عناصر الموضوع
الإحصان
أولًا: المعنى اللغوي:
تدور مادة (حصن) في المعاجم اللغوية حول معاني المنع والحفظ والحياطة والحرز والحماية والعناية سواء الحسي منها أو المعنوي، وقد تجتمع هذه المعاني في الشيء الواحد حسيًا ومعنويًا. فكل ما أحرز وحفظ ومنع فهو محصن وكل ما أحرز وحفظ ومنع فهو محصن، ومنها: المرأة والرجل والأمة: وامرأة حصانٌ، بفتح الحاء: عفيفةٌ بينة الحصانة، والحصن بالضم العفة وكذا الإحصان1. وحاصنة الرجل: امرأته؛ والضاد لغة فيه2، والمحصنات: العفائف من النساء.
والأمة: إذا زوجت جاز أن يقال قد أحصنت؛ لأن تزويجها قد أحصنها، وكذلك إذا أعتقت فهي محصنة؛ لأن عتقها قد أعفها. وكذلك إذا أسلمت فإن إسلامها إحصانٌ لها.
وعليه فالمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والحرية والتزويج.
والرجل: ورجلٌ محصنٌ: متزوج3، وحكى ابن الأعرابي: أحصن الرجل تزوج، فهو محصن، بفتح الصاد. رجلٌ محصن: أي عفيف، ومحصن: أحصنته امرأته.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
يختلف تعريفه في الاصطلاح بحسب نوعيه: الإحصان في الرجم، والإحصان في القذف.
إحصان الرجم: الحال التي يستغني بها المكلف عن الوقوع في الزنى وتوجب عليه الرجم فيه.
إحصان القذف: الحال التي تثبت بها عفة المقذوف مع ما يستوجب تحقق الفرية واستحقاق الحد على القاذف4.
وردت مادة (حصن) في القرآن الكريم (١٨) عشرة مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢ |
(ﭑ ﭒ ﭓ) [الأنبياء:٩١] |
الفعل المضارع |
٩ |
(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الأنبياء:٨٠] |
اسم الفاعل |
٤ |
(ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:٢٤] |
اسم المفعول |
٩ |
(ﭒ ﭓ ﭔ) [النساء:٢٤] |
مصدر |
١ |
(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النور:٣٣] |
اسم |
١ |
(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الحشر:٢] |
وجاء الإحصان في القرآن الكريم على أربعة أوجه6:
أحدها: العفة: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) [الأنبياء:٩١]. أي: عفت عن الفاحشة7.
والثاني: الحرية: ومنه قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [النساء:٢٥]. المراد بهن الحرائر8.
والثالث: التزوج: ومنه قوله: (ﭒ ﭓ ﭔ) [النساء:٢٤]. أي: المتزوجات9.
والرابع: الإسلام10: ومنه قوله تعالى: (ﮨ ﮩ) [النساء:٢٥]11.
الزواج:
الزواج لغةً:
(زوج) الزاء والواو والجيم أصلٌ يدل على مقارنة شيءٍ لشيءٍ، من ذلك الزوج زوج المرأة، والمرأة زوج بعلها، وهو الفصيح، ويقال: لفلانٍ زوجان من الحمام، يعني: ذكرًا وأنثى12.
الزواج اصطلاحًا:
هو: عقد يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر وائتناسه به طلبًا للنسل على الوجه المشروع، أو هو: عقد يرد على ملك المتعة قصدًا13، أو هو: عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع14.
الصلة بين الإحصان والزواج:
الزواج هو وسيلة الإحصان المشروعة في الشريعة الإسلامية.
العفة:
العفة لغةً:
قال ابن منظور: «العفة: الكف عما لا يحل ويجمل15.
العفة اصطلاحًا:
قال الراغب: «العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر»16.
الصلة بين الإحصان والعفة:
من لم يستطع الإحصان بالزواج فعليه لزوم العفة.
الزنا:
الزنا لغة:
زنأ في الجبل إذا صعد، والزناء: الضيق والضيق جميعًا، وكل شيءٍ ضيق زناءٌ17، والزنا يمد ويقصر: زنى يزني زنىً، مقصور، وزناءً ممدودٌ، والمرأة تزاني مزاناةً وزناء أي: تباغي18.
الزنا اصطلاحًا:
هو اسم لوطء الرجل امرأةً في فرجها من غير نكاحٍ ولا شبهة نكاحٍ بمطاوعتها. أو هو: إدخال فرجٍ في فرجٍ مشتهًى طبعًا محرمٍ شرعًا19.
الصلة بين الإحصان والزنا:
يختلف عقوبة الزاني المحصن وغيره في الشريعة الإسلامية؛ تغليظًا وتخفيفًا.
قسم العلماء الإحصان إلى نوعين: إحصان الرجم، وإحصان القذف، وقد عرفنا كلًا منهما فيما سبق، والفرق بين إحصان الرجم وإحصان القذف، أن الأول حال للجاني، والثاني حال للمجني عليه.
وعليه فالمحصن في حد الزنى غير المحصن في حد القذف20.
ويترتب على هذا الفرق أنه لا يتحقق حال الإحصان في حد الزنى إلا بوجود النكاح الصحيح، والوطء، والتكليف حال الوطء، كما لا يتحقق حال الإحصان في حد القذف إلا بالعفة عن الزنى، وسنفصل القول عن هذين النوعين من خلال النقاط الآتية:
أولًا: إحصان الرجم:
ذكرنا فيما سبق أن إحصان الرجم يعني الحال التي يستغني بها المكلف عن الوقوع في الزنى وتوجب عليه الرجم فيه، وهذا يعني ما أجمع عليه العلماء أن الرجم لا يكون إلا على من زنى وهو محصن.
ويفسر التعريف السابق لمعنى إحصان الرجم بأن يكون المكلف البالغ الحر العاقل قد جامع في عمره، ولو مرة واحدة، في نكاح صحيح، والرجل والمرأة في هذا سواء، وكذلك المسلم، والكافر، والرشيد، والمحجور عليه لسفه.
وأجمع أهل العلم على أن من زنى، وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج، وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم، وبطلان مذهبهم واضح من النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده21.
وقد روى الشيخان في صحيحيهما: أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب، وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف)22.
قال الشنقيطي رحمه الله: فهذا الحديث الذي اتفق عليه الشيخان، عن الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دليل صريح صحيح على أن الرجم ثابت بآية من كتاب الله، أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها الصحابة، ووعوها، وعقلوها وأن حكمها باق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله والصحابة رضي الله عنهم فعلوه بعده23.
وقد ثبت الرجم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت بقوله، وكذلك بإجماع الصحابة والتابعين فقد ثبت بالروايات الصحيحة التي لا يتطرأ إليها الشك، وبطريق التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد الرجم على بعض الصحابة كماعز، والغامدية، وأن الخلفاء الراشدين من بعده قد أقاموا هذا الحد في عهودهم، وأعلنوا مرارًا أن الرجم هو الحد للزنى بعد الإحصان.
ثم ظل فقهاء الإسلام في كل الأعصار وفي كل الأمصار مجمعين على كونه حكمًا ثابتًا، وسنة متبعة وشريعة إلهية قاطعة، بأدلة متضافرة لا مجال للشك فيها أو الارتياب24.
هذا الرجم الثابت شرطه الإحصان بالمعنى الذي ذكرناه سابقًا، ولما ارتبط هذا المعنى بتلك الحال سمي هذا النوع من الإحصان إحصان الرجم.
وشروط الإحصان أقصد إحصان الرجم، الذي يجب على من توفرت فيه وزنى إقامة الحد، هي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والعقد الصحيح، والوطء المباح الذي لا شبهة فيه، وعبر بعضهم عن الأخيرين بالتزوج بنكاح صحيح، ودخول معتبر25.
وزاد بعضهم: أن لا يبطل إحصانهما بالارتداد، وأن يكون كل واحد من الزوجين مساويًا للآخر في شروط الإحصان، فلو تزوج الحر المسلم البالغ العاقل أمة أو صبية أو مجنونة أو كتابية ثم دخل بها فلا يصير محصنًا، وهو بعيد26.
وقال بعضهم في شرط الإسلام: بل يرجم الكافر لحديث اليهوديين اللذين زنيا بعد الإحصان ورجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم27، وقصة رجمهما مشهورة مع صحتها؛ كما هو معلوم.
ولا يشترط الإحصان في الرقيق، فيقام الحد على من أحصن، ومن لم يحصن منهم، لقول علي رضي الله عنه: (يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ولم يحصن، فإن أمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت)، وفي رواية قال له: اتركها حتى تماثل28.
ثانيًا: إحصان القذف:
وأما إحصان القذف فهو المذكور في قوله تعالى:(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النور:٤-٥].
يخبر الله جل ثناؤه بأن الذين ينتهكون حرمات المؤمنين، فيرمون العفائف الشريفات الطاهرات بالفاحشة، ويتهمونهن بأقدس وأثمن شيء لدى الإنسان فينسبونهن إلى الزنى، ثم لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهداء عدول، يشهدون عليهن بما نسبوا إليهن من الفاحشة فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، لأنهم فسقة كذبة يتهمون الأبرياء، ويحبون إشاعة الفاحشة، وزيدوا لهم في العقوبة بإهدار كرامتهم الإنسانية، فلا تقبلوا شهادة أي واحد منهم ما دام مصرًا على بهتانه، وأولئك عند الله من أسوأ الناس منزلة وأشدهم عذابًا، لأنهم فساق خارجون عن طاعة الله عز وجل، لا يحفظون كرامة مؤمن، ويقعون في أعراض الناس شأن أهل الضلال والنفاق، الذين يسعون لتهديم المجتمع الإسلامي وتقويض بنيانه، وأما إذا تابوا وأنابوا وغيروا سيرتهم وأصلحوا أحوالهم، ورجعوا عن سلوك طريق الغي والضلال فاعفوا عنهم واصفحوا، واقبلوا اعتذارهم، وردوا إليهم اعتبارهم، فإن الله غفور رحيم، يقبل توبة عبده إذا تاب وأناب وأصلح حاله29.
وقد نصت هذه الآية على بيان حكم القاذف للمحصنة، وهي: الحرة البالغة العفيفة، وأنه يترتب على قذفه هذا ثلاثة أمور، وذلك إذا لم يأت بأربعة شهداء يشهدون برؤيتهم الواقعة:
الأول: أن يجلد ثمانين جلدة هو ومن معه إذا لم يتموا أربعة شهداء.
الثاني: أن ترد شهادته أبدًا.
الثالث: أنه فاسق ليس بعدل لا عند الله، ولا عند الناس30.
وإن كانت الآية قد نصت على قذف الذكور للإناث، إلا أن الإجماع منعقد على أن قذف الرجل داخل في الآية بالمعنى، فقذف الذكور للذكور، أو الإناث للإناث، أو الإناث للذكور لا فرق بينه وبين ما نصت عليه الآية، للجزم بنفي الفارق بين الجميع31.
وذكر الله تعالى في الآية النساء لأنهن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع، وأنكر للنفوس32.
وللقذف عند العلماء شروط تسعة:
شرطان في القاذف وهما:
وشرطان في المقذوف به:
وخمسة في المقذوف:
واتفق العلماء على أنه إذا صرح بالزنى كان موجبًا للحد، فإن عرض وكان يفهم منه معنى القذف فهمًا واضحًا من القرائن فإن صاحبه يحد؛ لأن الجناية على عرض المسلم تتحقق بكل ما يفهم منه ذلك فهمًا واضحًا، ولئلا يتذرع بعض الناس لقذف بعضهم بألفاظ التعريض34.
ومن حرص شريعة الإسلام على الستر وعدم إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم، أن الزنى هو الحكم الوحيد الذي يفتقر إلى أربعة شهداء دون سائر الحقوق؛ رحمة من الله بعباده وسترًا لهم35.
