عناصر الموضوع

مفهوم الحرام

الحرام في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

التحريم حق لله تعالى

أنواع التحريم

ميادين الحرام

المحرومون من الجنّة

طريقة القرآن في التحريم

مقاصد التحريم

عقوبة ارتكاب المحرمات

العقوبة في الآخرة

الحرام

مفهوم الحرام

أولًا: المعنى اللغوي:

الحرام من حرم، فالحاء والراء والميم أصل واحد، وجمع الحرام حرم، والحرام ضد الحلال، والحرام هو المنع والتشديد1. ويقال: الحرام والحرم -بكسر الحاء وسكون الراء-، ويجمع على حرم -بضم الحاء والراء، وحرمة الرجل: التي لا تحل لغيره، ولفلان حرمة ببني فلان أي: تحرم، وحريم الرجل: ما يجب عليه حفظه ومنعه، وأحرم الرجل إحرامًا من إحرام الحج فهو حرام وهم حرم، ولبس المحرم وهو لباس الإحرام، وقوم حرم وحرام أي محرمون، ورجل حرمي: منسوب إلى الحرم، والحرمة: المهابة، وللمسلم على المسلم حرمة ومهابة2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الحرام: واحد من الأحكام التكليفية الخمسة وهي: الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح، وقد عرفه العلماء بما يأتي:

١ - الحرام: «الممنوع منه إما بتسخير إلهي أو بشري، وإما بمنع من جهة العقل أو البشرية، أو من جهة من يرتسم أمره»3.

٢ - والحرام: «ما يذم شرعًا فاعله»4.

٣ - والحرام: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله.

وترجح الباحثة التعريف الثالث لمعنى الحرام اصطلاحًا، فهو الأشمل والأدق أما الباقي فهو وصف للحرام أكثر من كونه تعريفًا له.

ومن خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي للفظ (الحرام) يتضح لنا بجلاء العلاقة الوثيقة بين المعنيين، إذ إن (الحرام) اصطلاحًا يعني: ما هو ممنوع، سواء بأمر من الله عز وجل أو من البشر، والحرام لغة: مطلق المنع.

الحرام في الاستعمال القرآني

وردت مادة (حرم) في القرآن(٨٢) مرة5:

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٣٤

( ) [البقرة: ١٧٣]

الفعل المضارع

٥

( ) [الأعراف: ١٥٧]

الاسم

٩

( ) [المائدة: ١]

مصدر

٢٦

( ) [البقرة: ١٤٤]

اسم المفعول

١٨

( ) [الواقعة: ٦٧]

وجاء الحرام في القرآن على ثلاثة أوجه6:

الأول: المنع: ومنه قوله تعالى: ( ) [القصص: ١٢ ].

الثاني: التحريم: ومنه قوله تعالى: ( ) [المائدة: ٨٧].

الثالث: الشرف: ومنه قوله تعالى: ( ) [المائدة: ٩٧].

وهناك وجه رابع ذكر في كلمة (الحرمات) وهو: أنها جمع لكلمة (الحرم)، ومنه قوله تعالى: ( )[ البقرة: ١٩٤].

الألفاظ ذات الصلة

السحت:

السحت لغة:

هو الحرام، وأسحت الرجل: وقع فيه، والسحت: جهد العذاب، وسحتناهم أي: بلغنا مجهودهم في المشقة عليهم7.

السحت اصطلاحًا:

كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار كثمن الكلب والخنزير فهو سحت، وقيل: السحت مبالغة في صفة الحرام وهو الحرام الظاهر8.

الصلة بين الحرام والسحت:

من الواضح أن الحرام والسحت من المترادفات في المعنى.

المحظور:

المحظور لغةً:

بفتح فسكون فضم، المحرم خلاف المباح، ومنه قوله: عز وجل ( ) [الإسراء: ٢٠ ]9.

المحظور اصطلاحًا:

«المحظور في الشريعة: هو ما أعلم المكلف أو دل على قبحه، ولهذا لا يقال إن أفعال البهائم محظورة وإن وصفت بالقبح»10.

الصلة بين الحرام والمحظور:

الحرام يكون مؤبدًا، والمحظور قد يكون إلى غاية11.

الحلال:

الحلال لغةً:

حللت العقدة أحلها حلًا: فتحتها، والحل بالكسر: الحلال، والحل والحلال والحليل: نقيض الحرام، وحل الشيء يحل حلًا وأحله الله سبحانه وتعالى، واستحللته: اتخذته حلالًا، ومنه حللت اليمين تحليلًا وتحلة، ورجل حل من الاحرام، أي حلال، ويقال: أنت حل، وأنت حرم، وهذا لك حل، أي: حلال12.

الحلال اصطلاحًا:

ما أطلق الشرع فعله، وكل شيء لا يعاقب عليه باستعماله13.

الصلة بين الحرام والحلال:

الحرام والحلال من المتناقضات على الإطلاق.

التحريم حق لله تعالى

حدد الإسلام السلطة التي تملك التحليل والتحريم فانتزعها من أيدي الخلق، أيًّا كانت درجتهم في دين الله أو دنيا الناس، وجعلها من حق الرب تعالى وحده، فلا أحبار أو رهبان، ولا ملوك أو سلاطين، يملكون أن يحرموا شيئًا تحريمًا مؤبدًا على عباد الله.

حذر كتاب الله من الحكم على الأشياء بالتحليل والتحريم من دون سند شرعي، وعدّ المغامرين بذلك من عند أنفسهم متطاولين على الشرع ومفترين على الله، فالتشريع المطلق -تحريمًا وتحليلًا وتشريعًا- إنما هو حق خالص لله تعالى 14.

قال الله تعالى: ( ﮫﮬ ) [يونس: ٥٩].

فيحرم على المسلم التحليل والتحريم من دون استناد للشرع؛ لما فيه من الافتراء على الله تعالى.

فقد قال تعالى: ( ﯙﯚ ) [النحل: ١١٦].

وطاعة أولى الأمر من الولاة والرؤساء والعلماء وغيرهم، هي طاعة مرتبطة بطاعة الله وطاعة رسوله وهو أصل التشريع، فالعلماء لا يحلون ولا يحرمون من تلقاء أنفسهم، ولكنهم يبينون الأحكام حسب ما يستنبطون من نصوص الوحي، قال تعالى: ( ﮟﮠ) [النساء: ٨٣]15.

ولذلك أمر الله تعالى عباده بسؤالهم فقال: ( ) [الأنبياء: ٧ ].

وأولوا الأمر كما قال ابن عباس وجابر -رضي الله عنهم-: هم الفقهاء والعلماء الذين يعلّمون الناس معالم دينهم16.

إن قضية التشريع بجملتها مرتبطة بقضية الألوهية، والحق الذي ترتكن إليه الألوهية في الاختصاص بتنظيم حياة البشر، هو أن الله هو خالق هؤلاء البشر ورازقهم، فهو وحده صاحب الحق في أن يحل لهم ما يشاء من رزقه وأن يحرم عليهم ما يشاء، وهو منطق يعترف به البشر أنفسهم، فصاحب الملك هو صاحب الحق في التصرف فيه، والواجب على المسلم الوقوف عند حدود الله عز وجل.

وإذا بين له الحكم الشرعي في أمر أو مسألة أن يقول: سمعنا وأطعنا، فهذه صفات المؤمنين، وإذا كان اليهود والنصارى وأهل الجاهلية قد حرموا على أنفسهم ما لم يحرمه الله تعالى عليهم، فلا بد للمسلم من أن يعتقد أن التحليل والتحريم حق الله وحده، وأنه ليس لأحد من البشر مهما كانت منزلته أو علت درجته أن يحل حرامًا أو يحرم حلالًا، فالتحليل والتحريم حق لله وحده17.

( ﯙﯚ ) [النحل: ١١٦].

