وباليوم الآخر مظهر من مظاهر كبرهم وجحودهم.
وقد توعد الله تعالى هؤلاء المكذبين المصرين على ما هم عليه من الكبر، فقال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الجاثية:٧-٨].
وهذا الكبر لا يقف على زمان دون زمان، ولا يختص به مكان دون مكان، وإنما هو متعاقب في الأجيال عبر الأزمان، فلا يكاد يخلو زمان من الأزمنة، أو مكان من الأمكنة من المكذبين المنكرين للحقائق تمردًا وتكبرًا، ألا ترى العالم اليوم؟! كيف يرى الظلم عدلًا ويرى العدل ظلمًا؟! وكيف يبرر للظالم ظلمه؟! بهذه العنجهية المتغطرسة يرون الحقيقة بادية فيتكبرون عليها، ويصرون على غيهم وعنادهم، حين يقتل المسلم أو يدافع عن نفسه وأرضه وعرضه يقولون: إرهابي، وإن شيك الظالم الباغي يستنكرون ويشجبون، بهذه النفسية المتمردة على الحق يبررون لظلمهم في إعلامهم الكاذب، ويسوقون لكذبهم ودجلهم باصطناع البرامج وفبركتها والتلبيس على العامة. فالكذابون والدجالون هم هم، الذين كانوا على عهد موسى عليه السلام، هم أنفسهم الذين كانوا على عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أنفسهم -على نفس المنهجية- في عصرنا الحالي، لا يتغيرون ولا يتبدلون، الكذب سمتهم، فويل لهم.
ثالثًا: احتقار الناس وظلمهم:
من أبرز المظاهر التي تبدو على المتكبرين احتقارهم للناس وازدراؤهم لهم، لأن التكبر تعالٍ على الناس، فيرى المتكبر نفسه في درجة أعلى، ومنزلة أسمى. إن المتكبرين في حالهم هذه أشبه بحال من كان على قمة جبل والناس من تحته، فهو يراهم صغارًا، ويرونه صغيرًا.
لقد كشفت آيات القرآن الكريم عن هذه السمة عند المتكبرين، وذمت فيهم هذه الخصلة، حينما نظروا إلى المؤمنين الذين اتبعوا رسل الله نظر شزر وازدراء، فقال جل شأنه في حق الملأ من قوم نوح عليه السلام الذين ازدروا المؤمنين بقولهم: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [هود:٢٧].
فرد عليهم نبي الله نوح عليه السلام: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [هود:٣١].
وهذا يوضح لنا أن هذه النظرة من الملأ للمؤمنين مظهرٌ من مظاهر التكبر والتعالي، فكان تكبرهم هذا سببًا في عدم متابعة نبيهم والإيمان برسالته.
وشأن الملأ في نظرتهم هذه إلى المؤمنين التابعين للرسل تكررت من فرعون لموسى عليه السلام، وإن اختلفت في شكلها، لكنها هي هي في مضمونها.
قال تعالى حكاية عن فرعون: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الزخرف:٥٢].
والمعنى: «(ﮇ ﮈ ﮉ) مع هذه المملكة والبسطة(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)ضعيفٌ حقيرٌ، من المهانة: وهي القلة. (ﮏ ﮐ ﮑ)أي الكلام.
قاله افتراءً على موسى عليه السلام؛ تنقيصًا له عليه السلام في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه عليه السلام من نوع رتةٍ، وقد كانت ذهبت عنه؛ لقوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [طه:٣٦]»35.
وقد تكرر الأمر مع خير الخلق وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، يحتقرونه ويزدرونه ويستهزئون به ويسخرون منه، فقالوا له كمقالة فرعون تلك لموسى عليه السلام، (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزخرف:٣١].
«وهذا باب آخر من إنكارهم للنبوة، وذلك أنهم أنكروا أولًا أن يكون النبي بشرًا، ثم لما بكتوا بتكرير الحجج، ولم يبق عندهم تصور رواج لذلك، جاؤا بالإنكار من وجه آخر، فتحكموا على الله سبحانه أن يكون الرسول أحد هذين، وقولهم (ﮰ ﮱ) ذكر له على وجه الاستهانة؛ لأنهم لم يقولوا هذه المقالة تسليمًا بل إنكارًا، كأنه قيل: هذا الكذب الذي يدعيه لو كان حقًا لكان الحقيق به رجل من القريتين عظيم، وهذا منهم لجهلهم بأن رتبة الرسالة إنما تستدعي عظيم النفس بالتخلي عن الرذائل الدنية، والتحلي بالكمالات والفضائل القدسية دون التزخرف بالزخارف الدنيوية»36.
ولهذا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مستهزئين به، منتقصين مستصغرين له: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفرقان:٤١].
«وفي اسم الإشارة دلالة على استحقارهم له، وتهكمهم به»37.
وأشبه بهم حال المنافقين، حيث كانوا على هذه الشاكلة من الاستهزاء والازدراء، حتى ظهر ذلك في سلوكهم، فقد أخبر القرآن عنهم بما يفضح سريرتهم، ويكشف سوأتهم، وذلك في سورة الفاضحة-التوبة.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [التوبة:٦٥-٦٦].
وكذلك فضحهم في سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال جل شأنه: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [محمد:١٦].
يقول سيد قطب رحمه الله عن سؤالهم هذا: «... قد يدل من جانب آخر على الغمز الخفي اللئيم، إذ يريدون أن يقولوا بسؤالهم هذا لأهل العلم: إن ما يقوله محمد لا يفهم، أو لا يعني شيئًا يفهم. فهاهم أولاء مع استماعهم له، لا يجدون له فحوى ولا يمسكون منه بشيء!
كذلك قد يعنون بهذا السؤال السخرية من احتفال أهل العلم بكل ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم وحرصهم على استيعاب معانيه وحفظ ألفاظه -كما كان حال الصحابة رضوان الله عليهم مع كل كلمة يتلفظ بها الرسول الكريم- فهم يسألونهم أن يعيدوا ألفاظه التي سمعوها على سبيل السخرية الظاهرة أو الخفية، وكلها احتمالات تدل على اللؤم والخبث والانطماس والهوى الدفين»38.
لم يتغير حال المتكبرين في استصغارهم واحتقارهم وازدرائهم للمؤمنين والدعاة، كأن هذا الأمر فيهم وراثة، ورثوه كابرًا عن كابر، بداية من قوم نوح عليه السلام، إلى قوم موسى عليه السلام، إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا زال الأمر باقٍ إلى يومنا هذا.
ولعل وسائل الإعلام المغرضة والمسيسة التابعة إلى بعض الحكومات المنحرفة، وما يجري فيها من لقاءات وبرامج خير شاهد على استمرار احتقار أهل الفضل والصلاح، والسخرية والاستهزاء من الجماعات العاملة في حقل الدعوة، ليظل هذا مظهرًا فيهم، يعرفون به، وتعلم أحوالهم من خلاله.
رابعًا: جحود نعم الله:
امتن الله تعالى على عباده بما آتاهم من نعم لا تعد ولا تحصى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [إبراهيم:٣٤].
وجعل الله تعالى هذه النعم مسخرة لهذا الإنسان وطوعها له، يتصرف فيها بأنواع التصرف.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [لقمان:٢٠].
وأمر الله تعالى هذا الإنسان بأن يصون هذه النعم ولا يجحدها؛ لأن جحدها مؤذنٌ بزوالها، كما أن شكرها يزيدها وينميها.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [إبراهيم:٧].
إلا أن الإنسان ظلوم كفار، قليل الشكر، كثير الجحود لهذه النعم-إلا من رحم الله.
إن جحود الإنسان لنعم الله تعالى عليه، وعدم شكرها يعد مظهرًا من مظاهر كبره، وعلامة من علامات تمرده ونكران الجميل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
فكان حريًا به أن يشكر هذه النعم التي أولاها الله إياه بغير حساب، فالله غني عن عباده وهم محتاجون إليه.بيد أن فئة من الناس تكبرت على هذه النعم وجحدتها، فكان عذاب الله شديدًا، فآخذهم على نكرانهم وكفرهم لهذه النعم.
وقد ضرب الله تعالى مثلًا لهذا النوع من الناس بقصة قارون من قوم موسى، الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ونصحه الصالحون من قومه ألا تفرح فإن الله لا يحب الفرحين، وذكروه بالآخرة، وأنها خيرٌ وأبقى، وحذروه ونصحوه، لكنه كفر هذه النعمة وجحدها، وأبى أن يرجع فضلها إلى الله، وقال: إنما أوتيته على علم عندي.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [القصص:٧٦-٧٨].
