عناصر الموضوع
الإحسان
أولًا: المعنى اللغوي:
الإحسان لغة: مصدر حسن، والحسن: ضد القبح ونقيضه، والإحسان: ضد الإساءة3، قال ابن فارس: «(حسن) الحاء والسين والنون أصل واحد، فالحسن ضد القبح، يقال: رجل حسن وامرأة حسناء وحسانة، والمحاسن من الإنسان وغيره: ضد المساوي»4. وهو مصدر أحسن يحسن إحسانًا، ويتعدى بنفسه، أو بغيره، تقول: أحسنت كذا، إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان، إذا أوصلت إليه النفع5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
قال الراغب: الإحسان يقال على وجهين:
أحدهما: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان.
والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا عَلِمَ عِلْمًا حسنًا، أو عمل عملًا حسنًا»6.
وقال ابن العربي: «الإحسان مأخوذ من الحسن، وهو كل ما مدح فاعله»7.
وعرف الإمام القرطبي الإحسان بأنه: «إتقان العبادة ومراعاتها بأدائها المصححة والمكملة، ومراقبة الحق فيها، واستحضار عظمته وجلاله حالة الشروع، وحالة الاستمرار»8.
وردت مادة (حسن) في القرآن (١٩٤) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٠٨) مرات9.
والصيغ التي وردت عليها هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٧ |
(ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأنعام:١٥٤] |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [النساء:١٢٨] |
فعل الأمر |
٢ |
(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [القصص:٧٧] |
أفضل التفضيل |
٣٦ |
(ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [النساء:٥٩] |
المصدر |
١٢ |
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة:٢٢٩] |
اسم الفاعل |
٣٩ |
(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [البقرة:١١٢] |
وجاء الإحسان في الاستعمال القرآني بمعنى: إجادة العمل وإتقانه وإخلاصه، وهو ضد الإساءة. ويأتي متعديًا بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، و في كذا، إذا حسنته وكملته، ومتعديًا بحرف جر، كقولك: أحسنت إلى كذا، أي: أوصلت إليه ما ينتفع به 10.
الإفضال:
الإفضال لغةً:
هو: الإحسان، يقال: ورجل مفضال وامرأة مفضالة على قومها إذا كانت ذات فضل سمحة، وأفضل عليه وتفضل بمعنى11، قال ابن فارس: «(فضل) الفاء والضاد واللام أصل صحيح يدل على زيادة في شيء، من ذلك الفضل: الزيادة والخير12.
الإفضال اصطلاحًا:
يستعمل لمطلق النفع13.
وقد وردت آيات في كتاب الله تعالى تدل على أن الإفضال هو الإحسان
منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران: ١٧٤]
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [النساء: ٧٣].
فالمراد به بالفضل في الآيتين: الإحسان من الله بالعافية والسلامة والغنيمة (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) يعني: «والله ذو إحسان وطول عليهم بصرف عدوهم الذي كانوا قد هموا بالكرة إليهم، وغير ذلك من أياديه عندهم وعلى غيرهم بنعمه عظيم عند من أنعم به عليه من خلقه»14.
الصلة بين الإحسان والإفضال:
أن في كليهما نفعًا للغير لكن الإحسان لفظ عام؛ لأن فيه معنى الإتقان والإحكام، وفيه معنى الإحسان من العبد مع الله تعالى.
الامتنان:
الامتنان لغةً:
الامتنان لغة: الإحسان والإنعام، من عليه يمن مَنًا: أحسن وأنعم، والاسم المنة، والمن القطع، ويقال النقص15.
الامتنان اصطلاحًا:
إحسان المحسن غير معتد بالإحسان، وفي أسماء الله تعالى: الحنان المنان، أي: الذي ينعم غير فاخر بالإنعام16، قال ابن الأثير: «هو المنعم المعطي من المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه»17.
الصلة بين الإحسان والامتنان:
أن الامتنان هو الإحسان والإنعام وأن الإحسان أعم منه.
الإنعام:
الإنعام لغةً:
من النعمة، بالفتح، وهي المسرة والفرح والترفه، ومعنى قولهم: أنعمت على فلان، أي: أصرت إليه نعمة18، والنعيم والنعمى والنعماء والنعمة، كله: الخفض والدعة والمال، وهو ضد البأساء والبؤسى. والتنعم: الترفه، والاسم النعمة، ونعم الرجل ينعم نعمة، والنعمة: اليد البيضاء الصالحة والصنيعة والمنة وما أنعم به عليك، ونعمة الله، بكسر النون: ما أعطاه الله العبد مما لا يمكن غيره أن يعطيه إياه؛ كالسمع والبصر19.
الإنعام اصطلاحًا:
إيصال النعمة والإحسان إلى الغير20.
الصلة بين الإحسان والإنعام:
أن الإنعام لا يكون إلا من المنعم على غيره؛ لأنه متضمن بالشكر الذي يجب وجوب الدين، ويجوز إحسان الإنسان إلى نفسه، تقول لمن يتعلم العلم: إنه يحسن إلى نفسه، ولا تقول: منعم على نفسه، والإحسان متضمن بالحمد ويجوز الحامد لنفسه21.
الإكرام:
الإكرام لغةً:
الإكرام والتكريم لغة هو: أن يوصل إلى الإنسان بنفع لا تلحقه فيه غضاضة، أو يوصل إليه بشيء شريف22.
الإكرام اصطلاحًا:
الإكرام والتكريم اصطلاحا هو: التفضيل والاحترام23، ومنه قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الإسراء: ٧٠].
وفي الإكرام المذكور في الآية أقوال: روي عن ابن عباس أنه قال: هو أكلهم باليد، وسائر الحيوانات يأكلون بأفواههم، وقيل: امتداد القامة وانتصابها، والدواب منكبة على وجوهها، وقيل: بالعقل والتمييز، وقيل: بأن سخر جميع الأشياء لهم، وقيل: بأن جعل فيهم خير أمة أخرجت للناس، وقيل: بالخط والقلم24.
الصلة بين الإحسان والإكرام:
أن الإكرام هو الإحسان مع التفضيل والتشريف.
إن الإحسان في حق الله تعالى يتمثل في كون الإحسان صفة من صفات الله تعالى، وفي إحسان الله تعالى الخلق، وفي إحسان الله تعالى في الرزق، وفي إحسان الله تعالى في الحكم، وفي إحسان الله تعالى في الأجر والثواب، وبيان ذلك في المطالب الآتية:
أولًا: الإحسان من صفات الله تعالى:
إن الإحسان صفة من صفات الله عز وجل الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، والإحسان في حق الله تعالى يأتي بمعنيين:
الدليل من القرآن الكريم:
الدليل من السنة النبوية:
والمحسن من أسماء الله تعالى، ومعناه: «إن المحسن مشتق من أحسن يحسن إحسانًا، ومعناه: أن الإحسان وصف لازم له لا يخلو موجود من إحسانه طرفة عين، فلا بد لكل مكون من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، والله جل وعلا يحب من خلقه أن يتقربوا إليه بمقتضى معاني أسمائه، فهو الرحمن يحب الرحماء، وهو الكريم يحب الكرماء، وهو المحسن يحب المحسنين» 29.
وبعبارة أخرى: فإن المحسن في صفات الله معناه: المنعم المتفضل الذي أحسن للناس عقيدة ودينًا وأحسن لهم خلقًا ورزقًا وأحسن لهم مثوبة وأجرًا كرمًا منه وتفضلًا، وبهذا يتبين أن اسم الله المحسن من صفات الذات الثابتة بالسنة النبوية.
ومن خلال الأدلة السابقة يتبين أن الإحسان من صفات الله الفعلية الثابتة بالقرآن والسنة، والصفات الفعلية هي: التي تتعلق بالمشيئة والقدرة، ومنها: الخلق - الرزق الإحسان العدل، وضابط: الصفات الفعلية أنها هي التي تنفك عن الذات، على معنى أن الله إذا شاء لم يفعلها، وأن الصفات الذاتية لا تنفك عن الذات، أما الصفات الفعلية يمكن أن تنفك عن الذات، ولكن مع ذلك فإن كلا النوعين يجتمعان في أنهما صفات لله تعالى أزلًا وأبدًا لم يزل ولا يزال متصفًا بهما ماضيًا ومستقبلًاP لائقان بجلال الله عز وجل30.
ثانيًا: الإحسان في الخلق:
إن الله تعالى أحسن في الخلق بصفة عامة، قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [السجدة: ٧].
والإحسان في الخلق معناه: أتقن كل شيء وأحكمه، هو مثل قوله تعالى: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [طه: ٥٠].
فلم يجعل خلق البهائم في خلق الناس، ولا خلق الناس في خلق البهائم ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرًا، قال مجاهد (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ): أعطى كل شيء خلقه، قال: الإنسان إلى الإنسان، والفرس للفرس، والحمار للحمار31.
يقول تعالى مخبرًا: إنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها، وقال مالك عن زيد بن أسلم (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) قال: أحسن خلق كل شيء، كأنه جعله من المقدم والمؤخر32.
أما الإحسان في خلق الإنسان على وجه الخصوص، فقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [التغابن: ٣].
يقول: ومثلكم فأحسن مثلكم، وقيل: أنه عني بذلك تصويره آدم، وخلقه إياه بيده33.
قال القرطبي: «( ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ) يعني: آدم عليه السلام، خلقه بيده كرامة، له، قاله مقاتل، الثاني: جميع الخلائق، معنى التصوير: أنه التخطيط والتشكيل. فإن قيل: كيف أحسن صورهم؟ قيل له: جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومن حسن صورته أنه خلق منتصبًا غير منكب، كما قال عز وجل: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التين: ٤]»34.
والمعنى: (ﭶ ﭷ ﭸ) أي: أحسن أشكالكم، كقوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الانفطار: ٦-٨].
وكقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [غافر: ٦٤]35.
وقوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التين: ٤].
قال الإمام ابن جرير: «ومعناه: في أعدل خلق، وأحسن صورة، قال ذلك ابن عباس، وقال آخرون: بل معنى ذلك: لقد خلقنا الإنسان، فبلغنا به استواء شبابه وجلده وقوته، وهو أحسن ما يكون، وأعدل ما يكون وأقومه، وقال آخرون: قيل ذلك لأنه ليس شيء من الحيوان إلا وهو منكب على وجهه غير الإنسان. قال ذلك عن ابن عباس: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) قال: خلق كل شيء منكبًا على وجهه، إلا الإنسان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: إن معنى ذلك: لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها»36.
ولهذا أنكر الله تعالى على من يدعو من لا يخلق فضلًا عن أن يكون محسنًا في الخلق، قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الصافات: ١٢٥].
والمعنى: (ﯪ) أتعبدون (ﯫ) هو علم لصنم كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعًا وله أربعة أوجه، فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياء، وكان موضعه يقال له: بك، فركب وصار بعلبك، وهو من بلاد الشأم، (ﯬ ﯭ ﯮ) وتتركون عبادة الله الذي هو أحسن المقدرين37.
ثالثًا: الإحسان في الرزق:
إن الله سبحانه وتعالى أحسن في الرزق كما أحسن في الخلق.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [هود: ٨٨].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الأوثان والأصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)، يعني: حلالًا طيبًا»38.
قال الماوردي: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) فيه تأويلان: أحدهما: أنه المال الحلال، قاله الضحاك، قال ابن عباس، وكان شعيب كثير المال، الثاني: أنه النبوة، ذكره ابن عيسى39، قال الإمام ابن كثير: «قيل أراد النبوة وقيل أراد الرزق الحلال ويحتمل الأمرين»40.
وقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النحل: ٦٧].
فقد رزق الله تعالى من ثمرات النخيل والأعناب، الرزق الحسن، وهو يؤكل من الأعناب والتمور41، قال ابن عباس: (ﭽ ﭾ) فهو الحلال من الخل والزبيب والنبيذ وأشباه ذلك، فأقره الله وجعله حلالًا للمسلمين42.
قال الماوردي: «قوله عز وجل: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ).
فيها أربعة تأويلات:
أحدها: أن السكر: الخمر، والرزق الحسن: التمر والرطب والزبيب، وأنزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر، ثم حرمت من بعد، قال ابن عباس: السكر: ما حرم من شرابه، والرزق الحسن: ما حل من ثمرته، وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير: والسكر: الخمر، والنبيذ المسكر.
واختلف من قال بهذا هل خرج مخرج الإباحة أو مخرج الخبر على وجهين:
أحدهما: أنه خرج مخرج الإباحة ثم نسخ، قاله قتادة.
الثاني: أنه خرج مخرج الخبر أنهم يتخذون ذلك وإن لم يحل، قاله ابن عباس.
الثاني: أن السكر: النبيذ المسكر، والرزق الحسن: التمر والزبيب، قاله الشعبي والسدي، وجعلها أهل العراق دليلًا على إباحة النبيذ.
الثالث: أن السكر: الخل بلغة الحبشة، الرزق الحسن: الطعام.
الرابع: أن السكر: ما طعم من الطعام، وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، وبه قال أبو جعفر الطبري»43.
وإحسان الله تعالى في الرزق لا يقتصر على الدنيا، بل ذلك يشمل أيضًا الآخرة.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الحج: ٥٨].
وقوله تعالى: ( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الطلاق: ١١] أي: رزقهم الله الجنة التي لا ينقطع نعيمها، ولا يزول44.
ويعني بالرزق: ما رزقهم فيها من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعد لأوليائه فيها، فطيبه لهم45.
رابعًا: الإحسان في الحكم:
بين الله تعالى أنه أحسن الحاكمين، قال تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المائدة: ٥٠].
قال تعالى موبخًا اليهود الذين أبوا قبول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ولهم من اليهود، ومستجهلًا فعلهم ذلك منهم، ومن هذا الذي هو أحسن حكمًا، أيها اليهود، من الله تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانية الله، ويقر بربوبيته؟ يقول تعالى ذكره: أي حكم أحسن من حكم الله، إن كنتم موقنين أن لكم ربًا، وكنتم أهل توحيد وإقرار به؟46.
والمعنى: أن الجاهلية كانوا يجعلون حكم الشريف خلاف حكم الوضيع، وكانت اليهود تقيم الحدود على الضعفاء الفقراء، ولا يقيمونها على الأقوياء الأغنياء، فضارعوا الجاهلية في هذا الفعل47.
وفي الآية ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.
قال تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ) أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون، (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به، وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء48.
وبمعنى قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المائدة: ٥٠].
وردت آيات في كتاب الله تعالى، منها: قوله تعالى: ( ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأنعام: ٥٧].
وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٨٧].
وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يونس: ١٠٩].
(ﮐ ﮑ ﮒ)، أي: أن الله خير من يفصل وأعدل من يقضي؛ لأنه لا يقع في حكمه ميل إلى أحد، ولا محاباة لأحد49، يعني: أنه حاكم منزه عن الجور والميل والحيف50.
وقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [هود: ٤٥].
يعني: أنت وعدتني أن تنجي أهلي (ﰉ ﰊ ﰋ) يعني: وأنت أحكم الحاكمين بالعدل51.
قال الزمخشري: «أي: أعلم الحكام وأعدلهم؛ لأنه لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل»52.
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [التين: ٨].
أي: أتقن الحاكمين صنعًا في كل ما خلق، وقيل: أحكم الحاكمين: قضاء بالحق، وعدلًا بين الخلق53.
قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [التين: ٨]: «يقول تعالى ذكره: أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده؟»54.
خامسًا: الإحسان في الأجر والثواب:
إن الإحسان في الأجر والثواب من الله تعالى لمن آمن وعمل صالحًا ثابت في آيات كثيرة.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل: ٩٧].
يعني: الإحسان الذي كانوا يعملون في الدنيا، فيجزيهم بأحسن أعمالهم، ويبقى سائر الأعمال فضلًا55.
قال الماوردي: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) «يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يجازى على أحسن الأعمال وهي الطاعة، دون المباح منها.
الثاني: مضاعفة الجزاء وهو الأحسن، كما قال تعالى (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأنعام: ١٦٠]»56.
وقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النور: ٣٨].
وفي الآية تقرير وتنبيه على كمال القدرة، ونفاذ المشيئة، وسعة الإحسان؛ لأن (ﭳ ﭴ) كناية عن السعة، وأنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدهم57.
والمراد بـ(ﭨ ﭩ ﭪ): أعمالهم الحسنة الصالحة؛ لأنها أحسن ما عملوا؛ لأنهم يعملون المباحات وغيرها، فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن58.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [العنكبوت: ٧].
والمعنى: ولنثيبنهم على صالحات أعمالهم في إسلامهم، أحسن ما كانوا يعملون في حال شركهم مع تكفيرنا سيئات أعمالهم59.
وقيل: نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن، كما قال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأنعام: ١٦٠]60.
وقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأحقاف: ١٦].
(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) يعني: أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا، وكلها حسن، والأحسن بمعنى الحسن، فيثيبهم عليها، وتتجاوز عن سيئاتهم، فلا نعاقبهم عليها، (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)، وهو قوله عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [التوبة: ٧٢]61.
وقوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [آل عمران: ١٤٨].
قال أبو جعفر الطبري: «يعني بذلك تعالى ذكره: فأعطى الله الذين وصفهم بما وصفهم، من الصبر على طاعة الله بعد مقتل أنبيائهم، وعلى جهاد عدوهم، والاستعانة بالله في أمورهم، واقتفائهم مناهج إمامهم على ما أبلوا في الله (ﯻ ﯼ)، يعني: جزاء في الدنيا، وذلك: النصر على عدوهم وعدو الله، والظفر، والفتح عليهم، والتمكين لهم في البلاد (ﯽ ﯾ ﯿﰀ)، يعني: وخير جزاء الآخرة على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة، وذلك: الجنة ونعيمها»62.
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن: ٦٠].
أي: ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن الله إليه في الآخرة63.
والمعنى: هل ثواب خوف مقام الله عز وجل لمن خافه، فأحسن فى الدنيا عمله، وأطاع ربه، إلا أن يحسن إليه في الآخرة ربه، بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا64.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [آل عمران: ١٩٥].
أي: أجاب الله دعاءهم، دعاء العبادة، ودعاء الطلب، وقال: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملًا موفرًا65.
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ١٤].
فقوله: ( ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) أي: حسن المرجع والمنقلب، وهي الجنة66.
مجالات الإحسان في القرآن الكريم أربعة، هي: الإحسان في الاعتقاد، والإحسان في العبادة، والإحسان في المعاملات، والإحسان في الأخلاق، ويمكن بيان ذلك في المطالب الآتية:
أولًا: الإحسان في الاعتقاد:
العقيدة هي: الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقينًا عند أصحابها لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك مما جاء عن الله تعالى في كتابه الكريم وصح عن رسوله في سننه67.
والإحسان في الاعتقاد يكون بتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، فالإحسان بتوحيد الربوبية هو بإفراد الله تعالى بالوحدانية، والإقرار بأنه واحد في أفعاله، لا شريك له فيها، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وتدبير الأمور والتصرف في الكون، وغير ذلك مما يتعلق بربوبيته.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الإخلاص: ١-٤] 68.
