عناصر الموضوع

مفهوم الأجل

الأجل في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

حقيقة الآجال

أجل الإنسان

أجل الأمم

أجل الكون

الأجل في العبادات والمعاملات

الأجل في الآخرة

الأجل

مفهوم الأجل

أولًا: المعنى اللغوي:

أصل مادة (أ ج ل) تدل على خمس معانٍ مختلفة، كل واحدةٍ أصلٌ في نفسها1.

وأما (الأَجَل): فغاية الوقت، سواء في الموت، أو الدين، وغير ذلك 2.

ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان: أجل، فيقال: دنا أجله، عبارة عن دنو الموت 3.

واسْتَأْجَلْتُه فَأَجَلَنِي، جعلني إلى مدةٍ4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

يطلق الأجل في الاصطلاح على الوقت الذي ينتهي عنده الأجل 5.

ويطلق على مدة الحياة كلها 6.

فالأجل: الوقت الذي قدر الله تعالى فيه انقضاء الأشياء الكونية والشرعية، أو الموعد الذي حدده غاية لمعاملاتهم.

الأجل في الاستعمال القرآني

  1. وردت مادة (أجل) في القرآن (٥٦) مرة، يخص موضوع البحث منها (٥٥) مرة7.

    والصيغ التي وردت بها هي:

    الصيغة

    عدد المرات

    المثال

    الفعل الماضي

    ٢

    ( ) [المرسلات:١٢]

    اسم المفعول

    ١

    ( ) [آل عمران:١٤٥]

    الاسم المفرد

    ٥١

    ( ) [العنكبوت:٥]

    الاسم المثنى

    ١

    ( ﯿ ) [القصص:٢٨]

    وجاء الأجل في الاستعمال القرآني بالمعنى اللغوي، وهو: المدة المضروبة للشيء؛ سواء أكانت مضروبة لحياة الإنسان كما في قوله تعالى: ( ) [يونس:٤٩].

    أو لعدة المرأة كما في قوله تعالى: ( ) [الطلاق:٢]. أو غير ذلك8.

الألفاظ ذات الصلة

  1. العمر:

    العمر لغةً:

    أصل مادة (ع م ر) تدل على معنين:

    أحدهما: بقاءٌ وامتداد زمانٍ.

    والآخر: شيءٌ يعلو، من صوتٍ أو غيره.

    فالأول العُمُر، وهو الحياة، وهو العَمْر أيضًا9.

    العمر اصطلاحًا:

    اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، والتعمير: إعطاء العمر بالفعل أو بالقول على سبيل الدعاء 10.

    الصلة بين الأجل والعمر:

    فرق العسكري بينهما بقوله: الأجل: هو آخر مدة العمر المضروبة في علمه تعالى، فهو لا يتبدل، والعمر: هو ما يتبدل ويحتمل الزيادة والنقصان» 11.

    الوقت:

    الوقت لغةً:

    وقت: قال الليث: الوقت: مقدارٌ من الزمان. وكل شيءٍ قدرت له حينًا فهو موقت، وكذلك ما قدرت غايته فهو موقت. والميقات: مصدر الوقت... ويقال: وقتٌ موقوتٌ وموقت 12.

    الوقت اصطلاحًا:

    المقدار المحدود من الزمن 13.

    الصلة بين الأجل والوقت:

    وبالنظر في تعريف الوقت وتعريف الأجل نجد أن بينهما خصوصًا وعمومًا مطلقًا، فكل وقتٍ أجلٌ على اعتبار أن الوقت هو: نهاية الزمان المفروض للعمل 14.

    وهذا هو الأجل كما رأينا سابقًا -، وليس العكس فليس كل أجل وقتٌ على اعتبار أن الوقت هو: المقدار من الدهر15.

    المدة:

    المدة لغةً:

    مددت الشيء فامتد والمادة الزيادة المتصلة، ومد الله في عمره. ومده في غيه، أي أمهله وطول له... ورجلٌ مديد القامة، أي: طويل القامة، ومدةٌ من الزمان: برهة منه 16.

    المدة اصطلاحًا:

    هي حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها مع تلاصق أجزائها وتعاقب أبعاضها17.

    الصلة بين الأجل والمدة:

    أما الفرق بينهما فالأجل في الأصل موضوع للمدة المضروبة للشيء.

    قال الله تعالى: ( ) [غافر:٦٧]. في المدة المضروبة لحياة الإنسان 18.

    وعليه فالأجل نهاية المدة المعلومة.

حقيقة الآجال

  1. ارتبطت الآجال التي قدرها الله تعالى ارتباطًا وثيقًا بقدر الله في هذا الكون، فبعضها قد استأثر الله بعلمه وبعضها قد عرفه لخلقه وبعضها قد وضعه البشر مواقيت بينهم، وكل ذلك بحكمة الله وعلمه وتقديره وأسرار حكمته وتشريعه.

    أولًا: العلم بالآجال:

    ظهر لنا من التعريف القرآني للأجل أن الأجل إما أن يكون كونيًا أو شرعيًا مقدرًا من الله تعالى، أو أن يكون أجلًا مضروبًا بين الناس بعضهم بعضًا، وعليه فإن العلم بالأجل فرعٌ عن هذه الأقسام على النحو الآتي:

    ١. آجال اختص الله بعلمها.

    وهي الآجال التي قدرها الله تعالى في هذا الكون والحياة الدنيا والآخرة من الخلق والتكوين والعمر والموت والعذاب والإهلاك والبعث والقيامة ومقادير السماوات والأرض والأفلاك.

    قال تعالى في بيان استئثاره بعلم أجل الخلق والموت والنشور ( ﭨﭩ ﭬﭭ ) [الأنعام: ٢].

    ومعنى قوله () أي: لا يعلمه إلا هو، كقوله: ( ﯹﯺ ﯿ) [الأعراف: ١٨٧].

    وكقوله: ( ﯿ ) [النازعات: ٤٢-٤٤]19.

    وقال جل ثناؤه في تقدير وقوع الهلاك على الأمم المستحقة له: ( ﭒﭓ ) [العنكبوت: ٥٣].

    «يقول تعالى ذكره: ويستعجلك يا محمد هؤلاء القائلون من قومك: لولا أنزل عليه آية من ربه بالعذاب، ويقولون: ( ) [الأنفال: ٣٢].

    ولولا أجل سميته لهم فلا أهلكهم حتى يستوفوه ويبلغوه، لجاءهم العذاب عاجلًا.

    وقوله: ( )يقول: وليأتينهم العذاب فجأة، وهم لا يشعرون بوقت مجيئه قبل مجيئه»20.

    أما أجل الحياة وانقضاؤها بالموت ففيه آيات كثيرة.

    قال تعالى: ( ﭞﭟ ) [الأنعام: ٦٠].

    «يعني تعالى ذكره: ( )، يثيركم ويوقظكم من منامكم () يعني: في النهار، و(الهاء) التي في() راجعة على () ( ﭞﭟ)، يقول: ليقضي الله الأجل الذي سماه لحياتكم، وذلك الموت، فيبلغ مدته ونهايته21.

    وقد كتب الله لهذه الدنيا أجلًا وختامًا هو وقت البعث والنشور لا يعلم وقته إلا هو.

    قال جل ذكره: ( ﮬ ﮭ ) [هود:١٠٣-١٠٤].

    أي: ما نؤخر إقامة القيامة إلا لأنه قد سبقت كلمة الله في وجود أناسٍ معدودين من ذرية آدم، وضرب مدة معينة إذا انقطعت وتكامل وجود أولئك المقدر خروجهم قامت الساعة. ولهذا قال: ( ) أي: لمدةٍ مؤقتةٍ لا يزاد عليها ولا ينتقص منها 22.

    وبين سبحانه أنه خلق الأفلاك وقدر سيرها وانقضاء أجلها بعلمه: ( ﭲﭳ ) [الرعد: ٢].

    يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء ( ): أي: لوقت معلوم، وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكور الشمس، ويخسف القمر، وتنكدر النجوم23 24.

    ومما استأثر الله بعلمه من آجال الخلق والتكوين أيضًا مدة مكث الجنين في رحم أمه، قال تعالى: ( ) [الحج: ٥].

    والأجل: الأمد المجعول لإتمام عملٍ ما، والمراد هنا: مدة الحمل... ولكل مولودٍ مدةٌ معينةٌ عند الله لبقائه في رحم أمه قبل وضعه. والأكثر استكمال تسعة أشهرٍ وتسعة أيامٍ، وقد يكون الوضع أسرع من تلك المدة لعارضٍ، وكلٌ معينٌ في علم الله تعالى 25.

    مراتب الغيب: إن لعلم الغيب مراتب، أعلاها: ما اختص بعلمه الله وحده، ومن الغيب ما أطلع عليه ملائكته، ولكنه غيبٌ بالنسبة لبقية الملائكة وللبشر عمومًا، فهذا غيب نسبي.

    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا في تفسيره، لقوله تعالى ( ﭨﭩ ﭬﭭ) [الأنعام: ٢]. حيث بين علة تقييد الأجل المسمى الثاني بـ(عنده) فقال: أما قوله سبحانه: ( ﭨﭩ ﭬﭭ) [الأنعام: ٢].

    فالأجل الأول هو أجل كل عبدٍ؛ الذي ينقضي به عمره، والأجل المسمى عنده هو: أجل القيامة العامة. ولهذا قال: ( ﭬﭭ) فإن وقت الساعة لا يعلمه ملكٌ مقربٌ ولا نبيٌ مرسلٌ، كما قال: ( ﯳﯴ ﯹﯺ ﯿ) [الأعراف: ١٨٧].

    بخلاف ما إذا قال: () كقوله: ( ) [البقرة: ٢٨٢].

    إذ لم يقيد بأنه مسمًى عنده فقد يعرفه العباد، وأما أجل الموت فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد وأجله وعمله وشقيٌ أو سعيدٌ، كما قال في الصحيحين عن ابن مسعودٍ قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلماتٍ فيقال: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌ أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح)26.

    فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يعلمه الله لمن شاء من عباده. وأما أجل القيامة المسمى عنده فلا يعلمه إلا هو 27.

    ٢. آجالٌ شرعها الله لبعض معاملات البشر.

    وهي بطبيعة الحال آجالٌ عرفها الله عباده ليتعبدوه بالتزامها واتباعها فهي معلومة مرقومة جعلها الله آجالًا لبعض العبادات والمعاملات كعدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها وكتابة الدين ووقت نحر الهدي.