فلما كان كذلك أنزل الله عليه سخطه وعذابه، فخسف به وبداره الأرض ليكون عبرة لمن بعده، (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [القصص:٨١].
وأعظم نعمة وهبها الله لهذا الإنسان في الوجود يجحدها المنكرون هي نعمة الإسلام؛ حيث أرسل الله رسله لهذا الإنسان يهدوه إلى الدين القويم والصراط المستقيم، ويرشدوه إلى رضا الله، وإلى ما يحفظ عليه كيانه ومكانته في هذا الوجود، لكن هذا الإنسان واجه دعوة الرسل بالكفران، وكال الاتهامات إلى رسل الله كيلًا، كما أخبر بذلك القرآن: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الذاريات:٥٢].
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [فصلت:١٥].
وقوم نوح عليه السلام لما دعاهم نبيهم ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، بدلًا من أن يؤمنوا، (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [نوح:٧].
هذا الرفض للدين الذي دعا إليه رسل الله يعد مظهرًا من مظاهر الاستكبار على هذه النعمة العظيمة، وكثيرٌ هم من هذا حالهم (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [سبأ:٣١].
بهذا الكبرياء، على مر العصور وفي كل مكان على تعاقب الزمان.
خامسًا: إكراه المستضعفين على اتباع الباطل:
من مظاهر الاستكبار: إكراه الملأ وكبراء القوم من الظلمة والفسقة للمستضعفين على اتباعهم على باطلهم، وكفرهم كما كفروا ليكونوا سواءً على ملة واحدة، وهذه سمة بارزة في الأقوام الأولين منهم والآخرين، ومن قرأ قصص الأولين وسيرة خير المرسلين وقف على هذا الأمر، وأدرك يقينًا أن الملأ والسادة لا يهنأون ولا يهدأون وهم يجدون ضعفاء القوم على الحق سائرين؛ لأن هذا في نظرهم يهدد مصالحهم، إذ كيف يكون لهم سلطة ونفوذ إذا لم يوجد مستضعفون تحت إمرتهم، يأمرونهم وينهونهم وينفذون لهم ما يريدون؟! إذن مصلحتهم تقتضي أن يكون المستضعفون من القوم على ملتهم وتحت إمرتهم، هم يخططون، والمستضعفون ينفذون.
وقع الإكراه من الملأ لنبي الله شعيب عليه السلام والمؤمنين معه، حيث هددوه وحذروه بين أن يخرجوه من بلده ووطنه ومن بين أهله، أو أن يعود لدينهم ويدخل في ملتهم-ملة الكفر-؛ لكن الإيمان إذا تملك القلب وتمكن منه، فهيهات هيهات أن يكون للشرك والكفر منه نصيب، هذا ما وقع بين نبي الله شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين وبين قومه المتكبرين المتمردين على الحق، فقد قص علينا القرآن من نبئهم فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف:٨٨-٨٩].
«هكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غلبوا بالحجج والبراهين يفزعون إلى القوة،فلما أفحمهم شعيب خطيب الأنبياء عليهم السلام، وقطع الطريق عليهم شهروا السلاح في وجهه، وهو النفي والإخراج من البلاد أو العودة إلى دينهم الباطل.»39وهذا حال الظالمين في كل زمان.
إن قوم صالح عليه السلام نموذجٌ حيٌ في هذا الباب، فلنذكر الآيات الكريمات التي تقص علينا من أخبارهم.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأعراف:٧٥-٧٧].
إنها قمة العنجهية والكبرياء والإباء من السادة والقادة، وفي المقابل ثبات ويقين وصدق مع الله من قبل المستضعفين، فالملأ من قوم صالح عليه السلام -كما يبدو من سياق الآيات- خلوا بالمستضعفين من المؤمنين، وجلسوا إليهم في معزل عن نبي الله صالح عليه السلام، وهددوهم وخوفوهم من متابعته، ولكنه اليقين وثبات الإيمان حينما يتملك القلوب لا تزعزعه التهديدات ولا الوعيدات ولا أي قوة مهما بلغت.
يقول سيد قطب رحمه الله : «وواضح أنه سؤالٌ للتهديد والتخويف، ولاستنكار إيمانهم به، وللسخرية من تصديقهم له في دعواه الرسالة من ربه.ولكن الضعاف لم يعودوا ضعافًا! لقد سكب الإيمان بالله القوة في قلوبهم، والثقة في نفوسهم، والاطمئنان في منطقهم. إنهم على يقين من أمرهم، فماذا يجدي التهديد والتخويف؟ وماذا تجدي السخرية والاستنكار من الملأ المستكبرين؟ (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)»40.
فكأن هذا تحدٍ من المستضعفين للملأ المستكبرين، تحدٍ على الثبات على الحق وعدم الانحياد عنه رغم التهديد والوعيد، بل ورغم مباشرة القتل وتنفيذ الوعيد، تمامًا كما وقع من قوم موسى وفرعون، حيث آمن السحرة برب العالمين، وهددهم فرعون بأن يصلبهم في جذوع النخل، ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، لكنهم ثبتوا على الحق بعدما تبين لهم، وصبروا على أذى فرعون، وفضلوا الباقية على الفانية: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [طه:٧٢-٧٣].
وأيضًا: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأعراف:١٢٥-١٢٦].
ولا فرق بين هذه العنجهية والكبرياء الذي عليه المتمردون في الأقوام السابقة وما عليه المتمردون والمستكبرون في هذا العالم الظالم اليوم، حينما يجد المسلمون أنفسهم في موجة من التحديات عاتية، وممارسات في حقهم مجحفة، ليس ذلك إلا لأنهم ينشدون نشر العدل والفضيلة، وكف الظلم والرذيلة، ويطلبون الكرامة لهذا الإنسان في هذا الوجود، لا أن تكون الحياة لصنف الظلمة والمستكبرين، والسحق للباقين، فإن هذا لا يرضي أحدًا من المنصفين.
سادسًا: العتو والطغيان:
تلمس وأنت تقرأ سيرة المستكبرين في القرآن الكريم مدى التعالي والعتو والطغيان الذي هم عليه، وتجد فيهم البطش الشديد ضد الأنبياء والمرسلين، وأولياء الله الصالحين، فهذه الصورة تعد مظهرًا بارزًا من مظاهر الاستكبار، بها يعرفون، ومن خلالها يتميزون.
ولعل إكراه المستكبرين للمستضعفين على اتباع باطلهم، يعد نموذجًا حيًا ومثالًا واضحًا لما عليه المستكبرون من عتو وطغيان، إنهم لم يكتفوا بما هم عليه من الباطل، بل ذهبوا يضلون عباد الله المؤمنين، ويسعون لصدهم عن سبيل الله بمختلف الوسائل والسبل، حتى لو كان ذلك بالتهديد والتعذيب، أو قد يصل أحيانًا إلى درجة القتل،قد بلغوا في ذلك حد التفاني في الصد عن الحق.
فانظر إلى طغيان فرعون، فيما أخبر القرآن عنه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [القصص:٣٨-٣٩].
وقال عنه أيضًا: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النازعات:٢٤].
ولذلك قال الله تعالى عنه: (ﭛ ﭜ) [النازعات:١٧].
فأي استكبار بعد هذا الاستكبار؟!
وأي طغيان بعد هذا الطغيان؟! أن ينازع الله تعالى في ألوهيته وربوبيته فذلك قمة العتو والطغيان والاستكبار.
ويناظره نمرود الذي ادعى ذلك لنفسه، فقال لإبراهيم عليه السلام: (ﮁ ﮂ ﮃ) [البقرة:٢٥٨].
وانظر أيضًا رد الملأ من قوم صالح عليه السلام بعدما تبين لهم الحق: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأعراف:٧٧].
تحدٍ صارخ، وعتو فاجر، وإصرار على العناد والكفر، فكان عاقبة أمرهم خسرًا.
وقد سبقهم في موقفهم هذا قوم نوح عليه السلام، فقد أمرهم ونهاهم، وبين لهم ما به يتقون، فاحتجوا لكفرهم به بأنه اتبعه الأرذلون، فلما أجابهم بأنه ليس إلا رسول مبين: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الشعراء:١١٦].
«عدلوا بعد تلك المحاورة بينهم وبين نوح إلى التجبر والتوعد، فلما سمع نوح قولهم هذا، قال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الشعراء:١١٧].
أي: أصروا على تكذيبي، ولم يسمعوا قولي، ولا أجابوا دعائي»41.