وطاعة الحكام أو العلماء في تحليل ما حرم الله سبحانه وتعالى، أو تحريم ما أحل الله، عبادة لهم من دون الله، ونحن نرى في عصرنا هذا علماء السلطان الذين تجرؤوا على الله وأحلوا لملوكهم ما حرم الله وحرموا ما أحل الله ابتغاء الدنيا وملذاتها، وقد نعى القرآن على أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين وضعوا سلطة التحليل والتحريم في أيدي أحبارهم ورهبانهم، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين قال لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: (ﯘﯙ ) [التوبة: ٣١].

قال: إنهم لم يعبدوهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم)18.

وهذا هو الذي تجرأ عليه الكثيرون من المسلمين الذين هم ليسوا أهلا للاجتهاد والقياس، فيقولون: هذا حرام وهذا حلال، بما تصف ألسنتهم الكذب والتهجم على شرع بـما لم يأذن به الله، ومن فعل ذلك منهم فقد تجاوز حده واعتدى على حق الربوية في التشريع للخلق، ومن رضي بعملهم هذا واتبعه فقد جعلهم شركاء لله واعتبر اتباعه هذا شركًا19.

قال تعالى: ( ) [الشورى: ٢١ ].

وقال ابن وهب: قال لي مالك: «لم يكن من فتيا المسلمين أن يقولوا: هذا حرام وهذا حلال، ولكن يقولون: إنا نكره هذا، ولم أكن لأصنع هذا، فكان الناس يطيعون ذلك، ويرضون به»20.

عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه، فلا تتكلفوه)21.

ومن خلال هذه الآيات البينات، يصبح هناك معرفة يقينية أن الله وحده هو صاحب الحق في أن يحل ويحرم، في كتابه أو على لسان رسوله، وأن مهمتهم لا تعدوا بيان حكم الله فيما أحل وما حرم.

قال تعالى: ( ) [الأنعام: ١١٩].

وليست مهمة العلماء التشريع الديني للناس فيما يجوز لهم وما لا يجوز، وكانوا مع علمهم واجتهادهم يهربون من الفتيا، ويحيل بعضهم على بعض، خشية أن يقعوا في تحليل حرام أو تحريم حلال دون قصد منهم.

روى الإمام الشافعي عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: «أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتيا، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينًا بلا تفسير»22.

وعن الربيع ابن خيثم أنه قال: «إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه! أو يقول: إن الله حرم هذا، فيقول الله: كذبت، لم أحرمه ولم أنه عنه»23.

وقال الشيخ المراغي رحمه الله عن هذا: أنه ليس لأحد غير الله عز وجل أن يحرم شيئًا على العباد، لأن التحريم حق لله الخالق للعباد، فمن ادعاه لنفسه فقد جعل نفسه شريكًا له سبحانه وتعالى، والتحريم الذي لا يكون إلا لله هو تحريم التشريع، أما المنع من بعض الثمار لسبب غير التحريم فلا شرك فيه، فإذا منع الطيب بعض المرضى من أكل الثمر أو الخبز لأنه يضره يكون منعًا شرعيًّا أو تحريمًا لا على معنى أن الطبيب هو الذي شرع ذلك، بل الله هو الذي حرم كل ضارّ، والطبيب هو الذي عرّف المريض ضرره. وكذلك منع السلطان من صيد بعض الطيور لمصلحة عامة، كالحاجة إلى كثرته لحفظ بعض الزرع، لأنه يأكل الحشرات المهلكة مثلًا لا يكون تحريمًا24.

أنواع التحريم

ورد في القرآن الكريم نوعان من التحريم، تحريم شرعي: وهو كل منع يتعلق بالشرع، ويكون تحريمًا شرعيًّا، مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( ) [النساء: ٢٣ ].

وتحريم قدري: وهو المنع الذي يتعلق بفعل الله، ويكون تحريمًا قدريًا، وهو ما ذكره الله في كتابه العزيز في قوله: ( ) [القصص: ١٢ ].

أولًا: التحريم الشرعي:

قال تعالى: ( ﯔﯕ )[ النساء: ٢٣].

جاءت هذه الآية بتحريم نكاح خمسة عشر صنفًا من النساء. وهن: سبع من النسب، وسبع من جهة الرضاعة والمصاهرة، وواحدة ما دامت زوجة، وهي المحصنة، وبهذا اللفظ- التحريم- حرمت امرأة الأب والجد على الابن وابن الابن ولو لم يدخل بها الأب، ثم ذكر محرمات النسب وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ، وبنات الأخت، فهؤلاء سبع محرمات من النسب، ثم ذكر المحرمات بالرضاع، وهذا التحريم من الواضح أنه تحريم شرعي25.

قال تعالى: ( ﭬﭭ) [المائدة: ٣ ].

ومن التحريم الشرعي كذلك ما حرمه الله جل جلاله من الميتة، وهي: ما فارقته الروح من غير تذكيه مما له نفس سائلة، والمنخنقة، وهي: التي تنخنق فتموت، قال قتادة رحمة الله: كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها26.

قال الزجاج رحمه الله: «وبأي وجه اختنقت فهي حرام»27.

والموقوذة: المضروبة حتى تموت ولم تذكّ.

والمتردية: هي التي تقع من جبل أو من موضع مشرف فتموت.

والنطيحة: التي تنطحها شاة أو كبش فتموت.

وما أكل منه السبع: قال قتادة رحمة الله: «كان أهل الجاهلية إذا جرح السبع شيئًا فقتله وأكل منه أكلوا ما بقي، فحرمه الله»28.

ثانيًا: التحريم القدري:

والمقصود بالتحريم هنا: منع النفس عن ذلك مع اعتقاده بكونه حلالًا، لا أن يكون قصد به تحريم عينه، وقد يمتنع المرء عن تناول الحلال؛ لغرض له في ذلك.

وهو كقوله تعالى: ( ) [القصص: ١٢].

والمقصود في هذا التحريم هو المجاز عن المنع، فإن من حرم عليه شيء فقد منعه، ولا يصح إرادة التحريم الشرعي؛ لأن الصبي ليس من أهل التكليف، ولا دليل على الخصوصية، فلم يرد به تحريم عينه، وإنما أريد به امتناعه من الارتضاع إلا من ثدي أمه29.

ويقول السمعاني رحمه الله: إن المقصود منعناه من قبول الرضاع، وليس المراد من التحريم هو التحريم الشرعي؛ وإنما المراد من التحريم هو المنع30.

وقال ابن عباس رضي الله عنه: «لا يؤتى بمرضع فيقبلها، وهذا تحريم منع لا تحريم شرع»31.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندب إلى حسن العشرة مع أزواجه، وإلى الشفقة عليهن، والرحمة بهن، فبلغ في حسن العشرة والصحبة معهن مبلغًا امتنع عن الانتفاع بما أحل اللّه له، وأباح له التلذذ به؛ يبتغي به حسن عشرتهن، ويطلب به مرضاتهن32.

قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭜﭝ ) [التحريم: ١ ].

وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلًا، فتواصيت أنا وحفصة: أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: (لا، بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له) فنزلت الآية33.

وفي الآية الكريمة عتاب مؤثر، وفيه دليل على أنه لا يجوز للمؤمن أن يحرم على نفسه ما أحله الله له من متاع الدنيا الذي حلله الله لنا جل جلاله.

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حرم العسل بمعنى التحريم الشرعي، إنما كان قد قرر منع وحرمان نفسه منه، فجاء هذا العتاب يوحي بأن ما جعله الله حلالًا فلا يجوز حرمان النفس منه عمدًا وقصدًا إرضاء لأحد34.

وقال تعالى: ( ﭵﭶ ﭸﭹ ﭼﭽ ﭿ ) [المائدة: ٢٦ ].

لما دعا موسى عليه السلام على بني اسرائيل حين نكلوا عن الجهاد، حكم الله عليهم بتحريم دخولها قدرًا مدة أربعين سنة، فوقعوا في التيه يسيرون دائمًا لا يهتدون للخروج منه35.

