عناصر الموضوع

التعريف بآدم عليه السلام

ذكر آدم عليه السلام في القرآن الكريم

فضائل آدم عليه السلام

خلق آدم والحكمة منه

آدم والملائكة

آدم والجنة

آدم وإبليس

توبة آدم

آدم وزوجه

ذرية آدم

موت آدم عليه السلام

الدروس المستفادة من قصة آدم

آدم عليه السلام

التعريف بآدم عليه السلام

أولًا: آدم لغةً:

(أدم) الهمزة والدال والميم أصلٌ واحدٌ، وهو الموافقة والملاءمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأة: (اذهب فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)1.

قال الكسائي: يؤدم يعني أن يكون بينهما المحبة والاتفاق، وقيل: إنه الإدام أي: الطعام، يقال: طعامٌ مأدومٌ، وقيل: الأسوة، أدمة أهلي، أي: أسوتهم، والأدمة: الوسيلة.

والأدمة أحسن ملاءمةً للحم من البشرة، ولذلك سمي آدم عليه السلام؛ لأنه أخذ من أدمة الأرض.

والعرب تقول مؤدمٌ مبشرٌ، أي: قد جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، فأما اللون الآدم؛ فلأنه الأغلب على بني آدم، وناسٌ تقول: أديم الأرض وأدمتها وجهها، وأدم أدما وأدمة اشتدت سمرته فهو آدم وهي أدماء وجمعها أدم، والآدمي: هو الإنسان نسبة إلى آدم أبو البشر2.

ويقول أبو حيان: «آدم: اسمٌ أعجميٌ كآزر وعابر، ممنوع الصرف للعلمية والعجمة، ومن زعم أنه أفعل مشتقٌ من الأدمة، وهي كالسمرة، أو من أديم الأرض، وهو وجهها، فغير صوابٍ؛ لأن الاشتقاق من الألفاظ العربية قد نص التصريفيون على أنه لا يكون في الأسماء الأعجمية، وقيل: هو عبريٌ من الإدام، وهو التراب»3.

ورد محمود أبو سعدة على هذا الادعاء بقوله: «إن اليهود يدعون أنه علم عبري، ليس له جذر في العبرية إلا (أدم) أي احمر أي المجبول من الحمراء وهو الدال على تربة الأرض عند العبرانيين، وهذا لا يصح بالطبع، وإنما الصحيح هو أن العبرية لم تشتق (أدما) من الجذر العبري (أدم)، وإنما نقلتها نقلًا عن العربية (الأدمة)، اسمًا جامدًا لا اشتقاق له عندها، أما آدم العربي فهو غزير المعاني، من معانيه الامتزاج والخلط»4.

ويقول القرطبي في تفسيره: «قيل: هو مشتقٌ من أدمة الأرض وأديمها وهو وجهها، فسمي بما خلق منه، قاله ابن عباسٍ، وقيل: إنه مشتقٌ من الأدمة وهي السمرة. واختلفوا في الأدمة، فزعم الضحاك أنها السمرة، وزعم النضر أنها البياض، وعلى هذا الاشتقاق جمعه أدمٌ وأوادم، كحمرٍ وأحامر، ولا ينصرف بوجهٍ، وعلى أنه مشتقٌ من الأدمة جمعه آدمون، ويلزم قائلو هذه المقالة صرفه، قلت: الصحيح أنه مشتقٌ من أديم الأرض، قال سعيد بن جبيرٍ: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، ذكره ابن سعدٍ في الطبقات»5، وما ذهب إليه القرطبي هو ما تطمئن له النفس.

ثانيًا: التعريف بآدم عليه السلام:

هو أول مخلوق من البشر، خلقه الله بيده، وخلق حواء من ضلعه الأيسر، وسمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض6.

كنيته: أبو البشر، وقيل: أبو محمدٍ، كني بمحمدٍ خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم، قاله السهيلي، وقيل: كنيته في الجنة أبو محمدٍ، وفي الأرض أبو البشر7.

أجمع أهل الأثر أن آدم عليه السلام خلق يوم الجمعة، وكساه الله لباسًا من ظفره، وأسجد له ملائكته 8.

ثالثًا: صفة آدم عليه السلام:

مما ذكر من صفات آدم عليه السلام: أن طوله ستون ذراعًا في السماء، وعرضه سبعة أذرع، وذلك ما ورد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يدخل أهل الجنة الجنة جردًا، مردًا، بيضًا جعادًا، مكحلين، أبناء ثلاثٍ وثلاثين، على خلق آدم، طوله ستون ذراعًا في عرض سبعة أذرعٍ)9.

وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان طول آدم ستين ذراعًا في سبعة أذرع عرضًا، وفي رواية: فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) 10.

وكان عليه السلام وافر الشعر، فعن أبي بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أباكم آدم كان طوالًا، كان كالنخلة السحوق، ستين ذراعًا كثير الشعر موارى العورة، فلما أصاب الخطيئة في الجنة خرج منها هاربًا، فلقيته شجرةٌ فأخذت بناصيته فحبسته، فناداه ربه تعالى: أفرارًا مني يا آدم؟ قال: لا بل حياءً منك بما جنيت، فأهبط آدم إلى الأرض، فلما حضرته الوفاة بعث الله عز وجل إليه من الجنة مع الملائكة بكفنه وحنوطه، فلما رأتهم حواء ذهبت لتدخل دونهم، فقال: خلي بيني وبين رسل ربي، ما أصابني الذي أصابني إلا فيك، ولا لقيت الذي لقيت إلا منك. فلما توفي غسلوه بالماء والسدر، وترًا وكفنوه في وترٍ من الثياب، ثم لحدوه ودفنوه، وقالوا: هذه سنة ولد آدم من بعده) 11.

رابعًا: عمر سيدنا آدم عليه السلام:

ورد أنه عليه السلام عاش ألف سنة إلا أربعين عامًا، فقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول من جحد آدم عليه السلام، إن الله عز وجل لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلًا يزهر12، فقال: أي رب، من هذا؟، قال: هذا ابنك داود، قال: أي رب، كم عمره؟، قال: ستون عامًا، قال: رب زد في عمره، قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام، فزاده أربعين عامًا، فكتب الله عز وجل عليه بذلك كتابًا، وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضرآدم وأتته الملائكة لتقبضه، قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عامًا، فقيل: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما فعلت! وأبرز الله عز وجل عليه الكتاب، وشهدت عليه الملائكة)13.

ذكر آدم عليه السلام في القرآن الكريم

ورد ذكر آدم عليه السلام في القرآن الكريم (٢٥) مرة، في (٩) سور.

وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:

السورة

الآيات

البقرة

٣١-٣٧

الأعراف

١١-٢٥

طه

١١٥-١٢٣

فضائل آدم عليه السلام

كرم الله عز وجل سيدنا آدم عليه السلام تكريمًا عظيمًا، ويظهر هذا التكريم في النقاط الآتية:

١. خلقه الله بيده.

فقال تعالى: ( ) [ص: ٧٥].

٢. نفخ فيه من روحه.

فقال تعالى: ( ) [الحجر: ٢٩].

٣. فضله على الملائكة، فأسجدهم له.

قال تعالى: ( ) [الحجر: ٢٩].

٤. شرفه بالعلم.

فقال تعالى: ( ) [البقرة: ٣١].

٥. شرفه بتعليم الملائكة، فجعله معلمًا لهم.

فقال تعالى: ( ) [البقرة: ٣٣].

وروى البخاري ومسلمٌ عن أنس بن مالكٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء) 14.

يقول ابن كثير: «فهذه أربع تشريفاتٍ: خلقه له بيده الكريمة، ونفخه فيه من روحه، وأمره الملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء. ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا: أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء» 15.

والتشريفة الخامسة وهي أنه سبحانه وتعالى جعله معلمًا للملائكة.

ومما ينبغي الإشارة إليه: أنه عليه السلام نبي مكلم من أنبياء الله تعالى، وذلك فيما رواه ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم أنبي هو؟ قال: ( نعم نبي مكلم)16.

خلق آدم والحكمة منه

يقول الله تعالى: ( ﭙﭚ ﭧﭨ ) [البقرة: ٣٠].

ويقول أيضًا: ( ) [الحجر: ٢٨].

ويقول أيضًا: ( ) [ص: ٧١].

إن قصة خلق آدم أخذت في كتاب الله طابعًا مميزًا، اختلف عن بقية القصص القرآني؛ ذلك لأنها لم تتكلم عن نبي فحسب، بل تتكلم عن بدء الخليقة بأسرها، تتكلم عن أبي البشر آدم عليه السلام، الذي نحن جميعًا ذرية له، فناسب المقام أن يأتي الخطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بكاف الخطاب المتصلة بصفة الربوبية لله تعالى، ذلك أن هذا النبي الكريم هو أكرم خلق الله على الله، والذي هو من ذرية آدم عليه السلام.

وفي ذلك يقول أبو حيان رحمه الله: «تنبيهٌ على شرفه واختصاصه بخطابه، وهزٌ لاستماع ما يذكر بعد ذلك من غريب افتتاح هذا الجنس الإنساني، وهذا تنويعٌ في الخطاب، وخروجٌ من الخطاب العام إلى الخطاب الخاص، وفي ذلك أيضًا إشارةٌ لطيفةٌ إلى أن المقبل عليه بالخطاب له الحظ الأعظم والقسم الأوفر من الجملة المخبر بها، إذ هو في الحقيقة أعظم خلفائه، ألا ترى إلى عموم رسالته ودعائه، وجعل أفضل أنبيائه أَمَ بهم ليلة إسرائه، وجعل آدم فمن دونه يوم القيامة تحت لوائه، فهو المقدم في أرضه وسمائه، وفي داري تكليفه وجزائه»17.

يقول الإمام محمد رشيد رضا: «وقد قص الله علينا في هذه الآيات خبر النشأة الإنسانية، ومثل لنا المعاني في صورٍ محسوسةٍ، وأبرز لنا الحكم والأسرار بأسلوب المناظرة والحوار، كما هي سنته في مخاطبة الخلق وبيان الحق؛ لأنها بحسب قانون التخاطب: إما استشارةٌ وذلك محالٌ على الله تعالى، وإما إخبارٌ منه سبحانه للملائكة واعتراضٌ منهم ومحاجةٌ وجدالٌ، وذلك لا يليق بالله تعالى أيضًا، ولا بملائكته، ولا يجامع ما جاء به الدين من وصف الملائكة ككونهم: ( )[التحريم: ٦]»18.

أولًا: إعلام الملائكة بخلق آدم:

يقول الله تعالى: ( ﭕ ﭖ ﭙﭚ ﭧﭨ ) [البقرة: ٣٠].

يخبر الله عز وجل ملائكته الكرام بحدث في ملكوت الله عظيم ألا وهو: ( ).

ولعل هناك حكمة عظيمة في هذا الإخبار؛ ذلك أن الله سبحانه لا يُسْأل عما يفعل، وليس لملك ولا لمخلوق أن يسأل؛ ولكن الله عز وجل هو الذي باشر بالإخبار، فردت الملائكة ردًا في ظاهره اعتراض، وليس لها أن تعترض، وهي التي وصفها ربها فقال: ( )، فكانت الإجابة الفصل من الله عز وجل: ( ) فكان الاستسلام والإذعان من الملائكة لله ربها سبحانه وتعالى، فقالت: ( ﮇﮈ ﮋﮌ) [البقرة: ٣٢].

الحكمة من إخبار الله للملائكة بخلق آدم:

تكلم المفسرون في الحكمة أقوالًا عديدة، تتآلف فيما بينها لتتناسب مع عظمة الله وعصمة الأنبياء، فيرى البيضاوي أنه: «تعليم المشاورة، وتعظيم شأن المجعول، بأن بشر عز وجل بوجود سكان ملكوته، ولقبه بالخليفة قبل خلقه، وإظهار فضله الراجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم، وجوابه وبيان أن الحكمة تقتضي إيجاد ما يغلب خيره، فإن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير إلى غير ذلك»19.

أما الزمخشري فيقول: «ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم، وقيل: ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم، وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيًا عن المشاورة»20.

فنقول: إن الله أعلمها قبل الخلق حتى لا تعترض بعد خلقه فتهلك، وحتى يعلم خلقه المشاورة وهم محتاجون إليها، وحتى يستخرج ما عندهم فيجيبهم عليه فيعرفهم حكمته في الخلق، ومن ثم يؤدبهم بالأدب الذي يريد سبحانه.

ردة فعل الملائكة من إخبار الله لهم بخلق آدم عليه السلام:

لما أخبر الله ملائكته بالخلق قالت الملائكة: ( ﭥﭦﭧ) [البقرة: ٣٠].

