عناصر الموضوع

مفهوم الأخذ

الأخذ في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الأخذ في حق الله عز وجل

سُنة الله في الأخذ

أخذ الظالمين والمترفين

الأخذ

مفهوم الأخذ

أولًا: المعنى اللغوي:

الهمزة والخاء والذال أصل واحد تتفرَع منه فروعٌ متقاربة في المعنى، فالأصل حَوْز الشيء وجبْيُه وجمعه وتحصيله، وذلك تارةً بالتناول، وتارةً بالقهر، وهو خِلَافُ الْعَطَاءِ.

ولفظة «أخذ» في اللغة لها اشتقاقات متعددة تتقارب في المعنى، فتأتي بمعنى الحصول على الشيء بالتناول أو القهر، والأخذ بالذنب بمعنى العذاب والعقاب والإهلاك، واتخذت بمعنى كسبت، والإخاذ الغُدُر وأيضًا تقال لمن يأخذ أرضًا ويتملكها، والأخيذ تقال للأسير وللشيخ الغريب، والأَخيذةُ ما اغْتُصِبَ من شيء فأُخِذَ وقد يأتي الأخذ بمعنى الرمد، ويقال: أخذ إخذهم، أي: سلك طريقهم ومنهجهم، وتطلق الأخذة على الرقية1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

يختلف معنى «أخذ» باختلاف السياق الذي ورد فيه المصطلح، ففي كل سياق يحمل معنى مختلفًا وفقًا للسياق الذي ورد فيه، وقد اتفق العلماء والمفسرون على معنى أخذ في السياق الواحد.

ومن معاني الأخذ: وقوع العذاب والإهلاك والاستئصال والعقوبة نتيجة الشرك بالله تعالى، وجحود آياته، وتكذيب رسله، ونتيجة الظلم الشديد2.

كما يأتي الأخذ بمعنى الحوز للشيء وتحصيله3، فالأخذ إمَا أن يكون خلاف العطاء، وهو ما كان باليد كالعطاء، وإما أخذ قهر، ومنه أخذ الأرواح، وأخذ العهود والمواثيق، وهذا المعنى ظاهر، والمعنيُ هنا المعنى الأوَل، وكلاهما صفة لله تعالى4.

«فمعنى الأخذ: أن تحتوي الشيء، واحتواؤك له معناه أنك أقوى من تماسكه في ذاته، أو استمساك غيره به، وقد يكون الأَخْذ بلا ذنب»5.

الأخذ في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أخذ) في القرآن الكريم (٩) مرات6.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل المضارع

٩

( ) [البقرة:٢٨٦]

وجاء الأخذ في القرآن بمعنى العقوبة7، ومنه قوله تعالى: ( ) [هود:١٠٢].

والمفاعلة فيه للمبالغة8.

الألفاظ ذات الصلة

الاتخاذ:

الاتخاذ لغةً:

أخذت الشيء آخذه أخذًا: تناولته، والمفعول متخذ، والاتخاذ: افتعال أيضًا من الأخذ، وهو مصدر من باب الافتعال، واستخذ أرضًا: اتخذها، والتأخاذ كالتذكار تفعال من الأخذ9.

الاتخاذ اصطلاحًا:

أخذ الشيء لأمر يستمر فيه، مثل: الدار يتخذها مسكنًا والدابة يتخذها قعده ويكون الاتخاذ التسمية والحكم10.

الصلة بين الأخذ والاتخاذ:

الأخذ: مصدر جاء بمعنى العذاب والحصول على الشيء، والاتخاذ: أخذ الشيء لأمر يستمر فيه، مثل: الدار يتخذها مسكنًا، والدابة يتخذها قُعدة، والاتخاذ التسمية والحكم11.

التناول:

التناول لغةً:

النون والواو واللام أصل صحيح يدل على إعطاء، ونولته: أعطيته، ونالت المرأة بالحديث والحاجة: سمحت، أو همت، و(النوال) العطاء، و(النائل) مثله، يقال: (نال) له بالعطية من باب قال و(ناله) العطية، و(نوله تنويلا) أعطاه نوالًا، و(ناوله) الشيء (فتناوله)، وناولته فتناوله: أخذه12.

التناول اصطلاحًا:

النيل إدراك الشيء ولحوقه يقال: نالني من فلان معروف، أي: وصل إلي، وأما النول بالواو فمعناه التناول يقال: نلته، أي: تناولته13، وقد يأتي التناول بمعنى آخر وهو الإهانة والتعرض بالأذى قولًا أو فعلًا، كقولك: فلما خرج تناوله بعض الخصوم، وتناولاه من الذكر عبثًا بما لم يكن أهلًا له14.

الصلة بين الأخذ والتناول:

التناول أخذ القليل المقصود إليه، ولهذا لا يقال: تناولت كذا من غير قصد إليه، ويقال: أخذته من غير قصد15.

البطش:

البطش لغةً:

الباء والطاء والشين أصل واحد، وهو أخذ الشيء بقهر وغلبة وقوة والتناول بشدة عند الصولة، والأخذ الشديد في كل شيء بطش، بطش يبطش ويبطش بطشًا16.

البطش اصطلاحًا:

البَطْشُ: الأَخذ الْقَوِيُ الشَدِيدُ، والبَطْشة: السَطْوة والأَخذُ بالعُنْف17.

الصلة بين الأخذ والبطش:

البطش هو إحدى طرق الأخذ، فهو الأخذ القوي الشديد، وقد يطلق الأخذ على تناول الشيء بدون شدة أو قهر، بخلاف البطش الذي لا يكون إلا بالشدة والقهر، فلفظة البطش تدل على مضمون الشدة والغلبة.

الإهلاك:

الإهلاك لغةً:

الهاء واللام والكاف: يدل على كسر وسقوط، والهلاك: السقوط، ولذلك يقال للميت هلك، والهلك الشيء الهالك، واستهلك المال: أنفقه وأنفده، والتهلكة: كل ما عاقبته إلى الهلاك18.

الإهلاك اصطلاحًا:

«هلاك النفس، حالة الإنسان البعيد عن طريق الخلاص أو النجاة، أو المنغمس في الرذيلة»19، والإهلاك يكون بافتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود، أو هلاك باستحالة وفساد20، فهو حالة توحي بانتهاء الشيء واستنفاذه سواء كان دمارًا أو موتًا أو استهلاكًا ونفاذًا، وهو نهاية لكل من سلك طريقًا بعيدًا عن طريق الحق والنجاة.

الصلة بين الأخذ والإهلاك:

يشترك الإهلاك مع الأخذ في معنى وقوع العقوبة والعذاب والاستئصال في حق أهله، وحصول ذلك يكون لنفس السبب، وهو: الشرك بالله والظلم وجحود آيات الله وتكذيب رسله.

الأخذ في حق الله عز وجل

يتناول هذا المبحث الأخذ في حقه تعالى، ومن ذلك نفي استيلاء السِنَة والنوم عن الله، كما تناول المواثيق التي أخذها الله على بني آدم، والمواثيق التي أخذها الله على الأنبياء بتبليغ رسالاته بأمانة وصدق، والمواثيق التي أخذها الله على أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأن يؤمنوا برسله وكتبه وأن يبلغوا ما في كتبه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم تحريفها، إلا أنهم نقضوا هذه المواثيق إلا من عصمه الله منهم.

أولًا: تنزيه الله عن السِنَة والنوم:

قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ)[البقرة: ٢٥٥].