والمعنى أن تلك البلد محرمة على بني اسرائيل أبدًا لم يرد به تحريم تعبد، وإنما أراد تحريم منع36.

ومن التحريم القدري: قوله: عز وجل ( ﯮﯯ )[الأعراف: ٥٠ ].

وقال ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية: «ينادي الرجل الرجل فيقول: إني قد احترقت، فأفض علي من الماء، قال: «فيقال: أجبه، فيقول: ( ) [الأعراف: ٥٠]»37.

يقول سبحانه وتعالى مخبرًا عن أصحاب النار وأصحاب الجنة: أنهم ينادون أن أفيضوا علينا من الماء، وذلك لشدة عطشهم، أو من الطعام، وذلك لشدة جوعهم، فيقال لهم: إن الله منعها بسبب كفرهم فلا ينالوهما بحال من الأحوال38.

والتحريم هنا تحريم كوني قدري، أي: منعهما من الكافرين؛ لأن التحريم يطلق في القرآن وفي لغة العرب على التحريم الشرعي، وعلى التحريم بمعنى المنع. وليس المراد هنا أنهما شرعًا محرمات؛ لأنها ليست دار تكليف، ولكنه تحريم قدري، وأن الله منع منهما الكافرين منعًا باتًّا بقدره وقضائه39.

ومن التحريم بمعنى المنع كونًا وقدرًا قوله سبحانه وتعالى: ( ﭿ ) [الأنبياء: ٩٥ ].

والمعنى: «وممنوع على كل قرية قضينا أزلًا بإهلاك أهلها لشدة طغيانهم وفسادهم، وممنوع تخلفهم عن الرجوع إلينا للحساب والجزاء، فلا بد من رجوعهم إلينا مقهورين بقدرتنا، مسخرين ببعثنا إياهم وإعادة الحياة إلى أجسادهم؛ ليلقوا عقابهم الأخروي، بعد ما ذاقوا عذابهم الدنيوي»40.

ويقول النسفي رحمه الله: إن المقصود: ممتنع على أهل القرى الظالمة والتي حكم الله جل جلاله بإهلاكهم؛ رجوعهم من الكفر إلى الاسلام41.

وعن ابن عباس قال: «وجب عليهم أنهم لا يرجعون، لا يرجع منهم راجع ولا يتوب منهم تائب42.

إذن بات من الواضح أن هناك فرقًا بين التحريم الشرعي والتحريم القدري، فالخمر مثلًا أنزل الله فيها قرآنًا بتحريمها.

فهي محرمة شرعًا فضلًا عن مضارها الجسيمة التي لا يغفل عنها عاقل، وقد يحرم الشيء الحلال على بعض الناس، بمعنى المنع خوفًا من الضرر المحتمل على المرء، كما يمنع الطبيب المريض من أكل بعض المأكولات التي أحلها الله سبحانه وتعالى خوفًا على صحته.

ميادين الحرام

إنّ الله عز وجل يحكم ما يريد، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله.

وعند التأمل في المحرمات نجد أن لها مجالات وميادين، ومنها:

أولًا: الكبائر:

عن أنس رضي الله عنه، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور)43.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)44.

١. الشرك بالله.

وهو: جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته، والغالب الإشراك في الألوهية؛ بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئًا من أنواع العبادة، كالذبح والنذر، والخوف والرجاء والمحبة45، والشرك أعظم الذنوب؛ وذلك لأمور:

  1. أنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فمن أشرك مع الله أحدًا فقد شبهه به، وهذا أعظم الظلم، ( ) [لقمان: ١٣].
  2. أن الله أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، قال تعالى: ( ﮮﮯ ) [النساء: ٤٨].
  3. أن الله أخبر أنه حرّم الجنة على المشرك، وأنه خالد مخلد في نار جهنم، قال تعالى: ( ﭿ ﮄﮅ ) [المائدة: ٧٢].
  4. أنّ الشرك تنقص وعيب نزه الله جل جلاله نفسه عنهما، فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه نفسه عنه، وهذا غاية المحادّة لله عز وجل46.

    ٢. عقوق الوالدين.

    قال تعالى: ( ﮞﮟ )[ الإسراء: ٢٣ ].

    هذه الآية جامعة ومشتملة على جميع الحالات التي يكون عليها الآباء في القوة والضعف التي يجب على الأبناء مراعاة الوالدين فيها.

    وإن حق الوالدين مقرون بحق الله في مثل قوله: ( ﭿ ) [لقمان: ١٤].

    فجعل الله جل جلاله الإحسان للوالدين تاليًا لعبادته عز وجل لوجوه، منها:

    • أنهما سبب وجود الولد، فلا إنعام بعد إنعام الله سبحانه وتعالى أعظم من إنعام الوالدين، وإن إنعامهما يشبه إنعام الله عز وجل من حيث إنهما لا يطلبان بذلك ثوابًا، وإنه جل جلاله لا يمل من إنعامه على العبد وكذلك الوالدين47. قال تعالى: ( ) [البقرة: ٨٣]. وقال تعالى: ( ﯝﯞ ) [الأنعام: ١٥١]. لذا كان عقوقهما وسبهما من أكبر الكبائر، عن عبد الله بن عمرو، - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه) قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه)48.
    • إن بر الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل، وعنوان على كمال الشريعة، وإحاطتها بكافة الحقوق.

      ٣. قتل النفس.

      إن الإسلام العظيم دين السلام والحياة، وقتل النفس عنده كبيرة تلي الشرك بالله، فالله واهب الحياة، وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه، فلا تقتل إلا بالحق، وهذا الحق الذي يبيح قتل النفس محدود بيّن لا غموض فيه، وليس متروكًا للرأي، ولا متأثرًا بالهوى49.

      قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٣٣].

      فلا يجوز قتل النفس إلا في ثلاث حالات وهي: القصاص ممن قتل نفسًا، وقتل الزاني المحصن، والمرتد عن الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ، يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)50، وجريمة القتل كبيرة عند الله عز وجل.

      قال تعالى: ( ﭫﭬ) [المائدة: ٣٢ ].

      ويقول القرطبي رحمه الله: «ومعنى ذلك أن من قتل نفسًا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعًا، ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفًا من الله فهو كمن أحيا الناس جميعًا»51.

      وذلك من أجل الترهيب والردع من قتل نفس واحدة، بتصويره بصورة قتل جميع الناس، والترغيب والتحضيض في إحيائها، بتصويره بصورة إحياء جميع الناس52 .

      قال تعالى: ( ) [النساء: ٩٣].

      وقد بين الحق سبحانه وتعالى عددًا من الأمور التي يلاقيها القاتل مريدًا إتلاف نفسه:

    • فمصيره جهنم وبئس القرار باقيًا فيها
    • وغضب الله عليه بقتله إياه متعمدًا
    • وأبعده من رحمته وأخزاه.
    • وأعد له عذابًا مما لا يعلم قدر مبلغه سواه تعالى ذكره53.

      ٤. شهادة الزور.

      من صفات عباد الرحمن التي امتدحوا بها أنهم لا يؤدون شهادة الزور، ولا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، ليحصلوا على ما ليس لهم54.

      قال تعالى: ( ) [الفرقان: ٧٢ ].

      قال تعالى: ( ﯵﯶ ﯿ) [الإسراء: ٣٦].

      عن قتادة قال لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله جل جلاله سائلك عن ذلك كله.

      وفي قوله تعالى: ( ) ]الحج: ٣٠قال ابن الحنفية: شهادة الزور55.

      ٥. اليمين الغموس.

      اليمين الغموس ليس بالأمر الهيّن، فإنها إنما سميت غموسًا؛ لأنها تغمس الحالف في النار.

      كيف لا يكون كذلك وهو يتقدم بلا اكتراث ولا مبالاة، إلى أحد الأسماء الحسنى فيحلف بها، مؤكدًا قوله عند السامع بهذا الحلف، ولا يفكر أن الحلف بالله كذبًا استخفافٌ باسم الله واستهانة به.