فهذا هو حال المستكبرين في كل زمان، فلقد رأينا اليوم أقوامًا لا يختلف حالهم عن سلفهم الأولين، يحذون حذوهم في مواجهة الحق، ويسيرون على خطاهم في الكيد للإسلام والمسلمين، ومظهر العتو والطغيان فيهم بارز للعيان، لا يحتاج تصنيفهم في المستكبرين والمتمردين في هذا الكون في هذا الزمان كثير تفكير أو روية، فإنهم قوم ملكوا من أسباب القوة المادية أو التكنولوجية أو الاقتصادية أو الإعلامية... الخ، ما يجعلهم يتمردون ويظهرون بهذه الغطرسة والكبرياء في هذا العالم.
ولكن الحق في علو وظهور، والباطل في انحدار وانكسار، ولكنكم تستعجلون، وهي سنة الله في الأولين والآخرين، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا.
سابعًا: الاستنكاف عن العبادة:
سبق أن بينا معنى الاستنكاف، وهو أوسع دلالة وأعلى رتبة من الاستكبار، لما فيه من الأنفة والتنقص والاستصغار. والاستنكاف عن عبادة الله تعالى مظهر من مظاهر الاستكبار وعلامة من علاماته؛ لذا توعد الله تعالى المستنكفين عن عبادته بالعذاب الأليم، فقال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء:١٧٢-١٧٣].
«أي: يأنف تكبرًا، ويعد نفسه كبيرًا عن العبادة»42.
وهذا المظهر للمستنكفين عن عبادة الله تعالى يبدو واضحًا في قوم هود عليه السلام، إذ أخبرنا القرآن الكريم من حالهم وصفاتهم حينما دعاهم نبي الله هود عليه السلام إلى التوحيد، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، فكذبه قومه واتهموه بالسفاهة، وذكرهم بما حدث لقوم نوح عليه السلام حينما كذبوا رسولهم ماذا حدث لهم؟! لكن ردهم عليه كان ينم عن كبر وأنفة ورفض لعبادة الله وحده مع ترك عبادة ما كان عليه الآباء والأجداد، (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأعراف:٧٠].
ومثلهم قوم صالح عليه السلام، فعلوا مثل فعلتهم، وردوا على نبيهم بالرد إياه، (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود:٦٢].
إن من كان هذا شأنه، وظهرت فيه صفة الاستنكاف عن عبادة الله، يلتمس لاستنكافه هذا المعاذير والحجج التي لا اعتبار لها عند العقلاء- ليعد هذا مظهرًا من مظاهر الاستكبار والتمرد.
ثامنًا: التعاظم عن اتباع الحق:
من مظاهر الاستكبار: التعاظم عن اتباع الحق، والسير على طريق الهدى، واختيار السبيل الموصل إلى جنات الله رب العالمين، يتنكب هؤلاء المستكبرون تلك الطريق، يختارون الضلال على الهدى، والكبرياء على التقى، فبئس الاختيار.
وليس أدل على هذا المظهر مما ورد في شأن المنافقين-أخص بالذكر عبد الله بن أبي بن سلول- الذي كان يرأس حركة النفاق في المدينة المنورة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ومما ورد في القرآن الكريم من كشف لسوءتهم وهتك لسترهم، ما ورد في سورة المنافقون. قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المنافقون:٥].
إنه قد علت أنفتهم، وشمخت أنوفهم -فيما يبدو لهم- إلى الحد الذي جعلهم يتعالون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسعون للصد عن سبيل الله، تعاظمًا منهم عن اتباع الحق، وإمعانًا في الباطل والضلال، وهذه السمة موجودة عند كثير من الناس، تكبرًا كان ذلك صراحة منهم أو ضمنًا؛ لأن من ظهر له الحق ولم يتبعه، وأصر على ما هو عليه من الضلال والانحراف، يعد هذا تعالٍ على الحق، وترفعٌ عن التواضع لعظمة الله فيما تعبد به الناس، ومن رفض أمر الله وفعل خلافه يعد هذا تمردًا على الحق، وتكبرًا على أمر الله، لذا كانت هذه الصفة مظهرًا من مظاهر الاستكبار بغير الحق.
فهذه جملة من مظاهر الاستكبار، حيثما وجدت إحداها في المرء كانت صفة من صفات المستكبرين في الأرض بغير الحق، مؤذنة بنزول سخط الله عليه، وهو في هذه الحالة بين خيارين: إما أن يتركها ويتبع الهدى، ويتواضع لله وللناس، أو أن يتمادى في هذه الكبيرة، وحينئذٍ ليعلم أن فعله هذا يجعله مستحقًا لسخط الله وعقابه. وعلى العاقل أن يعرض نفسه على هذا الميزان ليرى أين يسير، وكيف المصير.
قص علينا القرآن الكريم من أخبار السابقين أفرادًا وجماعات، وكشف عن أحوالهم وصفاتهم ومصارعهم، وذكر الأسباب التي أدت إلى هلاك من أهلك منهم، ونجاة من أنجى، فكان الاستكبار عن طاعة الله تعالى سببًا رئيسًا من أسباب الهالكين المعذبين، وهاهنا أقف على نماذج من أحوال هؤلاء، سواء على مستوى الأفراد، أو على مستوى الجماعات.
أولًا: أفراد مستكبرون:
هذه أمثلة يضربها لنا القرآن الكريم فيها موعظة بليغة للمعتبرين، وفيها من الزجر والوعيد للمخالفين:
١. إبليس.
وهو أول المستكبرين المستنكفين عن أمر الله، قص الله تعالى علينا من أخباره، وكرر قصته في سورٍ عدةٍ، ليحذرنا منه، ويبين لنا مدى عداوته لهذا الإنسان، وأن هذه العداوة متجذرة فيه وفي ذريته لا محيد له عنها، وهي ترجع في تاريخها إلى لحظة خلق الله آدم عليه السلام، وأمر الملائكة بالسجود له تشريفًا وتكريمًا، وعبادة لله تعالى، لكن اللعين رفض أمر الله، وأبى أن يكون من الساجدين، فمقته الله تعالى، إذ كيف له أن يرفض أمر خالقه؟! لكنه الكبرياء والتعاظم، فسأله الله تعالى عن سبب امتناعه عن السجود لآدم الذي خلقه الله بيديه؟ فقال: أنا خير منه، وقاس أصل خلقة آدم بأصل خلقته، فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، والنار في نظره أفضل من الطين، فكيف يسجد الفاضل للمفضول؟! فتكبر عن أمر الله، وطلب من الله تعالى أن ينظره إلى يوم يبعثون، فأنظره الله تعالى إلى يوم الوقت المعلوم، فأقسم بعزة الله ليفتنن آدم وذريته أجمعين، وليغوينهم ويضلنهم عن الطريق المستقيم، لكن الله تعالى قد كتب أنه لا سلطان لإبليس على عباد الله المؤمنين، وإنما سلطانه على الذين يتبعونه من الغاوين.
قال تعالى مخبرًا عن ذلك:. (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأعراف:١١-١٨].
لذا حذر الله تعالى الإنسان من اتباع خطواته والاغترار به، فقال: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [فاطر:٦].
وقال جل شأنه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة:٢٠٨].
قال أبو الفرج ابن الجوزي: «الواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عدواته من زمن آدم عليه الصلاة والسلام، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم، وقد أمر الله تعالى بالحذر منه»43.
٢. النمرود.
كان نمرود على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو أول من وضع التاج على رأسه، وتجبر في الأرض وادعى الربوبية، وقد آتاه الله الملك فطغى، أي كانت تلك المحاجة من بطر الملك وطغيانه44.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة:٢٥٨].
ولا شك أن ما وقع من نمرود في المحاجة في جزئها الأول كان سفسطة ومكابرة على الحق.
قال الألوسي: «وأراد عليه السلام بـ (ﭾ ﭿ) يخلق الحياة والموت في الأجساد، وأراد اللعين غير ذلك، فقد روي عنه أنه أتى برجلين، فقتل أحدهما وترك الآخر وقال ما قال، ولما كان هذا بمعزل عن المقصود وكان بطلانه من الجلاء والظهور بحيث لا يخفى على أحد، والتعرض لإبطال مثل ذلك من قبيل السعي في تحصيل الحاصل، أعرض الخليل عليه الصلاة والسلام عن إبطاله وأتى بدليل آخر أظهر من الشمس»45. فما كان إلا أن بهت الذي كفر، وانقطع عن المحاجة.
٣. فرعون.
