عناصر الموضوع

مفهوم الاستقامة

الاستقامة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أساليب القرآن في عرض الاستقامة

الأنبياء والاستقامة

سبل الاستقامة

موانع الاستقامة

الآثار والثمرات المترتبة على لزوم الاستقامة

الآثار المترتبة على الانحراف عن الاستقامة

الاستقامة

مفهوم الاستقامة

أولًا: المعنى اللغوي:

«القاف والواو والميم أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناس، وربما استعير في غيرهم. والآخر على انتصاب أو عزم»1. «والاستقامة: ضد الطغيان، وهو مجاوزة الحد في كل شيء»2.

وقد أطلق على معنى الاستقامة عدة معانٍ، منها: القصد، والإصابة، والاستواء، والنظام، والاعتدال، والرشد، والزم، وغير ذلك3.

وقد اتفق كثير من أهل اللغة - ومن خلال ذكر جذرها حتى الألفاظ القريبة- على أنها ترجع إلى معنى الاعتدال والتوسط، والسلامة من غضب الله تعالى4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك5.

وقد عرفها الجرجاني بأنها: «الوفاء بالعهود كلها، وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط في كل الأمور، من الطعام والشراب واللباس، وفي كل أمر ديني ودنيوي، فذلك هو الصراط المستقيم، كالصراط المستقيم في الآخرة»6.

الاستقامة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ق و م) في القرآن (٦٦٠) مرة، والذي يخص موضوع الاستقامة منها (٤٧) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٤

( ) [التوبة:٧]

الفعل المضارع

١

( ) [التكوير:٢٨]

فعل الأمر

٥

( ) [هود:١١٢]

اسم الفاعل

٣٧

( ) [الفاتحة:٦]

وجاءت الاستقامة في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: الاعتدال، والاستواء، والالتزام8.

الألفاظ ذات الصلة

الإصابة:

الإصابة لغة:

تعني ثلاثة أمور، هي: الصواب، والإيجاد، والإرادة9.

الإصابة اصطلاحًا:

إرادة العمل الصالح المقبول شرعًا بإيجاد الظروف المناسبة له ضمن ضوابط الشرع الحنيف.

الصلة بين الإصابة والاستقامة :

إن ثمة اتصالًا قويًا بين الإصابة والاستقامة من حيث مدلول الجذر؛ فكلاهما يشترك في الدعوة إلى السلامة من غضب الله تعالى، ومن ثم عذابه؛ لكن الاستقامة أشمل من حيث إنها تجمع أقوال وأعمال وأحوال المسلم، أما الإصابة فيغلب عليها الأعمال، ومن ثم الأقوال.

الاستواء:

الاستواء لغةً:

أصلٌ يدل على استقامة واعتدال بين شيئين10.

الاستواء اصطلاحًا:

أية عبادة دلت على استقامةٍ واعتدالٍ بعد اعوجاجٍ وميلٍ عن الحق واتباعه11.

الصلة بين الاستواء والاستقامة :

الاستقامة تعني الاعتدال والالتزام بما فيه سلامة من غضب الله تعالى ومن ثم عذابه، أما الاستواء فهي العبادات التي تدل على استقامة بعد اعوجاج حدث، أو ميل عن الحق وقع، وعلى هذا فالاستقامة أعم وأشمل.

الرشد:

الرشد لغةً:

السير على النهج الصحيح والطريق المستقيم، والرشد والرشد: خلاف الغي12.

الرشد اصطلاحًا:

«حسن التصرف في الأمر حسًا أو معنىً، دينًا أو دنيا» 13.

الصلة بين الرشد والاستقامة :

الاستقامة: هي السير على المنهج القويم بما يضمن السلامة من غضب الله تعالى ومن عذابه، أما الرشد: فحسن التصرف في الأعمال؛ للوصول إلى الاستقامة، وعلى هذا فالاستقامة هدف، والرشد طريق عملي؛ للوصول إلى ذلك الهدف.

القصد:

القصد لغةً:

استقامة الطريق14، والقصد هو بيان الهدى15.

القصد اصطلاحًا:

حسن التوجه في النية، بما يكفل سلامة العبد من العذاب.

الصلة بين القصد والاستقامة :

الاستقامة: هي السير على المنهج القويم بما يضمن السلامة من غضب الله تعالى ومن عذابه، أما القصد: فحسن التوجه القلبي؛ للوصول إلى الاستقامة، وعلى هذا فالاستقامة هدف، والقصد طريق قلبي؛ للوصول إلى ذلك الهدف.

العدل:

العدل لغةً:

يعني المثل16، والعدولة والعدل: الحكم بالحق17، وهو عين الاستقامة في الحال في الدنيا، واستقامة المآل في الدنيا والآخرة.

العدل اصطلاحًا:

«وهو الاعتدال والاستقامة، وهو الميل إلى الحق»18.

الصلة بين العدل والاستقامة:

العدل أعم من الاستقامة؛ لأن العدل يقتضي استقامة الحال في الدنيا، واستقامة المآل في الآخرة؛ فهو بهذا الوجه بمعنى الاستقامة، وكل ما له مدلول المثلية فهو عدل؛ فإن من العدل ما هو مذموم، كما قال تعالى: ( )[الأنعام:١].

أساليب القرآن في عرض الاستقامة

أولًا: أسلوب الأمر:

ومثال ذلك قوله تعالى: ( )[التوبة:٧].

بينت هذه الآية وما بعدها سبب البراءة من المشركين، وإمهالهم أربعة أشهر، ثم قتالهم، وذلك هو نقضهم العهود، وأنهم معتدون بكل ما تعني الكلمة؛ لكن الاستثناء يظهر هنا للمعاهدين من المشركين الملتزمين؛ فإن استقامتهم هذه على العهود جعلت ضرورة المعاملة بالمثل بالنسبة للمسلمين، ثم تذيل الآية بالجملة التقريرية، ويمكن أن تكون تعليلية ببيان أن الله تعالى يحب المتقين، الذين يخافون من غضب الله تعالى بعدم التزام أوامره ونواهيه19.