ويشترط في الشهود الأربعة على واقعة الزنى أن يكونوا جميعًا رجالًا، ولا شهادة للنساء في الحدود لقوله تعالى: ( ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ) [النساء:١٥]36.
وأن يروا الفرج في الفرج كالمرود37 في المكحلة، وأن تكون رؤيتهم في موطن واحد، وإن اضطرب أحدهم في شهادته جلد الثلاثة الباقين، كما فعل عمر رضي الله عنه في قصة المغيرة، حيث شهد عليه أبو بكرة الثقفي، وأخوه نافع، وشبل بن معبد وزياد بن أبيه بالزنى، فلما استشهدهم عمر اضطرب زياد، فلم يشهد بصراحة الزنى، فجلد عمر الباقين38.
واتفق أهل العلم على أن الاستثناء في قوله تعالى: ( ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ) [النور:٥] لا يرجع على الجلد؛ لأنه قد حصل، واختلفوا هل يرجع الاستثناء على عدم قبول الشهادة والفسق، فإذا تاب قبلت شهادته ورفع عنه الفسق، أم أن الاستثناء يعود على الجملة الأخيرة، فيرفع عنه الفسق، ولكن لا تقبل شهادته أبدًا.
قال بالأول الجمهور، وبالثاني أبو حنيفة، واستدل للجمهور بأن تخصيص التقييد بالجملة الأخيرة دون ما قبلها مع كون الكلام واحدًا في واقعة شرعية من متكلم واحد خلاف ما تقتضيه لغة العرب، وبأن التوبة تجب ما قبلها، والزاني نفسه إذا تاب قبلت توبته.
واستدل من خالفهم بقوله تعالى: ( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ) [النور:٤]، وأن الضمير يعود لأقرب مذكور، والصواب قول الجمهور39.
وحد القذف لا يقام على القاذف إلا إذا طلب المقذوف إقامة الحد عليه؛ لأنه حق له40.
ومن قذف جماعة بكلمة واحدة فعليه حد واحد؛ لأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة والنقص على المقذوفين، فإذا حد حدًا واحدًا ظهر كذب القاذف، وزالت المعرة، وحصل به شفاء الغيظ بحده، أما من رمى جماعة بكلمات، فإنه يتعدد عليه الحد بعدد الكلمات التي قذف بها؛ لأنه قذف كل واحد قذفًا مستقلًا لم يشاركه فيه غيره، ولو حد حدًا واحدًا لم يظهر به كذبه على الثاني، ولا تزول عنه به المعرة41.
الشروط العامة للنكاح تنقسم إلى أقسام نذكرها ملخصة للإفادة، ومظانها في كتب الفقه، وهي تنقسم إلى أربعة أقسام:
لكن الذي يعنينا هنا الشروط الخاصة المنبثقة من آيات نكاح المحصنات من المؤمنات الحرائر والإماء ومن نساء أهل الكتاب وسبايا الجهاد، سنعرض لذلك كله من خلال المطالب الآتية:
أولًا: المحصنات من المؤمنات:
١. شروط نكاح الحرائر.
أما الشروط التي حددها الشرع في جواز زواج المسلم من المسلمة الحرة فهي على النحو التالي:
الشرط الأول: الإحصان.
والمحصنات، أي: العفيفات المحصنات لفروجهن، فوجود العفة في المرأة شرط للزواج منها.
قال الله عز وجل: ( ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [المائدة:٥].
والخَدِين: الخليل الذي يزني بالمرأة تحت أي اسم.
وقال عز وجل: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ) [النور:٣].
فاقتضى هذا أن الزاني لا يطأ إلا مثله من الزواني أو المشركات، كما أنه لا يطأ الزانية أو المشركة إلا زانٍ مثلها أو مشرك، وقد حرم الله الزنى على المؤمنين والمؤمنات، فلا يتزوج زانٍ امرأة عفيفة، إلا بعد أن يتوب إلى الله التوبة النصوح بشروطها المعلومة، ولا يتزوج زانية من عفيف إلا بعد توبتها التوبة النصوح بشروطها المعلومة.
الشرط الثاني: إذن الولي.
والمراد أن يكون النكاح بإذن من له الولاية على المرأة، والأصل فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل)42.
الشرط الثالث: وجوب الصداق للزوجة ما لم تهبه لزوجها.
والأصل في وجوبه قول الله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ) [النساء:٤].
وقوله عز وجل: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ) [النساء:٢٤].
وقوله تعالى: ( ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [الممتحنة:١٠]. يعني: صداقهن.
ويدل بمفهومه أن النكاح بدون الأجور فيه جناح، وأما وقد جاء النص بهذا المفهوم في قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأحزاب:٥٠].
فهبة المرأة نفسها بدون صداق خاص به صلى الله عليه وسلم، فقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) لا يحله لغيره صلى الله عليه وسلم، وقوله: ( ﯯ ﯰ ﯱﯲ )، ظاهر في أن النكاح لا يصح إلا بإتيان الأجور.
وقد جاء ما يدل على صحة العقد بدون إتيان الصداق كما في قوله تعالى ( ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ) [البقرة:٢٣٦].
وقد ذكر الفقهاء حكم المفوضة أنه إن دخل بها فلها صداق المثل، ويدل لإطلاق الأجور على الصداق قوله تعالى في نكاح الإماء لمن لم يستطع طولًا للحرائر: ( ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ) إلى قوله: ( ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [النساء:٢٥]. وفي نكاح أهل الكتاب قال تعالى: ( ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ) [المائدة:٥].
وقوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأحزاب:٥٠].
وبهذا كله يرد على من استدل بلفظ الأجور على نكاح المتعة في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء:٢٤]43.
وأهل السنة والجماعة مجمعون على أن المقصود بالأجور المهور خلافًا للإمامية الذين يستدلون بذلك على جواز زواج المتعة، وهو التفسير الذي نعارضه استنادًا إلى تحريم زواج المتعة عام خيبر وأبيح بعدها، ثم حرم وجدد الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عنه وأكده يوم الفتح ويوم أوطاس وفي حجة الوداع44.
٢. شروط نكاح المملوكات.
أباح الله تعالى نكاح الإماء المملوكات بثلاثة شروط: اثنان منها فى الناكح، والثالث فى المنكوحة.
فأما اللذين في الناكح:
١. عدم القدرة على نكاح الحرة بألا يجد مهر حرة، ولا ثمن أمة.
قال في التحرير: «وكان نكاح الإماء المسلمات مشروطًا بالعجز عن الحرائر المسلمات»45.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ)[النساء:٢٥].
والآية تفيد بمضمونها أنه لا يحل الزواج من الإماء، إلا إذا كان المسلم الحر ليس فى قدرته أن يتزوج امرأة حرة، ومذهب الشافعي أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق، وهو معنى قوله: ( ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النساء:٢٥].
فعدم استطاعة الطَول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة، كما يقول الرجل: لا أستطيع أن أحج إذا كان لا يجد ما يحج به46.
فإن قيل: الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة، فمن أين هذا التفاوت؟
قلنا: كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن، لاشتغالهن بخدمة السادات، وعلى هذا التقدير يظهر هذا التفاوت.
٢. خوف العنت.
وهو المذكور فى آخر الآية وهو قوله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ) [النساء: ٢٥].
أي: بلغ الشدة في العزوبة، أو خوف الزنى، وهذا قول ابن عباس والشعبي وابن جبير ومسروق ومكحول وأحمد ومالك والشافعي، وقد روي عن علي والحسن وابن المسيب ومجاهد والزهري، قالوا: ينكح الأمة وإن كان موسرًا 47.
وأما الشرط الذي في المنكوحة:
أن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة48؛ لقوله: ( ﮏ ﮐ ﮑﮒ ) [النساء:٢٥].
فالقيد الأول مستفاد من قوله: ( ﮏ ﮐ ) أي: من فتيات المسلمين، لا من فتيات غيركم، وهم المخالفون في الدين، والقيد الثاني من وصف الفتيات بالمؤمنات.
أما فائدة القيد الأول فهي أن الولد تابع للأم في الحرية والرق، وحينئذٍ يعلق الولد رقيقًا على ملك الكافر49.
وهو قولٌ جائزٌ، وبه قال طاوس وعمرو بن دينار، وإليه ذهب مالكٌ والشافعي وأحمد، فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين: الرق والكفر، ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق، وحينئذ يعلق الولد رقيقًا على ملك الكافر، فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكًا للكافر50، وما ذكرناه هو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلو ما عداه عن تكلف لا يساعده نظم الآية51.
وأما فائدة القيد الثاني، فالحذر من اجتماع النقصانين الكفر والرق.
وهذا قول مجاهد وسعيد والحسن ومذهب مالك والشافعي، وجوز أصحاب الرأي للحر نكاح الأمة52.
أما أبو حنيفة فإنه يقول بجواز نكاح الأمة ولو كانت كتابية، إن لم يكن عنده زوجة حرة، فإن كان متزوجًا بحرة؛ فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة مطلقًا لا مسلمة ولا كتابية، وإن عقد عليها كان عقده باطلًا.
وقد بنى حكمه هذا على أساس تفسيره للطَول بأنه الزواج بحرة، وعنده أن نكاح الأمة المؤمنة أفضل من الكتابية، فحمل التقييد في الآية على الفضل، لا على الوجوب، قياسًا على جواز نكاح الحرة الكتابية، بالإجماع مع وصف الحرائر أيضًا بالمؤمنات53.
ومعظم علماء الإسلام على أن هذا الوصف جريًا على الغالب، ولعل الذي حملهم على ذلك أن استطاعة نكاح الحرائر الكتابيات طول، إذ لم تكن إباحة نكاحهن مشروطة بالعجز عن الحرائر المسلمات، وكان نكاح الإماء المسلمات مشروطًا بالعجز عن الحرائر المسلمات، فحصل من ذلك أن يكون مشروطًا بالعجز عن الكتابيات أيضًا بقاعدة قياس المساواة. وعلة ذلك أن نكاح الأمة يعرض الأولاد للرق، بخلاف نكاح الكتابية54.
وأما المالكية والشافعية فقد قالوا: الطَول: السعة والقدرة على المهر والنفقة، فمن عجز عن مهر الحرة ونفقتها وهو قادر على الزواج من أمة فإنه يجوز له الزواج بها، ولو كانت عنده زوجة حرة.
نكاح إماء أهل الكتاب:
ويتصل بهذا الشرط مسألة نكاح إماء أهل الكتاب، ففي قوله عز وجل: ( ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[المائدة: ٥].
ذهب مجاهد وأكثر الفقهاء إلى أن الإحصان في هذه الآية بمعنى الحرية وأجازوا نكاح كل حرة، مؤمنة كانت أو كتابية فاجرة كانت أو عفيفة، وحرموا إماء أهل الكتاب أن يتزوجهن المسلم بحال، واستدلوا بقوله تعالى: ( ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء:٢٥].
فشرط في نكاح الإماء الإيمان.
وقال آخرون: إنما عنى الله تعالى بالمحصنات في هذه الآية العفائف من الفريقين إماءً كن أو حرائر، فأجازوا نكاح إماء أهل الكتاب بهذه الآية، وحرموا البغايا من المؤمنات والكتابيات، وهذا قول أبي ميسرة والسدي.
وقال الشعبي: إحصان اليهودية والنصرانية أن تغتسل من الجنابة، وتحصن فرجها55.
وتخصيص جواز نكاح الإماء بالمؤمنات لغير واجد طول الحرة، هو مذهب أهل الحجاز. فلا يجوز له نكاح الأمة الكتابية، وبه قال: الأوزاعي، والليث، ومالك، والشافعي. وذهب العراقيون أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والحسن بن زياد والثوري ومن التابعين الحسن ومجاهد إلى جواز ذلك. ونكاح الأمة المؤمنة أفضل، فحملوه على الفضل لا على الوجوب كما بينا من قبل. واستدلوا على أن الإيمان ليس بشرط بكونه وصف به الحرائر في قوله: ( ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النساء:٢٥].
