عناصر الموضوع
الاتباع
أولًا: المعنى اللغوي:
«التاء والباء والعين: أصل واحدٌ لا يشذ عنه من الباب شيء، وهو التلو والقفو، يقال: تبعت فلانًا، إذا تلوته واتبعته، وأتبعته إذا لحقته»1.
يقال: «تبع الشيء تبعًا وتباعًا في الأفعال، وتبعت الشيء تبوعًا وتباعًا في الأفعال، وتبعت الشيء تبوعًا سرت في أثره، واتبعه وأتبعه، وتتبعه: قفاه وتطلبه متبعًا له.. والتابع: التالي، والجمع: تبع وتباع وتبعة، والتبع: اسم للجمع.
والتبع: يكون واحدًا وجماعة، وقوله عز وجل: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [إبراهيم: ٢١].
يكون اسمًا لجمع تابع، ويكون مصدرًا، أي: ذوي تبع... والتبعة والتباعة: ما اتبعت به صاحبك من ظلامة ونحوها.
والتَبِعَة والتِبَاعَة: ما فيه إثم يتبع به... والتبابعة: ملوك اليمن، واحدهم: تُبَع، سموا بذلك؛ لأنه يتبع بعضهم بعضًا، كلما هلك واحدٌ قام مقامه آخر، تابعًا له على مثل سيرته... وقيل: فلان متتابع العلم، إذا كان علمه يشاكل بعضه بعضًا لا تفاوت فيه»2.
فالمعنى اللغوي يدور حول الاقتفاء والاقتداء، واللحاق بشيء أو شخص والسير خلفه.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الشرباصي: «والمعنى الأخلاقي للاتباع هو: أن يميز الإنسان الخبيث من الطيب، وأن يتبين طريقه على بصيرة، وأن يعرف من تقدمه على طريق الحق والصدق، فيتخذه أسوة وقدوة، فيمضي اللاحق على سنن السابق، فتوجد عند الإنسان روح الاتباع، وينأى بنفسه عن ضلال الابتداع..... وخير اتباع ينبغي أن يتحلى به المرء ويلتزمه ويحرص عليه، اتباع هدي الله، والتزام صراطه المستقيم؛ لأن ذلك طريق الأمان والاطمئنان، يقول الله تبارك وتعالى: ( ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٣٨]»3.
وردت مادة (تبع) في القرآن (١٦٩) مرة4، والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٧٥ |
(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [القصص:٥٠] |
الفعل المضارع |
٦٠ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:١٢٠] |
فعل الأمر |
٢٤ |
( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [آل عمران: ٣١] |
المصدر |
٤ |
(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النساء:١٥٧] |
اسم الفاعل |
٣ |
(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة:١٤٥] |
اسم المفعول |
٢ |
(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الشعراء:٥٢] |
اسم مشتق |
١ |
(ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الإسراء:٦٩] |
وقد استعمل القرآن الكريم الاتباع بمعناه اللغوي، وهو: أن يقفو المتبع أثر المتبع تارة بالجسم، ومنه قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [طه:٧٨]. أي: فساروا في أثر موسى وبني إسرائيل، وتارة بالارتسام والائتمار.
ومنه قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة:١٦٦]. يعني: في الدين5. ولم يخرج عن هذا المعنى.
الأسوة:
الأسوة لغةً:
الأسوة: القدوة 6. قال الأزهري: «فلان يتأسى بفلانٍ، أي: يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به، وكان في مثل حاله. والقوم أسوة في هذا الأمر، أي: حالهم فيه واحدة» 7.
الأسوة اصطلاحًا:
«الاتباع للفعل، والاقتداء بالفاعل» 8.
أو: «الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره؛ إن حسنًا وإن قبيحًا»9.
الصلة بين الاتباع والأسوة:
أن في كليهما اتباعًا ولحوقًا في تنفيذ المنهج إلا أن الأسوة يراعى في الإنسان جانب القدوة؛ ليحصل الاقتداء به.
الطاعة:
الطاعة لغةً:
أصل مادة ( طوع) تدل على الإصحاب والانقياد، يقال: طاعه يطوعه إذا انقاد معه10.
الطاعة اصطلاحًا:
قال ابن عاشور: «الطاعة: امتثال الأمر والنهي»11.
الصلة بين الاتباع والطاعة:
قد يأتي الإنسان بالطاعة وهو كاره، بخلاف الاتباع فهو دليل حب12.
لقد اتضح من المعنى اللغوي والاستعمال القرآني للفظة الاتباع أنها تدور حول معنيين:
أحدهما: يتعلق بالاتباع المبني على الدليل والبرهان.
والآخر: مبني على التقليد بلا دليل.
وإزاء ذلك؛ قمت بتقسيم الاتباع إلى عنوانين رئيسين هما: الاتباع المحمود والاتباع المذموم، ويدخل تحت هذين العناوين عددٌ من العناوين الفرعية التي تندرج تحتهما مما يتعلق بهما.
أولًا: الاتباع المحمود:
عرض القرآن الكريم اتباع الوحي والأنبياء عرضًا تناوله من جميع جوانبه، فمن ذلك:
وهذا شيء مهم؛ فقبل أن يأمر الأنبياء أتباعهم باتباع الوحي؛ أمروا هم باتباعه، ليعلم أن الوحي حجة على جميع الخلق ويجب أن يكون الأنبياء قدوة فيمتثلوا هم الأمر باتباع الوحي.
وقد اقترن الأمر باتباع الوحي بأمور أخرى، ومنها:
١. الإعراض عن المشركين.
لأن الإعراض عن المشركين من متممات اتباع الحق، فلا يتم للمرء الاتباع إلا بالإعراض عن المشركين، قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام: ١٠٦ ].
هذا الوحي «هو الحق الذي لا مرية فيه»13، وقد أكده بقوله: (ﮐ ﮑ)، وهذا يعني: أنه من عند الله، وليس من عند غيره من البشر، وهو مؤكد آخر لإيجاب اتباع الوحي.
وصياغة المرء حياته على اتباع الحق تتناقض مع عقيدة المشركين، فقد يشغبون عليه بالقول و الفعل، أو الترغيب والترهيب، وهذا هو الصراع الأبدي معهم، لذا؛ أمر بالإعراض عنهم، وتحقيق العبودية الحقة لله تعالى.
٢. النهي عن اتباع الهوى.
ولاشك أن اتباع الهدى يتناقض مع اتباع الهوى، فلا يجتمع الهوى والهدى في قلب أحدٍ، وحين يحضر اتباع الهدى يزول الهوى ويضمحل، قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الجاثية: ١٨].
قال ابن جرير: «على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا»14.
وعليه؛ فالله أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يسير على هذا المنهاج الواضح المعالم فيتبعه، وهذه الشريعة تقتضي كل مايحبه الله ويرضاه، «وكل عمل وحب وذوق ووجد وحال لا تشهد له هذه الشريعة التي جعله عليها؛ فباطل وضلال، وهو من أهواء الذين لايعلمون» 15.
٣. الأمر بالصبر على الأذى.
وذلك لأن المرء حين يلزم نفسه باتباع الحق؛ فإنه سوف يلقى عنتًا من نفسه أولًا، حيث من طبع النفس الميل نحو الهوى واللذة، ثم ما يلقى الإنسان من الأذى من الآخرين على اختلاف أنواعه؛ لا بد أن يصبر عليه.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يونس: ١٠٩].
فالله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع الوحي في الاعتقاد والعلم والعمل والدعوة 16، وأن يتمسك به ويصبر بعد ذلك على ماسوف يناله من الأذى، وكلما كان المرء أشد اتباعًا للوحي؛ ناله من الأذى الشيء الكثير، وهو مأمور بالصبر، ولذلك كان الأنبياء أشد الناس بلاء؛ لكونهم أشدهم في اتباع الوحي.
٤. اطلاع الله على ما انطوت عليه الأفئدة.
بحيث يجرد المرء اتباعه خالصًا لله وحده، ولا يكون لحظ نفسه أو الدنيا شيء من ذلك، قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الأحزاب: ٢].
ففي الآية وعيدٌ يفيد أن الله مطلع على جميع أعمالكم ومجازيكم عليها، كما أن فيها إشارة إلى ضرورة المسارعة في امتثال الأمر، وعدم التريث في تطبيقه، «والأمر له صلى الله عليه وسلم؛ أمرٌ لأمته، فهم مأمورون باتباع القرآن، كما هو مأمورٌ باتباعه» 17.
٥. الأمر باتباع الأنبياء السابقين.
يؤكد الاقتداء بهم، لكونهم معصومين، وقد زكاهم الله سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ١٢٣].
ولا يخفى أن ملة إبراهيم التي أمر باتباعها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي الحنيفية المسلمة، والاتباع هنا: هو في التوحيد وأصول الشريعة، كما أن التعبير القرآني أشار إلى أن «الأمر باتباع ملة إبراهيم لا اتباع إبراهيم عليه السلام»، وبهذا نفهم أن علينا اتباع المنهج لا اتباع الأشخاص، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ الوحي عمن أخذ عنه إبراهيم عليه السلام.
٦. صحة الطريق.
وهي أمرٌ مهم لمن يسلك طريق الاتباع؛ لأن هذا الطريق يمر بالسعادة والفلاح في الدنيا، وينتهي برضوان الله تعالى وجنته في الآخرة، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الزخرف: ٤٣].
الاستمساك: هو شدة المسك، والسين والتاء للمبالغة والتأكيد، وعليه؛ فالله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بشدة التمسك بالوحي على كل الأحوال ورغم كل الظروف، لأن الله سبحانه قد ضمن له صحة الطريق، وهذا فيه تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم أيما تثبيت، فلا يضجر ولا يألم، كما أن فيه تثبيتًا لأتباع الأنبياء من الدعاة والمصلحين من بعده ليسيروا في طريقه.
إن الأنبياء عليهم السلام هم قدوة البشر، وحين يأمرون أتباعهم بشيء؛ فلابد أن يكونوا أول وأولى من يحقق هذا الأمر في أعلى مراتبه و في درجة الكمال منه، ولذلك فقد أخبر الله تعالى عن امتثالهم الأمر باتباع في آيات كثيرة، ومن ذلك:
١. اقتران الخبر بالدعوة إلى التفكير.
وهذا من المواضع الكثيرة التي حثنا فيها القرآن على التأمل والتفكر، والبحث عن الدليل والبرهان في أمورنا، خاصة العقدية منها، ويؤخذ ذلك من قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأنعام: ٥٠].
يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: إنه ماهو إلا «عبد يمتثل أمر مولاه، ويتبع ما أوحاه»18، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلا بالوحي؛ فإنه ليس لأحد من أمته أيضًا أن يعمل إلا بالوحي.
ثم يعقب ذلك بسؤال مهم (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ) وفيه تشبيه حال «من لا يفقه الأدلة ولا يفكك بين المعاني المتشابهة؛ بحالة الأعمى، الذي لا يعرف أين يقصد، ولا أين يضع قدمه، وشبهت حالة من يميز الحقائق ولا يلتبس عليه بعضها ببعض بحالة القوي البصير؛ حيث لا تختلط عليه الأشباح»19.
٢. اقتران الخبر بالثناء على الوحي.
حيث يكون اتباع الوحي سببًا لتنوير بصيرة متبعيه وهدايتهم إلى الطريق المستقيم، بل ويكون اتباع الوحي سببًا في رحمتهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأعراف: ٢٠٣].
فالنبي صلى الله عليه وسلم مقتصر على اتباع الوحي لا غير، لا يطلب غير آياته آية، ولا بعد حجته حجة، لماذا؟ لأنه (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ).
قال الزمخشري: «أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب» 20.
وهذه البصائر هي لمن آمن فقط؛ لأن «المؤمن مهتدٍ بالقرآن، متبع له سعيد في دنياه وأخراه، وأما من لم يؤمن به؛ فإنه ضال شقي في الدنيا والآخرة» 21.
٣. عدم اتباع الوحي مقرونٌ بالمعصية.
وهو الضد من اتباع الوحي، فكما أن اتباع الوحي سببٌ لوجود البصيرة والهداية والرحمة؛ فإن ترك الوحي واتباع سبل الضلال سببٌ للمعصية والعذاب، في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ( ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يونس: ١٥].
تبين الآيات نتيجة عدم اتباع الوحي ألا وهي المعصية، وهذا لتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ربه، فما بال أولئك الذين نبذوا الوحي وراءهم ظهريًا !
٤. اقتران الخبر بالنذارة.
وفيه تخويفٌ للناس، بأنهم إن لم يتبعوا الوحي فليحذروا العاقبة السيئة لذلك، ولذلك فقد ألزم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه باتباع الوحي.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأحقاف:٩].
وعلى هذا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قد حصر عمله باتباع الوحي فقط، ومعنى ذلك: «الاستسلام والتبري من علم المغيبات والوقوف مع النذارة من عذاب الله عز وجل» 22.
بعد أن تقرر آنفًا أن الأنبياء أمروا باتباع الوحي أولًا، وأنهم امتثلوا هذا الأمر علمًا وعملًا ودعوة -؛ جاء دور أمر الأمة باتباع الأنبياء ومن ثم اتباع الوحي؛ لأن اتباع الأنبياء يقود إلى اتباع الوحي فهم واسطته إلينا.