فتوحيد الربوبية هو: توحيد الله تعالى بأفعاله، والإقرار بأنه خالق كل شيء ومليكه، وإليه يرجع الأمر كله في التصريف والتدبير، فهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو الذي يرسل الرسل، ويشرع الشرائع، ليحق الحق بكلماته، ويقيم العدل بين عباده شرعًا وقدرًا إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد، ولا تحيط به العبارة، وهذا النوع من التوحيد قد أقرت به الفطرة، وقام عليه دليل السمع والعقل69.
والإحسان في توحيد الألوهية: يكون بتوحيده بأفعال العبادة، كالدعاء والخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر، وغيرها من أنواع العبادة التي يجب إفراده بها، فلا يصرف منها شيء لغيره، ولو كان ملكًا مقربًا، أو نبيًا مرسلًا، فضلًا عمن سواهما.
وبمعنى آخر فتوحيد الإلهية: هو إفراد الله بالعبادة: قولًا، وقصدًا، وفعلًا، فلا ينذر إلا له، ولا تقرب القرابين إلا إليه، ولا يدعى في السراء والضراء إلا إياه، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، إلى غير ذلك من أنواع العبادة70.
والإحسان في توحيد الأسماء والصفات: هو إثبات كل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على وجه يليق بكماله وجلاله، دون تكييف أو تمثيل، ودون تحريف أو تأويل أو تعطيل، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به.
كما قال الله عز وجل: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى: ١١].
فجمع في هذه الآية بين الإثبات والتنزيه، فالإثبات في قوله: (ﭥ ﭦ ﭧ) والتنزيه في قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ) فله سبحانه وتعالى سمع لا كالأسماع، وبصر لا كالأبصار، وهكذا يقال في كل ما ثبت لله من الأسماء والصفات71.
وقد وردت في القرآن آيات تدل على الإحسان في الاعتقاد، قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ١٢٥].
فالآية تدل على أن الإحسان في الاعتقاد هو لمن استسلم وجهه لله فانقاد له بالطاعة، مصدقا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه وهو محسن، يعني: وهو عامل بما أمره به ربه، محرم حرامه ومحلل حلاله، (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) يعني بذلك: واتبع الدين الذي كان عليه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وأمر به بنيه من بعده وأوصاهم به، (ﮜ) يعني: مستقيمًا على منهاجه وسبيله72.
وقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان: ٢٢].
أي: من أسلم فقد استمسك بقول: لا إله إلا الله، وهي العروة الوثقى73، وذلك بأن يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى وهو محسن؛ لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع74.
ثانيًا: الإحسان في العبادة:
عرف شيخ الإسلام ابن تيمية العبادة، بأنها: «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة»75.
والإحسان في العبادة يكون بالإخلاص لله تعالى فيها، وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في العبادة، فقال سبحانه: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الزمر: ٢].
وقال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البينة: ٥].
والإسلام قد أسبغ على أعمال الإنسان كلها صفة العبادة، إذا تحقق فيها شرطا قبول العمل، وهما:
أولًا: الإخلاص: بأن يكون العمل خالصًا لوجه الله الكريم، كما قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البينة: ٥].
فينوي العبد أن يكون عمله، وقوله وإعطاؤه، ومنعه، وحبه، وبغضه لله وحده، لا شريك له؛ إذ الأعمال لا تقوم إلا بالنيات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)76؛ فالنية تتحكم في العمل، وتقلبه إلى عبادة77.
ثانيًا: المتابعة: بأن يكون العمل على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديه القويم، كما قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الحشر: ٧].
فالأعمال لا اعتبار لها إلا إذا كانت على الوجه الذي رسمه الشرع، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد)78.
وكل عمل بلا متابعة، فإنه لا يزيد عامله إلا بعدًا من الله؛ فإن الله عز وجل إنما يعبد بأمره، لا بالأهواء، ولا الآراء، والمسلك الحسن ليس في إخلاص العمل لله عز وجل فحسب، ولا في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، بل في مجموعهما معًا، فإن الله عز وجل ذكر العمل الصالح، فقال: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف: ١١٠].
والعمل الصالح هو الخالص الصواب، فإذا جمع العمل هذين الشرطين، كان عبادة79.
وبخصوص الإحسان في أعمال الحج.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحج: ٣٧].
قال ابن جرير: «لم يصل إلى الله لحوم بدنكم ولا دماؤها، ولكن يناله اتقاؤكم إياه إن اتقيتموه فيها فأردتم بها وجهه، وعملتم فيها بما ندبكم إليه وأمركم به في أمرها وعظمتم بها حرماته (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) قال: ما أريد به وجه الله، (ﯹ ﯺ): يقول: وبشر يا محمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بالجنة في الآخرة80، والمحسنون هم المخلصون في أعمالهم»81.
ولا يقتصر الإحسان على أعمال الحج فقط، بل يشمل جميع العبادات؛ لعموم قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل: ٩٠].
فإن من معاني الإحسان في الآية: أداء الفرائض والإخلاص لله تعالى فيها82.
ثالثًا: الإحسان في العلاقات الاجتماعية:
إن الإحسان في المعاملات في القرآن يأتي في أمور هي:
١. الإحسان إلى الوالدين.
أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين في آيات كثيرة، منها:
قوله تعالى: (ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ٣٦].
أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما، وللإحسان ضدان، الإساءة وعدم الإحسان، وكلاهما منهي عنه83.
فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين أو سرور لهما، فإن ذلك من الإحسان، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق84.
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة: ٨٣].
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء: ٢٣].
ومعنى قضى في الآية: أمر ووصَى، قال ابن عباس: «يريد: وأمر ربك، ليس هو قضاء حكم»، وهو قول مجاهد، والحسن، وقتادة، وعامة المفسرين85، وقرن الأمر بالإحسان إلى الوالدين بعبادته وحده جل وعلا يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين86.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأحقاف: ١٥].
والمعنى: ووصينا ابن آدم بوالديه أمرناه بالإحسان إليهما في صحبته إياهما أيام حياتهما، والبر بهما في حياتهما وبعد مماتهما87.
٢. الإحسان إلى الزوجة والأولاد.
إن الإحسان إلى الزوجة يكون بالمعاشرة بالمعروف فقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: ( ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء: ١٩].
فقوله تعالى: (ﯢ ﯣ) أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة: ٢٢٨]88.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم)89.
والإحسان إلى الزوجة كما يكون في حال الزوجية يكون كذلك في حال الطلاق، قال تعالى: (ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة: ٢٢٩].
فالإمساك الذي هو بمعروف بعد الطلقة الثانية هو أن يحسن صحابتها، أو تسريح بإحسان، قال ابن عباس رضي الله عنه: أن يسرحها بإحسان، فلا يظلمها من حقها شيئًا، بأن يوفيها حقها ولا يؤذيها ولا يشتمها، وقال: من خالع امرأته فأخذ منها شيئًا أعطاها، فلا أراه سرحها بإحسان90.
كما جعل الله تعالى من الإحسان إلى الزوجة بعد الطلاق أن أمر لها بالمتعة، وهي عطية يعطيها الزوج لمطلقته.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة:٢٣٦-٢٣٧].
أي: هذا التمتيع حق ثابت على المحسنين الذين يحسنون إلى أنفسهم بامتثالهم لأوامر الله، وبترضيتهم لنفوس هؤلاء المطلقات اللاتي تأثرن بسبب هذا الفراق. فالآية الكريمة ترفع الإثم عن الرجال الذين يطلقون النساء قبل الدخول بهن وقبل تسمية المهر لهن، متى كانت المصلحة تستدعى ذلك، وتبين الحقوق التي للمرأة على الرجل في هذه الحالة91.
بل نبه الله تعالى الزوج بأن لا ينسى الإحسان إلى الزوجة حتى بعد الطلاق فقال سبحانه في آخر الآية: ( ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ٢٣٧].
والمعنى كما قال الإمام البيضاوي: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) «أي: ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض، (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) لا يضيع تفضلكم وإحسانكم»92.
أما الإحسان إلى الأولاد، فيدل عليه عموم قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة: ٨٣].
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦].
فقد أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله93؛ لأن قوله تعالى: (ﯢ ﯣ) عام يشمل الأصل وهو الأبوان وما يتصل بالمرء من ناحيتهما من أصولها وفصولهما، ويشمل الفصل وهو الأبناء والبنات وما يتصل به منهما من فصول، غير أن الوالدين لمزيد العناية بهما خصصا بالذكر في الآيات المتقدمة، وإن كانا داخلين في هذا العموم94.
فيكون الإحسان إلى الأولاد بجميع أنواع الإحسان المادية والمعنوية من تربيتهم تربية حسنة وتعليمهم والتلطف بهم ورحمتهم والإنفاق عليهم والعدل بينهم في العطايا والهبات.
لما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفعلت هذا بولدك كلهم؟) قال: لا، قال: (اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم)، فرجع أبي، فرد تلك الصدقة95.
٣. الإحسان إلى الأقارب.
إن المراد بالأقارب: من تربطك بهم صلة القرابة سواء أكانوا من المحارم أم لا96.
وقد أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦]97.
وإنما أمر بالإحسان إلى ذي القربى استبقاء لأواصر الود بين الأقارب، إذ كان العرب في الجاهلية قد حرفوا حقوق القرابة فجعلوها سبب تنافس وتحاسد وتقاتل98.
قال الرازي: «ومعلوم أن الإحسان إلى هؤلاء إنما يكون بالمال، ثم ذم المعرضين عن هذا الإحسان فقال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النساء: ٣٦]»99.
وقد جعل الله تعالى لذوي القربى حقًا في مال القريب، قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الإسراء: ٢٦].