وليس بشرط فيهن اتفاقًا، لكنه أفضل56.
استدل من أباح نكاح الإماء بلا شرط، ونكاح العبد الحرة، بعموم الآية: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النور:٣٢].
وأنت تعلم أنها لم تبق على العموم، والذي أميل إليه أن الأمر لمطلق الطلب، وأن المراد من الإنكاح المعاونة والتوسط في النكاح، أو التمكين منه، وتوقف صحته في بعض الصور على الولي يعلم من دليل آخر57.
وجوز أبو حنيفة ذلك لعموم قوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء:٣].
وقوله: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ) [النور:٣٢].
وقوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النساء:٢٤].
وقوله: ( ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ) [المائدة: ٥].
والمراد بهذا الإحصان العفة.
والجواب أن آيتنا خاصة، والخاص مقدم على العام؛ ولأنها دخلها التخصيص فيما إذا كان تحته حرة، واتفقوا على أنه لا يجوز وطؤها بملك اليمين58.
ظاهر قوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ)[النساء:٢٥].
يقتضي كون الإيمان معتبرًا من الحرة، فعلى هذا لو قدر على طول حرة كتابية، ولم يقدر على طول أمة مسلمة؛ فإنه يجوز له أن يتزوج بالأمة، وأكثر العلماء على أن ذكر الإيمان ندب في الحرائر، ولا فرق بين الأمة المؤمنة والكتابية في كثرة المؤمنة وقلتها59.
ونلاحظ هنا:
أن التعبير عن الإماء بقوله: ( ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ)[النساء:٢٥].
تكريم لهؤلاء الأرقاء، وإعزاز لإنسانيتهن، وتعليم للمسلمين أن يلتزموا الأدب فى مخاطبتهم لأرقائهم، ولذا ورد فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، ولكن ليقل: فتاي وفتاتي)60.
وقوله تعالى: ( ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ )[النساء:٢٥].
جملة معترضة سيقت بين إباحة النكاح من الإماء المؤمنات وبين صورة العقد عليهن تأنيسًا للقلوب، وإزالة للنفرة عن ناكح الإماء ببيان أن مناط التفاخر إنما هو الإيمان لا التباهي بالأحساب والأنساب61، فقد تكون الأمة أشد أيمانًا وأعظم ديانة من غيرها.
وهذا التشريع الإسلامي ما هو إلا تسهيل من الله ورفعٌ للحرج62 ومن رحمة الله تعالى بعباده وهو إباحة نكاح الإماء عند العجز عن الحرائر لمن خشي الضرر على نفسه.
يصبح المعنى التشريعي بعد هذا البيان السابق: فمن لم يستطع منكم نكاح الحرائر المؤمنات فله أن يتجاوزهن إلى ما يستطيع من المملوكات المؤمنات، والله أعلم بحقيقة إيمانكم وإخلاصكم، ولا تستنكفوا من نكاحهن، فأنتم وهن سواء فى الدين، فتزوجوهن بإذن أصحابهن، وأدوا إليهن مهورهن التي تفرضونها لهن، حسب المعهود بينكم فى حسن التعامل وتوفية الحق، واختاروهن عفيفات، فلا تختاروا زانية معلنة ولا خليلة، فإن أتين الزنى بعد زواجهن فعقوبتهن نصف عقوبة الحرة، وإباحة نكاح المملوكات عند عدم القدرة جائز لمن خاف منكم المشقة المفضية إلى الزنى، وصبركم عن نكاح المملوكات مع العفة خير لكم، والله كثير المغفرة، عظيم الرحمة63.
ثانيًا: المحصنات من أهل الكتاب:
اتفق العلماء على أنه لا يجوز تزويج المسلمة للكافر مطلقًا، وأنه لا يجوز تزويج المسلم للكافرة إلا أن عموم هذه الآيات خصصته آية «المائدة»، فأبانت أن المسلم يجوز له تزوج المحصنة الكتابية خاصة؛ وذلك في قوله تعالى: ( ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ) [المائدة: ٥].
فقوله تعالى عاطفًا على ما يحل للمسلمين: ( ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ) صريح في إباحة تزويج المسلم للمحصنة الكتابية، والظاهر أنها الحرة العفيفة، أي: العفيفات من أهل الكتاب، وهذا قول جمهور العلماء، وبه قال الأئمة الأربعة64.
فالحاصل أن التزويج بين الكفار والمسلمين ممنوع في جميع الصور، إلا صورة واحدة، وهي تزوج الرجل المسلم بالمرأة المحصنة الكتابية، والنصوص الدالة على ذلك قرآنية، كما رأيت.
والمعنى الإجمالي للآية: وأحل لكم أيها المؤمنون نكاح المحصنات، وهن الحرائر من النساء المؤمنات، العفيفات عن الزنى، وكذلك نكاح الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى إذا أعطيتموهن مهورهن، وكنتم أعفاء غير مرتكبين للزنى، ولا متخذي عشيقات، وأمنتم من التأثر بدينهن. ومن يجحد شرائع الإيمان فقد بطل عمله، وهو يوم القيامة من الخاسرين65.
وقوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ) [النور:٣٢].
يدل على لزوم تزويج الأيامى من المملوكين الصالحين، والإماء المملوكات، وظاهر هذا الأمر الوجوب؛ لما تقرر في الأصول66.
وقوله تعالى ( ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ) [الممتحنة:١٠].
أمر المؤمنين بفك عصمة زوجاتهم الكوافر فطلَق عمر بن الخطاب يومئذ زوجتين، وطلَق طلحة بن عبيد الله زوجته أروى بنت ربيعة، وعصم الكوافر عام في كل كافرة، فيشمل الكتابيات لكفرهن باعتقاد الولد لله، كما حققه الشيخ الشنقيطي رحمة الله تعالى، ولكن هذا العموم قد خصص بإباحة الكتابيات في قوله تبارك وتعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المائدة:٥].
أي: الحرائر، وبقيت الحرمة بين المسلم والمشركة بالعقد على التأبيد67.
وفي قوله تعالى: ( ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ) [البينة:١-٤].
ذكر هنا (ﭶ ﭷ ) ثم جاءت (ﭸ) وجاء بعدها ( ﭹ ﭺ ﭻ) مما يشعر بأن وصف الكفر يشمل كلًا من أهل الكتاب والمشركين، كما يشعر مرة أخرى أن المشركين ليسوا من أهل الكتاب، لوجود العطف، وأن أهل الكتاب ليسوا من المشركين.
وهذا المبحث معروف عند المتكلمين وعلماء التفسير، واتفقوا على أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وأن المشركين هم عبدة الأوثان، والكفر يجمع القسمين، وأهل الكتاب مختص باليهود والنصارى، ولكن الخلاف هل الشرك يجمعهما أيضًا أم لا؟
فبين الفريقين عموم وخصوص، عموم في الكفر، وخصوص في أهل الكتاب لليهود والنصارى، وخصوص في المشركين لعبدة الأوثان.
ولكن جاءت آيات تدل على أن مسمى الشرك يشمل أهل الكتاب أيضًا، كما في قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة:٣٠-٣١].
فجعل مقالة كل من اليهود والنصارى إشراكًا، وجاء عن عبد الله بن عمر منع نكاح الكتابية، وقال: وهل كبر إشراكًا من قولها: (ﯿ ﰀ ﰁ)[الكهف:٤].
فهو وإن كان مخالفًا للجمهور في منع الزواج من الكتابيات، إلا أنه اعتبرهن مشركات.
ولهذا الخلاف والاحتمال وقع النزاع في مسمى الشرك هل يشمل أهل الكتاب أم لا؟ مع أننا وجدنا فرقًا في الشرع في معاملة أهل الكتاب، ومعاملة المشركين فأحل ذبائح أهل الكتاب، ولم يحلها من المشركين، وأحل نكاح الكتابيات، ولم يحله من المشركات، كما قال تعالى: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ) [البقرة:٢٢١].
وقوله: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الممتحنة:١٠].
وقال: ( ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ) [الممتحنة:١٠].
بين ما في حق الكتابيات قال: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المائدة:٥].
فكان بينهما مغايرة في الحكم.
وقد جمع الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى بين تلك النصوص في دفع إيهام الاضطراب عند قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [التوبة:٣٠].
مفاده أن الشرك الأكبر المخرج من الملة أنواع وأهل الكتاب متصفون ببعض دون بعض إلى آخر ما أورده رحمه الله68.
ولعل في نفس آية: ( ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) فيها إشارة إلى ما ذكره رحمة الله تعالى من وجهين:
الأول: قوله تعالى: ( ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ) [التوبة:٣٠].
أي: يشابهونهم في مقالتهم وهذا القدر اتصف به المشركون من أنواع الشرك.
الثاني: تذييل الآية التالية بعد حكاية فعلهم الشنيع بصيغة المضارع ( ﯮ ﯯ ﯰ ) [التوبة:٣١].
بينما وصف عبدة الأوثان في سورة البينة بالاسم ( ﭻ ) 69.
وقوله تعالى: ( ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ) [النساء:٢٥].
فظاهره أن الأمة لا يجوز نكاحها، ولو عند الضرورة إلا إذا كانت مؤمنة بدليل قوله: ( ﮏ ﮐ ﮑﮒ )، فمفهوم مخالفته أن غير المؤمنات من الإماء لا يجوز نكاحهن على كل حال، وهذا المفهوم يفهم من مفهوم آية أخرى وهي قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المائدة: ٥].
فإن المراد بالمحصنات فيها الحرائر على أحد الأقوال، ويفهم منه أن الإماء الكوافر لا يحل نكاحهن، ولو كن كتابيات، وخالف الإمام أبو حنيفة رحمه الله فأجاز نكاح الأمة الكافرة، وأجاز نكاح الإماء لمن عنده طول ينكح به الحرائر؛ لأنه لا يعتبر مفهوم المخالفة كما عرف في أصوله رحمه الله70.
ثبوت الشرك في أهل الكتاب مع حل نسائهم:
وأما كون أهل الكتاب فيهم شرك كما ذكره الله فهذا متفق عليه بين المسلمين كما نطق به القرآن، كما أن المسلمين متفقون على أن قوله: ( ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ) [المائدة:٨٢].
أن النصارى لم يدخلوا في لفظ (الذين أشركوا)، كما لم يدخلوا في لفظ (اليهود)71، وإن كان فيهم الشرك للتمييز بينهم وبين مشركي العرب.
إباحة نساء أهل الكتاب متأخر:
إذا قدر أن لفظ «المشركات» و «الكوافر» يعم الكتابيات: فآية المائدة خاصة وهي متأخرة نزلت بعد سورة البقرة والممتحنة باتفاق العلماء، والخاص المتأخر يقضي على العام المتقدم باتفاق علماء المسلمين؛ لكن الجمهور يقولون: إنه مفسر له.
فتبين أن صورة التخصيص لم ترد باللفظ العام. وطائفة يقولون: إن ذلك نسخ بعد أن شرع. وإذا فرضنا النصين خاصين، فأحد النصين حرم ذبائحهم ونكاحهم، والآخر أحلهما. فالنص المحلل لهما هنا يجب تقديمه؛ لأن سورة المائدة هي المتأخرة باتفاق العلماء فتكون ناسخة للنص المتقدم72.
شروط الزواج من الكتابيات:
أما الشروط التي حددها الشرع في جواز زواج المسلم من الكتابية هي نفسها الشروط التي ذكرناها في شروط زواج المسلم من المسلمة الحرة، وهي: الإحصان بمعنى العفة، وإذن الولي، ووجوب المهر.
فشرط الإحصان الأصل فيه قول الله تبارك تعالى في الآية السابقة: ( ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[المائدة:٥].
