عناصر الموضوع

مفهوم الاستدراج

الاستدراج في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الاستدراج سنة إلهية

الحكمة من الاستدراج

مجالات الاستدراج

مظاهر الاستدراج

نماذج قرآنية في الاستدراج

عاقبة المستدرجين

الاستدراج

مفهوم الاستدراج

أولًا: المعنى اللغوي:

يورد أهل اللغة وأصحاب المعاجم لفظة الاستدراج تحت مادة (درج)، والتي تأتي في اللغة بعدة معانٍ، كما يلي:

  1. بمعنى المضي والذهاب والرجوع، قال ابن فارس: «درج، الدال والراء والجيم أصلٌ واحد يدل على مضي الشيء والـمضي في الشيء، من ذلك قولهم: درج الشيء، إذا مضى لسبيله، ورجع فلانٌ أدراجه، إذا رجع في الطريق الذي جاء منه»1.
  2. بمعنى المنزلة والرتبة: جاء في لسان العرب: «درج البناء ودرجه، بالتثقيل: مراتب بعضها فوق بعضٍ، واحدته درجة ودرجةٌ مثال همزةٍ، الأخيرة عن ثعلبٍ، والدرجة: الرفعة في المنزلة2.
  3. بمعنى اللف والطي والإدخال: قال في بصائر ذوي التمييز: «والإدراج: لف شيء في شيء، يقال: أدرج فلان في أكفانه. ودرجه في الأمر تدريجًا، أي: جره إليه قليلًا قليلًا. واستدرج الله المرء: جره قليلًا قليلًا إلى العذاب»3.

    ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

    عرف الجرجاني الاستدراج بقوله: «الاستدراج: أن يجعل الله تعالى العبد مقبول الحاجة وقتًا فوقتًا إلى أقصى عمره للابتدال بالبلاء والعذاب»4.

    وقال الكفوي: الاستدراج: «هو أن يعطي الله العبد كل ما يريده في الدنيا ليزداد غيه وضلاله وجهله وعناده فيزداد كل يوم بعدًا من الله تعالى»5.

    وتعريف الكفوي أقرب لمعنى الاستدراج في القرآن، والذي جاء في قوله تعالى: ( ) [الأعراف:١٨٢].

الاستدراج في الاستعمال القرآني

  1. ورد (الاستدراج) في القرآن مرتين6.

    والصيغ التي وردت هي:

    الصيغة

    عدد المرات

    المثال

    الفعل المضارع

    ٢

    ( ) [الأعراف: ١٨٢، القلم:٤٤]

    وجاء (الاستدراج) في القرآن الكريم بصيغة صرفية واحدة، هي صيغة الفعل المضارع، مبدوءة بسين الاستقبال () ، والهاء مفعوله.

    ومما يلاحظ في هذه الصيغة القرآنية تناسبها واتفاقها مع مدلول الاستدراج ومعناه، فطول الكلمة وكثرة حروفها - في تسعة حروف-، وطول فترة نطقها لوجود السكون في السين والدال، كل ذلك يتناسب مع معنى الاستدراج وهو الإمهال والإنظار للكافرين، ويوحي «بطول المدة، مدة عدم انصياعهم، وخصوصًا في صيغة (استفعل) ففيها تصيير لهم، وحركة جعلية متمهلة، وهذا ما يوحي به توالي المقاطع وتعددها مما يجسم طول فترة الغفلة التي يكون فيها الكافرون»7.

    وهذا كله من جمال اللفظ القرآني وإعجازه، وأيضًا فإن مجيء مادة الاستدراج بصيغة الفعل المضارع يدل على استمرار وتجدد هذه السنة الإلهية في الخلق، وهو أمر مشاهد في كل زمان في إمهال الله تعالى للظلمة والكافرين واستدراجهم.

الألفاظ ذات الصلة

  1. الإمهال:

    الإمهال لغة:

    من مهل، بمعنى «التؤدة والسكون، يقال: مهل في فعله، وعمل في مهلة، ويقال: مهلًا، نحو: رفقًا... وأمهلته: رفقت به»8.

    الإمهال اصطلاحًا:

    التؤدة والسكون9، فهو يتفق مع المعنى اللغوي للكلمة.

    الصلة بين الإمهال والاستدراج:

    الذي يظهر أن بين الإمهال والاستدراج عمومًا وخصوصًا، فالإمهال أعم من الاستدراج من جهة السبب، فقد يمهل الله تعالى الإنسان ليتوب، وقد يمهله ليزداد إثمًا، وهو أخص من الاستدراج من جهة أنه نوع من أنواعه، فالاستدراج يكون بإمهال بالعقوبة وتأخيرها، ويكون بغير ذلك كالإمداد والإنعام.

    الإملاء:

    الإملاء لغة:

    «(ملي) الميم واللام والحرف المعتل كلمةٌ واحدةٌ. هي تدل على الزمن الطويل. وأقام مليًا، أي: دهرًا طويلًا»10.

    الإملاء اصطلاحًا:

    «هو الإمهال والتأخير»11.

    الصلة بين الإملاء والاستدراج:

    أن الإملاء: هو الإمهال والتأخير، والاستدراج: هو أنه كلما جدد العبد خطيئة جدد الله له نعمة، وأنساه الاستغفار إلى أن يأخذه قليلًا قليلًا، ولا يباغته، وعلى هذا بينهما عموم وخصوص، إذ كل استدراج إملاء وليس كل إملاء استدراجًا12.

    الكيد:

    الكيد لغةً:

    هو المكر والخبث، والحيلة، والحرب13.

    الكيد اصطلاحًا:

    «إرادة مضرة الغير خفيةً وهو من الخلق الحيلة السيئة، ومن الله سبحانه وتعالى التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق»14.

    الصلة بين الكيد والاستدراج:

    الكيد هو إرادة مضرة الغير بحيلة خفية، والاجتهاد في ذلك، وهو نوع من أنواع الاستدراج.

    المكر:

    المكر لغة:

    «الخديعة والاحتيال، وقال الليث: احتيالٌ في خفيةٍ»15.

    المكر اصطلاحًا:

    قال المناوي: «المكر: من جانب الحق: إرداف النعم مع المخالفة، وإبقاء الحال مع سوء الأدب، وإظهار الكرامات من غير جد. ومن جانب العبد: إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر»16.

    الصلة بين المكر والاستدراج:

    المكر من الله استدراج بالنعم، فالمكر فيه استدراج وفيه زيادة أيضًا على الاستدراج بحيث يكون قلب ذلك المستدرج آمنًا من كل جهة17.

الاستدراج سنة إلهية

  1. من سنن الله تعالى في عباده - والتي لا تتبدل ولا تتغير- سنة الاستدراج، فالله تعالى أمر عباده بطاعته وامتثال أوامره، وحذرهم من معصيته ومخالفة أمره، فإن هم أطاعوه، فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة، وإن خالفوه ولم يستجيبوا لأمره، ذكَرهم الله تعالى، وحذرهم من عقابه.

    ثم سلط عليهم البلاء والضراء حتى يردهم إليه وإلى طاعته، فإن تمادوا في إعراضهم وكفرهم رغم تذكير الله لهم ودعوته إياهم فإن الله تعالى يبدلهم مكان السيئة الحسنة ويوسع عليهم ويمدهم في طغيانهم، ويمهلهم، حتى إذا ازدادوا كفرًا وفجورًا، ونسوا لقاء ربهم أخذهم الله بغتة -وهم لا يشعرون- إلى عقابه الشديد، وهذا هو معنى استدراجه تعالى وكيده ومكره بمن عصاه وكفر به، وهي سنته الباقية في كل من يمضي على منوالهم.

    قال الله تعالى: ( ) [آل عمران:١٣٧].

    فأخبر تعالى عن سننه في الأمم الماضية المكذبة الكافرة في إمهاله لهم واستدراجه إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجله في إهلاكهم واستئصالهم، فأحل بهم عقوبته، وأنزلت بساحتهم نقمته، وتركهم لمن بعدهم أمثالًا وعبرًا18.

    قال تعالى: ( )، وهذه الآية نزلت بعد معركة أحد تسلية وتعزية للمسلمين على ما أصابهم فيها، وبيان أن ما حدث للكفار من بعض الظفر بالمسلمين هو من استدراج الله تعالى بهم.

    قال الإمام الطبري: «فسيروا - أيها الظانون، أن إدالتي19 من أدلت من أهل الشرك يوم أحد على محمد وأصحابه، لغير استدراج مني لمن أشرك بي، وكفر برسلي، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي، وما الذي آل إليه غب خلافهم أمري، وإنكارهم وحدانيتي، فتعلموا عند ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم، ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم: من تعجيل العقوبة عليهم، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي»20.

    فبيَن تعالى أن الاستدراج سنة من سننه مع الكافرين والعصاة من خلقه، وقد أوضح الله تعالى معنى هذا الاستدراج في قوله: ( ﯹﯺﯻ ﯿ ﭢﭣ) [الأعراف:٩٤-٩٦].

    «أي: إن سنتنا قد جرت - ولا مبدل لها - أننا إذا أرسلنا نبيًا في قوم وكذبوه أنزلنا بهم الشدائد والمصائب»21.

    قال: ( ) «أي: ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام، ( ) ما يصيبهم من فقر وحاجة، ونحو ذلك، ( ) أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم»22، «ثم إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم، ( ﯿ) فأدر عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء ( ) أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة الله وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلاء»23.

    قال ابن عاشور: «والمعنى أنا نأخذهم بما يغير حالهم التي كانوا فيها من رخاء وصحة، عسى أن يعلموا أن سلب النعمة عنهم أمارة على غضب الله عليهم من جراء تكذيبهم رسولهم فلا يهتدون، ثم نردهم إلى حالتهم الأولى إمهالًا لهم واستدراجًا فيزدادون ضلالًا، فإذا رأوا ذلك تعللوا لما أصابهم من البؤس والضر بأن ذلك التغيير إنما هو عارض من عوارض الزمان وأنه قد أصاب أسلافهم من قبلهم ولم يجئهم رسل»24.

    قال الخازن في معنى قوله تعالى: ( )، «يعني أنهم قالوا: هكذا عادة الدهر قديمًا وحديثًا لنا ولآبائنا ولم يكن ما مسنا من الشدة والضراء عقوبة لنا من الله تعالى على ما نحن عليه، فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم من قبل فإنهم لم يتركوا دينهم مما أصابهم من الضراء والسراء»25.