قال ابن عطية: «اختلف المتأولون في «ذي القربى»، فقال الجمهور: الآية وصية للناس كلهم بصلة قرابتهم، خوطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد: الأمة، وألحق في هذه الآية ما يتعين له من صلة الرحم وسد الخلة والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه، قال بنحو هذا الحسن وعكرمة وابن عباس وغيرهم، وقال علي بن الحسين في هذه: هم قرابة النبي عليه السلام، أمر النبي عليه السلام بإعطائهم حقوقهم من بيت المال»100.
قال ابن الجوزي: في قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) «فيه قولان:
أحدهما: أنه قرابة الرجل من قبل أبيه وأمه، قاله ابن عباس، والحسن، فعلى هذا في حقهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد به: برهم وصلتهم.
والثاني: النفقة الواجبة لهم وقت الحاجة.
والثالث: الوصية لهم عند الوفاة»101.
وإن من حكمة التربية أن يبدأ من الأوامر بما تعين فطرة النفوس الإنسانية على قبوله ببداهة الفكرة أو بشعور العاطفة، وكلتا هاتين يحبب للنفس إيتاء حق القريب فابتدى به في الأمر ليكون تقبلها له أسهل ومبادرتها للامتثال أسرع، فاذا سخت النفوس بإيتاء حق القريب ومرنت عليه اعتادت الإيتاء وصار من ملكاتها فسهل عليها إيتاء كل حق، ولو كان لأبعد الناس. وشيء آخر، وهو أن الأقارب قد تكون بينهم المنافسات والمنازعات لقرب المنازل، أو تصادم المنافع أو التشاح على المواريث ما لا يكون بين الأباعد، فيقطعوا حق القرابة ويهدموا بناء الأسرة، ويعود ذلك عليهم أولًا بالوبال، ويرجع ثانيًا على مجتمعهم بالتضعضع، فكان هذا من جملة ما يقتضي الابتداء بحقهم إلى المقتضيات المتقدمة الأخرى102.
وللقرابة حقان: حق الصلة، وحق المواساة، قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢١٥]103.
قال أبو جعفر الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك أصحابك يا محمد، أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به؟، وعلى من ينفقونه فيما ينفقونه ويتصدقون به؟ فقل لهم: ما أنفقتم من أموالكم وتصدقتم به، فأنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لآبائكم وأمهاتكم وأقربيكم، ولليتامى منكم، والمساكين، وابن السبيل، فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم، وهو محصيه لكم حتى يوفيكم أجوركم عليه يوم القيامة، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه، والخير الذي قال جل ثناؤه في قوله: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)، هو المال الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من النفقة منه، فأجابهم الله عنه بما أجابهم به في هذه الآية»104.
٤. الإحسان إلى اليتامى والمساكين.
أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى والضعفاء والمساكين في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦].
قال ابن عادل في تفسير قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ٨٣]: «وظاهر الآية يدل على أن الإحسان إلى ذي القربى واليتامى والمساكين كان واجبًا على بني إسرائيل في دينهم، وكذا القول الحسن للناس كان واجبًا عليهم؛ لأن أخذ الميثاق يدل على الوجوب، وذلك لأن ظاهر الأمر للوجوب، والأمر في شرعنا أيضًا كذلك من بعض الوجوه»105.
والمسكين: هو المتخشع المتذلل من الفاقة والحاجة، والمسكنة هي ذل الحاجة والفاقة106.
وفي الآيتين السابقتين يبين به الله سبحانه أصحاب الحقوق الواجبة على الإنسان نحوهم، إما لصلة قرابة تجمعهم إليه، وتجعلهم بعضًا منه، أو تجعله بعضًا منهم.. وإما لصلة إنسانية عامة، تلك الصلة التي تقوم على أساس أن الفرد عضو فى الجسد الاجتماعي كله، وأن كل عضو سليم فى هذا الجسد من واجبه أن يحمل بعض أعباء الأعضاء المريضة فيه، شأن الجسد حين تضعف فيه حاسة، أو تعجز عن العمل، فتتولى أقرب الحواس إليها، وأشكلها بها، أداء وظيفتها بوجه أو بآخر حتى يستقيم للجسد أمره107.
٥. الإحسان إلى الجيران.
أمر الله تعالى بالإحسان إلى الجيران، فقال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦].
فقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه. ألا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ) أي: القريب، يعني: الذي بينك وبينه قرابة (ﮧ ﮨ) أي: الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة، قاله ابن عباس، وقال نوف الشامي: (ﮤ ﮥ ﮦ) المسلم (ﮧ ﮨ) اليهودي والنصراني، وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم: (ﮤ ﮥ ﮦ) يعني: المرأة، وقال مجاهد أيضًا في قوله: (ﮧ ﮨ) يعني: الرفيق في السفر108.
قال القرطبي: «وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلمًا كان أو كافرًا، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه. روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال يوصيني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه)109»110.
والجوار ضرب من ضروب القرابة، فهو قرب بالمكان والسكن، وقد يأنس الإنسان بجاره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب، فيحسن أن يتعاون الجاران، ويكون بينهما الرحمة والإحسان، فإذا لم يحسن أحدهما إلى الآخر فلا خير فيهما لسائر الناس، وقد حث الدين على الإحسان فى معاملة الجار عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»111.
وإكرام الجار من شيم العرب قبل الإسلام، وزاده الإسلام توكيدًا بما جاء فى الكتاب والسنة، ومن إكرامه إرسال الهدايا إليه، ودعوته إلى الطعام، وتعاهده بالزيارة والعيادة إلى نحو ذلك112.
٦. الإحسان إلى عموم الناس.
أمر الله تعالى بالإحسان إلى عموم الناس، فقال سبحانه: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة: ٨٣].
فقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة: ٨٣].
أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا.
ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف113.
وقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإسراء: ٥٣].
والمعنى: قل لعبادي المؤمنين يقولوا للكافرين الكلمة التي هي أحسن، قال الحسن: يقولون له: يهديك الله، إن الشيطان هو الذي يفسد بينهم؛ لأنه عدو للإنسان ظاهر العداوة114.
وفي الآية يأمر تبارك وتعالى عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، نزع الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، وأوقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدو لآدم وذريته من حين امتنع عن السجود لآدم، وعداوته ظاهرة بينة، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزع في يده، أي: فربما أصابه بها115.
وقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل: ١٢٥].
قال ابن كثير: «يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة، قال ابن جرير الطبري: «وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة والموعظة الحسنة، أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس، ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى، وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [العنكبوت: ٤٦].
فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [طه: ٤٤]»116.
٧. الإحسان في الجهاد.
إن الإحسان في الجهاد من صفات المحسنين.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العنكبوت: ٦٩].
يقول تعالى: والذين قاتلوا هؤلاء المفترين على الله كذبًا من كفار قريش، المكذبين بالحق لما جاءهم فينا، مبتغين بقتالهم علو كلمتنا، ونصرة ديننا (ﮣ ﮤ) أي: لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي هو الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) يقول: وإن الله لمع من أحسن من خلقه، فجاهد فيه أهل الشرك، مصدقًا رسوله فيما جاء به من عند الله بالعون له، والنصرة على من جاهد من أعدائه117.
وقد تكفل الله تعالى بأنه لايضيع من أحسن في الجهاد.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة: ١٢٠].
كما يكون الإحسان في الجهاد بالإنفاق في سبيل الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٩٥].
أي: أنفقوا في سبيل الله فمن أنفق في سبيل الله فهو محسن، فقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ١٩٥] وكل ما أمر الله به من الخير فهو في سبيل الله وأكثر ما يستعمل في الجهاد، لأنه السبيل الذي يقاتل فيه118.
(ﮪ) أي: بالإنفاق على من تلزمكم مؤنته ونفقته. وقيل: أحسنوا في الإنفاق ولا تسرفوا ولا تقتروا، نهوا عن الإسراف والإقتار في الإنفاق. وقيل: معناه: وأحسنوا في أداء فرائض الله تعالى. (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)، أي: يثيبهم على إحسانهم119..
كما يكون الاحسان في الجهاد بالالتزام بتعاليم الإسلام في قتال أعدائه، وذلك بعدم المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ، الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة، لما رواه بريدة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا)120.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (إن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان)121.
وكذلك فعل الخلفاء الراشدون، ففي وصية أبي بكر رضي الله عنه لأسامة بن زيد حين بعثه إلى الشام: «لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلًا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم له»122.
رابعًا: الإحسان في الأخلاق:
إن الإحسان في الأخلاق يكون بالتخلق بالقرآن الكريم في الأقوال والأفعال وجميع التصرفات، فإن أحسن الناس خلقًا هو من يتخلق بالقرآن، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عنه تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [القلم: ٤].
والمعنى: أنت على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن123، أي: على الخلق الذي أدبك الله به مما نزل به القرآن من الإحسان إلى الناس، والعفو، والتجاوز، وصلة الأرحام، وإعطاء النصفة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما أشبه ذلك.
وفي حديث سعد بن هشام، قال: أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان خلقه القرآن). أما تقرأ القرآن، قول الله عز وجل: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [القلم: ٤]124125.
وما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «أن هذه الآية التي في القرآن: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأحزاب: ٤٥].
قال في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا»126.
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة: ٨٣] أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف كما قال الحسن البصري في قوله تعالى (ﯦ ﯧ ﯨ) فالحسن من القول يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحلم ويعفو ويصفح، ويقول للناس حسنًا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله127.
وقال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [النساء: ٨٦].
فقوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ).
التحية: هي دعاء بطول الحياة، والمراد بالتحية هاهنا: السلام، يقول: إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوا بأحسن مما سلم أو ردوها كما سلم، فإذا قال: السلام عليكم، فقل: وعليكم السلام ورحمة الله، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد مثله، روي أن رجلًا سلم على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم زاد شيئًا، فقال ابن عباس: إن السلام ينتهي إلى البركة128.