«فظاهر الآية أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض؛ لكونهم مظنةً للإفساد فيها»21.

وقيل: تعجبٌ من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية، وهو الحكيم الذي لا يفعل إلا الخير، ولا يريد إلا الخير22.

وقيل: إنه ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم ( ) [الأنبياء: ٢٧].

وإنما هو سؤال استعلامٍ واستكشافٍ عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم ( ) في الأرض (ﭡﭢ)، فإن كان المراد عبادتك، فنحن ( ﭥﭦﭧ)، ولا يصدر منا شيءٌ من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟

قال الله تعالى مجيبًا لهم عن هذا السؤال: ( ﭫﭬﭭﭮ) من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها، (ﭬﭭﭮ) أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم23.

وتعجب الملائكة إما من استخلاف الله من يعصيه، أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعًا، الاستخلاف، والعصيان.

وقيل: على جهة الاستفهام المحض، هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا؟ وقال آخرون: على جهة الاسترشاد والاستعلام، هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به قبل أو غيره؟24.

فاحتمل استفهام الملائكة عدة وجوه: إما الاستفهام المحض لعلمهم المسبق بطبيعة هذا الخليفة، أو التعجب من العصيان، أو التعجب من استخلاف العاصي، أو أنه أفاد الاستعلام والاسترشاد.

وفي قوله تعالى: ( ) فهو على جهة الاستفهام، كأنهم أرادوا ( ﭤﭥ)الآية، أم نتغير عن هذه الحال؟ أو من التمدح ووصف حالهم، أو الاسترشاد والاستعلام هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به قبل أو غيره؟ أو من التعجب والاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه، وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى: ( )25.

هل تعلم الملائكة الغيب؟ من أين عرفوا أن الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء حين تعجبوا منه وإنما هو غيب؟ فيكون ذلك أيضًا من وجوه:

  1. طور التخليق.
  2. طور التصوير.
  3. طور نفخ الروح 29.

    الطور الأول: طور التخليق:

    ويتضمن أربع مراحل رئيسة، هي:

    المرحلة الأولى: التراب.

    يعد التراب المرحلة الأولى والبداية الحقيقية لخلق الإنسان الأول، أي: آدم عليه السلام.

    قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [آل عمران: ٥٩].

    فهذه الآية صريحة في أن آدم عليه السلام خلق من تراب، فالهاء في قوله: () تعود على آدم عليه السلام.

    وقد أشار القرآن الكريم في آياتٍ أخرى منه إلى خلق آدم من ترابٍ: فقال تعالى: ( ﭿ ) [الروم: ٢٠].

    وقال جل شأنه: ( ﯿ ﰃﰄ ) [فاطر: ١١].

    المرحلة الثانية: من طينٍ.

    وهذه هي المرحلة الثانية التي يصير فيها التراب طينًا.

    قال تعالى: ( ) [ص: ٧١].

    وقال سبحانه: ( ﮨﮩ ) [السجدة: ٧].

    والطين ناتج عن خلط التراب بالماء، والماء يمثل عنصرًا أساسيًا في كافة الكائنات الحية، وذلك تصديقًا لقوله تعالى: ( ) [النور: ٤٥].

    وقوله سبحانه: ( ) [الأنبياء: ٣٠].

    ويلاحظ أن هذا الطين بالنسبة للإنسان الأول، وهو آدم عليه السلام، كان: طينًا لازبًا. يصور ذلك قوله سبحانه: (ﮋﮌ ﮑﮒ ) [الصافات: ١١].

    واللازب: هو الثابت شديد الثبوت30.

    المرحلة الثالثة: خلقه من حمأ مسنونٍ.

    بعد ذلك يتغير الطين اللازب إلى أن يصير طينًا متغير الرائحة أسود، وهو ما سماه القرآن الكريم بالحمأ المسنون، قال تعالى: ( ) [الحجر: ٢٦].

    وقال سبحانه: ( ) [الحجر: ٢٨]. فالحمأ: جمع حمأة، وهو الطين الأسود المتغير 31، والمسنون: قيل: إنه المصور من سنة الوجه، وهي صورته. وقيل: المسنون المنتن المتغير، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير32. والمعنى متقارب، فإن هذا الطين المنتن المتغير الأسود حين تماسك صوره الله تلك الصورة الإنسانية.

    المرحلة الرابعة: خلقه من صلصالٍ كالفخار.

    والمراحل السابقة مجتمعة أدت إلى مرحلة الصلصال هذه.

    قال تعالى: ( ﯔﯕ) [الرحمن: ١٤].

    والصلصال:الطين اليابس الذي تسمع له صلصلة، أي: صوتٌ إذا قرع بشيء33.

    وهذا الصلصال يشبه الفخار إلا أنه ليس فخارًا؛ لأن الفخار مطبوخ بالنار بخلاف الصلصال، فهو طين يابس غير مطبوخ بالنار.

    هذا هو الطور الأول- طور التخليق- بمراحله الأربعة السابق ذكرها، وفي هذه المراحل رد على بعض الشبهات التي أثيرت حول القرآن الكريم في إخباره عن خلق آدم بألفاظ مختلفة، فتعبر الآيات القرآنية الكريمة عن تكامل هذه المراحل دونما أية شبهة للتعارض أو التناقض، حيث بدأت بالتراب الذي أضيف إليه الماء فصار طينًا، ترك الطين قليلًا فأصبح طينًا لازبًا، ثم تحول هذا الطين إلى حمأ مسنون، فلما يبس هذا الطين سمي صلصالًا.

    الطور الثاني: طور التصوير.

    يقول الله عز وجل: ( ) [الأعراف: ١١]. ويلاحظ من خلال هذه الآية الكريمة أن مرحلة التصوير ثانية بعد الخلق، حيث عطفت جملة صورناكم بحرف (ثم) الدالة على تراخي رتبة التصوير عن رتبة الخلق34، فبعد أن خلقه الله من الطين، صوره وسواه وجعله ثمثالًا مجسمًا على صورة الإنسان، وهذا قبل أن ينفخ فيه الروح.

    الطور الثالث: طور نفخ الروح.

    بعد أن سوى الله عز وجل الإنسان الأول وصوره، وهو آدم عليه السلام أراد أن يبث فيه الحياة، نفخ فيه من روحه، فصار بشرًا حيًا.

    قال تعالى: ( ) [الحجر:٢٨-٢٩].

    وقال سبحانه: ( ) [ص: ٧١ - ٧٢].

    والنفخ: إجراء الريح في الشيء. والروح: جسمٌ لطيفٌ، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم. وحقيقة الإضافة (روحي) إضافة خلقٍ إلى خالق؛ فالروح خلقٌ من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا، كقوله: أرضي، وسمائي، وبيتي، وناقة الله، وشهر الله. ومثله: ( ) [النساء: ١٧١] 35.

    وإنما سمى إجراء الروح فيه نفخًا؛ لأنها جرت في بدنه مثل جري الريح فيه 36.

    [انظر: الإنسان: خلق الإنسان]

    ثالثًا: تعليم آدم الأسماء كلها:

    إن هذا التعليم بمثابة محطة مميزة في حياة آدم عليه السلام؛ إذ أكرمه الله بالسر الإلهي العظيم الذي أودعه فيه وهو يسلمه مقاليد الخلافة. سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات، وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض، ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات، والمشقة في التفاهم والتعامل، حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه37.

    () معناه: عرف. وتعليمه هنا: إلهام علمه ضرورةً. ويحتمل أن يكون بواسطة ملكٍ وهو: جبريل عليه السلام، وقرئ: (وعلم) غير مسمى الفاعل. والأول أظهر38.

    والابتداء بحكاية التعليم يدل بظاهره على أن ما مر من المقالة المحكية إنما جرت بعد خلقه عليه السلام بمحضرٍ منه، وهو الأنسب بوقوف الملائكة على أحواله عليه السلام بأن قيل إثر نفخ الروح فيه ( )إياه () فقيل: ما قيل39.

    والأسماء واحدها اسم، وهو: ما به يعلم الشيء، والمراد به: أسماء المسميات، فحذف المضاف إليه؛ لكونه معلومًا مدلولًا عليه بذكر الأسماء؛ لأن الاسم لابد له من مسمى، ثم عرضهم، أي: عرض المسميات، وفيه تغليب العقلاء.

    الأسماء التي علمها الله عز وجل آدم عليه السلام:

    أكثر المفسرون من سرد الأقوال المختلفة في هذه الأسماء ومن ذلك:

    قيل: كل شيء حتى القصعة والقصيعة.

    وقيل: خلق الله كل شيء من الحيوان والجماد وغير ذلك، ( ) فقال: يا آدم هذا بعير وهذا فرس وهذه شاة حتى أتى على آخرها40.

    وقيل: أسماء الملائكة وأسماء ذريته.

    وقيل: علمه اللغات كلها ( ) يعني: تلك الأشخاص41.

    قال ابن عباس: «هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس، إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها»42.

    وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنسٍ: أسماء الملائكة. وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيءٍ، قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات، ثم تكلم كل واحدٍ من أولاده بلغةٍ، فتفرقوا في البلاد، واختص كل فرقةٍ منهم بلغةٍ43.

    وعن ابن عباس قال: «علم الله آدم أسماء الخلق، والقرى والمدن والجبال، والسباع، وأسماء الطير، والشجر، وأسماء ما كان وما يكون، وكل نسمة الله عز وجل بارئها إلى يوم القيامة، وعرض تلك الأسماء على الملائكة»44.

    وذكر البخاري عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء) وذكر تمام الحديث45.

    والأولى بتأويل الآية: أن تكون الأسماء التي علمها آدم أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة وإن كان غيره جائزًا؛ لاتساع الكلمة (الأسماء كلها)، إضافة إلى أنه دل على المسميات بضمير جمع الذكور العقلاء فقال: ()ولم يقل عرضها؛ لأن في جملة هذه المسميات أنواعًا من العقلاء: كالملائكة، والإنس46.

    وقال ابن عطاءٍ: «لو لم يكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة في الإخبار عنها، وهذا واضحٌ»47.

    ويحتمل أن يكون التعليم بواسطة ملكٍ وهو: جبريل عليه السلام، أو بتكليم قبل هبوطه الأرض، فلا يشارك موسى عليه السلام في خاصته.

    رابعًا: أول من تكلم اللغة العربية:

    قيل: أول من نطق بالعربية جبريل، ويرد عليه بأن جبريل أول من نطق بالعربية من الملائكة.

    وقيل: إن اسماعيل هو أول من نطق بها، ويرد على ذلك بأنه أول من نطق بها من ولد ابراهيم.

    وقيل: يعرب بن قحطان.

    والصحيح أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام، والقرآن يشهد له، فقال الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣١].

    واللغات كلها أسماءٌ فهي داخلةٌ تحته، وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولًا على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكرنا والله أعلم، وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة، وألقاها على لسان نوحٍ بعد أن علمها الله آدم أو جبريل48.

    خامسًا: الحكمة من خلق آدم وذريته:

    يقول الله تعالى: ( )[البقرة: ٢٩].

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح؛ فإن حواء خلقت من ضلع آدم، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم، وخلق آدم أعجب من هذا وهذا، وهو أصل خلق حواء»49.

    ويمكن استنباط الحكمة من ذلك: إن الله تعالى خلقه من التراب والطين لإظهار عظيم قدرته، «والمقصود من ذكر هذه الأشياء: التنبيه على عجيب صنع الله تعالى؛ إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعًا هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة»50.

    إن الله خلق هذا الإنسان لأمر عظيم، خلقه ليكون مستخلفًا في الأرض، مالكًا لما فيها، ودوره في الأرض إذن وفي أحداثها وتطوراتها هو الدور، وليس تابعًا للتطورات التي تحدثها الآلة في علاقات البشر وأوضاعهم كما يدعي أنصار المادية المطموسون، وكل قيمة من القيم المادية لا يجوز أن تطغى على قيمة الإنسان، فكرامة الإنسان أولًا، والنعمة التي يمتن الله بها على الناس هنا ليست مجرد الإنعام عليهم بما في الأرض جميعًا، ولكنها -إلى ذلك- سيادتهم على ما في الأرض جميعًا، هي نعمة الاستخلاف والتكريم فوق نعمة الملك والانتفاع العظيم، فيقرر أن الله خلق كل ما فيها لهم، فهنا في هذا الجو تجيء قصة استخلاف آدم في الأرض، ومنحه51.

    يقول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٠].