      وهو شبيه بحال المنافقين، الذين قال الله عنه: ( )[ التوبة: ٤٢].

      كفى بالحلف الكاذب شؤمًا ولؤمًا أنه فعل المنافقين، وأن فاعله من المؤمنين إنما يفعل فعلا يشابه فيه أهل النفاق، أخبث الكفار، الذين أخبر الله عنهم أنهم رجس وأنهم في الدرك الأسفل من النار56، وانطبق على كثير من أهل هذا العصر الذين لا يبالون باليمين الكاذب ولا بمن يتشبهون، وهناك العديد من الآيات التي وصف المنافقين بالإكثار من الحلف الكاذب أو اليمين الغموس.

      أمّا إن كان الحالف غير متعمد للكذب فيقول عز وجل: ( ﭛﭜ )[ البقرة: ٢٢٥ ].

      أي لا يؤاخذكم بما جرى على لسانكم من ذكر اسم الله من غير قصد الحلف، كقول أحدكم: (بلى والله، ولا والله) لا يقصد به اليمين، ولكنكم محاسبون بما قصدتم إليه وعقدتم57.

      ثانيًا: ما حرّم في النكاح:

      الحديث هنا عما حرمه الله على الرجال، ومنع زواجهم به من النساء، وهذا التحريم يكون إما بسبب النسب، وإما بسبب المصاهرة، وإما بسبب الرضاع الذي يترتب عليه ما يترتب على النسب.

      قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ) [النساء: ٢٢ ].

      حرم الله سبحانه وتعالى زوجات الآباء تكرمة لهم، وإعظامًا واحترامًا أن توطأ من بعده، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها58.

      عن عدي بن ثابت، عن رجل من الأنصار قال: (لما توفي أبو قيس -يعني ابن الأسلت-وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته، فقالت: إنما أعدك ولدًا وأنت من صالحي قومك، ولكن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا قيس توفي، فقال: (خيرًا)، ثم قالت: إن ابنه قيسًا خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولدًا، فما ترى؟ فقال لها: (ارجعي إلى بيتك)، قال: فنزلت هذه الآية)59.

      قال تعالى: ( )[ النساء: ٢٣].

      بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ما يحل وما يحرم من النساء، فحرم سبعًا من النسب، وستًّا من الرضاع والصهر، وألحقت السنة المتواترة تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، ووقع عليه الإجماع.

      فالسبع المحرمات من النسب: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.

      والمحرمات بالمصاهرة والرضاع: الأمهات من الرضاعة، والأخوات من الرضاعة، وأمهات النساء، والربائب60، وحلائل الأبناء، والجمع بين الأختين، ومنكوحات الآباء والجمع بين المرأة وعمتها61.

      ويحرم على الرجل أن يتزوج بأمه، وبأم زوجته، وبزوجة أبيه، وابنته، وبأخته، وبعمته، وبخالته، وببنت أخيه، وببنت أخته، وبزوجة ابنه، وتحرم عليه المرأة المتزوجة بغيره، ويحرم عليه الجمع بين الأختين ومثله الجمع بين المرأة وعمتها و خالتها، قال عليه السلام: (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها)62.

      كما يحرم عليه من الرضاع مثل ما حرم عليه من النسب، قال صلى الله عليه وسلم: (وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)63.

      ولا شك أن لله حكمًا كبرى في تحريم زواج الرجال من النساء اللاتي تتناولهن هذه الآيات الكريمة ومن ذلك:

      أن الزواج بمن يجب توقيرهن واحترامهن كالأم والعمة والخالة، أو من تجب رعايتهن والعطف عليهن، كالبنت والأخت، وبنات الأخ والأخت، قد يؤدي إلى معاملتهن معاملة غير مرضية، عندما تطرأ بعض الهزات والخلافات على الحياة الزوجية، وينشأ عن ذلك شقاق في العائلة لا يمحى طول العمر.

      والشعور الغريب الذي يشعر به الأب إذا عرف أن ابنه قد يخلفه في زوجته، أو الابن إذا عرف أن أباه قد سبقه إليها.

      كيف يكون شعور الأم إذا زاحمتها بنتها في زوجها، وشعور البنت إذا زاحمتها أمها، وشعور الأخت إذا زاحمتها أختها، فأية أمومة وأية أخوة تبقى وقتئذ بينهن وهن يتصارعن على امتلاك قلب واحد، ويتزاحمن على الاستقلال بفراش واحد64.

      ومن المحرمات كذلك النساء المتزوجات، قال تعالى: ( ﭘﭙ) [النساء: ٢٤].

      ويطلق الإحصان على المرأة ذات الزوج والحرة، والعفيفة، والمرأة المسلمة، وهو والمراد من الإحصان هنا، فلا يحل لأحد نكاحهن قبل مفارقة أزواجهن65.

      وعن ابن عباس في هذه الآية أن المحصنات هن ذوات الأزواج66.

      ومن الزيجات المحرمة: زواج المسلمة من المشرك.

      قال تعالى: ( ﮄﮅ ﮌﮍ ﮑﮒ)[ البقرة: ٢٢١ ].

      أمر المولى عز وجل ألا نزوج المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه، لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. 67

      فالعبد المؤمن خير من المشرك، وعلل جل جلاله النهي عن مواصلتهم، وترغيب في مواصلة المؤمنين؛ لأن المشركين يدعون إلى الكفر المؤدي إلى النار فلا يليق موالاتهم ومصاهرتهم68.

      ثالثًا: المحرم من الأطعمة والأشربة:

      إن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده يغمرهم بفضله، وينعم عليهم بمننه، ولا يحب لهم إلا الطيب من الطعام، وينأى بهم عن الأطعمة المحرمة؛ لأنها من دنس الشيطان ووسوسته، إن الشيطان لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، يقول جل جلاله: ( ﯲﯳ )[ البقرة: ١٦٨].

      وقد حرم الشارع بعض المطعومات وبعض المشروبات، وحلل الكثير الكثير الذي لا يعد ولا يحصى، ومنها:

      فأما الأشربة: فقد حرم منها الخمر.

      فقد بَيَّنَ الحق جل جلاله أنه خبيث مستقذر، من عمل الشيطان، من تزينيه، وأمرنا باجتنابه69.

      قال تعالى: ( )[ المائدة: ٩٠].

      ولأن الخمر يزيل العقل، وإذا زال العقل استولت الشهوة والغضب على المرء، وعند استيلائهما تحصل المنازعات، وتلك المنازعات ربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء70.

      قال تعالى: ( ﭱﭲ )[ المائدة: ٩١].

      وأما المأكولات: فقال تعالى: ( ﭬﭭ ﭯﭰ)[ المائدة: ٣ ].

      الأطعمة المحرمة في الإسلام كما في هذه الآية عشر، وهي:

    1. الميتة، هو كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية، مما أحل الله أكله.
    2. والدم المسفوح المهرق، قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٣].
    3. ولحم الخنزير.
    4. وما ذكر عليه غير اسم الله.
    5. المنخنقة، التي تختنق فتموت.
    6. الموقوذة، التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت.
    7. المتردية، هي التي تردى من الجبل، أو في البئر، فتموت.
    8. النطيحة، الشاة التي تنطحها أخرى فتموت من النطاح بغير تذكية.
    9. ما أكل السبع، ما أكل منه السبع غير المعلم من الصوائد.
    10. ما ذبح على النصب71.

      وكذلك من الأطعمة المحرمة كل طعام خبيث ضار، وإن لم يفصل القرآن الكريم في ذلك.

      قال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٥٧ ].

