عناصر الموضوع

التعريف بإبراهيم عليه السلام

ذكر إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم

مكانة إبراهيم عليه السلام

صفاته وأخلاقه عليه السلام

دعـوته عليه السلام

محاجته عليه السلام لقومه وللملك

إبراهيم عليه السلام والبيت الحرام

إبراهيم وذريته عليهم السلام

الدروس المستفادة من قصة إبراهيم

إبراهيم عليه السلام

التعريف بإبراهيم عليه السلام

أولًا: اسمه ونسبه:

ورد ذكر نسب نبي الله إبراهيم عليه السلام في موضعين من كتابه -جل وعلا-، وفي كل موضع كان ذكره باعتبار خاص، وذلك كما يلي:

الموضع الأول: جاء على سبيل التشريف وذلك في سورة آل عمران، حيث يقول الله تعالى: ( ﮛﮜ ) [آل عمران: ٣٣- ٣٤].

وفي هاتين الآيتين ذكر اصطفاء الله للأنبياء المذكورين على العالمين بالنبوة، وأخبر أنهم يرجعون لأصل واحد، فآل عمران من إبراهيم، وإبراهيم من نوح، ونوح من آدم، فآدم أبو البشر الأول، وهو الذي خلقه الله بيده، وأسجد له الملائكة، ونوح هو أبو البشر الثاني، وهو أطول الأنبياء عمرًا، قضاه في تبليغ دين الله، وإبراهيم أبو الأنبياء، وإمام الحنفاء، وصاحب الهجرات العديدة لله، في سبيل إعمار الأرض بعبادة الله وتوحيده كما سيأتي، فهم ذرية طيبة بعضها من بعض عليهم السلام.

الموضع الثاني: جاء في سورة الأنعام، وهو على سبيل ذكر النسب من حيث الأصل وفرعه، وأن إبراهيم هو ابن آزر الذي هو تارخ كما هو عند جمهور المفسرين وعلماء الأنساب، يقول تعالى: ( ﭙﭚ ) [الأنعام: ٧٤].

هذا ما ورد في القرآن، أما ما ورد في كتب التاريخ والأنساب، فقد جاء ذاكرًا للآباء بين آزر ونوح زيادة على ما جاء في القرآن على النحو التالي:

هو إبراهيم نبي الله عليه السلام ابن آزر واسمه تارخ بن ناحور بن شاروخ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، لا يختلف جمهور أهل النسب، ولا أهل الكتاب في ذلك إلا في النطق ببعض هذه الأسماء1.

ثانيًا: زمانه عليه السلام:

ذكر الإمام الطبري في تاريخه أماكن كثيرة ذكرها أهل العلم من أن مولد سيدنا إبراهيم عليه السلام كان فيها، غير أنها في مجملها تبين أن ميلاده كان في أرض العراق، وقد كان النمرود هو حاكمها، وكان اسمه زرهي بن طهما سفان 2، وقد ظهر ملكه وملك قومه بالمشرق قبل ملك فارس، وبلغ فيما ذكره أهل التاريخ مشارق الأرض ومغاربها، ونسب الطبري في أثر عن بعض الصحابة، ولم يسمهم، أن النمرود بن كنعان هو أول ملوك الأرض شرقها وغربها، وأن الذين ملكوا الأرض كلها أربعة: نمرود، وسليمان بن داود، وذو القرنين، وبختنصر: مؤمنان وكافران3.

والنمرود هو الذي جاء ذكره في القرآن في قول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥٨].

ذكر إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم

  1. ورد ذكر إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم (٦٩) مرة، في (٢٥) سورة.

    وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:

    السورة

    الآيات

    البقرة

    ١٢٥-١٢٧، ٢٥٨، ٢٦٠

    الأنعام

    ٧٤-٨٠

    هود

    ٦٩-٧٥

    مريم

    ٤١-٥٠

    الحج

    ٢٦-٢٩

    العنكبوت

    ١٦-١٨، ٣١-٣٢

    الزخرف

    ٢٦-٢٨

    الذاريات

    ٢٤-٣٧

    الممتحنة

    ٤

مكانة إبراهيم عليه السلام

  1. منزلة نبي الله إبراهيم عليه السلام بين الأنبياء:

    أما عن منزلته بين الأنبياء، فهو أحد أولي العزم من الرسل، وهم حسب الترتيب في الفضل: محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم، وأعلاهم منزلة، ويأتي بعده إبراهيم عليه السلام، ثم موسى، ثم عيسى، ثم نوح، والله أعلم4، وقد اجتهد أحد الشعراء فجمعهم في بيت شعر قال فيه 5:

    أولو العزم نوح والخليل بن آزر

    وموسى وعيسى والحبيب محمد

    وقد ذكرهم الله مجتمعين في كتابه مرتين.

    في قوله تعالى: ( ﭝﭞ ) [الأحزاب: ٧].

    وفي قوله تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ﮑﮒ ﮘﮙ ) [الشورى: ١٣].

    وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء جميعًا، قال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٢٧].

    فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. وهذا من أعظم المناقب والمفاخر، أن تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح في ذريته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون6.

    ١. مرتبة الخلة.

    والخلة هي أعلى منزلة بلغها عبد عند الله تبارك وتعالى، ولم يثبت في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنه قد حازها إلا اثنان:

    الأول: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بما رواه عنه جندب رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمسٍ، وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلٌ، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا؛ لاتخذت أبا بكرٍ خليلًا)7.

    الثاني: إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد أصبح ذكر هذه المنزلة مصروفًا عند ورودها في الكلام له عليه السلام، وكأنها صارت علمًا عليه؛ فيقال إبراهيم الخليل، أو خليل الله إبراهيم، أو الخليل، فلا يعلم أنه يراد غيره عليه السلام وهذا لأنه مذكور في القرآن من قول الله عز وجل: ( ) [النساء:١٢٥].

    يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «والخلة أعلى أنواع المحبة، وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام-، وأما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين، وإنما اتخذ الله إبراهيم خليلا؛ لأنه وفى بما أمر به، وصبر على ما ابتلي به»8.

    ٢. الملة الخالدة.

    شرع لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ذكرًا نقوله في الصباح والمساء، نقر فيه باتباعنا لما أمرنا الله به في كتابه، فنحن نقول: (أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما كان من المشركين)9 كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهو امتثالًا منه ومنا لقول الله تبارك وتعالى: ( ﮜﮝ) [النساء: ١٢٥].

    وذلك أنه باتباع ملته ينال شرف الانتساب إليه، وخاب وخسر من دنس دينه بالشرك، أو التحريف والتضليل والتزييف، فلا يمكن أن يكون من أتباعه، فملته هي الملة المائلة عن طريق الشرك، المستقيمة على طريق التوحيد، الحنيفية السمحة، أحب الأديان إلى الله، التي التزمت ما جاءها من عند مولاها.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)10.

    والله سبحانه وتعالى يقول: ( ﯪﯫ ) [آل عمران: ٦٨].

    آمنوا بكل ما جاءهم من عند الله، متبعين لا مبتدعين، يتأولون القرآن والسنة بأفعالهم لا بأهوائهم، وذلك بتطبيقه في حياتهم واقعًا عمليًا.

    ٣. جعل النار عليه بردًا وسلامًا عليه الصلاة والسلام.

    إن عداوة المبطلين والمعاندين لأهل الحق سنة ماضية، وطريقة متبعة، ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، منذ أن أرسل الله الرسل عليهم السلام لأهل الشرك في الأرض، فحين يعجز أهل الباطل عن الدفاع عن باطلهم، ولا يقبلون الاستسلام والانقياد للحق.

    ويسعون في إظهار باطلهم في صورة يخدعون بها أهل الحق؛ ليوهموهم أن الباطل حق، والحق باطل، بزخرفة القول، والإغراءات المادية، وأساليب الترغيب والترهيب؛ فإنهم يلجؤون إلى الأساليب القمعية في أشنع صورها، ولا يدخرون عذابًا إلا واستعملوه في التنكيل بمخالفيهم.

    وقد كان إبراهيم عليه السلام ممن بلغت عداوة قومه له مداها، والرغبة في الانتقام منه منتهاها، حين حطم آلهة قومه الجوفاء من كل مضمون للألوهية باطنًا، والعارية من كل موجب للربوبية ظاهرًا، فدعاهم، واستهداهم، وخاطبهم بكل ألوان الخطاب المقنعة، وأقام عليهم الحجج الدامغة، ولكنهم زين لهم سوء عملهم؛ فافتعل تلك المشكلة المثقلة، التي أوقفتهم حائرين ضالين، أعماهم حبهم لآلهتهم عن اكتشاف انتفاء قدرتها، وامتهان قدرها؛ فهالهم قهرها؛ فطارت لذلك عقولهم، وانخلعت له قلوبهم؛ فعموا وصموا، وتساءلوا عمن قام بهذه الفعلة النكراء، فتذكروا ما كان من إبراهيم عليه السلام من التوعد والوعيد لها؛ فانقلبت لديهم الموازين، وجعلوا التعدي على آلهتهم فعلًا لا يفعله إلا أعظم الظالمين، فجعلوا شركهم عدلًا، وتوحيد إبراهيم عليه السلام ظلمًا.

    فقرروا الانتقام؛ فاستنفروا كل قوتهم، وجمعوا جماعتهم؛ ليوقعوا عليه نقمتهم؛ فقابلهم الله تبارك وتعالى بأن عطل ناموسًا من نواميس الكون وقوانينه، ردًا على قلب الموازين الذي فعلوه؛ فجعل النار التي من سنتها أن يكون أثرها إتلافًا وإحراقًا، أن تصير نعيمًا وسلامًا وإشراقًا، فقد كانت هذه الحادثة صفحة مشرقة من صفحات التاريخ، نتلو خبرها في كتاب الله عز وجل إلى قيام الساعة، وذلك حين نصر الله عز وجل نبيه ووليه إبراهيم عليه السلام، على أعدائه الطغام.

    وخبر هذه الحادثة جاء في قوله جل جلاله: ( ﯿ ﭿ ﮩﮪ ) [الأنبياء: ٥١- ٧١].

    فقد جاءوه يرعدون ويزبدون، ويهددون ويتوعدون؛ فقابلهم بكل ثبات، وسخر منهم في موطن لا يسخر فيه من عدوه إلا العظماء، وذلك أنهم سألوه لا على سبيل الاستجواب، وإنما من باب إثارة الذعر والإرهاب؛ فقابلهم بثبات الواثق من نصر الله سبحانه وتعالى له عليهم، وأحال التهمة لكبير آلهتهم، ودعاهم -استهزاءً بهم- لسؤال صنمهم؛ علهم يجدون عنده ما يهدأ به روعهم، ويذهب بعلمه غيظهم؛ فأخزاهم الله عز وجل، ورد كيدهم في نحرهم، ورفع مكانة إبراهيم عليه السلام، وحط قدرهم، ونجاه من كيدهم، هو ومن آمن به، وأبدلهم أرضًا خيرًا من أرضهم، ونزلًا خيرًا من نزلهم، ومكانة ورفعة خيرًا من نسبهم؛ فجعل منهم الأنبياء صلوات وسلام عليهم من ربهم.

    ٤. إجابة دعواته:

    إبراهيم عليه السلام مستجاب الدعوة وسوف نذكر نموذجًا واحدًا منه.

    يقول الله تبارك وتعالى: ( ﭶﭷ ﭻﭼ ﭿ ﮤﮥ ﯛﯜ ﯧﯨ ) [إبراهيم: ٣٥ - ٤١].