والأسلوب الاستفهامي الاستنكاري في قوله تعالى: ( ) بمعنى كيف لا يكون؛ ليفيد مدى بشاعتهم، وبالتالي فإن المعاملة بالمثل من تمام الاستقامة التي أمر المسلمون بالتزامها.

وفي أثناء المعركة قد تشحن النفوس ضد المشركين، وبالتالي لا يضبط المسلمون أنفسهم أمام قاتليهم، وبالتالي فإن الاستقامة مع من استقام من المشركين جاءت بأسلوب الأمر وبعدها ترغيب بأن الله تعالى يحب المتقين؛ لما في أمر الله تعالى وترغيبه من عظيم الأثر في الالتزام.

وتوضح الآية أن الأصل في الإسلام الرحمة والعفو والصفح؛ لكن الذي يستهزئ بالعهود التي أبرمت مع المسلمين فلا عهد له ولا أمان بعد ذلك، مع أهمية ألا تختلط الأمور فيعامل من التزم بالعهد كمن لا يلتزم، ومن هنا جاء الأمر بالاستقامة؛ حتى يمتاز جانب الاعتدال في التعامل مع المشركين إن التزموا بعهودهم.

ثانيًا: أسلوب الترغيب والترهيب:

يكثر في القرآن الكريم استعمال أسلوب الترغيب والترهيب في قضايا كثيرة، ومنها: الترغيب في الاستقامة على المنهج الإسلامي، والترهيب من الإعراض عنه الذي يخالف مبدأ الاستقامة.

قال تعالى: ( : ) [الجن:١٦-١٧].

بعد أن ذكرت الآيات السابقة أحوال الجن، وتصنيفهم إلى مسلم منصف في المفهوم الرباني ومقتضياته، وظالم في ذلك، ترغب هذه الآية بصيغة إغرائية للخير، بأنهم لو التزموا نهج الصراط المستقيم، واعتدلوا في خط الحق لأتتهم الدنيا بكثرة رزقها، وعبر عن الرزق الوفير في الآية بالماء؛ لأنه أخص خصوص الرزق، وكل هذا الرزق سببه الاختبار في هذه الدنيا؛ وهنا يأتي الترهيب الواضح لمن عدل عن الاستقامة، فاعترض طريق الحق، فإنه يسلك هذه الطريق بمزيد من العذاب الذي لا يتوقف20.

ثالثًا: أسلوب التأكيد والتنكير:

ومثال ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى:٥٢].

تبين هذه الآية أن قدرة الله تعالى تظهر أيضًا بوحي الله تعالى إليك أيها النبي برسالة القرآن، الذي يصفه بأنه روح من أمر الله تعالى.

ثم يبين الله تعالى نعمته على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه لولا فضله جل جلاله لما علم عن القرآن والإيمان شيئًا، ولكن الله تعالى جعل من هذا القرآن وهذا الإيمان نورًا يستضاء به.

رابعًا: أسلوب ضرب المثل:

وهو ما يظهر واضحًا في قوله تعالى: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ*ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنعام:١٢٥-١٢٦].

من يرد الله تعالى هدايته إلى الإيمان يقذف في قلبه النور؛ فينفسح القلب ويعمر بالإيمان، ومن كان غير ذلك ويريد أن يبقى على الضلالة، وينحرف عن الاستقامة التي هي سبيل النجاة، فإن هذه الذنوب تجعل-بتقدير الله تعالى وحده- هذا القلب ضيقًا ليس للخير فيه منفذ، وهكذا فإن الله تعالى يجعل عليهم بشؤم ذنوبهم النجاسة العظيمة، فهم سيئوا التصرف؛ لأنهم غير مسلمين؛ فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء، فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه21.

الأنبياء والاستقامة

من المعلوم أن أولى الناس التزامًا بالاستقامة هم الأنبياء عليهم السلام؛ إذ إنهم يمتازون عن البشر بعلو كعبهم في الصبر وتحمل المشاق لأجل الدعوة، ومن ثم طلب رضا الله تعالى.

ولذلك فإن القرآن الكريم قد بين أن الأنبياء مأمورون بالاستقامة، التي هي سبيل النجاة من عذاب الله تعالى، وذلك من خلال أربعة نماذج، وهم: سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وسيدانا موسى وهارون عليهما السلام، وسيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد اختلفت صيغة الأمر بالاستقامة للأنبياء عليهم السلام، فنجد ما يلي:

منها ما يأتي بصيغة الأمر المباشر من الله تعالى بالاستقامة، كما في نموذج سيدينا موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام.

ومنها ما يأتي من خلال بيان ثمرة الالتزام بأمر الله تعالى؛ فهي الهداية إلى صراط الله المستقيم، كما في نموذج سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

ومنها ما يأتي بصيغة الأمر للمؤمنين بعبادة الله تعالى وحده، وبأن من فعل ذلك فقد هدي إلى صراطٍ مستقيم، وهو منهج الإسلام العظيم، كما في نموذج سيدنا عيسى عليه السلام.

ومنها ما يأتي بصيغة الأمر المباشر للنبي، ومن ثم لمن تاب من أمته من الشرك وأخلص لله تعالى بالتوحيد، بعد بيان نماذج كثيرة من أحوال السابقين، كما في نموذج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

أولًا: الاستقامة في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام :

قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ@ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸIﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النحل:١٢٠-١٢٢].

تذكر هذه الآيات نموذجًا مثاليًا في الاستقامة الحقة؛ حيث إنه عليه السلام كان معلم خير، يأتم به أهل الحق والهدى، فهو مطيعٌ لله تعالى على الحنيفية، ليس من المشركين بالله تعالى، كان يخلص الشكر لله جل جلاله ولنعمه الجمة، وقد اصطفاه الله تعالى واختاره لخلته، وهداه إلى الدين الإسلامي القويم، وجزاءً لما بدر منه من عبادات ترضي الله تعالى، آتاه الله عز وجل في هذه الدنيا ذكرًا حسنًا، وثناءً جميلًا باقيًا على الأيام، وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة ممن صلح أمره وشأنه عند الله، وحسنت فيها منزلته وكرامته22.