    وما أجمل ما قاله سيد قطب في تعقيبه على هذه الآيات وبيان سنة الله تعالى في الاستدراج، قال رحمه الله: «هذه وقفة في سياق السورة للتعقيب على ما مضى من قصص قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقفة لبيان سنة الله التي جرت بها مشيئته وحققها قدره بالمكذبين في كل قرية... وهي سنة واحدة يأخذ الله بها المكذبين ويتشكل بها تاريخ الإنسان في جانب منه أصيل، أن يأخذ الله المكذبين بالبأساء والضراء لعل قلوبهم ترق وتلين وتتجه إلى الله...

    فإذا لم يستجيبوا أخذهم بالنعماء والسراء، وفتح عليهم الأبواب، وتركهم ينمون ويكثرون ويستمتعون، كل ذلك للابتلاء، حتى إذا انتهى بهم اليسر والعافية إلى الاستهتار والترخص، وإلى الغفلة وقلة المبالاة، وحسبوا أن الأمور تمضي جزافًا بلا قصد ولا غاية، وأن السراء تعقب الضراء من غير حكمة ولا ابتلاء، وأنه إنما أصابهم ما أصاب آباءهم من قبل؛ لأن الأمور تمضي هكذا بلا تدبير: ( )! أخذهم الله بغتة، وهم سادرون في هذه الغفلة»26.

    وقد بيَن الله تعالى هذا المعنى لسنة الاستدراج في قوله تعالى: ( ﯷ ﯸ ﯿ ) [الأنعام:٤٢-٤٥].

    ومعنى قوله تعالى: ( )، أي: «فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا، ( ) أي: ما رقت ولا خشعت.

    وقوله: ( ) أي: من الشرك والمعاصي27، وجيء بـ (لولا) ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوتهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان -ومنها الشرك- لهم.

    فالاستدراك في الآية على المعنى لبيان الصارف لهم عن التضرع. وأنه لا مانع لهم إلا ذلك28، ولما كان حالهم كذلك من الإعراض وقسوة القلب، استدرجهم الله تعالى بنعمه وكثرة الخيرات، وأملى لهم، كما قال: ( ﯿ ).

    قال الحافظ ابن كثير: «أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذًا بالله من مكره؛ ولهذا قال: ( ) أي: من الأموال والأولاد والأرزاق ( )، أي: على غفلة ( )، أي: آيسون من كل خير»29.

    وفي الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج).

    ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ﯿ ) [الأنعام:٤٤].30

    فبيَن صلى الله عليه وسلم أن الاستدراج هو الفتح بالنعم مع الإقامة على المعصية، أما الفتح بالنعم مع الإيمان والتقوى فهي رحمة من الله تعالى بالمؤمنين، وسنة من سننه في إكرام أهل طاعته في الدنيا والآخرة، وقد بيَن الله تعالى ذلك في قوله تعالى: ( ﭢﭣ) [الأعراف:٩٦].

    فبعد أن بيَن تعالى أن الإنعام على سبيل الاستدراج، بيَن أنه يكون أيضًا على سبيل الإكرام لأهل الإيمان والتقوى.

    وهكذا يبين الله تعالى لنا سنته في استدراج المكذبين بآياته من الأمم الكافرة والظالمة، كما صرح تعالى بذلك في قوله: ( ﮓﮔﮕ ﮖﮗ ﮚﮛ) [الأعراف:١٨٢-١٨٣].

    «قال الأزهري: أي: سنأخذهم قليلًا قليلًا من حيث لا يحتسبون، وذلك أن الله تعالى يفتح عليهم من النعيم ما يغتبطون به ويركنون إليه، ثم يأخذهم على غرتهم أغفل ما يكونون، وقال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة»31.

    قال تعالى: ( ﭢﭣ ) [القلم:٤٤].

    قال الفخر الرازي: «ذرني وإياه، يريد كله إلي، فإني أكفيكه، كأنه يقول: يا محمد حسبك انتقامًا منه أن تكل أمره إلي، وتخلي بيني وبينه، فإني عالم بما يجب أن يفعل به قادر على ذلك»32.

    وقال ابن كثير: ( ) يعني: القرآن، وهذا تهديد شديد، أي: دعني وإياه مني ومنه، أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر؛ ولهذا قال: ( )، أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال: ( ﯯﯰﯱ ﯴﯵ ) [المؤمنون:٥٥-٥٦].

    ولهذا قال تعالى هاهنا: ( ) [القلم:٤٥]، أي: وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم، وذلك من كيدي ومكري بهم؛ ولهذا قال تعالى: ( )، أي: عظيم لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي33.

    فصرح تعالى بتهديده ووعيده لأهل التكذيب والعناد بالكيد لهم واستدراجهم، ولا شك أن من هدده رب العالمين بذلك، فهو من أخسر الخاسرين في الدنيا والآخرة.

    قال الخازن: «وقيل في معنى الآية: كلما أذنبوا ذنبًا جددنا لهم نعمة، وأنسيناهم الاستغفار والتوبة، وهذا هو الاستدراج؛ لأنهم يحسبونه تفضيلًا لهم على المؤمنين، وهو في الحقيقة سبب إهلاكهم فعلى العبد المسلم إذا تجددت عنده نعمة أن يقابلها بالشكر، وإذا أذنب ذنبًا أن يعاجله بالاستغفار والتوبة»34.

    ومراد الإمام الخازن: أي حتى لا يكون ذلك الإنعام استدراجًا فاشكروا الله على نعمه، واستغفروه من ذنوبكم.

    واستدراجه تعالى ليس قاصرًا على الأمم فحسب، وإنما يقع على الأفراد أيضًا.

    قال تعالى مبينًا استدراجه لبعض الأفراد: ( ﭴ ﭵ ﭿ ) [الزمر:٤٩-٥٠].

    فأخبر الله تعالى عن الإنسان «أنه في حال الضراء يضرع إلى الله عز وجل، وينيب إليه ويدعوه، وإذا خوَله منه نعمة بغى وطغى، وقال: ( )، أي: لما يعلم الله من استحقاقي له، ولولا أني عند الله تعالى خصيص لما خولني هذا!»35.

    وقال الخازن: «( ) يعني من الله تعالى، علم أني له أهل، وقيل: على خير علمه الله عنده، ثم قال تعالى في رد ما قاله: ( ) يعني تلك النعمة استدراج من الله تعالى وامتحان وبلية، ( ) يعني أنها استدراج من الله تعالى»36.

    ثم قال تعالى: ( )، كقارون، كما ذكر تعالى ذلك عنه في قوله: ( ) [القصص:٧٨].

    وهكذا بين الله تعالى أن الاستدراج سنة من سننه مع عباده أممًا وأفرادًا.

    وهذه السنة الإلهية الحكيمة لها علاقة وثيقة بالسنن الإلهية الأخرى، كعقوبة الظالمين والانتقام منهم، فالله تعالى يملي للظالم ويمهله ليزداد بذلك بغيًا وإثمًا، ثم يأخذه بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر، وسنة الابتلاء والامتحان، ليبتلي عباده في إيمانهم وصبرهم.

الحكمة من الاستدراج

  1. أولًا: الإمهال للتوبة.

    من حكمة الله تعالى في استدراج عباده أن يردهم إلى التوبة والإنابة إليه، وهو من رحمته تعالى بهم، فيمهلهم الله وينظرهم، ويبتليهم بالبأساء والضراء لعلهم يرجعون إليه، قال الله تعالى: ( ) [التوبة:١٢٦].

    وهي في سياق الحديث عن المنافقين وفضائحهم، وقد تضمنت توبيخهم وتقريعهم والإنكار عليهم في إقامتهم على ما هم عليه من الكفر والنفاق مع ما يصيبهم من البلايا والأمراض.

    قال السعدي رحمه الله: «قال تعالى -موبخًا لهم على إقامتهم على ما هم عليه من الكفر والنفاق-: ( ) بما يصيبهم من البلايا والأمراض، وبما يبتلون من الأوامر الإلهية التي يراد بها اختبارهم، ( ) عما هم عليه من الشر ( ) ما ينفعهم، فيفعلونه، وما يضرهم، فيتركونه، فالله تعالى يبتليهم -كما هي سنته في سائر الأمم- بالسراء والضراء وبالأوامر والنواهي ليرجعوا إليه، ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون»37.

    وقال البقاعي رحمه الله: «فالآية ذامة لهم على عدم التوبة بإصابة المصائب لعدم تذكر أنه سبحانه ما أصابهم بها إلا بذنوبهم ( ) [الشورى:٣٠].

    كما أن أحدهم لا يعاقب فتاه إلا بذنب وما لم يتب فهو يوالي عقابه»38.

    وقال الواحدي: «قال أهل المعاني: وهذه الآية بيان عما يوجبه تقلب الأحوال مرة بعد مرة من تذكر العبرة التي تدعو إلى إخلاص الطاعة والتوبة من كل خطيئة لشدة الحاجة إلى من يكشف البلية ويسبغ النعمة»39.

    وهكذا يبين الله تعالى توبيخه وإنكاره على من لم يعتبر بحصول البلاء ونزول الضراء وتغير الأحوال في تجديد التوبة والإنابة إليه.

    وقال تعالى: ( ﯿ ) [الروم:٤١].

    وقال تعالى: ( ) [السجدة:٢١].

    أي: لنذيقنهم من عذاب الدنيا بالقتل والأسر والجدب سنين والأمراض قبل عذاب الآخرة لعلهم يرجعون إلى الإيمان40.

    وقال تعالى: ( ) [الزخرف:٤٨].

    وغير ذلك من الآيات التي توضح استدراج الله تعالى لهم بالعقاب ليتوبوا وينيبوا، قبل أن يدركهم العذاب الأكبر يوم القيامة.

    وهذا النوع من الاستدراج هو النوع الأول الذي أشار إليه ابن الحاج رحمه الله في قوله: «الاستدراج اسم لمعنيين فأحد المعنيين: استدراج عقوبة للسيئة تنبيهًا على الإنابة، والمعنى الثاني استدراج لا إنابة فيه، ولا رجوع، فنعوذ بالله من الاستدراج»41.

    ثانيًا: الزيادة في الإثم.