نفى الله عز وجل في هذه الآية أن تأخذه سِنَة ولا نوم، ولم يقل: لا ينام؛ لأن النوم يكون باختيار، والأخذ يكون بالقهر، والنوم من صفات النقص التي اتصفت به المخلوقات، فهي تحتاج إلى النوم من أجل الاستراحة من تعب سبق واستعادة القوة لعمل مستقبل، ولما كان أهل الجنة كاملي الحياة، كانوا لا ينامون21، «والسِنَة والنوم من الأوصاف المستحيلة في حق الله تعالى، فإن النوم أخو الموت، ومن تأخذه السِنَة والنوم لا يكون قيومًا دائمًا بنفسه، مقيمًا لغيره، فإن السنة والنوم يناقض ذلك»22، والسِنَة ما كان من العين فإذا صار في القلب صار نومًا، وقال السدي: السِنَة: ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان، وهي أول النوم، والنوم معروف وهو فتور يعتري أعصاب الدماغ من تعب إعمال الأعصاب من تصاعد الأبخرة البدنية الناشئة عن الهضم والعمل العصبي، فيشتد عند مغيب الشمس ومجيء الظلمة فيطلب الدماغ والجهاز العصبي الذي يدبره الدماغ استراحة طبيعية فيغيب الحس شيئًا فشيئًا وتثقل حركة الأعضاء، ثم يغيب الحس إلى أن تسترجع الأعصاب نشاطها فتكون اليقظة.

ونفي استيلاء السِنَة والنوم على الله تعالى تحقيق لكمال الحياة ودوام التدبير، وإثبات لكمال العلم، فحياة النائم في حالهما حياة ضعيفة، وهما يعوقان عن التدبير وعن العلم بما يحصل في وقت استيلائهما على الإحساس، وفي هذه الجملة تأكيد لما قبلها، وإقرار لمعنى الحياة والقيومية الدائمة الكاملة، وفي لفظ الأخذ غلبة ما، فلذلك حسنت في هذا الموضع بالنفي.

فالله عز وجل لا يأخذه نعاس ولا نوم وهو تأكيد للقيوم؛ لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيومًا، فهو الدائم على حال، والقيوم على جميع الأنام، ولو نام كان مغلوبًا مقهورًا؛ لأن النوم غالب النائم وقاهره، ولو وسن لكانت السماوات والأرض وما فيهما دكًا؛ لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته، والنوم شاغل المدبر عن التدبير، والنعاس مانع المقدر عن التقدير بوسنه ، وهذا توكيد لقيامه سبحانه على كل شيء، وقيام كل شيء به، ولكنه توكيد في صورة تعبيرية تقرب للإدراك البشري صورة القيام الدائم، في الوقت الذي تعبر فيه هذه الصورة عن الحقيقة الواقعة من مخالفة الله سبحانه لكل شيء23.

جاء في الصحيح عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، وعمل الليل قبل عمل النهار، حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)24.

وينبغي أن يُعلم أن النفي ليس فيه مدحٌ ولا كمال إلاَ إذا تضمَن إثباتًا ، فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدحٍ كقوله: ( ﮯﮰ) [البقرة: ٢٥٥].

فإنه يتضمن كمال الحياة والقيام25، فالله عز وجل لا ينام، أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، وإلا لكان ذلك نقصًا في حياته وقيوميته.

ولهذا أردف هذين الاسمين بنفي السِنَة والنوم، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت شهيد على كل شيء ولا يغيب عنه شيء، وجل عن أن يشبهه الأنام في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله؛ لأن الصفات تابعة لموصوفها فكما أن ذاته لا تشبه الذوات فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقات26.

«وفي ذلك نفي النقائص عن الله المتضمن لإثبات الكمالات»27.

فحياة الله عز وجل غير قابلة للزوال ولا للنقص ولا للابتداء، بخلاف حياة الإنسان فإنه وإن حاول أن يمتنع عن النوم فلابد أن يأخذه النوم أو يهلك، فالحاصل أن الله له الحياة الكاملة أزلًا: ابتداء وانتهاء واستمرارًا، فابتداء حيث لم تسبق، وانتهاء حيث لا يلحقها زوال، واستمرارًا حيث إنها حياة كاملة لا يعتريها سِنَة ولا نومًا ولا نقصًا بأي نوع من أنواع النقص28.

ثانيًا: أخذ الميثاق:

١. أخذ ميثاق النبيين.

بعد أن اصطفى الله تعالى الأنبياء كلفهم بتبليغ رسالته لأقوامهم، وأخذ منهم ميثاقًا غليظًا أن يبلغوا هذه الرسالة بأمانة وإخلاص، وأن يصدق بعضهم بعضًا، فجميعهم يحملون الرسالة نفسها، فأقروا على ذلك الميثاق، وشهد الله معهم على ذلك.

قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)[آل عمران:٨١].

تتحدث الآية عن أخـذ الله ميثاق النبيين صلوات الله عليهم فيخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر وقت أخذه تعالى لميثاق الأنبياء.

وقد اختلف في تفسير الميثـاق على أقـوال:

الأول: أن الله أخذ ميثاق الأنبياء أن يصـدق بعضهـم بعضـًا بالإيمان، ويأمر بعضهم بعضًا بذلك، فهـذا معنى النصرة له، والإيمـان به.

وهـو ظـاهر الآية، فحاصله أن الله أخذ ميثاق الأول مـن الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر وينصره.

والقول الثاني: أن الله أخـذ ميثاق الذين مع النبيين.

والثالث: أن في الكلام حذفًا، والمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتعلمن الناس لما جاءكم من كتاب وحكمة ولتأخذن على الناس أن يؤمنوا.

وقوله: () هو من الإقرار، سمي العهـد إصـرًا لما فيه من التشـديد والمعنى: وأخـذتم على ذلك عهـدي، ويستأنف الحديث بقوله: (ﯗ ﯘ) وكأنه أراد القول: مـاذا قالـوا عند ذلك؟ فقيل: قالـوا: أقـررنا. وإنما لم يذكر أحدهم الإصر اكتفـاء بذلك29.

قـوله: () أي: فليشهـد بعضكـم على بعـض بالإقـرار.

وقيل: الخطـاب فيه للملائكة.

(ﯜ ﯝ ﯞ) أي: وأنـا من الشاهدين علـى إقـراركم ذلك.

وإدخال (مع) على المخاطبين، لأنهـم المباشـرون للشهـادة حقيقة، وفيه مـن التأكيد والتحذير مالا يخفى.

( ) أي: أعـرض عما ذكر بعد ذلك الميثاق، والتوكيد بالإقرار والشهادة، () المتولون المتصفون بالصفات القبيحة ( ) الخارجـون عن الطاعة من الكفرة30.

فمما سبق يتبين لنا أن الله سبحانه أخذ موثقًا جليلًا كان هو شاهده وأشهد عليه رسله، موثقًا على كل رسول، أن صدق الأنبياء الذين سبقوه وكتبهم فهي جميعها من عند الله، أن يؤمن به وينصره، ويتبع دينه، فجميعهم من المنبع نفسه، وجعل هذا عهدًا بينه وبين كل رسول.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)[الأحزاب:٧].