      ولكن وردت في السنة المطهرة ما يبين ذلك:

      • كل ما له ناب من السباع يفترس به كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب إلخ... عن أبي ثعلبة رضي الله عنه (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كلّ ذي نابٍ من السّباع)72.
      • جميع الحيوانات السامة كالحيات، والأفاعي، والعقارب، ونحو ذلك.
      • جميع الحيوانات المستخبثة كالفأرة، والقنفذ، والجرذان، ونحوها، عن عائشة - رضي الله عنها - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (خمسٌ فواسق، يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحديّا، والغراب، والكلب العقور)73.
      • الحمر الأهلية، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة، ورخّص في الخيل)74.
      • كل ما له مخلب من الطير يصيد به كالصقر، والعقاب، والبازي، والنسر، والشاهين، فعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلّ ذي نابٍ من السّباع، وعن كلّ ذي مخلبٍ من الطّير)75.
      • الفواسق التي أمر الشرع بقتلها، وهي من الطيور الغراب والحدأة، فعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمسٌ من الدّوابّ، كلّهنّ فاسقٌ، يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)76.
      • كل ما نهى الشرع عن قتله بعينه كالهدهد والصّرد ونحوهما، فعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: (إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربعٍ من الدّواب: النّملة، والنّحلة، والهدهد، والصّرد)77.
      • جميع أصناف الحشرات يحرم أكلها؛ لأنها مستخبثة كالخنافس، والجعلان، والصراصير، والبراغيث، والقمل، والذباب، والديدان، والبعوض ونحوها78. فكل هذه الحشرات مستخبثة مستقذرة، تعافها النفوس، وينفر منها الطبع، فيحرم أكلها لخبثها وضررها وقذارتها.

        رابعًا: المحرم من المعاملات:

        إن الأصل في المعاملات، وأنواع التجارات والمكاسب، الحل والإباحة، فلا يمنع منها إلا ما حرمه الله ورسوله.

        فهذا أصل عظيم، يستند إليه في المعاملات، وبهذا يعلم سماحة الشريعة وسعتها، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وتطورها حسب مقتضيات البشر، ومصالح الناس.

        ولا تخرج المعاملة عن هذا الأصل العظيم، من الإباحة و التحريم، إلا لما يقترن بها من محذور، يرجع إلى ظلم أحد الطرفين79.

        والمعاملات المحرمة ترجع إلى ضوابط محددة، وما حرمت إلا لمفاسدها وظلمها، فإن الشارع الحكيم الرحيم، جاء بكل ما فيه صلاح، وحذر عن كل ما فيه فساد، وهذه الضوابط هي:

        الأول: الربا بأنواعه الثلاثة:

      • ربا الفضل.
      • ربا النسيئة.
      • ربا القرض.

        قال تعالى: ( ) ]البقرة: ٢٧٨]

        الثاني: الجهالة والغرر.

        الثالث: الخداع والتغرير80.

        فكل معاملة اشتملت على واحد من هذه الثلاثة فالشرع قد حرمها، وما عدا ذلك فهو حلال؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة.

        قال تعالى: ( ﭫﭬ)[ البقرة: ٢٧٥ ].

        إن الربا من كبائر الذنوب لما فيه من الضرر العظيم:

      • فهو يسبب العداوة بين الناس.
      • ويؤدي إلى تضخّم المال على حساب سلب مال الفقير.
      • وفيه ظلم للمحتاج، وتسلّط الغني على الفقير، وإغلاق باب الصدقة والإحسان، وقتل مشاعر الشفقة في الإنسان، حيث ينطبع قلب المرابي بالأثرة، والبخل، وضيق الصدر، وقساوة القلب، والعبودية للمال81.

        ولأن الربا من أعظم الذنوب، فقد أعلن الله عز وجل الحرب على آكل الربا وموكله من بين سائر الذنوب82.

        قال تعالى: ( ﯛﯜ)[ البقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩].

        والمعاملة بالربا تمحق صاحبها، وتمحق ماله، وإن تمتع به قليلًا، فمآله إلى المحق والقل، كما أن المتصدق يفتح الله له من أبواب الرزق مالا يفتحه على غيره، وبين عز وجل أن الربا وإن كان زيادة في الحال، إلا أنه نقصان في الحقيقة، وأن الصدقة وإن كانت نقصانًا في الصورة، إلا أنها زيادة في المعنى83.

        قال تعالى: ( ﮈﮉ ) [البقرة: ٢٧٦].

        ومن المعاملات المحرّمة:

      • بيع المسكر المائع والكلب غير الصيود والخنزير، وكذا الميتة النجسة.
      • بيع المال المغصوب.
      • بيع ما لا مالية له: كالسباع إذا لم تكن لها منفعة محلّلة معتدّ بها.
      • بيع ما تنحصر منفعته المتعارفة في الحرام: كآلات القمار واللهو المحرم.
      • المعاملة الربوية.
      • المعاملة المشتملة على الغش84.

        وفي عصرنا المادي هذا يعيش عبيد المال الذين يقدمون على المعاملات المحرمة والمكاسب الخبيثة بدافع حب المادة؛ كالذين يتعاملون بالربا مع البنوك وغيرها، والذين يأخذون المال عن طريق الرشوة والقمار، وعن طريق الغش في المعاملات والفجور في المخاصمات، وهم يعلمون أن هذه مكاسب محرمة لا بركة فيها؛ لأنه محارب من رب الأرباب، لكن حبهم للمال أعمى أبصارهم، وجعلهم عبيدًا لها؛ فصاروا يطلبونها من أي طريق متناسين قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله أبى علي أن يدخل الجنة لحمًا نبت من سحت، فالنار أولى به)85.

        خامسًا: المحرم من الأزمنة والأمكنة:

        إذا نظرنا إلى التشريع في الإسلام تجاه الزمان والمكان: فالله سبحانه وتعالى فاضل بين الأزمنة كما فاضل بين الأمكنة وكما فاضل بين الخلائق كلها.

        ١. المحرم من الأزمنة.

        وعن ما حرمه الله عز وجل من الأزمنة يقول جل جلاله: ( ﯖﯗ ﯚﯛ ﯟﯠ) [التوبة: ٣٦ ].

        تلك الأربعة الحرم حرم الله سبحانه وتعالى الاعتداء فيها، بل وجعل النسيئة زيادة في الكفر، وكان العرب حينما يمر عليهم ثلاثة أشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم يستطيلون تحريم ثلاثة أشهر لا يقاتلون فيها ولا يسلبون ولا ينهبون86.

        عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)87.

        وأما الحكمة الإلهية الجليلة في تحريم تلك الأشهر الحرم: أن العرب كانوا يعيشون نظامًا قبليًّا، وكانوا يحجون إلى البيت وهم على شركهم، وإذا أراد أن يحج فالقبائل أمامه تعترضه، فالله جعل أشهر الحج ضمن الأشهر الحرم التي يحرم الاعتداء فيها.

        قال تعالى: ( ) [المائدة: ٢].

        فكانوا يحترمون الهدي إذا سيق إلى البيت، والقلائد، وآمين البيت الحرام، فإذا عرفوا أنهم عمّار أو حجاج كفوا عنهم فجعل الله الحج متزامنًا مع الأشهر الحرم ليأمن الحاج من أقصى الجزيرة إلى البيت ذهابًا وإيابًا88.

        فحرم الله عز وجل القتال في الأشهر الحرم، قال تعالى: ( ﭳﭴ ﭸﭹ ﭿ) [البقرة: ٢١٧ ].

        خص الله جل جلاله الأربعة الأشهر بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًّا عنه في كل الزمان89.

        وقد فضل الله شهر رمضان عن باقي الأشهر، وفضل يوم الجمعة ويومي الاثنين والخميس، ومن الأوقات المفضلة أيضًا العيدان الفطر والأضحى.

        ٢. من الأمكنة المحرمة.

        عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمعرف)90.

        وللبيت الحرام، أي الكعبة المشرفة مكانة عظيمة عند الله تعالى في شريعة إبراهيم الخليل عليه السلام، وفي شريعة الإسلام، لاعتبارات معنوية سامية، ولكونها مقرًّا لتوحيد الله جل جلاله من قبل جميع الناس، كما عظّم الله الشهر الحرام كالمحرّم ورجب، وكل ما يهدى لأهل الكعبة من أنعام أو مواش، وعظّم الله ذوات القلائد من الهدي، وهي الأنعام التي كانوا يضعون القلادة على أعناقها إذا ساقوها هديًا مقدّمًا لذبحه وتوزيعه على فقراء الحرم91.