فرعون نموذج الطغيان، ضرب الله تعالى به المثل في العلو والاستكبار والافتراء والظلم والفساد، سفك الدماء، وعذب الناس، وعبد بني إسرائيل، ثم زاد في الطغيان والعتو والاستكبار حتى ادعى لنفسه الربوبية والألوهية، فأرسل الله تعالى له موسى عليه السلام، وجعل معه أخاه هارون وزيرًا وردءًا يصدقه، وآتاه من الآيات ما فيه بلاء مبين، لكنه كذب وعصى، وأدبر يسعى، وقال أنا ربكم الأعلى، بل وقال: ما علمت لكم من إله غيري، ثم قد استهان بموسى عليه السلام وازدراه واستخف به، فقال في كبرياء: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الزخرف:٥٢].
وجمع السحرة، وبدأت المبارزة، وألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل أمر الساحرين، وألقوا جميعهم ساجدين.
قالوا: آمنا برب العالمين، فقال لهم فرعون في كبرياء وتعاظم: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشعراء:٤٩].
ثم توعدهم بالتعذيب الشديد: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الشعراء:٤٩].
فقد بدت من فرعون مواقف تنم عن كبريائه وتعاظمه:
منها: ادعاؤه الربوبية تارة، والألوهية تارة أخرى.
ومنها: ازدراؤه بموسى، ونظره إليه نظر شزر.
ومنها: تكذيبه بالحق لما جاءه، مع وضوح البينات والآيات.
ومنها: موقفه من السحرة لما آمنوا بموسى، حيث قال لهم: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشعراء:٤٩].
ومنها: توعده للسحرة لما آمنوا، وتعذيبه لمن آمن.
ومنها: إلصاق التهم بموسى عليه السلام، وبث الإشاعات حوله؛ من اتهامه بالسحر والكذب وغيرها.
كل هذه المواقف تدل على كبريائه وطغيانه واستبداده، وأن ذلك وقع منه للحفاظ على ملكه ورياسته، وبقاء سلطته دون منازع.
٤. قارون.
قارون رجل من بني إسرائيل آتاه الله من الأموال مالا يحصى عددًا، ونعمه بأنواع النعم؛ من كنوز وقصور وخزائن وخدم وغيرها من أنواع النعم، غير أنه بدلًا من أن يتواضع لله ويؤدي حق الله تعالى فيما آتاه من مال، استكبر وتعالى على الناس، وأنكر أن يكون ذلك من الله، وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [القصص:٧٨].
فاستكبار قارون كان بتكذيبه مبدًا، ثم بإسناده النعمة إلى نفسه وعدم إسناد فضلها إلى المنعم سبحانه وتعالى، ثم من ناحية ثالثة بعدم أداء حقها فيمن له الحق فيها من الفقراء والمساكين وذوي الحاجات، فكان مصيره أن خسف الله به وبداره الأرض.
٥. هامان.
هامان وزير فرعون، وشريكه في حكم البلاد والاستبداد، وهو يده الطولى في القتل والتعذيب والإفساد والتمرد، لذا كان في رتبته في الاستكبار والعتو، فقال تعالى شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [العنكبوت:٣٩].
فعده في جملة المستكبرين من الطغاة.
وفي موضع آخر قال تعالى شأنه: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [غافر:٢٤-٢٥].
فذكر أنه كان من المكذبين، وقد اتهم موسى بالسحر والكذب، ولما بين لهم موسى أنه رسولٌ من الله أيده بالمعجزات، وقد جاءهم بالحق منه، تمرد واستكبر وعلا وافترى، وراح يقتل أبناء الذين آمنوا، زيادة في العتو والاستكبار.
والآيات الكريمة قد ذكرته مقترنًا بفرعون الطاغية المستكبر في مواضع متعددة، ليدلل على أنه كان لا يقل عن أقرانه من فرعون وقارون في العتو والاستكبار.
ثانيًا: أمم مستكبرة:
لم يقتصر الأمر في الاستكبار على هؤلاء الأفراد وحدهم، بل تعدى ذلك إلى الجماعات والأمم، فقد قص علينا القرآن الكريم من أخبار السابقين ما يصفهم بهذه الصفة، من هؤلاء:
١. قوم نوح عليه السلام.
أرسل الله تعالى نوحًا إلى قومه لينذرهم من قبل أن يأتيهم العذاب، فبلغ رسالة الله، ودعا قومه على كل حال؛ سرًا وجهارًا، ليلًا ونهارًا، لكنهم استكبروا استكبارًا، وعتوا عن أمر ربهم، وعصوا رسول الله نوحًا عليه السلام، ومكث عليه السلام في دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عامًا.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ) [نوح:٥-٩].
فلم يترك عليه السلام وقتًا، ولم يدخر جهدًا في دعوة قومه إلى الله، لكنهم استكبروا مصرين على استكبارهم.
ولما أمر الله تعالى نوحًا بصنع الفلك؛ لأن موعد هلاك القوم قد اقترب، فبدأ بصنعها في مكان لا ماء فيه، وكان قومه يسخرون منه ويستهزئون به.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [هود:٣٨].
وكان استهزاؤهم هذا بنوح عليه السلام يكشف عن تكبرهم عليه وعلى دعوته.
٢. قوم هود عليه السلام.
دعا هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده ونبذ كل ما دونه من معبودات، وجاءهم بالبينة المصدقة له في دعواه، فاتهموه بالكذب والسفاهة، وقارعهم بالحجة، وذكرهم بحال من سبقهم ومصيرهم، لكنهم تمادوا في العتو والطغيان، فكذبوه وأنكروا عليه دعواه، وقالوا له: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [هود:٥٣].
وقالوا كذلك: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأعراف:٧٠].
وقال تعالى مبينًا جحودهم: (ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [هود:٥٩].
لذا وصفهم الله تعالى بالاستكبار، وهم مستحقون لهذه الصفة، فقال جل شأنه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [فصلت:١٥].
٣. قوم صالح عليه السلام.
تذكر الآيات الكريمة تمرد الملأ من قوم صالح عليه السلام، بعدما قدم لهم البينات، ودعاهم إلى عبادة الله وحده، وأصبح أمر رسالته واضحًا بلا مراء، غير أنهم أنكروا رسالته، وعتوا على أمر الله، وراحوا يصدون من آمن من قومه من المستضعفين عن دين الله، فقصت علينا الآيات هذا الكبرياء الذي كانوا عليه.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ) [الأعراف:٧٥-٧٧].
فكان صنيعهم هذا كبرياء وتعاظمًا على الحق، لذا سماهم الله بهذا الاسم الذي يلصق بهم صفة الاستكبار.
٤. قوم لوط عليه السلام.
وقد كان قوم لوط عليه السلام على معصية مخالفة لما عليه الأقوام السابقون بجانب بعض الكبائر، فبعث الله تعالى لهم نبيه لوطًا عليه السلام، فجاءهم مذكرًا لهم بالله، وناصحًا ومرشدًا إلى ما فيه صلاح الحال في الدنيا والآخرة، وقال لهم بأنهم على فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [العنكبوت:٢٨-٢٩].
لكن قومه كانوا مفترين، فاستكبروا على أمر الله، وأصروا على المعصية.
وقد بدت علامات الكبرياء والتعاظم في ردهم على لوط عليه السلام لما دعاهم لترك الفاحشة.
قال الله تعالى مخبرًا عنهم: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [العنكبوت:٢٩].
وقال تعالى مخبرًا عنهم: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النمل:٥٦].
روى الطبري رحمه الله عن مجاهد في قوله: (ﭟ ﭠ ﭡ) قال: من أدبار الرجل وأدبار النساء؛ استهزاءً بهم46.
أي: استهزاءً بلوط عليه السلام والمؤمنين معه في تطهرهم عن هذه الرذيلة، وهذا يدل على تماديهم في الطغيان والاستكبار، حتى سخروا من الحق، وقلبوا الباطل حقًا والحق باطلًا.
وثم موقف آخر من مواقف عتوهم وتكبرهم: حينما جاء الضيف لسيدنا لوط عليه السلام وعلموا بقدومهم، فجاءوه مسرعين يريدون فعل الفاحشة مع ضيفه.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [هود:٧٨].
وفي موضع آخر قال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) [الحجر:٦٧-٧١].
يقول الإمام الطبري رحمه الله : «وجاء أهل مدينة سدوم، وهم قوم لوط، لما سمعوا أن ضيفًا قد ضاف لوطًا مستبشرين بنزولهم مدينتهم، طمعًا منهم في ركوب الفاحشة»47.
إنها قمة الطغيان والاستكبار، أن يصل بهم الحال إلى هذا الحد؛ بأن يرتكبوا الفاحشة بضيف لوط عليه السلام ! إنهم قد جعلوا نبيهم في موقف عصيب، حتى قال لهم ما قال.