    ومن حكم استدراج الله تعالى للكفرة والمجرمين من خلقه أن يزدادوا إثمًا وجرمًا، فيزيد الله عقابهم بذلك، فالله تعالى يمهل الكافرين وينظرهم -استدراجًا منه تعالى- حتى يصلوا إلى درجة عظيمة من الإثم، ثم يعاجلهم بالعقوبة.

    قال تعالى: ( ﮝﮞ ﮣﮤ ) [آل عمران:١٧٨].

    وهذه الآية نزلت عقب غزوة أحد، تسلية للمؤمنين على ما وقع لهم فيها من بلاء، وبيانًا لسنة الله تعالى في استدراج الكفرة والمنافقين، أي: ليعلم المؤمنون أن إملاء الله تعالى لأهل الكفر ببقائهم ونجاتهم من سيوف المسلمين يوم أحد إنما هو من استدارج الله تعالى لهم وكيده بهم.

    وذلك أنهم يزدادون بهذا الإمهال إثمًا وجرمًا، فيزيد الله بذلك في عقابهم، ويشهد لهذا المعنى قراءة الفعل ( ) في الآية بتاء الخطاب الفوقية42، أي: لا تحسبن يا محمد صلى الله عليه وسلم43.

    وفي ذلك تحسير لأهل الكفر وتثبيط لعزائمهم، فلا يظنون أن ما هم فيه من الإمهال والإنظار خير لهم44، بل هو استدراج يعقبه عذاب ونكال، ويشهد لهذا المعنى قراءة الفعل ( ) في الآية بياء الغيبة التحتية.

    وكل ذلك مما يجنيه الكافر على نفسه بإعراضه عن طاعة ربه والتزام أمره، مع إرسال الله رسله ونذره إليه، فلما أعرض ونأى بجانبه، استدرجه الله إلى العذاب الشديد والنكال العظيم، فأمهله وزاد في عمره، ووسع في رزقه، وألهاه بدنياه، ونعمه فيها، حتى إذا جاءت ساعة أجله، أخذه الله وهو على حاله غافلًا ساهيًا قد كبل بالخطايا والآثام.

    ومن أجل هذه الحكمة أخر الله تعالى إبليس وأنظره إلى يوم البعث لما طلب من الله تعالى ذلك.

    قال تعالى: ( ﭸﭹﭺ ﭽﭾﭿ ﮂﮃ) [الحجر:٣٦-٣٨].

    قال ابن كثير: «لما تحقق الغضب الذي لا مرد له، سأل من تمام حسده لآدم وذريته النظرة إلى يوم القيامة، وهو يوم البعث وأنه أجيب إلى ذلك استدراجًا له وإمهالًا»45.

    ثالثًا: الزيادة في الضلال.

    ومن حكم استدراج الله تعالى للكفرة والمجرمين من خلقه أن يزدادوا ضلالًا وانحرافًا، وذلك عقوبة لهم على زيغهم وانحرافهم، واختيارهم سبيل الضلال وسلوكه.

    قال تعالى: ( ) [الصف:٥].

    أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، ولهذا قال الله تعالى: ( )46، فالله تعالى لا يهدي من أراد الضلالة وسعى لها، بل إن الله تعالى يمد أهل الضلال في ضلالهم حتى يزدادوا بذلك عذابًا وعقابًا.

    قال تعالى في وصف الكفار عند سماعهم آياته تتلى عليهم: ( ﯔﯕﯖ ﯞﯟﯠ ﯨﯩ ﯹﯺ) [مريم:٧٣-٧٥].

    قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآيات: «يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان: أنهم يصدون عن ذلك، ويعرضون ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم: ( ) أي: أحسن منازل، وأرفع دورًا، وأحسن نديًا وهو مجمع الرجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر واردًا وطارقًا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق؟ كما قال تعالى مخبرًا عنهم: ( ﯧﯨ ) [الأحقاف:١١].

    وقال تعالى على لسان قوم نوح: ( ) [الشعراء:١١١].

    وقال تعالى: ( ﭛﭜ ) [الأنعام:٥٣].

    ولهذا قال تعالى -رادًا عليهم شبهتهم-: ( ) أي: وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم، ( ) أي: كانوا أحسن من هؤلاء أموالًا وأمتعة ومناظر وأشكالًا»47.

    وقوله تعالى: ( ﯨﯩ )، أي: «قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم، القائلين إذا تتلى عليهم آياتنا: أي الفريقين منا ومنكم خير مقامًا وأحسن نديًا، من كان منا ومنكم في الضلالة جائرًا عن طريق الحق،... فليطول له الله في ضلالته، وليمله فيها إملاء»48.

    قال تعالى: ( ﯨﯩ ) [مريم:٧٥].

    قال أبو زهرة رحمه الله: «يقول تعالى ردًا على المشركين في غرورهم بالمال والبنين ومتعة الجاه والسلطان: ( ) الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم يأمره سبحانه وتعالى بأن يبين لهم الحق وسنة الله تعالى في أمر الضلالة والهداية، فهو سبحانه يمد الذين أرادوا الضلالة وسلكوا سبيلها وأخذوا في أسبابها، يمدهم فيها مدًا حتى يحسبوا أن الأمر إليهم، كما قال تعالى: ( ﮖﮗ ) [الأعراف:١٨٣].

    يمهلهم سبحانه ويتركهم في غيهم يعمهون، ويزيدهم بالمال ويعطيهم، حتى يفرقهم الغرور ويجعلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

    وقال تعالى بلفظ الأمر: ( ) جاء الخبر على صيغة الأمر؛ لبيان أن ذلك بإرادة الله وكأنه يأمره به أمرًا، وهو استدراج من الله تعالى لهم... وأكد سبحانه إمهالهم واستدراجهم بالعطاء بوفرة عليهم بالمصدر (مدًا)»49.

    وقد بين الله تعالى في الآيات التي تلي هذه الآية شيئًا من مدهم في ضلالهم، في قوله تعالى: ( ) [مريم:٨٣].

    أي: سلطناهم عليهم بالإغواء، وقيضناهم لهم50، قال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله (تؤزهم) يقول: تحركهم بالإغواء والإضلال، فتزعجهم إلى معاصي الله، وتغريهم بها حتى يواقعوها (أزا) إزعاجًا وإغواء»51.

    وجعل تعالى ذلك لهم جزاءً على إعراضهم وكفرهم، كما قال تعالى: ( ) [الزخرف:٣٦].

    قال الشنقيطي عند تفسير لآية سورة مريم: «في معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء، وكلاهما يشهد له قرآن: الأول: أن الله جل وعلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول هذه الكلمات كدعاء المباهلة بينه وبين المشركين، أي: قل يا نبي الله لهؤلاء المشركين الذين ادعوا أنهم خير منكم، من كان منا ومنكم في الضلالة - أي الكفر والضلال عن طريق الحق.

    ( ) أي: فأمهله الرحمن إمهالًا فيما هو فيه حتى يستدرجه بالإمهال ويموت على ذلك ولا يرجع عنه، بل يستمر على ذلك حتى يرى ما يوعده الله، وهو: إما عذاب في الدنيا بأيدي المسلمين، كقوله: ( ) [التوبة:١٤].

    أو بغير ذلك، وإما عذاب الآخرة إن ماتوا وهم على ذلك الكفر، وعلى ذلك التفسير فصيغة الطلب المدلول عليها باللام في قوله: ( ) على بابها، وعليه فهي لام الدعاء بالإمهال في الضلال على الضال من الفريقين، حتى يرى ما يوعده من الشر وهو على أقبح حال من الكفر والضلال، والوجه الثاني: أن صيغة الطلب في قوله: ( )، يراد بها الإخبار عن سنة الله في الضالين، وعليه فالمعنى: أن الله أجرى العادة بأنه يمهل الضال ويملي له فيستدرجه بذلك حتى يرى ما يوعده، وهو في غفلة وكفر وضلال»52.

    ثم قال رحمه الله: «قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: ( ﯿ) [مريم:٧٦].

    دليل على رجحان القول الثاني في الآية المتقدمة، وأن المعنى: أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة، ومن اهتدى زاده الله هدى، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، كقوله في الضلال: ( ) [الصف:٥].

    وقوله: ( ) [النساء:١٥٥]»53.

مجالات الاستدراج

  1. للاستدراج مجالات عدة منها: الكفر، والنفاق، والظلم، والفسق والمعاصي.

    أولًا: الكفر:

    الكافرون هم أعظم الخلق استدراجًا إلى عقاب الله تعالى، وعذابه الأليم، وهو الخلود في نار جهنم، وأكثر الخلق اغترارًا بإمهال الله لهم وإنعامه عليهم، وما ذلك إلا لكفرهم وجهلهم بربهم وسننه، فالله تعالى يعجل لهم طيباتهم في الدنيا ويمهلهم ويؤخرهم إلى أن يأتيهم ذلك العذاب الأليم الذي توعدهم به، وأعده لهم، وهم في غفلتهم وطغيانهم، ويحسبون أن ذلك الإمهال خيرٌ لهم، قال الله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ( ﭳﭴ ﭹﭺ ﭿ ﮂﮃ ) [آل عمران:١٧٦].

    فمن شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الناس كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق، فقال تعالى له: ( ) ذلك ( ﭹﭺ ﭿ ) أي: حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته ألا يجعل لهم نصيبًا في الآخرة ( )54يؤخرون له ويستدرجون.

    وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم أيضًا: ( ) [آل عمران:١٩٦].

    «أي: لا تنظروا إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه، من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجًا، وجميع ما هم فيه ( ﮌﮍ ) [آل عمران:١٩٧]»55.

    وقال الطبري: «نهى الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بضربهم في البلاد، وإمهال الله إياهم مع شركهم وجحودهم نعمه، وعبادتهم غيره، وخرج الخطاب بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعني به غيره من أتباعه وأصحابه»56.

    والمقصود من هذه الآية التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعمهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز، والغلبة في بعض الأوقات، فإن هذا كله ( ) ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلًا ويعذبون عليه طويلًا57.

    وهذه الآية كقوله تعالى: ( ) [محمد:١٢].

    وقوله: ( ﮞﮟ ﮤﮥ ﮪﮫﮬ ) [لقمان:٢٣-٢٤].