جاء الأمر باتباع الوحي:
١. مقرونًا بالمحبة والمغفرة.
وهو نتيجة طبيعية له، فإن اتباع الحق والوحي آية محبة الله تعالى، وقد أكدت هذه المعاني في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [آل عمران: ٣١].
إذًا فالآية جاءت لبيان حقيقة الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يكون صادقًا. يقول ابن كثير رحمه الله: «هذه حاكمة على من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله» 23.
٢. مقرونًا بالاهتداء.
فاتباع الوحي هو اتباع لما جاء من عند الله تعالى، وما كان كذلك؛ فإنه حقٌ لامرية فيه، وصواب لاضلال فيه، كما في قصة صاحب (يس)، حيث طلب من قومه اتباع المرسلين، وأثبت أنهم مهتدون، كما أثبت ذلك في سورة الأعراف، حيث الاتباع يؤدي إلى الهداية.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يس: ٢٠ ٢١].
وقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ) [الأعراف: ١٥٨].
إن مايدعو إليه هؤلاء الأنبياء هو الإيمان بالله ورسوله، ولذلك فقد أثنى الله تعالى على ذلك، ثم طلب منهم متابعته متابعة تامة في الأقوال والأفعال24، مرتبًا على هذه المتابعة الهداية، «تنبيهًا على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شرعه؛ فقد بعد في خطط الضلالة»25.
٣. صحة الطريق.
وهو أمرٌ مر بنا آنفًا، حيث امر الأنبياء باتباع الوحي نظرًا لصحة الطريق الذي يجب عليهم أن يسلكوه، وهاهم الآن يدعون إلى اتباع الوحي مستشهدين بصحة الطريق أيضًا، تأمل معي مخاطبة إبراهيم عليه السلام أباه قائلًا: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [مريم: ٤٣].
وتأمل أيضًا خطاب محمد صلى الله عليه وسلم لقومه قائلًا: (ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الزخرف: ٦١].
ففي الآيتين خطاب لنبيين كريمين، وفي كلا الخطابين ضمان لصحة الطريق حيث لا اعوجاج فيه ولا ظلام، أوله في الدنيا وآخره في الجنة، إذا هم اتبعوه.
٤. بطلان عقائد الشرك.
وهذه عكس سابقتها، فإن صحة طريق تعني بطلان غيره من الطرق، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران: ٩٥].
وما تضمنته هذه الآية؛ انطلاق من المسلمات، وذلك أنهم مجمعون على صحة دين إبراهيم عليه السلام، ولذلك أمروا باتباعه، لأنه كان «معرضًا عن كل مايخالف التوحيد متبرئًا من الشرك وأهله»26.
وصحة اتباع إبراهيم عليه السلام ستقود بلا شك إلى اتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقيدة واحدة.
٥. الأمر بالطاعة.
فإن الاتباع وحده لا يكفي، بل لا بد أن ينضاف إليه طاعة الله تعالى واتباع أوامر أنبيائه عليهم السلام، ولذلك جاء على لسان هارون عليه السلام حين أضل السامري بني إسرائيل، واتخذوا العجل بعد ذهاب موسى عليه السلام، أن دعاهم إلى الاتباع والطاعة، فقال لهم: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [طه: ٩٠].
قال ابن عاشور: «دعاهم إلى معرفة الرب الحق، ثم دعاهم إلى اتباع الرسول؛ إذ كان رسولًا بينهم، ثم دعاهم إلى العمل بالشرائع» 27.
عرض القرآن اتباع الوحي من خلال عدة طرق موضوعية، ويمكن إبراز أهمها بما يلي:
١. اقتران الأمر باتباع الوحي بالنهي عن اتباع غيره.
وفي ذلك حصرٌ لمصدر التشريع؛ إذ لا يمكن للمرء اتباع الوحي وسواه في آن، فإن اتباع أحدهما يلغي الآخر، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ١٥٣].
أخرج أحمد بسنده إلى ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطًا، ثم قال: هذا سبيل الله، وهذه السبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنعام: ١٥٣]) 28.
ولعل في نسبة الصراط إلى الله إشارة «إلى عصمة هذا الصراط من الزلل؛ لأن كونه صراط الله يكفي في إفادة أنه موصلٌ للنجاح؛ فلذلك صح تفريع الأمر باتباعه على مجرد كونه صراط الله» 29، ولذلك جاء النهي عن اتباع السبل الأخرى، وهي كثيرة، سواء أكانت من العقائد الباطلة أو أي طريق تابع للهوى، «فإن مقتضى الهوى متعدد، لاختلاف الطبائع والعادات» 30.
٢. اقتران الأمر باتباع الوحي بالثناء عليه.
وهو أمرٌ تكرر آنفًا أيضًا، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الأنعام: ١٥٥].
جاء الثناء على الوحي من عدة وجوه في الآية، فمنها:
الصالحون: «جمع صالح، وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته» 33، ولما كان هذا الخلق عظيمًا؛ وصف الله به عددًا من الأنبياء في آياتٍ كثيرة، فقد دعا نبي الله إبراهيم عليه السلام بأن يكون من الصالحين: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الشعراء: ٨٣].
ومثله نبي الله يوسف عليه السلام وسليمان عليه السلام، كما أثنى الله على عدد من الأنبياء بهذه الصفة فقال: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأنعام: ٨٥].
وما دامت للصالحين تلك المنزلة، فقد نتساءل كيف يمكن الوصول إليها؟
إن الوصول إلى هذه المنزلة لا يكون إلا باتباع الصالحين، غير أن هذا الاتباع مقيد بقيد موافقتهم للشريعة، وأما ماخالفوا فيه؛ فإنهم لايتابعون عليه؛ فالحق أحق أن يتبع.
وسوف يكون الحديث عن الصالحين من خلال مايلي:
لما كانت السعادة في اتباع الرسل؛ فإن أولى الناس بالاتباع بعد الرسل «هم أعلمهم بآثار المرسلين وأتبعهم لذلك»34، ولا أحد أعلم بحال المرسلين إلا أقرب الناس إليهم وهم أصحابهم.
وقد أثنى الله عليهم في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، ومنها: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التوبة: ١٠٠].
كما أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) 35.
قال الشنقيطي متحدثًا عن آية التوبة: «صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان؛ أنهم داخلون معهم في رضوان الله تعالى والوعد بالخلود في الجنات، والفوز العظيم» 36، وأما اتباعهم؛ فهو اتباعٌ كاملٌ؛ بالاعتقادات والأقوال والأعمال37.
وقد ساق ابن القيم أدلة وجوب اتباع الصحابة رضي الله عنهم من ستة وأربعين وجهًا 38.
بقي أن أشير إلى أن اتباع الصحابة رضي الله عنهم دائر مع الحق وجودًا وعدمًا؛ فإن ما يقولونه أو يفعلونه يعرض على الكتاب والسنة، فإن وافقهما قبل، وإن خالفهما رد.
أقصد بالدعاة العاملين: أولئك الربانيين الذين علموا الحق ودعوا إليه، وصبروا على الأذى الذي نالهم في سبيله.
ساق القرآن ثلاث جوانب في هذا السياق، ومنها:
مؤمن آل فرعون:
تحكي لنا هذه القصة حال رجل عرف الحق فآمن به، ودعا إليه، وكان يكتم إيمانه، ويجادل عن موسى عليه السلام مع أعظم طغاة الأرض فرعون.
والقصة طويلة، لكن المقصود أنه دعاهم إلى توحيد الله تعالى والإيمان بموسى عليه السلام، وحذرهم من الشرك الذي يقود على النار.
قال لهم: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [غافر: ٣٨ ٤٠].
لم يدعهم الرجل إلى تقليده، بل دعاهم إلى اتباع الحق، ولذلك فإن هذا الرجل إنما اتبع لأنه دعا قومه إلى الحق، لا لأنه دعا إلى نفسه. ثم دعاهم مرة أخرى فقال: ( ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [غافر: ٤١ ٤٢].
والخلاصة أن هذا الرجل مؤمن آل فرعون- واجه الشرك وأهله - الذي تمثل بفرعون وملئه يدعوهم على إلى عبادة إله لاشريك له، واتباع موسى عليه السلام، حتى انقسم الناس إلى قسمين لا ثالث لهما: «إما محمدي موسوي، أو فرعوني» 39.
قصة صاحب (يس ):
قص الله علينا قصة هذا الرجل الذي جاء إلى قومه يدعوهم إلى الله تعالى، وقومه هم أصحاب القرية الذين أرسل الله إليهم ثلاثة من الرسل فكذبوهم جميعًا محتجين بكونهم بشرًا، وفي أثناء الحوار يجيء رجل من أقصى المدينة يسعى ليناظر هؤلاء المعاندين، ويبين لهم حقيقة توحيد الله وعبادته وحده، ومما قال: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يس: ٢٠ ٢٥].
طلب منهم هذا الرجل أن يتبعوا المرسلين، «فنبه على موجب الاتباع، وهو كون المتبوع رسولًا لمن لا ينبغي أن يخالف ولايعصى» 40.
وأخبرهم بأنه يعبد إلهًا واحدًا، وليس هناك شيء يمنع من عبادة الله تعالى، الذي فطرنا جميعًا وإليه مرجعنا جميعًا، وهذا فيه رد وردع لهم للرجوع عن الشرك من خلال التذكير بالبعث.
وكما في قصة مؤمن آل فرعون؛ فإن هذا الرجل لم يدعهم إلى نفسه، بل دعاهم إلى توحيد الله ونبذ الشرك، واتباع القوم له إنما هو اتباع للحق وليس لشخصه.
لم يقتصر اتباع الصالحين على قصتين في القرآن فقط، بل إن القرآن دعا إلى اتباع كل من ينيب على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [لقمان: ١٥].
قال ابن كثير: «يعني المؤمنين» 41.
وخصها ابن القيم بالصحابة فقط، فقال: «وكل الصحابة منيبٌ إلى الله، فيجب اتباع سبيله، وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله، والدليل على أنهم منيبون إلى الله تعالى؛ أن الله تعالى قد هداهم وقد قال: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشورى: ١٣]»42.
والظاهر والله أعلم أن الآية عامة، وأنها تعني الاقتداء بكل منيبٍ إلى الله، أي: راجع إليه، مقلعٍ عن الشرك والمعاصي، وهذا يعني كل إنسانٍ هذا شأنه من عباد الله الصالحين، «واتباع سبيلهم؛ أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى الله التي هي انجذاب دواعي القلب وإرادته إلى الله، ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله ويقرب منه».43
إن منزلة الآباء عند أبنائهم منزلة عظيمة، ومحبة الابن لأبيه والأب لابنه كبيرة، وقد أمر الابن بطاعة أبيه في مواطن كثيرة، ولكن هذه الطاعة تزول إذا أمر الوالدان أو أحدهما بمعصية الله، فإنه لا طاعة لهما.
إن اتباع الآباء - شأنه شأن بقية أنواع الاتباع - مقيد باتباع الحق، فما دام الأب متبعًا للحق؛ فإنه يتبع، ومتى جانب الصواب؛ فإنه يترك ولا يتابع في ذلك، مع الاحتفاظ بتقديره واحترامه.
قال يوسف عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭭ) [يوسف: ٣٨].
إن من اتبع طريق المرسلين، وابتعد عن طريق الضالين؛ «فإن الله يهدي قلبه، ويعلمه مالم يكن يعلم، ويجعله إمامًا يقتدى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد» 44.
ثم شرع يبين من هؤلاء الآباء: إنهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهؤلاء كلهم أنبياء كما لايخفى -، وهذا هو السبب الأول في اتباعهم، إنهم معصومون وعلى الحق دائمًا 45.
وأما السبب الثاني؛ فقوله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ)، فقد «طهر آباءه عن الكفر» 46، وبين أنهم على ملة التوحيد بالدلالة العكسية لعدم الشرك، حتى أصبح التوحيد «كالسجية لهم، عرف بها أسلافه بين الأمم، وعرف بها نفسه» 47.
وتأمل كيف يكون حرص الأنبياء على عقيدة أبنائهم، فهم يتابعون ذلك حتى وهم في أخريات حياتهم ساعة الاحتضار.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ١٣٣].
ولا يكفي أن يكون ذلك في الدنيا، بل إن الأبناء يلحقون آباءهم، وينالون شرف الاتباع في الدنيا باللحاق بآبائهم المؤمنين في الآخرة، وعنده تكتمل سعادة الآباء والأبناء.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الطور: ٢١].
حيث يخبر الله تعالى عن تمام نعيم أهل الجنة، بإلحاق الأبناء بالآباء، لكن هذا ليس لكل ابن، إنه للأبناء الذين اتبعوا آباءهم بالإيمان فقط، «فعطف الاتباع بالواو؛ يقتضي أن يكون المعطوف بها قيدًا أو شرطًا في ثبوت الخبر، لا حصوله لكل أفراد المبتدأ»48.
وعلى هذا؛ فالإيمان شرط لاتباع الأبناء الآباء؛ لأن الآباء في الغالب سببٌ في هداية أبنائهم بعد توفيق الله بتربيتهم وتعليمهم وتهذيبهم.
ولذلك فإن هذا الأب الذي ربى ذريته على الإيمان؛ يتمنى رؤية أبنائه معه في الجنة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقر بهم عينه»، ثم قرأ الآية 49.