٥. قوم شعيب عليه السلام.
أرسل الله تعالى شعيبًا إلى مدين وأمرهم بعبادة الله وحده، وحثهم على ترك كل ما من شأنه الفساد والإفساد، وبين لهم أمرًا شنيعًا ظهر فيهم، وهو التطفيف في الموازين.
قال تعالى مخبرًا عنه قوله لهم: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [هود:٨٥-٨٦].
لكنهم قابلوا الإحسان بالإساءة، والنصيحة بالرفض، والتصديق بالتكذيب، وتمادوا في طغيانهم وكبريائهم، حتى قالوا -كما ذكر القرآن- في ردهم على شعيب عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأعراف:٨٨].
فبردهم هذا الذي يحمل التهديد والوعيد لشعيب عليه السلام والذين آمنوا معه استحقوا وصفهم بالاستكبار.
ومن مواقفهم كذلك صدهم المؤمنين عن سبيل الله.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف:٩٠].
يخبر تعالى عن شدة كفر قوم شعيب وتمردهم وعتوهم، وما هم فيه من الضلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق، ولهذا أقسموا وقالوا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)48.
ومن مواقفهم المجحفة في حق نبيهم التي تدل على تمردهم وتكبرهم على الهدى والطاعة لله ولرسوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [هود:٩١].
وانظر إلى موقفهم هذا الذي يصوره لنا القرآن الكريم:. (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ) [الشعراء:١٨٥-١٨٧].
فكل هذه صور ومواقف للتكذيب والاستكبار عن اتباع الحق، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، وقد ذكرها لنا القرآن الكريم لأخذ العبرة منها، (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف:١١١].
أساليب القرآن في عرض الاستكبار
جاء الحديث في القرآن الكريم عن الاستكبار على أساليب مختلفة ومتنوعة، منها:
أولًا: الاستفهام الإنكاري.
رهب القرآن الكريم من الاستكبار ونفر منه بأسلوب الاستفهام الإنكاري التوبيخي، وهذان نموذجان ممن استكبروا بغير الحق، وأنكر عليهم القرآن استكبارهم ووبخهم عليه:
١. إبليس.
خلق الله تعالى آدم بيديه، وشرفه بسجود الملائكة له، لكن إبليس أبى أن يكون مع الساجدين، فقال له الله تعالى منكرًا عليه فعله وموبخًا له: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [ص:٧٥].
أي: «استكبرت الآن أم كنت من قبل من العالين المتكبرين، والاستفهام للتوبيخ والتقريع لإبليس»49. والمعنى: «تعظمت عن السجود لآدم، فتركت السجود له استكبارًا عليه، ولم تكن من المتكبرين العالين قبل ذلك(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)يقول: أم كنت كذلك من قبل ذا علو وتكبر على ربك»50.
فكما هو واضح في الآية الكريمة أن الله تعالى قد ذم الاستكبار بأسلوب الاستفهام، وهو أبلغ في الحجة، وأوقع في النفس مما لو كان بصيغية الخبر، ولذلك لم يكن من مناص لإبليس للفرار من الإجابة عن السؤال، والإقرار بما في نفسه من حسد لآدم عليه السلام.
٢. بنو إسرائيل.
ذم القرآن الكريم بني إسرائيل على ما وقع منهم من كبر، فذمهم الله تعالى أشد ذم بأبلغ أسلوب، فقال تعالى شأنه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة:٨٧].
«وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال: (ﯙ ﯚ ﯛ)منكم (ﯜ ﯝ)يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته، احتقارًا للرسل، واستبعادًا للرسالة»51.
«والخطاب في (ﯚ)يجوز أن يكون عامًا لجميع بني إسرائيل، إذ كانوا على طبع واحد من سوء الأخلاق، وتكذيب الرسل، وكثرة سؤالهم لأنبيائهم، والشك والارتياب فيما أتوهم به، أو يكون عائدًا إلى أسلافهم الذين فعلوا ذلك، وسياق الآيات يدل عليه أو إلى من بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبنائهم، لأنهم راضون بفعلهم، والراضي كالفاعل. وقد كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وسقوه السم ليقتلوه، وسحروه»52.
فالآية الكريمة تنكر على بني إسرائيل تكبرهم على الحق واتباعهم الهوى، وذلك بأسلوب قوي رصين، جاء على سبيل الاستفهام، فإن هذا الأمر ما كان ينبغي أن يكون منهم، إنما الذي كان ينبغي هو التصديق برسل الله واتباعهم.
ثانيًا: تقبيح عاقبة المستكبرين.
نفرت الآيات الكريمة من الاستكبار بأسلوب آخر، ذلكم هو تقبيح عاقبة المستكبرين، وأن مثواهم بئيس مذموم، وقد قررت الآيات هذه القضية في آيات عدة، كقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ) [النحل:٢٩].
وقال أيضًا: (ﮯ ﮰ ﮱ) [الزمر:٧٢، غافر:٧٦].
وقال كذلك: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [العنكبوت:٦٨].
فأخبر تعالى في فواصل هذه الآيات أن عاقبة هؤلاء المتكبرين مذمومة.
هذا، وقد توعد الله تعالى المستكبرين بسوء المصير، حيث أخبر تعالى شأنه أن عاقبة أمرهم خسرًا، وأن لهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة:
فأما في الدنيا: فقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن حالهم حين احتضار أحدهم كيف يكون من الهول والفظاعة؟!
فقال سبحانه: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام:٩٣].
وأما في الآخرة: فقد أخبر جل جلاله من أحوالهم ما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، فقال تعالى شأنه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النساء:١٧٣].
وقال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأعراف:٣٦].
وفي موضع آخر قال: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأعراف:٤٠-٤١].
وبين سبحانه وتعالى أن سبب هذا العذاب هو ما هم عليه من الكبر.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [الأحقاف:٢٠].
وبين الله تعالى أن الذين يستكبرون عن عبادته سبحانه ودعائه سيدخلون جهنم مذلولين صاغرين.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [غافر:٦٠].
كما توعد الله تعالى من أتته آياته ثم أعرض عنها مستكبرًا غير مكترث بها، حاله حال الأصم الذي لا يسمع، مع أنه سمع تلك الآيات، فقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [لقمان:٧].
والوعيد بالعذاب هنا جاء على سبيل التهكم بهم، زيادة في التنكيل بهم، وإيقاع العذاب بهم جسديًا ونفسيًا.
فهذه آيات عديدة تتوعد المستكبرين، وتبين سوء عاقبتهم، فكيف لعاقل أن يتكبر بعد هذا الوعيد الشديد، والتفصيل المبين؟!
ثالثًا: إبطال دعاوى المستكبرين.
هذا أسلوب آخر من أساليب القرآن الكريم المتنوعة في ذم الاستكبار والتنفير منه، فقد جاءت آيات منه تجادل وتحاور وتناقش المتكبرين، وتقرر لهم أن ما هم عليه من التكبر مزعوم لا حقيقة له، فهم أذلاء أمام عظمة الله، حقيرون إذا ما نظروا إلى أصل خلقتهم، ضعفاء مهما أوتوا من قوة، ولذلك نجد القرآن يذكر هؤلاء بأصلهم ومصيرهم تارة، ويبين لهم أنهم ضعفاء مفتقرون إلى خالقهم تارة أخرى، فانظر إلى مجادلة القرآن للمشركين الذين أنكروا بعث الأجساد بعد فنائها، كيف ذكرهم الله تعالى بأصل خلقتهم، ليدلل لهم أن الذي خلقهم أول مرة قادر على أن يعيدهم مرة أخرى، ورد على كبريائهم وتعاظمهم بأنهم خلقوا من ماء مهين.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ) [يس:٧٧-٧٩].
فيا من تتكبرون على الله وتعتدون على كماله فتصفونه بالضعف، حين قلتم بعدم بعث الأجساد بعدما صارت ترابًا، انظروا من أين خلقتم ومن أي شيء كان خلقكم؟!
وقال في موضع آخر للذي أعرض عن الذكر بعد إذ جاءه، فلا صدق ولا صلى، بل ذهب إلى أهله يتمطى، متبخترًا افتخارًا، مختالًا في مشيته متكبرًا، فقد ذمه الله تعالى، وأبطل تكبره برده إلى أصل خلقته، فقال: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [القيامة:٣٣].