    «وإذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود، زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتسخير له كل شيء في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه، فهناك وحدة أو تناسق بين النواميس التي تحكم الأرض، والنواميس التي تحكم هذا المخلوق وقواه وطاقاته؛ كي لا يقع التصادم بين هذه النواميس، وهو التكريم الذي شاءه له خالقه الكريم.

    ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم من شواهد الحال، أو من تجارب سابقة في الأرض، أو من إلهام البصيرة، ما يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق، ثم هم بفطرتهم البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق، يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له، هو وحده الغاية المطلقة للوجود، وهو وحده العلة الأولى للخلق، وهو متحقق بوجودهم هم، يسبحون بحمد الله ويقدسون له»52.

آدم والملائكة

  1. أخبر الله عز وجل الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة، فأجابت بقولها لله سبحانه وتعالى: ( ) [البقرة: ٣٠].

    تعجب الملائكة من استخلاف الله من يعصيه، أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك، أو كان ذلك على طريق الاستعظام للاستخلاف، والعصيان معًا. أو على جهة الاستفهام المحض، هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا؟ أو على جهة الاسترشاد والاستعلام؟ هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به قبل أو غيره؟53 كما مر في إعلام الملائكة بخلق آدم من الكلام السابق.

    فأجابهم الله تعالى: ( ) من المصلحة في استخلافه مما هو خفي عنكم، وأعلم كيف تصلح الأرض، وكيف تعمر، ومن هو أصلح لعمارتها، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها54.

    أولًا: تعليم آدم الملائكة أسماء الأشياء:

    يقول الله تعالى: ( ﮑﮒ )[البقرة: ٣٣].

    عقد الرب سبحانه وتعالى امتحانًا للملائكة؛ لإظهار عجزهم، وإبطال زعمهم أنهم أحق بالخلافة من خليفته، بعد أن علم آدم أسماء الأشياء والأجناس المادية من نبات وجماد وإنسان وحيوان، مما تعمر به الدنيا، ثم عرض مجموعة المسميات على الملائكة، وقال لهم: أخبروني بأسماء هؤلاء، إن كنتم صادقين في ادعائكم أنكم أحق بالخلافة من غيركم، فعجزوا، وقالوا: يا رب ( ﮇﮈ ) بكل شيء، () في كل صنع55.

    يقول الإمام الطبري: «إن الله جل ثناؤه عرف ملائكته -الذين سألوه أن يجعلهم الخلفاء في الأرض- أنهم من الجهل بمواقع تدبيره ومحل قضائه، قبل إطلاعه إياهم عليه، على نحو جهلهم بأسماء الذين عرضهم عليهم، إذ كان ذلك مما لم يعلمهم فيعلموه، كما علم آدم أسماء ما عرض على الملائكة، ومنعهم علمها إلا بعد تعليمه إياهم.

    ( ) يقول: فلما أخبر آدم الملائكة بأسماء الذين عرضهم عليهم، فلم يعرفوا أسماءهم، وأيقنوا خطأ قيلهم: ( )، قال لهم ربهم: ( ) والغيب: هو ما غاب عن أبصارهم فلم يعاينوه»56.

    والأمر (): تعجيز؛ لأن المأمور يعلم أن الآمر عالمٌ بذلك ( ) في أنكم أفضل من هذا المخلوق إن كان قولهم: ( ) إلخ تعريضًا بأنهم أحقاء بذلك، أو ( )في عدم جدارة آدم بالخلافة، قولهم: ( )[البقرة: ٣٠].

    للتفويض أو الإعلان للسامعين من أهل الملأ الأعلى بالبراءة من شائبة الاعتراض، وإذا انتفى الإنباء انتفى كونهم صادقين في إنكارهم خلافة آدم57.

    ثم قال المولى جل جلاله: أخبرهم يا آدم بأسماء الأشياء التي عجزوا عن علمها، فلما أخبرهم بكل أسماء تلك الأشياء، أدركوا السر في خلافة آدم وذريته، وأنهم لا يصلحون للاشتغال بالماديات، والدنيا لا تقوم إلا بها، إذ هم خلقوا من النور، وآدم خلق من الطين، والمادة جزء منه.

    وحينئذ قال تعالى للملائكة: ( ) ما غاب في ( ) عنكم، وما حضر أيضًا، ولا أجعل الخليفة في الأرض عبثًا، وأعلم ما تظهرون وما تكتمون من نحو قولكم فيما روي عن ابن عباس: لن يخلق الله خلقًا أكرم عليه منا، فنحن أحق بالخلافة في الأرض58.

    ويقول ابن عباس في قوله: ()-مع علمي ( )- ما تظهرون بألسنتكم، وما كنتم تخفونه في أنفسكم، فلا يخفى علي شيء، سواءٌ عندي سرائركم وعلانيتكم، والذي أظهروه بألسنتهم ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه، وهو قولهم: ( ) والذي كانوا يكتمونه: عن ابن عباس وابن مسعود: المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والكفر، والتكبر عن طاعته، أو كتمان الملائكة بينهم لن يخلق الله خلقًا إلا كنا أكرم عليه منه59.

    قالوا -يعني الملائكة-: () تنزيهًا لك، وذلك لما ظهر عجزهم ( ) أي: إنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا ( ) أي: بخلقك وهو من أسماء الصفات التامة وهو المحيط بكل المعلومات () أي: في أمرك، القاضي العدل والمحكم للأمر؛ كيلا يتطرق إليه الفساد60، وفي هذا اعتراف من الملائكة بقصور علمهم واعتذار لله عز وجل.

    ثانيًا: أيهما أفضل بنو آدم أم الملائكة؟

    اختلف العلماء في أيهما أفضل الملائكة أم بنو آدم؟ على قولين: فذهب قومٌ إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، وأكثر أهل السنة على ذلك، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة61.

    وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى أفضل، واحتج من فضل الملائكة بأنهم ( ﭪﭫ ) [الأنبياء: ٢٦- ٢٧].

    ( ) [التحريم: ٦].

    واحتج من فضل بني آدم بقوله تعالى: ( )[البينة: ٧].

    بالهمز، من برأ الله الخلق، وقوله عليه السلام: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم)62.

    وبما جاء في أحاديث من أن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة، ولا يباهي إلا بالأفضل.

    وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خيرٌ منهم؛ لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة، وليس ها هنا شيء من ذلك63.

    ثالثًا: سجود الملائكة لآدم:

    والسجود معناه في كلام العرب: التذلل والخضوع، وغايته وضع الوجه على الأرض، سجد إذا تطامن، وكل ما سجد فقد ذل، والإسجاد: إدامة النظر. وسجد إذا طأطأ رأسه64.

    ويكون السجود تعظيمًا وتقربًا إلى من سجد له، وهذا سجود عبادة ولا يكون إلا لله وحده في جميع الشرائع.

    ويكون سجود تحية وتكريم، وهذا ما أمر الله به الملائكة لآدم فسجدوا له تكريمًا، وهو منهم عبادة لله سبحانه بطاعتهم له إذ أمرهم بالسجود.

    يقول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٤].

    ويقول أيضًا: ( ) [الأعراف: ١١].

    ويقول أيضًا: ( ) [الكهف: ٥٠].

    ويقول أيضًا: ( ) [طه: ١١٦].

    ويقول أيضًا: ( )[ص: ٧٢- ٧٣].

    إنه التكريم في أعلى صوره لهذا المخلوق الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء لقدرته على تحكيم إرادته في شق طريقه، واضطلاعه بأمانة الهداية إلى الله، ولقد سجد الملائكة امتثالًا للأمر العلوي الجليل65.

    يقول ابن عاشور في تفسير قول الله تعالى: ( )[البقرة: ٣٤].

    «عطفٌ على جملة ( ) [البقرة: ٣٠] عطف القصة على القصة، وإعادة () بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه تنبيهٌ على أن الجملة مقصودةٌ بذاتها؛ لأنها متميزةٌ بهذه القصة العجيبة فجاءت على أسلوبٍ يؤذن بالاستقلال والاهتمام، ولأجل هذه المراعاة لم يؤت بهذه القصة معطوفةً بفاء التفريع فيقول: ( ) وإن كان مضمونها في الواقع متفرعًا على مضمون التي قبلها فإن أمرهم بالسجود لآدم ما كان إلا لأجل ظهور مزيته عليهم؛ إذ علم ما لم يعلموه... وإظهار لفظ الملائكة ولفظ آدم هنا دون الإتيان بضميريهما كما في قوله: ( )[البقرة: ٣٢].

    وقوله: ( )[البقرة: ٣٣].

    لتكون القصة المعطوفة معنونةً بمثل عنوان القصة المعطوف عليها، إشارةً إلى جدارة المعطوفة بأن تكون قصة مقصورة غير مندمجةٍ في القصة التي قبلها. وأسنده إلى ضمير العظمة ( ) وأتى به في الآية السابقة مسندًا إلى رب النبيء ( ) [البقرة: ٣٠] للتفنن، ولأن القول هنا تضمن أمرًا بفعلٍ فيه غضاضةٌ على المأمورين فناسبه إظهار عظمة الآمر، وأما القول السابق بمجرد إعلامٍ من الله بمراده ليظهر رأيهم، ولقصد اقتران الاستشارة بمبدأ تكوين الذات الأولى من نوع الإنسان المحتاج إلى التشاور، فناسبه الإسناد إلى الموصوف بالربوبية المؤذنة بتدبير شأن المربوبين. وأضيف إلى ضمير أشرف المربوبين وهو النبيء صلى الله عليه وسلم كما تقدم في: (إعلام الله الملائكة بخلق آدم)»66.

    ويقول الإمام الطبري: «خطابٌ من الله جل ثناؤه لخاصٍ من الملائكة دون الجميع، وأن الله إنما خصهم بقيل ذلك امتحانًا منه لهم وابتلاءً؛ ليعرفهم قصور علمهم وفضل كثير ممن هو أضعف خلقًا منهم من خلقه عليهم، وأن كرامته لا تنال بقوى الأبدان وشدة الأجسام، كما ظنه إبليس عدو الله»67.

    طبيعة سجود الملائكة لآدم عليه السلام:

    القول الراجح في المراد بالسجود: هو أن السجدة كانت لآدم عليه السلام تعظيمًا له وتحيةً له كالسلام منهم عليه، وهو وضع الجبهة على الأرض، وقد كانت الأمم السالفة تفعل ذلك كما يحيي المسلمون بعضهم بعضًا بالسلام، وقال قتادة في قوله: ( ) [يوسف: ١٠٠].

    كانت تحية الناس يومئذٍ سجود بعضهم لبعضٍ، لكنه محرم في شريعتنا.

    ووقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الأسماء أم بعده؟

    ظاهر السياق: أولًا التعليم، ثم الأمر بالسجود، ثم إسكانه الجنة، ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض68.

آدم والجنة

  1. إتمامًا لمجموع النعم التي أكرم الله بها آدم عليه السلام، خلقه الله بيديه، وعلمه الأسماء كلها، وجعله معلمًا للملائكة، وأسجد له الملائكة، أسكنه الجنة، وأباح له الثمرات كلها، عدا شجرة واحدة نهاه عنها، فهل التزم بأمر الله تعالى؟ وهل كان هذا السكن دائمًا في الجنة أم مؤقتًا؟ هذا ما سنراه في السطور القادمة إن شاء الله تعالى، وسنرى ما جرى معه في الجنة بإذن الله تعالى.

    أولًا: السكن في الجنة:

    يقول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٥].

    ويقول أيضًا: ( ) [الأعراف: ١٩].

    تبين الآيات التكريم الإلهي للإنسان، وهو هنا المقام في الجنة في بدء الخليقة، ولكن اقتضت الحكمة الإلهية إقامته في الأرض، وتكليفه القيام برسالة مهمة، هي تعمير الكون، وإظهار مزية الإنسان في مجاهدة الشيطان وأهوائه، وقد سيقت هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما يلاقي من الإنكار؛ ليعلم أن المعصية من شأن البشر، وأنهم إذا كلفوا بشيء بالرغم من تكريمهم غاية الإكرام قد لا يمتثلون69.

    () معناه: لازم الإقامة، ولفظه لفظ الأمر، ومعناه الإذن، و () تأكيد للضمير الذي في ()، () عطف عليه، والزوج امرأة الرجل70، وهذا دليل على أن آدم عليه السلام وزوجه سكنا الجنة.