وعند أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يارب: أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك) 50.
[انظر: القدوة: الآباء الصالحون]
ثانيًا: الاتباع المذموم:
لاشك أن مظاهر الاتباع المذموم كثيرة، وذلك ليس بدعًا من القول؛ فإن السبل الموصلة إلى جهنم كثيرة، بينما سبيل الجنة واحد هو اتباع الوحي الذي نزل على الأنبياء عليهم السلام.
وتتكرر مظاهر الاتباع المذموم بحسب الأزمنة والأمكنة، وتتنوع طرائقها، وبعضها يتمسح بمسوح الدين غير أن قائده يظل الهوى أو الشيطان أو كلاهما، أو غيرهما من مظاهر الاتباع المذموم.
حين يتأمل المرء دعاء امرأة عمران العظيم: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ٣٦].
يتعجب من هذا الدعاء، «فاستجاب الله لها، فأعاذها الله وذريتها من الشيطان الرجيم، فلم يجعل له عليها سبيلًا» 51.
وأعاذها وأعاذ ذريتها من بعدها من الشيطان الرجيم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه).
ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) 52.
و الحذر والتحذير من الشيطان والخوف من وسوسته واجب، فحتى الأنبياء لم يسلموا من وسوسة الشيطان، لكن الله سبحانه عصمهم، والأدلة والأمثلة على ذلك كثيرة.
قال الراغب: «وسمي كل خلق ذميم للإنسان شيطانًا» 53.
ولذلك فقد ميز الله الشيطان بصفات كاشفة كثيرة، جعلته شديد الوضوح لكل من يبحث عن الحق، ومن ذلك أنه وصف بالكفور كما في قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الإسراء: ٢٧].
والمريد، المتعري من كل خير، كما في قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الحج: ٣].
كما أنه يؤز بالإغواء والإضلال، قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [مريم: ٨٣].
ومن الطبيعي أن يوالي غير المؤمنين، كما في قوله تعالى: ( ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف: ٢٧].
إلى غير ذلك من الآيات، وهي كثيرة جدًا.
لكن المهم أن الشياطين لايريدون سوى الضلال والإضلال، وصرف الناس عن طريق الحق، وتزيين الباطل.
أما أثر اتباع الشيطان؛ فيمكن إجماله في جملة من الآثار، ومنها:
١. الكفر والضلال.
ولا نتوقع من الشيطان غير ذلك، كما لا نتوقع منه إلا كل ما هو مؤذٍ ومضرٍ بالإنسان.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الحشر: ١٦].
نقل الطبري عن مجاهد قوله: «(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ): عامة الناس» 54.
وكما هو واضح من الآية، يوسوس الشيطان للإنسان بأن يكفر، فإذا فعل؛ تركه وتبرأ منه، «وهذا دأب الشيطان مع كل أوليائه، فإنه يدعوهم ويدليهم بغرور إلى مايضرهم، حتى إذا وقعوا في الشباك، وحاق بهم أسباب الهلاك؛ تبرأ منهم وتخلى عنهم» 55، ولا لوم عليه؛ لأنه عدوٌ يخطط للإيقاع بخصمه، لكن اللوم على من يتبعه ويتبع وسوسته.
وأما الضلال فقريب من الكفر ومتممٌ له، وحين يقع المرء في الضلال؛ فإنه واقعٌ في الكفر لا محالة، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ٦٠]. والكفر داخل ضمن الضلال.
٢. الردة والانتكاس.
وهذا يقع لكثيرٍ ممن عرف الحق وحاد عنه بداعي الهوى.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [محمد: ٢٥].
تحكي الآية صفة من تبين لهم الحق ثم منعتهم شهوات نفوسهم على اختلافها من اتباعه، فارتدوا على أدبارهم، بسبب تسويل الشيطان وتزيينه لهم طريق الباطل، وإيهامهم أن في هذا الطريق إرضاء لشهواتهم وأشباعًا لغرائزهم، ولذلك أسبابٌ كثيرة، لكن الشيطان يقع على رأس هذه الأسباب.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنعام: ٧١].
٣. الصد عن سبيل الله.
حين يقع المرء في الكفر والضلال والردة والانتكاس؛ يتطور أمره إلى أن يصد الناس عن اتباع الحق، ويسعى بكل ما أوتي إلى جعل الناس يسيرون في طريق الضلال والهوى، وهذا من تاثير الشيطان عليه، وتزيينه لسوء العمل، كما يحكي القرآن ذلك على لسان الهدهد مخاطبًا نبي الله سليمان: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النمل: ٢٤].
ظاهر الآية يدل على أن سبب ضلال القوم؛ صد الشيطان إياهم عن السبيل، فهم لايهتدون للسجود لله تعالى، قال ابن القيم: «ثم أخبر عن المغوي لهم الحامل لهم على ذلك؛ وهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم حتى صدهم عن السبيل المستقيم وهو السجود لله وحده، ثم أخبر أن ذلك الصد حال بينهم وبين الهداية والسجود لله الذي لاينبغي السجود إلا له» 56 ، ويقترب من الصد تزيين الباطل، وهو كثير في القرآن.
٤. الجدال بغير علم.
وهي نتيجة أخرى للصد عن سبيل الله، حيث يبدأ المرء في الدفاع عن مبدئه الفاسد وضلاله المستحكم، وسبب هذا اتباعه الشيطان، وفي ذلك يقول الله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الحج: ٣].
تتحدث الآية عن قوم يجادلون في الله جدالًا مبنيًا على جهل، «أي: جدلًا ناشئًا عن سوء نظر وتفكير، فلا يعلم ما تقتضيه الألوهية من الصفات»57.
وهؤلاء القوم تبعٌ لكل شيطان مريد، سواء أكان من شياطين الجن أو الإنس من أئمة الكفر والضلال؛ فإن هؤلاء هم الذين صدوهم عن الحق.
وكم يجد المرء من العنت في مجادلة هؤلاء الأتباع؛ لأنهم ليس لديهم نقل تحاكمهم إليه ولاعقلٌ، فإذا ما جاءته الحجة الدامغة وأوقفته؛ زعم أنها لم تخف على شيطانه الذي يتبعه، فإن قبلها ذلك المتبوع، وإلا فلا حجة.
٥. إيقاع العداوة والبغضاء.
وهذه من أحب الصفات إلى الشيطان أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة: ٩١].
إن الشيطان يهيئ للعداوة والبغضاء بين الناس عن طريق الخمر والميسر؛ لأنهما من أسرع الوسائل في حصولها، وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)58.
قال النووي: «أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب، ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء، والحروب والفتن ونحوها»59.
وأعظم التحريش عند الشيطان أن يفرق بين المرء وزوجه 60.
ولذلك فالمطلوب من الإنسان الحذر من الشيطان ومزالقه التي توصل إلى العداوة والبغضاء بالقول والفعل.
٦. إلقاء الرعب في قلوب المسلمين.
في غزوة أحد تولى بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الزحف.
فجاءت هذه الآية تحكي قصتهم: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯝ) [آل عمران: ١٥٥].
في الآية بيان سبب التولي يوم الزحف، وأنه إنما كان استزلال الشيطان لهم، بسبب بعض ذنوبهم السالفة، وكانت هذه الذنوب سببًا خفيًا وراء التولي، وقد نقل ابن كثير عن بعض السلف: «إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها»61.
٧. نسيان ذكر الله.
وهذا أمر طبيعي، فإن من استولى عليه الشيطان؛ أنساه ذكر الله، كما في قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﰉ) [المجادلة: ١٩].
وقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الزخرف: ٣٦].
إن هذا القرين هو الذي ينسي المرء ذكر الله تعالى - بكل أنواعه، ولعل المقصود أن هؤلاء القوم نتيجة استيلاء الشيطان عليهم وغلبته على نفوسهم؛ أنساهم ذكر الله، فلم يعودوا يذكرونه بألسنتهم، ولم يعودوا يتذكرونه بأفعالهم.
٨. التناجي المذموم.
وهي إحدى الصفات المذمومة التي يزين فعلها لبني آدم حتى يعمق بينهم العداوة والبغضاء.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المجادلة: ١٠].
والمتأمل للآية يلاحظ قصر النجوى بـ(إنما) على الشيطان، فهو المختص بها وهي المختصة به، يوسوس إلى قلوب العباد بوساوسه الخبيثة ليحزن الذين آمنوا، لما يقع في نفوسهم من خوف الشر.
وقد ورد في السنة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا ثلاثة؛ فلا يتناجى اثنان دون الثالث)62، ولذلك فالمطلوب تفويت الفرصة على الشيطان، حتى لا يوقع العداوة والبغضاء بين الناس.
٩. التبذير.
لا يحب الشيطان إلا أن يوقع المرء بشر أفعاله؛ لأنه لا يريد له الخير، وكل من أمعن في اتباعه؛ بالغ في إيقاعه في الخطأ.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الإسراء: ٢٧].
التبذير صفة مذمومة، منشؤها الشيطان، حتى عد المبذرون إخوان الشياطين، نتيجة ملازمتهم لهم واتباعهم إياهم، «وقد زيد تأكيد ذلك بلفظ ( ﯻ) المفيد أن تلك الإخوة صفة راسخة فيهم، وكفى بحقيقة الشيطان كراهة في النفوس واستقباحًا» 63.
١٠. دخول النار.
هذا الأثر قاصمة الظهر، وهو الذي لا نطيق؛ لأن اتباع الشيطان يؤدي بالمرء إلى السعير.
ألم يقل الله تعالى: ( ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان: ٢١]؟.
لنتأمل في الاستفهام الذي يظهر منه التعجب، ومعناه: أيتبعون الشيطان وهو يدعوهم إلى عذاب السعير؟
إن العاقل لا يفعل ذلك بلا شك، وهذا يدل على أن هؤلاء القوم ليست لهم عقولٌ، وهو في حد ذاته ذمٌ لهم، ولكن: أين عقولهم؟ لقد سيطرت عليها الشهوات واتباع الهوى، فتبعوا الشيطان مع علمهم بعداوته الشديدة لهم.
إن حب الابن لأبيه مغروسٌ في نفسه، وهو من أعراف الأقوام، وآدابهم الاجتماعية، فالطفل «يشعر بأن أباه أعظم الناس وأحقهم بالإجلال والتعظيم» 64.
هذا؛ وقد كان العرب إذا قضوا حجهم وقفوا عند الجمرة، وطفقوا يتفاخرون بالآباء، ويذكرون أيام أسلافهم في الكرم والشجاعة ونحو ذلك، حتى قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﯘ) [البقرة: ٢٠٠].
إذن فمحبة الابن لأبيه أمرٌ معتبرٌ شرعًا، وقد حث عليه الإسلام في مواضع كثيرة، ولكن يجب ألا تطغى هذه المحبة على الحد الطبيعي، بحيث تكون سببًا في رد الحق، وعدم اتباعه بحجة اتباع الآباء.
وحين تتأمل دعوات الأنبياء؛ تجد أنها بدأت بدعوة الآباء أولًا، وأوضح الأمثلة على ذلك: دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه، وقد صورها القرآن في مواضع كثيرة.
ومن المهم الإشارة إلى أن الراغب الأصفهاني عد العلماء والمعلمين داخلين في مفهوم الآباء، فقال: «الأب: الوالد، ويسمى كل من كان سببًا في إيجاد شيء أو صلاحه أو ظهوره أبًا،....، وسمي معلم الإنسان أبًا لما تقدم ذكره.
وقد حمل قوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الزخرف: ٢٢] على ذلك؛ أي: علماؤنا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى: ( ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأحزاب: ٦٧]» 65.
وعلى هذا؛ فالمعنى يأخذ بعدًا أوسع من المعنى القريب للأب.
هذا وقد توسع القرآن في الحديث عن هذه ظاهرة اتباع الآباء، عارضًا أقوالهم، ومن هذه المظاهر:
١. اتباع الآباء في الشرك.
لقد كان اتباع الآباء سببًا رئيسًا في رد دعوات الأنبياء عليهم السلام إلى التوحيد.
فهذا نبي الله نوح عليه السلام يدعو قومه إلى التوحيد؛ فيجيبه الملأ: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [المؤمنون: ٢٤].
وحين سأل إبراهيم عليه السلام قومه عن سبب عبادتهم الأصنام؛ أجابوا: ( ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنبياء: ٥٣].
ومثل ذلك نبي الله هود عليه السلام دعاهم إلى توحيد الله فأجابوا: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮉ) [الأعراف: ٧٠].
وكذا نبي الله صالح وشعيب وموسى عليهم السلام حتى نصل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث رد عليه كفار قريش بهذا الرد.
ثم يبين لنا القرآن أن هذه المقولة هي مقولة جميع الأمم لرسلهم، فيقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الزخرف: ٢٣].
وهذا فيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعلم أن كل ما يلاقيه من صدود وإعراض عن دعوته؛ قد لقيه الأنبياء جميعًا مع أقوامهم، وأن ردهم كان واحدًا، وهو يعكس طبيعة المعرضين: (ﭟ ﭠﭡ ﭦ) [الذاريات: ٥٣].
٢. اتباع الآباء في التحليل والتحريم.