    ففي هذا المقطع من سورة إبراهيم يتبين من دعائه عليه السلام أهم ما يجب أن يحرص المسلم على سلامته مع توفيقه فيه، أولًا وآخرًا، ولنستعرض ما جاء من ذلك في دعائه عليه السلام:

صفاته وأخلاقه عليه السلام

  1. أولًا: صفاته وأخلاقه مع الله:

    عند الحديث عن الصفات التي يتخلق بها الناس، والأخلاق التي يتحلون بها، تنصرف الأذهان إلى الصفات والأخلاق الكائنة بين الإنسان وبين الناس، ويغفلون عن صفات العبد وأخلاقه مع ربه وخالقه، والأصل في الإنسان أن ينظر إلى حسن خلقه مع الله جل جلاله أولًا وقبل كل شيء؛ لأن من حسن خلقه مع الله، قطعًا سيكون حسن الخلق مع عباد الله، أما من لم يكن حسن الخلق مع الله؛ فالغالب عليه أن يكون سيء الخلق مع مخلوقات الله.

    إذ إن الإنسان بطبعه ظلوم جهول، يميل إلى الطغيان بسبب ظلمه، ولا يعرف حدوده وحقوقه بسبب جهله، وهو إن لم يكن منضبطًا بضوابط الإيمان، ولم يظهر منه الظلم، وتعدي الحدود والاعتداء على الحقوق؛ فذلك غالبًا ما يكون لعجزه، وفي المجمل، فمن كان متصفًا بالفسق، أو الكفر، أو واقعًا في أعظم الظلم؛ فإنه -وإن تحلى بكل مكارم الأخلاق فيما بينه وبين الناس- يبقى سيء الخلق.

    وأما عن سيدنا خليل الله عليه السلام، فقد جمع بين حميد الصفات، وكريم الأخلاق مع الله جل وعلا، وجميل الصفات، ونبيل الأخلاق مع عباد الله، وقد ذكر الله من حميد صفاته، وكريم أخلاقه مع ربه في القرآن ما يلي:

    ١. الاستسلام والانقياد لأمر الله.

    وقد ظهرت هذه الصفة منه في مواقف كثيرة نذكر منها:

  2. إخلاص العبادة لله، والخضوع له بالطاعة.

    يقول تعالى: ( ﮟﮠ ) [البقرة:١٣١]15.

  3. إعلان براءته من أبيه وقومه والآلهة التي كانوا يعبدون من دون الله.

    وقد كان إعلان البراءة من الآلهة أولًا حين قال الله عنه: ( ) [الزخرف:٢٦-٢٨].

    وحين علم أنهم لن يكون منهم الإيمان بالله؛ تبرأ منهم جميعًا، كما جاء في قول الله تعالى عنه: ( ) [الممتحنة: ٤]؛ لذلك جعل الله منه أسوة حسنة للمسلمين16.

  4. إسكانه زوجه وولده في مكة، ولم يكن فيها زرع، ولم يكن فيها سبب الزرع وهو الماء، وما ينتج عن وجود الزرع، وهو وجود الإنسان.

    ويخبرنا الله عن شأن هذا الموقف، وأنه كان استجابة من إبراهيم عليه السلام لأمر الله في قوله: ( ) [إبراهيم: ٣٧].

  5. إقدامه على ذبح ولده البكر إسماعيل عليهما السلام.

    وجاء خبر هذه الحادثة في سورة الصافات: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ﭜﭝ ) [الصافات: ١٠١-١٠٧]17.

    ٢. أواه.

    وقد وصفه الله بهذه الصفة في قوله: ( ) [التوبة:١١٤].

    والأواه هو كثير التأوه؛ لكمال رأفته وشفقته ورحمته بنفسه وبغيره18.

    ٣. منيب.

    وهذا الوصف جاء في قول الله تعالى: ( ﭿ ) [هود:٧٥].

    والمنيب هو «الرجاع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه»19.

    ٤. قانت.

    ذكر الله تعالى من صفات إبراهيم (القنوت) قال تعالى: ( ) [النحل:١٢٠].

    والقنوت: هو طول القيام في الصلاة، وليس هذا عندهم، بل هو في دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

    يقول الله سبحانه وتعالى: ( ) [البقرة:٢٣٨].

    وجاء عن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة طول القنوت) 20.

    وما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام يؤكد أن هذا الدين الذي جاء به هو عين الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام.

    سئلت عائشة رضي الله عنها، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعةً يصلي أربعًا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا)21.

    ٥. حنيف.

    جاءت في سياق الرد على أهل الكتابين، يقول تعالى: ( ) [النحل:١٢٠].

    والحنيف: «هو المستقيم من كل شيء»22، وهو المخلص دينه لله وحده، والحنيفية هي ملة الإسلام23.

    ٦. شاكر.

    وهذه الصفة أيضًا من جملة ما جاء في سورة النحل، يقول تعالى: ( ﭲﭳ ) [النحل:١٢١].

    والشاكر هو المعترف بفضل الله تعالى وإنعامه عليه، والقائم بما أنيط بهذا الإنعام من واجبات، وأدى ما عليه فيها من حقوق24.

    ٧. صديق.

    ومن الصفات التي وصف بها إبراهيم عليه السلام (الصديقية).

    قال الله عز وجل: ( ﭪﭫ ) [مريم: ٤١].

    وروى أحمد بسنده عن أم كلثوم بنت عقبة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أعده كاذبًا، الرجل يصلح بين الناس، يقول: القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول: في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها) 25.

    والحق أن ذلك لم يكن إلا في مقامٍ الكذب فيه أبلغ في تحصيل الخير من الصدق، وأقوى في دمغ الباطل بالحق، وهو مع ذلك لم يكن قوله كذبًا من كل وجه.

    وقد بَيَنَ النبي صلى الله عليه وسلم المواطن التي كذب فيها إبراهيم عليه السلام، فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذباتٍ، ثنتين في ذات الله، قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وواحدةٌ في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبارٍ ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إن هذا الجبار، إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلمًا غيري وغيرك)26.

    وتفصيل هذا له مساحة واسعة في كتب التفسير27.

    ٨. وفيٌ.

    وهي صفة كان إبراهيم أهلًا لها؛ حيث بلغ في طاعته لربه، وتبليغ رسالته، رتبة الكمال، وما قام به من ذبح ابنه الذي نجاه ربه، وجاء نعته بهذه الصفة في قوله تعالى: ( ) [النجم: ٣٧].

    وهذا الوفاء هو الوفاء بعهده مع الله جل جلاله، من الإيمان والطاعة.

    ٩. أمة.

    وصف القرآن الكريم براهيم بأنه كان إمامًا في الخير.

    قال تعالى: ( ) [النحل: ١٢٠]. أي: إمامًا جامعًا لخصال الخير، هاديًا مهتديًا28.

    واللفظ يحتمل أنه يعدل أمة كاملة بما فيها من خير وطاعة وبركة. ويحتمل أنه كان إمامًا يقتدى به في الخير29.

    ثانيًا: صفاته وأخلاقه في نفسه ومع الناس:

    لقد اتصف نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام بصفات وأخلاقيات كثيرة، وذلك مع نفسه، ومع الناس من حوله، ما أهله ليجعل الله سبحانه وتعالى منه أسوة لهم يقتدون به، ويسيرون على ما سار عليه من صفات وأخلاق، وسنشير إلى ذلك في النقاط التالية:

    ١. الإمامة.

    وصفه الله بذلك في قوله تعالى: ( ﮪﮫ ﮰﮱ ﯕﯖ ) [البقرة: ١٢٤].

    والإمامة هي إمامة الدين، وجعلها الله عز وجل له في زمانه ولمن بعده من الناس، ولم يكن ربنا سبحانه وتعالى قد جعلها لأحد قبله من الأنبياء، ومازال متبوعًا إلى يومنا هذا بعبادة الحج ومناسكه.

    ٢. الحكمة.

    لما حسد اليهود رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فضحهم الله سبحانه وتعالى، وأخزاهم بأن جعل الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ما آتاه الله إبراهيم من الكتاب المنزل، وما أوحى إليه من الحكمة الملهمة.

    يقول تعالى: ( ﭱﭲ ) [النساء: ٥٤].

    فهو يثبت الحكمة لنبيه إبراهيم عليه السلام، وأن مثلها قد أوتي محمد صلى الله عليه وسلم.

    والحكمة: هي فعل الشيء الأحسن، على الوجه الأقوم، في الوقت الأنسب.

    ٣. الحلم.

    وتظهر هذه الصفة في إبراهيم من خلال دوامه على الاستغفار لوالده مع إعلان والده العداوة له، فإن عداوة والده له لم تمنعه من الاستغفار له، ورجاء الهداية له، لكن عندما أعلمه الله أن أباه لن يؤمن، وأنه عدوٌ لله؛ تبرأ منه، ووالى من هو أولى بالولاية، وهو الله سبحانه وتعالى.

    يقول الله تبارك وتعالى في ذلك: ( ﭿ ﮉﮊ ) [التوبة: ١١٤].

    وكذلك حينما جادل عن قوم لوط رغبة في تأخير العذاب عنهم أيضًا وصفه الله جل جلاله بهذه الصفة.

    يقول الله تعالى: ( ﭿ ) [هود: ٧٤- ٧٥].

    ٤. بر الوالدين.

    حيث إن أبر البر بالوالدين أن يكون الولد سببًا في دخولهما الجنة، وهذا ما حرص عليه إبراهيم عليه السلام؛ حيث لاقى ما لاقاه من أذى والده، وعداوته له ولربه، إلا أنه كان يستغفر له ولأمه.

    يقول تعالى حكاية عنه أنه كان يقول في دعائه: ( ) [إبراهيم:٤١].

    ٥. الرشد.

    قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٥١].

    يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل، أي: من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه.

    كما قال تعالى: ( ) [الأنعام: ٨٣]30.

    ٦. الكرم.

    بين الله سبحانه وتعالى اتصاف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفة بما أورده في كتابه عنه في وصف استقباله للضيف.

    قال تعالى: ( ﯤﯥ ) [الذاريات: ٢٤-٢٧] 31.

    وقد أظهرت الآية صفة الكرم من خلال النقاط التالية:

  6. وصف الله ضيفه بأنهم مكرمون، وكان ذلك بألوان من الإكرام تظهر في أقوال وأفعال إبراهيم عليه السلام معهم.
  7. استقباله لهم، حين قالوا له «سلامًا» بالنصب على الحالية؛ فأجابهم بقوله: «سلامٌ» بالرفع على الابتداء؛ فيكون قولهم جملة فعلية تدل على حدوث السلام، حال مجيئهم له هذه المرة، أما قوله فهو جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار للسلام في كل وقت.
  8. فعله حين راغ، يظهر منه أنه لم يشعرهم بعزمه على التأخر، أو صنع الطعام؛ الأمر الذي قد يتحرج بسببه الضيف.
  9. الإسراع في إحضار الضيافة؛ لأن الله عطف المجيء على الروغان بالفاء، ولم يعطف بحرف آخر من حروف العطف؛ لأن هذا الحرف يفيد عدم تراخي المعطوف عن المعطوف عليه، والذي يعبر عنه بالترتيب والتعقيب، مما يشعر بأن طعام الضيفان قد أعد مسبقًا.
  10. كان ما جاءهم به من الطعام عجل سمين، فلم يكن عجلًا ضعيفًا، وكان يكفيه أن لو جاءهم بكبش أن يكون كريمًا معهم.
  11. تقريب الطعام إليهم، ما يشعر أنه فعله بدون تكلف ولا تكليف، وهذا أكمل إكرامًا من الذي يضع الطعام في مكان، ثم يطلب من الضيوف أن ينتقلوا إليه.
  12. دعوتهم إلى الأكل بقوله «ألا»، وهو حرف يفيد العرض بلطف.