وإن سيدنا إبراهيم عليه السلام مثال الاستقامة الحقة؛ بل إن من تشريف الله تعالى له أن جعله أبًا للاستقامة، إن كانت تعني الإسلام، فهو أبو المسلمين بنص القرآن، كما قال تعالى: ( ﯕﯖ )[الحج:٧٨].

ومن يستقم على الدين، ويلتزم حقيقته فإنه يفلح في الدنيا والآخرة، وهو ما توضحه الآية الثانية والعشرون بعد المائة من سورة النحل.

ومن يطلب الصلاح والاستقامة يهده الله تعالى لها، كما في قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل:١٢١].

ثانيًا: الاستقامة في قصة موسى وهارون عليهما السلام:

قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅØ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [يونس:٨٨-٨٩].

تذكر هذه الآية دعاء سيدينا موسى وهارون عليهما السلام من خلال مقولة الرجاء من سيدنا موسى عليه السلام لربه سبحانه وتعالى - بعد ما زاد فرعون وقومه من طغيانهم-: ربنا إن عطاءك اللامحدود الذي أعطيته لفرعون وقومه من خير كثير، ربنا إن هذا الأمر وجه لأجل الضلال، ربنا اطمس على أموالهم، فمسخت دنانيرهم ودراهمهم وزروعهم حجارةً، واشدد على قلوبهم بالضلالة، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الكثير المؤلم، فحيل بينهم وبين أن يؤمنوا.

وقد كان هارون عليه السلام يؤمن من وراء موسى عليه السلام، ولذلك فإن الله تعالى أجاب دعوتهما مرتبطًا ذلك بالأمر لهما بالاستقامة، وهي الاتزان في لزومها سيما بعدم اتباع طريق الذين لا يعلمون23.

وتبين هذه الآية أن الله تعالى يهدي من يستحق النصر والتمكين أمثال سيدينا موسى وهارون عليهما السلام إلى الدعاء والرجاء بتذلل وانكسار إليه عز وجل، ثم تبين الآية التالية أن الله تعالى أمر بالاستقامة التي هي أصل الاعتدال؛ لأجل عدم الميل إلى الجهلة، الذين لا يعلمون حقيقة الدين القويم.

ثالثًا: الاستقامة في قصة سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام :

قال تعالى: ( ª ¿ )[مريم:٣٤-٣٦].

بينة الآيات الكريمات أن قضية التوحيد ونفي الولد عنه سبحانه وتعالى من قضايا العقيدة الأساسية، ويترتب على ذلك إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. وهذا هو المنهج المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.

رابعًا: الاستقامة في قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻLﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇXﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [هود:١١٠-١١٢].

تذكر الآية العاشرة بعد المائة من سورة هود جملةً من أساليب التوكيد أن الله تعالى آتى سيدنا موسى عليه السلام التوراة وما فيها من أحكام فاختلف الناس فيها من مصدقٍ إلى مكذب، ولولا أن الله تعالى أخر على هذه الأمة عقاب من يكذبك يا محمد صلى الله عليه وسلم لجاءهم العذاب بعجلٍ بقضاء الله تعالى، وإنهم لفي شكٍ منه موقع للريب.

وتذكر الآية التالية أن كل من ذكرهم الله تعالى من قصص البشر والخلق في هذه السورة وغيرها، والله ليوفينهم ربك أعمالهم، فإن من صفاته أنه خبير بكل ما يعمل هؤلاء الخلق إن كان خيرًا أو غير ذلك.

ثم يأتي الأمر الرباني المباشر من الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالاستقامة بعد بيان حال الخلق عمومًا كما ذكر القرآن؛ لأن الملجأ الحقيقي للنجاة من غضب الله تعالى هو الاستقامة الحقة، وذلك بالتخلي عن الباطل، والتحلي باتباع المنهج المستقيم الذي يتمثل في الإسلام العظيم، وليس الأمر لك يا محمد صلى الله عليه وسلم فحسب؛ بل إن الأمر بالاستقامة ينسحب على من تاب معك من المؤمنين الذين أنابوا إلى بارئهم عز وجل.

ثم جاء التحذير الإلهي لنبي الله تعالى ولجميع من تاب بعدم مجاوزة الحد الذي يحرفكم عن المسار الصحيح، وهو التوحيد الخالص الصافي من الشك والريب، وذلك عين الاستقامة الحقة، فإن من عمل بالحق أو الباطل فالله تعالى بصير بذلك، فيجازي بفضله أو بعدله24.

وقد ورد الأمر بالاستقامة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولقومه بعد بيان قصص مجموعة من الأنبياء عليهم السلام؛ لما في ذلك مزيد عبرة.

وربط قصة سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم واختلاف الناس في التصديق أو التكذيب بتأخير العذاب على هذه الأمة لما في ذلك من تخصيص هذه الأمة بالخيرية أكثر من غيرها حتى بني إسرائيل الذين فضلوا على عالمي زمانهم بمتاع زائل، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تكتسب خيريتها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.

قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران:١١٠].

وهذا النص القرآني مفعمٌ بأساليب التوكيد؛ لما يدلل على أهمية الأمر بالاستقامة، وأن الوصول إليها يحتاج إلى طلب العون من الله تعالى وحده.

سبل الاستقامة

إن الاستقامة سمة النبيين ودأب الصالحين، وإنها وسيلة للنجاة من غضب الله تعالى، وبالتالي عذابه، وإن المسلم الحق هو الذي يسلم من الشوائب المبعدة عن الحق، ويتحلى بصفة الاعتدال التي هي في حقيقتها استقامة.

وسبل الاستقامة يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

أولًا: الإيمان بالله تعالى والإخلاص له:

قال تعالى: ( ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ§ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الحج:٥٣-٥٤].

بعد أن ذكرت الآية السابقة ما حكم به عز وجل من تمكين الشيطان من إلقاء الشبه، ذكرت الآية الثالثة والخمسون من السورة العلة من إلقاء الشبه في قلوب أوليائه، وهي جعل إلقائه لهذه الشبه امتحانًا واختبارًا لمن انزلق عن حد الاعتدال والاستقامة وهم المنافقون، ومن قسا قلبه عن فهم الآيات فصارت حجريةً، ثم تذيل الآية بجملة تقريرية لحقيقةٍ، ألا وهي أن الظالمين الذين وضعوا أقوالهم وأفعالهم في غير مواضعها لفي خلاف بسبب أنهم في غير شق حزب الله تعالى.