وهذه عاد قوم هود عليه السلام قد اغتروا بقوتهم، واستكبروا في الأرض بغيًا وعدوًا، وقالوا: من أشد منا قوة؟! فرد الله عليهم ادعاءهم وأبطله، وبين لهم أنه سبحانه هو القوي وما دونه ضعيف، واستدل على ضعفهم بأنهم مربوبون لله مخلوقون له، وكيف لهم كمخلوقات لله أن يتكبروا عليه؟!
قال تعالى يحدثنا عن ذلك: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [فصلت:١٥].
واستكبارهم في الأرض بغير الحق معناه: أنهم «بغوا وعتوا وعصوا فيها، (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) أي: منوا بشدة تركيبهم وقواهم، واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس الله! (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) أي: أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة؟فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها، وإن بطشه شديد... فبارزوا الجبار بالعداوة، وجحدوا بآياته وعصوا رسوله»53.
إذن من خلال هذه النماذج المضروبة يتبين لنا أن القرآن الكريم ذم الكبر ونفر منه بأسلوب الحوار والجدل، وهو أسلوب البليغ في تقرير مهمات الأمور، وإلجاء الخصم إلى الاعتراف والإذعان والتسليم، والرجوع إلى الحق.
رابعًا: الثناء على المتواضعين.
من الأساليب التي سلكها القرآن الكريم في ذم الكبر والمتكبرين: الثناء على نقيضه؛ فقد أثنى الله تعالى على المتواضعين لجلاله وعظمته، وفي المقابل بين أنه سبحانه لا يحب المتكبرين، فقد أثنى سبحانه وتعالى على ملائكته المقربين، فوصفهم بصفة التواضع وعدم التكبر عن عبادته، فقال جل جلاله: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأعراف:٢٠٦].
فمدح الله سبحانه وتعالى الملائكة بهذا المدح، وكأن السياق تعريض بمن استكبر عن عبادة الله تعالى، فهو كالتعليل للسابق «على معنى: ائتوا بالعبادة على وجه الإخلاص كما أمرتم، فإن لم تأتوا بها كذلك فإنا مغنون عنكم وعن عبادتكم، إن لنا عبادًا مكرمين من شأنهم كذا وكذا»54، والاستكبار عن العبادة منافٍ للإخلاص، لذا لا تقبل عبادة المستكبرين، وقد وصفهم الله تعالى بالسجود له سبحانه؛ لما فيه من التذلل والتواضع، والبعد عن الكبرياء والتعاظم.
وقد أثنى الله تعالى على القسيسين والرهبان الذين تواضعوا لعظمة الله فلم يستكبروا، فقال تعالى شأنه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة:٨٢].
أي: «(ﯩ ﯪ)عن قبول الحق إذا فهموه، أو يتواضعون ولا يتكبرون كاليهود. وفيه دليل على أن التواضع والإقبال على العلم والعمل، والإعراض عن الشهوات؛ محمود وإن كانت من كافر»55.
وفي المقابل فإن الله تعالى قد ذم المستكبرين، وقرر أنه لا يحب من كانت هذه صفته، فقال تعالى شأنه: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [النحل:٢٣].
وعدم محبته سبحانه للشيء يعني أنه يبغضه ويكرهه، والكبر من الأمور التي يبغضها الله تعالى، ومن كان متكبرًا باء بسخط الله ووقع في بغضه، خلافًا لمن تواضع لعظمته سبحانه، فإنه يرجع بمحبة الله له ورضاه عنه.
فهذا الأسلوب في مدح المتواضعين، والثناء عليهم بنفي صفة الكبر عنهم، وبغض المستكبرين وعدم محبتهم -أسلوب من أساليب القرآن الكريم في التنفير من الكبر، والحث على التزام خلق التواضع.
وتتمة لهذا الموضوع فإنه ينبغي الإشارة إلى أن هناك مواضع في القرآن الكريم جاءت بأساليب تؤدي في فحواها معنى الكبر، وتدعو إلى التواضع، وهذه بعضها:
قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الإسراء:٣٧].
قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [لقمان:١٨].
قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆﮇ ﮈ ﮉﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ) [القيامة:٣١-٣٣].
ومعنى ذلك: «يتبختر ويختال في مشيته؛ افتخارًا بذلك»56.
ذكر تعالى مقالة قوم نوح عليه السلام له حينما وعظهم وأمرهم بعبادة الله وحده واتباعه، فقالوا: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [هود:٢٧].
ولذلك رد عليهم بقوله عليه السلام: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [هود:٣١].
قول المشركين في ازدراء النبي صلى الله عليه وسلم: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفرقان:٤١].
فهذه جملة من الأساليب تؤدي في فحواها أو تشترك مع معنى الاستكبار، والتعبير عن الشيء الواحد بألفاظ ومصطلحات مختلفة وأساليب متعددة يشعر بأهميته وخطورته، وأنه جدير بأن يذكر فلا ينسى، ولا شك أن الكبر من الكبائر في دين الله؛ إذ هي مما يبغضه الله ولا يرضاه، ويتوعد فاعله بالعذاب الشديد.
وهكذا تتنوع أساليب القرآن الكريم في ذم الكبر والتنفير منه، واختلاف الأساليب في تقرير القضية الواحدة فيه بلا شك دلالة واضحة على بلاغة القرآن الكريم وفصاحته، وأنه تنزيل من حكيم حميد.
التخاصم بين المستضعفين والمستكبرين
إذا صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار تبدأ المخاصمات بين الكافرين في جهنم، وتبدأ المعاتبة بين الضالين والمضلين، والسادة والرعية، والمستكبرين والمستضعفين، ويرجع بعضهم إلى بعضٍ القول، كلٌ يتهم الآخر في أنه كان سبب إضلاله وما هو فيه من العذاب.
وهناك ثلاثة مواقف عرضها القرآن الكريم من مواقف تخاصم أهل النار بين المستضعفين والمستكبرين:
الموقف الأول:
قال الله تعالى:. (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ) [سبأ:٣١-٣٣].
في هذه الآيات «يخبر تعالى عن تمادي الكفار في طغيانهم وعنادهم وإصرارهم على عدم الإيمان بالقرآن وما أخبر به من أمر المعاد؛ ولهذا قال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ).
قال الله تعالى متهددًا لهم ومتوعدًا، ومخبرًا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) منهم وهم الأتباع (ﰁ ﰂ) وهم قادتهم وسادتهم: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) أي: لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءونا به. فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلًا ونهارًا، وتغرونا وتمنونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكذبٌ ومين»57.
ولا شك أن هذا العتاب لن يجدي ولن ينفع أو يغني عن صاحبه من الله شيئًا، وقد يسر الله لهم سبيل الإيمان والعمل، ولكنهم كفروا وكذبوا، ثم جاءوا ليتخاصموا في جهنم ويلقي بعضهم اللوم على الآخر في أنه كان سببًا في إضلاله، فيندمون جميعًا حيث لا ينفع الندم.
الموقف الثاني:
قال الله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [إبراهيم:٢١].
«في هذه الآية عرض سريع للموقف وما بعده من استقرار أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة، يقرر مبدأ الوحي والتوحيد والبعث الآخر بأدلة لا ترد.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ)أي: خرجت البشرية من قبورها، مؤمنوها وكافروها، صالحوها وفاسدوها، (ﭪ ﭫ) أي: الأتباع (ﭬ ﭭ) أي: الرؤساء والموجهون للناس بما لديهم من قوة وسلطان (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)أي: أتباعًا في عقائدكم وما تدينون به، (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)؟ أي: فهل يمكنكم أن ترفعوا عنا بعض العذاب بحكم تبعيتنا لكم؟ فأجابوهم بما أخبر تعالى به عنهم: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)اعترفوا الآن أن الهداية بيد الله وأقروا بذلك، ولكنا ضللنا فأضللناكم (ﮂ ﮃ ﮄ)اليوم (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: من مخرج من هذا العذاب ولا مهرب»58.
ففي هذا الموقف نرى صورة الضعفاء مع القادة الذين استكبروا وكانوا لهم تبعًا في الدنيا، فتصور لنا الآية موقف الضعفاء وهم يستجدون الرؤساء والقادة في أن يحملوا عنهم من عذاب الله أي شيء مهما قل، ولكن هيهات هيهات، لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه، وعنده من العذاب ما يكفيه، كل واحد منهم يريد أن يدفع العذاب عن نفسه، فكيف يأخذ من عذاب غيره؟! ولذلك فإن الضعفاء يطلبون المستحيل، فيرد عليهم القادة والمستكبرون بأن الله تعالى لو وفقنا إلى الإيمان به وبرسالاته لدللناكم إليه، ولكن قدر الله سبق علينا أننا كافرون، فلا مفر لنا من عذاب الله سواء أجزعنا أم صبرنا.