فوجود العفة في المرأة شرط للزواج منها سواء كانت مسلمة أو كتابية، فالكتب السماوية كلها توجب عفاف المرأة ولا مجال لأي قول خلاف ذلك.
ولابد هنا من وقفة للتأكيد على شرط الإحصان، وإضافة شرط آخر للزواج من الكتابية.
لابد هنا من التأكيد على أن صفة الإحصان التي أباح الله بها للمسلم أن يتزوج الكتابية في قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المائدة:٥].
إذا فقدت؛ فذلك يدل على عدم جواز زواج المسلم بالكتابية التي لا توجد فيها صفة الإحصان، وقد اختلف في صفة الإحصان هذه على قولين:
القول الأول: أن المراد بها العفة، فإذا كانت الكتابية عفيفة لم تقارف الفاحشة جاز نكاحها، وممن فسر الإحصان بالعفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه عندما كتب إليه حذيفة بن اليمان: (أحرام هي- يعني الكتابية - كتب إليه عمر قائلًا: لا، ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن، قال أبو عبيدة: يعني العواهر)73.
وقال مطرف عن الشعبي في قوله تعالى: ( ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المائدة:٥].
قال: (إحصان اليهودية والنصرانية: أن تغتسل من الجنابة وأن تحصن فرجها)74.
وممن قال بذلك: السدي، ومجاهد وسفيان.
القول الثاني: أن المراد بالإحصان هنا الحرية، أي: يجوز نكاح الكتابية الحرة دون الأمة وإن كانت قد أتت بفاحشة إذا تابت منها، بشرط أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر.
وقد رجح هذا القول ابن جرير الطبري، وذكر القائلين به في تفسيره75.
وعلى كلا القولين فإن الكتابية التي في دار الكفر وليست في دار الإسلام يرجح جانب الحذر منها، لما في بيئتها من الفساد الواضح.
وكيف تكون عفيفة من توصم بالعار والأمراض النفسية إذا بلغت سنًا معينًا، ولم تجد من يعيش معها معيشة غير مشروعة، كما يعيش الزوج مع زوجته؟
وكيف لا يخشى من عدم عفة امرأة تختلط بالأجانب في الخلوة كما مضى؟!!!
والحاصل في هذا الزمان: أن من يتزوج من بلدٍ كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانينها، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم، وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير في هذا الباب، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته، وأخذت أولادها بقوة القانون، فينشأ أولاده على الكفر.
وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغبنا بذات الدين من المسلمات، فلو كانت مسلمة توحد الله لكنها ليست ذات دينٍ وخلق فإنه لا يرغب بزواجها؛ لأن الزواج ليس هو الاستمتاع بالجماع فقط؛ بل هو رعاية لحق الله وحق الزوج، وحفظٌ لبيته وعرضه وماله، وتربية لأولاده، فكيف يأمن من يتزوج كتابية على تربية أبنائه وبناته على الدين والطاعة، وهو تاركٌ لهم بين يدي تلك الأم التي تكفر بالله تعالى وتشرك معه آلهة؟
فعلى الإنسان المسلم العاقل أن يتخير لنطفته أين يضعها، وأن ينظر نظرًا مستقبليًا لحال أولاده ودينهم، وألا يعميه عن النظر الواعي شهوةٌ جارفةٌ، أو مصلحةٌ دنيويةٌ عاجلةٌ، أو جمال ظاهري خادع، فإنما الجمال جمال الدين والأخلاق76.
فلابد من إضافة هذا الشرط لشروط نكاح المسلم من الكتابية، لأهميته وخاصة مع فساد أحوال أهل الكتاب من اليهود والنصارى فيه هذا الزمان.
المحصنات من سبايا الجهاد:
السبايا: هن النساء المتزوجات اللواتي يقعن سبايا في ملك المسلمين في حرب يدافعون بها عن الدين، وأزواجهن كفار في دار الكفر، فحينئذ ينحل عقد زواجهن، ويكن حلالًا للمسلمين بالشروط المعروفة في كتب الفقه.
ويقول أبو حنيفة: إن من سبي معها زوجها فلا تحل لغيره، لأنه لا بد من اختلاف الدار بين الزوجين، دار الإسلام ودار الكفر77.
ومذهب مالك أن السبي يهدم النكاح، سواء سبي الزوجان الكافران معًا، أو سبي أحدهما قبل الآخر، وقال ابن المواز: لا يهدم السبي النكاح78.
لذا ورد أن الآية: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ) [النساء:٢٤].
نزلت في سبايا أوطاس، وهي وقعة كانت بعد موقعة حنين، فسبى فيها المسلمون النساء والذراري، فتحرج المؤمنون في غشيان أولئك النسوة، ومنهم المتزوجات، فأذن لهم في غشيانهن بعد أن تسلم إحداهن وتستبرأ بحيضة، أما قبل إسلامها فلا تحل؛ لأنها مشركة79.
إن الاستمتاع بالجارية بالوطء أو مقدماته لا يكون مشروعًا، إلا أن تكون مملوكة للرجل الحر ملكًا تامًا كاملًا، وهي التي ليس له فيها شريك، وليس لأحد فيها شرط أو خيار، ويشترط ألا يكون فيها مانع يقتضي تحريمها عليه، كأن تكون أخته من الرضاعة، أو موطوءة فرعه أو أصله، أو تكون متزوجة، أو أختًا لأمة أخرى يطؤها، أو مشركة غير كتابية. فإذا استوفت ذلك كله جاز له وطؤها بملك اليمين لابعقد الزوجية.
والجارية التي يتخذها سيدها للوطء تسمى سرية، فإذا حبلت من سيدها وأتت بولد، ولو سقط سميت أم ولد، وعتقت بعد موت سيدها.
أما وطء الأمة الكافرة بملك اليمين، فإنها إن كانت كتابية فجمهور العلماء على إباحة وطئها بالملك، لعموم قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المؤمنون:٦].
ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم، وليس في وطئها مع إباحة التزوج بهن نزاع، بل في التزوج بها خلاف مشهور، والقول بجواز التزوج بهن مع المنع من التسري بهن لم يقله أحد ولا يقوله فقيه80.
وقد أجمع العلماء على حل ذلك، ثم إن حل نكاحهن يقتضي حل التسري بهن من طريق الأولى والأحرى، وذلك أن كل من جاز وطؤها بالنكاح جاز وطؤها بملك اليمين بلا نزاع، وأما العكس فقد تنازع فيه العلماء؛ وذلك لأن ملك اليمين أوسع81.
وأما إن كانت الأمة المملوكة له مجوسية، أو عابدة وثن، ممن لا يحل نكاح حرائرهم؛ فجمهور العلماء على منع وطئها بملك اليمين، قال ابن عبد البر: وعليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وما خالفه فهو شذوذ لا يعد خلافًا، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله في تقييده لأضواء البيان: الذي يظهر من جهة الدليل والله تعالى أعلم، جواز وطء الأمة بملك اليمين، وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية؛ لأن أكثر السبايا في عصره صلى الله عليه وسلم من كفار العرب، وهم عبدة أوثان، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن ولو كان حرامًا لبينه، بل قال صلى الله عليه وسلم: (لا توطأ حاملٌ حتى تضع ولا غير ذات حملٍ حتى تحيض حيضةً)82، ولم يقل حتى يسلمن، ولو كان ذلك شرطًا لقاله، وقد أخذ الصحابة سبايا فارس وهن مجوس، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن.
قال ابن القيم: «ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام ويخفى عليهم حكم هذه المسألة، وحصول الإسلام من جميع السبايا، وكن عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهن عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهن إليه جميعًا، فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن»83.
وقد أشار سيد قطب إلى حكمة هذا التشريع عند حتمية وجود سبايا كوافر في المجتمع المسلم، فكيف يصنع بهن؟ إن الفطرة لا تكتفي بأن يأكلن ويشربن، فهناك حاجة فطرية أخرى لا بد لهن من إشباعها وإلا التمسنها في الفاحشة التي تفسد المجتمع كله وتدنسه! ولا يجوز للمسلمين أن ينكحوهن وهن مشركات، لتحريم الارتباط الزوجي بين مسلم ومشركة، فلا يبقى إلا طريق واحد هو إحلال وطئهن بلا نكاح ما دمن مشركات، بعد استبراء أرحام المتزوجات منهن؛ وانقطاع صلتهن بأزواجهن في دار الكفر والحرب»84.
أجمع العلماء على حرمة فعل الجاهلية من إكراه الفتيات على فاحشة الزنى، لقوله تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور:٣٣].
ووجه الدلالة أن النهي صريح في الآية، كما أنها تشمل حكمًا آخر هو أن الله تعالى قد أسقط الإثم عمن أكرهت على الزنى.
ومن هنا اتفق العلماء على أنه لا حد على امرأة مستكرهة؛ وذلك لأنها لم تقصد ولم ترض بالزنى85.
ويترتب على ذلك محو كل الآثار الضارة المترتبة على هذا الإكراه، ومنها الكسب غير المشروع، حيث حرمت الآية الكريمة كسب المال، وتحصيله عن طريق امتهان فاحشة الزنى والترويج لها، نظرًا لما فيها من تضييع للنسل وإفساد للمجتمع، وفي هذا دلالة على أن مصلحة المال متأخرة في الاعتبار والأهمية، عن سائر الكليات الأخرى86.
والآية انتقال إلى نوع من التشريع من شؤون المعاملات بين الرجال والنساء التي لها أثر في الأنساب، ومن شؤون حقوق الموالي والعبيد، وهذا الانتقال لمناسبة ما سبق من حكم الاكتساب المنجر من العبيد لمواليهم وهو الكتابة فانتقل إلى حكم البغاء.
وسبب نزول هذه الآية: أن جاريتين كانتا لعبد الله بن أبي بن سلول المنافق يقال لهما معاذة ومسيكة قد أسلمتا، فأمرهما بالزنى لتكسبا له بفرجيهما، كما هي عادة أهل الجاهلية قبل الإسلام، فشكتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ) [النور:٣٣].
أي: لأجل مال قليل يعرض لكم ويزول عنكم بسرعة87.
وقوله: ( ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ) [النور:٣٣].
أي: لهن رحيم بهن؛ لأن المكره لا إثم عليه فيما يقول ولا فيما يفعل فامتنع المنافق من ذلك88.
والبغاء مصدر: باغت الجارية، إذا تعاطت الزنى بالأجر حرفة لها، فالبغاء الزنى بأجرة، واشتقاق صيغة المفاعلة فيه للمبالغة والتكرير ولذلك لا يقال إلا: باغت الأمة، ولا يقال: بغت، وهو مشتق من البغي بمعنى الطلب؛ لأن سيد الأمة بغى بها كسبًا، وتسمى المرأة المحترفة به بغيًا89.
وقد كانت في المدينة إماء بغايا منهن ست إماء شابات جميلات لعبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق، وهن: معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، وكان يكرههن على البغاء بعد الإسلام طلبًا لكسبهن، وفيه نزلت الآيات الكريمة المتقدمة90.
قال ابن العربي: روى مالك عن الزهري أن رجلًا من أسرى قريش في يوم بدر قد جعل عند عبد الله بن أبي، وكان هذا الأسير يريد معاذة على نفسها، وكانت تمتنع منه؛ لأنها أسلمت، وكان عبد الله بن أبي يضربها على امتناعها منه، رجاء أن تحمل منه - أي: من الأسير القرشي- فيطلب فداء ولده، أي: فداء رقه من ابن أبي، ولعل هذا الأسير كان موسرًا له مال بمكة، وكان الزاني بالأمة يفتدي ولده بمائة من الإبل يدفعها لسيد الأمة، وأنها شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية91.
والبغاء الذي كان منتشرًا في الجاهلية كان على نوعين:
الأول: البغاء في صورة النكاح.