        قال تعالى: ( ﭳﭴ ﭿ ) [المائدة: ٩٧ ].

        وكذلك المدينة المنورة من الأماكن المقدسة والمحرمة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)92.

        وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا، ولا عدلًا، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم)93.

      المحرومون من الجنّة

      • لقد أعد الله سبحانه وتعالى جنات عدن للمؤمنين من عباده، وحرمها على البعض الذين أمعنوا في عصيانه والكفر به جل جلاله.

        أولًا: المشرك.

        حرم الله جل جلاله الجنة على من مات مشركًا بمنعه الجنة وخلوده في النار، وأنه لا يغفر له ولا يجد ناصرًا، بقوله: ( ﭿ ﮄﮅ ) [المائدة: ٧٢ ].

        عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأخذن الرجل بيد أبيه يوم القيامة فليقطعنه النار يريد أن يدخله الجنة، فينادى: إن الجنة لا يدخلها مشرك، ألا إن الله قد حرم الجنة على كل مشرك، فيقول: رب أبي، رب أبي، رب أبي، قال: فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة فيتركه)94.

        ويخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم يستطعمونهم ويستسقونهم ولكنهم لا يجابون إلى ذلك؛ لأن الله حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين95، قال تعالى: ( )[ الأعراف: ٥٠ ].

        ثانيًا: المنتحر.

        وقد حرم الله جل جلاله قتل المرء لنفسه لأي سبب كان لأن الموت والحياة لله وحده ولا يجب أن يشاركه فيه أحد، عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جرحٌ فجزع، فأخذ سكّينًا فحزّ بها يده، فما رقأ الدّم حتّى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرّمت عليه الجنّة)96.

        ثالثًا: الإمام الغاشّ لرعّيته.

        عن معقل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من والٍ يلي رعيّةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌّ لهم إلا حرّم الله عليه الجنّة)97.

        رابعًا: من أخذ مال المسلم بغير حقّ.

        قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٨ ].

        ينهى المولى عز وجل عن أكل البعض مال البعض بالوجه الذي لم يبحه اللّه ولم يشرعه، وألا يلقوا أمرها إلى الحكام بالتحاكم بشهادة الزور، أو باليمين الكاذبة، أو بالصلح، مع العلم بأن المقضى له ظالم98.

        وقال تعالى: ( ﮎﮏ ) [النساء: ١٠].

        فالذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا وبغير حق إنما يأكلون في بطونهم حرامًا، والحرام يوجب النار99.

        وعن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع حقّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة، فقال له رجلٌ: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن قضيبًا من أراكٍ)100.

        خامسًا: قاطع الرحم.

        عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)101.

        سادسًا: من ادعى إلى غير أبيه.

        قال تعالى: ( ﮜﮝ ﮥﮦ ﮰﮱ )[ الأحزاب: ٥].

        هذه الآية ناسخة لما كان في ابتداء الإسلام، من جواز ادعاء الأبناء الأجانب فأمر سبحانه وتعالى بردّ نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة؛ لأن هذا هو العدل والقسط والبر، وليس على المؤمنين ذنبٌ أو إثم فيمن نسبتموهم إلى غير آبائهم خطًا، ولكنّ الإثم فيما تقصدتم وتعمدتم نسبته إلى غير أبيه102.

        وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنّة عليه حرامٌ)103.

        سابعًا: من قتل المعاهد.

        الذي تعاهد عليه الناس والعقود التي يتعاملون بها هم ملزمون بها ومسؤولون عنها، فأمر الله عز وجل بالوفاء بالعهد؛ لكون الوفاء سببًا لعامة الصلاح والغدر سببًا لعامة الفساد، وعظم الله أمرهما104.

        قال تعالى: ( ﯛﯜ ) [الإسراء: ٣٤].

        والمعاهد بينه وبين المسلمين عهود وعقود علينا الالتزام بها، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدًا في غير كنهه حرّم الله عليه الجنّة)105.

      طريقة القرآن في التحريم

      • حرم الله عز وجل بعض الأمور على عباده إما لحكمة أدركوها وعرفوها، وإما لحكم لا يعلمها إلا الله جل جلاله، وفي كلتا الحالتين جاء التحريم في ثلاث طرق: إما أن يكون التحريم بشكل قطعي ونهائي دون جدل، وإما أن يكون بالتدريج مراعاة لأحوال العباد، وإما أن يكون تحريمًا مؤقتًا ينتهي وقت ما شاء الله سبحانه وتعالى.

        أولًا: التحريم الفوري:

        هناك من المحرمات ما كان تحريمها مباشرًا وبشكل فوري و قطعي، من دون حاجة للتدرج فيه؛ لخطورتها على الفرد والمجتمع.

        قال تعالى: ( ﮞﮟ ) [النحل: ١١٥ ].

        امتن الله سبحانه وتعالى على عباده برزقه اياهم، وأرشدهم إلى الأكل من طيبه، وبين أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة، وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية، سواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة، أو قد عدا عليها السبع، أو ما ذبح على النصب.

        قال تعالى: ( ﭬﭭ ﭯﭰ) [المائدة: ٣]106.

        ومن المحرمات بطريقة كلية لخطورتها الزنا لما له أثر هدام على المجتمع المسلم، فجريمة الزنا يترتب عليها اختلاط الأنساب، وضياع الأموال.

        قال تعالى: ( ﭿ ﮅﮆ )[ النور: ٣ ].

        فالزاني لخسّته وقبحه، لا يطأ سفاحًا إلا زانية تماثله في فحشه وخبثه، أو امرأة مشركة لا ترى فيه ما يشينها، فكلتاهما تطاوعه لفقد الوازع الديني والخلقي لديهما، أما العفيفة المؤمنة فلا سبيل له إلى الفسق بها، لحصانتها بعفتها ودينها المتين، والزانية لخستها وفحشها لا يطؤها سفاحًا إلا زانٍ يماثلها في فحشها، أو مشرك يحاكيها في خبثها، وحرم ذلك على المؤمنين بشكل قاطع، لأنه لا يليق بإيمانهم التلوث بمثله، ولو كان لدى الزناة إيمان لبعدوا عنه 107.

        قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن)108.

        ومن المحرمات: قتل النفس.

        قال تعالى: ( ) ]الإسراء: ٣٣].

        لا تقتلوا نفسًا قد حرّم الله جل جلاله قتلها إلا بحقها، وحقها هو أن تكفر بعد إسلام، أو تزني بعد إحصان، أو قودًا بنفس أما غير ذلك فهو حرام، وقد بين الله عز وجل له العذاب الشديد109.

        ومن المحرمات: الربا.

        قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٧٥] .

        وقال تعالى: ( )[البقرة: ٢٧٨].

        وقال تعالى: ( ﯯﯰ ) [آل عمران: ١٣٠ ].

        وغير ذلك من النصوص المحرمة للربا، وقد نقل الأئمة الإجماع على تحريم الربا إذا تقرر هذا التحريم القطعي للربا، فيجب أن يعلم أنه يحرم على المسلم أن يكون طرفًا في أي عملية ربوية، ويحرم عليه أن يسهم في العملية الربوية بأي شكل بسبب أضرارها البالغة الخطورة110.

        وهذه الآية جامعة لما حرمه الله عز وجل والبعد عن هذه المحرمات بشكل صريح، ويتضمن الالتزام بالسلوك الحلال.

        قال تعالى: ( ﯘﯙ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯼﯽ ﯿ ) [الأنعام: ١٥١ ].

        وبدأ بالنهي عن أكبر المحرمات وهي الشرك: كالرياء، وعدم صدق النية في العمل.