    الإقامة في الجنة بين الديمومة والتأقيت:

    إن التعبير بلفظ: () يحمل في طياته الخروج، بل فيه تنبيه على الخروج؛ لأن السكنى لا تكون ملكًا، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامةٍ، ذلك أنه لو قال رجلٌ لغيره: أسكنتك داري لا تصير الدار ملكًا له، وله أن يخرجه منه إذا انقضت مدة الإسكان، فههنا لم يقل الله تعالى: وهبت منك الجنة، بل قال: أسكنتك الجنة، وإنما لم يقل ذلك؛ لأنه خلقه لخلافة الأرض، فكان إسكان الجنة كالتقدمة على ذلك71، فهو معنًى عرفيٌ، والواجب الأخذ بالمعنى العرفي إذا لم تثبت في اللفظ حقيقةٌ شرعية72.

    كما أن في حظره تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم؛ لأن المخلد لا يحظر عليه شيء، ولا يؤمر ولا ينهى73، وينبغي أن يعلم أن الله تعالى خلق آدم للأرض؛ بدليل الآية: ( ) ولو لم يعص لخرج على غير تلك الحال74.

    هل الجنة التي دخلها آدم هي جنة الخلد؟

    الجمهور: أن هذه الجنة هي دار الثواب وأنها جنة الخلد، وهو الذي تشهد به ظواهر الآيات والأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه أن الألف واللام في لفظ: ()لا يفيدان العموم؛ لأن سكنى جميع الجنان محالٌ، فلا بد من صرفها إلى المعهود السابق، والجنة التي هي المعهودة المعلومة بين المسلمين هي دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إليها.

    وعلق بعضهم: أن الكل ممكنٌ، والأدلة النقلية ضعيفةٌ ومتعارضةٌ، فوجب التوقف وترك القطع، ولا تعدو أنها ظواهر كثيرةٌ، لكنها تفيد غلبة الظن، وليس لهذه القضية تأثيرٌ في العقيدة، والله أعلم75.

    السكن في الجنة بين التكليف والإباحة:

    اختلفوا في فعل الأمر () أمر تكليفٍ أو إباحةٍ، فعن قتادة أنه قال: إن الله تعالى ابتلى آدم بإسكان الجنة كما ابتلى الملائكة بالسجود؛ وذلك لأنه كلفه بأن يكون في الجنة يأكل منها حيث شاء ونهاه عن شجرةٍ واحدةٍ أن يأكل منها.

    وقال آخرون: إن ذلك إباحةٌ؛ لأن الاستقرار في المواضع الطيبة النزهة وأكل الطيبات لا يدخل تحت التعبد، ولا يكون قوله: ( ) [الأعراف: ١٦٠] أمرًا وتكليفًا، بل إباحةً.

    والأصح أن ذلك الإسكان مشتملٌ على ما هو إباحةٌ، وعلى ما هو تكليفٌ؛ أما الإباحة: فهو أنه -عليه الصلاة والسلام- كان مأذونًا في الانتفاع بجميع نعم الجنة، وأما التكليف: فهو أن المنهي عنه كان حاضرًا، وهو كان ممنوعًا عن تناوله76.

    ثانيًا: النهي عن أكل الشجرة:

    يقول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٥].

    ويقول أيضًا: ( ) [الأعراف: ١٩].

    أباح الله عز وجل لآدم وحواء الجنة بكل ما فيها من الثمرات، فقال عز وجل: ( ) [البقرة: ٣٥].

    وقال: ( ) [الأعراف: ١٩].

    لكنه نهاهما عن شجرة واحدة، فقال لهما: ( ) ولعل الله عز وجل أراد لآدم بهذا المنع أن يتميز عن غيره من المخلوقات المسوقة حيث تبرز الإرادة، إذ لا تظهر الإرادة في حالة الإباحة التامة، فلابد من المنع حتى تظهر هذه الإرادة، كما قال سيد قطب، وقوله تعالى: ( ) معناه: لا تقرباها بأكل؛ لأن الإباحة فيه وقعت، وقال بعض الحذاق: إن الله لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظة تقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب77.

    وربما كانت هذه الشجرة ترمز للمحظور الذي لابد منه في حياة الأرض، فبغير محظور لا يتميز الإنسان المريد من الحيوان المسوق، فالإرادة هي مفرق الطريق، والذين يستمتعون بلا إرادة، هم من عالم البهيمة، ولو بدوا في شكل الآدميين78.

    ما هي الشجرة التي نهى الله آدم عن قربانها؟

    قيل في تعيينها أقوالٌ كثيرة، ليس فيها ما يعضده خبر؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلًا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة، والصواب: أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة -إما: بعينها، أو جنسها-79، فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها80، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها، وذلك علم إن علمه عالم لم ينتفع علمه به، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به، والله أعلم81.

    ثالثًا: خروجه من الجنة:

    لابد أن ننتبه جيدًا حتى لا يقال: إن معصية آدم هي التي أخرجت البشر من الجنة؛ لأن الله تعالى قبل أن يخلق آدم حدد مهمته فقال: ( ) [البقرة: ٣٠].

    فآدم عليه السلام مخلوق للخلافة في الأرض، ومن صلح من ذريته يدخل جنة الخلد في الآخرة، ومن دخل جنة الخلد عاش في النعيم خالدًا82.

    يقول الله تعالى: ( ﯮﯯ ﯴﯵ ) [البقرة: ٣٦].

    ويقول أيضًا: ( ﯡﯢ ﯥﯦ ) [طه: ١٢٣].

    بعد أن أسكن آدم وحواء الجنة أتاهما الشيطان فقال لهما: هل أدلكما على شجرة إن أكلتما منها خلدتما فلم تموتا، وملكتما ملكًا لا ينقضي فيبلى؟ فحلف لهما على أنه ناصح لهما فيما ادعاه من الكذب، فأكلا من الشجرة التي نهيا عنها، وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما، فأقبلا يشدان عليهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما83.

    وفي قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٦]. يعني: أوقعهما في الزلل وحملهما عليه.

    وقرئ: (فَأَزَالَهُمَا الشيطان) أي: نحاهما، وتوجيه قوله: () على القراءة الأولى: عن الوصية، وعن الجنة على القراءة الأخرى84.

    ( ) قال لهما: ( ) وتتجاوز عنا ( ) في العقوبة، فتاب الله عليهما، وأوحى إليهما: أن () من الجنة آدم وحواء وإبليس ( ) يكون إبليس لهما عدو، وهما لإبليس عدو، ( ) إلى منتهى آجالكم وإبليس إلى النفخة الأولى، قال الله: ( ) يعني: في الأرض ( ) عند منتهى آجالكم ( ) يوم القيامة85.

    رابعًا: نتيجة المعصية:

    لما عصى آدم ربه فأكل من الشجرة عاقبه الله بعدة عقوبات، ومنها ما يلي:

    ١. الإخراج من الجنة.

    قيل: () خطابٌ لآدم وحواء، والمراد: هما وذريتهما؛ لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم، والدليل عليه قوله: ( ﯡﯢ ) [طه: ١٢٣].

    ويدل على ذلك قوله: ( ﭪﭫ ) [البقرة: ٣٨- ٣٩ ].

    وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم86.

    ( ﯮﯯ) لحكمة غالية اقتضتها القدرة الإلهية أن يسكن آدم وزوجه الجنة، مع أنه خلق للاستخلاف في الأرض، فلما عصى آدم ربه أخرجه من الجنة، فكان الأمر بالهبوط من الجنة إلى الأرض، وكان في ذلك انحطاط رتبة المأمور، ولذلك لم يؤنسه بالنداء، أو الإقبال عليه بالنداء بخلاف قوله: ( ) والمخاطب بالأمر بالإخراج آدم وحواء، والمراد: هما وذريتهما، أو هؤلاء وإبليس، ويكون الخطاب بلفظ الجمع وإن وقع على التثنية نحو: ( ) [الأنبياء: ٧٨].

    ذكره ابن الأنباري، ورجحه الزمخشري، والدليل عليه قوله: ( ﯡﯢ ) [طه: ١٢٣].

    ويدل على ذلك قوله: ( ) [البقرة: ٣٨] الآية، وما هو إلا حكمٌ يعم الناس كلهم، وفي قول من أدخل إبليس معهما ضعفٌ؛ لأنه كان خرج قبلهما 87.

    ٢. نزع اللباس وكشف العورة.

    ما ذكره جل وعلا في آية طه من ترتب بدو سوءاتهما على أكلهما من تلك الشجرة، كقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٢٢].

    وقد دلت الآية السابقة على أن آدم وحواء كانا في سترٍ من الله يستر به سوءاتهما، وأنهما لما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنهما انكشف ذلك الستر بسبب تلك الزلة، فبدت سوءاتهما، وصارا يحاولان ستر العورة بورق شجر الجنة، كما قال: ( ﯿ ) [الأعراف: ٢٧]، أي: شرعا يلزقان عليهما من ورق الجنة بعضه ببعضٍ ليسترا به عوراتهما.

    أما تعيين اللباس الذي كان عليهما، فهو من الاختلاف الذي لا طائل تحته، ولا دليل على الواقع فيه، وغاية ما دل عليه القرآن: أنهما كان عليهما لباسٌ يسترهما الله به. فلما أكلا من الشجرة نزع عنهما فبدت لهما سوءاتهما88.

آدم وإبليس

  1. قال تعالى: ( ﭗﭘ ) [الأعراف: ١١].

    ذكر الله تعالى قصة آدم عليه السلام مع قصة إبليس في سبع سور: البقرة، والأعراف والحجر، والإسراء، والكهف، وطه، وص89.

    شاء الله عز وجل أن يبتلي إبليس بآدم ويبتلي آدم بإبليس، فلما خلق الله آدم جعل إبليس يطوف بهذا المخلوق، ويقول: لأمر ما خلقت، وبدأ يحرض الملائكة عليه، ويعلن أنه إن أُمِرَ بطاعة هذا المخلوق فلن يطيع، إعلان عن المعصية وإصرار عليها قبل أن يكلفه الله بالأمر.

    أولًا: امتناع إبليس عن السجود لآدم:

    يقول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٤].

    ويقول أيضًا: ( ﭗﭘ ) [الأعراف: ١١- ١٢].

    ويقول أيضًا: ( ) [طه: ١١٦].

    ويقول أيضًا: ( ﯤﯥ ﯯﯰ ) [ص: ٧٣ - ٧٦].

    والإباء: امتناع باختيار، والتكبر: أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك التشبع90.

    حقيقة إبليس:

    عن الحسن قال: «ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس»91. وقوله: ( ) [الكهف: ٥٠].

    أي: خانه أصله؛ فإنه خلق من مارجٍ من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، كما عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خُلِقَت الملائكة من نور، وخُلِقَ إبليس من مارج من نار، وخُلِقَ آدم مما وصف لكم)92.

    فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه، وخانه الطبع، وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم، وتعبد وتنسك؛ فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة.

    ونبه تعالى على أنه من الجن، أي: أنه خُلِق من نار، كما قال: ( ) [الأعراف: ١٢].

    عن ابن عباس: «كان إبليس من حي من أحياء الملائكة، يقال لهم: الجن، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، قال: وكان اسمه الحارث، وكان خازنًا من خزان الجنة، وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي، قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار. وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت»93.

    والراجح وما تميل له النفس أنه ليس من الملائكة للأدلة الآتية:

  1. أن الله عز وجل وصف الملائكة كما في سورة التحريم: ( ) [التحريم: ٦]. وإبليس هذا عصى الله عز وجل ولم يأتمر بأمره.
  2. أن الله عز وجل أخبر أنه خلق آدم عليه السلام من طين، وإبليس اعترف بنفسه فقال: ( ) [ص: ٧٦].
  3. والملائكة كما هو معلوم خلقت من نور.
  4. جاء مصرحًا به في سورة الكهف في قوله تعالى: ( ) [الكهف: ٥٠].
  5. أن الله عز وجل لم يجعل للملائكة ذرية، والملائكة أيضًا ليس فيهم ذكور ولا إناث بخلاف إبليس -عليه لعنة الله- فهو من الجن، ومنهم ذكور وإناث، فله ذرية ويتناسلون كما هو معلوم بدليل الآية94.

    وهل كان قبل إبليس كافر أو لا؟

    قيل: إن إبليس أول من كفر.

    وقيل: كان قبله قوم كفار وهم الجن الذين كانوا في الأرض.

    وهل كفر إبليس جهلًا أم عنادًا؟ على قولين بين أهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالمًا بالله تعالى قبل كفره، فمن قال: إنه كفر جهلًا قال: إنه سلب العلم عند كفره، ومن قال: كفر عنادًا قال: كفر ومعه علمه95.