    ٧. صاحب القلب السليم.

    هو وصف لم يوصف به أحد في القرآن الكريم إلا إبراهيم عليه السلام، وهو في قول الله تعالى: ( ) [الصافات: ٨٣-٨٤].

    فهو صاحب القلب السليم.

    وقد ظهرت سلامة قلب إبراهيم عليه السلام من خلال عدة مواقف، جمعها الله سبحانه وتعالى بعد ذكره لهذه الصفة في سورة الصافات، نذكر أهمها فيما يلي:

  13. إنكار الشرك بالله.

    وبدا ذلك في قول الله جل جلاله : ( ﭿ ) [الصافات: ٨٥-٨٦].

    وذلك أن الشرك هو أعظم الظلم، يقول الله عز وجل: ( ﭯﭰ ) [لقمان: ١٣] 32.

  14. الدعوة إلى توحيد الله عز وجل.

    وقد تمثل ذلك في قول الله عز وجل على لسان إبراهيم: ( ) [الصافات:٨٧] فهي دعوة إلى توحيد الله جل جلاله، ففي سؤاله هذا تذكير بربوبية الله لجميع المخلوقات، فالعالمين جمع عالم وهي تعني: كل ما سوى الله سبحانه وتعالى، وفيه تذكير بأن الله جل جلاله متصف بكامل الصفات؛ لأن السؤال عن الظن سؤال عن الاعتقاد حول ما يعتقدونه من صفات الله عز وجل، وفيه تنبيه على أنه لا يستحق العبادة إلا الله جل جلاله33.

  15. أمره بالمعروف وإنكاره للمنكر، بالقلب وباللسان وباليد.

    فإنكاره بالقلب ظهر في قول الله سبحانه وتعالى عنه: ( ) [الصافات: ٨٩].

    حيث جاء في تفسيرها أنه يشق عليه رؤية ما يفعلونه من أعمال الشرك؛ لشدة إنكاره لها، وهذا أمر لا شك أنه يؤلم كل مؤمن موحد بالله تبارك وتعالى، وأما إنكاره باللسان ( ) [الصافات: ٩٥- ٩٦].

    حيث بين لقومه سفاهة فعلهم، وكذلك أنكر باليد ( ) [الصافات: ٩٣] حين قام بتحطيم الآلهة34.

  16. ثباته على دين الله مهما كانت التحديات.

    ويظهر ذلك من خلال قول الله عز وجل عنه: ( ) [الصافات: ٩٤ ٩٨].

    حيث جاءوه مسرعين مستنفرين على هيئة مفزعة مريعة، فما عبئ بثورتهم، ولم يرهبه هجومهم، واستهزأ بهم، وسخر من آلهتهم بأسلوب مفحم، كما جاء في موضع آخر من كتاب الله ( ﭿ ) [الأنبياء: ٦٣].

    وكرر إنكاره عليهم بقوله: ( ) [الصافات: ٩٥-٩٦]35.

  17. هجرته من البلد التي لا يعبد فيها الله، وبراءته من أهلٍ لا يعبدون الله.

    وذلك حين أعلن عن هجرته، وهذا ما برز في قول الله جل جلاله: ( ) [الصافات: ٩٩].

    فالموحد لله جل جلاله لا رابطة بينه وبين أي شيء إلا رابطة ترضي الله عز وجل، فإن لم يجد في قومه، أو في وطنه، أو أي أمر من أمور الدنيا ما يعينه على طاعة ربه، أو وجد فيه ما يصده عن دين الله؛ فهو يهجره ويتركه، ويبحث له عن مكان آخر يعبد ربه فيه.

    يقول الله تبارك وتعالى في حق أقوام ضلوا، وعصوا ربهم بسبب استضعافهم في البلد التي كانوا فيها ( ﮈﮉ ﮎﮏ ﮗﮘ ﮛﮜ ) [النساء: ٩٧] 36.

    وإن كان الأهل هم من يصدونه عن دينه؛ تبرأ منهم.

    يقول تعالى: ( ﯰﯱ ) [الممتحنة: ٤].

  18. تقديم حب الله على كل حبٍ سواه.

    قال تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ) [الصافات: ١٠٢].

    من المسلم به أن ولدًا يولد لرجل بعد انتظار عشرات السنين، وبعد دعاء الله عز وجل بأن يرزقه الله إياه، ويكون ولدًا بارًا بأبيه؛ فلن يكون في الوجود أعز على قلب أبيه منه، فما بالكم فيمن هذا حاله ويأتيه الأمر بذبح ولده؟! كيف هي درجة الابتلاء بمثل هذا الأمر؟!

    ومع ذلك استجاب لربه، راضيًا مطمئنًا؛ تضحية بأعز مخلوق، من أجل إرضاء الله، أين أصحاب المعاصي -مهما بلغت درجة تعلق قلوبهم بها-، أو شدة حاجتهم إليها، هل يمكن أن تقارن درجة تضحيتهم بترك هذه المعاصي، بهذا الابتلاء الذي قال فيه الله سبحانه وتعالى: ( ﭜﭝ ) [الصافات: ١٠٥-١٠٧].

    إن الذي يمر بابتلاء من الله عز وجل ويكون شأنه مع هذا الابتلاء مرضيًا لمولاه جل جلاله لا يمكن أن تكون عاقبته مؤلمة، فابتلاء الله سبحانه وتعالى لعبده ربما يكون مصحوبًا بألم متفاوت الدرجات بحسب صلاح العبد.

    سأل سعد بن أبي وقاص النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئةٌ)37.

    لكن هذا الألم إذا ما قورن مع لذة العاقبة التي سيكافئه الله عز وجل بها؛ فإنه لا وزن له38.

  19. تربية ولده على الاستجابة لأمر الله وإعانته على طاعة الله مهما كلف الأمر.

    وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم يعلم أن ابنه سيستسلم لأمر الله، ويكون عونًا لأبيه عليه، ولو حصل له من العلم ما يخالف ذلك؛ لما عرض الأمر عليه يشاوره فيه.

    وذلك ما جاء في قوله عز وجل: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ) [الصافات: ١٠٢]. قرئت بالفتحتين في قوله: ( ﰇﰈ) على سبيل عرض الأمر على ولده واستشارته؛ لثقته بأن رد إسماعيل -الذي رباه على الامتثال لأمر ربه- سيأتي مرضيًا عند الله عز وجل؛ وهو بذلك يتقرب لله عز وجل بعبادتين ظهرتا في هذا الموقف:

    الأولى: تربيته لولده تربية أثمرت سرعة الامتثال والطاعة، مهما كلف الأمر.

    والثانية: عبادة تنفيذ الأمر.

    وفي القراءة الثانية بالضم والكسر على الحث والتحضيض لإسماعيل صلى الله عليه وسلم على الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، وهي بمعنى: فانظر ماذا تري ربك من الامتثال، والصبر على أمر الله جل جلاله، في موطن لم تسبق إلى مثله، وهنا أيضًا تظهر عبادتان الأولى: حث ولده على التضحية بحياته؛ إرضاءً لربه برضى نفس، وثبات وصبر، والثانية: تنفيذه للأمر39.

  20. الامتثال لأمر الله وتنفيذه على الهيئة التي أمر الله بها.

    وقد ظهر ذلك الامتثال بتمامه في قول الله سبحانه وتعالى: ( ) [الصافات:١٠٣].

    أمر بالذبح؛ فامتثل بالذبح، ولم يلجأ إلى طريقة أخرى مثل قطع رأسه مرة واحدة، أو دفعه من فوق جبل، أو دفنه حيًا، -حال غيبوبة؛ ليهون عليه الأمر-، ولم يأت بطريقة أشد قسوة مثل التقطيع أو التحريق مبالغة في التقرب لله، بل امتثل الأمر كما هو، مبتعدًا بذلك عن التفريط والإفراط.

    وفي هذا وقفة مع أهل البدع، والمناهج المحدثة في عبادة الله:

    ففريق منهم يفرطون في شأن العبادات -بحسب شهواتهم ومصالحهم-، لا وفق ما تقتضيه قواعد الشريعة ومقاصدها.

    وفريق آخر يزيدون من التشديد في العبادات على قصد المبالغة في التعبد لله عز وجل -بحسب أهوائهم وأذواقهم-.

    والوسطية: هي الإتيان بالعبادات والطاعات على الوجه الذي أمر الله به.

    فينظر إن كان في إتيانها على الوجه الذي أمر الله به ما يتعارض مع مقاصد الشريعة، بحيث يترتب عليه مشقة غير محتملة وحرج على الناس، أو يترتب عليه ضرر وخطر على حياة العبد؛ فإن الأمر يخفف على وجه مأذون فيه، وفق قواعد الشريعة وأصولها.

    وإن لم يترتب عليها شيء مما سبق؛ فلا يبالغ في العبادة، ولا يشدد فيها، إنما يأتي بها العبد على الوجه المأمور، من غير زيادة ولا نقصان، زعمًا أن في الإتيان به على هذه الكيفية مزيد تقرب لله عز وجل؛ فإن أعظم التقرب لله جل جلاله هو امتثال الأمر كما أمرنا به تبارك وتعالى40.

  21. عدم إضمار الغل والغش والحقد والحسد لعباد الله، سليم من التعالي والتكبر على عباد الله، وهكذا هي صفات المحسنين.

    يقول الله عز وجل في وصف إبراهيم عليه السلام: ( ) [الصافات: ١١٠].

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا) 41.

    ينهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ما يفضي إلى إعراض الناس عن الحق؛ مبينًا لنا خطر هذه الأخلاق على أمة متماسكة، أنها إذا فشت فيها؛ فإنها ستذهب بدينها الذي هو سبب عزتها، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم) 42.

  22. سالم من التعظيم لنفسه والعجب؛ لأنه يرجو لنفسه أن يكون من جملة عباد الله.

    وقد من الله بتحقيق رجائه فقال جل جلاله: ( ) [الصافات: ١١١].

    يرجو هذا الرجاء، وقد جعله الله إمامًا يعدل أمة؛ فهو سليم من الحرص على الدنيا، سليم من كل مرض وعيب، سليم من كل داء وعطب مما ذكره الله في كتابه، أو جاء ذم صاحبه في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ) 43.

دعـوته عليه السلام

  1. أولًا: معالم دعوته:

    جاء في الحديث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوةٌ لعلاتٍ، أمهاتهم شتى ودينهم واحدٌ)44.

    وفيه تفسير لقول الله تبارك وتعالى: ( ) [الأنبياء: ٢٥].

    فجاءت دعوته على هذا السنن، دعوة إلى توحيد الله تبارك وتعالى، ونبذ الشرك وشريعة الشيطان، وقد برزت معالمها على النحو التالي:

    ١. إعلان التوحيد.

    وقد أعلن ذلك في مواقف عديدة، وبعبارات متنوعة، ذكرها القرآن في مواضع متفرقة، نذكر منها ما جاء في سورة العنكبوت.

    يقول الله تبارك وتعالى: ( ﭞﭟ ) [العنكبوت:١٦].

    حيث إنه أمرهم بعبادة الله وحده، محذرًا إياهم من عقابه.

    ٢. إنكار الشرك.

    فقد أنكر عليه السلام أن يكون حق الألوهية لغير الله، يقول الله جل وعلا: ( ﭙﭚ ) [الأنعام: ٧٤].

    فوصف هذا الفعل بالضلال، لو فعله أي أحد كائنًا من كان، فهو يخاطب أباه وقومه.

    ٣. البراءة من الشرك وأهله.

    تبرأ من قومه ومن أفعالهم بعد أن رأى إصرارهم على ما هم عليه من عبادتها.