الثاني: البغاء العام في الإماء والحرائر.
أما الأول: فكانت تحترفه بعض الإماء اللواتي لم يكن لهن من يكفلهن، أو الحرائر اللواتي لم يكن لهن بيت، أو أسرة تضمهن، فكانت إحداهن تجلس في بيت، وتتفق في آن واحد مع عدة رجال، على أن ينفقوا عليها، ويقوموا على أمرها ويقضوا منها حاجتهم، فإذا حملت ووضعت أرسل إليهم حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت باسمه، فيلتحق نسبه به، فهذا نوع من البغاء كان يتناكح به أهل الجاهلية.
وقد أثبتت عائشة رضي الله عنها أن الإسلام هدم أنكحة الجاهلية الثلاثة، وأبقى النكاح المعروف، ولكنها لم تعين ضبط زمان ذلك الهدم92.
وأما البغاء العام: فكان معظمه بواسطة الإماء، وربما وقع من بعض الحرائر أيضًا وهو أيضًا على وجهين:
الأول: أن بعض السادة كانوا يفرضون على إمائهم مبلغًا كبيرًا من المال يتقاضونه منهن في كل شهر، فكن يكسبن بالفجور؛ لأنه لا يمكنهن أن يدفعن ما فرضه عليهن سادتهن بحرفة طاهرة، فكن يحترفن البغاء.
والوجه الثاني: أن بعض العرب كانوا يجلسون الفتيات الشابات من إمائهن في الغرفات، وينصبون على أبوابهم رايات، تكون علمًا لمن أراد أن يقضي منهن حاجته، وكانت بيوتهن تسمى المواخير، وكانوا يستدرون من ورائهن المال، فإذا أبت إحداهن أو تعففت عن ممارسة هذه الرذيلة ضربها سيدها وأكرهها على مزاولة الحرفة، حتى لا ينقطع عنه ذلك المورد الخبيث، الذي كان يكسبه المال الوفير.
وكان بمكة تسع بغايا شهيرات يجعلن على بيوتهن رايات مثل رايات البيطار ليعرفهن الرجال، وهن كما ذكر الواحدي: أم مهزول جارية السائب المخزومي، وأم غليظ جارية صفوان بن أمية، وحية القبطية جارية العاصي بن وائل، ومزنة جارية مالك بن عميلة بن السباق، وجلالة جارية سهيل بن عمرة، وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي، وشريفة جارية ربيعة بن أسود. وقرينة أو قريبة جارية هشام بن ربيعة، وقرينة جارية هلال بن أنس.
وقالوا: إن عبد الله بن أبي كان قد أعد معاذة لإكرام ضيوفه، فإذا نزل عليه ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الكرامة له، فأقبلت معاذة إلى أبي بكر فشكت ذلك إليه، فذكر أبو بكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أبا بكر بقبضها فصاح عبد الله بن أبي: من يعذرنا من محمد يغلبنا على مماليكنا، فأنزل الله هذه الآية، أي: وذلك قبل أن يتظاهر عبد الله بن أبي بالإسلام.
قال في التحرير والتنوير: وتقدم أن من البغايا عناق ولعلها هي أم مهزول كما يقتضيه كلام القرطبي في تفسير قوله تعالى: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ )[النور:٣].
ولم أقف على أن واحدة من هؤلاء اللاتي كن بمكة أسلمت وأما اللائي كن بالمدينة فقد أسلمت منهن معاذة ومسيكة وأميمة، ولم أقف على أسماء الثلاث الأخر في الصحابة فلعلهن هلكن قبل أن يسلمن93.
وجميع هذه الآثار متظافرة على أن هذه الآية كان بها تحريم البغاء على المسلمين والمسلمات المالكات أمر أنفسهن94.
ولا ريب أن الخطاب بقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) موجه إلى المسلمين، فإذا كانت قصة أمة ابن أبي حدثت بعد أن أظهر سيدها الإسلام، و كان هو سبب النزول فشمله العموم لا محالة، وإن كانت حدثت قبل أن يظهر الإسلام فهو سبب ولا يشمله الحكم؛ لأنه لم يكن من المسلمين يومئذ، وإنما كان تذمر أمته منه داعيًا لنهي المسلمين عن إكراه فتياتهم على البغاء، وأيًا ما كان فالفتيات مسلمات؛ لأن المشركات لا يخاطبن بفروع الشريعة95.
وقد كان إظهار عبد الله بن أبي الإسلام في أثناء السنة الثانية من الهجرة فإنه تردد زمنًا في الإسلام، ولما رأى قومه دخلوا في الإسلام دخل فيه كارهًا مصرًا على النفاق، ويظهر أن قصة أمته حدثت في مدة صراحة كفره، لما علمت مما روي عن الزهري من قول ابن أبي حين نزلت: من يعذرنا من محمد يغلبنا على مماليكنا، ونزول سورة النور كان في حدود السنة الثانية، فلا شك أن البغاء الذي هو من عمل الجاهلية استمر زمنًا بعد الهجرة بنحو سنة.
ولا شك أن البغاء يمت إلى الزاني بشبه، لما فيه من تعريض الأنساب للاختلاط، وإن كان لا يبلغ مبلغ الزنى في خرم كلية حفظ النسب، من حيث كان الزنى سرًا لا يطلع عليه إلا من اقترفه، وكان البغاء علنًا، وكانوا يرجعون في إلحاق الأبناء الذي تلدهم البغايا بآبائهم إلى إقرار البغي بأن الحمل ممن تعينه. واصطلحوا على الأخذ بذلك في النسب، فكان شبيهًا بالاستلحاق، على أنه قد يكون من البغايا من لا ضبط لها في هذا الشأن، فيفضي الأمر إلى عدم التحاق الولد بأحد.
ولا شك في أن الزنى كان محرمًا تحريمًا شديدًا على المسلم من مبدأ ظهور الإسلام، وكانت عقوبته فرضت في حدود السنة الأولى بعد الهجرة، بنزول سورة النور.
ولا يعقل أن يكون البغاء محرمًا قبل نزول هذه الآية؛ إذ لم يعرف قبلها شيء في الكتاب والسنة يدل على تحريم البغاء؛ ولأنه لو كان كذلك لم يتصور حدوث تلك الحوادث التي كانت سبب نزول الآية؛ إذ لا سبيل للإقدام على محرم بين المسلمين أمثالهم؛ ولذلك فالآية نزلت توطئة لإبطاله كما نزل قوله تعالى: ( ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ) [النساء:٤٣] توطئة لتحريم الخمر البتة، وهو الذي جرى عليه المفسرون مثل: الزمخشري والفخر بظاهر عباراتهم دون صراحة بل بما تأولوا به معاني الآية، إذ تأولوا قوله: (ﮈ ﮉ ﮊ) بأن الشرط لا يراد به عدم النهي عن الإكراه على البغاء، إذا انتفت إرادتهن التحصن، بل كان الشرط خرج مخرج الغالب؛ لأن إرادة التحصن هي غالب أحوال الإماء البغايا المؤمنات؛ إذ كن يحببن التعفف، أو لأن قصة سبب نزول الآية كانت معها إرادة التحصن96.
والداعي إلى ذكر القيد تشنيع حالة البغاء في الإسلام بأنه عن إكراه، وعن منع من التحصن، ففي ذكر القيدين إيماء إلى حكمة تحريمه وفساده وخباثة الاكتساب به.
وذكر ( ﮈ ﮉ ﮊ ) لحالة الإكراه؛ إذ إكراههم إياهن لا يتصور إلا وهن يأبين وغالب الإباء أن يكون عن إرادة التحصن، هذا تأويل الجمهور ورجعوا في الحامل على التأويل إلى حصول إجماع الأمة على حرمة البغاء، سواء كان الإجماع لهذه الآية أو بدليل آخر انعقد الإجماع على مقتضاه، فلا نزاع في أن الإجماع على تحريم البغاء، ولكن النظر في أن تحريمه هل كان بهذه الآية.
أقول: إن ذكر الإكراه جرى على النظر لحال القضية التي كانت سبب النزول.
والذي يظهر من كلام ابن العربي أنه قد نحا بعض العلماء إلى اعتبار الشرط في الآية دليلًا على تحريم الإكراه على البغاء بقيد إرادة الإماء التحصن، فقد تكون الآية توطئة لتحريم البغاء تحريمًا باتًا، فحرم على المسلمين أن يكرهوا إماءهم على البغاء؛ لأن الإماء المسلمات يكرهن ذلك، ولا فائدة لهن فيه، ثم لم يلبث أن حرم تحريمًا مطلقًا، كما دل عليه حديث أبي مسعود الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي)97.
فإن النهي عن أكله يقتضي إبطال البغاء، وقد يكون هذا الاحتمال معضودًا بقوله تعالى بعده: ( ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور:٣٣].
ونقل ابن عاشور عن الأصفهاني: وقيل إنما جاء النهي عن الإكراه، لا عن البغاء؛ لأن حد الزنى نزل بعد هذا، وهذا يقتضي أن صاحب هذا القول يجعل أول السورة نزل بعد هذه الآيات، ولا يعرف هذا، وقوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ) متعلق بتكرهوا أي: لا تكرهوهن لهذه العلة، ذكر هذه العلة لزيادة التبشيع كذكر ( ﮈ ﮉ ﮊ)، و(ﮌ ﮍ ﮎﮏ ) هو الأجر الذي يكتسبه الموالي من إمائهم، وهو ما يسمى بالمهر أيضًا98.
وقوله: ( ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ) فهو صريح في أنه حكم متعلق بالمستقبل؛ لأنه مضارع في حيز الشرط، وهو صريح في أنه عفو عن إكراه.
وأما صورة الإكراه: فإنما يحصل الإكراه متى وجد التخويف بما يقتضي تلف النفس كالتهديد بالقتل، أو بما يوجب تلف عضو من الأعضاء، وأما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة. فحال الإكراه على الزنى كحال الإكراه على الكفر، وقد قال تعالى فيه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[النحل:١٠٦].
وقد ذكر بعض المفسرين أن الله تعالى إنما ذكر إرادة التحصن من المرأة؛ لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يتصور إكراه.
وقال بعضهم: خرج مخرج الأغلب؛ إذ الغالب أن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن.
والمقصود به التقبيح والتشنيع على هذا المنكر الفظيع الذي كان يعمله أهل الجاهلية، حيث كانوا يكرهوا الفتيات على البغاء مع إرادتهن للتعفف99.
قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور:٣٣].
قيل: غفور لهن.
وقيل: غفور لهم.
وقيل: لهن ولهم.
والراجح عفور لهن. وإلى ذلك ذهب البغوي100، القرطبي101، ابن كثير102، البيضاوي، المحلي، الشوكاني، وابن عاشور103، والشنقيطي.
وقال رحمه الله: «وأظهرها أن المعنى غفور لهن؛ لأن المكره لا يؤاخذ بما أكره عليه، بل يغفره الله لعذره بالإكراه، كما يوضحه قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النحل: ١٠٦]. ويؤيده قراءة ابن مسعود، وجابر بن عبدالله، وابن جبير: (فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم)104.
ذكره عنهم القرطبي105.
وذكره الزمخشري106 عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، أن الموعود بالمغفرة والرحمة هو المعذور بالإكراه دون المكره؛ لأنه غير معذور في فعله القبيح، وذلك البيان المذكور بقوله: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ) [النحل: ١٠٦]»107.
قال ابن عاشور: «فلا يخطر بالبال أن الله غفور رحيم لهم - أي المكرهين- بعد أن نهاهم عن الإكراه؛ إذ ليس لمثل هذا التبشير نظير في القرآن، وأما الإماء المكرهات فإن الله غفور رحيم لهن»108.
وبناء على ما تقرر عند علماء الأصول109 من أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، فإن الروايات الواردة في سبب نزول الآية تدل على تعرض بعض الإماء للإكراه على الزنى وشكاتهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم110، وهذا يدل دلالة واضحة على القول الراجح في الآية أن المغفرة لهن 111.