    قال تعالى: ( ) [الحج: ٣٣].

    والأجل المسمى هو وقت نحرها، وهو يومٌ من أيام منًى. وهي الأيام المعدودات28.

    ٣. ما ضربه الناس بينهم من آجال باختيارهم.

    وهو معلوم أيضًا بطبيعة الحال كسابقه، ولكنه يخالفه في أن القسم الثاني أجلٌ شرعيٌ مقدرٌ من عند الله وهذا أجلٌ وضعه البشر فيما بينهم وقد ورد عليه مثال واحدٌ في كتاب الله تعالى وهو الأجل الذي جعله أبو المرأتين اللتين سقا لهما نبي الله موسى عليه السلام على موسى.

    قال تعالى: ( ﯢﯣ ﯶ ﯷ ﯿ ) [القصص:٢٧-٢٨].

    () صاحب مدين لموسى ( ) أي: تصير أجيرًا عندي، ( ) أي: ثماني سنين، ( ) تبرع منك، لا شيء واجب عليك، ( ) فأحتم عشر السنين، أو ما أريد أن أستأجرك لأكلفك أعمالًا شاقة، وإنما استأجرك لعمل سهل يسير لا مشقة فيه... فـ () موسى عليه السلام - مجيبًا له فيما طلبه منه -: ( ) أي: هذا الشرط، الذي أنت ذكرت، رضيت به، وقد تم فيما بيني وبينك،( ﯿ ) سواء قضيت الثماني الواجبة، أم تبرعت بالزائد عليها، ( ) حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه 29.

    فهذا عقدٌ بين أبي المرأتين وموسى عليه السلام بأن يكون مهر تزويج موسى لابنته عملًا، وليس الأجل المضروب هنا أجلًا شرعيًا؛ كونه اندرج في معاملة شرعية، وهي مهر الزواج فالمهر هو العمل وليس الأجل ولم يرد في شرع الله تأقيتٌ لأي عملٍ يكون مهرًا، فالتأقيت هنا عقدٌ بشري والدليل على ذلك أن الرجل خير موسى بين أجلين.

    ثانيًا: الأجل بين المحو والإثبات:

    قال تعالى: ( ) [الرعد:٣٨-٣٩].

    لكل أجلٍ كتابٌ، يقول: لكل أمرٍ قضاه الله كتابٌ قد كتبه فيه، وقيل: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، تقديره أي: لكل كتابٍ أجلٌ ومدةٌ أي: الكتب المنزلة لكل واحدٍ منها وقتٌ ينزل فيه 30.

    لم يقع الخلاف بين السلف في معنى ( ) إلا على قولين متقاربين كما رأيت أعلاه، ولكن الخلاف الكبير وقع بينهم في معنى المحو والإثبات في الآية التي تليها والمتصلة بها اتصالًا وثيقًا.

    قال تعالى: ( ﯙﯚ ) [الرعد: ٣٩].

    وسأسوق باختصار أقوالهم قبل أن أحاول الوقوف على أرجحها وأكثرها ارتباطًا بالنص القرآني:

    سعيد بن جبيرٍ وقتادة: يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه.

    ابن عباسٍ: يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة.

    عمر وابن مسعود: يمحو السعادة والشقاوة أيضًا، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء.

    الضحاك والكلبي: يكتب القول كله حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيءٍ ليس فيه ثوابٌ ولا عقابٌ.

    عطية عن ابن عباسٍ: هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالةٍ، فهو الذي يمحو، والذي يثبت الرجل يعمل بطاعة الله، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل، فهو الذي يثبت.

    الحسن: ( ) أي: من جاء أجله يذهب به، ويثبت من لم يجئ أجله إلى يوم أجله.

    سعيد بن جبيرٍ: يمحوا الله ما يشاء من ذنوب العباد فيغفرها، ويثبت ما يشاء فلا يغفرها.

    السدي: ( ) يعني: القمر، ويثبت يعني الشمس، بيانه قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ١٢].

    الربيع: هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم، فمن أراد موته محاه فأمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه، بيانه قوله عز وجل: ( ) [الزمر: ٤٢]31.

    ويمكن إجمال هذه الأقوال في اتجاهات خمسة هي:

    1. أن الآية تتحدث عن القدر الذي كتبه الله تعالى سواء في اللوح المحفوظ أو كتبته الملائكة في الصحف.
    2. أن الآية تتحدث عن الشرائع السماوية نسخًا وإثباتًا.
    3. أن الآية تتحدث عن كتابة الحسنات والسيئات على الأعمال.
    4. أن الآية تتحدث عما نفذ من قضاء الله تعالى وما لم يزل مؤجلًا في الأزل.
    5. أن الآية تتحدث عن أحداث كونية لبعض مخلوقات الله كالأفلاك والروح.

      ولكي نحاول ترجيح أولى الأقوال بمعنى الآية فإننا ينبغي أن نقف على سياق الآية، فإن السياق من المقيدات والمحددات كما هو معلوم عند أهل التفسير، فهذه الآيات تتحدث عن رجوع الأمر إلى الله في كل شأن، حتى في شأن أوليائه الأنبياء وشأن المعجزات التي يأتون بها تأييدًا لدعوة الله، فحتى هذا النبي الذي إنما يأتي بالمعجزات نصرة لدين الله وتأييدًا له، لا يمكن أن يأتي بهذه الآية إلا بإذن الله تعالى وتقديره.

      يقول ابن كثير: وقوله: ( ) [الرعد: ٣٨].

      أي: لم يكن يأتي قومه بخارقٍ إلا إذا أذن له فيه، ليس ذلك إليه بل إلى الله عز وجل، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ( ) أي: لكل مدةٍ مضروبةٍ، كتابٌ مكتوبٌ بها، وكل شيءٍ عنده بمقدارٍ( ) [الحج:٧٠]32.

      إذًا فأرجح الأقوال في تفسير المحو والإثبات هو القول الأول المتعلق بما قدره الله تعالى وكتبه على عباده، ولكن ما معنى المحو والإثبات هنا؟ وهل يتغير قدر الله كما يظهر من لفظ الآية؟

      لن نخوض في أقوال العلماء في هذه المسألة التي خاضوا فيها كثيرًا، وهي من مسائل العقيدة في مبحث القضاء والقدر ولكننا نختار ألصق الأقوال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة فقال: وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)33.

      وقد قال بعض الناس: إن المراد به: البركة في العمر بأن يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا في الكثير، قالوا: لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان، فيقال لهؤلاء: تلك البركة، وهي الزيادة في العمل والنفع، هي أيضًا مقدرةٌ مكتوبةٌ وتتناول لجميع الأشياء، والجواب المحقق: أن الله يكتب للعبد أجلًا في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب.

      ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته، فأراه إياهم فرأى فيهم رجلًا له بصيصٌ فقال: من هذا يا رب؟ فقال: ابنك داود، قال: فكم عمره؟ قال: أربعون سنةً، قال: وكم عمري؟ قال: ألف سنةٍ، قال: فقد وهبت له من عمري ستين سنةً، فكتب عليه كتابٌ، وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقي من عمري ستون سنةً، قالوا: وهبتها لابنك داود، فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته)34.

      فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنةً ثم جعله مائةً.

      وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقيًا، فامحني واكتبني سعيدًا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت35.

      والله سبحانه عالمٌ بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؛ فهو يعلم ما كتبه له، وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها، فلهذا قال العلماء: إن المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف، ولا يبدو له ما لم يكن عالمًا به، فلا محو فيه ولا إثبات36.

      وقد ساق الألوسي شواهد كثيرة على تحقق وقوع المحو والإثبات في قضاء الله عز وجل، نذكر بعضها هنا من كلامه:

      «ورأيت في نسخة لبعض الأفاضل كانت عندي وفُقِدَت في حادثة بغداد، ألفت في هذه المسألة، وفيها أنه ما من شيء إلا ويمكن تغييره وتبديله حتى القضاء الأزلي، واستدل لذلك بأمور:

    1. منها: أنه قد صح من دعائه صلى الله عليه وسلم في القنوت: (وقني شر ما قضيت) 37، وفيه طلب الحفظ من شر القضاء الأولي، ولو لم يمكن تغييره ما صح طلب الحفظ منه.
    2. ومنها: ما صح في حديث التراويح من عذره صلى الله عليه وسلم عن الخروج إليها، وقد اجتمع الناس ينتظرونه لمزيد رغبتهم فيها بقوله: (خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) 38، فإنه لا معنى لهذه الخشية لو كان القضاء الأزلي لا يقبل التغيير، فإنه إن كان قد سبق القضاء بأنها ستفرض فلا بد أن تفرض، وإن سبق القضاء بأنها لا تفرض فمحال أن تفرض على ذلك الفرض، على أنه قد جاء في حديث فرض الصلاة ليلة المعراج بعد ما هو ظاهر في سبق القضاء بأنها خمس صلوات مفروضة لا غير، فما معنى الخشية بعد العلم بذلك لولا العلم بإمكان التغيير والتبديل.
    3. ومنها: ما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطرب حاله الشريف ليلة الهواء الشديد حتى أنه لا ينام، وكان يقول في ذلك: (أخشى أن تقوم الساعة)، فإنه لا معنى لهذه الخشية أيضًا مع إخبار الله تعالى أن بين يديها ما لم يوجد إذ ذاك؛ كظهور المهدي، وخروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك مما يستدعي تحققه زمانًا طويلًا، فلو لم يكن عليه الصلاة والسلام يعلم أن القضاء يمكن تغييره، وأن ما قضي من أشراطها يمكن تبديله، ما خشي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
    4. ومنها: أن المبشرين بالجنة كانوا من أشد الناس خوفًا من النار، حتى أن منهم من كان يقول: «ليت أمي لم تلدني»، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول: «لو نادى منادٍ: كل الناس في الجنة إلا واحدًا، لظننت أني ذلك الواحد»، وهذا مما لا معنى له مع إخبار الصادق وتبشيره له بالجنة، والعلم بأن القضاء لا يتغير.
    5. ومنها: أنه لولا إمكان التغيير لَلُغِيَ الدعاء؛ إذ المدعو به إما أن يكون قد سبق القضاء بكونه، فلا بد أن يكون، وإلا فمحال أن يكون، وطلب ما لا بد أن يكون، أو محال أن يكون، لغوٌ مع أنه قد ورد الأمر به، والقول بأنه لمجرد إظهار العبودية والافتقار إلى الله تعالى وكفى بذلك فائدة، يأباه ظاهر قوله: ( ) [غافر: ٦٠].
    6. وأيضًا: أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله تعالى يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر»39»40.