فاتباع الآباء في الشرك هو اتباع لهم في العقائد، وإذا كانوا قد اتبعوهم في العقائد؛ فمن باب الأولى أن يتبعوهم في الشرائع، وما يتعلق بها من التحليل والتحريم، والإخلال بالأحكام.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة: ١٦٨ ١٧٠].
جاء الأمر بالاستمتاع بما أحل الله والابتعاد عما حرم، وقد عبرت عنه الآية باتباع خطوات الشيطان.
قال الشاطبي: «فكأنهم استندوا إلى دليل جملي وهو الآباء؛ إذ كانوا عندهم من أهل العقل، وقد كانوا على هذا الدين، وليس إلا لأنه صوابٌ فنحن عليه؛ لأنه لو كان خطأ؛ لما ذهبوا إليه» 66.
وبهذا نفهم أن الشرك الذي كان عليه الآباء أصبح في نظر هؤلاء ندًا لاتباع الحق، كما أصبح مصدرًا للتشريع، كما نفهم أن هؤلاء القوم ليس لديهم أدنى استعداد للبحث في شيء خارج عما وجدوا عليه آباءهم ألبتة.
٣. اتباع الآباء في المجادلة بغير علم.
وهي صفة ناشئة عن محبة الابن لأبيه، فإنه سوف يدافع عما يراه حقًا، ودفاعه هذا دفاعٌ بغير علم، إذ كيف يتبع أباه في شيء فيه حتفه؟ ومعلومٌ أن اتباع الآباء لو كان في أمرٍ من أمور الدنيا، ورأوا بطلانه؛ لم يقبلوا به، فكيف بأمرٍ من أمور الدين؟!
قال الله تعالى: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان: ٢٠ ٢١].
نعى الله سبحانه عليهم المجادلة بغير علم، وهذه المجادلة «مع كونها من غير علم؛ فهي في غاية القبح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى كلام الله، وهو يأخذون بكلام آبائهم، وبين كلام الله تعالى وكلام العلماء بونٌ عظيم، فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهلاء» 67.
٤. اتباع الآباء في فعل الفاحشة.
وإذا كان هؤلاء القوم يتبعون آباءهم في التحيل والتحريم؛ فإنهم يتبعونهم فيما يتفرع عن ذلك، ألا وهو فعل الفواحش.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف: ٢٨].
الفاحشة في الأصل: اسم «للعمل الذميم.. وغلبت الفاحشة في الأفعال الشديدة القبح، وهي التي تنفر منها الفطرة السليمة، أو ينشأ عنها ضر أو فساد» 68.
وكما تلاحظون؛ فإن القوم لم يكتفوا باتباع آبائهم في فعل الفاحشة، بل تعدوا ذلك إلى أمر عظيم زاعمين أن الله أمرهم بها.
ولا يخفى أن هذين القولين هما النتيجة الحتمية للولاية الشيطانية المذكورة قبل هذه الآية: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف: ٢٧].
٥. اتباع الآباء في رد دعوات الأنبياء.
تلك أسوأ صفة، وهي سببٌ لجميع الصفات الأخرى، حيث كان اتباع الآباء سببًا في رد دعوات الأنبياء، وحين يرد الإنسان دعوة النبي؛ فلاشك أنه سيقع في ضلال ٍمبين، وتأمل إجابة قوم موسى عليه السلام حين جاءهم بالبينات حيث قالوا: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [القصص: ٣٦].
وكان لقريش الإجابة نفسها: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮢ) [سبأ: ٤٣].
إن هؤلاء القوم حين واجههم القرآن بحججه وبيناته؛ أحسوا بخطورة ذلك عليهم، لأنهم لا يعتمدون إلا على تقاليد بالية يتمسكون بها، وهي قولهم: إن هذا النبي يريد أن يصد الناس عما كان يعبد آباؤهم، وهم يشعرون أنهم قاوموا الحجة بالحجة، وما دروا أنها حجة ساقطة مرجعها التقليد الأعمى!
ولم يكتف القرآن بعرض ردود القوم؛ بل بين أن الأنبياء والقرآن ردوا عليهم، وأظهروا عوار تفكيرهم من خلال عدة أمور، ومنها المناقشة العقلية والتنزل للخصم، والتذكير بالله تعالى وبنعمه، والتحقير والتوبيخ، والتعجب والإنكار، والتذكير بقدرة الله عليهم وأخيرًا التهديد بالعذاب.
حين نأتي على دعوات الأنبياء عليهم السلام؛ نجد أن دور الملأ واضحًا في صد الناس عن دين الله، والملأ: «جماعة يجتمعون على رأي فيملؤون العيون رواءً ومنظرًا، والنفوس بهاءً وجلالًا» 69.
لقد كان اتباع الطواغيت من الكبراء من أسباب الصدود عن الحق، والتمرد على الأنبياء وعصيانهم، فهاهو ذا نوحٌ عليه السلام يناجي ربه: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [نوح: ٢١].
لقد عصى القوم نوحًا عليه السلام فلم يستجيبوا له، على الرغم بأنه وعدهم بالمغفرة وأن يرسل السماء عليهم مدرارًا بالمطر، ويمدهم بالمال والولد وتتحول أراضيهم على جنات وأنهار. وإضافة إلى العصيان؛ اتبعوا رؤساءهم في الكفر وعدم اتباع دعوة نبي الله نوح عليه السلام.
قال الألوسي: «والظاهر أن اتباع عامتهم وسفلتهم لأولئك الرؤساء وفي وصفهم بذلك؛ إشعارٌ بأنهم اتبعوهم لوجاهتهم الحاصلة لهم بسبب الأموال والأولاد، لما شاهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع في الجملة» 70.
ثم ننتقل إلى هود عليه السلام وكيف كذبه قومه اتباعًا لكبرائهم.
يقول الله تعالى: (ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [هود: ٥٩] وكما هو واضح؛ فالآية بينت لنا ثلاثة أمور: جحودهم آيات الله، وعصيانهم الرسل واتباع الجبابرة المعاندين.
قال الراغب: «الجبار: في صفة الإنسان: يقال: لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لايستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم» 71، وأما العنيد؛ فيقول: «المعجب بما عنده، والمعاند: المباهي بما عنده» 72.
ويتردد مثل هذا الكلام في قصة صالح وشعيب مع قومهما، وقد ساقها القرآن بتفاصيلها، وكانت النتيجة أن هذا التكذيب كان سبب العذاب.
ويبقى أن أشير إلى فرعون الذي بلغ منزلة عالية في الكبر عن الحق، ونتيجة لذلك؛ (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [طه: ٧٩].
ولذلك يقول تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [هود: ٩٧].
لقد أرسل الله موسى عليه السلام بالحجج والآيات الباهرة والظاهرة إلى فرعون وملئه، فاتبع القوم أمر فرعون في تكذيب موسى عليه السلام، ورد ما جاء به من الحق، ولذلك رد الله عليهم مباشرة بقوله: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)؛ لأن من يكذب الأنبياء ويرد دعوتهم لا يمكن أن يكون أمره رشيدًا، «وإنما هو غيٌ صريح، وضلالٌ ظاهر مكشوفٌ، وإنما يتبع العقلاء من يرشدهم ويهديهم، لا من يضلهم ويغويهم» 73.
[انظر: القدوة: الكبراء والرؤساء]
الباطل عامٌ في كل ما هو خلاف الحق، والحق راجعٌ للوحيين: الكتاب والسنة، ولذلك؛ فالمؤمن يتبع الحق دائمًا، والكافر يتبع ضده وهو الباطل.
وفي ذلك يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [محمد: ١ ٣].
يبين الله في الآيات حال فريقين من الناس من خلال بيان النتيجة ثم تفصيل السبب الموصل إليها، ففي الأولى؛ يبين الله سبحانه وتعالى إضلال الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، ثم يبين تكفيره لسيئات المؤمنين وإصلاح بالهم، ثم يبين علة هذا الإضلال بأنه كان بسبب كفرهم وصدهم عن سبيل الله واتباعهم الباطل.
والملاحظ أنه تكرر الاسم الموصول (الذي) عدة مرات، وهذا له فائدة بلاغية ذكرها الجرجاني، وملخص كلامه: إن الإنسان حينما يؤتى له بصفات رجلٍ ما، فيمدح عليها دون أن يذكر اسمه؛ فإنه لابد أن يتساءل: هل سمع بهذه الصفات؟ وهل حصل معناها؟ وكيف ينبغي أن يكون هذا الرجل حتى يحصل المدح أو يبتعد عن الذم؟ 74
وعليه؛ فالمستحقون للذم هم الذين يتبعون الباطل، واتباعهم الباطل كان سبب كفرهم وصدهم عن سبيل الله، ولذلك؛ أضل أعمالهم، بينما المستحقون للمدح متبعو الحق، وسبب ذلك إيمانهم بالله وعملهم الصالح، ولذلك كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم.
ويرخي ختام الآيات بظلاله على العمل، فبين إضلال العمل، وتكفير السيئات وصلاح البال؛ بونٌ شاسع، حيث يأتي إضلال الأعمال بضياع وضنك وشقاوة في الدنيا والآخرة، بينما يأتي تكفير السيئات وإصلاح البال بسعادة نفسية وبدنية في الدنيا والآخرة.
إن أعظم مظاهر الاتباع المذموم؛ اتباع الهوى؛ فكم صد أقومًا عن الحق، وكم صرف آخرين إلى الباطل، وحين نتأمل سير الأنبياء؛ نجد أن كثيرًا ممن عارضهم من أقوامهم إنما كان بسبب الهوى، ألست ترى أن اتباع الآباء في أصله اتباعٌ للهوى.
والهوى: «ميل النفس إلى الشهوة، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة، وقيل: سمي ذلك؛ لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية» 75.
وعرفه بعضهم بأنه: «ميل النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع»76.
وكعادة القرآن في معالجة هذه المواضيع؛ فإنه يطرقها من جميع جوانبها؛ فقد تحدث عن خطورة الهوى في الحكم والقضاء والشهادة، وأنه يؤدي إلى أن يكون إلهًا يعبد.. إلخ، كما تحدث عن أشخاص معينين أضلهم هواهم، وحذر من اتباع العوى، ولم يغفل بيان خطورة اتباع الهوى، ومن مظاهر اتباع الهوى ما يأتي:
١. اتباع الهوى في الشرك.
إن اتباع الهوى في الشرك أعظم الأنواع، حيث يعبد المرء ما سوى الله سبحانه وتعالى تبعًا لهواه.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النجم: ١٩ ٢٣].
أبانت الآيات أن تلك الأصنام التي عبدت من دون الله، وسميت بأسماء مخترعة ليس عليها دليلٌ ولا برهان؛ إنها لم تأت إلا من قبل الظن والهوى، «لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحيٍ جاءهم من الله، ولا من رسوله الله أخبرهم به» 77.
ومما يزيد أمر اتباع الهوى في الشرك وضوحًا: قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الروم: ٢٨ ٢٩].
٢. اتباع الهوى في الحكم والقضاء.
القضاء والحكم بين المتخاصمين مظنة وقوع الميل لأحد الأطراف، مالم يعصم الله القاضي من ذلك، وقد يكون هذا الميل لأمر من أمور الدنيا أو لحظ من حظوظ النفس، ولأهمية ذلك.
فقد أمر الله سبحانه نبيه داوود عليه السلام بالحكم بين الناس بالحق وحذره من اتباع الهوى.
فقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [ص: ٢٦].
وإذا جاء الأمر للأنبياء بذلك على أهميتهم وعصمتهم من الخطأ، فما بالك بمن سواهم!.
وفي الآية تقسيم واضح لطريق الحكم بين الناس: إما الحق، وهو الوحي المنزل، وإما الهوى، وهو كل ما سوى الوحي.
ثم بين أن اتباع الهوى علة للضلال عن سبيل الله، لأن الفاء في قوله:(ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ)«تدل على العلية» 78، ومن ثم؛ فإن الضلال موصلٌ إلى العذاب الشديد يوم القيامة، والمحصلة: «إن متابعة الهوى توجب سوء العذاب» 79.
وكما خاطب الله نبيه داوود عليه السلام بالبعد عن الهوى في الحكم؛ خاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلًا له: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ) [المائدة: ٤٨].
وقال تعالى:(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ) [المائدة: ٤٩].
ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس واقعًا في الهوى، لكن القصد أن يتقرر هذا الأمر عند الناس، فلا يقعوا فيه، وهذا فيه تشديد على متبعي الهوى، حتى لو كان ذلك لمصلحة كما قد يرى ويسوغ البعض.
٣. اتباع الهوى في الشهادة.
بعد أن تحدثت عن اتباع الهوى في الحكم؛ آتي إلى أمر مقترن به وهو الشهادة، سواء أكان ذلك أمام القاضي أو الحاكم، أو في التعاملات الأخرى بعيدًا عن الحكم والقضاء من خلال ذم شخص أو جماعة أو مدحهما.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء: ١٣٥].
إن أول ما يقابل القارئ نداء المؤمنين، فهو يخاطبهم بأحب الأوصاف إليهم، ويخاطبهم لأنه قد يقع منهم الجور على الرغم من إيمانهم، وتكون الشهادة حتى على النفس والوالدين والأقربين، ولا شك أن هذا أمر صعب أن تشهد على نفسك ووالديك والأقربين منك، قال الطبري: «وذلك أن يكون عليه حقٌ لغيره، فيقر لله به، فذلك قيامٌ منه له بالشهادة على نفسه، وهذه الآية عندي تأديبٌ من الله جل ثناؤه عباده المؤمنين» 80.