    قال الشعراوي: «هذا التمتع بزينة الحياة الدنيا ما هو إلا استدراج لهم لا تكريم، وقلنا: إنك لا تلقي بعدوك من على الحصيرة مثلًا، إنما تعليه وترفعه ليكون أخذه أليمًا وشديدًا، كذلك الحق سبحانه يمتعهم، لكن لفترة محدودة لتكون حسرتهم أعظم إذا ما أخذهم من هذا النعيم»58.

    وقال تعالى: ( ) [الأعراف:١٨٢].

    وقال: ( ) [الطارق:١٧].

    أي: «قليلًا حتى أهلكهم»59، وهي آيات صريحة في استدراجه تعالى لهم.

    وقد أخبر تعالى في كتابه عن بعض من استدرجهم من أهل الكفر والتكذيب، وكيف أنه أمهلهم وأمدهم بالمال الكثير والنعيم الكبير، من ذلك قوله تعالى عن الوليد بن المغيرة أحد زعماء كفار قريش وساداتهم: ( ﯶ ﯷ ﯻ ﯼ ﯾ ﯿ ﰂ ﰃ ﰇ ﰈ ﰎ ﰏ ) [المدثر:١١-١٧].

    قال المفسرون60: نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة يتوعده الله ويهدده.

    قال: ( )، «أي: دعني واتركني وهي كلمة تهديد ووعيد، والمعنى دعني والذي خلقته حال كونه وحيدًا في بطن أمه لا مال ولا ولد، هذا على أن وحيدًا منتصب على الحال من الموصول أو من الضمير العائد المحذوف، ويجوز أن يكون حالًا من الياء في ذرني، أي: دعني وحدي معه»61.

    ثم عدد الله تعالى نعمه عليه، ( )، أي: رزقه مالًا واسعًا كثيرًا، ( )، لا يغيبون، أي: حضورًا عنده لا يسافرون في التجارات، بل مواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم وهم قعود عند أبيهم، يتمتع بهم ويتملى بهم62، (ﯿ ) أي: «بسطت له في العيش والجاه والرياسة، ( ) أي: من المال والولد والجاه، أو من النعيم الأخروي. وهذا أظهر لقوله: () أي: لا يكون ما يأمل ويرجو؛ لأن الجدير بالزيادة من نعيم الآخرة هم المتقون، لا هو، ( ) أي: معاندًا للحجج المنزلة والمرسلة»63.

    قال السعدي في معنى قوله تعالى: ( ) «أي: يطمع أن ينال نعيم الآخرة كما نال نعيم الدنيا»64.

    وهذا من استدراج الله تعالى له أن مده بالنعم والآلاء رغم كفره وعناده، حتى ظن الوليد أن ذلك لمرضاة الله عنه وحبه له، ومن ثم طمع بأمثال ذلك في الآخرة، فأنكر الله تعالى ذلك عليه وبيَن بطلانه، بل وتوعد الوليد بالعذاب الشديد في قوله: ( ) [المدثر:٢٦].

    أي: سأغمره فيها من جميع جهاته، ثم هول تعالى ذلك وفخمه فقال: ( ) [المدثر:٢٧].

    ثم فسر ذلك بقوله: ( ﭿ ) [المدثر:٢٨].

    أي: تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم، ثم تبدل، وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون65، فبيَن تعالى أن ما أوتيه الوليد بن المغيرة من الأموال والأولاد والرياسة لا يغني عنه في الآخرة شيئًا، ولا يدل على رضا ربه عنه، وإنما هو استدراج له حتى يبقى على كفره وغيه.

    وقال تعالى في حق أبي لهب - وهو من سادات قريش وزعماء الكفر -: ( ﮌﮍﮎ ) [المسد:١-٢].

    فتوعده تعالى بالخسران، وبين تعالى أن ماله لا يغني عنه من عذاب الله شيئًا، وهكذا يبين الله تعالى استدراجه لأهل الكفر وإمدادهم في الحياة الدنيا.

    وقد بين تعالى أن أهل الكفر والشرك يغترون بهذا الاستدراج، ويحسبونه من الخير لهم، ومن رضا الله عنهم وعن طريقتهم، كما قال تعالى: ( ) [سبأ:٣٥].

    وقوله: ( ﯯﯰﯱ ﯴﯵ ) [المؤمنون:٥٥-٥٦].

    قال ابن كثير: «يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟! كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: ( )، لقد أخطؤوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا وإملاء؛ ولهذا قال: ( )»66.

    وقال الله تعالى: ( ﮗﮘﮙ ﮣﮤﮥ ﯓﯔﯕ ﯝﯞ) [الكهف:١٠٣-١٠٦].

    والآيات عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود، والمعنى: أي قل يا محمد: هل نخبركم ( )؟

    ثم فسرهم فقال: ( )، أي: عملوا أعمالًا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة، ( )، أي: يعتقدون أنهم على شيء، وأنهم مقبولون محبوبون، وهو من استدراج الله تعالى لهم، ( )، أي:جحدوا آيات الله في الدنيا، وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله، وكذبوا بالدار الآخرة، ( ) أي: لا نثقل موازينهم؛ لأنها خالية عن الخير67.

    ثانيًا: النفاق:

    ومن مجالات الاستدراج: النفاق.

    قال تعالى عن المنافقين: ( ﭿ ) [البقرة:٩]إلى قوله: ( ) [البقرة:١٥].

    وقال تعالى: ( ) [النساء:١٤٢].

    فالمنافقون يظنون أنهم بإظهارهم الإيمان وإبطانهم الكفر يخادعون المؤمنين، ويطلعون على أسرارهم، ويأمنونهم على أنفسهم، ويشاركونهم في إجراء أحكام الإسلام عليهم، وما علم المنافقون أنهم في حقيقة الأمر لا يخدعون إلا أنفسهم، «إذ ضرر عملهم لاحقٌ بهم، فهم يغرون أنفسهم بالأكاذيب ويلقونها في مهاوى الهلاك والردى»68، فالله تعالى يمهلهم ويمدهم في طغيانهم وغيهم استدراجًا إلى ما أعده لهم من عذابه الأليم.

    قال تعالى: ( ) [النساء:١٤٥].

    يقول سيد قطب: «وهذه لمسة أخرى من لمسات المنهج للقلوب المؤمنة. فإن هذه القلوب لا بد أن تشمئز من قوم يخادعون الله. فإن هذه القلوب تعرف أن الله سبحانه- لا يخدع - وهو يعلم السر وأخفى، وهي تدرك أن الذي يحاول أن يخدع الله لا بد أن تكون نفسه محتوية على قدر من السوء ومن الجهل ومن الغفلة كبير. ومن ثم تشمئز وتحتقر وتستصغر كذلك هؤلاء المخادعين! ويقرر عقب هذه اللمسة أنهم يخادعون الله ( ) أي: مستدرجهم وتاركهم في غيهم لا يقرعهم بمصيبة تنبههم ولا يوقظهم بقارعة تفتح عيونهم، تاركهم يمضون في طريق الهاوية حتى يسقطوا»69.

    ثالثًا: الظلم:

    ومن مجالات الاستدراج الظلم والبغي، فالظالمون يتسلطون على الضعفاء والمساكين، ويسلبونهم حقوقهم، ويقهرونهم ويستعبدونهم، ومن ذلك ما قصه الله تعالى في كتابه من نبأ فرعون طاغية زمانه مع بني إسرائيل.

    قال تعالى: ( ﯝﯞ ) [القصص:٤].

    قال المفسرون: يخبر تعالى عن فرعون مصر أنه تكبر وتجبر وطغى، وجعل أهل تلك البلاد أصنافًا، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته، وكان يستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل، وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، فكان فرعون يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدهم ليلًا ونهارًا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نساءهم، أي: يستبقيهن أحياءً، إهانة لهم واحتقارًا، وبنو إسرائيل مستضعفون عاجزون عن دفع الأذى عن أنفسهم70.

    وقد أملى الله تعالى لفرعون وأمهله حتى يزداد إثمًا وبغيًا، ويزداد بنو إسرائيل صبرًا وثوابًا، ثم إذا جاء أجله الذي أجله الله له أخذه أخذ عزيز مقتدر، وجعله عبرة لمن يعتبر.

    قال تعالى: ( ﯠﯡ ﯪﯫ ) [الأعراف:١٣٧].

    وقال تعالى: ( ﭿ ﮂ ﮃ ) [النازعات: ٢٥-٢٦].

    وقد بيَن الله تعالى إمهاله للظالمين واستدراجه لهم في قوله: ( ) [الحج:٤٨].

    أي: «وكثير من القرى كانت ظالمة بإصرار أهلها على الكفر، فأمهلتهم، ولم أعاجلهم بالعقوبة فاغتروا، ثم أخذتهم بعذابي في الدنيا، وإلي مرجعهم بعد هلاكهم، فأعذبهم بما يستحقون»71.

    وجاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

    قال: ثم قرأ: ( ) [هود:١٠٢]72.

    فالله تعالى يمهل الظالم إلى وقت عذابه، ولكنه لا يهمله، كما قال تعالى: ( ﯼﯽ ﯿ ﰃﰄ ﭗﭘ ﭚﭛ) [إبراهيم:٤٢-٤٣].

    أي: لا تحسبه إذ أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم، لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عدا، ولذلك قال تعالى: ( ﯿ ) أي: من شدة الأهوال يوم القيامة73، «يقال شخص بصر فلان أي فتحه فلم يغمضه»74.

    قال القاسمي: «( ﯿ) أي: بإمهالهم متمتعين بشهواتهم، ولا يعجل عقوبتهم ( ) أي ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، لهول ما يرون، فلا تقر أعينهم في أماكنها ولا تطرف»75.

    والجملة تعليل للنهي السابق في الآية، وفيها تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم، بل سنة الله سبحانه في إمهال الظالمين والعصاة76.

    ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم، ومجيئهم إلى المحشر، فقال: ( ﭗﭘ ) أي: «يقوم الظالمون من قبورهم مسرعين لإجابة الداعي رافعي رؤوسهم لا يبصرون شيئًا لهول الموقف، وقلوبهم خالية ليس فيها شيء؛ لكثرة الخوف والوجل من هول ما ترى»77.

    رابعًا: الفسق وسائر المعاصي:

    ومن مجالات الاستدراج الفسق وسائر المعاصي، فإن الله عز وجل يوسع على الفساق العصاة مع انهماكهم في معصيتة، وييسر أمورهم، وما ذلك إلا من استدراجه تعالى لهم، حتى يترك هؤلاء العصاة الغافلون التوبة والإنابة مما فعلوه، ويتمادوا في معاصيهم وآثامهم، فيأخذهم بغتة.

    عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج).

    ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ﯿ ) [الأنعام:٤٤]78.

    فيبين النبي صلى الله عليه وسلم أن بسط الدنيا للعاصي ليس دليلًا على كرامته على الله عز وجل أو محبة الله عز وجل له، بل الحقيقة أن ذلك من مكر الله عز وجل به واستدراجه له، فيعطيه الله من الدنيا ما يحب، ويبسط له الأرزاق، حتى ينسيه التوبة والإنابة، وما ينفع العاصي ما هو فيه من النعيم يوم القيامة شيئًا، كما قال سبحانه: ( ﰃﰄﰅ ﰉﰊ ﭖﭗ) [الشعراء:٢٠٥-٢٠٧].

    ومن استدراجه تعالى للعصاة أن ييسر لهم أسباب المعصية ويعينهم عليها.

    يقول الشيخ ابن عثيمين: «انتبه لهذا الاستدراج من الله عز وجل إذا يسر الله لك أسباب المعصية، فلا تفعل، فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنة له، أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل يسرت لهم أسباب المعصية فتنة، وهي أن الله حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، فكانت الحوت تأتي يوم السبت شرعًا على وجه الماء، وبكثرة عظيمة، لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك في يوم السبت، فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم، فرجعوا إلى طبيعتهم وهي الغدر والحيلة والمكر، فاحتالوا على صيد السمك، صاروا يجعلون شباكًا يوم الجمعة فتأتي الحيتان وتدخل في الشباك، فإذا كان يوم الأحد أخذوا الحيتان، وهذه حيلة واضحة، فقلبهم الله قردة، قال الله تعالى: ( ) [البقرة:٦٥].

    وفي صدر هذه الأمة حرم الله على المحرمين الصيد، ( ) [المائدة:٩٥].

    فبعث الله الصيد عليهم وهم محرمون تناله أيديهم ورماحهم79، يعني أن الذي يمشي على الأرض يمسكونه باليد، مثل: الأرنب والغزال، يمسكه الواحد باليد، والطائر الذي كان لا ينال إلا بالسهم لأنه بعيد، صار يطير وكأنه على الأرض، الرمح يدركه، فتنة، فهنا يسر الله لهم أسباب المعصية، لكن الصحابة رضي الله عنهم، وهم خير الناس لم يأخذ أحد منهم صيدة واحدة رضي الله عنهم، بينما بنو إسرائيل تحيلوا وخادعوا الله، أما سلف هذه الأمة، وفقنا الله لموافقتهم في الدنيا في أعمالهم، وفي الآخرة في مساكنهم فإنهم لم يأخذوا»80.

مظاهر الاستدراج

  1. أولًا: الفتح بالنعم:

    قال تعالى: ( ﯿ ) [الأنعام:٤٤].

    أي: لما نسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من فنون النعماء استدراجًا منا لهم81.

    وقال تعالى: ( ﭕﭖ ) [التوبة:٥٥].

    فنهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يستحسن شيئًا مما أنعم به على المنافقين من كثرة الأموال والأولاد؛ لأنها استدراج من الله تعالى لهم، يريد أن يعذبهم بها في الدنيا بما يلقون في جمعها من المشقة، وفي حفظها من الوجل، وفي إنفاقها من الكره، وفيها من المصائب82، «ويميتهم حين يميتهم على الكفر، ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم - عياذًا بالله من ذلك -، وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه»83.

    قال أبو السعود: «( ) فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة، فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة، وأصل الزهوق الخروج بصعوبة»84.

    وهذه الآية نظير قوله تعالى: ( ﯣﯤﯥ ﯳﯴ) [الحجر:٨٧-٨٨].

    قال الشنقيطي: «لما بين تعالى أنه آتى النبي صلى الله عليه وسلم السبع المثاني والقرآن العظيم، وذلك أكبر نصيب، وأعظم حظ عند الله تعالى، نهاه أن يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا الذي متع به الكفار؛ لأن من أعطاه ربه جل وعلا النصيب الأكبر والحظ الأوفر، لا ينبغي له أن ينظر إلى النصيب الأحقر الأخس، ولاسيما إذا كان صاحبه إنما أعطيه لأجل الفتنة والاختبار.

    وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى: ( ﮛ ﮜ ﮯ ﮰ )[طه:١٣٠-١٣٢].

    والمراد بالأزواج هنا: الأصناف من الذين متعهم الله بالدنيا»85.

    «والمعنى: لا تحفل- أيها الرسول الكريم- ولا تطمح ببصرك طموح الراغب في ذلك المتاع الزائل، الذي متع الله تعالى به أصنافًا من المشركين فإن ما بين أيديهم منه، شيء سينتهي عما قريب، وقد آتاهم الله تعالى إياه على سبيل الاستدراج والإملاء، وأعطاك ما هو خير منه وأبقى، وهو القرآن العظيم»86.

    وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف:٢٨].

    ونزلت هذه الآية في سادات كفار قريش، الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم طرد فقراء المسلمين الذين -يدعون الله غدوًا وعشيًا- من حوله87، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أهل الإيمان من الذاكرين العابدين، ونهاه عن طاعة أهل الكفر ممن استدرجهم تعالى بنعمه، وأغفلهم بها عن ذكره.

    قال ابن كثير: «( )، أي: شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا ( )، أي: أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعًا له، ولا محبًا لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه، كما قال تعالى: ( ﮩﮪ ) [طه:١٣١]»88.

    وهكذا يبين تعالى أن هذا الإنعام على بعض الكفار دون المؤمنين ليس حبًا لهم أو رضًا عنهم، وإنما أغفلهم الله بها عن ذكره وطاعته ولقائه، استدراجًا منه تعالى لهم.

    وقد بيَن الله تعالى اغترار بعض عباده واستدراجهم بما أنعم عليهم من النعم، من ذلك قوله تعالى مخبرًا عن أهل الكفر: ( ﯧﯨ ) [الأحقاف:١١].

    أي: أنكروا أن يمن الله على الضعفاء والفقراء من المؤمنين بالإيمان -إن كان خيرًا - دونهم، زعما منهم أنهم أحق بكل خير منهم.

    قال الشنقيطي: «مرادهم أن فقراء المسلمين وضعفاءهم - كبلال وعمار وصهيب وخباب ونحوهم - أحقر عند الله من أن يختار لهم الطريق التي فيها الخير، وأنهم هم الذين لهم عند الله عظمة وجاه واستحقاق السبق لكل خير؛ لزعمهم أن الله أكرمهم في الدنيا بالمال والجاه، وأن أولئك الفقراء لا مال لهم ولا جاه، وأن ذلك التفضيل في الدنيا يستلزم التفضيل في الآخرة»89.

    وقال تعالى: ( ﮔﮕﮖ ﮝﮞﮟ ﮫﮬ ﯤﯥ) [سبأ:٣٤-٣٧].

    قال السعدي: «يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل، أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله إذا أرسل رسولًا في قرية من القرى، كفر به مترفوها، وأبطرتهم نعمتهم وفخروا بها، ( ) أي: ممن اتبع الحق، ( ) أي: أولا لسنا بمبعوثين، فإن بعثنا، فالذي أعطانا الأموال والأولاد في الدنيا، سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة ولا يعذبنا.

    فأجابهم الله تعالى، بأن بسط الرزق وتضييقه، ليس دليلًا على ما زعمتم، فإن الرزق تحت مشيئة الله، إن شاء بسطه لعبده، وإن شاء ضيقه، وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه.

    وإنما الذي يقرب منه زلفى، الإيمان بما جاء به المرسلون، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان، فأولئك لهم الجزاء عند الله تعالى مضاعفًا، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة»90.

    وهكذا بيَن تعالى اغترار أهل الكفر بما أنعم عليهم من الأموال والأولاد، ويحسبونه دليلًا على صحة اعتقادهم، وما ذلك إلا من استدراج الله تعالى لهم.

    وقد رد الله تعالى عليهم في عدة مواضع من كتابه، ومن ذلك قوله جل شأنه: ( ) [الأنعام:٦].

    قال ابن كثير: «قال تعالى واعظًا ومحذرًا لهم أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم قوة، وأكثر جمعًا، وأكثر أموالًا وأولادًا واستغلالًا للأرض وعمارة لها.

    فقال: ( )، أي: من الأموال والأولاد والأعمار، والجاه العريض، والسعة والجنود، ( )، أي: شيئًا بعد شيء، ( )، أي: أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض، أي: استدراجًا وإملاء لهم، ( )، أي: بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترحوها، ( )، أي: فذهب الأولون كأمس الذاهب وجعلناهم أحاديث، ( )، أي: جيلًا آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم فهلكوا كهلاكهم.

    فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم، لولا لطفه وإحسانه»91.

    ثانيًا: الإطالة في العمر:

    ومن مظاهر استدراج الله تعالى: الإطالة في العمر، قال الله تعالى: ( ﮥﮦ ﮬﮭﮮ ﯔﯕ ﯝﯞﯟ ﯦﯧ ﯯﯰ ﯲﯳ) [الأنبياء:٤٢-٤٤].

    فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمعرضين عن ذكر ربهم: ( ) أي: من هو الذي يحفظكم ويحرسكم بالليل في حال نومكم والنهار في حال تصرفكم في أموركم غير الرحمن92، أي: لا يعترفون بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، بل يعرضون عن آياته وآلائه.

    ثم قال: ( )، استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ، أي: ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما زعموا؛ ولهذا قال: ( )، أي: هذه الآلهة التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم. ثم قال تعالى: ( )، أي: إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال، أنهم متعوا في الحياة الدنيا، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء»93.

    قال البيضاوي: «إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم، وهو الاستدراج والتمتيع بما قدر لهم من الأعمار، أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال: ( )، أرض الكفرة، ( )، بتسليط المسلمين عليها، وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين، ( )، رسول الله والمؤمنين»94.