      ثالثًا: أسرار إخفاء الآجال:

      كما ذكرنا سابقًا فإن من الأجل ما استأثر الله بعلمه، ومنه ما يعلمه البشر فما هي الأسرار والحكم التي تكون وراء إخفاء هذه الآجال عن البشر؟

      لقد أخفى الله تعالى الآجال المرتبطة بحياة الإنسان؛ من انقضاء عمرٍ، وحلول عذابٍ، ويوم بعثٍ ونشورٍ، وإنما كان هذا لحكمٍ كثيرة، لعل من أهمها فتح باب الاجتهاد والعمل، وإغلاق باب التفريط والتسويف وطول الأمل، فإن العبد الذي لا يدري متى ينقضي عمره وينتهي أجله، يبقى في ترقبٍ دائمٍ، وتوقعٍ مستمرٍ لمفارقة هذه الدنيا، وبالتالي فإن صاحب كل ذي عقلٍ ينبغي أن يستعد ليوم الحساب، ويتأهب ليوم الفراق الذي لا يعرف متى وقوعه، فهذا يحمله على دوام التأهب، والحرص على ألا يغادر إلا وهو على عمل خير وخاتمة رشد.

      قال الله تبارك وتعالى: ( ) [آل عمران:١٠٢].

      قال ابن عاشور: «وهذا المركب مستعملٌ في غير معناه؛ لأنه مستعملٌ في النهي عن مفارقة الدين بالإسلام مدة الحياة، وهو مجازٌ تمثيليٌ علاقته اللزوم، لما شاع بين الناس من أن ساعة الموت أمرٌ غير معلومٍ كما قال الصديق 41:

      كل امرئٍ مصبحٌ في أهله

      والموت أدنى من شراك نعله

      فالنهي عن الموت على غير الإسلام يستلزم النهي عن مفارقة الإسلام في سائر أحيان الحياة»42.

أجل الإنسان

  1. الإنسان هو المخلوق الذي كرمه الله تعالى في هذا الكون، وشرفه بعبادته، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، واتصاله بذلك بوحي السماء، ولذا كان لهذا الإنسان النصيب الأعظم في كتاب الله تعالى؛ هدايةً وعنايةً وتربيةً وبيانًا وإرشادًا، وقد حظيت مراحل خلق هذا الإنسان وحياته بالبيان القرآني، بدءًا بإيجاده من عالم الذر، ومرورًا بخلقه في بطن أمه وخروجه، وحياته على وجه هذه الأرض، وليس انتهاءً بموته وإقباره، بل خروجه ونشوره يوم البعث.

    وسيتناول هذا المبحث ما قدره الله تعالى من آجال الإنسان منذ تكوينه في بطن أمه حتى مفارقته هذه الدنيا.

    أولًا: أجل الخلق والتكوين:

    يقول الله تعالى في معرض الحث على التفكر في مخلوقاته من الإنسان والسماوات والأرض: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الروم: ٨].

    يقول تعالى منبهًا على التفكر في مخلوقاته الدالة على وجوده وانفراده بخلقها، وإنه لا إله غيره ولا رب سواه، فقال (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) يعني به: النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي وما بينهما من المخلوقات المتنوعة والأجناس المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سدًى ولا باطلًا، بل بالحق، وأنها مؤجلةٌ إلى أجلٍ مسمى وهو يوم القيامة43.

    وقد بين الله تعالى أن أجل هذا الإنسان مكتوب معلوم قبل أن يخرج هذا الإنسان للحياة.

    يقول تعالى: ( ﭤﭥ ﭪﭫ ) [غافر: ٦٧].

    ( ) عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلًا، وآخرون قبل الأشد، وآخرون قبل الشيخوخة، وقوله: ( ) أي: هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة ليبلغ كل واحد منها أجلًا مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه 44.

    ثانيًا: أجل وضع الجنين:

    قدر الله تعالى وقتًا معلومًا مقدرًا لكل نسمة تنشأ من نطف ابن آدم وتستقر في الأرحام، فهي تمر في خلقها وتقديرها هذا في أطوارٍ كَتَبَها الله تعالى، وقدر لكل نطفة ما شاء من هذه الأطوار نقصًا أو تمامًا، وكل ذلك مؤجلٌ معلوم عند الخالق البارئ البديع.

    يقول تعالى ذاكرًا هذه الأطوار وقدره سبحانه وتعالى فيها: ( ﮥﮦ ﯕﯖ ﯥﯦ ) [الحج: ٥].

    قال: يا أيها الناس إن كنتم في شك من قدرتنا على بعثكم من قبوركم بعد مماتكم وبلاكم، استعظامًا منكم لذلك، فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم عليه السلام من تراب، ثم إنشاءنا لكم من نطفة آدم، ثم تصريفنا لكم أحوالًا، حالًا بعد حال، من نطفة إلى علقة، ثم من علقة إلى مضغة، لكم معتبرًا ومتعظًا تعتبرون به... المخلقة المصورة خلقًا تامًا، وغير مخلقة: السقط قبل تمام خلقه... فمن كنا كتبنا له بقاء وحياة إلى أمد وغاية، فإنا نقره في رحم أمه إلى وقته الذي جعلنا له أن يمكث في رحمها، فلا تسقطه، ولا يخرج منها حتى يبلغ أجله، فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بالخروج منها، فيخرج45.

    وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المراحل لتكوين الجنين في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلماتٍ، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقيٌ أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح) 46.

    فهذه مراحل تكوين الجنين في رحم أمه، ولكن الأجل المذكور في هذا الحديث والذي يؤمر الملك بكتابته ليس هو أجل وضع الجنين نقصًا أو اكتمالًا في بطن أمه وإنما هو أجل عمر من قدر له الحياة.

    ثالثًا: أجل حياة الإنسان:

    حياة الإنسان مقدرة معلومة البداية والنهاية، فهي تقدير العزيز العليم، فهو سبحانه ما خلقنا عبثًا، بل لمهمة عظيمة هي عبادته وإقامة شريعته، وجعل هذه الدنيا دار اختبار ومرورٍ لدار الجزاء والقرار، فكان من حكمته سبحانه أن يجعل لكل إنسان أجلًا مقدرًا تتم فيه حياته، وينقضي فيه إعذاره.

    يقول تعالى: ( ﭨﭩ ﭬﭭ ) [الأنعام: ٢].

    «وقوله: ( ﭨﭩ ﭬﭭ) قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ: «( ) يعني: الموت ( ﭬﭭ) يعني: الآخرة».

    وهكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة، والضحاك، وزيد بن أسلم، وعطية، والسدي، ومقاتل بن حيان، وغيرهم.

    وقول الحسن في رواية عنه: «( ) وهو ما بين أن يُخلق إلى أن يموت ( ﭬﭭ) وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث». هو يرجع إلى ما تقدم، وهو تقدير الأجل الخاص، وهو عمر كل إنسانٍ، وتقدير الأجل العام، وهو عمر الدنيا بكمالها»47.

    ولما كانت مسألة الآجال وانتهاء الأعمار مما يخشاه البشر كثيرًا ويؤملون عدم ورودها، فقد أكد الله تعالى على حتميتها بحيث إن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، بل هو مكتوب من عند الله تعالى.

    قال سبحانه: ( ) [آل عمران: ١٤٥].

    جيء في هذا الحكم بصيغة الجحود للمبالغة في انتفاء أن يكون موتٌ قبل الأجل... ومثل هذه الحقائق تلقى في المقامات التي يقصد فيها مداواة النفوس من عاهاتٍ ذميمةٍ، وإلا فإن انتهاء الأجل منوطٌ بعلم الله لا يعلم أحدٌ وقته، ( ﯿ ) [لقمان: ٣٤]... والمراد بـ(إذن الله): تقديره وقت الموت، ووضعه العلامات الدالة على بلوغ ذلك الوقت المقدر، وهو ما عبر عنه مرةً بـ(كن)، ومرةً بقدرٍ مقدورٍ، ومرةً بالقلم، ومرةً بالكتاب.

    والكتاب في قوله: ( ) يجوز أن يكون اسمًا، بمعنى: الشيء المكتوب، فيكون48.

    وقال أيضًا: ( ﯭﯮ ) [المنافقون: ١١].

    جاءت هذه الآية تعقيبًا على أمنية العبد أن يؤخر الله أجله ولو شيئًا يسيرًا يبادر فيه إلى العمل الصالح، ولكن هيهات، فهذا أمر مقضي لا يتأخر، ( ) أي: وبادروا إلى الإنفاق من بعض ما رزقناكم، في سبيل الخير العام... من قبل مجيء أسباب الموت ومشاهدة علاماته، فيقول الواحد منكم: هلا أمهلتني يا رب، وأخرت موتي إلى مدة أخرى قصيرة، فأتصدق بمالي، وأكن من الصالحين المستقيمين، وهذا دليل على أن كل مفرط أو مقصر في عمل الخير يندم عند الاحتضار...

    وقوله: ( ) [المنافقون:١٠] مطالبةٌ بالعودة إلى الدنيا والإمهال، ( ) تعالى أي نفس عن الموت أو قبض الروح إذا حضر أجلها، وانقضى عمرها، والله لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، فهو مجازيكم عليها، بالخير خيرًا، وبالشر شرًا، وهذا حض على المبادرة لعمل الخير، ومسابقة الأجل بالعمل الصالح، إن الندم من أي إنسان على التفريط وطلب العودة إلى الدنيا لتدارك التقصير عما فاته، لا يفيد الإنسان شيئًا، فلات ساعة مندم، فقد تم القضاء، ونفذ الأمر، ولا أمل في النجاة إلا بالعمل الصالح. وهذا حض على المبادرة لعمل الخير، ومسابقة الأجل بالعمل الصالح 49.

    رابعًا: الإعجاز العلمي وتحديد الآجال:

    برز الإعجاز القرآني في كتاب الله تعالى بحديثٍ دقيقٍ عن مراحل تكوين الجنين في رحم أمه بحيث جاءت متطابقة تطابقًا تامًا مع ما اكتشفه العلم الحديث عبر كل وسائل التكنولوجيا المتطورة من تصوير وفحص جيني وكيميائي وغير ذلك، وقد مر بنا آية من كتاب الله ذكرت أطوار الجنين في رحم الأم، وبينت أن كل هذه الأطوار بدءًا وإتمامًا أو نقصًا وسقطًا إنما هي آجال أجلها وكتبها الله عز وجل بعلمه وحكمته، يقول الدكتور محمد علي البار: من خلال آيات القرآن نستطيع أن نحدد معالم أطوار الجنين الإنساني وهي: (١) نطفة، (٢) علقة، (٣) مضغة مخلقة وغير مخلقة، (٤) عظام، (٥) لحم يكسو العظام، (٦) التسوية والتصوير (خلق آخر) والتعديل، (٧) نفخ الروح 50.