ويؤيد هذه الآية قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ) [المائدة: ٨].
ففي الآية الأولى حديث عن العدل مع الأقربين خوف الميل لهم، وفي هذه الآية حديث عن العدل مع الأعداء خوف الجور عليهم، واتباع الحق يضبط ذلك، واتباع الهوى يميل إلى إحدى الطرفين.
٤. اتباع الهوى في العبادة والدعوة.
يوجه الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يدعو إلى ملة التوحيد التي شرعها له، ويستمسك بها ويثبت عليها، فكم من إنسان يظهر الدعوة إلى الله وهو في الحقيقة إنما يدعو لنفسه.
ولذلك يقول تعالى: (ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ) [الشورى: ١٥].
كما ينهاه عن اتباع أهوائهم؛ لأنها مخالفة للاستقامة على طريق الحق.
ومن خلال الآية؛ يلمس المرء صرامة في النهي عن اتباع الأهواء، وذلك لتبتعد هذه الدعوة عن أماكن الانزلاق ومواضع الاضطراب، وتبقى واحدة موحدة؛ مرجعها الأول والأخير هو الوحي، حيث الصفاء والنقاء والبعد عن الأهواء.
هذا ما كان من أمر الدعوة؛ أما ما كان من أمر الشريعة والعبادة.
فيقول تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الجاثية: ١٨].
هذه الآية - على إيجازها حوت معاني عظيمة؛ وذلك أنها بينت أن شريعة الإسلام أفضل الشرائع؛ لأنها الخاتمة لجميع الشرائع السابقة من جهة، ولأنها من عند الله تعالى من جهة ثانية، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعها، والمقصود بذلك المداومة على اتباعها، ودعوة الأمة إلى ذلك، وعدم التفريط فيها إلى الأهواء الأخرى.
وفي مقابل ذلك؛ فإن كل مالم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو باطلٌ وضلالٌ، وهو من أهواء الذين لا يعلمون.
٥. اتباع الهوى في الصد عن الحق.
لا يتوقف اتباع الهوى عند حد، بل يمتد ليشمل الصد عن الحق، لأن الحق نقيض الهوى، فلا يكتفي البعض بعدم اتباع الحق بل يتجاوزون ذلك للصد عنه.
وقد حذر الله نبيه موسى عليه السلام من اتباع الذين يصدون عن الحق: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [طه: ١٥ ١٦].
قال ابن كثير: «المراد بهذا الخطاب: آحاد المكلفين، أي: لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في الدنيا، وعصى مولاه، واتبع هواه» 81.
وقد وضحت الآية نتيجة اتباع هؤلاء بكلمة واحدة وهي قوله: (ﭷ)، قال ابن كثير: «أي: تهلك وتعطب» 82.
عبادة الهوى:
إن كثرة اتباع الهوى؛ تصير المرء عبدًا لهواه يعبده من دون الله، ويصدر في أقواله وأفعاله من الهوى الظاهر أو الخفي، ولذلك يقول الله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الفرقان: ٤٣ ٤٤].
ويقول تعالى أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الجاثية: ٢٣].
ففي الآيتين نجد الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم -وهو عامٌ لجميع أفراد الأمة- ينعي على أولئك الذين اتخذوا الهوى إلهًا، والتعبير بقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)؛ يفيد الحصر، أي «لم يتخذ لنفسه إلهًا إلا هواه» 83، ويقول الزمخشري: «أي هو مطواعٌ لهوى النفس، يتبع ماتدعوه إليه، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه» 84.
وتأمل التعقيب في الآيتين، ففي الآية الأولى؛ وصفهم بالأنعام بل أضل منها، وفي الآية الثانية؛ بين أن الله ختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة؛ ولأن الله ختم على سمعهم وقلوبهم وجعل على أبصارهم غشاوة؛ صاروا كالأنعام، بل أضل من ذلك، ولعل هذا سبب عدم سمعهم وعقلهم الذي عبرت عنه الآية الثانية، فهل يتوقع لهم الهداية بعد ذلك؟
[انظر: الهوى: مجالات اتباع الهوى]
لابد من معرفة الظن المقصود؛ فقد عرفه الراغب بقوله: «الظن: اسم لما يحصل عن إمارة، ومتى قويت؛ أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جدًا؛ لم يتجاوز حد التوهم، والظن في كثير من الأمور مذموم، ولذلك قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ)»85[يونس: ٣٦].
والظن يختلف من حيث القوة والضعف86، ولكن تبقى الظنون جميعًا تحت سقف اليقين، تقترب منه أو تبتعد عنه.
ولقد عرض القرآن الكريم لمظاهر اتباع الظن من جوانبها المختلفة، ومنها:
١. اتباع الظن في الشرك.
إن عبادة الله سبحانه وتعالى ينبغي أن تقوم على اليقين، وبخاصة في أمور العقائد، و ألا يتطرق إليها أدنى شك أو شبهة، لأنها متعلقة في الأصل بالقلب، فما بالك إذا بنيت على ظنون وأوهام وشبهات، وحين يتطرق الظن إلى العقائد؛ بطل كونها من عند الله تعالى، كما بطل الاحتجاج بها؛ لأنها أصبحت مدخلًا لكل طاعنٍ، ومرتعًا لكل مبطلٍ، يقول الله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [يونس: ٣٦].
لقد جاءت الآية بعد مناظرة طويلة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمشركين في إثبات من يملك الرزق، ومن يملك الإحياء والإماتة، والهداية.
وقد تبين أن هذه الآلهة المزعومة لا تملك من ذلك شيئًا؛ لأنها ليس لها من حق في التصرف والتدبير، وبذلك حجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم جاءت هذه الآية عقب الآيات السابقة لتبين أن هؤلاء القوم إنما يعبدون ويتبعون الظن، أي: ظنهم بأن هذه الآلهة تنفع أو تشفع، وأنها حقًا آلهة.
وفي مقابل شركهم بالله واتباعهم الظن؛ نجد أنهم يحتجون على هذا العمل بحجة داحضة باطلة ألا وهي القدر، أي: أن الله شاء لهم ذلك: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنعام: ١٤٨].
والمعنى: «هل عندكم بدعواكم ما تدعون على الله من رضاه بإشراككم في عبادته ماتشركون، وتحريمكم من أموالكم ما تحرمون، على يقين من خبر من يقطع الخبر عذره، أو حجة توجب لنا اليقين من العلم فتخرجوه لنا» 87.
٢. اتباع الظن في الإضلال عن سبيل الله.
لم يكتف هؤلاء المشركون بضلالهم عن سبيل الله؛ بل أرادوا إضلال غيرهم، وهذا كما مر طبيعة كل امريء أن يدعو الناس إلى معتقده، وأن يصد الناس عن اتباع المعتقدات التي تشغب أو تشوش على معتقده، وهؤلاء هم غالبية الناس.
يقول تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنعام: ١١٦].
ينهى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم عن طاعة هؤلاء المشركين، وهم أكثر من في الأرض.
قال ابن عباس: «الأرض هنا: الدنيا»88.
ثم بين سبب النهي عن طاعتهم باتباعهم الظن، «وكثيرٌ من المفسرين يقولون: المراد من ذلك الظن رجوعهم في إثبات مذاهبهم إلى تقليد أسلافهم، لا إلى تعليلٍ أصلًا» 89.
٣. اتباع الظن في تحريف الأسماء.
وكما في اتباع الهوى؛ ابتدع المشركون بدعة أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، أضافوها لاتباع الهوى؛ وذلك بتحريف الأسماء، فمدحوا من لايستحق المدح باشتقاقهم أسماء لآلهتهم من أسماء الله تعلى، وذموا من لايستحق الذم؛ إذ سموا الملائكة تسمية الأنثى، وفي كلا الأمرين لا مستند لهم إلا اتباع الظن.
تأمل قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النجم: ١٩ ٢٣].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النجم: ٢٧ ٢٨].
ففي الأولى اشتقوا لآلهتهم أسماء من أسماء الله دون دليلٍ، وفي الثانية سموا الملائكة إناثًا دون دليلٍ أيضًا، وكل مستندهم الخرص والظن.
٤. اتباع الظن في عدم التثبت.
إن من يتبع الظن في الأمور العظام وهي أمور العقيدة ولايبني عقيدة على مستمسك صحيحٍ وصريح من الوحي؛ فلا شك أن أعماله يغلب عليها عدم التثبت، وهي نتيجة طبيعية؛ لأنه لا يبحث عن الدليل والبرهان؛ بل مبنى عمله على الحدس والخرص، ويعظم الأمر حين يكون الظن في مسألة العقائد.
وهذا ما توضحه الآية: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ١٥٧ ١٥٨].
فالآية تنفي قتل المسيح أو صلبه، وتثبت أنهم في شبهة من ذلك على الرغم من تظاهرهم باليقين.
والحاصل أن كل الغيبيات؛ لا تقبل إلا بنص صحيح صريح، ولا يقبل فيها مجرد اتباع الظنون والأوهام، أيًا كان مصدر ذلك، وهو ما يورث العقائد الباطلة.
إن اتباع الشهوات متفرع عن اتباع الهوى، فما الشهوة إلا بضعة من الهوى وبعض منه، يقول تعالى: ( ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم: ٥٩].
جاءت هذه الآية بعد جملة من الآيات تحدثت عن الأنبياء وذكرت صفاتهم، ثم ذهب هؤلاء القوم وجاء بعدهم قومٌ أضاعوا الصلاة و نتج عن ذلك أن اتبعوا الشهوات.
قال القرطبي: «الشهوات: عبارة عما يوافق الإنسان ويشتهيه، ويلائمه ولا يتقيه»90.
«ويفهم من مفهوم مخالفة الآية الكريمة أن: الخلف الطيبين لايضيعون الصلاة ولايتبعون الشهوات» 91.
هذا وإنه من المعلوم أن من ابتلي بأمر؛ فإنه يحب أن يكون الناس على شاكلته ومنهجه، ولذلك فإن من ابتلي بالشهوات يود أن يسير الناس كلهم في هذا الطريق، وأن يبتعدوا عن طريق الاستقامة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النساء: ٢٧].
قررت الآية إرادتين: إرادة الله التوبة على عباده، وإرادة الذين يتبعون الشهوات أن نميل إليها، وتأمل في قوله (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) ولم يقل: «يريد الله أن يتوب عليكم»، حيث «قدم المسند إليه على الخبر الفعلي؛ ليدل على التخصيص الإضافي، أي: هو الله وحده، وهو الذي يريد أن يتوب عليكم، أي: يحرضكم على التوبة والإقلاع عن المعاصي» 92.
إذًا؛ هذا مايريده الله منا، إنه يريد أن يلم شعثنا ويجمع تفرقنا، ويقرب بعيدنا، وهذا مراد الله تعالى وتلك مراد أتباع الشهوات والشيطان، فأي الإرادتين أحق بالاتباع؟
الأساليب القرآنية في عرض الاتباع
المتأمل في الآيات القرآنية التي عرضت موضوع الاتباع بشقيه المحمود والمذموم يلاحظ أنها استخدمت أساليب لغوية وبلاغية غاية في الروعة.
ولقد كانت هذه الأساليب تتخذ جانب الحث والدعوة والطلب في جانب الاتباع المحمود، فترغيب فيه مطلقًا.
و تستخدم جانب النهي والزجر والإنكار في جانب الاتباع المذموم، فتحذر منه مطلقًا.
أولًا: أسلوب الطلب للحث على اتباع الخير:
أسلوب الطلب أحد أساليب القرآن الكريم في الحث على الاتباع المحمود، ويتضمن الطلب أنواعًا كثيرة، لكن حديثي سوف يركز هنا على الأمر والاستفهام فقط.
أسلوب الأمر:
جاء في الكليات تعريف الأمر بأنه: «استعمال صيغة دالة على طلب من المخاطب على طريق الاستعلاء....» 93، وسوف أعرض كيف جاء الأمر بالاتباع.
لقد عرض القرآن آيات الأمر بأساليب كثيرة، ومن هذه الأساليب مايلي:
١. جاء الأمر بالاتباع ردًا على المشركين حين قالوا عن القرآن: إنه تقاليد بالية، وعن محمد صلى الله عليه وسلم بأنه درس الآيات على الآخرين، وكأن في ذلك تحصينًا لتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم من النقض والنقد، والدعوة للاعتصام بالوحي فقط.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام: ١٠٥ ١٠٦].
ولذلك جاء الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم بألا يلتفت ولا يأبه بذلك، وأن يلتزم الوحي واتباعه، ويعرض عن المشركين، ولايلتفت لأقوالهم.
٢. جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باتباع الوحي في خاصة نفسه، وإذا كان اتباع الوحي أمر به وطبقه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، فلأن يأمر به الناس من باب الأولى.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يونس: ١٠٩].
٣. قد يجيء الأمر بالاتباع بعد بيان أهمية الدين الذي هو عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الجاثية: ١٨].
«وبين قوله: (ﮝ)، وقوله: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) محسن المطابقة بين الأمر والاتباع، والنهي عن اتباع آخر» 94.