وإن جميع هذه العوامل الإيمانية تجعل منة الهداية الإلهية لهؤلاء المؤمنين - الذين أثبتوا قلبًا وقولًا وعملًا على صدق إيمانهم- موصلةً إلى طريق الاستقامة الحقة، المنجية من غضب الله تعالى وعذابه، سيما وأنها تعني لزوم الإسلام العظيم25.

والوصول إلى الاستقامة منة من الله تعالى، فإذا أحسنت التوجه إلى الله تعالى، وآمنت به فإن الله تعالى يهديك إلى الاستقامة الحقة.

ولا بد من المرور بالأشواك أثناء التعبد لله تعالى والتنسك بما يشمل معاني الإيمان بالله تعالى والإخلاص له؛ حتى يعلم من يستحق مرتبة الاستقامة من غيره، وهو ما يتبين لنا واضحًا في الآيات في معرض الحديث عن مداخل الشيطان.

ثانيًا: الاعتصام بالله تعالى:

قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎáﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران:١٠٠-١٠١].

يروى أن «شاس بن قيس اليهودي» مر على نفر من الأوس والخزرج؛ فاغتاظ مما رأى من الألفة بينهم بما غير الإسلام من أحوالهم، بعدما كان بينهم من بغضاء وشحناء، فبعث شابًا من يهود، يذكرهم ببعاث، وهي معركة كبيرة حدثت مع الأوس والخزرج، فاغتاظ القوم من الأوس والخزرج، وتنادوا: السلاح السلاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليهم مع نفر من الصحابة، وما زال يعظهم حتى أنابوا إلى بارئهم وتعانقوا باكين، وأنزل الله تعالى هذه الآيات26.

تبدأ الآية المائة من السورة بنداء إلى المؤمنين، فالعهد المطلوب منهم في هذه الآية هو عدم طاعة فريق الضلال والإضلال من أهل الكتاب؛ لأن العاقبة التي تحل نتيجة ذلك، الردة إلى الكفر بعد الإيمان بسبب حسدهم وبغيهم عليكم، ثم تتساءل الآية التالية سؤالًا استنكاريًا كيف يكون الكفر منكم؟ والحال أن آيات الله تعالى ما زالت تتلى عليكم، بمعنى أنكم تعاصرون نزول الوحي، وما زال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حيًّا بينكم قائمًا بين أظهركم، يوجهكم ويرشدكم إلى الخير.

ثم ترغب الآية بالاعتصام بالله تعالى؛ فإن من اعتصم به، فإن الله يهديه إلى الطريق القويم، وهو منهج الاستقامة الذي يوصله إلى الجنة27.

والتحذير من طاعة فريق الضلال والإضلال من أهل الكتاب جاء بصيغة خبرية من خلال بيان العاقبة الوخيمة التي ستحل بهم إن أطاعوهم؛ فهم سيرتدون إلى الكفر.

وبعد التحذير البالغ الأهمية يأتي الترغيب الكبير بالاعتصام من خلال بيان المنة التي ستكون لهم، وهي الصراط المستقيم، الموصل إلى الجنة.

ثالثًا: العبادة والدوام والثبات عليها:

قال تعالى: ( o )[الأنعام:١٦٠-١٦١].

تبين الآية الستون بعد المائة عظيم رحمة الله تعالى وفضله؛ فالذي جاء بحسنة فله من الأجر عشر حسنات مثلها، والذي جاء بالسيئة فإن فضل الله تعالى يقتضي أن يجازى بمثلها، ولا يمكن لهؤلاء أن يظلموا، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أحسن أحدكم إسلامه؛ فكل حسنةٍ يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها)28.

ثم تخاطب الآية التالية سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأمره أن يقول للخلق جميعًا إنني أرشدني ربي ووفقني إلى الدين القويم، الذي هو منهج الاستقامة الحقة، أعني دينًا ذا قيمٍ ومقام رفيع، فهو ملة سيدنا إبراهيم عليه السلام على الحنيفية السمحة، ثم تذيل الآية ببيان قطعي الدلالة أنه عليه السلام ليس من المشركين29.

رابعًا: التمسك بالقرآن:

قال تعالى: ( . )[الجن:١-٢].

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

قال: (انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.

فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، وقالوا: يا قومنا: ( . )[الجن:١-٢].

فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: ( )[الجن:١].وإنما أوحي إليه قول الجن)30.

تبدأ سورة الجن بأمر إلهي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للخلق جميعًا: أوحي إليه من الله تعالى وحده أنه طاف عدد لا يزيد عن عشرة من الجن فتوجهوا نحو تهامة، فإذا بهم يسمعون كلام القرآن العظيم، الذي ملئ من العجائب، فهو يدعو ويرشد إلى الصواب من التوحيد والإيمان الذي هو عين الاستقامة المنجية من غضب الله تعالى وعذابه، ولذلك لم يسع الجن إلا أنهم آمنوا إيمانًا لا مراء فيه ولا نفاق، وعهدٌ على عدم الشرك بنوعيه بالله الرب المتعال31.

خامسًا: اتباع رضوان الله تعالى:

قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ *ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[المائدة:١٥-١٦].

يخاطب الله تعالى أهل الكتاب ببيانه لهم أن رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم قد جاءهم؛ ليوضح لهم الدين الذي أخفوا كثيرًا منه؛ وليعفو عنهم في كثير من زلاتهم؛ ثم تذيل الآية ببيان أنه قد جاءكم يا أهل الكتاب نور، وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقرآن كريم، وحتى يهتدي المؤمن إلى القرآن، والاستقامة في التزامه، لا بد من اتباع رضوان الله تعالى؛ بالانضباط في طريق السلامة من غضب الله تعالى، والخروج من الباطل وما فيه من ظلمات، إلى طريق واحد وهو النور المبين، وكل هذا منوطٌ فقط بإذن من الله تعالى وحده، فإذا قام من قام ممن هدى الله قلبه للإيمان بذلك، فعندها يرشد الله تعالى ويوفق إلى الطريق القويم، وهو المنهج الرباني الأصيل32.