    ومما يدلل على أن إبليس مأمور بالسجود لآدم، أنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به، علم أن الأصاغر أيضًا مأمورون به96، فإبليس مأمور بالسجود مع الملائكة، إما بطريقة العلو؛ لأنه فاق الملائكة وأطاع الله مختارًا وألزم نفسه الطاعة، وصار يزهو على الملائكة، وإما بالدنو؛ لأن الملائكة أرفع من إبليس بأصل الخلقة والجبلة97.

    سبب عصيان إبليس وامتناعه عن السجود:

    قال الحسن البصري: «قاس إبليس وهو أول من قاس».

    وقال محمد بن سيرين: «أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقايس» 98.

    لقد نظر إبليس في نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى في نفسه أنه أفضل من آدم، فامتنع عن السجود له مع وجود الأمر الإلهي له ولسائر الملائكة بالسجود.

    وهنا قاعدة مهمة في القياس: فالقياس إن كان مقابلًا للنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه، فإن الطين أنفع وخير من النار، ففيه الرزانة، والحلم، والأناة، والنمو.

    والنار فيها: الطيش، والخفة، والسرعة، والإحراق.

    فإبليس ذكر الصلصال والحمأ، ولكنه لم يذكر النفخة العلوية التي تلابس هذا الطين99.

    ومن هنا نعلم أن إبليس استحق الطرد من رحمة الله لعصيانه أمر الله عز وجل؛ لأنه استلزم تنقصه لآدم وازدراؤه به، وترفعه في مخالفة الأمر الإلهي.

    ثانيًا: وسوسة إبليس لآدم في الجنة:

    يقول الله تعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ﰄﰅ ) [الأعراف: ٢٠ - ٢٢].

    ويقول أيضًا: ( ﮯﮰ ) [طه: ١٢٠- ١٢١].

    «الوسوسة والوسواس: الصوت الخفي من ريحٍ، والوسواس: حديث النفس والوسواس: هو الشيطان. وكل ما حدثك ووسوس إليك، فهو اسمٌ»100.

    يقول الله تعالى: ( ﯮﯯ ﯴﯵ ) [البقرة: ٣٦].

    «الزلة هي سقوطٌ في المعنى؛ إذ فيها خروج فاعلها عن طريق الاستقامة، وبعده عنها، وقرأت: (فأزالهما)، ومعنى الإزالة: التنحية»101، و() أي: حولهما وزحزحهما عن الجنة، أو حملهما على الزلة بسبب الشجرة، و() : إبليس الذي لم يسجد ولم يخضع، وقد وسوس لهما بما ذكر في سورتي الأعراف وطه حتى أوقعهما في الزلل وحملهما على الأكل من الشجرة فأكلا ( ) أي: من ذلك المكان أو النعيم الذي كانا فيه، فكان الذنب متصلًا بالعقوبة اتصال السبب بالمسبب102.

    ظهرت مهمة الشيطان وعداوته لآدم وذريته، والله تعالى يقول: ( ) أي: أوقعهما في الزلة، وهي العثرة أو الكبوة، وهو الميل والعدول103، كيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان، وأبلغه أنه عدو لهما، في قوله تعالى: ( ﭿ ) [طه: ١١٧].

    فالعداوة معلنة ومسبقة، ولنفرض أنها غير معلنة، ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد له؟ ألم يعرف تكبره عليه، قال: ( )، ( ) كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبدًا، ولم يكتف الله عز وجل بهذه الدلالات، بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه.

    قال تعالى: ( ) من ماذا أخرجهما؟ من العيش الرغيد، واسع النعمة في الجنة، ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب104.

    فقال إبليس كاذبًا: إن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكًا، ويصبح خالدًا لا يموت. ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت؛ وإنما يريدك عاصيًا على أي وجه، ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية، تريد شيئًا بذاته، وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان، ووسوسة النفس؛ فالشيطان يريدك عاصيًا بأي ذنب، فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى، فقد قال لآدم: ( ) ولكن هذه المحاولة لم تفلح، فقال لهما: ( ) وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحًا لأكل إبليس من الشجرة، ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين105.

    أما كيف تتم الوسوسة؟ فلا ندري؛ لأننا لا ندري كنه الشيطان حتى ندرك كيفيات أفعاله، وكذا اتصاله بالإنسان وكيفية إغوائه، ولكننا نعلم -بالخبر الصادق- أن إغواءه على الشر يقع في صورة من الصور، وإيحاء بارتكاب المحظور يتم في هيئة من الهيئات، وأن هذا الإيحاء وذلك الإغواء يعتمدان على نقاط الضعف الفطرية في الإنسان، وأن هذا الضعف يمكن اتقاؤه بالإيمان والذكر حتى ما يكون للشيطان سلطان على المؤمن الذاكر، وما يكون لكيده الضعيف حينئذ من تأثير106.

    وقد رويت أخبار في صفة استزلال إبليس عدو الله آدم وزوجته حتى أخرجهما من الجنة، وأولى ذلك بالحق ما كان لكتاب الله موافقًا، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ( )، أنه قد باشر خطابهما بنفسه، إما ظاهرًا لأعينهما، وإما مستجنًا في غيره، وقد استخدم إبليس في إيقاع آدم عليه السلام في شباكه شيئين:

    أولهما: عرض الإغراءات الخطيرة، وهي الملك والخلود في الجنة.

    ثانيهما: القسم بالحلف الكاذب107.

    عداوة إبليس لآدم:

    عن جابر بن عبد الله: «أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض هبط بالهند، وأن رأسه كان ينال السماء، وأن الأرض شكت إلى ربها عز وجل ثقل آدم عليه السلام، فوضع الجبار عز وجل يده على رأسه فانحط منه سبعون ذراعًا، فلما أهبط قال: رب هذا العبد الذي جعلت بيني وبينه عداوة إن لم تعينني عليه لا أقوى عليه. فقال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكًا. قال: رب زدني. قال: أجازي بالسيئة السيئة، وبالحسنة عشرًا إلا ما أزيد. قال: رب زدني. قال: باب التوبة له مفتوح ما دام الروح في الجسد. فقال إبليس: يا رب، هذا العبد الذي أكرمته إن لم تعينني عليه لا أقوى عليه. قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك. قال: رب زدني. قال: تجري مجرى الدم وتتخذ في صدورهم بيوتًا. قال: رب زدني. قال: ( )[الإسراء: ٦٤] 108.

    إن عداوة إبليس آدم وذريته، حسده إياه، واستكباره عن طاعة الله في السجود له، فهي كفرٌ بالله109.

    يقول الله تعالى: ( ﯮﯯ ﯴﯵ ) [البقرة: ٣٦].

    ويقول أيضًا: ( ﭿ ﮋﮌ ﮏﮐ ﮚﮛ ) [الأعراف: ١٦- ١٨].

    ويقول أيضًا: ( ﯤﯥ ﯯﯰ ﯿ ) [ص: ٧٥ - ٨٣].

    ويقول: ( ﭿ ) [طه: ١١٧].

    لم يزل الشيطان دائبًا جادًا مشمرًا في عداوة بني آدم عليه السلام منذ كان أبوهم طينًا، فقال تعالى: ( ) [الإسراء: ٦١].

    فلما سأله الله عز وجل عن سبب امتناعه من السجود واستكباره عن أمر ربه فقال سبحانه له: ( ) [الأعراف: ١٢].

    فأجاب الخبيث مفتخرًا بأصله طاعنًا على ربه تعالى في حكمته وعدله: ( ) [الأعراف: ١٢].

    فعامله الجبار بنقيض ما قصده وأذاقه وبال حسده، وأثمر له استكباره الذل الأبدي الذي لا عز بعده: ( ) [الأعراف: ١٣].

    وقال: ( ) [الأعراف: ١٨].

    وقال: ( ) [الحجر: ٣٤- ٣٥].

    فطلب الإنظار ليأخذ بزعمه من آدم وذريته بالثأر، ولا يعلم أنه بذلك إنما يزداد من غضب الجبار، وقد علم أنه لا سبيل له إلا على حزبه وتابعيه من الكفار، الذين هو إمامهم في الخروج عن طاعة الله والاستكبار ( ) [ص: ٧٩- ٨٠].

    أجابه الله تعالى إلى طلبته ليمتحن عباده اختبارًا وابتلاءً: ( ) [تبارك: ٢].

    فقابل النعمة بالكفران، وأقسم ليستعملن مدته، وليستغرقن حياته في إغواء ذرية آدم الذين كان طرده وإبعاده بسببهم؛ إذ لم يسجد لأبيهم، ولا رأى أن ذلك باستكباره عن أمر ربه، بل قدس نفسه اللئيمة، وأسند الإغواء إلى ربه مخاصمةً ومحادةً ومشاقةً: ( ﭿ ﮋﮌ ﮏﮐ ) [الأعراف: ١٦- ١٧].

    ولم يقل اللعين: «من فوقهم» لعلمه أن الله تعالى من فوقهم، قال الله سبحانه: ( )[الحجر: ٤٢].

    وقد علم الرجيم ذلك فقال آيسًا منهم: ( ) [الحجر: ٤٠].

    ثم لما سعى إلى آدم وحواء زوجه في الجنة ودلهما على تلك الشجرة التي نهاهم الله عز وجل عنها أن يقربوها، وأباح لهم ما سواها من الجنة، فاستدرجهم اللعين بخداعه، وغرهم بتلك اليمين الفاجرة: ( ) [الأعراف: ٢١].

    فنفذ قضاء الله تعالى وقدره بأكلهما منها: ( ) [الأنفال: ٤٢].

    وظن اللعين أنه قد أخذ بثأره من آدم وأنه قد أهلكه معه، ولم يعلم بفضل الله عز وجل وسعة رحمته الذي لا يقدر أحدٌ على شيءٍ منه: ( ﯵﯶ ) [الحديد: ٢٩].

    فلما عاتبهما الله تبارك وتعالى على ذلك بقوله: ( ) [الأعراف: ٢٢].

    فلم يعترضا على قضاء الله وقدره، ولم يحتجا بذلك على ارتكاب ما نهى الله عنه، ولم يخاصما به كما قال اللعين مواجهًا ربه بقوله: ( ﭿ) [الأعراف: ١٦].

    بل اعترفا بقدرة الله عليهما، وأقرا بظلمهما لأنفسهما، وصرحًا بافتقارهما إلى ربهما وبكمال غناه عنهما: ( ) [الأعراف: ٢٣].

    ثم أراد الله سبحانه أن يهبطهم إلى دارٍ أخرى، هي دار الامتحان والابتلاء، ونصب الحرب في هذه الدار؛ ( ) فقال تعالى: ( ﭔﭕ ﭪﭫ )[البقرة: ٣٨-٣٩].

    ثم كان من كيد الشيطان إلقاؤه الفتنة بين ابني آدم، وقتل أحدهما الآخر110.

    بداية العداوة بين الشيطان والإنسان:

    ابتداؤها من الشيطان، وسببه تكريم الله بني آدم؛ لما رأى إبليس ربه كرم آدم وبنيه عاداهم، فعاداه الله تعالى، والأولى منه لؤمٌ، والثانية من الله كرمٌ، أما الأول: فلأن الملك إذا أكرم شخصًا ولم ينقص من الآخر شيئًا، فعداوة من يعادي ذلك المكرم لا تكون إلا لؤمًا، وأما الثاني: فلأن الملك إذا علم أن إكرامه ليس إلا منه؛ وذلك لأن الضعيف ما كان يقدر أن يصل إلى بعض تلك المنزلة لولا إكرام الملك، يعلم أن من يبغضه ينكر فعل الملك فيحسن التعذيب عليه فيعاديه إتمامًا للإكرام، ثم إن كثيرًا من الناس على مذهب إبليس إذا رأوا واحدًا عند ملكٍ محترمًا بغضوه وسعوا فيه إقامةً لسنة إبليس111.

    [انظر: الإنسان: الإنسان والشيطان]

توبة آدم

  1. أكل أدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عنها، وعصيا الله عز وجل فأخرجا من الجنة، فانتابهما من الحسرة والألم ما الله أعلم به، ويبدأ العتاب الرباني: ( ) [الأعراف: ٢٢ ].

    وهنا يبدأ آدم عليه السلام بالتضرع والرجوع إلى الله عز وجل. يقول الله تعالى حاكيًا حال آدم وحواء: ( ) [الأعراف: ٢٣].

    فأكرمه الله عز وجل بقبول التوبة، يقول الله عز وجل: ( ﯿ ﰄﰅ ) [البقرة: ٣٧].

    وقال: ( ) [طه: ١٢٣].

    ولقد أجمع الحجة من العلماء على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات112، والتلقي هنا معناه: الأخذ والقبول، أي: يتقبله ويأخذه113.