    يقول المولى عز وجل: ( ) [الزخرف: ٢٦ - ٢٨].

    ٤. إعلان العداء لهم ولآلهتهم.

    عندما تيقن من خبر الله له أنهم لن يتركوا عبادتهم للأصنام، أعلن العداوة بينه وبين معبوداتهم.

    يقول الله مخبرًا عنه: ( ) [الشعراء:٧٥-٧٧].

    ٥. الهجرة من البلد الذي يعادي دين الله.

    وذلك حينما أوقدوا له النار؛ بسبب ما كان يدعوهم إليه من التوحيد، ونبذ الشرك بالله تبارك وتعالى.

    يقول سبحانه وتعالى: ( ) [الصافات:٩٧-٩٩].

    ثانيًا: أساليب دعوته:

    التنويع في أساليب الدعوة أمر هدى الله إليه رسله وأنبياءه؛ فإن لكل مقام مقالًا، ولكل حادثة حديثًا، والأسلوب الذي يحسن استعماله في موطن؛ لا يصلح أن يستعمل في موطن آخر، وهذا من الحكمة التي آتاها الله إبراهيم عليه السلام؛ فقد استعمل مع قومه أساليب نظرية في دعوتهم، وأخرى عملية، سنعرض لها على النحو التالي:

    ١. الأساليب النظرية.

  2. الحوار.

    يقص علينا القرآن الكريم ما دار بين إبراهيم عليه السلام وأبيه من حوار حول عبادة غير الله.

    يقول الله جل جلاله: ( ﭪﭫ ﭿ ﮒﮓ ﮫﮬ ﮰﮱ ﯘﯙ ﯜﯝ ) [مريم:٤١-٤٨].

    حوار عذب هادئ رصين، ملؤه الحنان والعطف والشفقة، سمته الأدب والبر والتقدير، وهذا من جهة إبراهيم45.

    وفي المقابل الفظاظة والجفاء والغلظة من جهة والده، وتظهر السمات سالفة الذكر في أسلوب إبراهيم عليه السلام من خلال ما يلي:

    نادى والده مستعملًا في ندائه تاء الاحترام (أبت) بدلًا من استعمال ياء الإضافة.

    لم ينعت أباه بالجهل، بل أشعره بأنه يعترف بما لديه من علم، لكنه أخبره أنه قد أتاه الله علمًا زائدًا على الذي عنده.

    طلب منه أن يتبعه؛ معللًا ذلك بأنه قد عرف طريق الحق، ولم يذكر له أنه على طريق عوجاء.

    ذكر له الداعي الذي دعاه لهذا الحوار-الأمر الذي قد يراه أبوه جرأة منه عليه-، وهو الخوف والإشفاق على أبيه من عذاب الله تعالى.

    قوله له بعد التهديد والوعيد الذي قابله به: ( ﯘﯙ ﯜﯝ ).

  3. التعريض والإشارة.

    وذلك في يوم اجتماع لقومه يعظمون فيه النجوم، خرج معهم وأظهر أنه سيفعل مثل فعلهم، وما كان ذلك عن إيمان، وإنما مجاراة لهم؛ ليبين لهم ضعف عقولهم، إذ لم يتفكروا ولم يتبصروا، فالمعبود الذي يستحق العبادة لا ينبغي له أن يتغيب عن عبيده، ولما كانت النجوم تظهر وتختفي؛ كان هذا دليلًا على نقصها وعجزها46.

    يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا الأسلوب وكيف وظفه إبراهيم عليه السلام: ( ﭱﭲ ﭵﭶ ﭿ ﮄﮅ ﮚﮛ ﮬﮭ ) [الأنعام: ٧٥ - ٧٩].

    وكان من حكمته أن قد بدأ بالأصغر؛ ليبين أنه إن لم يستمر في الظهور؛ فلا يستحق أن يعبد، ثم ثنى بما هو أكبر، وهو القمر، فلربما كان هو الأبقى الذي يستحق العبادة؛ لأنه أقدر على الظهور، فلما غاب؛ بين لهم أنه جدير بالكفر بعبادته، ثم التفت إلى الشمس وقد كانت منافعها أكثر، لكنها جرت على سنة سابقيها من الاختفاء؛ فكانت لها نفس النتيجة، وهي عدم استحقاق العبادة.

  4. الدعوة إلى التبصر والتدبر.

    كان إبراهيم أمة كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه، فقد استنفد كل الأساليب والوسائل في دعوة أبيه وقومه، وذكر الله جل جلاله أمثلة عليها.

    ومن هذه الأمثلة قوله عز وجل: ( ﯿ ) [الشعراء: ٦٩-٨٢].

    دعاهم إلى النظر والتأمل في طبيعة آلهتهم، فهل لديها ما يوجب لها العبادة من مقومات الألوهية، فهل هي تسمع دعاءهم؟ وهل يمكنها جلب المنافع لهم؟ أم هل يمكنها دفع المضار؟ فأجابوه: بأن هذا فعلٌ عهدوا عليه آباءهم، فهم متبعون لهم على هذه الطريقة؛ فأخبرهم بأن هذا لا يبرر فعلهم، وهو فوق ذلك يعلن العداء لكل معبود عبده قومه وآباؤهم، إلا أن يكون المعبود هو الله؛ لأنه وحده الذي بيده الرزق، وهو الذي بيده الشفاء من الأمراض، وهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يغفر الذنوب جميعًا يوم القيامة، ففيه الرجاء لفعل هذا؛ فهو حقيق بالعبادة47.

  5. المحاجة والمجادلة.

    ويظهر هذا الأسلوب في موقفين ذكرهما القرآن:

    الموقف الأول: حين خوفه قومه من آلهتهم أن تصيبه بسوء:

    يقول الله سبحانه وتعالى في عرض هذا المشهد: ( ﯕﯖ ﯜﯝ ﯧﯨ ﯭﯮ ﯿ ﰀﰁ ﰅﰆ ﭢﭣ ﭧﭨ ) [الأنعام:٨٠-٨٣].

    الموقف الثاني: مع النمرود:

    يقول الله تبارك وتعالى: ( ﭿ ﮃﮄ ﮓﮔ ) [البقرة: ٢٥٨].

  6. الاستهزاء والتهكم.

    وقد ذكر الله له ثلاثة مواقف:

    الموقف الأول: عند دعوتهم له؛ ليشهد عيدهم الديني:

    ويصف المولى هذا المشهد قائلًا: ( ) [الصافات: ٨٨-٩٢].

    ولنا وقفة مع هذه الآيات الثلاث، حيث إن المفسرين اختلفوا في سبب قول إبراهيم عليه السلام: ( ) على أقوال كثيرة؛ ليخرجوها مخرج الصدق، وهو بلا شك مقصد حسن.

    لكنه يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذباتٍ، ثنتين في ذات الله، قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وواحدةٌ في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبارٍ ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إن هذا الجبار، إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلمًا غيري وغيرك) 48.

    وذهب بعض العلماء إلى رد الحديث، وتضعيفه، وهو مروي في الصحيحين.

    إن الناظر في اختلاف المفسرين في هذه المسألة يجدها على أقوال49، وإن كانت محمولة على الاعتذار لنبي الله إبراهيم عليه السلام، إلا أنها تضعف عن النهوض للتوفيق بين ما يرونه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم في إبراهيم عليه السلام.

    والذي يؤكد أن الكذب هنا هو المراد حقيقة، وذلك في حديث الشفاعة الذي جاء فيه قول إبراهيم عليه السلام حين يأتيه الناس؛ ليشفع لهم: (فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أنهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟، فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذباتٍ)50.

    ولكنه كذب لا يذم فاعله؛ كغيره من الأنواع التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أعده كاذبًا، الرجل يصلح بين الناس، يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها) 51.

    وما واحد من هذه المواطن في الشرف بمكانة، مثل المواطن الذي كذب فيها إبراهيم عليه السلام، إذن هو كذب مشروع، ومأجور عليه صاحبه، وما كان من اعتذار لإبراهيم عليه السلام عن الشفاعة، -معللًا ذلك بهذه المواقف-، إلا حياؤه من الله عز وجل؛ لأنه كان بإمكانه أن يأتي بالعزيمة؛ لبيان الحق في تلك الأقوال مباشرة، وتحمل تبعات ذلك في سبيل الله سبحانه وتعالى، والله جل جلاله أعلم.

    وتوجيه القول بأن ما صدر من إبراهيم إنما هو كذب؛ أن قوم إبراهيم عليه السلام حينما دعوه لحضور عيدهم، -وكانوا قومًا يعظمون النجوم-؛ فنظر إلى النجوم قائلًا: إني سقيم أعجز عن حضور عيدكم، فإن كانت هذه النجوم التي تعظمونها قادرة على شفائي؛ أذهب معكم، حينها تولوا عنه مدبرين، حيث إنه أفحمهم بحجته، وقد علموا أنه إنما قال ما قال على سبيل الاستهزاء؛ فتركوه؛ حتى لا ينغص عليهم عيدهم، ويسمعهم ما يكرهون في آلهتهم.

    وهي ليست بالأمر الغريب على إبراهيم عليه السلام، فقد سبق له أن خاطبهم بالطريقة نفسها، حينما بين لهم عدم صلاحية الشمس والقمر والنجم للعبادة، حيث أوهمهم بقوله كما يبينه لنا القرآن: ( ) [الأنعام: ٧٦].

    مرة في الكوكب، ومرة في القمر، ومرة في الشمس، وهو لا يريد بقوله هذا أنه آمن بها، وإنما أراد التدرج معهم؛ لبيان عدم صلاحيتها للألوهية.

    وهذه كانت قبل قوله: ( ) وفي مرة أخرى حينما سألوه عمن حطم آلهتهم، قال: ( ﭿ) [الأنبياء:٦٣].

    وهذه حدثت بعد قوله: ( ).

    وقد توسطت هذه الحادثة، تلكما الحادثتين، وهما من قبيلٍ واحد، وقد أشبهتهما هذه الحادثة؛ فلا يمتنع أن تكون من جنسهما، أي: أنه قال هذا القول على سبيل الاستهزاء والله سبحانه وتعالى أعلم.

    الموقف الثاني: قبل تحطيم الأصنام:

    حين دخل على الأصنام، وقرابين قومه التي قربوها إليها موضوعة أمامها؛ فسأل الأصنام، -وهو يعلم أنها لن تجيبه-، فكان سؤالًا على سبيل الاستهزاء بفعل قومه، فهو يعلم أنه لا ذنب لحجر -لا اختيار له فيما صنع به من التعظيم-؛ ليكون ندًا لله عز وجل.

    يقول الله تبارك وتعالى مخبرًا لنا عن هذا الموقف: ( ) [الصافات: ٩١- ٩٣].

    ثم قام بتحطيمها لا عقوبة لها، ولكن تبكيتًا لقومه، وتنفيذًا لوعيده الذي توعدهم به، واستحضارًا بهذا الفعل لعقولهم؛ لعلهم يرشدون حين يرون آلهتهم وهي محطمة، لم تستطع الدفاع عن نفسها52.

    الموقف الثالث: بعد تحطيم الأصنام:

    بعد ذهاب قوم إبراهيم عليه السلام إلى عيدهم فعل إبراهيم عليه السلام ما كان قد توعدهم به من كيد للأصنام، فقام بتحطيمها، ثم لما رجعوا؛ وجدوا ما حل بها، فتساءلوا عمن فعل هذا بها؟، ثم تذكروا أن إبراهيم عليه السلام قد ذكرها وتوعدها، فذهبوا إليه؛ ليتثبتوا منه، وقد أضمروا الكيد به، والانتقام لآلهتهم من فعلته.