سادسًا: التوبة والاستغفار:

التوبة إلى الله تعالى تعني الإنابة والرجوع إلى الله تعالى والندم على الذنوب، والعزم على العمل الصالح طاعةً لله تعالى، وهذا كله عين الاستقامة المنجية من غضب الله تعالى، وقد شهدت الآية الثامنة والستون من سورة النساء نموذجًا واضحًا بهذا الشأن.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ= ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳDﭵ ﭶ ﭷ)[النساء:٦٦-٦٨].

«سبب نزولها ما روي أن ثابت بن قيس بن شماسٍ تفاخر هو ويهوديٌ، فقال اليهودي: والله لقد كتب علينا أن نقتل أنفسنا فقتلنا، وبلغت القتلى سبعين ألفًا، فقال ثابتٌ: والله لو كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا»33.

يخبر الله تعالى في الآية السادسة والستين من السورة: أن الله تعالى لو كتب على يهود عصر النبي صلى الله عليه وسلم أن اقتلوا أنفسكم بالجهاد، أو اخرجوا من دياركم كما كان من اليهود السابقين حين استتيبوا من عبادة العجل؛ ما فعلوه إلا القليل منهم، مع أن الأصل أن يفعلوا ما يوعظون به، وذلك أفضل لهم وأعظم في الثبات على الحق، ولأعطاهم الله تعالى الأجر العظيم، ولمن الله تعالى عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، وهذا مرتبط بمزيد الاستغفار والتوبة النصوح والرجوع إلى الله تعالى، والتذلل والانكسار إليه جل جلاله 34.

ومن رحمة الله تعالى بهذه الأمة المحمدية أن جعل منة الهداية إلى الاستقامة ميسورة، ليس فيها مشقة كما كان حال السابقين.

ولا يصل المؤمن إلى قبول توبته من قبل الله تعالى إلا إذا تذلل وانكسر إليه جل جلاله.

سابعًا: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: ( ﭿ )[النور:٦٣].

تحذر هذه الآية الكريمة من أن ينادي المسلمون رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم باسمه، كما لو كانوا ينادون بعضهم البعض؛ فلا تقولوا: يا محمد، ولا يا أبا القاسم، ولا يا ابن عبد الله؛ لأن الله تعالى يعلم حال المنافقين الذين يخرجون من المسجد خفيةً؛ هروبًا من أن يسمعوا كلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهم يلوذ بعضهم إلى بعض بدل أن ينطلقوا إلى الحق، ثم تحذر الآية من مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا تصيبهم بليةٌ، أو يصيبهم العذاب المؤلم في الدنيا والآخرة؛ لأن من يتخلف أو يتقاعس عن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه فلن يصل إلى الاستقامة الحقة35

ثامنًا: الشكر لله تعالى:

لا شك أن الشكر لله تعالى من أنجع الطرق الموصلة إلى الاستقامة الحقة، فاستقامة جدنا الذي نتشرف بالانتساب إليه سيدنا إبراهيم عليه السلام، واصطفاؤه وتقريبه من المنزلة الرفيعة من الهداية، جاء كل ذلك لأنه التزم القنوت والعبادة، وهو إمام جامع لكل الفضائل، يأتم به أهل الهدى في التزام الحنيفية السمحة؛ لاستجماعه كمالاتٍ لا توجد في غيره، وقد التزم الشكر الذي لا مثيل له لله تعالى؛ واقتران الشكر مع الهداية إلى الاستقامة؛ لبيان النتيجة والثمرة، وهي تحبيب الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام لكل الناس؛ لأنه موحد في دين الإسلام ليس يهوديًا ولا نصرانيًا36.

ويتجلى ما ذكرنا في قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ @ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل:١٢٠-١٢١].

وإن من موجبات شكر العبد لله تعالى نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومن هذه النعم: أن الأمة المحمدية هي أمة العدل والاستقامة التي تتوسط الناس، من حيث دراية أخبارهم بما علم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن حيث التوسط في الدين؛ فلا هم أهل غلوٍ فيه كالنصارى، ولا هم أهل جفاء كاليهود، وإن الأمة شاهدةٌ على جميع الناس منذ سيدنا آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، كما يقول تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة:١٤٣].

وتلك هي الخيرية بعينها مشروطةً بلوازمها من أمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن منكر، وإيمانٍ بالله تعالى37، كما قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران:١١٠].

تاسعًا: العدل:

قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النحل:٧٥-٧٦].

يضرب الله تعالى في هذه الآية مثلًا لنفسه والآلهة التي تعبد من دونه؛ فأما الآلهة فهي لا تعدو عن كونها صنمًا لا يسمع ولا ينطق، ينتظر إذن الحركة والتقلب ممن يعبده، إذا دعاه هذا العابد لا يأت بخير، فهل يستوي هذا الوثن مع الله تعالى الذي يأمر بالاستقامة الحقة، ومعلوم أن منهج الله جل جلاله هو منهج مستقيم، بمعنى أن من يلتزم أوامره يكون على هذا الصراط المستقيم38.

وأسلوب ضرب المثل في أخص خصوص الاعتقاد، وهو إثبات وجود الله تعالى، فيه مزيد حجةٍ بالغةٍ على أولئك المعرضين عن طريق الاستقامة الحقة، ولذلك فإن الله تعالى بين صفة العدل والأمر به؛ لأن عذاب الله تعالى لعباده عدلٌ، ورحمته بهم بإدخالهم الجنة فضلٌ.

عاشرًا: الدعاء:

قال تعالى: ( d z ¨ À )[آل عمران:١٩٠-١٩٤].