    وقد اتضح هذا الإعجاز القرآني في العصر الحديث، وتجلت بكل وضوح مراحل وأطوار خلق الجنين، فإن ثمة علمٌ تاريخه حديثٌ، اسمه علم الأجنة، وهو علم تكون الجنين في رحم الأم، وقد تقدم هذا العلم في السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا، حتى أصبح بإمكان الأطباء والعلماء أن يصوروا الجنين وهو في الرحم في مراحل نموه وتطوره، فهناك صورةٌ للجنين في الأسبوع الثالث، وصورةٌ في الأسبوع الرابع، وصورةٌ في الأسبوع الخامس، وصورةٌ في الأسبوع السادس، ويعنينا من كل هذه الصور صورةٌ للجنين في رحم الأم وهو في بداية الأسبوع السادس، ماذا نرى؟ نرى الأنف مختلطًا بالفم، متصلًا بالعين، نرى اليد كأنها مجدافٌ قصيرٌ، نرى الرأس ملتصقًا بالجذع، هذه صورة الجنين في بداية الأسبوع السادس، فإذا انتهى هذا الأسبوع ابتعد الرأس عن الجذع، وتوضحت معالم العينين، ومعالم الأنف، ومعالم الفم، وملامح اليدين، والرجلين، هذه الملامح هي ملامح نهاية الأسبوع السادس، والأسبوع سبعة أيامٍ، فإذا ضربنا سبعةً بستةٍ، فالناتج هو: اثنان وأربعون (٤٢).

    عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلةً، بعث الله إليها ملكًا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكرٌ أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص)5152.

أجل الأمم

  1. جعل الله الناس شعوبًا وقبائل وأممًا ليتعارفوا وتكون بينهم الحياة الطيبة يعمرون هذه الأرض بعبادة الله وبنشر الحق والخير، ولكن الشياطين اجتالتهم وحملت بعض الأمم على بعض فاستكبروا وعتو وسعوا بالباطل في هذه الأرض، ونسوا سنن الله في خلقه فجاءت آيات الكتاب العزيز كي تذكر الأمم بأن الله تعالى جعل لهم أعمارًا وآجالًا إليها ينتهون، وجعل لمن عتا منهم عقوبة بها يرتدعون.

    قال تعالى: ( ﮠﮡ ﮧﮨ ) [الأعراف: ٣٤].

    ولكل جماعة اجتمعت على تكذيب رسل الله، ورد نصائحهم، والشرك بالله، مع متابعة ربهم حججه عليهم أجل.

    «يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم، ونزول المثلات بهم على شركهم، فإذا جاء الوقت الذي وقته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا، ولا يمتعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم ساعة من ساعات الزمان ولا يتقدمون بذلك أيضًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتًا للهلاك» 53.

    أولًا: فناء الأمم.

    ومما هو معلوم مكتوب في أم الكتاب، آجال الأمم والشعوب وما قد قدر لها من آثار على وجه هذه الأرض، فكم من أمةٍ اندرست واندثرت آثارها، وكم من شعوبٍ تتابع بعضها على ديار بعض، وكم من أمةٍ أبقاها الله دهرًا وأمدها، وهكذا.

    يقول الله تعالى: ( ﮯﮰ ﯔﯕ ﯛﯜ ) [يونس: ٤٩].

    لكل قوم ميقاتٌ لانقضاء مدتهم وأجلهم، فإذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم لا يستأخرون عنه ساعة فيمهلون ويؤخرون، ولا يستقدمون قبل ذلك، لأن الله قضى أن لا يتقدم ذلك قبل الحين الذي قدره وقضاه54.

    ثانيًا: هلاك الأمم.

    وإن لم يكن اندثار الأمم بفنائها واندراسها مع مرور الزمان جاء فناؤها بهلاكها عقوبةً من عند الله تعالى على انحرافها وسيرها في طريق الشيطان.

    يقول سبحانه: ( ﭲ ﭳ ) [الحجر:٤-٥].

    يخبر تعالى أنه ما أهلك قريةً إلا بعد قيام الحجة عليها وانتهاء أجلها، وإنه لا يؤخر أمة حان هلاكها عن ميقاتهم ولا يتقدمون عن مدتهم، وهذا تنبيهٌ لأهل مكة وإرشادٌ لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشرك والعناد والإلحاد الذي يستحقون به الهلاك 55.

    وقد تتتابع العقوبات على أمة ما قبل أن يحين هلاكها فلا يكون تتابعها أو شدتها مظنة لتعجيل هلاكهم، فإن أجل الهلاك لا يتقدم مهما زادت العقوبات.

    يقول تعالى: ( ﭩ ﭪ ﭶ ﭷ ﭿ ﮄ ﮅ ﮜ ﮝ ﮨ ﮩ ) [الأعراف:١٣٠-١٣٦].

    حين نزل العذاب الشديد وتواترت ألوان العقاب على فرعون وقومه الكافرين من الجراد والضفادع والدم وطوفان الماء وغيرها من الآيات التسع، حينئذ اضطرب قوم فرعون واشتد فزعهم، وطلبوا من موسى عليه السلام أن يدعو ربه، بسبب ما عهد الله عنده من النبوة والرسالة والكرامة والمحبة وصلة العهد مع الله من طاعة موسى ونعمه عليه، وأقسموا له: لئن كشفت عنا بدعائك ذلك العذاب، لنصدقن برسالتك، ونؤمنن بما جئت به من عند ربك، ولنرسلن معك بني إسرائيل إلى حيث تتوجه وتريد، ليتمكنوا من عبادة ربهم كما شاؤوا.

    وهذا عهد من فرعون وملئه الذين بيدهم الحل والعقد، ولكن قوم فرعون لما كشف الله عنهم العذاب، وأزال عنهم العقاب مرة بعد مرة، مؤقتًا إلى أجل محدود، منتهون إليه حتمًا، فمعذبون فيه، وهو الغرق، إذا هم ينقضون العهد ويحنثون في كل مرة، ولم ينفعهم ما تقدم في حقهم من الإمهال.

    ومعنى قوله تعالى: ( ) أي: غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت، في الغرق المنتظر... ولما كشف الله العذاب (وهو الرجز) عن قوم فرعون من قبل مرات ومرات، ولم يقلعوا عن كفرهم وجهلهم، ثم حان الأجل المؤقت لعذابهم، انتقم الله منهم، بأن أهلكهم بالغرق في البحر؛ بسبب تكذيبهم بآيات الله التي نزلت عليهم كلها، وكانوا غافلين عنها وعما يتبعهم من العذاب في الدنيا والآخرة 56.

    ثالثًا: استعجال العذاب لا يغير أجله.

    يستعدي ابن آدم بجهله، ويستعجل وقوع العذاب بطيشه، ويسيء الظن بربه فيظن أن ربه لا يقدر عليه، فتدفعه رعونته إلى أن يطلب من الرسل أن ينزل الله بهم العذاب، ولكن الله تعالى برحمته الواسعة يمهلهم إلى أجلهم المكتوب لهم.

    يقول سبحانه: ( ﭒﭓ ) [العنكبوت: ٥٣].

    ( )، نزلت في النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء، ( )، قال ابن عباسٍ: ما وعدتك أني لا أعذب قومك، ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة، كما قال: ( ) [القمر:٤٦]. وقال الضحاك مدة أعمالهم؛ لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب، وقيل: يوم بدرٍ، ( ) يعني: العذاب، وقيل: الأجل، ( ) بإتيانه57.

    ورحمة الله تعالى سابقة سابغة فهو لا يعاجل المستعجل بالعقوبة رحمة به ورأفة بعباده، وقد بين سبحانه سبب عدم معاجلة المستعجل بالعقوبة وحكمة تأجيل الآجال والعذاب.

    يقول: ( ﮓﮔ ) [يونس: ١١].

    وهذا إجمال ينبىء بأن الله جعل نظام هذا العالم على الرفق بالمخلوقات واستبقاء الأنواع إلى آجالٍ أرادها، وجعل لهذا البقاء وسائل الإمداد بالنعم التي بها دوام الحياة، فالخيرات المفاضة على المخلوقات في هذا العالم كثيرةٌ، والشرور العارضة نادرةٌ ومعظمها مسببٌ عن أسبابٍ مجعولةٍ في نظام الكون وتصرفات أهله... فهذه الجملة معطوفةٌ على جملة ( ) [يونس: ٧] الآية.

    فحيث ذكر عذابهم الذي هم آيلون إليه ناسب أن يبين لهم سبب تأخير العذاب عنهم في الدنيا لتكشف شبهة غرورهم وليعلم الذين آمنوا حكمةً من حكم تصرف الله في هذا الكون.

    فبينت هذه الآية أن الرفق جعله الله مستمرًا على عباده غير منقطعٍ عنهم؛ لأنه أقام عليه نظام العالم إذ أراد ثبات بنائه، وأنه لم يقدر توازي الشر في هذا العالم بالخير؛ لطفًا منه ورفقًا، فالله لطيفٌ بعباده، وفي ذلك منةٌ عظيمةٌ عليهم، وأن الذين يستحقون الشر لو عجل لهم ما استحقوه لبطل النظام الذي وضع عليه العالم 58.

    ومن جهة موازية فإن الله تعالى يبين أن الآجال لا ترتبط بحجم ظلم البشر وطغيانهم وفسادهم وإفسادهم على هذه الأرض، وإلا لو كان ذلك كذلك ما بقي على وجهها أحد.

    يقول تعالى: ( ﮮﮯ ﯖﯗ ) [النحل: ٦١].

    ( ) أي: بشركهم ومعصيتهم، ( ) أي: لم يترك على ظهر الأرض من دابة، ودل الإضمار على الأرض؛ لأن الدواب إنما هي على الأرض، يقول: أنا قادر على ذلك. ( ) أي: إلى وقت معلوم، ويقال: ( )؛ لأنه لو أخذهم بذنوبهم لمنع المطر، وإذا منع المطر لم يبق في الأرض دابة إلا أهلكت، ولكن يؤخر العذاب إلى أجل مسمى.

    وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لو عذب الله الخلائق بذنوب بني آدم، لأصاب العذاب جميع الخلائق، حتى الجعلان في جحرها، ولأمسكت السماء عن الأمطار، ولكن يؤخرهم بالفضل والعفو». ثم قال: ( ) أي: أجل العذاب ( ) أي: لا يتأخرون عن الوقت (ﯖﯗ ) أي: لا يتقدمون قبل الوقت 59.

أجل الكون

  1. أبدع الله سبحانه وتعالى هذا الكون بعلمه وقدرته، وبدأه بأمره وإرادته، وقدر له أجلًا تكون فيه نهايته، وقضى فيه سننه ونواميسه وقوانينه التي بها يكون حفظه واستمراريته، وقد حظي هذا الكون بعناية خاصة في آيات كتاب الله تعالى توجيهًا للنظر فيه وتدبر إتقان صنعته لإدراك عظمة الباري وتمام حكمته، وقد برزت حكمة الله تعالى وتجلت في تلك الدقة المتناهية في هذه الصنعة المنسجمة على عظم حجمها وارتفاع سمائها وانبساط أرضها، فجعل لهذا الكون برمته قدرًا وأجلًا دقيقًا دقةً ما زال البشر يطلعون على جانب ضئيل منها ويكتشفون في كل يوم جديدًا عنها.

    أولًا: أجل الأجرام السماوية:

    أجل السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم هو المدة التي قدرها الله لدوام سيرها، وهي مدة بقاء النظام الشمسي الذي إذا اختل انتثرت العوالم وقامت القيامة60.

    وقد بين سبحانه هيمنته على هذه العوالم وتسخيرها إلى أجلٍ مسمى حيث يقول: ( ﭲﭳ ) [الرعد: ٢]» والتسخير حقيقته تذليل ذي عملٍ شاقٍ أو شاغلٍ بقهرٍ وتخويفٍ أو بتعليمٍ وسياسةٍ بدون عوضٍ، فمنه تسخير العبيد والأسرى، ومنه تسخير الأفراس والرواحل، ومنه تسخير البقر للحلب، والغنم للجز. ويستعمل مجازًا في تصريف الشيء غير ذي الإرادة في عملٍ عجيبٍ أو عظيمٍ من شأنه أن يصعب استعماله فيه، بحيلةٍ أو إلهامٍ تصريفًا يصيره من خصائصه وشؤونه، كتسخير الفلك للمخر في البحر بالريح أو بالجذف، وتسخير السحاب للأمطار، وتسخير النهار للعمل، والليل للسكون، وتسخير الليل للسير في الصيف، والشمس للدفء في الشتاء، والظل للتبرد في الصيف، وتسخير الشجر للأكل من ثماره حيث خلق مجردًا عن موانع تمنع من اجتنائه مثل الشوك الشديد.

    وقد أطلق التسخير في السماوات والأرض والشمس والقمر مجازًا على جعلها خاضعةً للنظام الذي خلقها الله عليه بدون تغييرٍ، مع أن شأن عظمها أن لا يستطيع غيره تعالى وضعها على نظامٍ محدودٍ منضبطٍ... والجري: المشي السريع استعير لانتقال الشمس في فلكها وانتقال الأرض حول الشمس وانتقال القمر حول الأرض، تشبيهًا بالمشي السريع لأجل شسوع المسافات التي تقطع في خلال ذلك.

    وزيادة قوله: ( )؛ للإشارة إلى أن لهذا النظام الشمسي أمدًا يعلمه الله، فإذا انتهى ذلك الأمد بطل ذلك التحرك والتنقل، وهو الوقت الذي يؤذن بانقراض العالم، فهذا تذكيرٌ بوقت البعث.

    فيجوز أن يكون ( ) ظرفًا لغوًا متعلقًا بفعل ()، أي: ينتهي جريه، أي: سيره عند أجلٍ معينٍ عند الله لانتهاء سيرهما، ويجوز أن يكون ( ) متعلقًا بفعل () أي: جعل نظام تسخير الشمس والقمر منتهيًا عند أجلٍ مقدرٍ61.

    لطيفة لغوية:

    ورد جري الأجرام السماوية متعديًا بحرف (اللام) ثلاث مرات في كتاب الله تعالى: ( ﭷﭸ) [الرعد: ٢] [فاطر: ١٣] [الزمر: ٥].

    وورد مرة واحدة متعديًا بـ(إلى) وذلك في [لقمان: ٢٩].

    وقد نحا كثير من اللغويين إلى تعاقب الحروف فقالوا: إن (اللام) بمعنى (إلى) والعكس.

    ولكن هناك فرق تعبيري تصويري لطيف يشير إليه النيسابوري في تفسيره حيث يقول: وقوله هاهنا - أي: في موضع سورة لقمان-: ( ) ، وقوله في فاطر والزمر ( ) [الزمر: ٥] [فاطر: ١٣] يؤول إلى معنًى واحد، وإن كان الطريق مغايرًا؛ لأن الأول معناه انتهاؤهما إلى وقت معلوم، وهو للشمس آخر السنة، وللقمر آخر الشهر...

    والثاني: معناه: اختصاص الجري بإدراك أجل معلوم كما وصفنا. ووجه اختصاص هذا المقام بـ(إلى) وغيره بـ(اللام): أن هذه الآية صدرت بالتعجيب فناسب التطويل62.

    وقد وضح الشيخ الشعراوي هذا المعنى بقوله: وفي هذه الآية ورد التعبير بلفظ ( ) [لقمان: ٢٩]، وفي مواضع أخرى ورد بلفظ: ( ) [الرعد: ٢] بـ(اللام) بدلًا من (إلى)، وكذلك في سورتي فاطر والزمر.

    ولكل من الحرفين معنى:

    ( ) [لقمان: ٢٩] تعطينا الصورة لمشية الشمس والقمر قبل وصولهما الأجل.

    إنما ( ) [فاطر: ١٣] أي: الوصول المباشر للأجل 63.

    وكأن هذا الحرف (إلى) يدعو الإنسان إلى أن ينظر ويتفكر في سير هذه الأجرام الباهرة العظيمة؛ كي يدرس جريانها ومسارتها، ويقف على عظمة خالقها أكثر فأكثر.

    ثانيًا: الإعجاز العلمي وتحديد أجل الكون:

    مما لا ريب فيه أن هذا الكون قائمٌ على نظام دقيق بديع ينبئ عن خالق عليم حكيم، ومما بات معلومًا لدى العلماء تضمن هذا الكتاب العزيز إشارات بينة على حقائق كونية باهرة يكتشف العلم في كل يوم منها قدرًا يزيد اليقين بصدق هذا الكتاب الحكيم، وقد ذكر القرآن الكريم كما مر أعلاه أن الله تعالى جعل لهذا الكون بأجرامه وسمواته وأرضه قدرًا معلومًا وأجلًا محتومًا يسير في كنفه هذا الكون العظيم إلى أن يبلغ أجلًا مسمًى تنقضي عنده الدنيا بأجرامها.

    وقد أشارت النظريات العلمية الحديثة التي تفسر نشوء الكون إلى هذه الحقيقة؛ إذ إن البراهين كلها تشير إلى أن هذا الكون كله في حركة تمدد دؤوب مستمرة، وقطعًا فإن هذا التمدد سيصل إلى نقطة يتلاشى عندها الكون، وتنبئ الأجهزة التي يستخدمها علماء الفلك بأن المجرات والنجوم والكواكب جميعًا في حركة دائبة، وأن هذه الحركة تؤدي إلى تمدد مستمر...

    ومن هذه الحسابات، أن سرعة تمدد الجزء الذي تدركه حواسنا من هذا الكون هي ٢٣٥ مليون ميل في الدقيقة، وأن هذا التمدد قد نشط من ١٨ ألف مليون سنة من السنين التي نعرفها على الأرض، وأنه بدأ بانفجار هائل تعارف العلماء على تسميته: (بج بانج/ Big Bang)، وكل المجرات وما تضمنه من أجرام تتحرك في نظام وتوقيت رباني محكم، بما يؤكد التوزان المطلق الذي شاء الرحمن أن يكون في كل مخلوقاته، كبيرها وصغيرها، فهناك تجاذب بين الأجرام السماوية والأرض، كالتجاذب بين الأرض والأجسام الواقعة على سطحها، وهناك توازن بين قوى التجاذب بحيث لا تختل حركة الأجرام في دورانها في أفلاكها64.

    يقول الدكتور محمد دودح: عرض القرآن الكريم لأهوال نهاية العالم في صور بيانية تعكس الحقيقة بتلطف؛ والتي بالكاد أوشكت أن تدركها الفيزياء الفلكية اليوم، وفي قوله تعالى: ( ) [الرحمن: ٣٧].

    المعنى المتبادر: أن يفسح جو الأرض والمعهود بالزرقة حين يبدأ في التفسخ والتلاشي عن كتلة حمراء ضخمة ملتهبة تتأجج وتغطي معظم السماء، بدلا عن الشمس؛ أشبه في اللون والتضخم بوردة حمراء تتفتح، وفي الالتهاب والسيولة واللمعان والتموج بزيت الدهان وهو يتأجج على النار، ونطالع في التصورات العلمية المتوقعة لمصير الشمس؛ أنها ليست من الضخامة بحيث تنتهي إلى ما يسمى فيزيائيًا ثقب أسود Black Hole، أو إلى ما يسمى نجم نيوتروني Neutron Star؛ وإنما تنتفخ وتتحول إلى عملاق أحمر Red Giant من شدة الحرارة، يبلغ قطره من ١٥ إلى ٤٥ مرة مثل قطر الشمس حاليًا، ويعادل لمعانه حوالي مائة مرة أو أكثر مثل لمعان الشمس، ويبتلع في طريقه ما يجاوره، والحد الذي يحدد مصير النجم بعد انفجاره قيمته ١.٤ قدر كتلة الشمس (حد تشاندراسيخار)، يتحول النجم دونه لقزم أبيض؛ وهذا هو حال الشمس.

    وفي المقابل يعرض القرآن الكريم لمشاهد تكمل الصورة؛ كإبادة الكواكب وجمع الشمس والقمر وانشقاق الجو لينفتح المشهد على عملاق أحمر ينتفخ من شدة الانفجار ويدفع بألسنة النار في كل صوب مثل وردة حمراء تتفتح أوراقها؛ وكزيت الدهان يتأجج ناثرًا قطرات حارقة، وتقترب الشمس فتطال الأرض وتصهر كل ما عليها، وتصبح عملاقًا أحمر ووردة حمراء في الأسفل.