    أولًا: الكلمات التي تلقاها آدم من ربه:

    اختلف أهل التأويل في أعيان الكلمات التي تلقاها آدم من ربه.

    فعن ابن عباسٍ: «قال آدم: أي رب، ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي رب، ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: أي رب، ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: أي رب، ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى، قال: أرأيت إن أنا تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم، قال: فهو قوله: ( ﯿ ) [البقرة: ٣٧]»114.

    وعن ابن عباسٍ قال: «لما أصاب آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الإخلاص، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءًا، وظلمت نفسي، فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءًا وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم»115.

    ويحتمل أن تكون كلمات آدم عليه السلام اعتذارًا وتنصلًا، وكلمات الحق سبحانه قبولًا وتفضلًا، وعلى لسان التفسير أن قوله تعالى له: أَفِرَارًا منَا يا آدم؟ كذلك قوله عليه السلام: ( )، وقوله: أمخرجي أنت من الجنة؟ فقال: نعم، فقال أتردني إليها؟ فقال: نعم116.

    وقيل إنها: جاءت في القرآن مفسرة في قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٢٣ ].

    ومن المعلوم أن من هو دون آدم من الكفار والفساق، إذا تاب أحدهم إلى الله توبة نصوحًا تاب الله عليه، وإن لم يقسم عليه بأحد، ونبينا ما أمر أحدًا في توبته بمثل هذا الدعاء117.

    نفذ قضاء الله تعالى وقدره بأكلهما منها: ( ) [الأنفال: ٤٢].

    وظن اللعين أنه قد أخذ بثأره من آدم وأنه قد أهلكه معه، ولم يعلم بفضل الله عز وجل وسعة رحمته الذي لا يقدر أحدٌ على شيءٍ منه: ( ﯵﯶ ) [الحديد: ٢٩].

    فلما عاتبهما الله تبارك وتعالى، لم يعترضا على قضاء الله وقدره، ولم يحتجا بذلك على ارتكاب ما نهى الله عنه، ولم يخاصما به.

    بل اعترفا بقدرة الله عليهما، وأقرا بظلمهما لأنفسهما، وصرحا بافتقارهما إلى ربهما وبكمال غناه عنهما: ( ) [الأعراف: ٢٣].

    ثم أراد الله سبحانه أن يهبطهم إلى دارٍ أخرى، هي دار الامتحان والابتلاء118.

    وإن هذه الكلمات تتضمن الإقرار والاستغفار، ومن ندم واستغفر وتاب، غُفِرَ له، وإن كان دون آدم عليه السلام، فحصل بها المقصود ولم يحتج لغيرها119.

    فأما آدم فسأل التوبة فتيب عليه، وأما إبليس فسأل النظرة، فأُنْظِر120.

    ثانيًا: الخطيئة الموروثة لبني آدم:

    فكرة الإسلام عن الخطيئة والتوبة، فالخطيئة فردية والتوبة فردية، فليست هنالك خطيئة مفروضة على الإنسان قبل مولده -كما تقول نظرية الكنيسة-.

    فخطيئة آدم كانت خطيئةً شخصية، والخلاص منها كان بالتوبة المباشرة، وخطيئة كل ولد من أولاده خطيئة كذلك شخصية، والطريق مفتوح للتوبة.

    يحمل كل إنسان وزره، ويوحي إلى كل إنسان بالجهد وعدم اليأس والقنوط، ( )[الحجرات: ١٢]121.

آدم وزوجه

  1. يقول تعالى: ( ﭠﭡ) [النساء: ١].

    ويقول تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ) [الأعراف: ١٨٩].

    يا بني آدم خلقكم: فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم، والعطف في قوله: ( ) فيه وجهان:

    أحدهما: أن يعطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها، وخلق منها زوجها. والمعنى: شعبكم من نفس واحدة أنشأها من تراب وخلق زوجها حواء، ( ) نوعي جنس الإنس.

    والثاني: أن يعطف على ()، والمعنى: خلقكم من نفس آدم، وخلق منها أمكم حواء، ( ﭠﭡ) غيركم من الأمم الفائتة للحصر.

    والذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها، فكان خلقه إياهم من نفس واحدة موجبًا للتقوى وداعيًا إليها؛ لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة122.

    أولًا: خَلْق حواء:

    في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخيرٍ أو ليسكت، واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلعٍ، وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا)123.

    وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلعٍ، وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء)124.

    وعن ابن عباسٍ: «أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائمٌ، ولأم مكانه لحمًا»125.

    وقيل: إنه لم يؤذه أخذ الضلع شيئًا، ولو آذاه لما عطف رجل على امرأة أبدًا126.

    ومنهم من قال: إنها خلقت من تراب؛ بدليل قوله تعالى: ( ) أي: من جنسها.

    والقول الأول أقوى؛ بدليل الآيات127، وجمهور المفسرين: على أن المراد بالنفس الواحدة آدم، ( ) يعني: حواء128.

    واختلفوا في الوقت الذي خلقت فيه حواء:

    ذهب بعضهم إلى أنها خلقت بعد أن أدخل آدم الجنة.

    فذكر السُدِي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة: أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة فبقي فيها وحده وما كان معه من يستأنس به، فألقى الله تعالى عليه النوم، ثم أخذ ضلعًا من أضلاعه من شقه الأيسر، ووضع مكانه لحمًا، وخلق حواء منه، فلما استيقظ وجد عند رأسه امرأة قاعدة فسألها من أنت؟ قالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي، فقالت الملائكة: ما اسمها؟ قال: حواء. ولِمَ سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي129 ، أو أنها أم كل حي، أي: أم الأحياء، كما أن سياق الآيات يدل على ذلك كما في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٥].

    وكذلك قول الله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٩].

    وذهب آخرون: أنها خلقت قبل دخول آدم الجنة، وأدخلا الجنة معًا130.

    إن من التكريم الإلهي للإنسان إسكان آدم وحواء في الجنة في بدء الخلق، فقد أمر الله تعالى آدم وزوجه حواء بسكنى الجنة، والتمتع فيها حيث شاءا، والأكل منها أكلا هنيئًا لا عناء فيه، أو واسعًا لا حد له. ونهاهما عن الأكل من شجرة معينة، فكان الأكل منها ظلمًا لأنفسهما، وتجاوزًا لأمر الله ومخالفة نهيه، ولكن الشيطان عدوهما أزلهما عنها، أذهبهما وأبعدهما عن الجنة، وأخرجهما من ذلك النعيم، بعد أن أغواهما بالأكل من الشجرة، فحولهما من الجنة، قائلًا لهما: ( ) [الأعراف: ٢٠- ٢١].

    فتغلبت عليهما وساوس الشيطان، وخرجا من الجنة إلى الأرض، وشقاء الدنيا، وقد نشأت بعدها العداوة بين البشر والشيطان: ( ﭴﭵ ) [فاطر: ٦].

    وقال الله لهما: اهبطوا من الجنة إلى الأرض، بعضكم عدو بعض، ولكم استقرار في الأرض وتمتع بنعمها وخيراتها إلى مدة معينة من الزمان. فألهم الله آدم كلمات، فعمل بها هو وزوجته، فقالاها، وتابا توبة خالصة، والكلمات هي قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٢٣].

    فتقبل الله منهما التوبة؛ لأنه كثير القبول لتوبة عباده، وكرر الأمر بالهبوط من الجنة هو وزوجه للتأكيد131.

    [انظر: الإنسان: خلق حواء]

ذرية آدم

  1. إن الله خلق آدم وأخرج من ظهره ذريته كالذر، وأحياهم، وجعل لهم عقلًا وإدراكًا، وأخرج من ظهور بني آدم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم، وهم في عالم الأرواح، وقد كرم الله بني آدم أن استخلفهم في الأرض؛ لإعمارها ولإقامة حدود الله، وأخذ عليهم الميثاق.

    أولًا: نداءات الله لبني آدم:

    من خلال استقراء آيات كتاب الله نجد أن الآيات القرآنية التي نادى الله بها البشر بصيغة ( ) خمس آيات، هي:

    ١. قول الله تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ﮁﮂ ) [الأعراف: ٢٦].

    هناك تلازم بين شرع الله اللباس؛ لستر العورات والزينة، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فعن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري132.

    قال عبد الرحمن بن أسلم: «يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى»133.

    فاللباس: ستر العورات، والرياش: ما يتجمل به ظاهرًا، فالأول: ضروريات، والثاني: مكملات. وفي الآية دليلٌ على وجوب ستر العورة، وقيل: بل فيها دلالةٌ على الإنعام فقط، بل إن من جملة الإنعام ستر العورة، فبين أنه سبحانه وتعالى جعل لذريته ما يسترون به عوراتهم134.

    ٢. قول الله تعالى: ( ﮋﮌ ﮘﮙ ﮡﮢ ) [الأعراف: ٢٧].

    تنبيه لبني آدم بأن الشيطان عدو الإنسان، فيجب التنبه لمخاطره وتذكر عهد الله وميثاقه بأن نعبده وحده لا شريك له، ونزكي النفس بالأخلاق الكريمة والآداب الحميدة؛ لنحقق السعادة الأبدية في الآخرة، ونؤدي الرسالة في هذه الحياة على الوجه الأكمل135.

    لا يصرفنكم الشيطان عن الدين ولا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة، كما فتن أبويكم بأن أخرجهما منها.

    ( ) حال إخراجهما، فكان سببًا في أن نزع عنهما.

    وقوله: ( ) هو تعليلٌ للنهي، وتحذيرٌ من فتنته، بأنه بمنزلة العدو المداجى، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون.

    وقيل: إن عدوًا يراك ولا تراه، لشديد المؤنة إلا من عصم الله.

    ( ) جنوده ونسله، قال مجاهدٌ: يعني الجن والشياطين، ( ﮡﮢ)136، وعطف () على الضمير في () المؤكد بـ()، والضمير في () للشأن137.

    وفي الآية دليلٌ على وجوب ستر العورة وتحذير من زوال النعمة، كما نزل بآدم138.

    ٣. قول الله تعالى: ( ) [الأعراف: ٣١].

    هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها، والزينة هاهنا: الثياب الساترة، ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك، وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعمله الخيلاء، ( ) عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها، ويدخل معها مواطن الخير كلها139.

    ٤. قول الله تعالى: ( ) [الأعراف: ٣٥].

    هذا هو عهد الله لآدم وبنيه، وهذا هو شرطه في الخلافة عنه سبحانه في أرضه التي خلقها وقدر فيها أقواتها، واستخلف فيها هذا الجنس، ومكنه فيها؛ ليؤدي دوره وفق هذا الشرط وذلك العهد، وإلا فإن عمله ردٌ في الدنيا لا يقبله ولا يمضيه مسلم لله، وهو في الآخرة وِزْرٌ، جزاؤه جهنم لا يقبل الله من أصحابه صرفًا ولا عدلًا.

    ( )؛ لأن التقوى تنأى بهم عن الآثام والفواحش، وأفحش الفواحش الشرك بالله، واغتصاب سلطانه وادعاء خصائص ألوهيته، وتقودهم إلى الطيبات والطاعات وتنتهي بهم إلى الأمن من الخوف والرضى عن المصير140.

    ٥. قول الله تعالى: ( ) [يس: ٦٠].

    اتفق العقلاء على أن الشيطان يأمر بالشر، وإن اختلفوا في حقيقته وكيفيته141، ونداؤهم هنا ( ) فيه من التبكيت ما فيه، فإن الشيطان ظاهر العداوة لكم، بدءًا من أبيكم آدم عليه السلام142.

    وقوله: ( ) معناه: لا تطيعوه؛ ذلك أن المنهي عنه ليس هو السجود له فحسب، بل الانقياد لأمره والطاعة له، فالطاعة عبادةٌ، وطاعة الشيطان في مخالفة أمر الله، أو ترك أمر الله.

    وجملة: ( ﭿ ) تعليل لما قبلها من النهي عن طاعة الشيطان وقبول وسوسته143.

    ثانيًا: تكريم بني آدم:

    يقول الله تعالى: ( ) [الإسراء: ٦٢].

    أرأيت هذا الذي فضلته علي، وكرمته، يعني: آدم، ( ) أي: أجل موتي، ( ) لأستأصلنهم، ولأستولين عليهم بالإغواء والإضلال، وأصله من احتناك الجراد الزرع، وهو أن تأكله وتستأصله بأحناكها وتفسده، ثم يسمى الاستيلاء على الشيء وأخذ كله احتناك، أوهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل فتنقاد144.