يذكر الله تعالى في هذه الآيات أن التفكر في خلق الله تعالى الذي لا حصر له، ومن نماذجه المبصرة السماوات والأرض، واختلاف المناخات والأوقات وما ينتج عن ذلك من متغيرات، كل ذلك يعد عبرةً وآية لكل ذي لبٍ، أي: عقلٍ صافٍ من الشوائب، فهم الذين يستقيمون على المنهج؛ باستحضار الله تعالى في كل أحوالهم وأقولهم وأفعالهم سواء أكانوا في الصلاة أم في حياتهم عمومًا قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، ثم يتذللون وينكسرون مقرين بأن الله تعالى أحسن وأتقن كل شيء خلقه، فهو منزهٌ عن أي نقص، متضرعين إلى الله تعالى راجين أن ينجوا من العذاب الأخروي.

فإن من أدخل النار فقد أخزي من قبل الله تعالى، وليس لأحد من الظالمين من أي ناصر، إذا كان الله تعالى هو الآمر، ثم تتجلى طبيعة الاستجابة من قبل هؤلاء المؤمنين المستقيمين المعتدلين أنهم بمجرد سماع منادي الإيمان من بعيد، فإنهم فطنوا إلى ذلك - دونما فذلكةٍ- فآمنوا إيمانًا يسلب قلوبهم نحو بارئهم، فما دام الإيمان تغلغل في قلوبهم، فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات، ويسألون الله خيرًا فهم يطلبون أولًا المغفرة من الذنوب، ثم الستر الكامل الذي يحط السيئات، ولضمان استمرار الخير، أن يبقوا حتى وفاتهم في صحبة أهل الخير البررة.

فإذا ما استجاب الله تعالى ببركة حسن ظنهم به جل جلاله، فإنهم يرجون الجنة التي وعدها الله تعالى للرسل عليهم السلام، وعدم الخزي بعدم استجابة دعائهم؛ بأن تتقلب قلوبهم إلى الشر في الدنيا قبل نهاية حياتهم، فالله تعالى لا يخلف وعده لأيٍ من خلقه، وهؤلاء المؤمنون المستقيمون يقرون بذلك39.

الحادي عشر: العلم:

قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[فاطر:٢٨].

تذكر هذه الآية الكريمة أنه كما كان اختلاف في اللون والنوع في الثمار والجبال، فإن الناس والدواب عمومًا مختلفون أيضًا في اللون والنوع، ثم تستأنف الآية مقررة لحقيقةٍ، ألا وهي أن الذين يخشون الله تعالى ويعملون قصارى جهدهم للسلامة من غضبه، ومن ثم الاستقامة، هم العلماء المؤمنون المستسلمون لله تعالى ولأمره، فالله تعالى متصف بالعزة والمعفرة، فهما اسمان له40.

موانع الاستقامة

لتحصيل الاستقامة موانع نتناولها في النقاط الآتية :

أولًا: الكفر والشرك بالله تعالى:

قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [البقرة:٢٥٦].

تبين هذه الآية الكريمة أن طريق الاستقامة يختلف عن طريق الغواية في صفاته وملامحه، فلا يختلط هذا بذاك.

وتبين أن الكفر بما يعبد من دون الله قضية كبرى في الدين، فلا يصح إيمان العبد بالله تعالى حتى يكفر بكل ما يعبد من دونه41.

ثانيًا: اتباع سبل الشيطان:

قال تعالى: ( ^ c i )[الحجر:٣٩-٤٢].

تذكر الآيات السابقة أولى مراحل الصراع والعداوة بين الشيطان والإنسان.

وتذكر هذه الآيات أن إبليس تعهد بمحاولة إغواء بني آدم، وإبعادهم عن الطريق المستقيم، مستخدمًا أسلوب التزيين والتدليس، فيظهر لهم الحق باطلًا، والباطل حقًّا.

وأقسم أن سيبذل في سبيل ذلك كل الوسائل والطرق التي تغوي بني آدم، وتبعدهم عن دين الله، واتباع شرعه.

ولكنه أقر في نهاية حديثه أن هناك فئة من بني آدم لا يستطيع إغواهم، وهم من اصطفاهم الله، وهداهم إلى صراطه42.

ويفسر إبليس تكبره على الحق بأنه غواية من الله تعالى بسبب خلقه آدم، الذي يرى إبليس أنه أفضل منه، ولكنه استكبر، ولم يستجب لأمر الله، ويسجد لآدم.

ثالثًا: الفرقة والاختلاف:

قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنعام:١٥٩].

تبين هذه الآية الكريمة أن الذين تركوا دينهم وخرجوا عنه كاليهود والنصارى، أو الذين جعلوا دينهم متفرقًا، فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه، هؤلاء جميعًا أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم لست منهم في أي شيء مما يسرون أو يعلنون، من حيث محاسبتك لهم في الدنيا، ولن تحاسب عليهم، فأمرهم وحالهم كله مرجعٌ إلى الله تعالى، ثم يخبرهم خبرًا يقينيًا بعد مماتهم أو يوم القيامة، بكل فعلة فعلوها43.

ونجد أن الاختلاف في قراءة (فرقوا) حصل منه اختلاف المعنى الذي سبق، فقرأ حمزة والكسائي (فارقوا) بمعنى «ترك الدين»، والباقون قرءوا (فرقوا) بمعنى «جعل الدين متفرقًا» 44، وفي هذا بيان لعظيم خطر من انحرف عن طريق الاستقامة الحقة، واتبع هواه.

رابعًا: الطغيان:

قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [طه:٨١].

يأمر الله تعالى - على وجه بيان الحل والتذكير بنعمه- بني إسرائيل أن يأكلوا من جميع الطيبات التي رزقها الله تعالى لهم؛ ولكن هذا منوط بعدم الطغيان، وهو مجاوزة الحد، الذي هو ضد الاعتدال والاستقامة؛ فإن ذلك ينذر بغضب الله تعالى، ومن يأت إليه غضب الله تعالى فقد أهلك؛ لأنه يتبع هواه؛ فقد حمله السعة والعافية على التجاوز والطغيان45.

خامسًا: الركون إلى الذين ظلموا:

قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [هود:١١٣].

تبين الآية الكريم أن من أسباب دخول النار والعذاب فيها: الركون إلى الظالمين، والميل إليهم، وموالاتهم.