٤. إن الله قد اختصنا بأن أنزل علينا أفضل الكتب، وجعل هذا كتاب مصدقًا لما بين يديه من الكتب ومهيمنًا عليها، وكتابٌ هذه صفاته؛ لا بد من اتباعه.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الأنعام: ١٥٥].
أثنى الله على هذا الكتاب، ولما «بين أن إنزال الكتب رحمة منه، لأن غايتها الدلالة على منزلته، فتمتثل أوامره وتتقى مناهيه وزواجره؛ بين أنه لم يخص تلك الأمم بذلك، بل أنزل على هذه الأمة كتابًا، ولم يرض لها كونه مثل تلك الكتب، بل جعله أعظمها بركة وأبينها دلالة»95، فقال: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) ولما كان هذا شانه أمر باتباعه.
٥. وما دامت هذه الشريعة أفضل الشرائع وهذا الكتاب أفضل الكتب؛ فلا بد من اتباعه، ولا يتصور سوى ذلك، حيث لا يحيد عن اتباعه إلا مفتونٌ أو جاهل، لأنه يؤدي إلى الصراط المستقيم، ولا عجب أن نؤمر باتباعه في آياتٍ كثيرة، منها قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ) [الأنعام: ١٥٣].
قال الزمخشري: «ولأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه» 96، كما جاء في حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه قوله: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [مريم: ٤٣].
وقوله صلى الله عليه وسلم لقريش: (ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الزخرف: ٦١] وقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الزخرف: ٤٣].
٦. ومادام أن هذا النوع من الاتباع يؤدي إلى الصراط المستقيم؛ فهو بالتأكيد يؤدي إلى محبة الله ومغفرته، إضافة إلى هداية العباد للصواب، فأما المحبة والمغفرة؛ فقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [آل عمران: ٣١].
وأما الهداية للصواب، ففي قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف: ١٥٨].
ثانيًا: أسلوب الاستفهام الإنكاري:
الاستفهام: طلب الفهم، وله عددٌ من الأدوات، وقد تستعمل هذه الأدوات في غير معناها الحقيقي، وتفهم من سياق الكلام بقرينة.
١. ورد الاستفهام الإنكاري في قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ) [النساء: ١٢٥].
والسر في هذا الاستفهام الإنكاري «ليتنبه السامع، حتى يرجع على نفسه، فيخجل ويرتدع، ويعيى بالجواب؛ إما لأنه قد ادعى القدرة على فعل مالا يقدر عليه،... وإما لأنه هم بأن يفعل ما لا يستصوب فعله، وإما لأنه جوز وجود أمرٍ لا يوجد مثله» 97.
كما يبين هذا الاستفهام أنه لا أحد أحسن ممن أسلم وجهه لله وهو محسن، وإسلام الوجه كناية عن إخلاص العبد لربه، وانقياده وإذعانه له، ثم أردف ذلك بقوله: ( ﮗ ﮘ)، ومع إسلام الوجه والإحسان؛ اتباع ملة إبراهيم حنيفًا، بمعنى أنه «اتبع الدين الذي كان عليه إبراهيم خليل الرحمن، وأمر به نبيه من بعده» 98.
واختصاص إبراهيم عليه السلام بالاتباع بوصفه «وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له؛ فإنه انتهى إلى درجة الخلة، التي هي أرفع مقامات المحبة» 99.
وعلى تعريف الجرجاني؛ يتبين أنه لا دين أفضل من دين الإسلام، ولا متابعة أتم من متابعة ملة إبراهيم الحنيفية عليه السلام.
٢. وقريب من هذه الآية قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [طه: ٩٢ ٩٣].
فالآية تحكي تعارض مصلحتين:
أحدهما: مصلحة حفظ العقيدة، بما تعني هذه الكلمة من اتباع موسى عليه السلام.
والأخرى: مصلحة حفظ وحدة بني إسرائيل، وعدم تفرق جامعتهم.
وبين هاتين المصلحتين؛ «حفظ الأنفس والأموال والأخوة بين الأمة»100.
فقدم المصلحة الثانية على الأولى، فغضب موسى عليه السلام؛ «لأن مصلحة صلاح الاعتقاد هي أم المصالح التي بها صلاح المجتمع» 101، ووفق كلام الجرجاني الآنف؛ فلعل مراجعة موسى عليه السلام لهارون عليه السلام تنبيه له ليعرف موضع الخطأ.
ومثل ذلك؛ قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [آل عمران: ١٦٢ ١٦٣].
يتعجب المرء من دقة القرآن في عرض هذه المقارنات بطريقة تحبب في أحدهما وتبغض بالأخرى، وهذا أحد معاني «المثاني في القرآن» بذكر الشيء وضده 102، كما في الآية.
وهذا الأسلوب؛ فيه مقابلة بين فريقين، فريقٍ في الجنة، وهم من اتبع رضوان الله، وفريق في السعير، وهم من لم يتبعوا رضوان الله، فباؤوا بسخطه.
وحين يتأمل العاقل الحكيم هذه المتقابلات التي عرضت لحال الفريقين ومصيرهم؛ فإنه بلاشك لابد أن يختار اتباع رضوان الله على ولاية الباطل المؤدية إلى سخط الله ومن ثم جهنم وبئس المصير.
ثالثًا: أسلوب الثناء على الذين يتبعون أحسن القول:
إن من أهم الأساليب التي تحث على فعل شيء ونحبب فيه؛ الثناء على فاعليه، حيث يعطي ذلك قدوة وتأسيًا بهم، يقول الله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الزمر: ١٧ ١٨].
قد يسأل سائل: من هؤلاء الذين وصفهم الله بالهداية وجعلهم أصحاب العقول وضمن لهم البشرى؟ وكيف الطريق لاستحقاق هذه الرتبة؟ فيجاب هم: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ) .
وفي الآية ثناء على قوم يسمعون كل شيء من القول، لكنهم يتبعون أحسنه.
قال ابن تيمية: «والمحمودون الذين أثنى الله عليهم؛ هم المتبعون لذلك استماعًا وتدبرًا وعملًا»103.
والتعبير بالفعل المضارع في (ﮪ) و (ﮬ) دالٌ على التجدد، قال الجرجاني: «وبيانه أن موضوع الاسم على أنه يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئًا بعد شيء، وأما الفعل؛ فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئًا بعد شيء»104.
وعليه؛ فالتعبير يدل على تجدد الاستماع، الأمر الذي يؤدي إلى تجدد الاتباع، مما يجعل المرء طيلة عمره متابعًا للوحي.
رابعًا: أسلوب النهي عن اتباع الشر:
النهي: طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، وقد يخرج النهي عن هذه الصيغة إلى صيغ مجازية أخرى105.
وحين نعود إلى الآيات التي جاء فيها أسلوب النهي؛ نجد نوعين من النهي:
والنهي المعلل يراعي أسلوب الإقناع وحاجات بعض الناس إليه، نظرًا لاعتمادهم على المنطق والحجة والبرهان، وأما غير المعلل؛ فيراعي أن يلتزم المرء بالنهي التزامًا بأمر الله سبحانه وتعالى وإخلاصًا له.
كما نلاحظ على الآيات توجه النهي إلى الأنبياء عليهم السلام قبل أن يتوجه إلى الأمة، وإن كانوا المقصودين بذلك، مع الإشارة إلى وجود بعض الآيات التي توجهت إلى الأمة مباشرة.
النهي غير المعلل:
يقول تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأعراف: ١٤٢].
يأمر موسى عليه السلام أخاه هارون بأمر وهو: إصلاح الدين بالرفق والإحسان، كما ينهاه عن أمر وهو: عدم اتباع سبيل المفسدين، وهذا تأكيد للأمر بالإصلاح، إذا لايجتمع الإصلاح واتباع سبيل المفسدين.
قال ابن عاشور: «فلا جرم أن كان قول الله تعالى: ( ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) جامعًا للنهي عن ثلاث مراتب من مراتب الإفضاء إلى الفساد، وهو العمل المعروف بالانتساب إلى المفسد، وعمل المفسد إن لم يكن مما اعتاده، وتجنب الاقتراب من المفسد ومخالطته» 106.
وقريبٌ من هذه الآية قوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [يونس: ٨٩] حيث أمرهما بالاستقامة على الحق والبعد عن سبل الضلال.
النهي المعلل:
ورد النهي المعلل في مواضع كثيرة من القرآن، وقد تنوعت العلة، فمنها:
وقد مرت جميعها ومر الحديث عنها مفصلًا بما يغني عن إعادته هنا، وحاصل الكلام أن الله سبحانه وتعالى حذر وزجر عن الاتباع المذموم بشتى أنواعه مبرزًا خطورته، وقبح من يسلك هذا المسلك.
عواقب الاتباع وآثاره في الدنيا الآخرة
إن من يسر الله له تجريد الاتباع الحق للوحيين الكتاب والسنة وابتعد عن سبل الضلال الأخرى؛ فلاشك أنه سيجد حلاوة ذلك في جملة من الثمرات في الدنيا والآخرة، التي ربما كانت من عاجل بشرى المؤمن.
وبإزاء ذلك؛ فإن من ابتلوا باتباع سبل الغواية؛ سيجدون علقم ذلك ومره في الدنيا والآخرة، وهي ربما تكون من عاجل شؤم المعصية.
وهذه عادة القرآن بل عادة هذه الشريعة أن تثيب الطائع وتعاقب العاصي، وألا تجعلهما في منزلة واحدة في الدنيا والآخرة.
أولًا: آثار الاتباع المحمود:
إن أي إنسان حين يعمل عملًا؛ فإنه ينتظر جزاءًا وأجرة دنيوية من البشر، أو أخروية من الله سبحانه وتعالى.
وانطلاقًا من ذلك؛ فإن أصحاب الاتباع المحمود لابد أن يجدوا نتائج وآثار اتباعهم في الدنيا والآخرة، مع الإشارة إلى صعوبة الفصل في ذلك بين الدنيوي والأخروي لتداخل الأمرين، والتقسيم هنا تقسيم فني بحت.
فمن آثار الاتباع المحمود:
١. الهداية.
وأي شيء يبحث عنه المرء بعد ذلك إن كان الله قد ضمن له الهداية؟ إذ الهداية تشمل تيسير الطريق الصحيح للمرء قولًا وفعلًا، وهذا في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة: ١٥-١٦].
وضح الله في الآية أنه يهدي بهذا الكتاب أقوامًا، لكن من هؤلاء القوم؟ تجيبنا الآية بأنهم (ﮈ ﮉ ﮊ)، وأما من كان همه «تقرير ما ألفه ونشأ عليه، وأخذه من أسلافه، مع ترك النظر والاستدلال؛ فمن كان كذلك؛ فهو غير متبع لرضوان الله» 107.
إذن فهذه صفة من يهديهم الله، ولكن يبقى سؤال آخر إلى أين يهديهم: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)، فسبيل السلام «استعارة لطريق الحق» 108، ولا شك أن هذه الطريق موصلة إلى دار السلام «المنزهة من كل آفة والمؤمنة من كل مخافة» 109.
ثم زاد الأمر وضوحًا فقال: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)، والظلمات هذه كثيرة، تشمل الشرك والبدعة والمعصية والجهل والغفلة، والنور هو نور الإيمان والسنة.
قال ابن كثير: «أي: ينجيهم من المهالك، ويوضح لهم أبين المسالك، فيصرف عنهم المحذور، ويحصل لهم أحب الأمور، وينفي عنهم الضلالة ويرشدهم إلى أقوم حالة» 110.
وإذا هداهم الله سبحانه سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ فقد تكفل لهم بالسعادة والهداية في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [طه: ١٢٣].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «تضمن الله لمن قرأ القرآن واتبع مافيه أن لايضل في الدنيا ولايشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية»111.
٢. الفلاح.
إن من جرد الاتباع للوحي وللرسول صلى الله عليه وسلم فقد ضمن القرآن الكريم له الفلاح، وهي عامةٌ في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأعراف: ١٥٧].
و يقترب السلام من الفلاح ، وربما يشمل سلامًا داخليًا وسعادة للإنسان مع نفسه، كما يشمل السلام في الآخرة، ودخوله دار السلام، كما في قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [طه: ٤٧].
وقد اختلف المفسرون في معنى السلام هل هو تحية أم لا؟، وإذا كان ليس بتحية؛ فإن «المقصود من الكلام ترغيب المخاطبين في الاهتداء بتصديق الرسول، واتباع ماجاء به في التكاليف والأحكام، وبشارة المهتدين بكونهم من أهل الجنة» 112، والحصول على الجنة أعلى مراتب الفلاح بلاشك.
٣. الثبات على الحق.
إن المتأمل لسيرة الأنبياء والمصلحين؛ يجد أن من أهم عوامل ثباتهم على الحق اتباع الوحي، وكلما اقترب الإنسان من الوحي وازداد اتباعًا للحق؛ ازداد ثباتًا وتمسكًا به بتوفيق الله تعالى؛ لأن المرء يأوي إلى ركن شديد.
يقول تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران: ١٧٣].
قال القرطبي: «قال علماؤنا: لما فوضوا أمورهم إليه، واعتمدوا بقلوبهم عليه؛ أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة، والفضل، وصرف السوء، واتباع الرضا، فرضاهم عنه، ورضي عنهم» 113، وهذا يوضح أن الاتباع سببٌ رئيس للثبات على الحق.