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإسراء: ٥٣].
يأمر تبارك وتعالى عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، نزع الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، وأوقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدو لآدم وذريته من حين امتنع عن السجود لآدم، وعداوته ظاهرة بينة، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزع في يده، أي: فربما أصابه بها129.
وقال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل: ١٢٥].
«يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة، وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة والموعظة الحسنة، أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس، ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى.
وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [العنكبوت: ٤٦].
فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [طه: ٤٤]»130.
إن جزاء المحسنين يكون في الدنيا: بالإحسان من الله تعالى، ورضاه ومحبته، ومعيته، ورحمته، والذكر الحسن في العالمين، وبأن الله لا يضيع أجر المحسنين، وبالبشارة بالخير، والمجازاة بأحسن ما كانوا يعملون، ويكون جزاء المحسنين في الآخرة بالجنة ونعيمها، وبيان ذلك في المطلبيين الآتيين:
أولًا: جزاء المحسنين في الدنيا:
١. الإحسان من الله تعالى.
إن الله تعالى أحسن على الإنسان بجميع النعم تفضلًا منه وكرمًا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [إبراهيم: ٣٤].
وقال سبحانه: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النحل: ١٨].
وقال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [لقمان: ٢٠].
يقول تعالى ذكره: (ﭑ ﭒ) أيها الناس (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) من شمس وقمر ونجم وسحاب (ﭚ ﭛ ﭜ) من دابة وشجر وماء وبحر وفلك، وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم، لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه، (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)131.
والإسباغ: الإفاضة والشمول، عن سعة وكثرة. والنعم السابغة: الكثيرة المتعددة والنعم الظاهرة: ما يعرفها الإنسان، ويلمسها بحواسه، أو يدركها بعقله والنعم الباطنة، هى ما لا يعلمه الإنسان من أسرار هذا الوجود الذي يعيش فيه132.
وقد أحسن الله للإنسان في خلقه، قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التين: ٤].
وأحسن إليه بالصحة والعافية، وذلك على المعنى الوارد في قوله تعالى: ( ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النحل: ٣٠].
وفي قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [الزمر: ١٠].
فحسنة الدنيا المذكورة في الآيتين هي الحسنة: الصحة والعافية133.
قال الماوردي: «وفيما أريد بالحسنة التي لهم في الدنيا أربعة أوجه: أحدها: العافية والصحة، قاله السدي. الثاني: ما رزقهم الله من خير الدنيا، قاله يحيى بن سلام، الثالث: ما أعطاهم من طاعته في الدنيا وجنته في الآخرة ، قاله الحسن، الرابع: الظفر والغنائم، حكاه النقاش. ويحتمل خامسًا: إن الحسنة في الدنيا الثناء وفي الآخرة الجزاء»134.
ومن إحسان الله تعالى على العبد الإحسان المعنوي المتمثل في السعادة.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنبياء: ١٠١].
قال المفسرون: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ): عني به: كل من سبقت له من الله السعادة من خلقه أنه عن النار مبعد135.
وقيل: الآية عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة.
وقال أكثر المفسرين: عني بذلك: كل من عبد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره136.
والحسنى: الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن؛ إما السعادة، وإما البشرى بالثواب وإما التوفيق للطاعة، يروى أن عليًا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه137.
ومن المفسرين من قال: إن المراد: (ﯨ) يعني: عزيرًا والمسيح والملائكة (ﯩ) عن جهنم (ﯪ) لأنهم لم يرضوا بعبادتهم، وقيل: المراد بقوله: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ): جميع المؤمنين لما روي أن عليًا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: « أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف»138.
والواجب على العبد تجاه إحسان الله تعالى في الدنيا ما يأتي:
١. الإحسان في الاعتقاد والعبادة وجميع الأعمال.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن: ٦٠].
وفي معناها وجوه:
أحدها: هل جزاء التوحيد غير الجنة، أي: جزاء من قال: لا إله إلا الله إدخال الجنة.
ثانيها: هل جزاء الإحسان في الدنيا إلا الإحسان في الآخرة.
ثالثها: هل جزاء من أحسن إليكم في الدنيا بالنعم وفي العقبى بالنعيم إلا أن تحسنوا إليه بالعبادة والتقوى.
وأما الأقرب فإنه عامٌ، فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضًا139.
٢. الشكر للمحسن سبحانه وذلك بالاعتراف بذلك.
كما قال يوسف عليه السلام: قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [يوسف: ١٠٠].
أي: وقد أحسن بي ربي إذ أخرجني من السجن، وسما بي إلى عرش الملك، وجاء بكم من البادية حيث كنتم تعيشون فى شظف العيش وخشونته، ونقلكم إلى الحضر حيث تعيشون في نعم الاجتماع ونشر الدين الحق، وتتعاونون على ترقي العلوم والصناعات140.
وكذلك ببذل الإحسان إلى الآخرين من المستحقين والمساكين.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [القصص: ٧٧].
٢. رضا الله سبحانه.
بين سبحانه أنه يرضى عن المحسنين في إتباع السلف الصالح.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التوبة: ١٠٠].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولًا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين، الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله (ﭖ ﭗ ﭘ)، يقول: والذين سلكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله، والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلب رضا الله (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)»141.
قال الزجاج: «( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) تأويله: والله أعلم أن الله رضي أفعالهم، وأنهم رضوا ما جازاهم الله به»142.
هو عرض كاشف لمنزلة هؤلاء الصفوة من عباد الله، وأن الله رضي عنهم، بما كان منهم من إحسان، وأنهم رضوا، بما أرضاهم الله به، ونعموا فيه.
وفي قوله تعالى: (ﭜ ﭝ)رضوان فوق رضوان من عند الله، يحفهم به، ويزيدهم نعيمًا إلى نعيم؛ إذ جعل الله سبحانه وتعالى رضاهم عنه بما أعطاهم معادلًا لرضاه عنهم، حتى لكأنه سبحانه وتعالى، يتبادل الرضا معهم، فيرضى عنهم، ويرضون عنه. فسبحانه، ما أعظم لطفه، وما أوسع فضله، وما أكرم عطاءه، وأسبغ إحسانه143.
٣. محبة الله تعالى.
أثبت الله تعالى محبته للمحسنين في الدنيا بصفة عامة، قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [آل عمران: ١٤٨].
وذلك جزاء من قال: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [آل عمران: ١٤٧-١٤٨] 144.
وفي معرض الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٩٥].
والمعنى: أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من معاصي، ومن الإنفاق في سبيلي، وعود القوي منكم على الضعيف ذي الخلة، فإني أحب المحسنين في ذلك145، أي: أنفقوا في سبيل الله فمن أنفق في سبيل الله فهو محسن146.
وهذا مثل قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [آل عمران: ١٣٤].
فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعد للعاملين بها الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والعاملون بها هم المحسنون، وإحسانهم، هو عملهم بها، أي: وذلك الإحسان، وأنا أحب من عمل به147، لفظ: (ﭫ) للجنس، فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون، وقد تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء148.
وقوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المائدة: ١٣].
قال أبو جعفر الطبري: «وهذ أمر من الله عز ذكره نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء القوم الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليه من اليهود. يقول الله جل وعز له: اعف، يا محمد، عن هؤلاء اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل، واصفح لهم عن جرمهم بترك التعرض لمكروههم، فإني أحب من أحسن العفو والصفح إلى من أساء إليه»149.
(ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) ظاهره الأمر بالمعروف والصفح عنهم جميعهم، وذلك بعث على حسن التخلق معهم ومكارم الأخلاق.
قال الإمام أبو جعفر الطبري: يجوز أن يعفو عنهم في غدرة فعلوها ما لم ينصبوا حربًا، ولم يمتنعوا من أداء جزية150.
٤. معية الله تعالى.
أخبر الله تعالى بأنه مع المحسنين في قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النحل: ١٢٨].
يقول تعالى ذكره (ﯿ ﰀ) يا محمد (ﰁ ﰂ ﰃ) الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن التقدم عليها.
(ﰄ ﰅ ﰆ) يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه، والقيام بحقوقه، ولزوم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه151.
والمراد من هذه المعية: المعية بالحفظ والنصرة والحراسة والمعونة152، وهذه معية خاصة كقوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأنفال: ١٢].
وقوله لموسى وهارون: (ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [طه: ٤٦].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصديق وهما في الغار: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة: ٤٠].
ومعنى (ﰂ ﰃ) أي: تركوا المحرمات، (ﰄ ﰅ ﰆ) أي: فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم، وينصرهم ويؤيدهم، ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم153.
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العنكبوت: ٦٩].
أي: إن الله لمع من أحسن من خلقه، فجاهد فيه أهل الشرك، مصدقًا رسوله فيما جاء به من عند الله بالعون له، والنصرة على من جاهد من أعدائه154.
وقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) تأويله إن الله ناصرهم؛ لأن قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ) الله معهم، يدل على نصرهم، والنصرة تكون في علوهم على عدوهم بالغلبة بالحجة والغلبة بالقهر والقدرة155.
وروي عن ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهديننهم سبل ثوابنا. وإن الله لمع المحسنين، بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم156.
٥. رحمة الله تعالى.
إن من جزاء الإحسان في الدنيا، أن يكون العبد قريبًا من رحمة الله.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف: ٥٦].
في الآية تنبيه ظاهر على أن فعل هذا المأمور به هو الإحسان المطلوب منكم، ومطلوبكم أنتم من الله هو رحمته القريبة من المحسنين الذين فعلوا ما أمروا به من دعائه خوفًا وطمعًا، فقرب مطلوبكم منكم وهو الرحمة بحسب أدائكم لمطلوبه منكم وهو الإحسان الذي هو في الحقيقة إحسان إلى أنفسكم.