    وقد كان بينهم هذا الحوار، حيث يقول الله عز وجل: ( ﭿ ﮩﮪ ) [الأنبياء: ٦٢ - ٦٧].

    قالوا له: هل أنت الفاعل بآلهتنا ما نراه يا إبراهيم؟ فأجابهم إجابة يعلم أنها ليست بحق، ولكنه أراد بهذه الطريقة أن يوقفهم على ما فيه نقص عقولهم بمنهاج عملي، ولنا معه وقفة، فهو لمـا قال لهم: إن الفاعل هو أكبر أصنامهم، وأشار عليهم بأن يسألوه هو بدلًا من أن يسألوا إبراهيم عليه السلام، وهو يقول لهم ذلك مستهزئًا بعجز آلهتهم؛ لعلمه القاطع بعدم قدرتها على الإجابة، توقفوا مع قول إبراهيم عليه السلام، وفهموا مراده.

    لكن سرعان ما انقلبوا رأسًا على عقب؛ فقد أقروا بعجز آلهتهم، ثم لم يلبثوا أن تركوا التأمل في طبيعة أصنامهم، واحتجوا لأنفسهم على إبراهيم عليه السلام بما أراده أن يكون حجة عليهم، فإذا بلغ منهم الأمر هذا المبلغ؛ فأي رجاء حينئذٍ في هداية قوم احتجوا بالباطل البين -الذي هو حجة على بطلان الباطل-؛ فجعلوا به الباطل حقًا؟

    فجاء رد إبراهيم عليه السلام بالتضجر منهم ومن عقم تفكيرهم، متسائلًا كيف تقبلون على أنفسكم أن تكونوا عبادًا لشيء لا يحصل لكم منه نفع، ولا يحل بكم منه ضر؟! وأكبر دليل أنه لا يستطيع أن يشفي غليلكم في إجابة هذا السؤال الذي أنتم بحاجة ملحة لمعرفة إجابته، أين عقولكم؟!!53.

    ٢. الأساليب العملية.

  7. اعتزالهم ورفض المشاركة في أعيادهم.

    هذا خبر إبراهيم عليه السلام حين دعاه قومه للاحتفال بعيدهم، وكيف رد عليهم، يقول الله عز وجل: ( ) [الصافات: ٨٨-٩٠].

    قد مر معنا في الأساليب النظرية أن إبراهيم عليه السلام قد استعمل مع قومه في هذه الحادثة أسلوب التعريض والاستهزاء في عبادة النجوم، وبيان عدم قدرتها على الثبات على حال الظهور، وعجزها عن تحقيق الخير الذي يرجوه الإنسان من معبوده.

    وقد كان الموقف الأخير حين جاءوا إليه لدعوته لأن يشاركهم في عيدهم؛ فرفض وتهكم بهم وبعيدهم ومعبودهم؛ ففروا من أمامه؛ لعلمهم أنهم لو مكثوا عنده مزيدًا من الوقت؛ لأسمعهم مما يكرهون في آلهتهم أكثر.

    فجاء التعبير القرآني بقوله تعالى: ( )، فشبههم بالذي يفر من الزحف موليًا دبره للعدو خوفًا، لا من الهزيمة؛ فإنه لا يفعل ذلك انهزامًا، ولكن خوفًا من القضاء عليه.

    وهم قد خافوا من أن يقضي إبراهيم عليه السلام على فرحتهم إذا قضى على صحة معتقدهم، وأبطل دينهم وحجتهم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد آتاه الحجة الدامغة في مواقف المحاجة والمناظرة54.

  8. تحطيم الأصنام.

    يذكر الله عز وجل هذا الموقف من فعل إبراهيم عليه السلام بعد إقامة الحجة منه على قومه في مواطن كثيرة، وبعد سابق وعيدهم على أنه سيكيد أصنامهم، وبيان عدم خوفه منها، واستنفاد كل الأساليب النظرية في بيان الحق، فقد قام بأسلوب من نوع آخر، إنه الأسلوب العملي في إبطال الباطل، إنه تحطيم مصدر الخوف المانع لهم من اتباعه، والإثبات بطريق عملي حسي قاطع، شاخص أمام أعينهم، وماثل بين يدي عقولهم، وشاهد يسمعهم أن هذه الآلهة التي يعبدونها لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا؛ فحري بهم أن يهجروها، وجدير بهم أن يهملوها، ولكن ( ) [الحج: ١٨].

    يقول الله تبارك وتعالى: ( ) [الصافات: ٩١-٩٣].

    ويأتي بيان الحال التي ترك عليها الأصنام في قوله تعالى: ( ) [الأنبياء:٥٨].

    وإبقاء الكبير أيضًا كان من أجل تقوية الحجة على عجزهم، وذلك أنهم قد يظنون أن الحادث قد وقع بشكل مفاجئ؛ فلم تكن الفرصة للنجاة أو الدفاع عن النفس قد توفرت لديها، وهذا إنما يأتي على سبيل المجاراة لعقولهم العقيمة؛ وإلا فإن من كان يستحق الألوهية يجب أن يكون محيطًا بعلم الحوادث قبل وقوعها، ولا يمكن بحال أن تغيره أو تؤثر فيه، فإن وجود الكبير والحال هذه دليل على عجزه عن الدفاع عن حاشيته55.

  9. الهجرة.

    بعد أن استفرغ إبراهيم عليه السلام وسعه، وبذل كل جهده، في إصلاح قومه، إلى أن انقطع أمله منهم، وذلك بعد أن بلغ بهم الإصرار والعناد مبلغًا، دفعهم إلى الكيد له، والسعي في قتله شر قتلة؛ هجرهم.

    يقول الله جل جلاله: ( ) [الصافات: ٩٩].

    ويقول أيضًا: ( ) [مريم: ٤٨].

    ولم يكن مراده الهجرة إلى الله سبحانه وتعالى من الأرض إلى السماء؛ ليصير إلى جوار ربه، ولا الهجرة من بلد أهله وقومه إلى بلد آخر من أجل الدنيا، وإنما هجرة من الأرض التي يعبد غير الله عز وجل فيها إلى أرض يستطيع فيها عبادة ربه وحده لا شريك له56.

    ولم يلجأ إلى هذا الفعل بمجرد أذى لحق به، فلطالما آذاه وقومه، ولكن الأمر قد بلغ النهاية، كما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرادوا قتله، حينها أذن له بالهجرة.

محاجته عليه السلام لقومه وللملك

  1. أولًا: محاجته عليه السلام لأبيه وقومه:

    ١. محاجته لأبيه.

    إن أعلى رتب الكمال البشري تكون حيث كمال الرجل بأخلاقه، وإن الوالدين هم أولى الناس بتحسين الأخلاق معهم بعد رسل الله عليهم السلام، وقد صور لنا القرآن هذا الخلق الحسن فيما دار بين إبراهيم عليه السلام وأبيه، وتقدم بيان هذا في ما سبق، حين تعرضنا لأسلوب الحوار في الدعوة.

    وكان حوارًا أقام فيه إبراهيم الحجة على والده، ببطلان ما هو عليه من عبادة الأصنام، كما أخبر الله عز وجل: ( ﭪﭫ ﭿ ﮒﮓ ﮫﮬ ﮰﮱ ﯘﯙ ﯜﯝ ) [مريم:٤١ - ٤٨].

    فقد أقام الحجة في هذا المقام، ببيان معالم العجز التفصيلية في آلهة أبيه، والمقتضية ممن له مسحة عقل، وملحة رشد أن يتبرأ من عبادتها؛ فهي عاجزة عن السمع لمن ناداها، عمياء عن رؤية من تقرب إليها وتولاها، ولا تغني شيئًا عمن استجداها، وما هي في حقيقتها إلا عبادة للشيطان، ومعصية للرحمن، وموالاة للعدو الأول للإنسان، فماذا كانت حجة الوالد، التهديد والوعيد، والطرد المديد، وهذه حجة من بغى وطغى، ليس فيها حق ولا هدى57.

    ٢. محاجته لقومه.

    كانت دعوة إبراهيم عليه السلام الدعوة إلى ترك ما كان عليه قومه من عبادة الأصنام والتصديق بالنجوم وهجرهما، والتوجه إلى الله جل جلاله بالتوحيد الخالص، وكان قومه يخافون من أن يكون للأصنام والنجوم تأثير في مقادير الناس؛ فحذروه من أن يصيبه من شؤم فعله على حد تعبيرهم ما يكره؛ فرد عليهم أنهم أهل لهذا الخوف بما اعتقدوه في أصنامهم من هلاوس، وما أحدثه الشيطان في نفوسهم من وساوس.

    أما إبراهيم عليه السلام فهو في أمان من هذه الهواجس، فمن خاف الله سبحانه وتعالى؛ أمنه الله جل جلاله من كل شيء، ومن خاف غير الله عز وجل؛ أخافه الله تبارك وتعالى من كل شيء58.

    يقول الله سبحانه وتعالى في عرض هذا الحوار: ( ﯕﯖ ﯜﯝ ﯧﯨ ﯭﯮ ﯿ ﰀﰁ ﰅﰆ ﭢﭣ ﭧﭨ ) [الأنعام:٨٠-٨٣].

    أعطى الله عز وجل إبراهيم عليه السلام الحجة في كل موطن؛ فكان الأعلى دائمًا على من وقف أمامه، وقد عجز قومه عن إقامة الدليل على صحة ما يعتقدونه؛ فلجأوا إلى أسلوب الإرهاب والتخويف بآلهتهم، فجاءهم الجواب من إبراهيم عليه السلام بأن الله سبحانه وتعالى قد هداه، فهو على غير شاكلتهم، لا يخاف إلا أن يقضي الله جل جلاله أمرًا أراد به أن يهلك أحدًا من خلقه، ولو أنهم كانوا يعقلون؛ لعلموا أن الله عز وجل وحده هو الذي يستحق أن يخشى بالغيب.

    أما آلهتهم فليس هناك أدنى مبرر للخوف منها، فعلى الأقل هي لا تسمع؛ فهي صماء، لا تبصر؛ فهي عمياء، لا تنطق؛ فهي بكماء، لا تعقل؛ فهي بهماء، لا تتحرك؛ فهي شلاء، ولا تعبر؛ لأنها عجماء، فلا علم لها بأي شيء، ولم يمنحها الله جل جلاله القدرة على أي فعل مما يحذرون، والله سبحانه وتعالى هو السميع البصير، حكيم في أفعاله وأوامره ونواهيه، عطاؤه كلام، ومنعه كلام، وخلقه كلام، يفعل ما يشاء بقدرته، ويقضي ما يريد بحكمته، عالم الغيب والشهادة، وهو الرحمن الرحيم، فمن الذي يستحق أن ينطبق عليه وصف الخوف؟، الذي آمن بالله جل جلاله وكفر بكل إله سواه، أم من كفر بالله واتخذ من الأصنام والنجوم إله!! 59.

    الحق الساطع واليقين القاطع هو أن الذين آمنوا بالله، ولم يشركوا به هم أحق الناس بالأمن، ولو أن قومه يعقلون أو يرشدون؛ لسلموا لهذا الأمر وصدقوه، وآمنوا به واتبعوه، وهذا الحديث الذي جاء على لسان إبراهيم عليه السلام هو من توفيق الله جل جلاله له، ومن حجته التي ألهمه إياها، أو أوحى بها إليه.

    ٣. محاجة الملك.

    إنه النمرود، الذي ملك الأرض شرقها وغربها، وكان الناس في ذلك الزمان قد أصابهم الجدب، وكانوا يذهبون إليه؛ ليأخذوا ما يحتاجونه من الطعام والشراب؛ فيمتحنهم بهذا السؤال: من ربك؟ فمن قال له: أنت ربي؛ أعطاه، وكان فيمن جاءه إبراهيم عليه السلام فسأله: من ربك؟ فجاء جواب إبراهيم كما ذكر القرآن.