٤. الكفاية والنصرة.
إن من كان الله وليه فحسبك بهذه الولاية، حيث سيجد النصرة والغلبة على أعدائه، سواء أكان هؤلاء الأعداء الشيطان أم غيره.
يقول تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنفال: ٦٤].
ففي الآية دلالة على أن الله كافٍ رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين «وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم، ولو قل عدد المؤمنين» 114.
«وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شروطها»115.
وإذا حصلت الكفاية؛ فأي قوة من البشر يمكنها الوقوف أمام قوة الله سبحانه وتعالى؟.
وقد حصل ذلك مع رسول الله موسى عليه السلام وهارون حين أخذ الله على نفسه العهد بنصرة هذين النبيين، ومنع عدوهما من الوصول إليهما، وهكذا كان.
قال تعالى: ( ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [القصص: ٣٥].
فقد قطعت الآية الشك والتردد في قلوب بعض الذي لايزالون يترددون في وعود الله تعالى، وأنه ناصرٌ عباده المؤمنين، ومعلٍ كلمته لامحالة.
٥. الدخول في ولاية الأنبياء.
إن الناس يبحثون عن شخص ذي قوة أو مال أو جاه ليدخلوا في ولايته ويلجؤوا إليه، مع العلم أن ولاية البشر قد يعتريها النقص والتقلب والضعف أحيانًا، لكن هناك من ولايته لا تعادلها ولاية في القوة، ولايعتريها التغير، وشرطها الوحيد: الاتباع.
يقول تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ٦٨].
قال ابن عاشور: «و(أولى) اسم تفضيل، أي: أشد وليًا، أي: قربًا،... أي: أخص الناس بإبراهيم وأقربهم منه»116، فمن ياترى هؤلاء الذين اختصوا بالقرب من نبي الله إبراهيم عليه السلام وولايته؟ إنهم الذين اتبعوه، «يعني: الذين سلكوا طريقه ومنهاجه، فوحدوا الله مخلصين له الدين، وسنوا سننه، وشرعوا شرائعه، وكانوا لله حنفاء مسلمين غير مشركين به»117، ثم لا تقتصر هذه الولاية على أتباع إبراهيم عليه السلام، حيث ختام الآية يقول (ﯬ ﯭ ﯮ)، فمن كان الله مولاه؛ فأي ولاية يحتاج بعد ذلك؟
٦. عدم الخوف والحزن.
كل هذه المقدمات السابقة تؤدي إلى نتيجة مثمرة لمتبعي الوحي، وهي عدم الخوف والحزن، وهي عبارة عن علاج نفسي للإنسان، فالخوف هو من شيء قد يقع، والحزن هو من شيء وقع، والمرء في حياته يعيش بين هذين الأمرين، فإذا ضمن له أحدٌ عدم حصول ذلك؛ حاز السعادة، قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة: ٣٨].
ففي الآية إخبار بأن من اتبع هدى الله؛ فلاخوف عليه ولن يحزن.
والتعبير بقوله: ( ﭘ ﭙ) و(ﭜ) فيه إشارة إلى أن الهدى إنما هو من الله سبحانه وتعالى؛ «لأن الهدى بالنظر إلى ذاته موجب الاتباع، وبالنظر إلى أنه أضيف إليه تعالى - إضافة تشريف أحرى وأحق أن يتبع» 118، والنتيجة أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
قال ابن سعدي: «فرتب على هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن...، فنفاهما عمن اتبع الهدى، وإذا انتفيا حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا؛ ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه؛ حصل له المن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن، والضلال والشقاء»119.
٧. التوبة والمغفرة.
هي نتيجة لكل من ألزم نفسه السير في طريق الاتباع الحق، والبعد عما سواه من طرق الغواية والضلال، حيث يرضى الله عنه، ويرزقه التوبة والمغفرة، ولأهمية ذلك؛ هاهم الملائكة يطلبون المغفرة من الله تعالى لمن اتبع الهدى وآمن به.
يقول تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [غافر: ٧].
قال الطبري: «فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك، فرجع إلى توحيدك، واتبع أمرك ونهيك...، وقوله (ﯧ ﯨ) يقول: وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه، ولزموا المنهاج الذي أمرتهم بلزومه، وذلك الدخول في الإسلام» 120.
وقد استجاب الله دعاء الملائكة، فغفر لمتبعي الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما قول الله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة: ١١٧].
قال ابن القيم: «هذا من أعظم ما يعرف العبد قدر التوبة وفضلها عندالله، وأنها غاية كمال المؤمن؛ فإنه سبحانه أعطاهم هذا الكمال بعد آخر الغزوات 121، بعد أن قضوا نحبهم وبذلوا نفوسهم وأموالهم وديارهم لله، وكان غاية أمرهم ان تاب الله عليهم، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلميوم توبة كعب خير يومٍ مر عليه منذ ولدته أمه إلى ذلك اليوم 122، ولا يعرف هذا حق معرفته إلا من عرف الله وعرف حقوقه عليه، وعرف ماينبغي له من عبوديته» 123.
إذًا فقد ضمن لهم التوبة في الآية، وما كانوا ليستحقوا هذه المنزلة وهم المهاجرون والأنصار- إلا بسبب اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم في أشد الحالات، والتي عبر عنها بساعة العسرة.
ثانيًا: آثار الاتباع المذموم:
إذا كان لاتباع الحق ثمرات كثيرة، كما مر بنا؛ فإن عدم اتباع الحق يؤدي إلى عقوبات ومفاسد كثيرة في الدنيا والآخرة، وهو ما سوف نستعرضه في السطور القادمة، ومن هذه العواقب:
١. المعصية والفساد.
لاشك أن اتباع غير الحق يؤدي إلى معصية الله، ولأن سبل غير الحق كثيرة ومتعددة، فإنها تملأ الأرض، وحين يكثر أتباع الباطل، تكثر المعاصي ويعم الفساد الأرض.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ) [المؤمنون: ٧١].
وقد اختلف العلماء في معنى (الحق) في الآية، فقيل: إن الحق هو الله سبحانه وتعالى، وقيل: هو الصواب 124.
وأيًا ماكان المعنى يتبين أنه لو ورد الشرع به لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن؛ لأن الهوى مبني على الشهوة، وعند ذلك تختلف أمزجة الناس، فيضطرب هذا الكون العظيم المحكم؛ لأنه قام على العدل.
قال ابن عاشور: «وعلم من قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) أن كراهة أكثرهم للحق ناشئة عن كون الحق مخالفًا أهواءهم، فسجل عليهم أنهم أهل هوى، والهوى شهوةٌ ومحبةٌ لما يلائم غرض صاحبه» 125.
وحين يكثر الفساد؛ يكون ذلك سبب طبع الله على قلوب العباد، ألم يقل الله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [محمد: ١٦]
يتعجب المرء من فعل هؤلاء القوم، فيأتيه الجواب مباشرة: إن سبب ذلك؛ طبع الله على قلوبهم نتيجة اتباع الهوى.
قال ابن سعدي: «أي: ختم عليها، وسد أبواب الخير التي تصل إليها بسبب اتباعهم أهواءهم التي لا يهوون فيها إلا الباطل» 126.
٢. التكذيب والضلال.
إن من عواقب الاتباع المذموم أنه يؤدي إلى التكذيب، فهو علةٌ له، والتكذيب مؤدٍ إلى الضلال لا محالة؛ لأن المرء حين يكذب الحق فسوف يضل بلاشك.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜﯝ) [القمر: ٣].
فالآية تثبت أن القوم كذبوا، وهذا التكذيب «لا دافع لهم إليه إلا اتباع ماتهواه أنفسهم من بقاء حالهم على ما ألفوه وعهدوه واشتهر دوامه» 127، وإلا فقد ظهر لهم من البراهين والحجج القواطع على يديه مايدل على صدق نبوته وأن الواجب الإيمان به واتباع دعوته، ولذلك؛ جاء في موضعٍ آخر تأكيد هذا الأمر، وهو أن اتباع الهوى مؤدٍ إلى التكذيب.
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم اتباع أهواء الذين كذبوا.
فقال تعالى (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام: ١٥٠].
إن هذا الهوى - وكما ظهر - أنه أدى إلى التكذيب وإنكار البعث وأدى إلى الشرك، وهذا عين الضلال.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الأنعام: ٥٦].
وقد أكد النهي عن اتباع الهوى بقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ)، فإنه إن اتبعتكم على أهوائكم فلاشك أنني ضال، «وتقديم جواب (إذًا) على (إذًا) في هذه الآية للاهتمام بالجواب، ولذلك الاهتمام أكد بـ (قد) مع كونه مفروضًا، وليس بواقع، للإشارة إلى أن وقوعه محقق لو تحقق الشرط المقدر الذي دلت عليه إذًا»128.
٣. الحرمان من ولاية الله.
باديء ذي بدء؛ يمكن القول: إن الله جعل ولاية أتباع الباطل وسلطانهم مقرونة بالشياطين.
فقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف: ٢٧].
وحين يتولى الشيطان الإنسان؛ يوقعه في سوء عمله.
لكن ذلك فحسب؛ بل إنه نزع ولايته سبحانه وسلطانه عن متبعي أهواء المبطلين، ومتبعي غير الحق.
يقول الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة: ١٢٠].
ويقول تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الرعد: ٣٧].
إن الأمر في الآيتين للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة من باب الأولى، بالتحذير من اتباع الهوى، وحين يستبدل المؤمن الهوى بالهدى؛ فهذا مؤذنٌ بنزع ولاية الله عنه.
قال الطبري: «ليس لك من وليٍ يلي أمرك، وقيمٍ يقوم به، ولا نصيرٍ ينصرك من الله، فيدفع ماينزل بك من عقوبته ويمنعك من ذلك إن أحل بك ذلك ربك» 129.
ويرى ابن عاشور أن هذه الجملة أكدت بعشر مؤكدات 130. وقد أفادت هذه المؤكدات عظم التحذير وخطورته.
وكما نزع عنهم الولاية في الآية الأولى؛ نزع عنهم الوقاية من العذاب في الثانية، وعلى المرء أن لا يأمن بعد ذلك مكر الله، فإنه إن تنزع عنه ولاية الله؛ تنزع عنه وقايته من العذاب.
٤. الاحتكام إلى الهوى.
حين يحدث كل الذي سبق؛ يصبح المرء أسيرًا لهواه وشهوته، يسبر معها كيف سارت، ويدور معها حيث دارت، وهنا يحدث الفساد؛ لأن الهوى هو الذي يسير الناس.
يقول الله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [هود: ١١٦].
تحكي الآية صنفًا من الناس ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يقرب إلى الآخرة، واشتغل بالمال والملذات وأمور الدنيا والرئاسة، وعند ذلك لم ينفعهم نصح الناصحين ولا وجود المصلحين؛ لأنهم ساروا خلف أهوائهم التي عبرت عنها الآية بـ (ﯹ ﯺ ﯻ)، وكان هذا الأمر سببًا في استئصالهم ، وتأمل قوله: (ﯶ) إذ يعني: الانقطاع للترف، والإقبال عليه، إقبال المتبع لمتبوعه131.
٥. التخاصم.
وكل الذي ذكرته آنفًا؛ إنما هو في الدنيا، أما في الآخرة؛ فإن ظاهرة التخاصم بين المتبوعين وأتباعهم واضحة جلية، ذكرها القرآن في مواضع كثيرة على شكل حوار بين الضعفاء والمستكبرين تارة، وبين القرناء وقرنائهم أخرى، وبين أول من يدخل النار وآخر من يدخلها ثالثة.
ولنتأمل هذا الحوار: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [إبراهيم: ٢١].
لاشك أن صدق المتبوعين قد وضع على المحك في هذا الموقف؛ لأنه سوف يظهر هزالهم وافتضاح أمرهم، وخجلهم أمام أتباعهم، وانظر إلى مذلة الأتباع أمام متبوعيهم، حتى في هذا الموقف الذي تنقطع فيه الوشائج والصلات تجدهم يقولون: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ)، فهم يظهرون تبعيتهم لهم، ليكون ذلك أدعى لشفاعتهم لهم عند الله، وما دروا أن كبراءهم بحاجة إلى من يشفع لهم، وهم مشغولون عنهم بما هم فيه من العذاب، عندها يجيب الكبراء: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ)، فهم يعتذرون لأتباعهم بأنهم لو استطاعوا النفع لنفعوا أنفسهم، أما وإنهم لم يستطيعوا ذلك؛ فإنهم لن يقدروا على نفع غيرهم، وهذا الاعتراف من السادة يدل على قدر من الذل والهوان، (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) فإن العذاب واقعٌ لامحالة، ولايغني عنه الجزع والصبر.
ولم تكف الخصومة في الموقف؛ بل أعادوها في النار، حيث نجد كلًا من الفريقين يدلي بحجته؛ لعلها تنقذه من النار: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [غافر: ٤٧ ٤٨].