الموقف الثالث:
موقف المحاجة بين الضعفاء والمستكبرين من قوم فرعون.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [غافر:٤٧-٤٨].
«الظاهر أن الضمير عائد على فرعون، وقال ابن عطية: والضمير في قوله: (ﮮ)لجميع كفار الأمم»59.
هذا الموقف يشبه سابقه، حيث وقعت المحاجة بين المستكبرين والمستضعفين من الكفرة، وقد وقعت بينهم بينما هم في نار جهنم يعذبون. الضعفاء كعادتهم هم الذين يبدأون الحوار والمجادلة؛ لأنهم يعتقدون أن القادة المستكبرين غلبوهم في الآخرة كما غلبوهم في الدنيا، فقد غلبهم الملأ المستكبرون في الدنيا بما أغروهم به من وعودات كاذبة؛ كقولهم لهم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [العنكبوت:١٢].
فأطاعوهم واتبعوهم على الباطل، وغلبهم المستكبرون في الآخرة بأن كانوا سببًا في دخولهم النار، ولذلك يبدأون المحاجة متوسلين لهم بما وقع في الدنيا (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) تأمروننا فنطيعكم، وتكلفوننا فننفذ ما تريدون، ولا نعصي لكم أمرًا (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) كما كنتم تعدوننا في الدنيا بحمل أوزارنا وخطايانا؟! فاحملوا عنا ولو جزءًا يسيرًا من العذاب،فرد عليهم المستكبرون (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) فلن يفيد تحملنا نصيبًا من عذابكم شيئًا؛ لأننا كلٌ في النار معذبون، وقد قضى الله تعالى وفصل بين العباد؛ أهل الجنة في الجنة ينعمون، وأهل النار في النار يعذبون.
إذن، هذه ثلاثة نماذج ضربها لنا القرآن لنأخذ منها العبرة والعظة، وهي متضمنة لحوار ومخاصمة وقعت بين المستضعفين والمستكبرين في نار جهنم، وكيف يلقي بعضهم اللوم على بعض، ويتوسل الضعفاء إلى الأكابر والرؤساء بأن يحملوا شيئًا من خطاياهم ولو قل، لكن دون جدوى، فنسأل الله تعالى السلامة.
قضى الله تعالى أن العاقبة للمتقين، والهلاك والخسران على الكافرين والمتكبرين والمجبرين، وأثبت الواقع هذه الحقيقة، ودلت الشواهد التاريخية على هذه السنة الإلهيةالجارية في هذا الكون، والقرآن حوى العديد من هذه الشواهد، وقد سبق الكلام عن استكبار بعض الأمم والأفراد في المبحث الخامس من هذا البحث، وتبينت لنا مواقف المستكبرين من الدعوات، وهاهنا نبين مشهد النهاية لهم في الدنيا والآخرة، وهذه بعض المشاهد أذكرها على سبيل المثال:
أولًا: هلاك المستكبرين من قوم نوح عليه السلام:
أخبرنا الله تعالى عن نوح عليه السلام وقومه؛ حيث أرسله لينذر قومه من قبل أن يأتهم عذاب الله، فأمرهم أن يعبدوا الله ويتقوه، ويطيعوه عليه السلام فيما يبين لهم من شرائع الأحكام وسنن الهدى، ولم يدع عليه السلام وقتًا من الأوقات إلا ودعاهم فيه إلى الله؛ ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، لكن قومه أبوا وأصروا على كفرهم وعنادهم واستكبروًا استكبارًا، كما أخبرنا عن ذلك القرآن الكريم، فقال تعالى شأنه: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ) [نوح:٥-٩].
فهل بعد هذا الكبرياء كبرياء؟! وهل هناك تمرد وعتو عن الطاعة بعد هذا التمرد والعتو؟! لقد مكث نوح عليه السلام يدعو قومه مئات السنين، فما آمن معه إلا قليل، ولذلك عاجلتهم عقوبة الله، ونزل بهم عذابه ونقمته.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأعراف:٦٤].
هذا عذاب الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [نوح:٢٥].
قال الإمام السمرقندي: «(ﯞ ﯟ ﯠ)يعني: بشركهم بالله تعالى أغرقوا في الدنيا (ﯡ ﯢ)في الآخرة»60.
فنالوا بكفرهم واستكبارهم عن الحق عذابي الدنيا والآخرة؛ فعذبهم الله تعالى بالغرق في الدنيا، وسيعذبون يوم القيامة في جهنم، هذا مصيرهم لكفرهم واستكبارهم.
ثانيًا: هلاك المستكبرين من قوم صالح عليه السلام:
أرسل الله تعالى إلى ثمود نبيه صالح عليه السلام، مبلغًا ومرشدًا ونذيرًا، فأما الملأ المستكبرون من قومه فقد كان موقفهم من الدعوة موقف عداء ومعاندة، فعتوا عن أمر ربهم وعصوا رسله.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ) [الأعراف:٧٦-٧٩].
فأخبر الله تعالى أنه أنزل عليهم عذابه بسبب استكبارهم وعنادهم وعتوهم، فأخذهم بالصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، «وأخذ الرجفة: إهلاكها إياهم وإحاطتها بهم إحاطة الآخذ. ولا شك أن الله نجى صالحًا عليه السلام والذين آمنوا معه... والجاثم: المكب على صدره في الأرض مع قبض ساقيه كما يجثو الأرنب... والمعنى أنهم أصبحوا جثثا هامدة ميتة على أبشع منظر لميت»61.
ثالثًا: هلاك المستكبرين من قوم هود عليه السلام:
بعث الله تعالى هودًا إلى قومه ليبلغهم رسالته ويعلمهم أمور دينهم، وجاءهم بآية بينة، فآمن معه فريق من قومه وكفر آخرون، فأما الكافرون فقد استكبروا في الأرض بغير الحق، وعتوا عن أمر ربهم وعصوا رسوله، وغرتهم قوتهم فلم تغن عنهم من الله شيئًا، فكان استكبارهم ورفضهم دعوة الله سببًا في نزول عذاب الله عز وجل عليهم في الدنيا، وخلودهم في نار جهنم في الآخرة. وقد أخبرنا الله تعالى عن حالهم عند رفضهم دين الله وتكذيب رسله.
فقال عز وجل: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [فصلت:١٥-١٦].
فأخبر تعالى أنه أنزل بهم عذابه في الدنيا بسبب استكبارهم في الأرض بغير الحق، فأرسل عليهم ريحًا صرصرًا تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر، إذلالًا لهم وإلحاق الخزي بهم في الدنيا، فلم تنفعهم قوتهم التي قد اغتروا بها، ولعذاب الآخرة أشد إيلامًا وأخزى.
رابعًا: هلاك المستكبرين من قوم شعيب عليه السلام:
قوم شعيب عليه السلام هم أهل مدين الذي أرسل إليهم مبلغًا ومرشدًا، لكن المستكبرين من قومه رفضوا دعوة الله، واستكبروا عن عبادته والخضوع لأمره، وهموا بإخراج رسولهم والذين آمنوا معه بغيًا وعدوًا، واستهزأوا به وسخروا منه، ثم بالغوا في العناد والاستكبار فطلبوا منه أن يسقط عليهم كسفًا من السماء إن كان صادقًا في ادعائه الرسالة، فقالوا كما أخبر عنهم القرآن: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأعراف:٨٨].
وقال في موضع آخر: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [هود:٨٧].
قالوا ذلك على وجه الاستهزاء، وقال أيضًا عنهم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الشعراء:١٨٧].
وهذا يدل على شدة كفرهم وعنادهم وعتوهم، لذا استحقوا عذاب الله تعالى، فأنزل عليهم سخطه وعذابه، فأصبحوا جثثًا هامدة بلا حراك، ونجى الله نبيه والذين آمنوا معه.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [هود:٩٤].
وقال أيضًا: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الشعراء:١٨٩].
قال ابن كثير: «(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)وهذا من جنس ما سألوا، من إسقاط الكسف عليهم، فإن الله، سبحانه وتعالى، جعل عقوبتهم أن أصابهم حر شديد جدًا مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شيء، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر، فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررًا من نار، ولهبًا ووهجًا عظيمًا، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم؛ ولهذا قال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)»62.
فهذا مصير كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، فيهلكهم في الدنيا، ويعذبهم في الآخرة، وأما المؤمنون وأتباع الرسل عليهم السلام فينجيهم الله من عذاب الدنيا والآخرة، وهذه سنة الله في الكون، لا محيد عنها ولا محيص، تقررت في قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء:١٧٣].