وفي المقابل لن يستطيع هؤلاء الظالمون نصرتهم يوم القيامة، بل هم أحوج منهم لمن ينصرهم46.

سادسًا: اتباع الجهلة:

قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنعام:١١٦].

تنهى الآية الكريمة عن طاعة الكفار من خلال بيان العاقبة، وذلك أن مآل طاعتهم هو الضلال عن طريق الحق والاستقامة، طريق الدين القويم، فهم يبنون افتراءاتهم على الظن، وهم يكذبون في ذلك47.

سابعًا: اتباع الهوى:

قال الأوزاعي: «قال إبليس لأوليائه: من أين تأتون بني آدم؟ قالوا: من كلٍ.

قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ قالوا: إن ذلك لشيءٌ ما نطيقه، إنه لمقرونٌ مع التوحيد.

قال: لآتينهم من بابٍ لا يستغفرون الله منه، فبث فيهم الأهواء» 48.

وبالتالي فإنه لا سبيل إلى الاستقامة إلا إذا تخلص المسلم من موانعها، وأعظمها الأهواء، وقد عالج القرآن الكريم ذلك من خلال آيات كثيرة.

منها قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾÑﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [المؤمنون:٧١-٧٣].

تبين هذه الآيات الكريمة بأسلوب الشرط، أنه لو أن الله تعالى - الذي من صفاته الحق- اتبع أهواءهم فيما يشتهونه أو يعبدونه لفسد تدبير السموات والأرض؛ لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى، ولفسدت أحوال السموات والأرض؛ لأنها جارية بالحكمة لا على الهوى، ولفسد من فيهن من المخلوقات، ثم تذيل الآية بحرف إضراب، من خلال أن الله تعالى أتاهم بكل ما هو حق، لكنهم عن هذا الحق معرضون، وبأسلوب التخيير لغرض بيان العاقبة الفضلى، يسأل الله تعالى نبيه محمدًا هل تريد منهم أمرًا من رزق، فرزق ربك خيرٌ وأفضل، فهو خير الرازقين، ثم تخبر الآية التالية على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: أنك يا محمد تدعوهم إلى الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه49.

الآثار والثمرات المترتبة على لزوم الاستقامة

إذا التزم العبد طريق الاستقامة ظهرت عليه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه آثار وثمرات نتناولها في النقاط الآتية :

أولًا: في الدنيا على الفرد والمجتمع:

لا شك أن موضوع الاستقامة اتسم بالأهمية التي يقف عندها كل مسلم، وإن القرآن الكريم أخبرنا أن لها آثارًا وثمراتٍ في الدنيا قبل الآخرة، على الفرد والمجتمع، فمنها:

١. زيادة النشاط في الدعوة إلى الله تعالى.

وهذا يكون من خلال طمأنة الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، عندما كذبه قومه، أنك يا محمد تدعو إلى الاستقامة الحقة، لهذا الدين القويم، ويفسر ذلك قوله تعالى: ( )[المؤمنون:٧٣].

٢. التمسك بالمنهج المستقيم والعض عليه بالنواجذ.

ويدل على هذا قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الزخرف:٤٣].

فإن هذه الآية تعني وجوب التمسك بالقرآن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قائمٌ على هذا الدين، الذي هو الصراط المستقيم50.

٣. تنزل الملائكة على هؤلاء المستقيمين بالبشريات.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [فصلت:٣٠].

فقد بين العز بن عبد السلام في مختصر تفسير الماوردي أن تنزل الملائكة إما أن يكون عند الموت، أو يوم القيامة، وعلى القول الأول تتحقق ثمرة للاستقامة في آخر عهد هذا المستقيم في الدنيا51.

٤. ولاية الملائكة للمستقيمين.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [فصلت:٣١].

فببركة استقامة هؤلاء المؤمنين تأتي إليهم الملائكة، وتخبرهم أنهم أحباؤهم وأنصارهم، فقد كنا الحفظة عليكم؛ بأمر من الله تعالى52.

٥. الرزق الكثير لمن التزم الاستقامة.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( )[الجن:١٦].

والماء هو أساس الحياة لكل شيء، فبه يحيا الإنسان، ويحيا الحيوان، وينبت الزرع والكلأ، وبه يزداد الخير والرزق بالبلاد والعباد، كل ذلك بسبب استقامة الخلق على منهج الله تعالى.

ثانيًا: في الآخرة:

١. لا خوفٌ على المستقيمين ولا حزن.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [الأحقاف:١٣].

فإن الأمن من الفزع الأكبر، وكل ما يستقبلهم في الآخرة يكون حليف هؤلاء المستقيمين، وكذلك لا يحزنهم ما فاتهم53.

٢. دخول الجنة، والخلود فيها.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [الأحقاف:١٤].

فبينت الآية الكريمة أن الأعمال الصالحات سبب لنيل الرحمة، جزاء استقامتهم على التوحيد والطاعة54، إذ إن (أولئك) في هذه الآية هي إشارة إلى المستقيمين الذين ذكرتهم الآية السابقة لها، وهي الثالثة عشر من نفس السورة، وقد جعلت جزاءهم على الاستقامة هو دخول الجنة مع الخلود فيها.

٣. محبة الملائكة ونصرتها للمستقيمين.

ويدل على هذه الثمرة الآية الواحدة والثلاثون من سورة فصلت، وقد ذكرناها في معرض ثمرات الاستقامة في الدنيا، ومعنى هذه الآية أننا «نحن كنا أولياءكم، أي: قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونوفقكم، ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم»55.

٤. المستقيمون ينالون ما يتمنون في الجنة.

ويدل على هذا الأمر الآية السابقة من سورة فصلت، في قوله: ( )، فإنها تعني أن لهم ما يسألون ويتمنون56.

٥. المستقيمون في ضيافة الرحمن يوم القيامة.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [فصلت:٣٢].

والمقصود بالنزل رزق النزيل، وهو الضيف57، وذيل الآية بصفتي المغفرة والرحمة؛ لبيان تفضل الله تعالى على عباده المستقيمين على طاعته ومنهاجه.