يخاطب المولى عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلًا: واذكر حين أخذنا من النبيين جميعًا ميثاقهم، ومنك يا محمد خصوصًا، ومن نوح وابراهيم وعيسى عليهم السلام، وقـد أخذ الله ذلك الميثاق ليسألهم يوم القيامة عند تواقف الأشهاد المؤمنين الذين صدقـوا عهدهم ووفوا به، فيشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم وشهادتهم وكانوا مؤمنين، أو ليسأل المصدقين للأنبيـاء عن تصديقهم؛ لأن من قـال للصادق: صدقت، كـان صادقًا في قـوله، أو ليسـأل الأنبياء مـا الذي أجابتهـم به أممهم، وتأويل مسألة الرسل: تبكيت الكافرين بهم، و قـدم ذكـر رسـول الله صلى الله عليه وسلم على نـوح ومـن بعـده؛ وذلك لبيـان فضيـلة الأنبيـاء الـذين هـم مشـاهيرهم وذراريهم، فلمـا كـان محمـد صلى الله عليه وسلم أفضل هـؤلاء المفضلين: قـدم عليهـم لبيـان أنـه أفضلهـم، ولولا ذلك لقدم من قدمه زمانه، وقال: مِيثَاقًا غَلِيظًا؛ للدلالة على عظم الميثاق وجلالـة شأنه في بابه، وقيـل: الميثـاق الغليظ: اليمين بالله على الوفـاء بما حملوا، وقـد أكـد الله على الأنبيـاء الدعـوة إلى دينه لأجـل إثابة المؤمنين، وعقـاب الكافرين، فقـد أعـد للمـؤمنين جنـات النعيم كمـا أعـد للكافـرين عـذابًا أليمـًا31.

فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها، ونحن نشهد أن الرسـل قـد بَلَغُوا رسالات ربهم، ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق المبين، الواضح الجلي، الذي لا لبس فيه، ولا شك، ولا امتراء، وإن كذبهم مَنْ كذبهم من الجهلة والمعاندين والمـارقين والقاسطين، فما جاءت به الرسل هو الحق، ومَنْ خالفهم فهو على الضلال32.

٢. أخذ ميثاق بني آدم.

خلق الله عز وجل بني آدم، وكرمهم على سائر المخلوقات، وجعلهم مستخلفين في الأرض، لإعمارها وإفراده بالعبادة، فأخذ عليهم الميثاق وهم في عالم الذر بأنه هو ربهم وهو وحده المستحق للعبادة والطاعة، وأشهدهم على ذلك، لتكون حجة عليهم يوم القيامة.

قال تعالى: ( ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف:١٧٢].

يخاطب المولى عز وجل في هذه الآية نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلًا له: واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم، فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك، وإقرارهم به.

ولهذه الآية تأويلان:

أحدهما: قول البعض: وإذ أخذ ربك من بني آدم عليه السلام من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فقال الله وملائكته شهدنا عليكم بإقراركم بأن الله ربكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.

والثاني: قال آخرون: ذلك خبر من الله عن قِيل بعض بني آدم لبعضٍ حين أشهد الله بعضهم على بعض، وقالوا: معنى قوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وأشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك33.

واختلف في هذه الآية، هل هي خاصة أو عامة، فقيل: الآية خاصة؛ لأنه تعالى قال: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ )، فخرج من هذا الحديث من كان من ولد آدم عليه السلام لصلبه.

وقيل: هي مخصوصة فيمن أخذ عليه العهد على ألسنة الأنبياء.

وقيل: بل هي عامة لجميع الناس؛ لأن كل أحد يعلم أنه كان طفلًا فغذي وربي، وأن له مدبرًا وخالقًا.

فهذا معنى ( ﭯ ﭰ ﭱ).

ومعنى (ﭶﭷ) أي: إن ذلك واجب عليهم.

وقوله تعالى: ( ﭬ ﭭ) ألفاظ الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم، وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظ.

ووجه النظم على هذا: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم، وإنما لم يذكر ظهر آدم عليه السلام؛ لأن المعلوم أنهم كلهم بنوه، وأنهم أخرجوا يوم الميثاق مـن ظهره.

فاستغنى عن ذكره لقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) بالجمع؛ لأن الذرية لما كانت تقع للواحد أتى بلفظ لا يقع للواحد فجمع لتخلص الكلمة إلى معناها المقصود إليه لا يشركها فيه شيء وهو الجمع؛ لأن ظهور بني آدم استخـرج منها ذريات كثيرة متناسبة، أعقـاب بعـد أعقاب، لا يعلم عددهم إلا الله، فجمع لهذا المعنى34.

والقول في ( ﭶﭷ ) لدلالة حالهم على الاعتراف بالربوبية لله تعالى.

وحاصل المعنى: أن الله خلـق في الإنسـان من وقت تكـوينه إدراك أدلـة الوحدانية، وجعـل في فطـرة حركة تفكـير الإنسان التطلع إلى إدراك ذلك، وتحصيـل إدراكـه إذا جرد نفسه مـن العـوارض التي تدخل على فطرته فتفسدها.

والمقصود من قصة أخذ العهد تذكير المشركين بما أودع الله في الفطرة من التوحيد.

وهذا الأسلوب هـو من تحويل الخطاب عـن مخاطب إلى غيره، وليس من الالتفاف لاختلاف المخاطبين، والمعنى: أن ذلك لمَا جُعل في الفطرة عند التكوين كانت عقول البشر منساقة إليه، فلا يغفل عنه أحد منهـم فيعتذرَ يوم القيامة إذا سئل عـن الإشـراك، بعـذر الغفلة؛ فهـذا إبطـال للاعتـذار بالغفلة، ولـذلك وقـع تقـدير حـرف نفي أي: أنْ لا تقولوا، وعُطـف عليه الاعتذار بالجهل دون الغفلة بأن يقولوا: إننا اتبعنا آباءنا وما ظننا الإشـراك إلا حقًا، فلما كان في أصل الفطرة العلمُ بوحدانية الله بطل الاعتذار35.

٣. أخذ ميثاق أهل الكتاب.

بعد أن أرسـل الله النبيين إلى أهـل الكتاب، وأنزل عليهم الكتب السماوية بما فيها من تشريع، أخذ على أهل الكتاب ميثاق تبيينها للناس وتعليمهم إياها، ولكنهم قاموا بتحريف الكتب السماوية؛ وفقًا لأهوائهم، وتركوا شريعة الله السليمة وراء ظهورها ورفضوا الاحتكام لها، كما أخذ علي بني إسرائيل ميثاقًا بعدم الشرك بالله وعدم تكذيب الأنبياء، ولكنهم كعادتهم لا عهد لهم ولا ذمة، وخير دليل على ذلك قتلهم للأنبياء ومعاداتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما يفعلونه من معاداة للإسلام والمسلمين اليوم في فلسطين، واعتدائهم على حرمات بيوت الله، وسعيهم الحثيث لهدم المسجد الأقصى، فلا أمان لهم إلى يوم القيامة، وكذلك أخذ المواثيق على النصارى باتباع عيسى عليه السلام ولكنهم أشركوا بالله واتخذوا من المسيح إلهًا لهم، فألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.

قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [آل عمران:١٨٧].

تحدثت الآيات السابقة عن شُبه اليهود التي حاولـوا من خلالها الطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فـرد عليها ثـم أتبعه بهـذه الآية؛ وذلك لأنه تعالى أوجب في التوراة والإنجيـل على أمـة مـوسى وعيسى عليهما السـلام أن يشرحـوا مـا في هذين الكتابين مـن الـدلائل الـدالة على صحـة دين محمد صلى الله عليه وسلم وصـدق نبـوته ورسالته، والمـراد منه التعجـب مـن حالهم، كـأنه قيـل: كيف يليـق بكـم إيـراد الطعـن في نبـوته ودينه مـع أن كتبكم ناطقة ودالة على أنه يجب عليكم ذكر الـدلائل الـدالة على صـدق نبوته ودينه.