    يقول سيد قطب: «لأستولين عليهم وأحتويهم، وأملك زمامهم، وأجعلهم في قبضة يدي أصرف أمرهم. ويغفل إبليس عن استعداد الإنسان للخير والهداية استعداده للشر والغواية، عن حالته التي يكون فيها متصلًا بالله، فيرتفع ويسمو، ويعتصم من الشر والغواية»145.

    ويقول الله تعالى: ( ) [الإسراء: ٧٠].

    () جعلهم ذوي كرم، بمعنى: الشرف والمحاسن الجمة، كما تقول: ثوب كريم وفرس كريم؛ أي: جامع للمحاسن، وليس من كرم المال في شيء146، وما جاء عن أهل التفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكروها، هو على سبيل التمثيل لا الحصر147.

    مظاهر تكريم الله لبني آدم:

  1. اختص الله الإنسان بأن خلقه بيديه، ونفخه فيه من روحه، ( ) [ص: ٧٢].

    وهذا يدل على علو مكانة الروح التي حلت في الإنسان، وعن زيد بن أسلم في قوله: ( ) قال: قالت الملائكة: يا ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها، ويتنعمون، ولم تعطنا ذلك، فأعطناه في الآخرة، فقال: وعزتي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان148.

  2. الصورة الحسنة، والقامة المعتدلة، كما قال عز وجل: ( ) [التين: ٤].
  3. تسخير الكون للإنسان دون ثمن يدفعه، مثل استخدامه لضياء الشمس ودفئها، قال تعالى: ( ﯾﯿ ) [يس: ٤٠].
  4. حملهم في البر والبحر، ورزقهم من كل غذاء نباتي أو حيواني، وتفضيلهم على كثير من خلقه، فقال تعالى: ( ) [الإسراء: ٧٠ ].
  5. تحميله الأمانة، ونفي الجبر عنه، وإعطاؤه الحرية كاملة، قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأحزاب: ٧٢].
  6. إعطاؤه حق المساواة لكل فرد مع الأخرين، فلا يتفاضل أحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ( ) [الحجرات: ١٣].
  7. يأتي التكريم الأعظم في الآخرة بما أعده الله للطائعين من الكرامة في دار المقام، فقال تعالى: ( ﯝﯞ )149.

    ثالثًا: أخذ الميثاق على بني آدم:

    يقول الله تعالى: ( ﭳﭴ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭿ ) [الأعراف: ١٧٢].

    والميثاق: العهد المؤكد باليمين، من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط150، في هذا إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أخرج من أبناء آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم، وهم في عالم الأرواح، أليس الله سبحانه وتعالى هو ربكم وخالقكم؟ فشهدوا جميعًا وقالوا: بلى أنت ربنا وخالقنا151. وخلق الناس على فطرة التوحيد مقرر في آية أخرى، هي قوله تعالى: ( ﯗﯘ ﯞﯟ ) [الروم: ٣٠].

    وفي قوله تعالى: ( ) [الزمر: ٦]، يقول الطبري: «خلقًا بعد ذلك، قال: فلما أخذ عليهم الميثاق أماتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة، فذلك قول الله: ( )»152. واختلفوا في كيفية الإخراج وهيئة المخرج والمكان والزمان153.

    والميثاق: هو إقرار من الناس جميعًا -قبل أن يخلقوا وقبل أن يكونوا أناسًا- بالولاء لله، والاعتراف بربوبيته، وهو إقرار ضمن الإقرار العام للوجود كله بالانقياد لله، والولاء له، ويمكن أن يكون الميثاق الذي بايع به المسلمون رسول الله إذ دخلوا في الإسلام، فقد كانت بيعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائمة على السمع والطاعة في المكره والمنشط، أي: في الضراء والسراء154.

    وقد اختلف العلماء في كيفية أخذ الميثاق على رأيين:

    أما السلف من المفسرين فقالوا: إن الله خلق آدم وأخرج من ظهره ذريته كالذر، وأحياهم وجعل لهم عقلًا وإدراكًا، وألهمهم ذلك الحديث وتلك الإجابة، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم، فأقروا بذلك.

    وأما الخلف فقالوا: هذا من قبيل التمثيل والتصوير، والمجاز والاستعارة فلا سؤال ولا جواب، وإنما أقام الله الأدلة الكونية على وحدانيته وربوبيته للكون كله، وقال لهم: ( ) فقالوا: () 155.

    فالمراد من الآية أن الله تعالى جعل الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد حجة مستقلة عليهم؛ ولهذا قال: ( )أي: لئلا تقولوا يوم القيامة: ( ﭿ ) أي: التوحيد () أي: لم ننبه إليه، وهو أولى الآراء بالصواب156، وسبب الإشهاد لمنع اعتذارهم يوم القيامة بغفلتهم عن التوحيد، أو بادعائهم التقليد، والله لا يقبل عذرهم أبدًا؛ لأن التقليد في الاعتقاد وأصول الدين لا يجوز.

    يقول الله تعالى: ( ﮦﮧ ) [الحديد: ٨].

    أي شيء يحول بينكم وبين الإيمان بالله، وهذا رسول الله ( )؟ فلقد دعاكم الله سبحانه وتعالى إلى الإيمان من قبل، وأخذ ميثاقكم وأنتم في ظهور آبائكم، وقوله تعالى: ( ) أي: إن كنتم ما زلتم على إيمانكم بالله الذي وثقه معكم وأنتم في ظهور آبائكم، فما لكم لا تؤمنون بما يدعوكم إليه الرسول من إيمان، وهو إنما يدعوكم إلى هذا الإيمان الذي آمنتم به من قبل؟157.

    وظاهر الآية متناقض، ولو كانوا لا يؤمنون بالله كيف يقرون بالله وبالرسول؟ لكنه يخرج على وجهين:

    أحدهما: أي: ( ﮦﮧ)؟ أي: بقدرة الله على بعثكم وإحيائكم بعد موتكم.

    والثاني: أي عذر لكم في ترك الإيمان بالله تعالى والرسول دعاكم، وقد أتاكم من الآيات والحجج ما يدفع عنكم العذر، ويزيح عنكم الشبه؟158.

    وهذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع، والخطاب للكفار159.

    رابعًا: الاستخلاف في الأرض:

    يقول الإمام الطبري: «الخليفة، مستخلف في الأرض، ومصير فيها خلفًا»160.

    والخلائف: جمع خليفة، وهو: آدم وذريته، والهاء للمبالغة والتأكيد، وهذا اسمٌ لمن يخلف الغير، ويقوم مقامه فيما أسند إليه، وآدم خلف الملائكة في اتخاذ الأرض مسكنًا161.

    وقال الحسن البصري: «خلفًا يخلف بعضهم بعضًا، وهم ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم، ويخلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله» 162، كما قال تعالى: ( ) [الأنعام: ١٦٥]، وهو من يخلف غيره ويقوم مقامه في تنفيذ الأحكام، وقيل: أريد بالخليفة آدم، واستغنى بذكره عن ذكر بنيه، وقال ابن كثير: والظاهر أنه لم يرد آدم عينًا؛ إذ لو كان ذلك، لما حسن قول الملائكة: ( ) فإنهم أرادوا: أن من هذا الجنس من يفعل ذلك163.

    واختلف المفسرون واللغويون في سبب تسمية خليفة على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أن الله لما خلق الأرض أسكنها الجن، ولما خلق السماء أسكنها الملائكة، ثم لما خلق آدم أزعج الجن إلى أطراف الأرض، فهو خليفة الجن في الأرض.

    القول الثاني: أنه سمي خليفة؛ لأنه يخلفه غيره فيكون مكانه.

    القول الثالث: أنه سمي خليفة؛ لأنه خليفة الله في الأرض لإقامة أحكامه وحدوده، وهو الذي رجحه البغوي، وتبعه الخازن والرازي والسمعاني، وهو المروي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وهو المتعين إن شاء الله164.

    ومعلومٌ أن أعلى الناس منصبًا عند الملك من كان قائمًا مقامه في الولاية والتصرف، وكان خليفةً له فهذا يدل على أن آدم عليه السلام كان أشرف الخلائق165.

    قوله تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

    وهذه الآية يخاطب الله تعالى داود عليه السلام بأنه استخلفه حاكمًا بين الناس في الأرض، فله السلطة والحكم، وعليهم السمع والطاعة، ثم بين الله تعالى له قواعد الحكم والاستخلاف تعليمًا لغيره من الناس:

  1. ( ﯿ ) أي: فاقض بين الناس بالعدل الذي قامت به السماوات والأرض، وهذه أولى وأهم قواعد الحكم.
  2. ( ) أي: لا تمل في الحكم مع أهواء نفسك أو بسبب مطامع الدنيا، فإن اتباع الهوى مزلقة ومدعاة إلى النار؛ لذا قال: ( ) أي: إن اتباع الهوى سبب في الوقوع في الضلال والانحراف عن جادة الحق، والعبرة من هذا الموضوع: الوصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق، ولا يحيدوا عنه، فيضلوا عن سبيل الله.

    وقوله تعالى: ( ) أي: بعد من تقدمك من الأنبياء عليهم السلام، وقيل: حاكمًا من قبلي لتحكم بين عبادي بالحق، وأوصاه بألا يتبع في الحكم هواه166.

    فكل نبي استخلفه الله في عمارة الأرض وسياسة الناس، لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه، بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه؛ لذلك لم يستنبئ ملكًا، كما قال الله تعالى: ( ) [الأنعام: ٩]167.

موت آدم عليه السلام

  1. عن الحسن، قال: رأيت شيخًا بالمدينة يتكلم فسألت عنه، فقالوا: هذا أبي بن كعبٍ، فقال: إن آدم عليه السلام لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة، فذهبوا يطلبون له منها، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطٌ، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون؟ قالوا: أبونا مريضٌ واشتهى من ثمار الجنة، قالوا لهم: ارجعوا قد قضى أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم، فلاذت بآدم، فقال: إليك عني إنما أتيت من قبلك، خلي بيني وبين ملائكة ربي تبارك وتعالى، فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا له، وصلوا عليه، ثم دخلوا قبره فوضعوه في قبره ووضعوا عليه اللبن، ثم خرجوا من القبر ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم168.

الدروس المستفادة من قصة آدم

  1. الجمهور الأعظم من علماء الدين اتفقوا على عصمة كل الملائكة عن جميع الذنوب.
  2. استدل بعض العلماء بآية ( ) على أن اللغات كلها توقيفية، بمعنى أن الله تعالى خلق علمًا ضروريًا بتلك الألفاظ وتلك المعاني، وبأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني.
  3. تعليم آدم الأجناس التي خلقها الله، دال على فضل العلم؛ فإنه سبحانه ما أظهر كمال حكمته في خلقه آدم عليه السلام، إلا بأن أظهر علمه، فلو كان في الإمكان وجود شيء أشرف من العلم، لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء، لا بالعلم.
  4. قصور علم المخلوقات أمام علم الخالق، وأن فعل الخالق لا يخلو من الحكمة والفائدة، وأن علم الملائكة محدود لا يتناول جميع الأشياء، والواجب على من سئل عن علم لم يعرفه أن يقول: الله أعلم، لا أدري، اقتداء بالملائكة والأنبياء وفضلاء العلماء.
  5. التنبيه على عجيب صنع الله تعالى؛ إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعًا هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة.
  6. أن الله تعالى أراد تمييز آدم عن جميع خلقه بأن يخلقه بيده الكريمة مباشرة، وهذا لا يكون إذا كان خلقه من العدم، فالملائكة والجن مخلوقون من العدم، ولا يقال فيهم: إنه خلقهم بيده.
  7. الإنسان وإن كرمه الله، لكنه ضعيف، عرضة للنسيان، كما نسي آدم أوامر الله ونواهيه، فأطاع إبليس عدوه، وأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها.
  8. إن التوبة والإنابة إلى الله سبيل الظفر برحمة الله الواسعة، فإن آدم الذي عصى ربه تاب وقبل الله توبته، فعلى العاصي أو المقصر المبادرة إلى التوبة والاستغفار دون قنوط ولا يأس من رحمة الله ورضوانه ومغفرته.
  9. الكبر والعناد والإصرار على الإفساد أسباب لاستحقاق السخط الإلهي، واللعنة والغضب والطرد من رحمة الله، فإن إبليس الذي أبى السجود، وأصر على موقفه، وعاند الله، وتحدى سلطانه بإغراء الإنسان وصرفه عن إطاعة الله، غضب الله عليه وطرده من الجنة إلى الأبد، وأوعده بنار جهنم.
  10. قد يرتكب الإنسان معصية مخالفًا أمر الله في حال النسيان والسهو عن عهد الله بطاعته، والنسيان مرفوع عنا الحرج والإثم فيه. قال ابن زيد: «نسي آدم ما عهد الله إليه في ذلك اليوم، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس».
  11. أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتشريف وتكريم، لا سجود عبادة، وأبى إبليس السجود مع الملائكة تكبرًا واستعلاء وحسدًا.
  12. الجنة ذات نعيم مطلق، فلا تعب ولا عناء في الحصول على الملذات والرغبات، بخلاف الدنيا التي تمتاز بالتعب والكد لتحصيل المطلوب.
  13. كانت وسوسة الشيطان لآدم بالأكل من الشجرة سببًا في المخالفة والإخراج من الجنة والهبوط إلى الأرض، ونزع اللباس.
  14. لا يجوز الحديث عن ذنوب الأنبياء إلا بالقدر المذكور في القرآن الكريم أو السنة النبوية الثابتة، فقد أخبر الله بوقوع بعض الأخطاء من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بذلك عن أنفسهم، وتنصلوا منها، واستغفروا منها وتابوا، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم قليلة نادرة، وكانت عن خطأ أو نسيان، أو تأويل.
  15. من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت، وقد قدر الله علي ذلك. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته.
  16. لقد اجتبى الله تعالى آدم وهداه بعد العصيان، فإن وقع هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب؛ لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، وإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه، لم يضر ما سلف منهم من الذنوب.
  17. أمر الله تعالى آدم وزوجه حواء بالهبوط إلى دار الدنيا، والدنيا دار تكليف وتنافس وتزاحم، وسبيل التقويم والتميز: الالتزام بهداية الله.
  18. لا عذر للكافر يوم القيامة بعد أن أتته الآيات والدلائل على إثبات وحدانية الله وقدرته ووجوب العمل بشرعه، فإذا ما تركها ولم ينظر فيها، ترك في العذاب في جهنم، وهكذا يعاقب كل من أعرض عن القرآن، وعن النظر في مصنوعات الله.