    فحاصل معنى الآيات: «أي: لا تلتفت- أيها الرسول الكريم- إلى هؤلاء المشركين الذين أعرضوا عن ذكر ربهم، والذين زعموا أن آلهتهم تضر أو تنفع، فإننا قد كلأناهم برعايتنا بالليل والنهار، ومتعناهم وآباءهم من قبلهم بالكثير من متع الحياة الدنيا، حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة، فحملهم ذلك على الطغيان والبطر والإصرار على الكفر. وسنأخذهم في الوقت الذي نريده أخذ عزيز مقتدر، فإن ما أعطيناه لهم من نعم إنما هو على سبيل الاستدراج لهم»95.

    ثالثًا: تأخير العقاب:

    ومن مظاهر استدراج الله تعالى لعباده تأخير عقابه عنهم، فيتهاونون في معصيته ويتجرؤون عليها، أو يستحلونها -كحال أهل الشرك والكفر- ويعتقدون أنهم على حق في ارتكابها، وما ذلك إلا من استدراجه تعالى لهم، ليزدادوا إثمًا وضلالًا، ولو أن الله تعالى عاجل كل مسيء بالعقوبة لما بقي على ظهر الأرض منهم أحد، كما قال تعالى: ( ﭡﭢ ) [فاطر:٤٥].

    قال السعدي: «ذكر تعالى كمال حلمه، وشدة إمهاله وإنظاره أرباب الجرائم والذنوب، فقال: ( ) من الذنوب ( ) أي: لاستوعبت العقوبة، حتى الحيوانات غير المكلفة. () يمهلهم تعالى ولا يهملهم و( ﭡﭢ ) فيجازيهم بحسب ما علمه منهم، من خير وشر»96، وقد كان أهل الكفر يغترون بإمهال الله لهم وإمساك العذاب عنهم، وقد ذكر تعالى ذلك في عدة مواضع من كتابه، قال سبحانه: ( ) [الأنفال:٣٢].

    أي: يقولون إن كان محمد صلى الله عليه وسلم على حق، فلم لا يعذبنا الله، وما علموا أن ذلك من استدراج الله لهم، قال ابن كثير: «هذا من كثرة جهلهم وعتوهم وعنادهم وشدة تكذيبهم، وهذا مما عيبوا به، وكان الأولى لهم أن يقولوا: «اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا له، ووفقنا لاتباعه». ولكن استفتحوا على أنفسهم، واستعجلوا العذاب، وتقديم العقوبة»97.

    وقال تعالى: ( ﮎﮏ ) [هود:٨].

    ولذلك كانوا يستعجلون العذاب من النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا لوقوعه، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد على المشركين قائلًا: ( ﯥﯦ ) [الأنعام:٥٨].

    «أي: لو أن في قدرتي وإمكاني العذاب الذي تتعجلونه، بأن يكون أمره مفوضًا إلي من قبله تعالى، لقضي الأمر بيني وبينكم، بأن ينزل ذلك عليكم إثر استعجالكم»98.

    وقوله: ( ) «أي: بحالهم وبأنهم مستحقون للإمهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب، ولذلك لم يفوض الأمر إلي ولم يقض بتعجيل العذاب»99.

    وهكذا بين الله تعالى استدراجه بعض خلقه بتأخيره العقاب عنهم، ليزدادوا إثمًا وضلالًا.

نماذج قرآنية في الاستدراج

  1. ذكر القرآن الكريم نماذج كثيرة للمستدرجين في قصص الأمم، وواقع الجماعات والأفراد، ليعتبر منها أولو الأبصار والألباب، ويتعرفوا على سنن الله في خلقه.

    قال تعالى: ( ﯱﯲ ﯿ ) [يوسف:١١١].

    ومن تلك النماذج:

    أولًا: قارون:

    وهو من المستدرجين بالمال والثروة.

    قال تعالى: ( ﮮﮯ ﯠﯡ ) [القصص:٧٦].

    قال ابن عاشور رحمه الله: «كان من صنوف أذى أئمة الكفر للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومن دواعي تصلبهم في إعراضهم عن دعوته اعتزازهم بأموالهم، (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزخرف:٣١].

    أي: على رجل من أهل الثروة، فهي عندهم سبب العظمة ونبزهم المسلمين بأنهم ضعفاء القوم، وقد تكرر في القرآن توبيخهم على ذلك كقوله تعالى: ( ) [المزمل:١١].

    وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة، فضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلًا بحال قارون مع موسى عليه السلام100، أي: كما أن إنعامنا على قارون بالأموال العظيمة، - والتي كانت في غاية الكثرة حتى إن مفاتح خزائنها لتثقل الجماعة القوية عن حمل هذه المفاتيح، فما ظنك بالخزائن؟101، كما أن ذلك الإنعام العظيم عليه لم يكن إلا استدراجًا له، بدليل قوله تعالى في آخر قصته: ( ) [القصص:٨١].

    فكذلك أنتم يا كفار قريش وما أوتيتم من الأموال، والتي هي أقل مما أوتي قارون، وأيضًا كما كان قارون يقول عن نفسه وما أوتيه من مال: ( ) [القصص:٧٨].

    أي: إنما أعطاني الله هذا المال لعلمه بأني أستحقه، ولمحبته لي، فتقديره: إنما أعطيته لعلم الله في أني أهل له102، وهو من استدراج الله له، كذلك أنتم يا كفار قريش تقولون، وتفخرون بأموالكم، وقد رد القرآن الكريم على قارون.

    قال تعالى: ( ﭨﭩ ) [القصص:٧٨].

    «أي: قد كان من هو أكثر منه مالًا، وما كان ذلك عن محبة منا له، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم؛ ولهذا قال: ( ) أي: لكثرة ذنوبهم»103.

    وقد بيَن الله تعالى في قصة قارون اغترار بعض قوم قارون بحاله، واعتقادهم أن ذلك من الخير العظيم الذي أوتيه.

    قال سبحانه: ( ﭴﭵ ﭿ ) [القصص:٧٩].

    ثم بيَن تعالى أن أهل العلم يعلمون أن ذلك من استدراج الله تعالى، وأن ثواب الله خير وأبقى لمن آمن وعمل صالحًا.

    قال تعالى: ( ) [القصص:٨٠].

    وهكذا يضرب الله الأمثال لاستدراجه عباده، لعلهم يعتبرون بذلك.

    ثانيًا: فرعون وملأه:

    ومن المستدرجين بالقوة والملك من الأمم السابقة فرعون وملأه.

    قال تعالى حاكيًا عن موسى دعاءه عليهم: ( ﯷﯸ ﯿ ) [يونس:٨٨].

    قال ابن كثير: «هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه، لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين، ظلمًا وعلوًا وتكبرًا وعتوًا، قال: ( ) أي: من أثاث الدنيا ومتاعها، ( ) أي: جزيلة كثيرة، () هذه ( ) بفتح الياء104، أي: أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجًا منك لهم... وقرأ آخرون: ( ) بضم الياء، أي: ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك، ليظن من أغويته أنك إنما أعطيت هؤلاء هذا لحبك إياهم واعتنائك بهم، ( ) قال ابن عباس، ومجاهد: أي: أهلكها... ( ﯿ)، قال ابن عباس: أي اطبع عليها، ( ).

    وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضبًا لله ولدينه على فرعون وملئه، الذين تبين له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء»105.

    وقد اختلف المفسرون في اللام في () على أقوال، اختار منها ابن جرير الطبري وأبو حيان106 أنها لام (كي).

    قال الإمام الطبري: «ومعنى الكلام: ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه، ويضلوا عن سبيلك عبادك، عقوبة منك. وهذا كما قال جل ثناؤه: ( ﭪ ﭫ ) [الجن: ١٦-١٧]»107.

    وقال أبو السعود: «وقيل: اللام للعاقبة وهي متعلقة بآتيت، أو للعلة؛ لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضلال»108.

    وهكذا ذكر الله تعالى استدراجه لآل فرعون بما أعطاهم من الأموال والزينة في الحياة الدنيا، ثم أهلكهم وجعلهم عبرة لمن يعتبر.

    ثالثًا: صاحب الجنتين:

    ومن أمثلة استدراج الله تعالى للعصاة ما جاء في قصة صاحب الجنتين، وقد ذكرها تعالى في سورة الكهف في سياق الرد على كفار قريش الذين كانوا يفتخرون بأموالهم على فقراء المسلمين وضعفائهم، ويمتنعون عن الجلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم والاستماع له بسبب وجود هؤلاء الفقراء في مجلسه، وقد أنزل الله تعالى في ذلك قوله: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف:٢٨].

    قال الشنقيطي: «أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يصبر نفسه، أي: يحبسها مع المؤمنين الذي يدعون ربهم أول النهار وآخره مخلصين له، لا يريدون بدعائهم إلا رضاه جل وعلا، وقد نزلت هذه الآية الكريمة في فقراء المهاجرين كعمار، وصهيب، وبلال، وابن مسعود ونحوهم، لما أراد صناديد الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه، ويجالسهم بدون حضور أولئك الفقراء المؤمنين»109.

    وما علم كفار مكة أن كثرة أموالهم، وما هم فيه من النعم، هو من استدراج الله لهم، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يضرب لكفار قريش قصة صاحب الجنتين مثلًا لذلك الاستدراج، وأن إيتاء الله الأموال لبعض عباده، وتركهم يفتخرون بها على غيرهم، لا يدل على حبه تعالى لهم، ورضاه عنهم.

    قال تعالى: ( ﯮ ﯯ ) [الكهف:٣٢-٣٣].

    قال الرازي: «اعلم أن المقصود من هذا أن الكفار افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين، فبيَن الله تعالى أن ذلك مما لا يوجب الافتخار لاحتمال أن يصير الفقير غنيًا والغني فقيرًا، أما الذي يجب حصول المفاخرة به فطاعة الله وعبادته، وهي حاصلة لفقراء المؤمنين، وبيَن ذلك بضرب هذا المثل المذكور في الآية»110.

    وقال الحافظ ابن كثير: «يقول الله تعالى بعد ذكر المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم، فضرب لهم مثلًا برجلين، جعل الله ( )، أي: بستانين من أعناب، محفوفتين بالنخل المحدقة في جنباتهما، وفي خلالهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجود؛ ولهذا قال: ( )، أي: أخرجت ثمرها ( )، أي: ولم تنقص منه شيئًا، ( )، أي: والأنهار تتخرق فيهما هاهنا وهاهنا»111.