    وتنفجر الأرض وتطرح ما فيها من أثقال وتتخلى عن كل ما عليها؛ وتمحى كل مظاهر الحياة، ولا وجود حينئذ لبشر يشاهد فخلى الوصف من المشاهد؛ وفي الختام تنكمش الشمس وتطوى كلفافة وتكور لتصبح قزمًا أبيض White Dwarf ثم تموت، ويمنح السياق فسحة كبيرة لتتصور المخيلة ما لم تصرح به الكلمات من مشاهد القدرة المفزعة؛ التي أحالت كل العالم خراب 65.

الأجل في العبادات والمعاملات

  1. وكما جعل خالق هذا الكون لمخلوقاته أجلًا ينتهون إليه وقدرًا معلومًا يصيرون إليه، فقد جرت سنته هذه أيضًا في ما شرع وقدر لعباده فجعل شرائعه قائمة على آجال تنضبط بها أحوال الناس من عبادات ومعاملات بينهم، ولذا فإننا نجد هذه الآجال في الكتاب العزيز على نوعين: آجال في العبادات، وآجال في المعاملات.

    ويعرف الفقهاء الأجل بأنه: المدة المستقبلة التي يضاف إليها أمرٌ من الأمور، سواءٌ كانت هذه الإضافة أجلًا للوفاء بالتزامٍ، أو أجلًا لإنهاء التزامٍ، وسواءٌ كانت هذه المدة مقررةً بالشرع، أو بالقضاء، أو بإرادة الملتزم فردًا أو أكثر.

    وهذا التعريف يشمل:

    أولًا: الأجل الشرعي، وهو المدة المستقبلة التي حددها المشرع الحكيم سببًا لحكمٍ شرعيٍ، كالعدة.

    ثانيًا: الأجل القضائي: وهو المدة المستقبلة التي يحددها القضاء أجلًا لأمرٍ من الأمور كإحضار الخصم، أو البينة.

    ثالثًا: الأجل الاتفاقي، وهو المدة المستقبلة التي يحددها الملتزم موعدًا للوفاء بالتزامه (أجل الإضافة)، أو لإنهاء تنفيذ هذا الالتزام (أجل التوقيت) سواءٌ كان ذلك فيما يتم من التصرفات بإرادةٍ منفردةٍ أو بإرادتين66. 67

    والذي ورد في كتاب الله تعالى من هذه الآجال هو الأجل الشرعي ويكون في العبادات، والأجل الاتفاقي وهو في المعاملات.

    أولًا: الأجل في العبادات:

    تميزت العبادات في شريعة الإسلام بانضباطها بأوقات وأماكن وأحوال مخصوصة فالصلاة والزكاة والصوم والحج، أمهات العبادات هذه كلها ذوات أوقات بدء وانتهاء متناهية في الدقة والانضباط، وهذه العبادات وغيرها مما هو بين العبد وربه، ولكن هناك عبادات تكون في المعاملات بين الناس كالزواج والطلاق والوصية والميراث، وهذه معاملات شرع الله تعالى فيها أحكامًا تعبدية وضبطها بآجال معلومة كي لا يقع فيها الخطأ أو تعمد الضرر؛ إذ إن هذه الأمور مما يكون للنفس فيها حظ الأثرة وحب جلب المنفعة ولو على حساب الآخرين، وهي مما يقع فيه الخلاف كثيرًا بين الناس، ولذا فإنك ترى أن القرآن الكريم اعتنى بشكل بين بضبط آجال أحوال انقضاء الحياة الزوجية سواء بالطلاق أو الوفاة، وكذلك ذكر أجل انقضاء المنفعة بالأنعام التي تهدى إلى الحرم حتى لا يتجاوز فيها الأنسان فيظلم الفقير.

    ١. أجل المرأة المتوفى عنها زوجها.

    قال تعالى: ( ﭚﭛ ﭦﭧ ) [البقرة: ٢٣٤].

    يعني: شرعًا؛ فما وجد من متوفى عنها زوجها لم تتربص فليس ذلك من الشرع، فجرى الخبر على لفظه... والتربص: هو الانتظار، ومتعلقه ثلاثة أشياء: النكاح، والطيب والتنظف، والتصرف والخروج... والمقصود بهذه العدة براءة الرحم من ماء الزوج؛ فامتناع النكاح إنما هو لأجل الماء الواجب صيانته أولًا. وامتناع عقد النكاح إنما هو لاستحالة وجوده شرعًا على محل لا يفيد مقصوده فيه وهو الحل... وقوله تعالى: ( ) يعني: انقضت العدة.

    ( ) هذا خطابٌ للأولياء، وبيان أن الحق في التزويج لهن.

    ( ) أي: من جائزٍ شرعًا، يريد من اختيار أعيان الأزواج، وتقدير الصداق دون مباشرة العقد؛ لأنه حقٌ للأولياء68.

    ٢. أجل المطلقة.

    يقول تعالى: ( ﭿ ﮃ ﮄ ) [البقرة:٢٣١-٢٣٢].

    وهاتان آيتان تجيئان في سياق الحديث عن الطلاق وأحكامه في سورة البقرة.

    يقول الصابوني متحدثًا عن أجل المطلقة: يقول الله تعالى ما معناه: الأزواج المطلقات اللواتي طلقهن أزواجهن لسبب من الأسباب على هؤلاء انتظار مدة من الزمن هي مدة (ثلاثة أطهار)، أو (ثلاث حيض)؛ لمعرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب، وأزواجهن أحق بهن في الرجعة من الأجانب، إذا لم تنقض عدتهن، وكان الغرض من هذه الرجعة (الإصلاح) لا (الإضرار) ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أمر الله عز وجل 69.

    ويأتي الأجل في الآية الأولى احترازًا عن فعل كان يفعله العرب في الجاهلية ويفعله كثير من الناس عمومًا وهو مضارة المرأة بجعلها معلقة لا زوجة ولا مطلقة فقد.

    أخرج الطبري بسنده عن الحسن أنه سئل عن قوله تعالى: ( ) قال: «كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها، يضارها، فنهاهم الله عن ذلك»70.

    ولذا فقد أمر تعالى في الآية بأحد فعلين: إما الإمساك بإحسان، أو التسريح بإحسان.

    أما الأجل في الآية الثانية فيأتي احترازًا عن فعل يكون من جهة أهل المطلقة عضلًا ومنعًا لها أن تعود إلى زوجها نكاية فيه لما حصل بينهم من سوء وطلاق آنفًا، وقد نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته رضي الله عنهما، فعن الحسن أن أخت معقل بن يسارٍ طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها، فخطبها، فأبى معقلٌ»، فنزلت: ( ) [البقرة: ٢٣٢]71.

    إشكال:

    قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ( ) [البقرة: ٢٣٢] انقضاء عدتهن بالفعل، ولكنه بين في موضعٍ آخر أنه لا رجعة إلا في زمن العدة خاصةً، وذلك في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢٨]؛ لأن الإشارة في قوله: () راجعةٌ إلى زمن العدة المعبر عنه بثلاثة قروءٍ72 في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢٨].

    فاتضح من تلك الآية أن معنى ( ) أي: قاربن انقضاء العدة، وأشرفن على بلوغ أجلها 73.

    ٣. أجل المطلقة الحامل.

    يقول تعالى في عدة المطلقة ذات الحمل: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ) [الطلاق: ٤].

    ( ) أجل الشيء الانتفاع بها على هذا القول، وأجله أيضًا آخر مدته، والمراد بالأجل هنا: آخر المدة التي تتربصها المرأة، أي: آخر عدتهن أن يضعن حملهن، وظاهر هذا أن المعتدة الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل، سواء أكانت معتدة عن طلاق أم عن وفاة 74.

    وقد دل على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها هي وضع حملها: حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية، فعن عبد الله بن عتبة قال: أن سبيعة بنت الحارث أخبرته: (أنها كانت تحت سعد ابن خولة، وهو من بني عامر بن لؤيٍ، وكان ممن شهد بدرًا، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها75، تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعككٍ، رجلٌ من بني عبد الدار، فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب، ترجين النكاح؟ فإنك والله ما أنت بناكحٍ حتى تمر عليك أربعة أشهرٍ وعشرٌ، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي)76.

    وفي ختام ذكر هذه الآجال يؤكد القرآن الكريم على الالتزام بها والوقوف عندها حتى تستقيم أحوال العباد، ولا يتجرأ من يتجرأ على حدود الله وحرمات الناس وأعراضهم.

    يقول تعالى: ( ﭹﭺ ﭿ ﮇﮈ ﮐﮑ ﮙﮚ ) [البقرة: ٢٣٥].

    إن المرأة في عدتها ما تزال معلقة بذكرى لم تمت، وبمشاعر أسرة الميت، ومرتبطة كذلك بما قد يكون في رحمها من حمل لم يتبين، أو حمل تبين والعدة معلقة بوضعه.. وكل هذه الاعتبارات تمنع الحديث عن حياة زوجية جديدة. لأن هذا الحديث لم يحن موعده، ولأنه يجرح مشاعر، ويخدش ذكريات.

    ومع رعاية هذه الاعتبارات فقد أبيح التعريض -لا التصريح- بخطبة النساء، أبيحت الإشارة البعيدة التي تلمح منها المرأة أن هذا الرجل يريدها زوجة بعد انقضاء عدتها... كذلك أبيحت الرغبة المكنونة التي لا يصرح بها لا تصريحًا ولا تلميحًا؛ لأن الله يعلم أن هذه الرغبة لا سلطان لإرادة البشر عليها، وقد أباحها الله لأنها تتعلق بميل فطري، حلال في أصله، مباح في ذاته، والملابسات وحدها هي التي تدعو إلى تأجيل اتخاذ الخطوة العملية فيه. والإسلام يلحظ ألا يحطم الميول الفطرية إنما يهذبها، ولا يكبت النوازع البشرية إنما يضبطها، ومن ثم ينهى فقط عما يخالف نظافة الشعور، وطهارة الضمير... ولم يقل: ولا تعقدوا النكاح، إنما قال: ( )، زيادة في التحرج، فالعزيمة التي تنشئ العقدة هي المنهي عنها، وذلك من نحو قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٨٧]، توحي بمعنى في غاية اللطف والدقة، وهنا يربط بين التشريع وخشية الله المطلع على السرائر. فللهواجس المستكنة وللمشاعر المكنونة هنا قيمتها في العلاقات بين رجل وامرأة، تلك العلاقات الشديدة الحساسية، العالقة بالقلوب، الغائرة في الضمائر.