وكان أهل الكتاب يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وكان من طرق إيذائهم له أنهم كانوا يكتمون مـا في التوراة والإنجيـل مـن الـدلائل الـدالة على نبوته فكـانوا يحرفـونها و يذكـرون لها تأويـلات فاسدة، أما عن كيفية أخذ الميثاق كان ذلك من خلال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث أوردوا الـدلائل في جميـع أبواب التكـاليف وألزمـوهم قبـولها، فالله سبحانه وتعالى إنمـا أخـذ الميثاق منهـم على لسـان الأنبياء عليهـم الصلاة والسلام فـذلك التـوكيد والإلـزام هو المراد بأخذ الميثاق.

والمراد من البيان ذكر تلك الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل، والمـراد من النهـي عن الكتمـان أن لا يلقـوا فيها التأويلات الفاسدة والشبهات المعطلـة، وظاهـر هـذه الآية وإن كـان مختصـًا باليهـود والنصارى فـإنه لا يبعـد دخـول المسلمين فيه أيضًا؛ لأنـهم أهـل القـرآن وهـو أشرف الكتب36، فنبذ أهـل الكتاب هذا الميثاق وراء ظهورهم، بدلوا به ثمنًا قليلًا من حطـام الدنيـا الفانية، فكانوا في هذه الصفقة مغبونين، حيث جعلوا العَرَضَ الفاني بدل النعيم الباقي في الآخرة، فبئس الشـراء شراؤهـم، وبئست هذه المبادلة، وقد قـال النبي: صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)37.

وإذا أخبر العالم الديني بحكم شرعي فعليه أن يكـون أمينـًا في نقله حـاذقًا في فهمه، فلا يحـرفه ولا يبـدله، ولا يبتر منه شيئـًا، ولا يدلس ويعمـي الأمور ويغطي الحقائق، ولا يطلب الثناء على ما فعـل من بيـان الخبر المشوه أو الحكم المبدل، وهو في هذا كاذب دجال38.

قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ٨٣، ٨٤].

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى: واذكر أيها النبي حين أخذنا ميثاق بني إسرائيل، بأن (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانًا، وأن تصلـوا رحمه، وتعـرفوا حقـه، وأن تتعطفوا على اليتامى بالرحمة والـرأفة، وبالمساكين: أن تؤتوهم حقوقهم التي ألزمها الله أموالكم، (ﯦ ﯧ ﯨ) وفي ذلك بيـان حقـوق سـائر الأمـة، وهي النصيحة لهم، والأمر بالمعروف والنهي عـن المنكر فيهم، وإقامة الصلاة تكون بأدائها بحقوقها الواجبة عليكم فيها، (ﯫ ﯬ ) وذلك لإصلاح شئون المجتمع، فقد كان يجب عليهم زكاة في أموالهم.

قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) .

هذا خبـر مـن الله عن يهــود بني إسرائيل، أنهم نكثـوا عهـده ونقضـوا ميثـاقه، بعـدما أخـذ الله ميثاقهم على الوفـاء لـه، بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات، ويصلوا الأرحـام، ويتعطفـوا على الأيتام، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عبـاد الله بما أمـرهم الله به ويحثوهم على طاعته، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضهـا، ويؤتوا زكاة أموالهم فخالفوا أمـره في ذلك كله، وتولـوا عنه معرضين، إلا مـن عصمه الله منهـم، فـوفى لله بعهـده وميثاقـه39.

ثم أتبع ذلك بالنهي عـن سفـك بعضهـم دم بعض، وإخـراج بعضهـم بعضـًا من ديارهم وأوطـانهم بعبارة تؤكد معنى وحـدة الأمة، وتحـدث في النفس أثرًا شريفـًا يبعثها على الامتثـال إن كان هناك قلب يشعـر، ووجدان يتـأثر، فجعـل دم كل فرد من أفراد الأمة كأنه دم الآخر عينه، حتى إذا سفكـه كـان كـأنه بخـع نفسه وانتحـر بيده، فهـذه الأحكام لا تزال محفوظة عنـد الإسـرائيليين في الكتاب وإن لـم يجـروا عليها في العمل.

قـوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) فيه وجهـان:

أحدهما: أنه يخاطبهم بما كان من اعتراف سلفهـم بالميثاق وقبـوله، وشهـودهم الـوحي الذي نـزل به على موسى عليه السلام.

ثانيهما: أن المـراد الحاضرون أنفسهـم، أي: أنكم أيها المخاطبـون بالقرآن قد أقررتـم بهذا الميثاق وتعتقدونه في قلوبكـم، ولا تنكـرونه بألسنتكـم، بل تشهدون به وتعلنونه، فالحجة ناهضة عليكم به40.

ولكن اليهود اعتادوا الغـدر، واستماتوا في حب المادة، أعرضوا قصدًا وعمدًا عـن تنفيذ الأوامـر الإلهية، وعن العمل بالميثـاق.

فهـذا هـو طبـع بني إسـرائيل القتـل والغـدر والخيـانة وعـدم الـوفاء بالعهـود وتحـريف الكتب السماوية، وذلك منذ أن خلقـوا مـرورًا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ووصـولًا إلى زمـاننا هذا فطبعهم وأخـلاقهم الفاسدة لا تتغير.

فـلا بد أن يحـرص المسلمـون على معرفـة طبائعهم ومكائدهم حتى يتحرزوا الوقوع فيها.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المائدة:١٤].

لما أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه، الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل، وذكرهم نعَمَه عليهم الظاهرة والباطنة، فيما هداهم له من الحـق والهدى، شـرع يبين لهـم كيف أخـذ العهـود والمـواثيق علـى مـن كـان قبلهـم مـن أهـل الكتاب: اليهـود والنصـارى، فلمـا نقضـوا عهـوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعنًا منه لهم، وطردًا عن بابه وجنابه، وحجابًا لقلوبهـم عن الوصـول إلى الهـدى ودين الحـق، وهـو العلـم النافع والعمـل الصالح.

قـوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)، أي: ومن الذين ادعـوا لأنفسهـم أنهـم نصـارى يتابعون المسيح ابن مريم عليه السلام، وليسـوا كـذلك، أخـذنا عليهـم العهـود والمـواثيق علـى متـابعة الرسـول ومناصـرته، ومـؤازرته واقتفـاء آثـاره، والإيمان بكـل نبي يرسلـه الله إلـى أهـل الأرض، أي: ففعلـوا كمـا فعـل اليهـود، خالفـوا المـواثيق ونقضـوا العهود41، فألصقنـا بهـم العداوة وسلطنا بعضهـم علـى بعـض.

() أشار بهـذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما، وقيـل: أشار إلى افتراق النصارى خاصة، لأنهم أقرب مذكور؛ وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية؛ أي: كفَر بعضهـم بعضـًا.

ومـن أحسـن مـا قيل في معنى (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) أن الله عـز وجـل أمـر بعـداوة الكفـار وإبغاضهـم، فكـل فـرقـة مأمُـورة بعـداوة صاحبتها وإبغاضها؛ لأنهم كفار.

وقوله: (ﭥ ﭦ ) تهديدٌ لهم؛ أي: سيلقون جزاء نقض الميثاق42.