الآثار المترتبة على الانحراف عن الاستقامة

الانحراف عن طريق الاستقامة له آثار وعواقب نتناولها في النقاط الآتية:

أولًا: في الدنيا على الفرد والمجتمع:

إن من يتخلف عن طريق الاستقامة الحقة ينل العقاب من الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، وقد دل على ذلك آياتٌ كثيرةٌ، سنذكر منها في معرض الاستدلال على بعض هذه العواقب التي تترتب على الانحراف عن الاستقامة، وهي على النحو التالي:

١. المعيشة النكدة.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [طه:١٢٤].

أي: من أعرض عن هداي وذكري، وينحرف عن الاستقامة الحقة، فإن له حياة نكدة؛ إذ إنه يلهث وراءها، خائفًا من انتقاصها، وتلك هي عقوبةٌ لا يتصور عذابها من الخلق إلا من ابتلي بها58.

٢. قسوة القلوب ولعن الله لهم.

ويدل على هذا قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[المائدة:١٣].

وهذا يعني أن نقض اليهود للميثاق سواء أكان الميثاق العام في عالم الذر، أو الميثاق الخاص ببني إسرائيل، حرفهم عن الاستقامة الحقة، وعقوبتهم العاجلة هي لعنة الله تعالى عليهم، وقسوة قلوبهم.

من يعرض عن الاستقامة وطريقها يسلك العذاب الشاق: ويدل على هذا قوله تعالى: ( )[الجن:١٧].

ثانيًا: في الآخرة:

١. الهلاك والوعيد.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [فصلت:٦].

فقد وردت هذه الآية في سياق بيان العقوبة الأخروية، وهي الوعيد بالهلاك الشديد في النار لكل من انحرف عن الاستقامة؛ لأن الاستقامة المقصودة هنا التوحيد، والوعيد هنا لما يضاده، وهو الشرك59.

٢. الحشر يوم القيامة على العمى.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ﯿ) [طه:١٢٤].

وهذا يعني أن من تخلف عن الاستقامة، بإعراضه عن الطاعة ومن ثم التوحيد، فإنه يساق يوم القيامة بصيرًا، فإذا سيق إلى الحشر عمي60.

٣. العداوة بين المنحرفين عن الاستقامة.

ويدل على هذا قوله تعالى: ( ) [الزخرف:٦٧].

وهذا يعني أن الأخلاء في الدنيا يكونون يوم القيامة أعداء لبعضهم البعض، بسبب بعدهم عن الاستقامة على طاعة الله تعالى، أما المتقون الذين استقاموا على الدين، فلا عداوة بينهم بل هم أخلاء متحابون61.

موضوعات ذات صلة:

الصراط، الضلال، الغلو، الهداية، الوسطية


1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٤٣.

2 مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ٢/١٠٤.

3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٢/١٢٦، الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠١٧، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٥.

4 انظر: المصادر السابقة .

5 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب، ص ١٩٣.

6 التعريفات، الجرجاني، ص١٩.

7 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم ص٩٨٧،٩٨٨.

8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤٩٨

9 انظر: المنجد في اللغة، كراع النمل، ص١٢٤.

10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/١١٢.

11 انظر: المصدر السابق .

12 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٣٧٩.

13 التوقيف، المناوي، ص١٧٧.

14 انظر: تاج العروس، مرتضى الزبيدي، ٩/٣٥.

15 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٢٦٧.

16 انظر: مشارق الأنوار، القاضي عياض، ٢/٦٩.

17 انظر: العين، الفراهيدي، ٢/٣٨.

18 التعريفات، الجرجاني، ص١٤٧.

19 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/١١٨.

20 انظر: التفسير الواضح، حجازي،٣/٧٦٣.

21 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٢/٩٨، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ٤/١٣٨٦.

22 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٧/٣١٩.

23 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين، ٢/٢٧١، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب، ٥/٣٣١٤.

24 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ٢/٤٠٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٩/١٠٣.

25 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٣/٧٢، مراح لبيد، الجاوي ٢/٧٧.

26 انظر: أسباب النزول، الواحدي، ص١١٦، لباب النقول، السيوطي، ص٤٤.

27 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٤١، بيان المعاني، عبد القادر العاني، ٥/٣٧٣.

28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حسن إسلام المرء، ١/١٧، رقم ٤٢.

29 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٢/١٧٧.

30 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الجهر بقراءة صلاة الفجر، ١/١٥٤، رقم ٧٧٣.

31 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ٤/٣٤٦.

32 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي،٦/ ١١٨.

33 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٥/٢٧٠.

34 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/٨٢.

35 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ٣/٥٥٤، تفسير السمرقندي، ٢/٥٢٧.

36 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٦/٤٢٠، زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٨/٤١٢٧.

37 انظر: معاني القرآن، الفراء، ١/٨٣، جامع البيان، الطبري، ٣/١٤٢.

38 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٧/٢٦٢، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين، ٢/٤١٢.

39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ٣/٨٤١.

40 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين، ٤/٣٠، الكشف والبيان، الثعلبي، ٨/١٠٥.

41 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ١/٢٦٠.

42 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١١/٥٨، البحر المديد، ابن عجيبة، ٣/٨٨.

43 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/٢٠٨، الدر المنثور، السيوطي، ٣/٤٠١.

44 انظر: الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه، ص١٥٢.

45 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٣٣، فتح القدير، الشوكاني، ٣/٤٤٨.

46 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي، ص٣٠١، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/٢٤٥.

47 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي، ص١٨٢، فتح القدير، الشوكاني، ٢/١٧٧.

48 ذم الكلام وأهله، الهروي،٥/١٤٧.

49 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٤/٦٣، زاد المسير، ابن الجوزي، ٣/٢٦٧.

50 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ٨/٣٣٦.

51 انظر: تفسير القرآن، ٣/١٣٠.

52 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٤/١٣٢.

53 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٢٧٩.

54 انظر: المصدر السابق.

55 المصدر السابق، ٧/١٧٧.

56 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٥/٣٥٩.

57 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٤/٨٨.

58 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/٤١.

59 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٧/٥٤٢.

60 انظر: المصدر السابق، ٢٢/١١١.

61 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ٤/٨٢.