        ثم رضا الوالدين وتحريم عقوقهما من الأمور التي طلبها الشارع، وحث عليها، بعد الأمر بالتوحيد والإخلاص لله وحده.

        بعد أن قرر الله سبحانه وتعالى حق الوالدين على الولد، عقبه بالنهى عن قتل الأبناء بسبب الفقر.

        ونهى عن الاقتراب من المحرمات كلها على وجه العموم، فضلًا عن الوقوع فيها ما يفعل منها علانية، وما يفعل منها سرًّا.

        ثم نهى عن قتل النفس التي عصمها الله من القتل: بالإسلام، أو بالعهد - لأى سبب من الأسباب - إلا بالحق وقد سبق الحديث عن حقها111.

        ثانيًا: التحريم التدريجي:

        جاء الإسلام والعرب كانوا في إباحة واسعة يكرهون كل ما يقيد حريتهم أو يحد من شهواتهم، وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة لا يستطيعون التحول عنها دفعة، فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يفاجئوا بالأحكام جملة فتثقل بها كواهلهم وتنفر منها نفوسهم؛ ولذلك وردت الأحكام التكليفية شيئًا فشيئًا؛ ليكون السابق من الأحكام معدًا للنفوس ومهيئًا لها لقبول اللاحق، وبذلك تكون أوقع في النفس وأقرب للانقياد.

        من ذلك: تحريم الخمر، فإنها كانت متمكنة من نفوس العرب تمكنًا اقتضت معه الحكمة الإلهية أن يتدرج القرآن في تشريع أحكامها، فلم يصرح لهم بتحريمها من أول الأمر، بل قال في جواب عنها وعن الميسر عندما سئل عنها: إن فيها منافع ولكن ضررها أكبر112.

        قال تعالى: ( ﯦﯧ ) [البقرة: ٢١٩ ].

        وبعد أن أشار القرآن الكريم إلى أنه ينبغي تركها لغلبة إثمها نهى الناس عن الصلاة في حالة السكر.

        قال تعالى: ( ) [النساء: ٤٣ ].

        ثم صرح سبحانه وتعالى بالنهي عنها نهيًا عامًا مؤكدًا فقال سبحانه وتعالى: ( ﭱﭲ )[ المائدة: ٩٠ - ٩١].

        والمتأمل في الآيات الكريمة التي نزلت في تحريم الخمر يرى أنه أشارت في إيجاز إلى المفاسد الرئيسية للخمر.

        فآية النساء التي منعت من اقتراب الصلاة في حالة السكر بينت علة المنع، وهي: ألا يعلم المصلي ما يقول، وفي هذا إشارة إلى أن الخمر تخرج الإنسان عن وعيه، وتفقده إدراكه، وفي ذلك امتهان للعقل الذي كرم الله سبحانه وتعالى به الإنسان وفضله على سائر المخلوقات، فالخمر مفسدة للفرد في عقله وآدميته.

        وبينت آية المائدة التي جاء فيها التحريم النهائي للخمر، سبب هذا التحريم وهو أن الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وتصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة، فشربها مفسدة خلقية واجتماعية ودينية113.

        جاء التشريع الإسلامي متدرجًا في مخاطبة الأمة بشأن الخمر والميسر، فمهد أولًا ببيان اشتمالهما على الإثم الكبير، وأنه غالب على النفع الموجود فيهما، فكشف لهم الحال على حقيقتها ولم يحتم عليهم في طلب الترك، ففهم قوم طلب الكف فكفوا وغلب آخرون جانب الرخصة فترخصوا، بقي الأمر محتملًا عند آخرين فطلبوا زيادة البيان، ثم فطموا عن شرب الخمر وقتًا طويلًا من ساعات الليل والنهار، ثم جاء التحريم القطعي الذي لا مساغ للتأويل فيه114.

        نزل التحريم القطعي؛ لأنهم بهذا التدريج يتكيفون؛ لأنهم أشربت قلوبهم حب الخمر، فالعرب يحبون الخمر، ويشربونها ويزاولونها بكثرة، فمن رحمة الله عز وجل أن نزل تحريمها تدريجيًّا فجاء في آخر الأمر قوله جل جلاله: ( ) [المائدة: ٩٠ ].

        الاجتناب هو الابتعاد، والمقصود أبعدوه واجعلوه في ناحية، وقد أمر عز وجل باجتناب هذه الأمور المحرمة، واقترنت بصيغة الأمر، فكان ذلك على جهة التحريم القطعي115.

        عن أنس رضي الله عنه، (كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي: (ألا إن الخمر قد حرمت)، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج، فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله: ( ) [المائدة: ٩٣].

        الآية)116.

        ثالثًا: التحريم المؤقت:

        أما التحريم المؤقت، فإنه يمنع من التزوج بالمرأة، ما دامت على حالة خاصة، فإن تغيرت تلك الحال زال التحريم، صارت حلالًا، ومن المحرم على المسلم حرمة مؤقتة:

      1. الجمع بين الأختين لقوله سبحانه وتعالى ( ﯔﯕ )[ النساء: ٢٣ ]. بالإضافة إلى أن الجمع بينهما يولد الشقاق بين الأقارب، ويعكر صفو الأخوة والمودة، ويمزق ما بين الأرحام من صلات117.
      2. الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وقد سبق الحديث عن ذلك.
      3. زوجة الغير، وذلك رعاية لحق الزوج، لقوله تعالى: ( ﭘﭙ) [النساء: ٢٤أي: وحرمت عليكم المحصنات من النساء، وهن ذوات الأزواج118.

        فهذه تحرم خطبتها إلا أن تكون تلميحًا فقط.

        قال تعالى: ( ﭹﭺ ﭿ ﮇﮈ ) [البقرة: ٢٣٥ ].

        ومن التحريم المؤقت: خطاب الله عز وجل للمؤمنين الذين يرغبون في مناجاة الرسول والتحدث إليه في شؤونهم الخاصة أن يتقربوا إلى الله قبل لقاء الرسول، بتقديم الصدقات إلى الفقراء المسلمين، ثم يأتوا إليه وقد ازدادوا طهرًا وصفاء، أما الذين لا يملكون ما يتصدقون به على الفقراء، لكونهم من نفس الفقراء، فلا حرج عليهم في لقائه ومناجاته دون تقديم أية صدقة.

        وإلى هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى: ( ﭛﭜ ﭠﭡ ) [المجادلة: ١٢ ]119.

        عن مقاتل: أن الأغنياء كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته، ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم، فنزلت120.

        قال الألوسي تعليقًا على نزول هذه الآية:

        • وفي هذا الأمر تعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم وإكبار شأن مناجاته.
        • التخفيف عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتقليل من المناجاة ودفع للتكاثر عليه من غير حاجة مهمة.
        • نفع بالصدقات والتهوين عليهم.
        • تمييز بين المخلص والمنافق، ومحب الآخرة ومحب الدنيا؛ فإنّ المال محكّ الدواعي121.

          وقال زيد بن أسلم: لما نزلت هذه الآية انتهى أهل الباطل عن النجوى؛ لأنهم لم يقوموا بين يدي نجواهم صدقة، وشق ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا عن النجوى، لضعف كثير منهم عن الصدقة، فخفف الله عنهم بقوله سبحانه وتعالى: ( ﭰﭱ ﭾﭿ ) [المجادلة: ١٣].

          فنسخت فرضية الزكاة هذه تخفيفًا على الناس حيث إنهم تثاقلوا منها122.

        مقاصد التحريم

        • القرآن الكريم والسنة الشريفة أتيا للتعريف بمصالح الدارين جلبًا لها، والتعريف بمفاسدهما دفعًا لها، وهذه المصالح لها ثلاثة أقسام: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيّات.

        • الضروريات خمس: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ العقل.
        • الحاجيات تدور على التوسعة، والتيسير، ورفع الحرج، والرفق في هذه المقاصد.
        • التحسينيّات ترجع إلى العمل بمكارم الأخلاق وما يحسن في مجاري العادات في هذه المقاصد الخمس123.