إن اللجوء إلى الكبراء في مثل هذا الموقف يدل على طبيعة قد تأصلت في الأتباع، حيث إنهم يلجؤون إليهم في ملمات الأمور ومهماتها، فيقفون معهم؛ عندها ظنوا أنهم سيقفون معهم هنا، فكان الرد صاعقًا: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)، وجملة (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) «تتنزل بمنزلة بدل الاشتمال من جملة (ﯥ ﯦ ﯧ)، فكلتا الجملتين جوابٌ لهم مؤيسٌ من حصول التخفيف عنهم، والمعنى: نحن مستورون في العذاب، وهو حكم الله، فلا مطمع في التفصي من حكمه، فقد جوزي كل فريق بما يستحق» 132.
٦. التبرؤ.
هذا الأثر مبنيٌ على سابقه ونتيجة طبيعية له، فإنه لا تكفي الخصومة، وحين تحدث الخصومة؛ يحدث التبرؤ، ويرمي كل فريق على الآخر بالتهمة ظانًا منه أنه سوف يسلم منها، وستكون له حجة أمام الله تعالى، فضلًا عن تبرئه من العمل أصلًا.
وقد صور القرآن مشاهد كثيرة في ذلك، ومنها قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ١٦٦ - ١٦٧].
لقد حدثت الخصومة وعاين القوم العذاب، وكان للفريقين، فلم يخص أحد دون الآخر بشيء، وعند ذلك تبرأ المتبوعون من الأتباع، وتنصلوا من جميع الوعود التي وعدوهم إياها، ولعل سبب التبرؤ تقطع الأسباب، وذلك أن «الآيس من كل وجه يرجو به الخلاص مما نزل به وبأوليائه من البلاء؛ يوصف بأنه تقطعت به الأسباب»133، لأنه خاب أمل القوم، ولم يتوقعوا ذلك من متبوعيهم، كما أن المتبوعين لم يحسبوا حسابًا لهذا العذاب والنكال.
إن هذه الثمرة هي ثمرة العلائق التي قامت على الباطل، فقد رأوا أعمالهم حسرات، وخلدوا في نار جهنم.
وقريب من ذلك (ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [مريم: ٨٢].
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأحقاف: ٥ ٦].
وغيرها كثير.
وكما عرضت لنموذج الخصومة الجماعية والتبرؤ الجماعي، فثمة نموذج للتبرؤ الفردي، وهو تبرؤ الشيطان من أتباعه الذين أغواهم وأضلهم، ثم حين يشاهد عذابهم يوم القيامة؛ فإنه يتبرأ منهم، ويلقي باللائمة عليهم، ويبرز لهم عدم قدرته على نفعهم في هذا الحال، قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [إبراهيم: ٢٢].
فبعد تلك الخصومة والتبرؤ؛ يقوم الشيطان الذي هو أصل كل فساد خطيبًا في أتباعه يوم القيامة بعد أن حقق ما يصبو إليه، وضمن دخولهم جنة، فيتحدث إليهم ويزيدهم حسرة وهمًا على حسرتهم وهمهم، وتبدو صورتهم مثيرة للاشمئزاز، وصورته واضحة أمامهم قائلًا: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ)، فقد بين لكم الطريق في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأظهر لكم أن ثمة جزاءً وحسابًا، وجنة للمطيع وعذابًا للعاصي، فصدقكم، ووعدتكم فأخلفتكم، ولكن الخطأ خطؤكم، حين اتبعتموني واستجبتم لوساوسي! ( ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ).
كانت هذه كلمات الشيطان لهم، في الوقت الذي يقوم نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فيشفع للأمة بإخراجها من النار، أو تخفيف العذاب عن العصاة.
٧. حبوط العمل:
بعد كل ما مضى من اتباع طرق الباطل والهوى، والبعد عن طريق الحق والهدى، ماذا نتوقع أن تكون النتيجة؟ ليست إلا سخط الله تعالى، وحبوط أعمالهم، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [محمد: ٢٨].
هذا الأثر نتيجة حتمية لأعمال هؤلاء القوم؛ لأن حبوط العمل يعني: الخسران في الآخرة، وماذا يبقى للمرء بعد حبوط عمله؟ وبمن يستغيث؟ إنه والحالة هذه ليس أمامه سوى العاقبة الأخيرة من عواقب الاتباع المذموم، ألا وهي:
٨. الحسرة والندم.
هذا الذي تبقى لهم، مع أنه لن يغني عنهم من الله شيئًا، لكنه محاولة لإلهاء النفس عما أحاط بها من العذاب، ومحاولة لتسويغ الماضي سيء الذكر، ولذلك فقد نقل لنا القرآن تحسرهم وندمهم في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الفرقان: ٢٧ ٢٩].
لقد وصل التحسر والندم بهذا الرجل الظالم درجة بلغت أن يعض على يديه من شدة ندمه على مافات، حين ترك اتباع طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبع بعض قرناء السوء من شياطين الإنس والجن الذين أضلوه وصدوه عن ذكر الله.
والعض: «عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك»134.
ولا شك أن ظاهر الآية وسبب النزول يوحيان بأن المقصود شخصٌ واحدٌ، إلا أن الأولى تعميمه في كل من هذه حاله، كما رجحه ثلة من المفسرين.
يقول الرازي: «كما بينا أن الظلم غير مخصوص بشخص واحد، بل يعم جميع الظَلَمَة؛ فكذا المراد بقوله: (فلانًا) ليس شخصًا واحدًا، بل كل من أطيع في معصية الله» 135.
والحاصل: ندم هؤلاء القوم على عدم متابعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم متابعة توصلهم إلى النجاة لو لزموها، وهذا كافٍ في إبراز مدى العقوبة التي سوف تحل بكل ما من هذه شأنه.
موضوعات ذات صلة: |
الأبوة، التقليد، الشيطان، القدوة، الهوى، الوحي |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٣٦٢.
2 لسان العرب، ابن منظور، ٨/٢٧.
3 موسوعة أخلاق القرآن، الشرباصي ٥ / ١٣٨.
4 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص١٤٩-١٥٣، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب التاء ص ٣٦٠-٣٦٣.
5 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان، ص١٥٥-١٥٦، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص١٦٢، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٨٥-٨٦، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/٢٩٣.
6 انظر: مجمع بحار الأنوار، الكجراتي ١/ ٥٩، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٨/ ٦٣٥، مختار الصحاح، الرازي ص ١٨.
7 تهذيب اللغة، الأزهري ١٣/ ٩٥.
8 تفسير غريب ما في الصحيحين، الحميدي ص ٤٣.
9 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٥١، الكليات، الكفوي ص ١١٤.
10 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٣١.
11 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ٩/٣٠٣.
وانظر للمزيد: الفروق اللغوية، العسكري ص٣٣٤، الحدود الأنيقة، زكريا الأنصاري ص٧٧.
12 انظر مقال: تفنيد زعم القرآنيين بأنه لا طاعة للنبي، ممدوح أحمد فؤاد، موقع رابطة أدباء الشام.
13 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٦٩.
14 جامع البيان، الطبري ٢٥/١٤٦.
15 بدائع التفسير، ابن القيم ٤/١٤٧.
16 انظر: روح المعاني، الألوسي ١١/٢٠١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٣/١٨٧.
17 فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٢٦٠.
18 روح المعاني، الألوسي ٧/١٥٦.
19 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٤٣.
20 الكشاف، الزمخشري ٢/١١١.
21 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٣/٦٧.
22 المحرر الوجيز، ابن عطية ١٥/١٤.
23 تفسير القرآن العظيم١/٣٦٦.
24 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٢٦.
25 أنوار التنزيل ،البيضاوي ٣/٣٨.
26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/١٩٢.
27 التحرير والتنوير ١٦/٢٩٠.
28 أخرجه أحمد في مسنده، ١/٤٣٥-٤٦٥، وأخرجه الحاكم في مستدركه، ٢/٣١٨.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
29 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٧٣.
30 معالم التنزيل، البيضاوي ٢/١٨٩.
31 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٩٣.
32 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٢/٢٣٤.
33 جامع البيان، الطبري ٥/١٦٣.
34 مجموع فتاوى ابن تيمية٤/٢٦.
35 أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضائل أصحاب النبي، رقم ٣٦٥٠.
36 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٤٧٤.
37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٣٦.
38 انظر: إعلام الموقعين، ابن القيم ٤/١٢٣-١٥٢.
39 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٢/٢٥٣.
40 بدائع التفسير، ابن القيم ٣/٤٧٧.
41 تفسير القرآن العظيم ٣/٤٥٤.
42 إعلام الموقعين ٤/١٣٠.
43 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٦/٧٨.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٩٦.
45 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٢٦.
46 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/١١١.
47 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٧٣.
48 بدائع التفسير، ابن القيم ٤/٢٦٢.
49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٥٩.
50 أخرجه أحمد في مسنده، ٢/٥٠٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب بر الوالدين، رقم ٣٦٦٠.
وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، رقم ٢٩٥٣.
51 جامع البيان، الطبري ٣/٢٣٩.
52 أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام، رقم ٢٣٦٦.
53 المفردات، ص ٤٥٥.
54 جامع البيان ٢٨/٥١.
55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٥٣.
56 بدائع التفسير٣/٣٣٨.
57 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٩٢.
58 أخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينًا، رقم ٢٨١٢.
59 شرح صحيح مسلم، النووي ١٧/١٥٧.
60 انظر: ما أخرجه مسلم عن جابر أيضًا في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينًا، رقم ٢٨١٣.
61 تفسير القرآن العظيم ١/٤٨٢.
62 أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب لايتناجى اثنان دون الثالث، رقم ٦٢٨٨.
63 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٨٠.
64 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٠/٢٢٦.
65 المفردات، الراغب ص ٥٧.
66 الاعتصام، الشاطبي ١/ ١٦٤.
67 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٣٤.
68 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٨٢.
69 المفردات، الراغب، ص ٧٧٦.
70 روح المعاني١٥/٧٦.
71 المفردات، الراغب، ص ١٨٣.
72 المصدر السابق، ص ٥٩٠.
73 الكشاف، الزمخشري ٢/٢٣٣.
74 دلائل الإعجاز، الجرجاني، وقد توسع في ذلك، ص ١٨٢-١٨٥.
75 المفردات، الراغب، ص ٨٤٩.
76 التعريفات، الجرجاني ص ٢٥٧.
77 مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/٣٨٤.
78 أضواء البيان، الشنقيطي، ٧/٢٥.
79 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/١٧٥.
80 جامع البيان ٥/٣٢١.
81 تفسير القرآن العظيم٣/١٥٢.
82 المصدر السابق.
83 مفاتيح الغيب، الرازي٢٤/٧٥.
84 الكشاف ٣/٤٣٩.
85 المفردات، ص ٥٣٩.
86 الكليات، الكفوي، ص ٥٩٤.
87 جامع البيان، الطبري ٨/٧٩.
88 المحرر الوجيز، ابن عطية ٦/١٣٦.
89 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/١٣٣.
90 الجامع لأحكام القرآن ١١/٨٢.
91 أضواء البيان، الشنقيطي، ٤/٣١٠.
92 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٥/٢١.
93 الكليات، الكفوي، ص ١٧٦-١٨١.
94 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٣٤٨.
95 نظم الدرر، البقاعي، ٧/٣٢٩.
96 الكشاف ٢/٤٨.
97 دلائل الإعجاز، الجرجاني، ص ١١٩.
98 جامع البيان، الطبري، ٥/٢٩٧.
99 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٥٧٢.
100 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢٩٣.
101 المرجع السابق.
102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٥.
103 الاستقامة، ابن تيمية، ١/٢٧٧.
104 دلائل الإعجاز، ص (١٧٤).
105 انظر: المنهاج الواضح للبلاغة، حامد عوني، ٢/١٠٣.
106 التحرير والتنوير، ٩/٨٧.
107 مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٥٠.
108 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٦/١٥١.
109 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٧٩.
110 تفسير القرآن العظيم، ٢/٣٥.
111 أخرجه الطبري في تفسيره، ١٦/٢٢٥.
112 حاشية زاده على البيضاوي، ٣/٣١٨.
113 الجامع لأحكام القرآن، ١/٤٠٠.
114 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٣٧.
وفي الآية خلاف، وللاستزادة يمكن الرجوع إلى: بدائع التفسير، ابن القيم ٢/٣٤١، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٤١٦.
115 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ٣/٩٠.
116 التحرير والتنوير ٣/٢٧٦.
117 جامع البيان، الطبري ٣/٢٠٧.
118 روح المعاني، الألوسي ١/٢٣٨.
119 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٥.
120 جامع البيان، ٢٤/٤٤.
121 يقصد غزوة تبوك.
122 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم ٤٤١٨.
123 بدائع التفسير٢/٣١٨.
124 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٨٠٤-٨٠٥.
125 التحرير والتنوير ١٨/٩٢.
126 تيسير الكريم الرحمن ص ٧٨٦.
127 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٧/١٧٢.
128 المصدر السابق ٧/٢٦٢.
129 جامع البيان، الطبري، ١/٥١٨.
130 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٦٩٥.
131 انظر: المصدر السابق، ١٢/١٨٥.
132 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٤/١٦٠.
والتفصي: التخلص.
133 مفاتيح الغيب، الرازي، ٤/١٨٩.
134 المفردات، الراغب، ص ٥٧٠.
135 مفاتيح الغيب، ٢٤/٦٦.