    وكانت بينهما تلك المناظرة، والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: ( ﭿ ﮃﮄ ﮒﮓﮔ ) [البقرة: ٢٥٨] 60.

    يذكر الله سبحانه وتعالى أمرًا عجب منه عز وجل، وذكره على سبيل التعجيب لقارئ القرآن منه، وهو أن عبدًا من عبيده، أنعم عليه وملكه على الأرض؛ فقابل هذا الفضل بالكفر بدل الشكر، وإنه ادعى الربوبية، وامتحن الناس فيها، وكانوا يجيبونه لما أراد، إلى أن جاءه إبراهيم عليه السلام؛ فدعاه لما دعا إليه الناس؛ فأجابه على غير ما أراد، وبين له أنه مربوب لمن يستحق الربوبية بكونه يملك الإحياء والإماتة؛ فعارض المغرور قول إبراهيم؛ بأنه يملك ما نسبه إبراهيم عليه السلام إلى ربه، فهو بإنفاذه حكم القتل على أحد يميته، وبإيقاف هذا الحكم عن محكوم عليه به يحييه، ولكن إبراهيم عليه السلام الذي آتاه الله الحجة، وأيده بالمحجة، عدل عن النزول إلى مناقشة هذا الغباء، واختار طريق الإفحام، بالاحتجاج بأمر لا يطيقه بشر، فقال له: إن ربي يأتي كل يوم بالشمس من المشرق؛ فافعل ضد هذا أنت وأت بها من المغرب، فألجم وأفحم، وأبلس وأخرس، فكيف يكون لغبي أن يحاجج نبيًا؟! وهل يجوز لأخرق أن ينال البيرق؟! إنها حجة الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.

إبراهيم عليه السلام والبيت الحرام

  1. أولًا: إبراهيم عليه السلام وإعمار البلد الحرام:

    كان إبراهيم عليه السلام أمة، كما أخبر الله عنه بقوله سبحانه وتعالى: ( ﭲﭳ ﭽﭾ ﭿ ) [النحل: ١٢٠-١٢٢].

    فقد أحيا توحيد الله عز وجل في الأرض بعد خلوها منه عند البشر، وشرق في الأرض وغرب من أجل هذا المقصد، حتى البلد الحرام في ذلك الزمان كان قد خلا ممن يعبد الله جل جلاله فيه؛ فذهب إليه بولده الوحيد، وزوجه الضعيفة، وأسكنهما في مكان قفر، ليس فيه معلم من معالم الحياة.

    وجاء خبر هذا في قول الله سبحانه وتعالى: ( ﮤﮥ ) [إبراهيم: ٣٧-٣٨].

    وتفسير هذا جاء في صحيح البخاري: قال ابن عباسٍ: (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم عليه السلام وبابنها إسماعيل عليه السلام وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحةٍ، فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحدٌ، وليس بها ماءٌ.

    فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ، وسقاءً فيه ماءٌ، ثم قفى إبراهيم عليه السلام منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل عليه السلام فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيءٌ؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا.

    ثم رجعت، فانطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: رب ( ) حتى بلغ - () [إبراهيم: ٣٧].

    وجعلت أم إسماعيل عليه السلام ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مراتٍ.

    قال ابن عباسٍ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذلك سعي الناس بينهما) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت صهٍ - تريد نفسها -، ثم تسمعت، فسمعت أيضًا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواثٌ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.

    قال ابن عباسٍ رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء -، لكانت زمزم عينًا معينًا).

    قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقةٌ من جرهم، أو أهل بيتٍ من جرهم، مقبلين من طريق كداءٍ، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماءٍ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماءٌ، فأرسلوا جريًا أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا.

    قال: وأم إسماعيل عليه السلام عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم، قال ابن عباسٍ رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس ).

    فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبياتٍ منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأةً منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم عليه السلام بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل عليه السلام، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرٍ، نحن في ضيقٍ وشدةٍ، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه.

    فلما جاء إسماعيل عليه السلام كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، جاءنا شيخٌ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهدٍ وشدةٍ، قال: فهل أوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم عليه السلام ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخيرٍ وسعةٍ، وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم يكن لهم يومئذٍ حبٌ، ولو كان لهم دعا لهم فيه. قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكة إلا لم يوافقاه.

    قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل عليه السلام قال: هل أتاكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، أتانا شيخٌ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخيرٍ، قال: فأوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.

    ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك، وإسماعيل عليه السلام يبري نبلًا له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد) 61.

    وهكذا بدأ إعمار البلد الحرام، إلى أن أراد الله سبحانه وتعالى أن يتم بناء المسجد الذي سيكتمل به الإعمار، والحديث عنه في ما يلي.

    ثانيًا: إبراهيم عليه السلام وبناء الكعبة:

    يأتي الحديث في سورة البقرة عن سيدنا إبراهيم، وبيان فضل الله سبحانه وتعالى عليه بجعله إمامًا للناس، إلى أن ذكر بناء المسجد الحرام، وعقب بعد ذلك بتكرار الثناء على إبراهيم وتأكيد إمامته، بحيث لا يقبل الله جل جلاله ملة غير الملة التي كان عليها، وأن الله سبحانه وتعالى اصطفاه، وبين السبب لذلك؛ أنه قد أسلم لربه بما أمره به.

    وذلك في قوله عز وجل: ( ﮪﮫ ﮰﮱ ﯕﯖ ﯧﯨ ﯿ ﰆﰇ ﰑﰒ ﭚﭛ ﭭﭮ ﭿﮀ ﮎﮏ ﮓﮔ ﮟﮠ ) [البقرة: ١٢٤-١٣١].

    قال ابن عباسٍ: (ثم إنه بدا لإبراهيم عليه السلام، فقال لأهله: إني مطلعٌ تركتي، فجاء فوافق إسماعيل عليه السلام من وراء زمزم يصلح نبلًا له، فقال: يا إسماعيل، إن ربك أمرني أن أبني له بيتًا، قال عليه السلام: أطع ربك، قال عليه السلام: إنه قد أمرني أن تعينني عليه، قال عليه السلام: إذن أفعل، أو كما قال عليه السلام: قال فقاما فجعل إبراهيم عليه السلام يبني، وإسماعيل عليه السلام يناوله الحجارة ويقولان: ( ﭚﭛ ) [البقرة: ١٢٧].

    قال: حتى ارتفع البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة ويقولان: ( ﭚﭛ ) [البقرة: ١٢٧])62.

    وهكذا شرف الله عز وجل إبراهيم وولده إسماعيل ببناء أعظم بيت على وجه الأرض، ليكون به الإعمار لأرض الله كلها، فما من مسلم يريد الصلاة في بقعة من بقاع الأرض إلا وهو يتوجه إلى المسجد الحرام الكعبة.

    ولم يقتصر إعماره للبلد الحرام على هذا الحد، بل إنه توجه إلى الله جل جلاله بهذا الدعاء ( ﭭﭮ ).

    وهذه الدعوة هي التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه العرباض بن سارية أنه قال: (إني عند الله مكتوبٌ: خاتم النبيين وإن آدم لمنجدلٌ في طينته وسأخبركم بأول أمري دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نورٌ أضاء لها منه قصور الشام)63.

    والذي نراه اليوم من عمران في الدنيا كان بدعوة منه عليه السلام، فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو الرسول الذي دعا بمجيئه إبراهيم عليه السلام، وها هي أمته تعمر ذلك المكان وقلوبها تهوي إليه، عمارة بتوحيد الله وتعظيمه، بما علمهم إياه الرسول من الكتاب والحكمة، وزكاهم به من تنقيتهم من الشرك والبدع والمعاصي.

    [انظر: مكة: إبراهيم عليه السلام ومكة]

    ثالثًا: إبراهيم عليه السلام وفريضة الحج:

    عهد الله جل جلاله لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بعد بناء بيته الحرام بتطهيره وتهيئته للقاصدين له تعبدًا بألوان العبادات، من الاعتكاف والصلاة، ثم أمر إبراهيم عليه السلام بعد ذلك أن ينادي بالناس لحج بيته الحرام.

    يقول تبارك وتعالى: ( ﭿ ) [الحج: ٢٦ -٢٧].

    وقبل ذلك كان قد دعا بدعوة أجابه الله سبحانه وتعالى بما أمره به في هذه الآية، يقول الله جل جلاله مخبرًا عن دعوته تلك بقوله: ( ) [إبراهيم: ٣٧].

    فكانت فريضة الحج فريضة ماضية إلى يوم القيامة من لدن إبراهيم عليه السلام إلى قيام الساعة، ومناسكها هي مناسك إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان ذلك ثمرة دعائهما، كما في قوله تعالى: ( ﭭﭮ ﭿﮀ ) [البقرة: ١٢٨-١٢٩].

    وهي التي علمنا إياها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)64.

    وما زالت قلوب الناس تهوي لأدائها، ويأتون لأهل هذا البلد بالأرزاق معهم، ويجدون فيها كما نسمع ونرى في هذا الزمان من كل الثمرات في الموسم الواحد، وهذا كله من كرم الله جل جلاله على إبراهيم وذريته.

إبراهيم وذريته عليهم السلام

  1. أ،ولًا: التبشير بالذرية الصالحة:

    مضت سنة الله سبحانه وتعالى أن يكافئ على الإحسان بالأحسن، وأن من ترك شيئًا من أجله؛ أن يعوضه الله خيرًا منه، كما جاء في الحديث المسمى بحديث الأعرابي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله إلا أعطاك الله خيرًا منه) 65.

    وقد هجر إبراهيم عليه السلام أباه وقومه؛ فأبدله بالذرية الصالحة، وجعل النبوة فيها، كما هجر العراق؛ فأبدله الله بيت المقدس ومكة، وقد جاءته البشارة بالذرية الصـالحة، على كـبره، وتقدم سنه.

    يقول الله تبارك وتعالى: ( ) [الصافات: ٩٩-١٠١].

    وهي البشارة بإسماعيل عليه السلام، ومن بعدها البشارة بإسحاق في قوله تعالى: (ﭿ ) [الصافات: ١١٢].

    وقد جاء لنا وصف البشارة بإسحاق، والحالة التي كان عليها إبراهيم عليه السلام، والتي كانت عليها زوجه سارة عند البشارة.

    يقول الله جل جلاله: ( ﯛﯜ ﯞﯟ ﯰﯱ ﯿ ﭘﭙ ﭣﭤ ﭪﭫ ) [هود: ٦٩ - ٧٣].

    وما أعظمها من نعمة، أفردها إبراهيم عليه السلام بالحمد لربه جل جلاله؛ استشعارًا منه بعظمتها عليه، حيث أخبر الله عز وجل عنه بذلك: ( ﯛﯜ ) [إبراهيم: ٣٩].

    وذلك أنها جاءته على حال عجز، وانقطاع أمل ممن هو في مثل حاله، الأمر الذي دعا سارة رضي الله عنها أن تعجب منه؛ فذكروها بأنها إرادة الله الذي ( ) [يس: ٨٢].

    وزادوهم بالدعاء والرحمة من الله تبارك وتعالى على ما قاموا به من حق الله جل جلاله، وصبروا.

    ثانيًا: النبوة في ذريته:

    وجعل الله في ذريته عليه السلام النبوة والرسالة كما جعلها في ذرية نوح عليه السلام.

    يقول سبحانه وتعالى: ( ﭸﭹ ﭻﭼ ﭿ) [الحديد: ٢٦].