أبرز نموذج ذكره القرآن الكريم هو: مريم عليها السلام، مدحها القرآن بذلك، بل وامتن الله عليها برعايتها وتربيتها منذ نذرتها أمها وهي في بطنها إلى ربها، فأنبتها الله عز وجل نباتًا حسنًا، وهيأها لهذا العمل بإعدادها وتربيتها على حسن العبادة والسجود والركوع والقنوت لله.
قال الله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [آل عمران:٤٢ - ٤٣].
وتكرر فعل (ﮨ)؛ لأن الاصطفاء الأول اصطفاء ذاتي، وهو جعلها منزهة زكية، والثاني بمعنى التفضيل على الغير. فلذلك لم يعد الأول إلى متعلق. وعدي الثاني. ونساء العالمين نساء زمانها، أو نساء سائر الأزمنة. وتكليم الملائكة والاصطفاء يدلان على نبوءتها والنبوءة تكون للنساء دون الرسالة.
وإعادة النداء في قول الملائكة: (ﮯ ﮰ) لقصد الإعجاب بحالها؛ لأن النداء الأول كفى في تحصيل المقصود من إقبالها لسماع كلام الملائكة، فكان النداء الثاني مستعملًا في مجرد التنبيه الذي ينتقل منه إلى لازمه وهو التنويه بهذه الحالة والإعجاب بها112؛ لذا وصوها بالمحافظة على الصلاة بعد أن أخبروها بعلو درجتها وكمال قربها إلى الله تعالى؛ لئلا تفتر ولا تغفل عن العبادة113، قال مجاهد: لما قيل لها: (ﮯ ﮰ ) قامت حتى ورمت قدماها114.
هذا الإعداد الذي أعدها الله وهيأها به لتكون وابنها آية للعالمين (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنبياء:٩١].
نحا بها نحو الكمال البشري، ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد)115.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون)116.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون. وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)117.
وهذا المذكور في الكتاب والسنة إثبات لعفتها وطهارتها ونقائها.
قال ابن عطية: «واختلف الناس في الفرج الذي أحصنت مريم، فقال الجمهور: هو فرج الدرع الذي كان عليها، وأنها كانت صينة، وأن جبريل عليه السلام: نفخ فيها الروح من جيب الدرع، وقال قوم من المتأولين: هو الفرج الجارحة، فلفظة (ﭒ): إذا كان فرج الجارحة متمكنًا حقيقة، والإحصان: صونه، وفيه هي مستعملة، وإذا قدرنا فرج الدرع فلفظ (ﭒ) فيه مستعارة من حيث صانته، ومن حيث صار مسلكًا لولدها وهو مدح بالكناية دلالة على الطهر والنقاء فالثوب المحصن فتحاته أو جيوبه يدل ذلك على نقاء وطهر صاحبه118.
وفي رأيي أن القائلين بالفرج الجارحة هنا على خطأ بيَن، فالقرآن الكريم عند تناوله موضوع الفرج الجارحة يتناوله بطريقة عالية من الأدب الراقي، من حيث استخدامه للرمز ولا يمكن أن يخالف هنا، فيكون الكلام عن نفخ في فرج حقيقي ظاهرًا مكشوفًا.
وما ذهبنا إليه هو ما رجحه في أضواء البيان أن النفخ كان في جيب درعها فوصل إلى جوفها، فصار بسببه حملها عيسى عليه السلام119، وبهذا فسر في الكشاف آية النفخ120.
وأوضح ابن تيمية أن نفخ جبريل في جيب الدرع على أنه الفرج مخالف لصريح القرآن، ورجح أنه نفخ في جيب الدرع فوصلت النفخة إلى فرجها121.
وكذلك قال الله تعالى في حقها: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ) [التحريم:١٢].
فقوله: ( ﯴ ﯵ ﯶ ) فعلى الأرجح أنه نسبها إلى حال أهلها وعائلتها من كونهم من القانتين، فهي من هؤلاء الموصوفين بالقانتين فاقتضى استخدام جمع المذكر تغليبًا، وإشارة على أن عبادتها في نفس مستوى عبادة الرجال عمومًا.
قال أبو السعود في تفسيره: « ( ﯴ ﯵ ﯶ ) أي: من عداد المواظبـين على الطاعة، والتذكير للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم، أو من نسلهم، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليهما السلام»122.
ولما حدثت المعجزة وولدت مريم عيسى عليه السلام، عرض بنو إسرائيل بالقذف، فقالوا: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [مريم:٢٨].
فمدحوا أباها، ونفوا عن أمها البغاء، وعرضوا لمريم بذلك، ولذلك سماه الله بهتانًا.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ) [النساء:١٥٦].
وكفرهم معروف، والبهتان العظيم هو التعريض لها، والمعنى ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيًا، وأنت خلافهما، وقد أتيت بهذا الولد، لذلك أخذ فقهاء المالكية من ذلك أن المعرة إذا حصلت بالتعريض وجب أن يكون قذفًا كالتصريح، والمعول على الفهم123.
والثابت في عقيدة المسلمين في مريم عليها السلام أنها محصنة عفيفة طاهرة مطهرة عذراء، خلق الله ابنها عيسى عليه السلام بكلمة منه، دون أب، والله على كل شيء قدير، فقد خلق آدم عليه السلام دون أب وأم، وقد أراد الله إكرامها بأن تكون مظهر عظيم قدرته في مخالفة السنة البشرية لحصول حمل أنثى دون قربان ذكر، ليرى الناس مثالًا من التكوين الأول كما أشار إليه قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ) [آل عمران:٥٩]124.
وكل معجزة ظهرت من عيسى عليه السلام كما أنها نعمة في حقه، فكذلك هي نعمة في حق أمه؛ لأنها تدل على براءة ساحتها مما نسبوها إليه واتهموها به وحمل مريم ما كان من الرجال كسائر النساء، وإنما كان بروح منه125.
إشاعة الفاحشة ورمي المحصنات له عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة، حيث يقول جل شأنه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ) [النور:١٩].
ويقول: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النور:٢٣-٢٥].
ظاهر النصوص والواضح من منطوق الآيات السابقة أن لحد القذف عقوبتين: عقوبة في الدنيا هي إقامة الحد، وعقوبة في الآخرة هي اللعنة والعذاب العظيم والفضيحة بشهادة أعضائهم عليهم، علاوة على الحسرة والندامة بجديد العلم من أحوال الآخرة الظاهرة وما ينكشف من أمرها عيانًا بيانًا وسنفصل الحديث في هذا من خلال المطلبين التاليين:
أولًا: عاقبته في الدنيا:
قوله تعالى: ( ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [النور: ٤].
أفاد بلفظه ثلاث عقوبات: عقوبة بدنية من إقامة الحد بجلده ثمانين جلدة، وعقوبتان معنويتان بعدم قبول شهادته، والحكم بفسقه.
١. الجلد.
أثبت الله عز وجل عقوبة القاذف ثمانين جلدة، ويتبين لنا من هذه الآية الكريمة أن المراد بالرمي في قوله: ( ﮍ ﮎ)، هو الرمي بالزنى، أو ما يستلزمه كنفي النسب، وأن عموم هذه الآية ظاهر في شموله لزوج المرأة إذا رماها بالزنى، فقوله: (ﮌ) من ألفاظ العموم، وقوله: (ﮎ) من ألفاظ العموم، فدخل فيهما كل قاذف بالزنى126، وكل مقذوفة سواء أكانت زوجةً أم لا، ولذلك لما قذف هلال بن أمية امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك)127، فأجرى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لفظ العموم، وطالبه بالبينة، فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: ( ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ) [النور:٦-٧]. فوقعت الملاعنة بينه وبين امرأته، ونص الحديث أن الآية الأخرى وهي المخصصة نزلت متراخيةً عن اللفظ العام في الآية الأولى، وبين الله جل وعلا فيها أن زوج المرأة إذا قذفها بالزنى خارج من عموم هذه الآية، وأنه إن لم يأت الشهداء، تلاعنا، كما في قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ) [النور: ٦]128.
قال القرطبي: « قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية إنه عامٌ لجميع الناس؛ القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات؛ فدخل في هذا المذكر والمؤنث... إلا أنه غلب المذكر على المؤنث129.
ثم إن الله بين كونهن مؤمنات غافلات لإيضاح صفاتهن الكريمة، وذلك في قوله: ( ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النور:٢٣-٢٥].
ووصفه تعالى للمحصنات في هذه الآية بكونهن غافلان ثناء عليهن بأنهن سليمات الصدور نقيات القلوب لا تخطر الريبة في قلوبهن لحسن سرائرهن، ليس فيهن دهاء ولا مكر؛ لأنهن لم يجربن الأمور فلا يفطن لما تفطن له المجربات ذوات المكر والدهاء، وهذا النوع من سلامة الصدور وصفائها من الريبة من أحسن الثناء، وتطلق العرب على المتصفات به اسم البله مدحًا لها لا ذمًا130.
اتفق العلماء على وجوب الحد بالتصريح بالقذف، واختلفوا في التعريض به، وحاصل حجة من قالوا بأن التعريض بالقذف لا يوجب الحد: أن التعريض محتمل لمعنى آخر غير القذف، وكل كلام يحتمل معنيين لم يكن قذفًا.
وذهب جماعة آخرون من أهل العلم إلى أن التعريض بالقذف يجب به الحد، وهو مذهب مالك وأصحابه. وروى الأثرم وغيره، عن الإمام أحمد أن عليه الحد، يعني المعرض بالقذف، قال: وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه قال إسحاق إلى أن قال: وقال معمر: إن عمر كان يجلد الحد في التعريض.
واحتج أهل هذا القول بأدلة منها ما ذكره القرطبي، قال: والدليل لما قاله مالك: هو أن موضوع الحد في القذف، إنما هو لإزالة المعرة التي أوقعها القاذف بالمقذوف، وإذا حصلت المعرة بالتعريض، وجب أن يكون قذفًا كالتصريح والمعول على الفهم131.
٢. عدم قبول شهادته.
ولما كان رمي المحصنات من أعظم الإثم في النيل من عرضهن، وحيث لم يأتوا بالبينة على رميهم لهن بالشهود، كان الجزاء من جنس العمل؛ ألا تقبل لهم شهادة أبدًا، لا في هذا الجانب ولا في غيره، فالشهادة كل لا يتجزأ.
ذهب الشعبي والضحاك وغيرهم إلى أن المحدود في القذف وإن تاب لا تقبل شهادته132؛ لقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [النور:٤].
واختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا في قبول شهادة القاذف بعد التوبة، يراجع في كتب الفقه وخلاصته: أن المقرر في أصول المالكية، والشافعية والحنابلة أن الاستثناء إذا جاء بعد جمل متعاطفات، أو مفردات متعاطفات، أنه يرجع لجميعها إلا لدليل من نقل أو عقل يخصصه ببعضها133، والله عز وجل أمر بضرب شاهد الزور ثمانين جلدة حدًا على شهادة الزور؛ وأمر أن لا تقبل شهادته؛ وسماه فاسقًا؛ ثم استثنى حال التوبة، والاستثناء في سياق الكلام يرجع إلى أول الكلام وآخره؛ إلا أن يفرق بين ذلك خبر، وقد روي قبول شهادة القاذف، بعد توبته عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن ابن عباس رضي الله عنه، وعن عطاء وطاوس ومجاهد، وسئل الشعبي عن القاذف فقال: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟!134. أما الإمام أبو حنيفة فيقول برجوع الاستثناء للجملة الأخيرة فقط فينتفي عنه الفسق حال التوبة ولا تقبل شهادته على التأبيد135.
٣. الحكم عليه بالفسق.