«ولقد وقع بين الذين قالوا: إنا نصارى من الخلاف والشقـاق والعـداوة والبغضـاء في التاريـخ القـديم والحـديث مصداق ما قصه الله سبحانه في كتابه الصـادق الكـريم، وسـال من دمائهـم علـى أيدي بعضهم البعض مـا لـم يسـل مـن حروبهـم مـع غيرهم في التاريـخ كلـه، سـواء كـان ذلك بسبب الخلافات الدينية حول العقيدة، أو بسبب الخلافات على الـرياسة الدينية، أو بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي خلال القرون الطويلة لم تسكن هـذه العداوات والخلافات ولم تخمـد هذه الحروب والجراحات، وهي ماضية إلى يوم القيامة»43.

ثالثًا: أخذ نواصي الدواب:

قال تعالى: ( ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ) [هود:٥٦].

أي: أنه ليس من شيء يدب على الأرض، إلا والله مالكه، وهو في قبضته وسلطانه ذليلٌ له خاضعٌ.

والناصية عند العرب منبت الشعر في مقدم الرأس، ويسمى الشعر النابت هناك ناصية باسم منبته.

والمعنى: هي في قبضته وتنالها بما شاء قدرته، فهو آخذ بناصيتها يحييها ويميتها، وهو مالكها والقادر عليها، ويقهرها؛ لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته.

وإنما خص الناصية؛ لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانًا بالذلة والخضوع فيقولون: ما ناصية فلان إلا بيد فلان.

أي: أنه مطيع له يصرفه كيف شاء، فخاطبهم بما يعرفون في كلامهم، وهي صورة محسوسة للقهر والقدرة تصور القدرة آخذة بناصية كل دابة على هذه الأرض، بما فيها الدواب من الناس، وهذه صورة حسية تناسب الموقف، وتناسب غلظة قوم هود وشدتهم، وتناسب صلابة أجسامهم وبنيتهم، وغلظ حسهم ومشاعرهم.

وفي هذه الكلمات القوية الحاسمة ندرك سر ذلك الاستعلاء وسر ذلك التحدي، الذي كان عليه نبي الله هود عليه السلام، فهو يجد هذه الحقيقة واضحة.

إن ربه ورب الخلائق قوي قاهر، وهؤلاء الغلاظ الأشداء من قومه إن هم إلا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربه بناصيتها ويقهرها بقوته قهرًا.

إن هذه الحقيقة التي يجدها صاحب الدعوة في نفسه، لا تدع في قلبه مجالًا للشك في عاقبة أمره ولا مجالًا للتردد عن المضي في طريقه.

إنها حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلوب الصفوة المؤمنة أبدًا.

إن ربي على طريق الحق يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بمعصيته، ولا يظلم أحدًا، ولا يقبل إلا الإسلام.

فلا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم، ولا يفعل بهم إلا ما هو الحق والعدل، فهو لا يخفى عليه مستتر، ولا يفوته هارب44.

سُنة الله في الأخذ

يتناول هذا المبحث بيان سُنة الله في الأخذ، فيظهر عدله ورحمته، فجل شأنه لا يؤاخذ بالنسيان والخطأ الغير متعمد، ولا يؤاخذ بأيمان اللغو، وإنما يؤاخذ الإنسان على ما كسب قلبه من عزم ونية، وعلى أيمانه المنعقدة، كما أنه تعالى لا يؤاخذ الإنسان إلا بعد إقامة الحجة عليه، وإزالة الأعذار، ولا يؤاخذ إلا بعد انتهاء الأجل المحدد، فيؤخرهم إلى أجل معلوم عنده ليحاسبهم، فيغفر لمن تاب وأناب، ويعذب من جحد وعاند.

أولًا: أسباب الأخذ:

١. يؤاخذ بالأيمان المنعقدة.

قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ) [المائدة:٨٩].

بعد أن بينت الآية الكريمة أن الله عز وجل لا يؤاخذنا على اللغو في الأيمان؛ بينت أن الله يؤاخذنا على الأيمان المنعقدة، فقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) فمعناه: يؤاخذكم ويحاسبكم على ما أكدتم من الأيمان، فمن قصد الأمر فحلف بالله وعقد على اليمين قلبه متعمدًا فعندها تلزم فيه الكفارة إذا حنث بإجماع، وكفارة حنث اليمين هي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.

والمُكفِر في اليمين مُخيَر بين هذه الثَلاث، فمن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام وهي الكفارة التي يعاد إليها في اليمين المعقودة عند عدم استطاعة الكفارات الأخرى، ثم أمر الله بحفظ الأيمان وذلك بمعنى لا تكثروا من الحلف، واحفظوها عن الحنث إذا لم يكن ما حلفتم عليه خيرًا، لئلا يذهب تعظيم اسم الله عن قلوبكم، يبين الله لكم آياته وشرائعه لعلكم تشكرون نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج45.

«فعلى المؤمن أن يحترم عهد الله وميثاقه، ويعظم ذات الله وجلاله، فيبتعد عن كل مظاهر الإخلال بهيبة الله وقدسيته، وإذا حلف بالله تعالى وجب عليه صون يمينه إذا كان الأمر المحلوف عليه قربة أو طاعة، وجاز له مخالفة مقتضى اليمين بل يجب إذا كان المحلوف عليه معصية»46.

٢. يؤاخذ بما كسبت القلوب.

قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ٢٢٥].

بعد أن بيَن الله عز وجل أنه تعالى لا يؤاخذ باللغو في اليمين، بَيَنَ تعالى أن المؤاخذة تكون على ما قصده القلب وعزمه، وكسب القلب هو العقد والنية، وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال، كما هي معتبرة في الأفعال.

والله غفور لمن حنث وكفر بيمينه، حليم حيث رخص لكم في ذلك ولم يعاقبكم، غفور لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر أنه لا يؤاخذكم عليها.

ولو شاء آخذهم وألزمهم للكفارة في العاجل والعقوبة عليها في الآجل.

حَلِيمٌ يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة.

والحليم ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحليم، إنما الحليم الصفوح مع القدرة على الانتقام المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة47.

٣. يؤاخذ بعد إقامة الحجة وإزالة العذر.

قال تعالى: ( ﭿ ﮕ ﮖ ﮣ ﮤ ﮰ ﮱ ) [النحل:١٠٦-١٠٩].

أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به أن عليه غضبًا من الله، وذلك لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه، ولهم عذاب عظيم في الدار الآخرة؛ لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة؛ لأجل الدنيا.

أولئك طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فلم يفهموا المواعظ ولا سمعوها، ولا أبصروا الآيات التي يستدل بها على الحق، فهم غافلون عما يراد بهم، فلا غفلة أعظم من غفلتهم هذه لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون.

وأما قوله: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا لما أصابه من ضرب وأذى، ولكن قلبه يأبى ما يقول، بل مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.

قال أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كَيْفَ تَجدُ قَلْبَكَ؟) قال: مطمئنًا بالإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنْ عادُوا فَعُدْ)48.

وقد أجمع العلماء على أنه من أكره على الكفر إكراهًا ملجيًا يجوز له أن يتلفظ بما أُكره عليه مطمئنًا قلبه بالإيمان بهذه الآية49.

قال تعالى: ( ﯡﯢ ) [البقرة:٢٠٩].

يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أخطأتم الحق، فضللتم عنه، وخالفتم الإسلام وشرائعه، من بعد مجيء الحجج الباهرة والبراهين القاطعة على أنه حق، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون، فاعلموا أن الله ذو عزة، غالب قادر على أنواع الانتقام، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع، وحكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه، بعد إقامته الحجة عليكم، وفي غيره من أموره، فهو لا ينتقم إلا بالحق50.

قال تعالى: ( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ) [النساء :١١٥].

رتب الله عز وجل الثواب العظيم على الموافقة، كما رتب العقاب الشديد على المخالفة والمشاققة، ووكل المخالف إلى نفسه بقوله تعالى: ( ) أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعانده فيما جاء به ( ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية، (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم (ﭻ ﭼ ﭽ) أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلًا أن يبقيه في ضلاله حائرًا ويزداد ضلالًا إلى ضلاله.

ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول، ويتبع سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهم بها ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء51.

قال تعالى: ( ﯬﯭ) [الإسراء:١٥].

هذه الآية فيها إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه، سبحانه أعدل العادلين لا يعذب أحدًا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة، وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه، فسبحانه منزه عن الظلم، فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختصمت الجنة والنار فذكر الحديث إلى أن قال: (وأما الجنة فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأنه ينشئ للنار خلقًا فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد؟ ثلاثًا...)52، فإن هذا إنما جاء في الجنة؛ لأنها دار فضل، وأما النار؛ فإنها دار عدل، لا يدخلها أحد إلا بعد الإعذار إليه وقيام الحجة عليه53.

٤. يؤاخذ عند انتهاء الأجل المقدر.

قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ [النحل: ٦١].

لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم بيَن أنه يمهل هؤلاء الكفار ولا يعاجلهم بالعقوبة؛ إظهارًا للفضل والرحمة والكرم، فقال: ولو يؤاخذ الله الكفارَ بكفرهم ومعاصيهم ما ترك عليها، أي: على الأرض وإن لم يذكر فقد دل عليها ذكر الناس وذكر الدابة، فإن الجميع مستقرون على الأرض، لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم، من أنواع الدواب والحيوانات فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى معلوم عنده وهو منتهى حياتهم وانقضاء أعمارهم أو أجل عذابهم، وفي هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء العنان معهم، ومنها حصول من سبق في علمه من أولادهم فإذا جاء أجلهم الذي سماه لهم حقت عليهم كلمة الله سبحانه في ذلك الوقت من دون تقدم عليه ولا تأخر عنه، والساعة المدة القليلة، فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه54.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [فاطر: ٤٥].

بعد أن هدد المشركين بجريان سنته فيهم، بإهلاكهم كما أهلك المكذبين من قبلهم، ذكر حلمه بعباده وأنه لو آخذهم بما كسبوا من الذنوب وعملوا من الخطايا، ما ترك على ظهر الأرض من دابة من الدواب التي تدب كائنة ما كانت، أما بنو آدم فلذنوبهم، وأما غيرهم فلشؤم معاصي بني آدم، قال ابن مسعود: «كاد الجُعَل أَن يعذب في جحره بذنب ابن آدم»، ولكن يؤجل عقابهم إلى وقت محدد، وهو يوم القيامة، فإذا جاء أجلهم فإن الله يحاسبهم ويوفي كل عامل جزاء عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فهو البصير بحال عباده لا يخفى عليه شيء من أمرهم، دق أو جل، ظهر أو بطن، وفي هذا تسلية للمؤمنين ووعيد للكافرين، وتذكير لهم عن أن يغرهم تأخير المؤاخذة فيحسبوه عجزًا أو رضًا من الله بما هم فيه، اللهم أحسن أعمالنا ظواهرها وبواطنها، وتقبل منا ما نعمل مما يرضيك إنك أنت الخبير البصير55.

قال تعالى: ( ﮮﮯ ﯗﯘ ) [الكهف: ٥٨].

والمعنى: وربك يا محمد الساتر على ذنوب عباده بعفوه إذا تابوا منها ذو الرحمة بهم، ولو آخذ هؤلاء المعرضين عن آياته بما اكتسبوا من الذنوب والآثام بالعذاب في الدنيا لعجل لهم ذلك، لكنه برحمته وعفوه لم يعجل لهم ذلك، بل لهم موعد، يجازون فيه بأعمالهم، لا بد لهم منه، وهذه سنته في الأولين والآخرين، أن لا يعاجلهم بالعقاب، بل يستدعيهم إلى التوبة والإنابة، فإن تابوا وأنابوا، غفر لهم ورحمهم، وأزال عنهم العقاب، وإلا فإن استمروا على ظلمهم وعنادهم، وجاء الوقت الذي جعله موعدا لهم، أنزل بهم بأسه56.

ثانيًا: موانع المؤاخذة:

١. لا يؤاخذ باللغو في الأيمان.

قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢٥].

اللغو من اليمين: هو الساقط الذي لا يعتد به، وما تعوده الناس في الكلام «لا والله» و«بلى والله»، فأما إذا حلف على شيء أنه كان حاصلًا جدًا ثم ظهر أنه لم يكن فقد قصد الإنسان بذلك اليمين المتصل تصديق قوله وربط قلبه بذلك فلم يكن لغوًا البتة، وقد ذكر سبحانه وتعالى قبل هذه الآية النهي عن كثرة الحلف فذكر عقيب ذلك حال هؤلاء الذين يكثرون الحلف على سبيل الاعتياد في الكلام على سبيل القصد إلى الحلف، وبين أنه لا مؤاخذة عليهم ولا كفارة؛ لأن إيجاب الكفارة والمؤاخذة عليهم يفضي إما إلى أن يمنعوا عن الكلام أو يلزمهم في كل لحظة كفارة وكلاهما حرج في الدين، ويؤيد هذا المعنى ما روته عَائِشَةُ رَضِيَ اللَهُ عَنْهَا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ( )[البقرة: ٢٢٥].

فِي قَوْلِ الرَجُلِ: لاَ وَاللَهِ وَبَلَى وَاللَهِ57، فهذه الآية تبين أن الله لا يؤاخذ بما يجري على الألسنة من الأيمان اللاغية، التي يتكلم بها العبد، من غير قصد منه ولا كسب قلب، ولكنها جرت على لسانه58.

قال تعالى: ( ) [المائدة:٨٩ ].

تؤكد هذه الآية أن الله عز وجل لا يؤاخذنا على أيمان اللغو أيضًا، فاللغو ما لَا يقصد به اليمين، وما لَا تكسبه القلوب، ولا يوثَق به الكلام بالامتناع عن الفعل، أو توكيد إيقاع الفعل في المستقبل، لَا مؤاخذة عليه، فهو يجري على الألسنة من غير قصد الحلف59.

٢. لا يؤاخذ بالنسيان غير المتعمد الخطأ.

قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯣﯤ ) [البقرة: ٢٨٦].

توضح الآية الكريمة أن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا ما يسعها فلا يجهدها، ولا يضيق عليها في أمر دينها، فيؤاخذها بهمة إن همت، ولا يؤاخذها بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها60.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ، عَنِ النَبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَ اللَهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَتِي مَا حَدَثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَمْ) 61.

وقوله: ( ) المراد هنا أي: لا تعاقبنا بما أدى بنا إلى النسيان أو الخطأ من تفريط وقلة مبالاة؛ لأن المؤاخذة إنما هي بالمقدور، والنسيان والخطأ ليس بمقدورين، ويجوز أن يراد النسيان نفسه والخطأ، أي: لا تؤاخذنا بهما كما آخذت به من قبلنا62.