قال ابن القيم157: في قوله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ): «له دلالة بمنطوقه، ودلالة بإيمائه وتعليله، ودلالة بمفهومه:
فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة، وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم؛ لأنها إحسان من الله أرحم الراحمين، وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته، وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة، بعدًا ببعد، وقربًا بقرب، فمن تقرب بالإحسان تقرب الله إليه برحمته، ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته، والله سبحانه يحب المحسنين، ويبغض من ليس من المحسنين، ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه، ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه.
والإحسان هاهنا: هو فعل المأمور به، سواء كان إحسانًا إلى الناس، أو إلى نفسه. فأعظم الإحسان: الإيمان والتوحيد، والإنابة إلى الله، والإقبال عليه، والتوكل عليه، وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالًا ومهابةً وحياءً ومحبةً وخشيةً، فهذا هو مقام الإحسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقد سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه)158.
وإذا كان هذا هو الإحسان فرحمة الله قريب من صاحبه، فإن الله إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به وإنما كتب رحمته: للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، والذين يتبعون رسوله، فهؤلاء هم أهل الرحمة، كما أنهم هم المحسنون، وكما أحسنوا جوزوا بالإحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ يعني: هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه؟
قال ابن عباس: هل جزاء من قال: لا إله إلا الله، وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة؟».
٦. الذكر الحسن في العالمين.
إن من جزاء الإحسان في الدنيا: أن الله تعالى يجعل للمحسن ذكرًا جميلًا، وثناء حسنًا في الناس في حياته وبعد موته.
قال تعالى مبينًا بقاء ذكر المحسنين، وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام، فقال في نوح عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الصافات: ٧٧-٨١].
(ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: لقينا له ثناء حسنًا وذكرًا جميلًا فيمن بعده من الأنبياء والأمم. وقيل: أن يصلى عليه إلى يوم القيامة159.
قال الماوردي في قوله عز وجل: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)» فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه أبقى الله الثناء الحسن في الآخرين، قاله قتادة. الثاني: لسان صدق للأنبياء كلهم، قاله مجاهد، الثالث: هو قوله: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)، قاله الفراء»160.
وعلل مجازاة نوح عليه السلام بتلك التكرمة السنية من تبقية ذكره، وتسليم العالمين عليه إلى آخر الدهر بأنه كان محسنًا، ثم علل كونه محسنًا بأنه كان عبدًا مؤمنًا؛ ليريك جلالة محل الإيمان، وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم، ويرغبك في تحصيله والازدياد منه161.
وقال في إبراهيم عليه السلام: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الصافات: ١٠٨-١١١]
وقوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) يقول تعالى ذكره: وأبقينا عليه فيمن بعده إلى يوم القيامة ثناء حسنًا162.
قال الإمام الماوردي: «فيه قولان: أحدهما: الثناء الحسن، قاله قتادة. الثاني: هو السلام على إبراهيم ، قاله عكرمة»163.
وقال تعالى في إل ياسين: ، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الصافات: ١٢٧-١٣٢].
أي: وأبقينا عليه الثناء الحسن في الآخرين من الأمم بعده164.
وقال في موسى وهارون: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصافات: ١١٤-١٢١].
أي: وتركنا عليهما في الآخرين بعدهم الثناء الحسن عليهما: وذلك أن يقال: سلام على موسى وهارون.
ثم جعل سبحانه ذلك الذكر والثناء عامًا لكل محسن، وذلك في قوله: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ).
أي: هكذا نجزي أهل طاعتنا، والعاملين بما يرضينا عنهم (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الصافات:١٢٢] يقول: إن موسى وهارون من عبادنا المخلصين لنا الإيمان165.
أي: مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله؛ إنه من عبادنا المؤمنين أي: الذين أعطوا العبودية حقها، ورسخوا في الإيمان بالله وتوحيده166، وهذه سنته تعالى في المحسنين، أن ينشر لهم من الثناء على حسب إحسانهم167.
قال ابن عاشور: «والمعنى: إنا مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين. وفي هذا تنويه بنوح عليه السلام بأن جزاءه كان هو المثال والإمام لجزاء المحسنين على مراتب إحسانهم وتفاوت تقاربها من إحسان نوح عليه السلام وقوته في تبليغ الدعوة. فهو أول من أوذي في الله فسن الجزاء لمن أوذي في الله، وكان على قالب جزائه، فلعله أن يكون له كفل من كل جزاء يجزاه أحد على صبره إذا أوذي في الله، فثبت لنوح بهذا وصف الإحسان، وهو النعمة السابعة. وثبت له أنه مثل للمحسنين في جزائهم على إحسانهم»168.
٧. لا يضيع الله أجر المحسنين.
أخبر الله تعالى في آيات كثيرة أنه لا يضيع أجر المحسنين، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [هود: ١١٥].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: واصبر، يا محمد، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه، رجاء جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثواب عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره، فيذهب به، بل يوفره أحوج ما يكون إليه»169.
وقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف: ٥٦].
وكذلك قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [يوسف: ٩٠].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: وهكذا وطأنا ليوسف في الأرض، يعني: أرض مصر (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)، يقول: يتخذ من أرض مصر منزلًا حيث يشاء، بعد الحبس والضيق (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) من خلقنا، كما أصبنا يوسف بها، فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، وبعد الإلقاء في الجب (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)، يقول: ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه، وعمل بما أمره، وانتهى عما نهاه عنه، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله»170.
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الكهف: ٣٠].
أي: أن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلى أمره ونهيه، (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) فأطاع الله، واتبع أمره ونهيه، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنات عدن تجري من تحتها الأنهار171، كما في الآية التي بعدها: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الكهف: ٣١].
قال ابن الجوزي: «ومعنى: ( ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أي: لا نترك أعماله تذهب ضياعًا، بل نجازيه عليها بالثواب»172.
٨. البشارة بالخير.
إن البشارة هي: إعلام الرجل بما لم يكن به عالمًا مما يسره من الخبر، قبل أن يسمعه من غيره، أو يعلمه من قبل غيره173، والأغلب في البشارة إطلاقها على الإخبار بالخير المنتظر في المستقبل174.
فقد جعل الله تعالى القرآن الكريم بشارة للمحسنين بحسن عاقبتهم بسبب إيمانهم وإحسانهم.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأحقاف: ١٢].
(ﰁ ﰂ) الأجود أن يكون (بشرى) في موضع رفع على الابتداء، والمعنى: وهو بشرى للمحسنين، ويجوز أن يكون بشرى في موضع نصب على المصدر على معنى: لينذر الذين ظلموا ويبشر المحسنين بشرى175.
أي: وهذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة، ومصدق لغيره من الكتب السماوية السابقة وأمين عليها، وقد أنزلناه بلسان عربي مبين، امتنانًا مِنَا على من بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم وهم العرب.
وجعل الله تعالى من وظيفة هذا الكتاب: الإنذار للظالمين بسوء المصير إذا ما أصروا على ظلمهم، والبشارة للمحسنين بحسن عاقبتهم بسبب إيمانهم وإحسانهم176.
وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يبشر المحسنين بالخير.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحج: ٣٧].
قال الطبري: (ﯹ ﯺ): «يقول: وبشر يا محمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بالجنة في الآخرة»177.
وقال الماوردي: ( ﯹ ﯺ) يحتمل وجهين: أحدهما: بالقبول. والثاني: بالجنة178.
٩. المجازاة بأحسن ما كانوا يعملون.
إن من جزاء الإحسان في الدنيا المجازاة بأحسن ما كانوا يعملون.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة: ١٢٠-١٢١].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)، وسائر ما ذكر (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)، في سبيل الله (ﯙ ﯚ)، مع رسول الله في غزوه (ﯛ) إلا كتب لهم أجر عملهم ذلك، جزاء لهم عليه، كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم»179.
وقال الرازي: ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون وفيه وجهان:
الأول: أن الأحسن من صفة فعلهم، وفيها الواجب والمندوب والمباح والله تعالى يجزيهم على الأحسن، وهو الواجب والمندوب، دون المباح.
والثاني: أن الأحسن صفة للجزاء، أي: يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأجل وأفضل، وهو الثواب180.
(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) أي: يجزيهم على كل واحد جزاء أحسن عمل كان لهم فيلحق ما دونه به توفيرًا لأجرهم181.
وخلاصة ذلك إنه تعالى يجزيهم بكل عمل مما ذكر جزاء أحسن من جزائهم على أعمالهم الجليلة فى غير الجهاد بالمال والنفس، بأن تكون النفقة الصغيرة فيه كالنفقة الكبيرة فى غيره من أنواع المبرات، والمشقة القليلة فيه كالمشقة الكبيرة فما عداه من الأعمال الصالحات182.
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل:٩٦-٩٧].
أي: من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة، ثم أخبر بأن دار الآخرة خير من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا، كقوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [القصص: ٨٠].
وقال تعالى: ( ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [آل عمران: ١٩٨].
وقال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الأعلى: ١٧]183.
(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يجازى على أحسن الأعمال وهي الطاعة، دون المباح منها، الثاني: مضاعفة الجزاء وهو الأحسن، كما قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأنعام: ١٦٠]184.
وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الزمر: ٣٣-٣٥] 185.
ثانيًا: جزاء المحسنين في الآخرة:
إن جزاء المحسنين في الآخرة هي الجنة ونعيمها.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الزمر: ٣٣-٣٥]
وقوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: لهم عند ربهم يوم القيامة، ما تشتهيه أنفسهم، وتلذه أعينهم (ﭳ ﭴ ﭵ) أي: هذا الذي لهم عند ربهم، جزاء من أحسن في الدنيا فأطاع الله فيها، وائتمر لأمره، وانتهى عما نهاه فيها عنه.