وشأن الفاسق أن يعتزله الناس وينبذه المجتمع، والمحدود في القذف ليس من أهل الولاية ولا الشهادة عند الحنفية، ففسقه مؤبد عندهم لا ترفعه توبته، وهو بمثابة الفاسق قبل التوبة عند الجمهور، إلا في مسألة واحدة وهي صحة حلفه أيمان القسامة كالعد، وإذا ثبت فسق المرء لم يقبل خبره في أمور الديانة، ولا تقبل فتاواه إن كان عالمًا. ولا تصح في الولايات المالية، كالنظر على الوقف، والوصية، والعمل على الزكاة وخرص الثمار، وكذا الولاية على النفس، وهكذا ولاية القضاء، لا تصح ولايته، وإذا ولي وحكم لم ينفذ حكمه، وعلى الإمام تعيين قاض آخر مكانه؛ يتصفح قضاءه السابق، فما وافق الحق أمضاه، وما جانبه نقضه. أما الولاية الكبرى فلا تصح تولية الفاسق فيها، ولا العهد إليه بها، وشهادة الفاسق مردودة مطلقًا سواء كان فسقه بارتكاب كبيرة، أو ببدعة، وإذا قبل الحاكم شهادته وحكم به لم يصح الحكم، وكل هذا وغيره الكثير مظانه في كتب الفقه.
ثانيًا: عاقبته في الآخرة:
ذكر الله عز وجل عاقبة رمي المحصنات في الآخرة بقوله: ( ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ) [النور:٢٣- ٢٥].
ولم يغلظ الله تعالى في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك ما رميت به عائشة رضي الله عنها فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر، وما ذلك إلا لأمر عظيم136، لم يذكر فيه توبة137، ثم رتب عليه اللعنة في الآخرة وهي الطرد من رحمة الله، حيث يلعنهم اللاعنون من المؤمنين والملائكة أبدًا138.
وفي هذه الآية دليل على كفر من سب، أو اتهم زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بسوء، ولهم مع ذلك عذابٌ عظيم هائل لا يقادر قدره؛ لعظم ما اقترفوه من الجناية، إن لم يتوبوا، فيعذبون139.
واستحقاق هذا العذاب يدل على أن جريمتهم من كبائر الذنوب، بل ومن السبع الموبقات كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)140.
ومن العقوبة في الآخرة تقرير الحساب وما يتم فيه من استنطاق واستجواب141 ومن نوقش الحساب عُذب العذاب العظيم، الذي لا تحيط العبارة بوصفه142. بالإضافة إلى الفضيحة بين يدي الخلائق يوم القيامة والندم والحسرة.
أثر الإحصان على الفرد والمجتمع
لا شك أن للإحصان بشقيه ومعانيه أثرًا على الفرد وعلى المجتمع؛ لأنه مرتبط بالغريزة الجنسية التي هي من أقوى الغرائز وأعنفها، فما لم يكن لها متنفس عن طريق نظيف شريف تمردت وطغت. ونزعت بالإنسان إلى شر منزع143.
ففي إحصان الرجم: جعل الإسلام الزواج هو أقصر طريق لتحصن المسلم وتحقيق العفة وأسلم طريقة لإرواء الغريزة وإشباعها ليهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس عن الصراع، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام، وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله لها، وتحصل بأكمل الجهات وهو النكاح الصحيح فيعتبر حصولها من كامل آيات الله144.
وهذا هو ما أشارت إليه الآية الكريمة: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الروم:٢١].
وبذلك يصلح أفراد المجتمع وينبثق من هذا الصلاح مجتمع قوي متماسك نظيف عفيف.
شرع الله الزواج لحكم سامية، وغايات نبيلة، وفوائد جليلة، ومنافع كثيرة دنيا وأخرى، وهو من هدي القرآن للتي هي أقوم145، وأمر بتيسير أسبابه؛ لأنه هو الطريق السليم للتناسل، وعمران الأرض بالذرية الصالحة. ولم يشأ الله تبارك وتعالى أن يترك الإنسان كغيره من المخلوقات. فيدع غرائز تنطلق دون وعي. ويترك الاتصال بين الذكر والأنثى فوضى لا ضابط له، كما هو الحال عند الحيوان. بل وضع النظام الملائم الذي يحفظ للإنسان كرامته، ويصون له شرفه. فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالًا نظيفًا طاهرًا قائمًا على أساس التراضي والتفاهم. وبهذا وضع للغريزة طريقها المأمون، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة أن تكون دميةً بين أيدي العابثين أو كلًا مباحًا لكل راتع.
ومن جمال التشريع القرآني أن ضبط هذه الغريزة مرتبط بالإيمان؛ إذ الزنا عديل الشرك فى القبح والإيمان قرين العفاف والتحصن146.
مجتمع يقوم على هذا الأساس الأخلاقي والتشريع السامي تنتشر فيه العفة، ويزكو فيه الإحصان وتتماسك لبناته ويستعصي على الاختراق من أعدائه، لذلك جاء التشريع بتيسير أسباب الزواج، وتسهيل طرقه، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، وأمر بإزالة جميع العقبات من وجهه، ولا يجوز أن يكون الفقر عائقًا في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس بالتزويج، وقد تكفل الله عز وجل بإغنائهم إن هم اختاروا طريق العفة النظيف (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النور:٣٢].
ويجب على الأمة أن تعينهم على الزواج، وأن تهيئ لهم أسبابه، وتبذل كل ما لديها من جهودٍ حتى لا يبقى في المجتمع عضو أشل، أو عضو غير نافع147.
وإلى أن تتهيأ للشباب فرصة الزواج، جاء الأمر الإلهي لهم بالاستعفاف عن الحرام حتى يغنيهم الله من فضله (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور:٣٣].
والاستعفاف طلب العفة، والمعنى ليجتهد في العفة وقمع الشهوة، وفي الآية إرشاد للعاجزين عن مبادي النكاح وأسبابه إلى ما هو أولى لهم وأحرى بهم بعد بيان جواز مناكحة الفقراء، والعفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر148.
ومن الكذب والزور ما يقوله بعض أدعياء العلم اليوم من أن الكبت والحرمان يولدان عن الإنسان عقدًا نفسية وأضرارًا جسمية، وأن عليه أن يخفف طغيان الغريزة بالاتصال الجنسي ولو عن طريق البغاء.
إنهم يجعلون الزنى ضرورة اجتماعية لاتقاء الأمراض الجسدية والتخلص من أضرار الكبت والحرمان ويزعمون أن هذا هو الطريق السليم، لمعالجة طغيان الغريزة، وحماية الإنسان من العقد النفسية، التي قد تؤدي به إلى الجنون.
وهذا النهي عن إكراه الفتيات على البغاء - وهن يردن العفة - ابتغاء المال الرخيص، كان جزءًا من خطة القرآن في تطهير البيئة الإسلامية، وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي، ذلك أن وجود البغاء يغري الكثيرين لسهولته ولو لم يجدوه لانصرفوا إلى طلب هذه المتعة في محلها الكريم النظيف149.
أما ما يقال من أن البغاء صمام أمن يحمي البيوت الشريفة؛ لأنه لا سبيل لمواجهة الحاجة الفطرية إلا بهذا العلاج القذر عند تعذر الزواج، أو تهجم الذئاب المسعورة على الأعراض إن لم تجد هذا الكلأ المباح، أو ما يقال باسم الحرية الشخصية، فالتفكير على هذا النحو قلبٌ للأسباب، فالميل الجنسي يجب أن يظل نظيفًا، بريئًا موجهًا إلى إمداد الحياة بالأجيال الصالحة، وعلى الجماعات أن تصلح نظمها الاقتصادية بحيث يكون كل فرد فيها في مستوى يسمح له بالحياة المعقولة وبالزواج، فإن وجدت بعد ذلك حالات شاذة عولجت هذه الحالات علاجًا خاصًا، وبذلك لا يحتاج إلى البغاء وإلى إقامة مقاذر إنسانية يمر بها كل من يريد أن يتخفف من أعباء الجنس فيلقي فيها بالفضلات تحت سمع الجماعة وبصرها150.
إن النظم الاقتصادية هي التي يجب أن تعالج بحيث لا تخرج مثل هذا النتن. ولا يكون فسادها حجةً على ضرورة وجود المقاذر العامة في صور آدمية ذليلة... وهذا يصنعه الإسلام بنظامه المتكامل النظيف، العفيف، الذي يصل الأرض بالسماء ويرفع البشرية إلى الأفق المشرق الوضيء المستمد من نور الله151.
أما المجتمعات التي تنظم بيوت الدعارة باسم الحرية وتحت حماية القانون بشكل فاضح مكشوف، فسرعان ما تنهار وتتفشى فيها الأمراض والأوجاع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم فعملوا بها إلا أصيبوا بالأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)152 .
وهذا من أعلام النبوة153.
أما من حيث العقوبة والتي من خصائصها في الشريعة الإسلامية أنها جوابر وزواجر ففرقت الشريعة الإسلامية بين حد البكر فخفففت العقوبة في الأول فجعلتها مائة جلدة، وغلظت العقوبة في الثاني فجعلتها الرجم بالحجارة حتى الموت، وذلك لأن جريمة الزنى بعد الإحصان التزوج أشد وأغلظ من الزنى المحض في نظر الإسلام فالجريمة التي يرتكبها رجل محصن من امرأة محصنة عن طريق الفاحشة أشنع وأقبح من الجريمة التي يرتكبها مع البكر؛ لأنه قد أفسد نسب غيره ودنس فراشه وسلك لقضاء شهوته طريقًا غير مشروع مع أنه كان متمكنًا من قضائها بطريق مشروع فكانت العقوبة أشد وأغلظ154.
أما إحصان القذف: فصورة الفرد في الإسلام محصن بالإسلام، حريته مقيدة بالشرع ليست حرية حيوانية مطلقة، عف اللسان لا يتطاول على أعراض الناس، محاط بتشريعات تحافظ عليه أولًا من أن ينفلت إلى الهاوية التي يخسر بها الدنيا والآخرة، كما تحافظ على المجتمع الذي يعيش فيه بحيث تصلح البيئة بما يصلح به الفرد، قال الله تعالى ( ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [النور:٤].
ويهدف هذا الحد إلى صون أفراد المجتمع، ووقايتهم من الإساءة إليهم بالقول، وقذفهم بما ليس فيهم من سمات سيئة، أو أفعال فاضحة.
إن تعطيل هذا الحد يعطي الفرصة لضعاف النفوس، ومن تسول لهم أنفسهم قذف الآخرين بالتهم، الأمر الذي يترتب عليه عدم أمن الفرد على عرضه، مما يصيبه بالتوتر وتوقع المكاره. وقد يدفعه هذا إلى الرد بالمثل على من قذفه، فتكون حرب تقاذفية بين أفراد المجتمع، لا يأمن، من جرائها أحد على عرضه، فتتقطع الصلات، ويصل الأمر إلى طلاق الزوجات، وشك الابن في الانتساب إلى أبيه، وشك الأب في نسب الابن إليه. وهكذا، تفقد المودة والرحمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وتتمزق الأسرة وينهدم المجتمع من جراء تهمة بلا بينة155.
وحين يقام الحد ويجلد القاذف على الملأ، ويعرف الناس كذبه وافتراءه، ولا تقبل له شهادة، ويعرف عنه أنه فاسق، فإن خطره سوف ينحسر، فلن يستطيع النيل من الآخرين، وإذا كرر القذف، تكررت العقوبة. كما يكون في إقامة الحد عليه ردع لكل من تسول له نفسه الإساءة إلى سمعة المسلمين أو النيل من أعراضهم156.