وأما الأحكام الدنيوية المتعلقة بهما فالصحيح أنها تختلف بحسب الوقائع، فقسم لا يسقط باتفاق؛ كالغرامات والديات والصلوات المفروضات، وقسم يسقط باتفاق؛ كالقصاص والنطق بكلمة الكفر، وقسم ثالث مختلف فيه؛ كمن أكل ناسيًا في رمضان أو حنث ساهيًا، وهذا يدل على أن أحكام العباد وحقوق الناس ثابتة63، وعلى ذلك فإن الخطأ والنسيان والإكراه معفو عنها بأمر الله تعالى، لكن ينبغي معرفة أن ما نسي من الواجبات فإنه يقضى إذا لم يفت سببه، فإذا نسي الإنسان أن يصلي فإنه يصلي إذا ذكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)64.

أخذ الظالمين والمترفين

يتناول هذا المبحث نماذج من أخذ الظالمين والمترفين؛ كفرعون وقومه، وعاد وثمود، وأقوام لوط، ونوح، وشعيب، وموسى، وتوضيح وسائل أخذهم وإهلاكهم الذي حل بهم لكفرهم وطغيانهم وتكذيبهم لآيات الله ورسله؛ كالغرق، والصيحة، والصاعقة، والريح الصرصر العاتية، وفي هذا كله عبرة وعظة وآيات للجاحدين والظالمين والعاصين الله ورسله.

أولًا: نماذج من أخذ الظالمين والمترفين:

١. أخذ فرعون وقومه وجنوده:

قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [آل عمران :١١ ].

بين الله تعالى أن الكفار به وبرسله، الجاحدين بدينه وكتابه، قد استحقوا العقاب وشدة العذاب بكفرهم وذنوبهم، وأنه لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا عند حلول العقوبة بهم، كسُنَة آل فرعون وعادتهم، فقد كذبوا بآيات الله وجحدوا ما جاءت به الرسل، فأخذهم الله بذنوبهم عدلًا منه لا ظلمًا، والله شديد العقاب على من كفر وأتى الذنوب على اختلاف أنواعها وتعدد مراتبها، وهو أخذ الانتقام في الدنيا، وهذه سنته الجارية في الأمم السابقة، وقد ضرب الله هذا المثل عبرة وموعظة؛ لأنهم إذا استقروا الأمم التي أصابها العذاب، وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر، وكفى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب، وقد تعين أن يكون المشبه به هو وعيد الاستئصال والعذاب في الدنيا65.

٢. أخذ ثمود:

قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [فصِلت:١٧].

بيَن الله تعالى في هذه الآية مصير ثمود وهم قوم صالح عليه السلام، فقال: ( ) أي: بينا لهم طريق الهدى، وأنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا، وكان بيان ذلك بالناقة البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم، فكرهوا ذلك لما يلزمه من ترك طريق آبائهم، ( ) والضلال الناشئ عن عمى البصر أو البصيرة أو هما معًا ( ) أي: أوجدوا من الأفعال والأقوال ما يدل على حب ذلك وعلى طلب حبه فعموا فضلوا، () أي: بسبب ذلك داهيةُ العذابِ وقارعةُ () أي: المهين والمخزي، (ﯨ ﯩ ﯪ) من اختيار الضلالة66.

٣. أخذ عاد:

قال تعالى: ( ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ *ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ* ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الحاقَة:٦-٨].

هذه الآيات بينت العذاب الذي وقع على عاد، وهم قوم هود، حيث أهلكهم الله تعالى هلاكًا ساحقًا بريح شديدة الصوت، شديدة البرد، قاسية شديدة الهبوب، ووصفها بالعاتية: التي عتت عن الطاعة فلم يقدروا على ردها لشدة هبوبها، بل أهلكتهم حيث سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام لا تنقطع ولا تهدأ، وكانت تقتلهم بالحصباء، متتابعات، تحسمهم حسومًا وتفنيهم وتذهبهم موتى كأنهم أعجاز نخل خاوية ساقطة، فلم يبق لهم أثرًا، وذلك العقاب نتيجة تكذيبهم بيوم القيامة، وكفرهم بالله وبرسله وآياته، وفي هذا تخويف لأهل مكة وغيرهم، فهذا هو مصير كل من يسلك طريقهم67.

٤. أخذ قوم لوط:

قال تعالى: ( * ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ*... * ) [الحجر:٥٨- ٧٤ ].

لما كثر فساد قوم لوط عليه السلام وعظم شرهم، أرسل الله الملائكة بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه، ويكذبون لوط عليه السلام حين يعدهم به، ونجى الله لوط وأهله وأمرهم أن يخرجوا من المدينة والناس نيام، فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلًا فنجو، أما قوم لوط فقد أقسم الله أنهم لفي سكرتهم يعمهون في ضلال وغفلة، وأوقع العذاب على قومه وامرأته، فأخذتهم صيحة العذاب وقت شروق الشمس حين كانت العقوبة عليهم أشد، فقلب عليهم مدينتهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل تتبع فيها من شذ من البلد منهم، وفي هذا عبرة وعظة للمتأملين المتفكرين، الذين لهم فكر وروية وفراسة، يفهمون بها ما أريد بذلك، من أن من تجرأ على معاصي الله، خصوصًا هذه الفاحشة العظيمة، وأن الله سيعاقبهم بأشنع العقوبات، كما تجرأوا على أشنع السيئات68.

٥. أخذ قوم نوح:

قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮘﮙ ﮟﮠ ) [غافر:٥].

ذكر الله تعالى في الآيات السابقة لهذه الآية أن القرآن هداية الله للعالمين، ثم أعقبه بذكر المجادلين المعاندين، وبيَن أنه لا يجادل في هذا القرآن بعد وضوح آياته وظهور إعجازه إلا الجاحدون لآيات الله، المعاندون لرسله، فيجب على العاقل ألا يغتر بتصرفهم وتقلبهم في هذه الدنيا ونعيمها، فما هم عليه من النعيم متاع زائل، فالله يمهلهم ولا يهملهم، بل إن أخذه بعد ذلك النعيم أخذ عزيز مقتدر.

وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ووعيد شديد للكفار، فإنما هم صائرون إلى ما صارت إليه أحزاب المكذبين قبلهم؛ كقوم نوح وقوم عاد وثمود وفرعون وأمثالهم، حيث همت كل أمة من الأمم المكذبين أن يقتلوا رسولهم ويبطشوا به وجادلوا رسلهم بالباطل ليزيلوا ويبطلوا به الحق.

فأخذهم الله وأهلكهم بعقاب يستحق العجب والإعجاب، ومع الأخذ في الدنيا فإن عذاب الآخرة ينتظرهم هناك69، فهذا هو حال كل المكذبين بالرسل في كل زمان.

٦. أخذ قوم شعيب:

قال تعالى: ( ) [هود:٩٤].

في الآيات السابقة لهذه الآية ذكر لقصة شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين، كيف أنهم كانوا في ضلال وشرك، يتهالكون على كسب الحطام بأنواع الرذائل، فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بعبادة الله وتوحيده، ونهاهم عن أن يبخسوا الناس أشياءهم في الكيل والميزان، فهم في نعمة كبيرة وسعة، فقد كان يخشى عليهم زوال هذه النعمة، فلم يستجيبوا له بل كانت ردودهم استهزاء به وبدعوته، فهو لا يريد إلا إصلاح نفوسهم، ولكنهم أصروا على ما هم عليه، فأخبرهم أن ينتظروا عذابًا من الله يهلكهم نتيجة كفرهم، ولما جاء أمر الله تعالى نجَى شعيبًا والذين آمنوا معه وذلك رحمة من الله، وأخذت الذين ظلموا الصيحة، فهلكوا وأصبحوا في ديارهم ميتين70.