    وقد خصه الله بالذكر في هذا الأمر في موضع آخر من كتابه حيث يقول جل جلاله: ( ﮠﮡ ) [العنكبوت: ٢٧].

    وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عددًا ممن كان من الأنبياء من ذرية إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ( ﭢﭣ ﭧﭨ ﭱﭲ ﭴﭵ ﭹﭺ ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌ ﮔﮕ ) [الأنعام: ٨٣-٨٦].

    وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: قيل يا رسول الله: من أكرم الناس؟ قال: (أتقاهم) فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله) قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا) 66.

    فالإجابة الأولى كانت من النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الإيمان الذي هو ميزان التفاضل بين عامة الناس، فلما أخبر الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس مقصدهم من السؤال؛ كانت الإجابة الثانية، حيث إن يوسف نبي، ابن يعقوب نبي، ابن إسحاق نبي، ابن إبراهيم النبي خليل الله -عليهم جميعًا الصلاة والسلام-، فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، والإجابة الثالثة كانت باعتبار خيرية الصفات التي جبلت عليها العرب بحسب القبائل وما اختصت به.

    الشاهد من الحديث الإجابة الثانية التي تبين منها أن اتصال النسب بالنبوة إلى إبراهيم عليه السلام جعل حامله أكرم الناس نسبًا، فهي ذرية طيبة من أصل طيب.

    يقول الله جل جلاله: ( ﮚﮛ ) [مريم: ٥٨].

    فهم صفوة الله من خلقه، وكانوا بعد إبراهيم كلهم من ذريته، عليه وعليهم الصلاة والسلام، وعلى رسولنا أطيب الصلاة وأفضل السلام.

    ثالثًا: قصة الذبيح:

    الذبيح هو أحد أبناء إبراهيم عليه السلام، وقد زعم اليهود أنه إسحاق عليه السلام، وقد استندوا في ذلك لنص موجود في التوراة المحرفة عندهم يقول: «اذبح ولدك بكرك، ووحيدك إسحاق»67، وهو أمر يختلف مع ما جاء في شريعتنا، وعليه فهو مما ينبغي رده-وإن حصلت الموافقة لهم في ذلك من بعض علماء المسلمين-، إلا أن جمهور أهل العلم على أن الذبيح إنما هو إسماعيل عليه السلام.

    ولا يعد هذا انتقاصًا من قدر إسحاق عليه السلام، فقد تقدم في الحديث الذي مر آخرًا من أنه كريم ابن كريم، ولا يزعجنا -نحن كمسلمين- أن يكون إسحاق عليه السلام هو الذبيح -إن ثبت هذا بما يدفع كون الذبيح هو إسماعيل عليه السلام-.

    لكن القول بهذا الأمر مردود من وجوه عديدة ذكرها ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان68 في بيان بطلان النص آنف الذكر المثبت في توراتهم.

    وقد جاء ذكر هذا الأمر في سورة الصافات بما يجزم أن الذبيح إنما هو إسماعيل عليه السلام، وليس إسحاق عليه السلام.

    قال الله سبحانه وتعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ﭜﭝ ﭿ ) [الصافات: ١٠١-١١٢].

    فعطف بالبشارة الثانية على البشارة الأولى عطفًا يقتضي التغاير؛ فكانت النتيجة أن الأول غير الثاني، وكانت الثانية مصرحة بأن المبشر به هو إسحاق عليه السلام، أي: أن المبشر به الأول الذي هو الذبيح هو غير إسحاق عليه السلام، فيكون إسماعيل عليه السلام، وهو الولد البكر لإبراهيم عليه السلام، -وعليهم جميعًا صلوات الله وسلامه-، وهذا فيه رد على أهل الكتاب، ومن اشتبه عليه الأمر من المسلمين69، حيث وقعت من بعضهم الموافقة لليهود في هذا القول70، ومن أراد التوسع في الاطلاع على مزيد من أوجه الرد؛ فلينظر إغاثة اللهفان، وفيها من الفوائد والعبر ما سنذكره -إن شاء الله- لاحقًا.

    رابعًا: الدعاء لذريته:

    جعل الله سبحانه وتعالى غريزة حب البقاء، والنساء في الأثر، والتناسل والتوالد، غريزة في الإنسان، يشاركه فيها الحيوان، لكنه ينفرد عن الحيوان إذا ما أراد بهذا الأمر الحفاظ على ما خلقه الله عز وجل من أجله، وهو إعمار الأرض بالتوحيد وعبادة الله جل جلاله، وهذا ما كان عليه أنبياء الله سبحانه وتعالى، والصالحون من عباده؛ فنجد أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام لما علم بأن الله اصطفاه، واختاره لمهمة الإمامة للناس؛ أحب أن يجعل الله هذا في نسله وذريته؛ فأراد منهم أن يكونوا خالصين مخلصين لرب العالمين.

    يقول الله تبارك وتعالى: ( ﮪﮫ ﮰﮱ ﯕﯖ ) [البقرة: ١٢٤].

    فأرضاه الله سبحانه وتعالى، بأن بين له أن هذا كائن له في ذريته لمن قام بحقه مثل ما قام إبراهيم الذي كافأه الله به بحقه، أما الظالمون فلن تنالهم دعوته عليه السلام.

    لما علم إبراهيم عليه السلام أن ذريته سيكون منهم الظالم؛ جاء دعاؤه لهم بعد ذلك يخص به الصالحين منهم، وذلك في قول الله تبارك وتعالى: ( ﯿ ﰆﰇ ﰑﰒ ) [البقرة: ١٢٦].

    فأخبره الله سبحانه وتعالى أنه قد تكفل بالرزق لمن آمن ومن كفر، لكن تذكيرًا منه لنبيه عليه السلام، وبيانًا لنا، أن الذي يتوعد الله به من كفر به- وإن كان له من المتاع في الدنيا ما يغتر به- هو العذاب المقيم في نار جهنم، المكان الذي لا يملكون أن يتحولوا عنه إلى غيره71.

    إن من المواطن التي يرفع فيها الدعاء إلى الله تبارك وتعالى، ويقبله جل جلاله، الموطن الذي يكون العبد فيه قائمًا بطاعة الله، ويتأكد هذا الأمر عندما تكون هذه الطاعة من فرائد الطاعات.

    وقد كان الأنبياء أفقه الناس بهذا؛ لذلك لما أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة، وأعانه على ذلك ولده إسماعيل عليه السلام؛ استجابة لله جل جلاله، استثمروا هذا المقام العظيم الذي اختارهم الله عز وجل له، وسألا ربهما بهذا الدعاء.

    يقول الله سبحنه وتعالى: ( ﭚﭛ ﭭﭮ ﭿﮀ ) [البقرة:١٢٧-١٢٩].

    ما أعظمه من نفع، قصداه لمن يأتي من نسلهما، الإسلام النعمة العظمى، والمنحة الكبرى، التي تكون به سعادة الأولى والأخرى، وبيان المناسك التي يرضاها الله عز وجل، وأن يكرمهم وينعم عليهم برسول أمين، يتلو عليهم كلام رب العالمين، ويزكي نفوسهم بما تزكو به نفوس المؤمنين، عليهما من الله صلاة وتسليم؛ بما أقاماه أو كانا سببًا في إقامته من الدين القويم.

    وقد ذكرنا أيضًا في ما سبق ما كان من دعائه حين ترك إسماعيل وأمه هاجر عند بيته الحرام، والذي ذكره الله في سورة إبراهيم، وقد جاء فيه من دعائه، بالثبات على التوحيد، وتحقيق الأمن للبلد الحرام، وأن ييسر الله سبحانه وتعالى لهم من يؤنسهم من تلك الوحشة من الناس، وأن يرزقهم من الثمرات، وأن يجعلهم من المقيمين الصلاة، وممن امتن الله جل جلاله عليهم بإجابة الدعاء.

    خامسًا: وصية إبراهيم عليه السلام لذريته:

    إذا شعر الإنسان بدنو أجله؛ فإنه يتفقد أحوال من يحب، وإن كان موسرًا؛ فإنه يوصي لهم؛ حتى لا يدعهم عالة يتكففون الناس، فعلم إبراهيم عليه السلام ما أكرمه الله جل جلاله به من الرضا واستجابة الدعاء؛ فدعا لهم بكل خير ينفعهم في الدنيا والآخرة، وهذه تركته لهم، وكان يعلم عليه السلام أن الرفعة والمكانة التي أكرمه الله بها مردها إلى النعمة العظمى، التي حباه الله عز وجل بها، وهي نعمة الإسلام؛ فأثابه في عاجل الدنيا، بأن جعل الملة التي رضيها الله سبحانه وتعالى منسوبة إليه، فلا يقبل سبحانه وتعالى من عبد غيرها، ( ﮎﮏ ﮓﮔ ﮟﮠ ) [البقرة:١٣٠-١٣١].

    وقد أخبره الله عز وجل أن من ذريته من سيكون ظالمًا لنفسه؛ فأوصاهم بما يحبه لهم من الخير، وأسباب حفظ نعمة الله جل جلاله عليهم، وهي أن يكونوا على الحالة التي وفقه الله سبحانه وتعالى إليها، بأن يسلموا لله رب العالمين72، ( ) [البقرة:١٣٢].

    وأن يظلوا على العهد الذي فارقهم عليه إلى أن يموتوا؛ ليكونوا من صفوة الله الذين اصطفاهم من عباده على العالمين، وقد صدقوه فيها؛ فكانت وصية يعقوب لأولاده أيضًا.

    وقد أخبر الله عز وجل عن هذه الوصية التي أوصى بها إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٣٣].

    وقد ورث هذه الوصية أبناؤه، ممن هم على طريقته وهداه؛ لما عندهم من العلم بأهمية هذه الوصية، فأخذ يعقوب عليه السلام العهد من أولاده؛ بأن يكونوا على ما كان عليه إبراهيم عليه السلام، وأبناؤه إسماعيل وإسحاق، وهم آباء يعقوب الذي كان على ما كانوا عليه، وهذا فيه رد على اليهود والنصارى الذين زعموا أن إبراهيم عليه السلام كان على ملتهم، وفيه رد على المشركين ببيان الملة الحنيفية الخالصة من كل ألوان الشرك وأنواعه، وهي التي كان عليها أبوهم إسماعيل عليه السلام ابن إبراهيم عليه السلام 73.