ولعل في قصة حديث الإفك، التي تحكي قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الحصان الرزان بنت الصديق رضي الله عنه وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم دليلًا عمليًا، ملموسًا ومحسوسًا، على أن لا أحد محصن ضد ألسنة السوء، ولو كان في طهر أم المؤمنين وعفتها. ولعظم هذه الجريمة، كانت براءة السيدة عائشة من فوق سبع سماوات، قرآنًا يتلى إلى يوم الدين، في قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ) [النور:١١-١٧].وليكن في هذه القصة عبرة، لمن تسول له نفسه الخوض في الأعراض، وصبر واحتساب، لمن يبتلى بهذا البلاء العظيم، فالعرض مداد عزة الإنسان وكرامته157.
موضوعات ذات صلة: |
الزنا، العفة، الفواحش، النكاح |
1 لسان العرب، ابن منظور ١٣/ ١١٩.
2 المغرب في ترتيب المعرب، المطرزي ١/ ٢٠٧
3 لسان العرب، ابن منظور ١٣/ ١٢١
4 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٧/٣٧، التعريفات، الجرجاني ص ٤٠، دستور العلماء، القاضي نكري ١/ ٣٨.
5 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٢٠٦.
6 انظر: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ١/ ٤١٧.
7 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/ ٤٦٩.
8 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/ ٢٣٢.
9 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١/ ٥١٦.
10 انظر: جامع البيان، الطبري، ٨/ ١٩٥.
11 وهو أحد القولين، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس، وغيرهم.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/ ٢٢٨.
12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/ ٣٥.
13 انظر: كنز الدقائق، النسفي ٢/١٧٤ مع شرحه النهر الفائق.
14 انظر: الأحوال الشخصية، أبو زهرة، ص١٧.
15 لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٥٣.
16 المفردات، الراغب الأصفهاني ٢/٤٤٠.
17 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/ ٩١
18 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٢٦ ٣٠ ، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٨٧٥.
19 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/ ١٥٩، التفسير المنير، الزحيلي، ١٨/١٣٢.
20 المطلع على ألفاظ المقنع البعلي ص ٤٥٣.
21 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٧٢.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنى، ٨/ ١٦٨، رقم ٦٨٢٩، ٦٨٣٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى، ٣/ ١٣١٧، رقم ١٦٩١ واللفظ له.
23 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٧٢.
24 تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١ / ٢٩٧.
25 البحر المديد، ابن عجيبة الحسني ٥/٧٣.
26 انظر: روح المعاني، الألوسي١٨/٨٠.
27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد ١ / ٤٤٦، رقم ١٣٢٩، و ٤٥٥٦، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
28 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب تأخير الحد عن النفساء، ٣ / ١٣٣٠ ١٧٠٥، وانظر: روح المعاني ١٨/٨٢. وتفسير سورة النور ١/١٤.
29 تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١ / ٣١٦.
30 انظر: تفسير سورة النور، ابن تيمية ص ٣٧، ٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٤.
31 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٨٩.
32 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٧٢.
33 انظر: المصدر السابق نفسه.
34 انظر: المصدر السابق ١٢/١٧٣- ١٧٤، أضواء البيان ٦/٩٤- ٩٩.
35 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٧٦.
36 انظر: روح المعاني، الألوسي١٨/١٠٨
37 المرود: هو الميل الذي يوضع في المكحلة. انظر: عون المعبود على سنن أبي داود لشمس الحق العظيم آبادي ١٢/٧٢.
38 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٨٤ و ١٢/١٧٨.
39 انظر: تفصيل المسألة في: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٧٨- ١٧٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٤- ٤٢٥، فتح القدير، الشوكاني٤/١٣، ١٤، أضواء البيان، الشنقيطي٦/٨٩- ٩٢.
40 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/١٠١.
41 انظر: المصدر السابق ٦/١٠٤- ١٠٧.
42 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ١ / ٦٣٤ رقم: ٢٠٨٣.
قال الألباني: صحيح.
43 أضواء البيان، الشنقيطي ٨ /١٠١- ١٠٢.
44 شرح النووي على صحيح مسلم ٩/١٨٠.
45 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٤٦١.
46 غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٣٩٤.
47 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٨- ٥٩.
48 لباب التأويل، الخازن ١/ ٥١١.
49 غرائب القرآن، النيسابوري ٢ / ٤٧٧.
50 مفاتيح الغيب، الرازي ١/ ١٤٢٤.
51 محاسن التأويل، القاسمي ٥/٢٦٣ .
52 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٦/ ٣١٩.
53 غرائب القرآن، النيسابوري ٢ / ٤٧٨.
54 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣ /٤٦١.
55 الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٢٢.
56 البحر المحيط، أبو حيان، ٣ / ٢٢٩.
57 روح المعاني، الألوسي ١٨ / ١٤٨.
58 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٦ / ٣١٩.
59 المصدر السابق ٦ / ٣٢٠.
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب التطاول على الرقيق، ٢/٩٠١، رقم ٢٤١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب حكم إطلاق لفظ العبد والأمة ٢ / ٩٠١، رقم ٢٢٤٩، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
61 الوسيط، سيد طنطاوي، ١ / ٩١٦.
62 تيسير التفسير تفسير القطان ١ / ٢٨٣.
63 المنتخب في تفسير القرآن، لجنة من علماء الأزهر ١ / ١٣٣.
64 تفسير آيات الأحكام ١ / ١٢٥.
65 التفسير الميسر، نخبة من علماء الأزهر ٢ / ١٧٩.
66 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/ ٥٢٩.
67 المصدر السابق ٨/١٠٠.
68 انظر: دفع إيهام الاضطراب، الشنقيطي ص ١٥٩- ١٦٠.
69 انظر: تتمة أضواء البيان، عطية سالم ٩ /٣٩- ٤٠.
70 أضواء البيان، الشنقيطي ١ / ٢٣٨.
71 مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٣٢، الجواب الصحيح، ابن تيمية ٣/١١٦.
72 مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٣٥/٢١٥.
73 أخرجه الطبري في تفسيره، ٣/٧١٦، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب النكاح، باب ما جاء في تحريم حرائر أهل الكتاب، ٧/١٧٢.
قال ابن كثير في تفسيره ١/٥٠٧: «وهذا إسناد صحيح».
74 أحكام القرآن، الجصاص ٢ / ٣٢٤.
75 جامع البيان، الطبري ٦ / ١٠٧- ١٠٨.
76 راجع في ذلك: حكم زواج المسلم المغترب من الكتابيات، فضل الله ممتاز، موقع الملتقى الفقهي، السبت ٢٩ محرم ١٤٣٦، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤.
77 أيسر التفاسير، أسعد حومد ١ / ٥١٧.
78 التسهيل، ابن جزي ١ / ٢٤٦.
79 الدر المنثور، السيوطي ٢ / ٤٧٨.
80 مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٣٢/١٨٣.
81 المصدر السابق ٣٢/١٨٤.
82 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في وطء السبايا، ٢/٢١٣، رقم ٢١٥٩، من حديث أبي سعيد الخدري.
وصححه الألباني.
83 زاد المعاد، ٥/١٢١-١٢٠.
84 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢ / ٨٦.
85 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٨٣.
86 معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية ١٨٦/٤.
87 انظر: أسباب النزول، الواحدي ١/٢٢٠.
88 أيسر التفاسير، الجزائري ٣ / ٥٧٠.
89 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٧٧.
90 تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١ / ٣٩٢.
91 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ /٣٥١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠ / ٥٥.
92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ٥/١٩٧٠، رقم ٤٨٣٤.
93 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٥٦.
94 المصدر السابق.
95 السابق ١٨/١٧٩.
96 السابق ١٨/١٨٠.
97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب ثمن الكلب، ٥/٤٩٥، رقم ٢٢٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي، ٣/١١٩٨، رقم ١٥٦٧، ولفظه: (نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن).
98 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٨١.
99 تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٩١.
100 مختصر البغوي ٢/٦٤٣.
101 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٥٥.
102 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٨٩.
103 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٦٣، تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٢٩٥، فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨ /١٨١، ١٨٢.
104 وقد قدم الشنقيطي في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنه لا يبين القرآن بقراءة شاذة، وربما ذكر القراءة الشاذة استشهادًا لقراءة سبعية كما هنا، انظر: مقدمة أضواء البيان، الشنقيطي ١/٥.
105 الجامع لأحكام القرآن ١٢/٢٥٥.
106 الكشاف، الزمخشري ٣/٢٣٣.
107 أضواء البيان، ٦/٢١٩.
108 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٨١-١٨٢.
109 انظر: البحر المحيط، الزركشي ٣/٢١٦، شرح مختصر الروضة، الطوفي ٢/٥٠٥.
110 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١٠٣، أسباب النزول، الواحدي ص٣٢٨، لباب النقول، السيوطي ص ٢٩٣.
111 انظر: ترجيحات الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان ١/٤٧.
112 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣ / ١٧٤.
113 جامع لطائف التفسير ١٣ / ١٥٦.
114 توفيق الرحمن، فيصل آل مبارك ١ / ٣٦١.
115 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك) ٨ / ٥٣٨، رقم ٣٤٣٢، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة، ٧/١٣٢، رقم ٦٤٢٤.
116 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب فضل خديجة رضي الله عنها، رقم ٣٨٧٨.
وصححه الألباني.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه)، ٣/ ١٢٦٦، رقم ٣٢٥٠.
118 المحرر الوجيز، ٥/٣٠٩.
119 أضواء البيان ٣/٣٩٠
120 الكشاف، الزمخشري ٣/ ١٣٤.
121 مجموع فتاوى، ابن تيمية ٥/ ٢٦٧.
122 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٢٧٠.
123 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٧٣.
124 التحرير والتنوير ١٧/١٠٠.
125 روح البيان، إسماعيل حقي ٢/٣٦٧.
126 أيسر التفاسير، أسعد حومد ١ / ٢٦٧٥.
127 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة ٢/٩٤٩، رقم ٤٧٤٧، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
128 أضواء البيان، الشنقيطي ٥ / ٤٢٩.
129 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/ ٢١٠.
130 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٥ / ٤٣٠.
131 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢ / ١٧٣ .
132 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٤؛ فتح القدير، الشوكاني ٤/١٣.
133 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي٥ / ٤٣١.
134 الأم، الإمام الشافعي ٢/١٣٥.
135 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٤٣١.
136 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٩٨.
137 أخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني، باب ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس أنه قرأ سورة النور ففسرها فلما أتى على هذه الآية: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات قال: هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة، ثم قرأ: إن الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء إلى قوله: إلا الذين تابوا ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توبة، ثم تلا هذه الآية: لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم. فهمَ بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبل رأسه لحسن ما فسر.
انظر: الدر المنثور، ٦ / ١٦٥ التسهيل لعلوم التنزيل ابن جزي ٢/٢٥٤.
138 التفسير الميسر، نخبة من علماء الأزهر ٦/٢٢٧.
139 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٩٨.
140 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رمي المحصنات، ٧/١٦٢، رقم ٢٧٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، ١/٦٤، رقم ٢٧٢.
141 أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٥٦١.
142 الوسيط، سيد طنطاوي ١/ ٦٣.
143 روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٩٣.
144 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٥ / ١٤٧.
145 انظر: الأنوار الساطعات لآيات جامعات، السلمان ٣ / ٢٦.
146 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/١٣٤.
147 روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٩٣.
148 روح البيان، إسماعيل حقي ٦ / ١٠٦.
149 انظر: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٩٤.
150 انظر: المصدر السابق.
151 انظر: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٩٤.
152 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب العقوبات، ٢ / ١٣٣٢، رقم ٤٠١٩.
وحسنه الألباني.
153 انظر: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٩٣.
154 المصدر السابق ١/٢٩٦.
155 انظر: الأثر النفسي لتطبيق الحدود الشرعية، مجموعة من الباحثين، ص ٢٤١، ضمن موسوعة مقاتل من الصحراء.
156 المصدر السابق.
157 المصدر السابق.