٧. أخذ قوم موسى :

قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [النساء:١٥٣].

تبيَن هذه الآية أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء مكتوبًا؛ كما جاء موسى بني إسرائيل بالتوراة، قالوا له: إن موسى جاء بالألواح من عند الله، فأتنا بالألواح من عند الله حتى نصدقك، وهذا إنما قالوه على سبيل التعنت والعناد والكفر والإلحاد، فأعلمه الله عز وجل أنهم قد سألوا موسى عليه السلام أكبر من هذا ( ) أي: رؤية منكشفة ( ) أي: صعقوا بطغيانهم وبغيهم، وعتوهم وعنادهم، وعظيم ما سألوا موسى عليه السلام مما ليس لهم أن يسألوا مثله71.

ثانيًا: وسائل أخذ الظالمين والمترفين:

١. أخذ المجرمين والمترفين في الدنيا.


1 انظر:مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٦٢، لسان العرب، ابن منظور، ٣/٤٧٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٣٣٠.

2 انظر:جامع البيان، الطبري ١٥/٤٧٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٩/٩٦.

3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٧، الفروق اللغوية، العسكري، ١/١٣٨، تاج العروس، الزبيدي، ٩/٣٦٣.

4 انظر: صفات الله، علوي بن عبد القادر السَقَاف، ١/٥٣.

5 تفسير الشعراوي، ١٣/٨٠٢١.

6 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ١٨.

7 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢/٦٠١ .

8 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢/٦٠١.

9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٦٨، لسان العرب، ابن منظور، ٣/٤٧٢، القاموس المحيط، الفيروز آبادي، ص٣٣٠.

10 الفروق اللغوية، العسكري، ١/١٣٨.

11 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ١/١٣٨.

12 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١١/٦٨٥، القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٠٦٦.

13 انظر: فتح البيان، القنوجي، ٢/٢٨٣

14 انظر: تكملة المعاجم العربية، رينهارت بيتر آن دُوزِي، ١٠/٣٣٨.

15 انظر:الفروق اللغوية، العسكري، ١/١٣٩.

16 انظر:مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٢٦٢، مختار الصحاح، الرازي، ص ٣٦، لسان العرب، ابن منظور، ٦/٢٦٧.

17 الصحاح، الجوهري، ٣/٩٩٦.

18 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٣٢٧ ، لسان العرب، ابن منظور، ١٠/٥٠٣- ٥٠٨، القاموس المحيط، ص٩٥٨.

19 تكملة المعاجم العربية، رينهارت بيتر آن دُوزِي، ١١/١٩.

20 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروز آبادي، ٥/٣٣٨.

21 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ص٧٦.

22 لوامع الأنوار البهية، السفاريني الحنبلي، ص٢٦٣.

23 انظر: جامع البيان، الطبري، ٥/٣٨٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٣/٢٧٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣/١٩.

24 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قوله عليه السلام: (إن الله لا ينام)، رقم ٢٩٤.

25 العواصم والقواصم، ابن الوزير، ٤/١٣٤.

26 انظر: معارج القبول، حافظ الحكمي، ١/٢٠٨.

27 تقريب التدمرية، ابن عثيمين، ص١٥.

28 انظر:شرح العقيدة السفارينية، ابن عثيمين، ص١٧١.

29 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١ /٥٣٧.

30 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٢/٥٤.

31 انظر:الكشاف، الزمخشري، ٣ /٥٣٢.

32 انظر:تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٨٣.

33 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣ /٢٢٢.

34 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/٣١٦.

35 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٦٥.

36 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٩/١٠٥.

37 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، رقم ٢١٣٥، ٢/٣٣٦.

قال الترمذي: «حديث صحيح».

38 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي، ١/٢٧١.

39 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢/٢٩٢.

40 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ١/٣٠٨.

41 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٦٤.

42 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/١١٧.

43 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦ /٨٦٠.

44 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٥/٣٦٣، الكشف والبيان، الثعلبي، ٥/١٧٤، الوجيز، الواحدي، ص٥٢٤.

45 انظر: الهداية، مكي بن أبي طالب، ٣/١٨٥٠، الوجيز، الواحدي، ١/٣٣٣.

46 التفسير الوسيط، الزحيلي، ١/٤٩٢.

47 انظر: تفسير السمرقندي، ١/١٤٨، النكت والعيون، الماوردي، ١/٢٨٧.

48 أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/٣٠٤.

49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٦٠٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٥٠.

50 انظر: جامع البيان، الطبري، ٤/٢٥٩.

51 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ٥/٤٠١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٠٢.

52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين)، رقم ٧٤٤٩، ٩/١٣٤.

53 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٥٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٥٥.

54 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/٦١٣، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٠/٢٢٧.

55 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/٣٦١.

56 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/٥٢.

57 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)، رقم ٤٦١٣، ٦/٥٢.

58 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري، ١/٦١٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٠١، فتح القدير، الشوكاني، ١/٢٦٤.

59 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/١٤١، زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٥/٢٣٣٨.

60 انظر: جامع البيان، الطبري، ٦/١٣١.

61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره، رقم ٥٢٦٩، ٧/٤٦.

62 انظر: السراج المنير، الشربيني، ١/١٩١، فتح القدير، الشوكاني، ١/٣٥٣.

63 التفسير المنير، الزحيلي، ٣/١٣٤.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، رقم ٥٩٧، ١/١٢٢.

65 انظر:جامع البيان، الطبري، ٦/٢٢٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣/١٧٤.

66 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٧/١٦٦، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٨/٩.

67 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٣٣٤، التفسير المنير، الزحيلي، ٢٩/٨٤.

68 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ٥/٥٣٧.

69 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٣٠٦٦.

70 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٦/١٢٣.

71 انظر: الهداية، مكي بن أبي طالب، ٢/١٥١٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٤٤٦.

72 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٣٩.

73 انظر: النكت والعيون، تفسير الماوردي، ٤/٢٥٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٦١٦.

74 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/٢٥٩.

75 انظر: لطائف الإشارات، القشيري، ٣/٩١.

76 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٤٤٢.

77 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٤٨، معالم التنزيل، البغوي، ٥/٤٢٢.

78 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢.

79 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ١٢/١٠٤.

80 انظر:جامع البيان، الطبري، ٢٢/٤٣٣.

81 الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي، ١٧/٤٦.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودًا)، رقم ٣٣٤٣، ٢/١٠٣٠.

83 جامع البيان ، الطبري، ٢٣/٥٢.

84 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/١٥١.

85 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٢٧/٣٤٥٧.

86 لطائف الإشارات، القشيري، ٣ /٦٢٦.

87 الفواتح الإلهية، النخجواني، ٢ /٤٤١.

88 التفسير المنير، الزحيلي، ٢٩/٩٩.

89 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٢٩/٣٦٧٥.

90 الفواتح الإلهية، النخجواني، ٢/٩٩.

91 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٣/٦٩٣، التفسير المنير، الزحيلي، ٢٩/٢٠٤.

92 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ١٠/٢٧، فتح القدير، الشوكاني، ٥/٣٣٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٨٨٢.

93 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/٤٢٧، أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/٥٧٩.

94 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/١٤٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٤٨١، صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٢٧١.