وتقررت هذه السنة الإلهية في قوله تعالى كذلك: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الجاثية:٢٩-٣١].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأعراف:٤٠-٤٢].
فالعاقبة للمتقين، إنها سنة الله الحتمية، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا.
أيقنا بأن الكبر مرض عضال من أمراض القلوب، تظهر أعراضه على المتكبر في الدنيا والآخرة، لذا لا بد له من علاج كي يستقيم حاله وينصلح أمره، ولن تجد له وصفة علاج أمثل ولا أفضل من علاج القرآن والسنة؛ لأن الله أعلم بخلقه من أنفسهم، (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة:١٤٠].
وهذه بعض علاجات القرآن لمرض الكبر:
أولًا: معرفة الله:
إن الله له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وله الشرف الأتم الأسنى، تقدست أسماؤه، وعظمت صفاته، هو واحد أحد، فرد صمد، لا يشبهه شيء، ولم يكن له كفؤًا أحد.
وإن من أسمائه جل في علاه (الخالق)، خلق الخلق عظيمه وحقيره، كبيره وصغيره، دقيقه وجليله، بنظام محكم متقن بديع، لا يسع الإنسان معه إلا أن يقف أمام هذه العظمة قائلًا: جلت عظمة الخالق، لا إله غيره ولا رب سواه، ثم يخر له ساجدًا خاضعًا ذليلًا.
إن المتكبر إذا علم صفات الله عرف حجمه ومكانته وموقعه، وأين هو في هذا الكون؟! وماذا يشكل فيه؟! فينقطع حينئذٍ عن كبريائه وتعاظمه، ويخضع فقط لعظمة الله، ويذل لجبروته وكبريائه سبحانه، ويأبى أن يكون كبيرًا على أحد أو أن يكون أحدٌ عليه كبير غير الله.
ثم إن من علمه بربه يقتضي أن لا يسيء الظن به، لأن إساءة الظن به جل جلاله تورد المهالك، وتسبب الخسران المبين.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [فصلت:٢٣].
إن عادًا لما استكبروا في الأرض بغير الحق واغتروا بقوتهم، ذكرهم الله تعالى ببديع صنعه وعظيم خلقه، وكمال قوته؛ ليرجعوا عن عتوهم وكبريائهم، ويذلوا لعظمته وكبريائه سبحانه.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [فصلت:١٥].
فهذه أول وأهم خطوة على سبيل علاج مرض التكبر؛ أن يتعرف العبد على الله تعالى.
ثانيًا: معرفة المتكبر لحقيقته ومصيره:
لا بد للمتكبر أن يلعم بأنه مخلوق من مخلوقات الله جل جلاله، خلقه من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين حقير، فأصله من تراب، منه خلق وفيه يعود، ونسله من ماء مهين، يخرج من حيث يخرج البول، لذا فإن الله تعالى ذكر هذا الإنسان بأصله لما تكبر وتمرد على طاعة الله، وذهب إلى أهله يتمطى، فقال جل جلاله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [القيامة:٣٧-٣٩].
كما ذكره كذلك بأصل خلقته لما ضرب هذا المتكبر مثلًا، حين قال: من يحيي العظام بعد أن تصبح رميمًا.
قال جل جلاله :. (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [يس:٧٨-٧٩].
إن الله تعالى كما ذكر المتكبرين بمنشأهم ذكرهم كذلك بمآلهم، فبين لهم أنهم بعد هذه الحياة يموتون، وأنهم إلى التراب يصيرون، وفيه يعودون، فقهرهم بالموت، وكفى بالموت واعظًا.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأعراف:٢٥].
لذا قال الله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الإسراء:٣٧].
ولم يقل: (ولا تمش مرحًا)؛ يذكر تعالى الإنسان شأنه بأصله الذي منه خلق وفيه يعود، وهو الأرض، فإذا تكبر فعلام يتكبر؟! أيتكبر على أصله الذي منه جاء وفيه يعود؟!
إن المتكبر إذا عرف هذه المعاني وأيقن بهذه الحقائق فلن يتكبر، ولن يتعاظم على الناس.
ثالثًا: الوعيد الشديد للمتكبرين:
إضافة إلى ما سبق فإن الله تعالى أعد للمتكبرين عذابًا شديدًا، فقال جل جلاله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر:٦٠].
وفي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)63.
وقد سبق حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل:الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)64.
وقد رأينا في هذا البحث كيف كان مصير المستكبرين في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى، فليس بعد هذا الوعيد من وعيد، والعاقل من استفاد من تجارب السابقين.
فهذه ثلاث طرق لعلاج الكبر مستوحاة من كتاب الله تعالى وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المتكبر حال تلبسه بكبريائه يغيب عن باله عظمة الخالق سبحانه، وينسى أصله وحقيقته ومآله، ويتجاهل ما ينتظره من العذاب الشديد، ولو استحضر هذه أمامه لما تكبر على خلق الله، ولا تعالى على عباده.
موضوعات ذات صلة: |
التواضع، الذل، العجب، الغرور |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/١٥٣،١٥٤.
2 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٥٤٣-٥٤٦.
3 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٥/١٢٥.
4 المفردات، ص٥٤٥.
5 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم ٩١، عن عبد الله بن مسعود.
ومعنى (بطر الحق): دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا، و(غمط الناس): احتقارهم. شرح صحيح مسلم، النووي، ٢/٩٠.
6 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله إبراهيم جلغوم، ص ١٠٠١-١٠٠٢.
7 انظر: تهذيب الأخلاق، الجاحظ، ص ٣٢.
8 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ص٩٥٣.
9 كتاب العين، الفراهيدي، ٥/٣٨٣.
10 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٥/٥٦.
11 إرشاد العقل السليم، ٢/٢٦١.
12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٢٤٣، لسان العرب، ابن منظور، ١/٥٨٢.
13 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٤٨.
14 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٢/٤٥٦.
15 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/١١٢.
16 انظر: التوقيف، المناوي، ص٥٩.
17 انظر: روح المعاني، الألوسي، ١٥/٢٥.
18 لسان العرب، ابن منظور، ١٥/٢٧ بتصرف.
19 مفاتح الغيب، الرازي، ٤/٤٥٤.
20 الكشاف، الزمخشري، ٢/٥٢٦.
21 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٨/٣٩٦.
22 التوقيف، المناوي، ص٢١٢.
23 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وصححه الشيخ الألباني.
24 مفاتح الغيب، الرازي، ٨/١٨٣.
25 التوقيف، للمناوي، ص٦٠٦.
26 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٧١٢.
27 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٣/٢٤٤.
28 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/١٩.
29 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي، ٢/٢٣٨.
30 انظر: الدر المنثور، السيوطي، ١/٢٧٠ .
31 انظر: المصدر السابق ١/٢٧٤.
32 إحياء علوم الدين، الغزالي ٢/٤٣٦.
33 البحر المحيط، أبو حيان، ٥/٤٦٩.
34 البحر المحيط، أبو حيان، ٥/٤٦٩.
35 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٨/٥٠.
36 روح المعاني، الألوسي، ٢٥/١٢٠.
37 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٩٧.
38 في ظلال القرآن،٦/٣٢٩٤.
39 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ٢/٢٠٤.
40 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٣١٣-١٣١٤.
41 فتح القدير، الشوكاني، ٤/١٣٧.
42 فتح القدير، الشوكاني، ١/٦٨٢.
43 تلبيس إبليس، ص٣٣.
44 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ١/٣١٥.
45 روح المعاني، ٣/٢٧.
46 جامع البيان، ١٩/٤٨١.
47 المصدر السابق، ١٧/١١٧.
48 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٤٤٨.
49 أيسر التفاسير، الجزائري، ٤/٤٦٢.
50 جامع البيان، الطبري، ٢١/٢٣٩.
51 فتح القدير، الشوكاني، ١/١٤٢.
52 البحر المحيط، أبو حيان، ١/٤٦٨.
53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/١٦٩.
54 روح المعاني، الألوسي، ٩/٢٢٤-٢٢٥.
55 أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/٢٧٩.
56 فتح القدير، الشوكاني، ٥/٤٢٥.
57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥١٩.
58 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ٣/٥٢،٥٣.
59 البحر المحيط، أبو حيان، ٧/٤٤٨.
60 تفسير السمرقندي، ٣/٤٠٨.
61 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/٢٢٧.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٦٠-١٦١.
63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم ٩١، عن عبدالله ابن مسعود.
64 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وصححه الشيخ الألباني.