    ثم ذكر تعالى حوارًا دار بين هذين الرجلين، بيَن تعالى فيه ظلم صاحب الجنتين لنفسه، وافتخاره على صاحبه، قال سبحانه: ( ﯿ ﰈﰉ ﭜﭝﭞ ﭩﭪ) [الكهف:٣٤-٣٦].

    أي: قال «صاحب هاتين الجنتين لصاحبه ( )، أي: يجادله ويخاصمه، يفتخر عليه ويترأس، ( )، أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا»112.

    ( )، قيل: إنه أخذ بيد أخيه المؤمن يطوف به فيها ويريه أثمارها113، ( )، أي: «بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكاره المعاد، ( )، وذلك اغترار منه، لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها، ظن أنها لا تفنى، ولا تفرغ، ولا تهلك، ولا تتلف، وذلك لقلة عقله، وضعف يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة»114.

    قال: ( )، أي: «أنكر البعث بعد إنكاره لفناء جنته، قال الزجاج: أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا وقيام الساعة، ( ) اللام هي الموطئة للقسم، والمعنى: أنه والله إن يرد إلى ربه فرضًا وتقديرًا كما زعم صاحبه، واللام في ( )، جواب القسم والشرط، أي: لأجدن يومئذ ( )»115.

    قال أبو السعود: «ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة اعتقادٌ أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه في الدنيا لاستحقاقه الذاتي وكرامته عليه سبحانه، ولم يدر أن ذلك استدراجٌ»116.

    وقد بيَن الله تعالى عاقبة استدراجه لهذا الكافر المكذب، فقال: ( ) [الكهف:٤٢].

    فأخبر الله تعالى عن ذلك الرجل الكافر الظالم لنفسه، الذي كان يظن أن بساتينه وثماره لن تبيد أبدًا، وأنه أوتيها لخير فيه واستحقاق لها، وأنه إن رد إلى ربه على فرض وقوع ذلك فسيجد أعظم وأفضل من هذه الجنة، - وما ذاك إلا من استدراج الله تعالى له - فأخبر الله تعالى عن عاقبة استدراجه له في الدنيا، فقال: ( )، أي: أحاط الهلاك بصنوف ثماره وأشجاره كما يحيط القوم بعدوهم فيهلكونهم عن آخرهم117.

    قال الفخر الرازي: «( ) وهو عبارة عن إهلاكه بالكلية، وأصله من إحاطة العدو؛ لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك ومنه قوله: ( ) [يوسف:٦٦]»118، «والمعنى: أتلف ماله كله بأن أرسل على الجنة والزرع حسبان من السماء فأصبحت صعيدًا زلقًا، وهلكت أنعامه وسلبت أمواله، أو خسف بها بزلزال أو نحوه»119.

    ( )، أي: يقلب كفيه ظهرًا لبطن أسفًا وتحسرًا على ذهاب نفقته التي أنفقها في جنته وعمارتها وتزيينها، وقد ضاعت هباءً، وذهبت سدى، ( )، وجنته ساقطة ومتهدمة على دعائمها وعلى سقوفها، والمقصود أن الجنة بجميع ما اشتملت عليه، صارت حطامًا وهشيمًا تذروه الرياح120.

    ( )، أي: أخبر الله تعالى أنه لما سلبه ما أنعم به عليه، وحقق ما أنذره به أخوه المؤمن في الدنيا، ندم على شركه حين لا تنفعه الندامة121، وقال الزمخشري: «علم أنه أتي من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركًا، حتى لا يهلك الله بستانه»122.

    رابعًا: الكافر المغتر بماله وولده:

    ومن نماذج المستدرجين، الكافر المغتر بماله وولده.

    قال تعالى: ( ﭘﭙﭚ ﭠﭡﭢﭣ ﭫﭬﭭ ) [مريم:٧٧-٨٠].

    قال المفسرون: نزلت الآية في العاص بن وائل123 أحد زعماء المشركين بمكة، روي عن خباب رضي الله عنه، قال: (كنت قينًا124 في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائلٍ دينٌ، فأتيته أتقاضاه، قال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقلت: (لا أكفر حتى يميتك الله، ثم تبعث125، قال: دعني حتى أموت وأبعث، فسأوتى مالًا وولدًا فأقضيك). فنزلت: ( ﭘﭙﭚ )126.

    والآيات -وإن كانت نازلة في كافر معين- فإنها تشمل كل كافر، زعم أنه على الحق، وأنه من أهل الجنة127 استدراجًا من الله تعالى له.

    والمعنى: أن الله تعالى يعجب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من مقالة هذا الكافر الذي يزعم رغم كفره وإعراضه، أنه سيجازى في الآخرة أموالًا وأولادًا، قال: ( )، «واللام في ( ) هي الموطئة للقسم، كأنه قال: والله لأوتين في الآخرة مالًا وولدًا»128، والنون للتوكيد، وقال في قسمه الحانث (لأوتين)، أي: أنه بإرادته وقدرته الواهمة سيكون له مال129.

    وهذا كله من غروره وجهله، واستدراج الله تعالى له، قال الشوكاني: «أي: انظر إلى حال هذا الكافر، وتعجب من كلامه وتأليه على الله، مع كفره به، وتكذيبه بآياته»130.

    ثم أجاب سبحانه عن قول هذا الكافر بما يدفعه ويبطله، ويبين غروره وجهله، فقال: ( )؟ ثم قال تعالى: ()، وهو حرف ردع وزجر، أي: ليس الأمر على ما قال هذا الكافر من أنه يؤتى المال والولد، ( )، أي: سنحفظ عليه ما يقوله فنجازيه في الآخرة، ( ) أي: نزيده عذابًا فوق عذابه مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد، أو نطول له من العذاب ما يستحقه، وهو عذاب من جمع بين الكفر والاستهزاء، ( )، أي: نميته فنرثه المال والولد الذي يقول إنه يؤتاه ( )، أي: يوم القيامة لا مال له ولا ولد، بل نسلبه ذلك، فكيف يطمع في أن نؤتيه131.

عاقبة المستدرجين

  1. أولًا: عاقبة المستدرجين في الدنيا:

    للاستدراج عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، وقد بيَن الله تعالى في كتابه العزيز عاقبة المستدرجين ومآلهم، تحذيرًا من سلوك طريقهم وولوج سبيلهم، والوقوع فيما وقعوا فيه من الخسران العظيم.

    ومن هذه العواقب في الدنيا: أن يأخذهم الله تعالى أخذًا شديدًا مفاجئًا لهم.

    قال تعالى: ( ﯿ ﰋﰌ ﭕﭖ ﭚﭛ) [الأنعام:٤٤-٤٥].

    «والبغتة فعلةٌ من البغت وهو الفجأة، أي: حصول الشيء على غير ترقب عند من حصل له وهي تستلزم الخفاء»132.

    ومعلوم أن الأخذ فجأة أشد إيلامًا وإفزاعًا مما يسبقه استعداد وتحضر، ولذلك قال تعالى: ( )، أي: انقطع رجاؤهم؛ لأن العذاب كان بغتة حصل الإبلاس لهم، كالذي يتعلل لما يقع له بقوله: كانت فجأة، أي: ليس بوسعي أن أستعد أو أحتاط لذلك، قال الفراء: «المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه، ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته، ولا يكون عنده جواب: قد أبلس»133، وقال الألوسي: «أنزلنا بهم العذاب ( )، أي فجأة ليكون أشد عليهم وأفظع هولًا... ( )، أي آيسون من النجاة والرحمة... ( )، أي: آخرهم... فالمراد أنهم استؤصلوا بالعذاب ولم يبق منهم أحد... ( )، على ما جرى عليهم من النكال والإهلاك، فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها، فهذا منه تعالى تعليم للعباد أن يحمدوه على مثل ذلك»134.

    وقال المراغي: «أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كونهم مبغوتين، إذ فاجأهم على غرة من غير سبق أمارات ولا إمهال للاستعداد أو للهرب، فإذا هم مبلسون، أي: يائسون من النجاة»135.

    وقال الواحدي: «قال أهل المعاني: (إنما أخذوا في حال الرخاء ليكون أشد لتحسرهم علي ما فاتهم من حال السلامة والعافية والتصرف في ضروب اللذة إلى حال البلية والنقمة)»136.

    وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أمثلة كثيرة في أخذه المستدرجين وانتقامه منهم في الدنيا، كفرعون وقومه أغرقهم الله تعالى، قال عز وجل: ( ) [الأعراف:١٣٦].

    وعاد أرسل عليهم ريحًا صرصرًا عاتية، وثمود أهلكهم بالصيحة.

    قال تعالى: ( ﯣ ﯤ ) [الحاقة: ٥-٦].

    وقارون خسف به الأرض.

    قال تعالى: ( ) [القصص:٨١].

    وصاحب الجنتين دمر تعالى عليه جنتيه.

    قال تعالى: ( ) [الكهف:٤٢].

    وغيرهم الكثير.

    وقال الله تعالى مسليًا نبيَه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له: ( ﮟﮠﮡ ﮤﮥﮦ ﮧﮨ ﮮﮯ ﯓﯔ ﯢﯣﯤ ﯰﯱ ﯻﯼ) [الحج:٤٢-٤٦].

    أخبر تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه كما كذبك قومك فقد كذبت الأمم والأقوام السابقة أنبياءهم، فأمليت لهم، وأمهلتهم، وأخرتهم، ( ﮮﮯ )، «أي: فكيف كان إنكاري عليهم، ومعاقبتي لهم؟!»137.

    ثم أخبر تعالى عما كانت عليه تلك الأمم، وأولئك الأقوام من النعيم والمتع التي استدرجهم تعالى بها، فقال: ( ) أي: كم من قرية أهلكها الله بالعذاب الشديد، لظلمها بكفرها بالله وتكذيبها لرسله، فسقطت عروشها، وأصبحت ديارها وقصورها خرابًا بعد أن كانت عامرة، وموحشة بعد أن كانت آهلة بأهلها آنسة، وصارت آبارها التي كانت يزدحم عليها الخلق لشربهم، وشرب مواشيهم، متروكة قد عدم منها الوارد والصادر، وأصبح أهل هذه القرى عبرة لمن اعتبر138.

    كما حذر تعالى عباده من هذه العاقبة الوخيمة فقال عز شأنه: ( ﭭ ﭮ ﭷ ﭸ ﭿ ) [الأعراف:٩٧-٩٩].