الدروس المستفادة من قصة إبراهيم

  1. يرفع الله جل جلاله العبد على قدر ما يبذل في سبيله، ما استقام على الشريعة، ولا يمكن أن ينال الرفعة بغير ذلك، وهو بذل الجهد مع الاستقامة على الشريعة.
  2. من ترك شيئًا لله؛ عوضه الله عز وجل خيرًا منه، لما هجر إبراهيم عليه السلام قومه من أجل الله سبحانه وتعالى؛ اتخذه الله خليلًا.
  3. إمامة الدين لا تنال إلا بالصبر واليقين74، فإبراهيم عليه السلام لما صبر، وكان من الموقنين؛ صار إمامًا للعالمين.
  4. من أحيا ذكر الله؛ أحيا الله ذكره، وهذا ما رأيناه مع إبراهيم عليه السلام.
  5. حين يدعو العبد الناس لتوحيد ربهم -أجابوه أو لم يجيبوه-؛ يكافئه الله جل جلاله بإجابة الدعاء.
  6. أهل الإيمان أحق من في الوجود بالأمن.
  7. أمن الأوطان لا يتحقق إلا بالقيام بحق الإيمان.
  8. التوحيد أعظم نعم الله على العبيد.
  9. دعاء إبراهيم عليه السلام ربه عز وجل ألا يعبد الأصنام، ووصيته لأبنائه؛ يفيدنا أن المؤمن على خطر إلى أن يتوفاه الله على الإسلام.
  10. أهل الإيمان والتوحيد بعضهم أولى ببعض؛ لذلك كنا أولى بإبراهيم من اليهود والنصارى، وكذلك أولى بموسى وعيسى منهم.
  11. أهمية الدعاء للذرية بخيري الدنيا والآخرة، والابتعاد عن الدعاء عليهم.
  12. حسن البر والمعاملة مع الوالدين-وإن كانا على غير الإسلام-، ويجب أن يكون مقترنًا بالحرص على إسلامهم، ودعوتهم له بالحكمة والأدب؛ فإن أبر البر أن يكون العبد سببًا في عتق والديه من النار.
  13. المؤمن الحق يستسلم لله في كل شؤونه، وينقاد له في كل أموره.
  14. أشد ما يتأذى به المؤمن، ويتألم من أجله؛ إعراض الناس عن دين الله سبحانه وتعالى؛ غيرة عليه، وشفقة عليهم.
  15. من صفات المؤمن طول القنوت بين يدي الله عز وجل؛ راجيًا عفوه ورضاه.
  16. من استقام على توحيد الله جل جلاله، وأكثر من عبادته؛ هو رجل بأمة، خاصة إذا كثرت الفتن.
  17. من كان موقنًا بوعد الله، متوكلًا عليه حق توكله؛ قد يغير الله سبحانه وتعالى من أجله نواميس الكون، فالنار التي أوقدت انتقامًا؛ صارت بردًا وسلامًا.
  18. الوفاء بمعناه الحقيقي هو أن يوفي العبد بعهد ربه، وأن يقدمه ويقدم حبه وحب كل شيء أمر بحبه على ما تحبه النفس وتهواه.
  19. التجارة مع الله هي الأربح على الإطلاق، أتم إبراهيم عليه السلام كلماتٍ ابتلاه الله بها؛ فجعله إمامًا للناس، وأورثها الله جل جلاله لذريته من بعده.
  20. على المؤمن أن يكون حكيمًا كريمًا، بارًا راشدًا، شجاعًا كريمًا.
  21. المراد بسلامة القلب: أن يقوم العبد بما قام به إبراهيم عليه السلام من أعمال أهلته لذلك، وهي كما يلي:
    • إنكاره للشرك.
    • التوحيد والدعوة إليه.
    • هجرة المنكرات وأهلها وأماكنها.
    • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    • الثبات على دين الله عز وجل -مهما كانت التحديات-.
    • تقديم حب الله على حب من سواه.
    • تربية الأبناء على التوحيد، والاستجابة لأمر الله جل جلاله مهما كلفت من ثمن.
    • عدم إضمار الغل والغش، والحقد والحسد لعباد الله تبارك وتعالى.
    • أن يكون خليًا من أمراضه: التعالي والكبر، والأشر والبطر والعجب.
  22. معالم الدعوة ومرتكزاتها الأساسية في قصة إبراهيم عليه السلام:
    • إعلان التوحيد.
    • إنكار الشرك.
    • البراءة من الشرك وأهله.
    • موالاة الحق وأهله
    • العداء لكل من عبد من دون الله سبحانه وتعالى ولعابديه.
  23. هجرة البلد والأهل والعشيرة؛ إذا لم يتمكن العبد من القيام بتوحيد ربه، وطاعته فيها.
  24. التنويع في أساليب الدعوة؛ لأن الناس ليسوا على طريقة واحدة في الفهم والإدراك والتفكير، فيخاطب كل فريق بما يتناسب معه من أسلوب، فالدعوة فن؛ فينوع ما بين الحوار، والتعريض، والدعوة إلى التبصر والتأمل، المجادلة بالتي هي أحسن، وقد يلجأ إلى الاستهزاء الهادف المنضبط بالآداب السامية، فلا يكون الغرض منه الإحراج، وإنما يكون الإيضاح وبيان الحقائق، وهذه أساليب نظرية.
  25. هناك أساليب عملية قد يلجأ إليها الداعية، وهي: أن يعتزل الناس عند قيامهم بالمنكرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باليد واللسان والقلب،-حسب المصلحة الراجحة-، والهجران والإعراض بالكلية.
  26. الجدل له آداب لابد وأن يتحلى بها الداعية، منها:
    • الشجاعة.
    • أن يكون الجدال هادفًا.
    • إغفال المهاترات، وعدم مجاراة الطرف الآخر فيها.
    • إظهار النصح، وحب الخير.
    • عدم إظهار الرغبة في قهر الطرف الآخر.
    • أن يكون بالدليل والبرهان.
  27. هجر إبراهيم عليه السلام أرض العراق لله؛ فأبدله الله عز وجل بها خير بقاع الأرض، وأكثرها بركة، بيت المقدس والبلد الحرام.
  28. هدم إبراهيم عليه السلام الأصنام؛ فأكرمه الله جل جلاله ببناء المسجد الحرام.
  29. أذن في قومه ببطلان الشرك، وتحقيق التوحيد؛ فأكرمه الله سبحانه وتعالى بالأذان بالتوحيد، وتلبية الناس له إلى قيام الساعة.
  30. بشره الله بالذرية، وأكرمه بها في وقت هو أحوج ما يكون إليها، وأعانه على تربيتها، جزاءً له على ترك قومه وأهله من أجل الله.
  31. صلاح الآباء يحفظ الله به الأبناء.
  32. أثر الدعاء في صلاح الأبناء عظيم، يجدر بكل عاقل ألا يغفله.
  33. أنفع الوصايا وأعظمها، هي الوصية بالثبات على الدين.

    موضوعات ذات صلة:

    الأبوة، النبوة، مكة


1 انظر: البداية والنهاية،ابن كثير، ١/١٦٠، تاج العروس، الزبيدي، ٣١/٢٨٠.

2 انظر: تاريخ الرسل والملوك، الطبري،١/٢٣٣.

3 انظر: المصدر السابق ١/٢٣٤.

4 انظر: شرح العقيدة الواسطية، الهراس، ص٦٤، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، الفوزان، ص١٧٩.

5 الكليات، الكفوي، ص٦٥١.

6 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٢٩.

7 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، ١/٣٧٧، رقم ٥٣٢.

8 تيسير الكريم الرحمن، ص٢٠٦.

9 أخرجه أحمد في المسند، ٢٤/٧٧.

وصححه شعيب الأرناؤوط.

10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، ١/١٦.

11 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله، ٩/١١٤، رقم ٧٣٧٣.

12 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٢٦.

13 انظر: الأم، الشافعي، ١/١١٧، المجموع، النووي، ٣/٤٦٥، المغني، ابن قدامة المقدسي، ١/٥٤١.

14 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن تبدوا شيئًا أو تخفوه)،٦/١٢٠،رقم ٤٧٩٧.

15 انظر: جامع البيان ،الطبري ٣/٩٢.

16 انظر: المصدر السابق.

17 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/ ٢١٨.

18 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/ ١٠٨.

19 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٨٦.

20 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أفضل الصلاة طول القنوت، ١/٥٢٠، رقم ٥٢٠.

21 أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، ٢/٥٣، رقم ١١٤٧.

22 جامع البيان، الطبري، ٣/ ١٠٤.

23 انظر: المصدر السابق، ٣/ ١٠٧.

24 انظر: التفسير الوسيط، الطنطاوي، ٨/٢٥٨.

25 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٥/ ٢٤٥، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، ٤/٢٨١، رقم ٤٩٢١.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٠٤.

26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلًا)،٤/١٤١، رقم ٣٣٥٧.

27 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٦٣، الوجيز، الواحدي ص٩١٢، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٤٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٤.

28 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥١.

29 انظر: في ظلال القرآن ٤/ ٢٢٠١.

30 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٣٠٥.

31 انظر: الرسالة التبوكية، ابن القيم، ص٦٣.

32 انظر: إغاثة اللهفان، ابن القيم، ١/٨، الداء والدواء، ابن القيم، ص١٢٢.

33 انظر: فتح القدير،الشوكاني، ٣/٢٤١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٨٢.

34 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/١٩٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٧٠٥، أيسر التفاسير، الجزائري، ١/١١٨.

35 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٢/٤٤٠، روح المعاني، الألوسي ١٢/١١٨.

36 انظر: تفسير المراغي، ٢٣/٧١.

37 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ٤/٦٠١، رقم ٢٣٩٨، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ٢/١٣٣٤، رقم ٤٠٢٣.

وصححه الألباني.

38 انظر: الوجيز، الواحدي، ص١٤٣، محاسن التأويل، القاسمي، ١/٤٦٢.

39 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٦/٣٤٥، التسهيل، ابن جزي، ٢/١٩٦.

40 انظر: الداء والدواء، ابن القيم، ص١٢٢، أثر الإيمان في تحصين الأمة، عبد الله الجربوع، ١/٤١٢، حقيقة البدعة وأحكامها، سعيد الغامدي، ١/٣٩٣.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب قوله: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن)، ٨/١٩، رقم ٦٠٦٦.

42 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد والورع، باب رقم ٥٦، ٤/٦٦٤، رقم ٢٥١٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٦٣٤.

43 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة النار، باب صفات أهل الجنة وأهل النار، ٨/ ١٦٠، رقم ٧٣١٢.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ( ) [مريم: ١٦]،٤/١٦٧، رقم ٣٤٤٣.

45 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/١١.

46 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي،٢/٤٨.

47 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٥٩٢.

48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلًا)، ٤/١٤١، رقم ٣٣٥٧، ومسلم في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، ٧/٩٨، رقم ٦٢٢١.

49 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢١/٦٣، الوجيز، الواحدي،ص٩١٢، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٦/٣٤٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٢٤.

50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (ذرية من حملنا مع نوح) ، ٦/٨٤، رقم ٤٧١٢.

51 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٥/ ٢٤٥، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، ٤/٢٨١، رقم ٤٩٢١.

وصححه الألباني، صحيح الجامع ٢/١٢٠٤.

52 انظر: مراح لبيد، عمر الجاوي، ٢/٣٠٤.

53 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٧/٢٠٢.

54 انظر: المصدر السابق ٨/٢١٦.

55 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/٧٤.

56 انظر: تفسير المراغي، ٢٣/٧١.

57 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٩٤.

58 انظر: الكشاف، الزمخشري،٢/٤٣.

59 انظر: جامع البيان، الطبري،١١/٤٨٨.

60 انظر: جامع البيان، الطبري،٥/٣٥، تفسير القرآن،أبو المظفر السمعاني،١/ ٢٦.

61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب...، ٤/١٤٢، رقم ٣٣٦٤.

62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، ٤/١٤٤، رقم ٣٣٦٤.

63 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٣٧٩، رقم ١٧١٥٠.

وصححه الألباني، في تعليقه على مشكاة المصابيح، ٣/١٦٠٤، رقم ٥٧٥٩.

64 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ٥/٢٠٤، رقم ٩٥٢٤، وأصله في مسلم بلفظ: خذوا مناسككم.

65 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٤/٣٤٢، رقم ٢٠٧٣٩.

وصححه الألباني، في السلسلة الضعيفة،١/٦٢ في كلامه عن الرقم٥.

66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله: (واتخذ الله إبراهيم خليلًا)، ٤/١٤٠، رقم ٣٣٥٣.

67 انظر: إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/٣٥٥.

68 انظر: المصدر السابق.

69 انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٤/٣٣١، التحرير والتنوير، ابن عاشور٢٣/١٤٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٠٦.

70 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢١/٧٩، زاد المسير، ابن الجوزي،٣/ ٥٤٩.

71 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢/٥٢.

72 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢/٥٠٤.

73 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٤٦.

74 انظر: الاستقامة، ابن تيمية ٢/٢٦١.