وجزى هؤلاء المحسنين ربهم بإحسانهم، كي يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال، فيما بينهم وبين ربهم، بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها (ﭽ ﭾ) يقول: ويثيبهم ثوابهم (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) في الدنيا (يعملون) مما يرضى الله عنهم دون أسوئها186.
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الزمر: ٣٤] لهم عند الله من الجزاء والكرامة ما يشاءون، (ﭳ ﭴ ﭵ) [الزمر: ٣٤] في أقوالهم وأعمالهم. (ﭷ ﭸ) [الزمر: ٣٥] أي: أعطاهم ما شاءوا، (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الزمر: ٣٥] يسترها عنهم بالمغفرة، (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر: ٣٥].
قال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم، ولا يجزيهم بالمساوي187.
ذلك هو جزاؤهم، وجزاء المحسنين كلهم، والمحسنون هم: الذين أحسنوا الاعتقاد والقول والعمل.
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) أي: من الذنوب والآثام والخطايا والسيئات، أي: وفقهم للإحسان ويسره لهم، ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا وسيئه ويجزيهم أجرهم على إيمانهم وتقواهم وإحسانهم في ذلك بأحسن ما كانوا يعملون وحسنه أيضًا، وإنما يضاعف لهم الأجر، فتكون الحسنات الصغيرة كالكبيرة، فأصبح الجزاء كله على الأحسن، والذي كانوا يعملون هو كل ما شرعه الله تعالى لعباده وتعبدهم به من الإيمان وسائر الطاعات والقربات188.
وقال سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [المرسلات: ٤١-٤٤].
قال الطبري في قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ): «يقال لهم: كلوا أيها القوم من هذه الفواكه، واشربوا من هذه العيون كلما اشتهيتم، (ﯪ) يقول: لا تكدير عليكم، ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه، ولكنه لكم دائم، لا يزول، ومريء لا يورثكم أذى في أبدانكم، وقوله: (ﯫ ﯬ ﯭ)، أي: هذا جزاء بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله، وتجتهدون فيما يقربكم منه.
وقوله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) يقول: إنا كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيانا في الدنيا، كذلك نجزي ونثيب أهل الإحسان فى طاعتهم إيانا، وعبادتهم لنا في الدنيا على إحسانهم لا نضيع في الآخرة أجرهم»189.
أي: يقال لهم ذلك على سبيل الإحسان إليهم، ثم قال تعالى مخبرًا خبرًا مستأنفًا: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) أي: هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل190.
وقال سبحانه في جزاء من أحسن الاعتقاد والعمل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المائدة:٨٤-٨٥].
أي: فكافأهم الله تعالى بسبب أقوالهم الطيبة الدالة على إيمانهم وإخلاصهم، (ﭽ) تجرى من تحت بساتينها وأشجارها الأنهار، (ﮂ ﮃ) أي: باقين في تلك الجنات بقاء لا موت معه، (ﮅ) العطاء الجزيل الذي منحه الله لهم (ﮆ ﮇ) أي: المؤمنين المخلصين في أقوالهم وأعمالهم191.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يونس: ٢٦].
قال الماوردي: «قوله عز وجل: (ﭒ ﭓ) يعني: عبادة ربهم. (ﭔ ﭕ) فيه خمسة تأويلات: أحدها: أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى، وهذا قول أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري. والثاني: أن الحسنى واحدة من الحسنات، والزيادة مضاعفتها إلى عشر أمثالها، قاله ابن عباس، الثالث: أن الحسنى حسنة مثل حسنة، والزيادة مغفرة ورضوان، قاله مجاهد والرابع: أن الحسنى الجزاء في الآخرة والزيادة ما أعطوا في الدنيا، قاله ابن زيد. والخامس: أن الحسنى الثواب، والزيادة الدوام، قاله ابن بحر، ويحتمل سادسًا: أن الحسنى ما يتمنونه ، والزيادة ما يشتهونه»192.
قال أبو جعفر الطبري: «يعني جل ثناؤه بقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، لا يغشى وجوههم كآبة، ولا كسوف، حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر. والقتر: الغبار، (ﭛ ﭜ)، ولا هوان (ﭞ ﭟ ﭠ)، يقول: هؤلاء الذين وصفت صفتهم، هم أهل الجنة وسكانها ومن هو فيها (ﭢ ﭣ ﭤ)، يقول: هم فيها ماكثون أبدًا، لا تبيد، فيخافوا زوال نعيمهم، ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم»193.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ) [يونس: ٢٦].
قال ابن عباس: «للذين قالوا: لا إله إلا الله الجنة»، وزيادة: وهي النظر إلى وجه الله في قول أبي بكر الصديق، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي.
ونحو ذلك فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي عن صهيب، قال: عن صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل). ثم تلا هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ) [يونس: ٢٦]» 194 195.
قال ابن عطية في تفسير قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، قالت فرقة وهي الجمهور: الحسنى: الجنة والزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: «الزيادة» غرفة من لؤلؤة واحدة.
وقالت فرقة: الحسنى: هي الحسنة، و الزيادة: هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) [البقرة: ٢٦١].
وهذا قول يعضده النظر، ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقترانًا بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان، وعبر عن الحسنات بـ(الحسنى) مبالغة؛ إذ هي عشرة،
وقال الطبري: الحسنى عام في كل حسنى فهي تعم جميع ما قيل.
ووعد الله تعالى على جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك أيضا قوله: أولئك أصحاب الجنة، ولو كان معنى الحسنى الجنة، لكان في القول تكرير بالمعنى، على أن هذا ينفصل عنه بأنه وصف المحسنين بأن لهم الجنة، وأنهم لا يرهق وجوهم قتر ولا ذلة.
ثم قال: (ﭞ ﭟ ﭠ) على جهة المدح لهم، أي: أولئك مستحقوها وأصحابها حقًا وباستيجاب، و(ﭘ) معناه: يغشى مع ذلة وتضييق، والقتر: الغبار المسود196.
قال ابن كثير: «يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح: الحسنى في الدار الآخرة كقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن: ٦٠]، وقوله: (ﭕ) هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته، وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم من السلف والخلف.
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما رواه صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) وقال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقرَ لأعينهم)197»198.
موضوعات ذات صلة: |
البر، التقوى، التطوع، العطاء |
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة)، رقم ٤٧٣٠، ٦/٩٣.
2 التفسير المنير، الزحيلي، ١٢/١٤٩-١٥٣.
3 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٣/١١٧.
4 مقاييس اللغة ٢/٥٧.
5 انظر: تعليق محب الدين الخطيب على فتح الباري ابن حجر ١/١٦٤.
6 المفردات، ص٢٣٥.
7 أحكام القرآن١/١٦٧.
8 الجامع لأحكام القرآن١٠/ ١٦٧.
9 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الحاء، ص٤٣٣-٤٣٧.
10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٥٧، لسان العرب، ابن منظور ١٣/١١٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٦٨-٧٠.
11 انظر: لسان العرب، ابن منظور١١/ ٥٢٤.
12 مقاييس اللغة٤/ ٥٠٨.
13 انظر: الكليات، الكفوي، ص٦٨٣.
14 انظر: جامع البيان، الطبري٧/٤١٤
15 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٣/ ٤١٧.
16 لسان العرب، ابن منظور١٣/ ٤١٨.
17 النهاية في غريب الحديث والأثر٤/٣٦٥.
18 انظر: المصدر السابق ٥/ ٨٣.
19 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٢/٥٧٩، تاج العروس، الزبيدي ٣٣/٥٠٢.
20 انظر: الكليات، الكفوي، ص ٩١٢، التوقيف على مهمات التعاريف المناوي ص٦٥.
21 انظر: معجم الفروق اللغوية، العسكري، ص ٨١.
22 انظر: تاج العروس، الزبيدي٣٣ /٣٣٧.
23 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس وحامد قنيبي، ص١٤٢.
24 انظر: تفسير القرآن، السمعاني٣/ ٢٦٢.
25 انظر: الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها، محمد بن خليفة التميمي، ص ٦٥.
26 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط رقم٥٧٣٥ ٦/٤٠.
صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم١٨٢٤ ، ١/٣٧٤.
27 أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه رقم٨٦٠٣ ، ٤/٤٩٢، والطبراني في المعجم الكبير رقم ٧١٢١، ٧/ ٢٧٥.
صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم ١٨٢٤، ١/٣٧٤.
28 انظر: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة، علوي السقاف، ص٥٠.
29 انظر: بحث: إثبات أن المحسن اسم من أسماء الله الحسنى، د. عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر، منشور في مجلة البحوث الإسلامية العدد٣٦ص٣٧٤ الإصدار ربيع الأول- جمادي الثانية لسنة ١٤١٣هـ.
30 انظر: الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها، محمد بن خليفة التميمي، ص ٦٥.
31 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/١٧٠.
32 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٢١.
33 انظر: جامع البيان، الطبري٢٣/٤١٦.
34 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٣٤.
35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/١٥٩.
36 جامع البيان٢٤/٥٠٧.
وانظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/ ٣٤٣.
37 انظر: مدارك التنزيل، النسفي٣/١٣٥.
38 انظر: جامع البيان، الطبري١٥/ ٤٥٣.
39 انظر: النكت والعيون٢ / ٤٩٧.
40 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٢٩٦.
41 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٣/ ٢٠٩.
42 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، ٧/ ٢٢٨٨.
43 انظر: النكت والعيون، ٣/ ١٩٨.
44 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/١٨٨.
45 انظر: جامع البيان، الطبري٢٣/٤٦٩، التفسير الوسيط، الواحدي٤/٣١٦.
46 انظر: جامع البيان، الطبري١٠/٣٩٤.