    وخشية الله، والحذر مما يحيك في الصدور أن يطلع عليه الله هي الضمانة الأخيرة، مع التشريع، لتنفيذ التشريع 77.

    ٤. أجل الشعائر.

    يقول تعالى: ( ) [الحج:٣٢-٣٣].

    فضمير الغائب (ها) هنا في قوله تعالى: ( ) عائد على الشعائر وبحسب اختلاف أهل التفسير في معنى الشعائر اختلفوا في معنى الأجل المرتبط بها، وقد سرد الطبري أقوالهم وجمع بينها كما يلي:

    القول الأول: عنى بالشعائر: البدن، واختلفوا في منافعها؛ فقال قومٌ: منافعها قبل تسميتها بدنة وقبل تقليدها أو إيجابها فتكون منافعها بشرب ألبانها وركوب ظهورها وأخذ نتاجها وأولادها، وعليه يكون الأجل المسمى هو وقت إيجابها بتسميتها بدنة أو هديًا فينقطع بذلك الانتفاع بها.

    وقال آخرون: إن المنافع هنا بعد اتخاذ البدن هدايا وإيجابها، ويكون الانتفاع بها على هذا القول بركوب ظهورها عند الحاجة، وشرب ألبانها عند الاضطرار؛ وعليه يكون الأجل المسمى في الآية هو نحرها.

    القول الثاني: عنى بالشعائر: شعائر الحج، وهي الأماكن التي ينسك عندها لله، وهؤلاء أيضًا اختلفوا في المنافع؛ فقال قومٌ: التجارة عند هذه الشعائر والبيع والشراء والتسبب، وعليه يكون الأجل المسمى الخروج من هذه الأماكن إلى غيرها.

    وقال آخرون: المنافع هنا: هي العمل لله بما أمر من مناسك الحج، وعليه يكون الأجل المسمى انقضاء أيام الحج التي ينسك لله فيها 78.

    ثم قال الطبري بعد سرد هذه الأقوال: وقد دللنا قبل على أن قول الله تعالى ذكره: ( ) معني به: كل ما كان من عمل أو مكان جعله الله عَلَمًا لمناسك حج خلقه، إذ لم يخصص من ذلك جل ثناؤه شيئًا في خبر ولا عقل، وإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن معنى قوله: ( ) في هذه الشعائر منافع إلى أجل مسمى، فما كان من هذه الشعائر بُدنًا وهَدْيًا، فمنافعها لكم من حين تملكون إلى أن أوجبتموها هدايا وبدنًا، وما كان منها أماكن ينسك لله عندها، فمنافعها التجارة لله عندها، والعمل بما أمر به إلى الشخوص عنها، وما كان منها أوقاتًا بأن يطاع الله فيها بعمل أعمال الحج وبطلب المعاش فيها بالتجارة، إلى أن يطاف بالبيت في بعض، أو يوافي الحرم في بعض ويخرج عن الحرم في بعض 79.

    الأجل في المعاملات:

    لا تستقيم معاملات الناس فيما بينهم إلا بوضوح أركانها وأطرافها وكمها وكيفها، فالنفس مفطورة على حب التملك، وإذا أطلق لها العنان في هذا التملك ظلمت غيرها وتعدت، ولذا فقد قضت حكمة الله تعالى أن يجعل بين الناس في معاملاتهم حدودًا وآجالًا تنضبط بها هذه المعاملات، وقد جاءت هذه الآجال في باب المعاملات عامة غير مقيدة بأوقات ومدد كتلك التي رأينا في باب العبادات؛ لأن المعاملات ترجع إلى ما يتعارفه الناس بينهم إلا ما حرمه الشارع الحكيم، فالأصل كما يقول الأصوليون في باب المعاملات الحل، إلا ما حرمه الشارع الحكيم، وقد ورد الحديث عن الأجل في باب المعاملات في موضعين، أحدهما يرتبط ببيع السلم أو الأجل، والآخر في المعاملات المتعلقة بالشركات والإجارة والمضاربة ونحوها.

    ١. الأجل في البيوع الآجلة.

    قال تعالى: ( ﭚﭛ ﭟﭠ ﭨﭩ ) [البقرة: ٢٨٢].

    وحقيقة الدين: عبارةٌ عن كل معاملةٍ كان أحد العوضين فيها نقدًا والآخر في الذمة نسيئةً، فإن العين عند العرب ما كان حاضرًا، والدين ما كان غائبًا.

    قال الشاعر 80:

    وعدتنا بِدِرْهَمَيْنَا طِلاءً

    وشِواءً معجلًا غير دين

    وعلى هذا المعنى يدخل في هذه الآية كل بيع نسيئة مما يصح فيه الأجل؛ كبيع سلعة حاضرة بنقود مؤجلة، أو بسلعة أخرى مؤجلة، وكبيع سلعة مؤجلة، أي: إلى أجلٍ مسمًى مع معرفة الجنس والنوع والقدر بثمن حال، وهو السلم 81.

    والأجل المسمى هو المضبوط المبين بالأيام أو الشهور أو بأي طريقة ترفع الجهالة عن وقت انقضاء هذا الأجل، فقد كان أهل المدينة إبان قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون بأجل مجهول وبكيل مجهول أيضًا فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: (من أسلف في شيءٍ، ففي كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ) 82.

    وقال ابن عمر: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة. وحبل الحبلة: أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك83.

    وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم الجائز أن يسلم الرجل إلى صاحبه في طعامٍ معلومٍ موصوفٍ، من طعام أرضٍ عامةٍ لا يخطئ مثلها، بكيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ، بدنانير أو دراهم معلومةٍ، يدفع ممن ما أسلم فيه قبل أن يفترقا من مقامهما الذي تبايعا فيه 84.

    ٢. الأجل في الشركات.

    قال تعالى في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع شعيب: ( ﯕ ﯖ ﯮﯯ ﯶ ﯷ ﯿ ) [القصص:٢٦-٢٨].

    هذه الآيات تتحدث عن جمع عقد النكاح مع عقد الإجارة، وما يعنينا في بحثنا هذا عقد الإجارة وتحديدًا ضرب الأجل فيه، وقد عرف الفقهاء الإجارة بأنها عقد معاوضةٍ على تمليك منفعةٍ بعوضٍ 85، وبما أن الإجارة عقد معاوضة فإننا يمكن أن ندخل كل عقود المعاوضة في حكم الآية من حيث ثبوت الأجل فيها، وعقود المعاوضة هي: عقد البيع بأنواعه من المقايضة والسلم والصرف، وعقد الإجارة والاستصناع، والصلح والنكاح والخلع، والمضاربة والمزارعة والمساقاة والشركة ونحوها86.

    وقد اتفق الفقهاء على صحة الأجل (فيما يقبل التأجيل) إذا كان الأجل معلومًا، فأما كيفية العلم به فإنه يحتاج فيها إلى أن يعلم بزمانٍ بعينه لا يختلف من شخصٍ إلى شخصٍ ومن جماعةٍ إلى جماعةٍ، وذلك إنما يكون إذا كان محددًا باليوم والشهر والسنة... وإنما اتفقوا؛ لأن جهالة الأجل تفضي إلى المنازعة في التسلم والتسليم، فهذا يطالبه في قريب المدة، وذاك في بعيدها، وكل ما يفضي إلى المنازعة يجب إغلاق بابه، ولأنه. سيؤدي إلى عدم الوفاء بالعقود، وقد أمرنا بالوفاء بها 87.

    [انظر: الوقت: الوقت في الأحكام الشرعية]

الأجل في الآخرة

  1. وهذا هو أجل الآجال ومنتهى العمر والأعمال، فكل شيء عند الله بمقدار، إليه يرجع الأمر كله، أوله وآخره، علنه وسره، فإن الله سبحانه بواسع علمه وحكيم صنعته جعل لهذه الحياة أجلًا عنده تنقضي، ووقتًا إليه تنتهي، إنه يوم القيامة، يوم البعث والنشور.

    أولًا: أجل يوم القيامة:

    وقد وردت الآيات الكثيرة في كتاب الله تعالى التي تبين أن يوم القيامة مؤخرٌ إلى وقت معلوم محدود.

    يقول سبحانه: ( ) [الإسراء: ٩٩].

    أي: يوم القيامة يعيد أبدانهم وينشئهم نشأة أخرى كما بدأهم.

    وقوله: ( ) أي: جعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلًا مضروبًا ومدةً مقدرةً لا بد من انقضائها.

    كما قال تعالى: ( ) [هود:١٠٤].

    وقوله: ( ) أي: بعد قيام الحجة عليهم ( ) إلا تماديًا في باطلهم وضلالهم 88.

    وقد قضى الله تعالى هذا الأجل منذ الأزل ( ﭨﭩ ﭬﭭ ) [الأنعام: ٢].

    عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: ( ) قال: إلى يوم القيامة.

    وروي عن سعيد بن جبيرٍ، وعطية، والضحاك، وعكرمة، والسدي، وعطاءٍ الخراساني، والربيع بن أنسٍ نحو ذلك 89.

    وأجل يوم القيامة جاء مانعًا من تعجيل العذاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هي آخر الأمم.

    يقول تعالى: ( ﭿ ) [طه: ١٢٩].

    بين تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلًا على من كذب وكفر بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم فقال: ( ﭿ ).

    وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ، والتقدير: ولولا كلمةٌ سبقت من ربك وأجلٌ مسمًى لكان لزامًا.

    ولا شبهة في أن الكلمة هي إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ، أن أمته عليه السلام وإن كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال90.

    وأجل القيامة آتٍ لا محالة لا يحابي أحدًا أو ينتظر أحدًا.

    يقول تعالى: ( ﯵ ﯶ ﯿ ) [العنكبوت:٥-٦].

    يقول تعالى: ( ) أي: في الدار الآخرة، وعمل الصالحات ورجا ما عند الله من الثواب الجزيل، فإن الله سيحقق له رجاءه ويوفيه عمله كاملًا موفرًا، فإن ذلك كائنٌ لا محالة لأنه سميع الدعاء بصير بكل الكائنات...

    وقوله تعالى: ( ) كقوله تعالى: ( ) [الجاثية: ١٥].

    أي: من عمل صالحًا، فإنما يعود نفع عمله على نفسه، فإن الله تعالى غنيٌ عن أفعال العباد، ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئًا 91.