    موضوعات ذات صلة:

    الأبوة، الإنسان، الشيطان، الملائكة، النبوة


1 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ١/٥٩٩، ح١٨٦٥.

وصححه الألباني. في صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ١٢٤.

2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/ ٧٢، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/١٠.

3 البحر المحيط، ١/ ٢٢٣.

4 انظر: العلم الأعجمي في القرآن، ١/١١٧.

5 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٢٧٩.

6 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٥/٤٣٣.

7 انظر: لباب التأويل، الخازن، ١/٣٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٢٧٩.

8 انظر: أخبار الزمان، المسعودي، ص٧١.

9 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب صفة الجنة والنار، باب ما ذكر في صفة الجنة، وما فيها مما أعد لأهلها، ١٣/ ١١٤، قال الألباني: حديث صحيح.

10 أخرجه أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة، ١٦/ ٥٣٢.

وصححه المحقق.

11 أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة، ٥/١٥٥٦، والحاكم في المستدرك ١/٤٩٥.

قال الحاكم: هذا حديث حسن الإسناد.

12 يزهر: صفا لونه وأضاء، وزهر الرجل: ابيَضَ وجهه.

انظر: المصباح المنير، الفيومي ١/ ٢٥٨.

13 أخرجه أحمد في مسنده، ٣/ ٤٣.

قال أحمد شاكر: «وما نرى في هذا الحديث شيئًا من النكارة، أما أنه غريب، بمعنى أنه لم يروه غيره، فعسى، ولكن مجيء معناه من حديث أبي هريرة قد يذهب بغرابته».

وقال الألباني: «حسن صحيح».

وانظر: المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة ١/ ١٥٦.

14 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قول الله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها)، رقم ٤٤٧٦ ، ٦/ ١٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة، رقم ٣٢٢ ، ١/ ١٨٠.

15 البداية والنهاية ١/٧٨.

وانظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٣٩٦

16 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢١٢٥٤٦، ٣٥/٤٣١، وابن حبان في صحيحه، رقم٦١٩٠، ١٤/٦٩.

وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.

17 البحر المحيط، ١/٢٢٥.

18 تفسير المنار، ١/٢١٠.

19 أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/٦٨.

20 الكشاف، الزمخشري، ١/١٢٤.

21 فتح القدير، الشوكاني، ١/٧٤.

22 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/١٢٤.

23 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢١٦.

24 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/١١٧.

25 المصدر السابق ١/١١٧.

26 انظر: جامع البيان، الطبري ١/١٧٥ ، الكشاف، الزمخشري ١/١٢٤، التفسير المنير، الزحيلي ١/١٢٦.

27 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١١٧.

28 المصدر السباق.

29 انظر: مراحل خلق الإنسان في آيات القرآن ص١٦.

30 انظر: المفردات، الراغب ص٤٤٩.

31 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢١٨، النكت والعيون، الماوردي ٣/١٥٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٩٣٧، التسهيل، ابن جزي الكلبي ١/٤٥١.

32 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/ ١٥٧-١٥٨.

33 انظر: جامع البيان ٢٢/١٩١، النكت والعيون، الماوردي ٣/١٥٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٩٣٧.

34 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٣٦.

35 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٠٨.

36 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤٠٠.

37 انظر: في ظلال القرآن الكريم، سيد قطب، ١/٥٧.

38 فتح القدير، الشوكاني ١/٢٧٩.

39 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٨٣.

40 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣٦.

41 المصدر السابق ١/٣٦.

42 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢٢٣

43 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٤٨٥، معالم التنزيل، البغوي، ١/٨٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٢٨٢.

44 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ١/١٧٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١١٩.

45 أخرجه البخاري في صحيحه، باب صفة الجنة والنار، رقم ٤٤٧٦ ، ٢/١٤٤٢.

46 انظر: التفسير الوسيط، الطنطاوي ١/٩٤.

47 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٧٩.

48 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٨٤.

49 الجواب الصحيح، ٤/٥٥.

50 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٤٢.

51 انظر: في ظلال القرآن الكريم ١/٥٤.

52 المصدر السابق ١/٥٣-٥٤.

53 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/١١٧.

54 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/١٢٦

55 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/١٢٦.

56 جامع البيان، الطبري ١/٤٩٦.

57 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤١٢.

58 جامع البيان، الطبري ١/١٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧١، التفسير المنير، الزحيلي ١/١٢٧.

59 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٠٠، المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/١٢٣.

60 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣٦.

61 انظر: لوامع الأنوار البهية، السفاريني، ٢/٣٩٨.

62 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم ٣٦٤١، ٥/٤٨٥، والترمذي في سننه، باب في فضل التوبة والاستغفار، رقم ٣٥٣٥، ٥/٤٣٦.

قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

63 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٨٩.

64 المصدر السابق، ١/٢٩١، فتح القدير، الشوكاني، ١/٧٨

65 انظر: في ظلال القرآن الكريم، سيد قطب ١/٥٧.

66 التحرير والتنوير، ١/٤٢٠-٤٢١.

67 جامع البيان ١/٤٥٦.

68 جامع البيان، الطبري، ١/٧٨.

69 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/١٣٨.

70 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٢٦.

71 مفاتيح الغيب، الرازي ١/٤٥١.

72 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٩٩.

73 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٢٨.

74 انظر: إيجاز البيان، أبو القاسم النيسابوري ١/٨٨.

75 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٢٦، مدارك التنزيل، النسفي ١/٨١.

76 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٤٥١.

77 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٢٧.

78 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٨.

79 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٥٥.

80 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٢٨.

81 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٢٠.

82 انظر: تفسير الشعراوي ١/٢٦٠.

83 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٣٨٨.

84 انظر: درج الدرر، عبد القاهر الجرجاني ١/٤٩.

85 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان، ٢/٣٢.

86 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/١٢٨.

87 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٢٦٣.

88 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٤/١١٣.

89 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٨/١٥٣.

90 انظر: تفسير الشعراوي، ١٢/٧٦٩٩.

91 أخرجه الطبري في تفسيره ١/٦٠٥.

وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره ١/٢٣١.

92 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة، رقم ٢٩٩٦، ٤/٢٢٩٤.

93 أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/١٠٠.

94 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/١٣٤، تفسير السمرقندي، ٢/٢٥٥.

95 التفسير المنير، الزحيلي ١/١٣٥.

96 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٧٢.

97 انظر: تفسير الشعراوي، ١٢/٧٦٩٩.

98 أخرج الأثرين الطبري في تفسيره ١٢/٣٢٧.

99 انظر: في ظلال القرآن الكريم، سيد قطب ٤/٢١٤١.

100 لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٥٤.

101 البحر المحيط، أبو حيان ١/٢٦٠.

102 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٢٣١-١٧.

103 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٢٨.

104 انظر: تفسير الشعراوي ١/٢٦٦.

105 انظر: المصدر السابق ١/١٦٧.

106 في ظلال القرآن ٣/١٢٦٨.

107 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٣١

108 أخرجه ابن منده في التوحيد، ذكر خلق آدم عليه السلام، رقم ٨٢، ١/٢٢٥.

قال ابن منده: «هذا إسنادٌ صحيحٌ».

109 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٣٧.

110 انظر: معارج القبول، الحكمي ٢/٤٦٠.

111 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٩٩.

112 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٤٣.

113 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/١٢٤.

114 أخرجه الطبري في تفسيره ١/٥٤٣، والحاكم في المستدرك، ذكر آدم عليه السلام، رقم ٢٢٠٠، ٤/٥٩٤.

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، ولم يتعقبه الذهبي.

115 البداية والنهاية، ابن كثير ١/١٨٩.

116 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ١/٨٢.

117 انظر: المنتقى من منهاج الاعتدال، الذهبي ٤٣٩.

118 انظر: معارج القبول، الحكمي ٢/٤٦١.

119 انظر: منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة، تامر متولي، ص ٥٠١.

120 انظر: الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار، أبو الحسين اليمني ٣/٦٥٩.

121 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٦٠-٦١.

122 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/٤٦١

123 أخرجه مسلم في صحيحه، باب الوصية بالنساء، رقم ١٤٦٨، ٢/١٠٩١.

124 أخرجه البخاري في صحيحه، باب خلق آدم صلوات الله عليه، رقم ٣٣٣١ ، ٤/١٣٣.

125 أخرجه الطبري في تفسيره، ١/٥١٤.

126 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ١/٣٩٣.

127 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٧٧-٤٧٨.

128 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٣٧.

129 مفاتيح الغيب، الرازي، ٣/٤٥١.

130 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٤٥١.

131 التفسير الوسيط، وهبة الزحيلي ١/٢٣-٢٦.

132 انظر: في ظلال القرآن الكريم، سيد قطب ٣/١٢٧٨.

133 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/١٤٥٨.

134 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٨٢.

135 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٦٤٧.

136 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٨٦.

137 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٩٨.

138 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٨٦.

139 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٩٢.

140 انظر: في ظلال القرآن الكريم، سيد قطب ٣/١٢٨٨.

141 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٩٩، فتح البيان، القنوجي ١١/٣١١.

142 انظر: في ظلال القرآن الكريم، سيد قطب ٥/٢٩٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ٢٣/٣٧.

143 انظر: فتح البيان، القنوجي ١١/٣١١.

144 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/١١٥، التسهيل، ابن جزي الكلبي ١/٤٥٠.

145 في ظلال القرآن الكريم، ٤/٢٢٣٨.

146 الكشاف، الزمخشري ٢/٦٨٠.

147 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٩٣، البحر المحيط، أبو حيان ٦/٥٨.

148 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٠١.

149 انظر: نضرة النعيم، مجموعة من الباحثين ٤/١١٣٥-١١٣٨.

150 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٦٦، في ظلال القران الكريم، سيد قطب ١/٥١، ٥٢.

151 انظر: التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٥/٥١٥.

152 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٤٢٠.

153 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٢١٨.

154 انظر: التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/١٠٤٦.

155 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٢١٨، التفسير المنير، الزحيلي ٩/١٥٨.

156 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٩/١٥٩.

157 انظر: التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٤/٧٥٠-٧٥٤.

158 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٩/٥١٦.

159 انظر: فتح البيان، القنوجي ١٣/٤٠٠-٤٠١.

160 انظر: جامع البيان ١/٤٤٨.

161 انظر: درج الدرر، عبد القاهر الجرجاني ١/١٣٨.

162 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٤٥١.

163 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/١٢٨.

164 انظر: درج الدرر، عبد القاهر الجرجاني ١/١٣٨.

165 مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٤٤٣.

166 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٣/٢٥٢.

167 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٦٨.

168 أخرجه الحاكم في المستدرك، ١/ ٣٤٤.

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».