47 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢١٤.
48 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٣/ ١١٩.
49 انظر: جامع البيان، الطبري١٢/ ٥٦١.
50 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٣١٥.
51 انظر: تفسير القرآن، السمعاني٢/ ٤٣٣.
52 انظر: الكشاف٢/ ٣٩٨.
53 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل٢٠/ ٤١١.
54 انظر: جامع البيان، الطبري٢٤/ ٥١٦.
55 تفسير السمرقندي، ٢/ ٢٩٠.
56 انظر: النكت والعيون، الماوردي٣/٢١٢.
57 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٧/٣٩١.
58 انظر: تيسير الكريم الرحمن السعدي، ص ٥٦٩.
59 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠ / ١١.
60 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٥٥٠.
61 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/ ١٩٦.
62 انظر: جامع البيان، الطبري٧ / ٢٧٥.
63 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٥ / ١٠٣.
64 انظر: جامع البيان، الطبري٢٣/ ٦٧.
65 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٦٢.
66 انظر: جامع البيان، الطبري٦/٢٥٨.
67 انظر: الإحسان في ضوء الكتاب والسنة النبوية، أحمد الغامدي، ص١٩٠.
68 انظر: تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، الصنعاني، ص ٩.
69 انظر: مذكرة التوحيد، عبد الرزاق عفيفي، ص ٢٧.
70 انظر: مذكرة التوحيد، عبد الرزاق عفيفي، ص ٢٧.
71 انظر: تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، الصنعاني، ص ٩.
72 جامع البيان، الطبري٩/٢٥٠.
وانظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢/ ١٢٠.
73 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٤/١٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣١٠.
74 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي١٤/ ٧٤.
75 العبودية، ابن تيمية، ص ٤٤.
76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي صلى الله عليه وسلم، رقم١، ١/٦، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
77 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر صوفي، ص ٩٣.
78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور، فالصلح مردود، رقم ٢٦٩٧، ٣/١٨٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم ١٧١٨، ٣/ ١٣٤٣.
79 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر صوفي، ص ٩٣.
80 جامع البيان١٨/٦٤١.
81 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٧/ ٢٤٨.
82 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي٢٠/ ٢٥٩.
83 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٧٨.
84 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٢٧٩.
85 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢ / ٤٩، التفسير الوسيط، الواحدي٣/ ١٠٢.
86 انظر: أضواء البيان الشنقيطي٣ / ٨٥.
87 انظر: جامع البيان، الطبري٢٢/١١٢، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٤/٤٤٢.
88 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/ ٢١٢.
89 اخرجه الترمذي في سننه، أبواب الرضاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، رقم١١٦٢، ٣/٤٥٨، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء، رقم ١٩٧٨، ١/٦٣٦.
والحديث صححه الترمذي، والبوصيري في مصباح الزجاجة ٢/١١٨ ، والألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم ٣٢٦٥، ١/ ٦٢٠.
90 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، ٢/٤١٩.
91 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي١/٥٤٢.
92 أنوار التنزيل١/١٤٧.
93 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢ /٥٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٧٨.
94 انظر: تفسير ابن باديس، ص ٧٩.
95 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم ١٦٢٣، ٣ /١٢٤٢.
96 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي٨/٣٣١.
97 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/ ٥٠ تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٧٨.
98 التحرير والتنوير٥/ ٤٩.
99 مفاتيح الغيب١٠/ ٧٨.
100 المحرر الوجيز٣/ ٤٥٠.
101 زاد المسير٣/ ٢٠.
102 انظر: تفسير ابن باديس ص ٧٩.
103 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور١٥/ ٧٦.
104 انظر: جامع البيان، الطبري٤/ ٢٩١.
105 اللباب في علوم الكتاب٢/٢٤٠.
106 انظر: جامع البيان، الطبري٢/ ٢٩٢.
107 انظر: المصدر السابق٢/ ٢٩٣.
108 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/ ٢٦١.
109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، رقم ٦٠١٤، ٨/١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب الوصية بالجار والإحسان إليه، رقم ٢٦٢٥، ٤/٢٠٢٥.
110 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٥/ ١٨٣.
111 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان، رقم ٤٨، ١/٦٩.
112 انظر: تفسير المراغي٥/ ٣٦.
113 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير١/ ٢٠٩.
114 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي٣/ ١١٢.
115 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٥/٨٠.
116 انظر: تفسير القرآن العظيم٤/ ٥٢٦.
117 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/ ٦٣.
118 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج١/٢٦٦، التفسير الوسيط، الواحدي١/ ٢٩٣.
119 انظر: لباب التأويل، الخازن١ / ١٢٣.
120 أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، رقم ١٧٣١، ٣/ ١٣٥٧.
121 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان في الحرب، رقم ٣٠١٤، ٤/٦١، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، رقم ١٧٤٤، ٣/١٣٦٤.
122 انظر: روائع البيان تفسير آيات الأحكام، الصابوني٢/٤٦٠.
123 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٥/ ٢٠٤.
124 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٤٦٠١، ٤١/١٤٨، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، رقم ٣٨٤٢، ٢/٥٤١.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ولم يتعقبه الذهبي، وصححه الارناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد٤١ / ١٤٩.
125 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٦ / ١٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨ / ٢٠٦.
126 أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب (إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا)، رقم ٤٨٣٨، ٦/١٣٥.
127 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير١/ ٢٠٩.
128 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/ ٦٦٩، النكت والعيون، الماوردي١/ ٥١٣.
129 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٥/ ٨٠.
130 المصدر السابق٤/٥٢٦.
131 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/ ١٤٧.
132 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب١١/٥٧٦.
133 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/ ٢٦٩، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٣/ ١٩٦.
134 النكت والعيون٥/ ١١٨.
135 انظر: جامع البيان، الطبري١٨/ ٥٣٨.
136 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٣١٨.
137 انظر: الكشاف، الزمخشري٣/ ١٣٧.
138 انظر: مدارك التنزيل، النسفي٢/ ٤٢٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٥/٣٣١.
139 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي٢٩/٣٧٧.
140 تفسير المراغي١٣/ ٤٤.
وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤ / ٣٥٣.
141 انظر: جامع البيان، الطبري١٤/ ٤٣٤.
142 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/ ٤٦٦.
143 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب٦/ ٨٨٢.
144 انظر: لباب التأويل، الخازن١/ ٣٠٦.
145 انظر: جامع البيان، الطبري٣/ ٥٩٥.
146 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج١/ ٢٦٦، التفسير الوسيط، الواحدي١/٢٩٤.
147 انظر: جامع البيان، الطبري٧/٢١٥.
148 انظر: الموسوعة القرآنية، جعفر شرف الدين ٩/ ٢٥٩.
149 انظر: جامع البيان، الطبري١٠/١٣٤.
150 انظر: البحر المحيط، أبو حيان٤/ ٢٠٦.
151 انظر: جامع البيان، الطبري١٧/٣٢٧.
152 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/٥١، تفسير القرآن، السمعاني٣/ ٢١١.
153 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤ / ٥٢٨.
154 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/ ٦٣.
155 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٤/١٧٤ التفسير الوسيط، الواحدي٣/ ٤٢٦.
156 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٥٦٨، مدارك التنزيل، النسفي٢/٦٨٨.
157 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم ٣/٨٦١.
158 سبق تخريجه.
159 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٤/ ٣٠٨، الكشف والبيان، الثعلبي ٨/ ١٤٧.
160 النكت والعيون٥/ ٥٣.
161 انظر: الكشاف، الزمخشري٤/ ٤٨.
162 انظر: جامع البيان، الطبري٢١/ ٩٠.
163 النكت والعيون٥/ ٦٣.
164 انظر: جامع البيان، الطبري٢١/ ٩٩، تفسير القرآن، السمعاني٤ / ٤٠٣.
165 انظر: جامع البيان، الطبري٢١ / ٩٥.
166 انظر: فتح القدير الشوكاني٤ / ٤٦٥.
167 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧٠٥.
168 التحرير والتنوير٢٣ / ١٣٤.
169 جامع البيان١٥ / ٥٢٦.
170 انظر: جامع البيان، الطبري١٦/ ١٥١.
171 انظر: المصدر السابق، ١٨/ ١٦.
172 انظر: زاد المسير٣ / ٨٢.
173 جامع البيان، الطبري٢/ ٣٩٣.
174 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١ / ٣٨٢، تفسير الشعراوي ١٤ / ٨٨٣٥.
175 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/ ٤٤١.
176 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي١٣/ ١٨٨.
177 جامع البيان ١٨/ ٦٤١.
178 انظر: النكت والعيون، الماوردي٤ / ٢٨.
179 جامع البيان١٤/ ٥٦٥.
180 مفاتيح الغيب١٦/ ١٧٠.
181 انظر: مدارك التنزيل، النسفي١ / ٧١٧.
182 انظر: تفسير المراغي١١ / ٤٦.
183 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤ / ٤٨٧.
184 انظر: النكت والعيون، الماوردي٣/ ٢١٢.
185 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٥١٦.
186 انظر: جامع البيان، الطبري٢١/٢٩٢.
187 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي٣/ ٥٨١.
188 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري٤/ ٤٨٧.
189 جامع البيان٢٤/ ١٤٣.
190 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨ / ٣٠٥.
191 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي٤ / ٢٥٨.
192 النكت والعيون٢ / ٤٣٢.
193 انظر: جامع البيان، الطبري١٥/٧٢، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٣/ ١٥.
194 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، رقم ١٨١، ١/ ١٦٣.
195 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي٢/ ٥٤٤.
196 المحرر الوجيز٣/ ١١٥.
197 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، رقم ١٨١، ١/١٦٣.
198 تفسير القرآن العظيم، ٤/ ٢٢٩.