    ثانيًا: أجل النعيم والعذاب:

    وكما اقتضت سنة الله الحكيم العليم بمجازاة المحسن على إحسانه والمسيء على إسائته، فإن هذا الجزاء مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأجل انقضاء الدنيا وحلول البعث الذي فيه الحساب حيث يصير الناس إلى فريقين أهل النعيم وأهل العذاب والجحيم.

    يقول تعالى: ( ﮬ ﮭ ﯓ ﯔ ﯟ ﯠ ﯩ ﯪ ﯳﯴ ﯺ ﯻ ﯿ ) [هود:١٠٣-١٠٨].

    يخبر الله تعالى عن تأخير يوم القيامة وعذابه إلى أجل معين: ( ) أي: ما نؤخر إقامة القيامة إلا لانتهاء مدة محدودة في علمنا، لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وهي عمر الدنيا، لإعطاء الفرصة الكافية للناس لإصلاح أعمالهم، وتصحيح عقيدتهم.

    ( ) أي: فمن أهل الجمع من الناس في ذلك اليوم شقي معذب لكفره وعصيانه، ومنهم سعيد منعم في الجنان لإيمانه واستقامته، كما أخبر تعالى: ( ) [الشورى: ٧].

    فمن أريد له الشر فعمل الشر، فهو من أهل الشقاوة، ومن أريد له الخير فعمل الخير، فهو من أهل السعادة، وكل ميسر لما خلق له... ثم بين الله تعالى حال الأشقياء وحال السعداء فقال عن الفريق الأول:

    ( ) أي: فأما الأشقياء فهم في جهنم مستقرهم ومثواهم، بسبب اعتقادهم الفاسد وعملهم السيء، لهم من الهم والكرب وضيق الصدر زفير وشهيق، تنفسهم زفير، وإخراجهم النفس، وشهيق، لما هم فيه من العذاب، كما ذكر ابن كثير، مع أن الزفير في العادة هو إخراج النفس، والشهيق: رده.

    ( ) أي: ماكثين فيها على الدوام، مدة بقاء السماوات والأرض، والمراد: التأبيد ونفي الانقطاع، على سبيل التمثيل وقول العرب: أفعل كذا أو لا أفعله ما أقام ثبير، وما لاح كوكب، وما تغنت حمامة.

    ثم ذكر الله تعالى جزاء الفريق الثاني وهم السعداء: ( ) أي: وأما أهل السعادة وهم أتباع الرسل، فمأواهم الجنة، ( ) أي: ماكثين فيها أبدًا، مدة دوام السماء والأرض، بمشيئة الله تعالى، عطاء غير منقطع ولا ممنوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية، كقوله تعالى: ( ﯿ ) [الانشقاق: ٢٥].

    قال ابن كثير: معنى الاستثناء هاهنا: أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرًا واجبًا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى، فله المنة عليهم دائمًا، ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس.

    فكلٌ من جزائي أهل النار وأهل الجنة دائمٌ بمشيئة الله تعالى.

    فعذاب أهل النار في النار دائمًا مردود إلى مشيئته تعالى، وأنه بعدله وحكمته موافق لأعمالهم.

    وثواب أهل الجنة في الجنة بحسب مشيئته تعالى أيضًا، جزاء بما كانوا يعملون.

    إلا أنه تعالى أورد فرقًا في ختام آية كل من الفريقين، فقال عقب بيان حال الأشقياء: ( ) كما قال: ( ) [الأنبياء: ٢٣].

    وقال عقب بيان حال السعداء: ( ) تطييب القلوب، والإشارة إلى أن جزاء المؤمنين هبة منه تعالى وإحسان دائم.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)92.

    وجاء في الصحيحين: (يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت)93 94.

    موضوعات ذات صلة:

    الدين، الطلاق، العبادة، الوقت


1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٦٤.

2 انظر: العين، الفراهيدي، ٦/١٧٨ ، تهذيب اللغة، الأزهري، ١١/١٣٢.

3 المفردات، الراغب الأصبهاني، ص ٦٥.

4 الصحاح، الجوهري ٤/١٦٢١.

5 معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن، الجمل، ١/٥٨.

6 الكليات، الكفوي ١/٤٩.

7 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص١٤-١٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الهمزة ص٢٥-٢٦.

8 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/١٠٨-١٠٩، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ١/٦٧-٦٩.

9 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/ ١٤٠.

10 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ٢٤٧.

11 معجم الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ١٨.

12 تهذيب اللغة، الأزهري، ٩/١٨٩.

13 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص ٣٤٠.

14 الكليات، أبو البقاء الكفوي، ٩٤٥.

15 نفس المصدر السابق.

16 الصحاح، الجوهري، ٢/٥٣٧.

17 الكليات، أبو البقاء الكفوي، ٨٧٤.

18 بصائر دوي التمييز، الفيروزابادي، ٢/١٠٨.

19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/ ٢١٤.

20 جامع البيان، الطبري، ٢٠/٥٤.

21 المصدر السابق، ١١/٤٠٧.

22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٣٠٠.

23 تكوير الشمس: ذهاب ضوئها، وانكدار النجوم: انتثارها وذهاب نورها. انظر: التفسير الميسر، نخبة من المفسرين، ص ٥٨٦.

24 جامع البيان، الطبري، ١٦/٣٢٦.

25 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٧/٢٠٠.

26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الحق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٨، ٤/١١١.

27 مجموع الفتاوى، ١٤/٤٨٩.

28 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٧/٢٥٨.

29 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٦١٤.

30 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٢٦.

31 المصدر السابق.

32 تفسير القرآن العظيم، ٤/٤٠٣.

33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم ٢٠٦٧، ٣/٥٦.

34 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأعراف، رقم ٣٠٧٦، ٥/٢٦٧.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

35 أخرجه الدولابي في الكنى والأسماء، رقم ٨٧٢، ٢/٤٨١.

36 مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ١٤/٤٩٠ - ٤٩٢.

37 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، جزء من رقم ١٤٢٥، ٢/٥٦٣.

قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

38 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب قيام شهر رمضان، جزء من رقم ١٣٧٣، ٢/٥٢٤.

قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

39 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، رقم ١٨١٣، ١/٦٦٩.

حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم ٧٧٣٩، ٢/١٢٧٩.

40 روح المعاني، الألوسي ٧/١٦١ - ١٦٢.

41 البيت ينسب إلى حكيم النهشلي، كان يرتجز به وهو يقاتل.

انظر: نهاية الأرب، النويري، ١٥/٣٨١.

42 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/٣١.

43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٧٥.

44 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٤/٥٦٨.

45 جامع البيان، الطبري، ١٨/٥٦٧ ٥٦٩.

46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الحق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٨، ٤/١١١.

47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٢١٤.

48 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/١١٤.

49 التفسير الوسيط، الزحيلي، ٣/٢٦٦٨.

50 خلق الإنسان بين الطب والقرآن، محمد علي البار، ص ٣٦٥.

51 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم ٢٦٤٥، ٤/٢٠٣٧.

52 موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، محمد راتب النابلسي، ١/٨٧.

53 جامع البيان، الطبري، ١٢/٤٠٥.

54 المصدر السابق، ١٥/١٠٠.

55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٤٥٢.

56 التفسير الوسيط، الزحيلي، ١/٧١٤ ٧١٥.

57 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٥٦٤.

58 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١١/١٠٦.

59 تفسير السمرقندي، ٢/٢٧٩٩.

60 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٣/٨١.

61 المصدر السابق، ٨/١٦٩، ٢١/١٨٦.

62 غرائب القرآن، النيسابوري، ٥/٤٣٠.

63 تفسير الشعراوي، ١٩/١١٧٤١.

64 القرآن وعلوم الأرض، محمد سميح عافية، ص٢٧.

65 مصير الشمس في ضوء القرآن، مقال للدكتور محمد دودح، نشر بتاريخ ١/٥/٢٠١٤م على موقع صوت القرآن: quran-m.com.

66 الإرادتان هما الإيجاب والقبول، وهذا من شأنه أن يرتب التزامًا في جانب كلٍ من الطرفين كالبيع والإجارة والمزارعة، أما الإرادة الواحدة فهو إيجاب الطرف الملتزم وحده كالوقف والوصية لغير معينٍ والضمان والهبة. الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت، ٦/١٤٦.

67 الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ٢/٥.

68 أحكام القرآن، ابن العربي، ١/٢٧٩ -٢٨٤.

69 تفسير آيات الأحكام، محمد علي الصابوني، ١/٣٢١.

70 أخرجه الطبري في تفسيره ٥/٨.

71 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن)، رقم ٤٥٢٩، ٦/١٦.

72 قروء: جمع قرء بالفتح والضم، ويطلق في كلام العرب على الحيض وعلى الطهر فهو من الأضداد.

انظر: تفسير آيات الأحكام، الصابوني، ١/٣١٨.

73 أضواء البيان، الشنقيطي، ١/١٤٩.

74 تفسير آيات الأحكام، السايس، ٧٨٤.

75 تعلت من نفاسها: أي ارتفعت وطهرت. ويجوز أن يكون من قولهم: تعلى الرجل من علته إذا برأ: أي خرجت من نفاسها وسلمت. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، ٣/٢٩٣.

76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، رقم ٣٩٩١، ٥/٨٠.

77 في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٢٥٥ - ٢٥٦.

78 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/٦٢٣ ٦٢٥.

79 المصدر السابق، ١٨/٦٢٦.

80 البيت منسوب إلى شخص يدعى الأقيشر،.

انظر: المحب والمحبوب والمشموم والمشروب، ابن السري الكندي الرفاء، ص ١٥٢.

وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٧٧.

81 انظر: تفسير آيات الأحكام، السايس، ١٨٣.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، رقم ٢٢٤٠، ٣/٨٥.

83 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب السلم، باب السلم إلى أن تنتج الناقة، رقم ٢٢٥٦، ٣/٨٧.

84 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٣/٣٨٧.

85 الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ١/٢٥٢.

86 المصدر السابق، ٣٠/٢٣٤.

87 المصدر السابق، ٢/٣٣.

88 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/١١٣.

89 تفسير ابن أبي حاتم، ٤/١٢٦١.

90 مفاتيح الغيب، الفخر الرازي، ٢٢/١١٢.

91 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٣٨.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم ٥٦٧٣، ٧/١٢١.

93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة)، رقم ٤٧٣٠، ٦/٩٣.

94 التفسير المنير، الزحيلي، ١٢/١٤٩-١٥٣.