    والمعنى أنه تعالى ينكر على أهل القرى المكذبة لرسلها عدم خوفهم من بأسه الشديد وعقابه الأليم، أن يأتيهم وقت بياتهم وهم غارقون في نومهم؟ أو وقت ضحى النهار وانبساط الشمس، وهم منهمكون فيما لا نفع فيه لهم؟139.

    ثم قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ )، أي: أفأمن هؤلاء المكذبون استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش، فإن مكر الله لا يأمنه، إلا القوم الهالكون140.

    وهكذا يحذر الله تعالى عباده من وقوع عقابه الأليم بهم.

    ثانيًا: عاقبة المستدرجين في الآخرة:

    ومن عواقب المستدرجين في الآخرة، العذاب الأليم والنكال العظيم في نار جهنم وبئس المصير.

    قال تعالى في حق فرعون وقومه: ( ﮢﮣ ) [غافر:٤٦].

    فبيَن الله تعالى عذابهم في البرزخ بقوله: ( )، وبيَن عذابهم في الآخرة بقوله: ( )141، وقال تعالى في حق الوليد بن المغيرة: ( ) [المدثر:٢٦].

    أي: أدخله جهنم142.

    وقال تعالى: ( ﮎﮏﮐ ﮑﮒ ﮔﮕ) [إبراهيم:٢٨-٢٩].

    يقول تعالى - مبينًا حال المكذبين لرسوله من كفار قريش وما آل إليه أمرهم-: ( )، ونعمة الله هي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة، وإلى النجاة من شرور الدنيا والآخرة، فبدلوا هذه النعمة بردها، والكفر بها والصد عنها بأنفسهم، وصدهم غيرهم حتى ( )، وهي النار حيث تسببوا بإضلالهم، ومن ذلك أنهم زينوا لهم الخروج يوم بدر، ليحاربوا الله ورسوله، فجرى عليهم ما جرى، وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة ( )، أي: يحيط بهم حرها من جميع جوانبهم ( )143.

    وبيَن تعالى أنه يضاعف العذاب للمستدرجين في الآخرة.

    قال تعالى في حق العاص بن وائل: ( ﭘﭙﭚ ﭠﭡﭢﭣ ﭫﭬﭭ ﭱﭲ) [مريم:٧٧-٨٠].

    قال الطبري: «يعني تعالى ذكره بقوله (): ليس الأمر كذلك، ما اطلع الغيب، فعلم صدق ما يقول، وحقيقة ما يذكر، ولا اتخذ عند الرحمن عهدًا بالإيمان بالله ورسوله، والعمل بطاعته، بل كذب وكفر.

    ( )، يقول: ونزيده من العذاب في جهنم بقيله الكذب والباطل في الدنيا، زيادة على عذابه بكفره بالله»144.

    وهكذا يبين الله تعالى عاقبة المستدرجين في الدنيا والآخرة، ويحذر بذلك عباده من استدراجه وكيده لمن عصاه وأعرض عن طاعته.

    موضوعات ذات صلة:

    الابتلاء، الفتنة، العذاب


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٧٥.

2 لسان العرب، ابن منظور ٢/٢٦٦.

3 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٩٢.

4 التعريفات، الجرجاني ص٢٠.

5 الكليات، الكفوي ص١١٣.

6 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبدالله جلغوم، ص ٥٠٠.

7 انظر: جمالية المفردة القرآنية، ياسوف ص١٨٥.

وانظر: وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبدالسلام الراغب ص٣٩٠.

8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧٨٠.

9 التوقيف، المناوي ص٣١٩.

10 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٤٦.

11 الفروق اللغوية، العسكري ص ٧٢.

12 انظر: المصدر السابق.

13 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٣١٦.

14 التعريفات، الجرجاني ص١٨٩، التوقيف، المناوي ص٢٨٦.

15 تاج العروس، الزبيدي ١٤/١٤٧.

16 التوقيف، المناوي ص٣١٢.

17 التمهيد لشرح كتاب التوحيد، صالح آل الشيخ ص٣٨٤.

18 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٢٨، البسيط، الواحدي ٥/٦١٢.

19 الإدالة: الغلبة، يقال: اللهم أدلني على فلانٍ وانصرني عليه. و دالت الأيام، أي: دارت والله يداولها بين الناس. و تداولته الأيدي أخذته هذه مرةً وهذه مرةً.

انظر: مختار الصحاح، الرازي ص١٠٩.

20 جامع البيان، الطبري ٧/٢٢٨.

21 تفسير المراغي ٩/١١.

22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٤٩.

23 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٩٧.

24 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٨.

25 لباب التأويل، الخازن ٢/٢٣٠.

26 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٣٥.

27 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٥٦.

28 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٥٣٤، محاسن التأويل، القاسمي ٤/٣٥٩.

29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٥٦.

30 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٧٣١١، ٢٨/٥٤٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم ٥٥٣، ١/١٥٨.

31 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١٧٣.

32 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦١٥.

33 تفسير القرآن العظيم، ٨/٢٠٠.

34 لباب التأويل، ٤/٣٣١.

35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٠٥.

36 لباب التأويل، ٤/٦٠.

وانظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/١٢٤.

37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٥٦.

38 نظم الدرر، البقاعي٩/٥٣.

39 البسيط، الواحدي ١١/١٠٢.

40 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٥٤٧.

41 المدخل، ابن الحاج ٣/٦٩.

42 قرأ حمزة بتاء الخطاب، والباقون بياء الغيبة.

انظر: البدور الزاهرة، عبد الفتاح القاضي ص٧٣.

43 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٨٧، فتح القدير، الشوكاني ١/٤٦٢.

44 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢/٣٤٦.

45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣٥.

46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٠٩.

47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٥٧.

48 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٤٣.

49 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٩/٤٦٨٠.

50 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١٥٠، أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٥١١.

51 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٥١.

52 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٤٨٧، بتصرف يسير.

53 المصدر السابق ٣/٤٨٩.

54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٧٣.

55 المصدر السابق ٢/١٩٢.

56 جامع البيان، الطبري ٧/٤٩٣.

57 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٦٢.

58 تفسير الشعراوي، الخواطر ١٩/١١٧١٤.

59 البسيط، الواحدي ٢٣/٤٢٢.

60 انظر: البسيط، الواحدي ٢٢/٤١٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٧١.

61 فتح البيان، القنوجي ١٤/٤٠٦.

62 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٦٥.

63 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٩٩.

64 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٧٦.

65 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٦٧.

66 المصدر السابق ٥/٤٧٩.

67 انظر: المصدر السابق ٥/٢٠٢.

68 تفسير المراغي ١/٥٠.

69 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٨٣- ٧٨٤، وانظر: جامع البيان، الطبري ١/٢٧٨.

70 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/١٨٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢١.

71 التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ص٣٣٨.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إن أخذه أليمٌ شديدٌ)، رقم ٤٦٨٦، ٦/٧٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٨٣، ٤/١٩٩٧.

73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥١٥.

74 تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٣٣٦.

75 محاسن التأويل، القاسمي ٦/٣٢١.

76 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/١٣٨.

77 التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ص٢٦١.

78 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٧٣١١، ٢٨/٥٤٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم ٥٥٣، ١/١٥٨.

79 يشير إلى قوله تعالى: ( ) [المائدة:٩٤].

80 تفسير سور الحجرات - الحديد، ابن عثيمين ص٢٨١.

81 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/١٣٣.

82 انظر: البسيط، الواحدي ١٠/٤٩١، ٤٩٣، تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٢٤٩، التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٨٧٢.

83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٦٣.

84 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٧٤.

85 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣١٥.

86 الوسيط، طنطاوي ٨/٧٨.

87 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٨.

88 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٤.

89 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٢٢٠.

90 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨١.

91 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٤٠.

92 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/١٥٣.

93 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٤٤.

94 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٥٢.

95 الوسيط، طنطاوي ٩/٢١٤.

96 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٩٢.

97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٧.

98 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٣٧٩.

99 روح المعاني، الألوسي ٤/١٦١، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/١٤٣.

100 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/١٧٤.

101 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٢٣.

102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥٤.

103 المصدر السابق ٦/٢٥٥.

104 قرأ الكوفيون بضم الياء، والباقون بفتحها.

انظر: البدور الزاهرة، عبد الفتاح القاضي ص١٥٠.

105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٩٠.

106 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٦/٩٩.

107 جامع البيان، الطبري ١٥/١٧٩.

108 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٧٤.

109 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٢٦٣.

110 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٦٢.

111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٧.

112 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٧.

113 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٤٠٤.

114 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٧.

115 فتح البيان، القنوجي ٨/٥٢.

116 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٢٢٢.

117 انظر: البسيط، الواحدي ١٤/٢٧.

118 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٧٦٩.

119 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٢٦، وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٦٠.

120 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٢٧، معالم التنزيل، البغوي ٥/١٧٣، فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٤١، التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٥٢١.

121 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٨٦.

122 الكشاف، الزمخشري ٢/٧٢٤.

وانظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٧/١٨١.

123 انظر: البسيط، الواحدي ١٤/٣١٠.

124 قينًا: أي حدادًا أو صائغًا.

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٤/١٣٥.

125 قال ابن حجر: «قوله: فقلت: لا أكفر حتى يميتك الله، ثم تبعث، مفهومه أنه يكفر حينئذ، لكنه لم يرد ذلك؛ لأن الكفر حينئذ لا يتصور، فكأنه قال لا أكفر أبدًا، والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنه لا يؤمن به»، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني ٨/٤٣٠.

126 صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب ذكر القين والحداد، ح٢٠٩١، ٣/٦٠، صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح، وقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ) [الإسراء: ٨٥].

الآية، ح٢٧٩٥، ٤/٢١٥٣.

127 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٩٩.

128 فتح القدير، الشوكاني ٣/٤١١.

129 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٩/٤٦٨٢.

130 فتح القدير، الشوكاني ٣/٤١١.

131 المصدر السابق ٣/٤١٢.

132 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٣١.

133 معاني القرآن، الفراء ١/٣٣٥.

134 روح المعاني، الألوسي ١٢/١٦٨.

135 تفسير المراغي، ٧/١٢٥.

136 البسيط، الواحدي ٨/١٤١.

137 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٣٧.

138 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٤٠.

139 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص٢٢١.

140 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٥٧٨.

141 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٩.

142 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٧٧٧.

143 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢٦.

144 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٤٨ بتصرف يسير.