          وقد ذكر وبين من هذه المقاصد العامة: حفظ النظام، وجلب المصالح، ودرء المفاسد، وإقامة المساواة بين الناس، وجعل الشريعة مهابة مطاعة نافذة، وجعل الأمة قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال.124

          ويقرر علال الفاسي أن «المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل وفي العمل، وإصلاح في الأرض، واستنباط لخيراتها، وتدبير لمنافع الجميع»125.

          إن من مقاصد الشريعة الإسلامية جلب النفع ودفع الضرر، فمن جلب المنافع إباحة جميع ما في الأرض، وتسخير كل القوى لخدمة الإنسان قال تعالى: ( ) ]البقرة: ٢٩ ].

          والقاعدة في ذلك عند فقهاء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي الحظر أما دفع المضار فإن الإسلام قد شرع من الأحكام ما يهدف به إلى الحماية والمحافظة على ما يعرف بالضروريات لكل مجتمع من المجتمعات، وهذه الضروريات جاءت جميع الشرائع السماوية بحمايتها والمحافظة عليها، لأنه لا حياة للناس بدونها ولا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة إلا بصونها عن عبث العابثين126.

          لذا كان من أسباب التحريم كما جاء في القرآن الكريم:

        1. المحرم رجس قذر ونجس.

          قال تعالى: ( ) [المائدة: ٩٠ ].

          إنما حرم لحم الخنزير لكونه نجسًا فهذا يقتضي أن النجاسة علة لتحريم الأكل فوجب أن يكون كل نجس يحرم أكله127.

        2. أنه فسقٌ وخروجٌ عن طاعة الله.

          قال تعالى: ( ) [الأنعام: ١٤٥ ].

        3. أنه ذبح لغير الله.

          قال تعالى: ( ﮞﮟ ) [النحل: ١١٥].

          ومن الحكمة كذلك من تحريم بعض الأطعمة والأشربة:

          • الحفاظ على العقل الذي به تتم عبادة الله وعمارة الأرض، بتحريم كل ما يعطل العقل كالخمر والمخدرات، فالعقل نعمة من نعم الله الجليلة فهو الذي يميز به المرء بين الهدى والضلال، والخير والشر، والطيب والخبيث. والعقل هو مناط التكليف وبه فضل الله الإنسان على بقية أنواع الحيوان؛ لذا حرصت الشريعة الإسلامية على تحريم كل ما يضر بالعقل، فحرمت الخمر وكل مسكر.
          • الحفاظ على النفس بتحريم كل ما يحدث الضرر بها أو يشكل خطرًا على حياة الإنسان.
          • حفظ المال بعدم إضاعته فيما لا نفع فيه، خاصة إذا أثبت ضرره على صحة الإنسان، وأصبح محرمًا شرعًا كالتدخين والمخدرات مثلًا128.
          • الوقاية من الأمراض الناتجة عن الأطعمة المحرمة، كالدم المسفوح الذي يعد أنسب مكان لانتشار الجراثيم ونموها.
          • المحافظة على الأنساب فقد حرم الإسلام الزنا ووضع له العقوبة الرادعة جلدًا أو رجمًا. قال تعالى: ( ) [النور: ٢ ]. وجاءت السنة برجم الزاني المحصن.
          • المحافظة على الأعراض فحرم الإسلام القذف وشرع لذلك عقوبة رادعة. قال تعالى: ( ﮛﮜ )[ النور: ٤ ].
          • المحافظة على الأموال نهى الإسلام عن أكل أموال الناس بالباطل وشرع لذلك حد السرقة، قال تعالى: ( ﭨﭩ ) [المائدة: ٣٨].

          عقوبة ارتكاب المحرمات

          • الأوامر الشرعية أنزلها الله عز وجل إلى عباده لصالحهم العام والخاص فإذا تطابقت الأعمال البشرية مع الأوامر الإلهية سعد الإنسان في الدنيا والآخرة، وإذا خالفت أعمال العباد أوامر الله الشرعية شقي الإنسان في الدنيا والآخرة، والله يحب أن يطاع وتمتثل أوامره ونواهيه في جميع الأحوال من جميع العباد.

            فما بين الحق جل جلاله الحرام والحرام إلا لحكمة بالغة سواء أعرفها المرء وأدركها أم لا، والعبد ليس له عمل إلا طاعة سيده ومولاه، الذي أفاض عليه من نعمه بما لا يحصى، ووعده إن أطاعه بالدار الحسنى، وإن عصاه بنار تلظى، فلا سعادة ولا فلاح ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان والأعمال الصالحة.

            قال تعالى: ( ﯿ ﰘﰙ ) [طه: ٧٤ - ٧٦].

            أولًا: العقوبة في الدنيا:

            والناس في الدنيا نوعان:

          • مسلم لله جل جلاله منفذ لأوامره يتحرى الحلال ويبتعد عن الحرام طامعًا في رضاه وجنته.
          • كافر به وبأوامره، ضاربًا بعرض الحائط ما شرع الله به من حلال وحرام.

            قال تعالى: ( ﯔﯕ ) [السجدة: ١٨ - ٢٠].

            وثواب الله عز وجل على الطاعات، وجزاؤه على السيئات، حاصل لكل عبد، وذلك في الدنيا والآخرة.

            وأما عقوبة الله العاجلة في الدنيا على المعاصي هي:

          • الوحشة من الله والإعراض عنه والاشتغال بما يبعده عنه ومحبة ما يسخطه وما يبغضه من الأقوال والأعمال وعدم الرضا بقضائه وضيق المعيشة والضلالة ونسيان ذكره والنكد الشاق من العيش، قال تعالى: ( ) [طه: ١٢٤]129.
          • بعد الملائكة عنه واقتران الشياطين به، قال تعالى: ( )[ الزخرف: ٣٦].
          • عقاب دنيوي أليم، قال تعالى: ( ﭿ ﮒﮓ ﮘﮙ ) [المائدة: ٣٣].

            والمقصود من محاربتهم الله ورسوله، قطعهم الطريق على الناس، وإفسادهم في الأرض، وترويع الآمنين، وجعل عملهم هذا حربًا لله ورسوله؛ إنما هو لتمردهم على ما شرعه الله سبحانه وتعالى، من وجوب الكف عن إيذاء الناس وإخافتهم، وتوفير أسباب الأمن والسلام لهم فلا يسلبونهم أموالهم أو أعراضهم، أو يقتلونهم، قال ابن جزي: هو بيان للحرابة، وهي درجات فأدناها: إخافة الطريق، ثم أخذ الأموال، ثم قتل النفس130.

            فجزاؤهم أن يقتلوا أو يصلبوا، يقتل ثم يصلب، إرهابًا لغيره، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فيقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وإن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، وقطع اليد من الرسغ، والرجل من المفصل كالسرقة، أو ينفوا من بلد إلى بلد، ويسجنوا فيه حتى تظهر توبتهم، ولهم خزي في الدنيا وذل وفضيحة131.

          • اللعنة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( ) [النور: ٢٣] إن الذين يقذفون العفائف الغافلات بالفواحش عذبوا في الدنيا بالحد، والحد الذي قرره الشارع الحكيم يتمثل في قوله عز وجل: ( ﮛﮜ )[ النور: ٤]. حيث بينت الآية الكريمة حد القاذف بجلده ثمانين جلدة وعدم قبول شهادتهم132.
          • الحرب والهلاك، وفي هذه الآية الحديث عن الربا ومستحله، وما يجده من عقاب دنيوي لقاء هذه الجريمة، قال تعالى: ( ﯛﯜ) [البقرة: ٢٧٩ ]. حيث خوفهم إن لم يتركوه بإهلاك من الله تعالى ورسوله133.
          • الجلد مئة جلدة، قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭰﭱ )[ النور: ٢ ]. مائة جلدة هذا حد الزاني الحر البالغ البكر، وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة وثبت بالسنة تغريب عام والرجم بالحجارة حتى الموت للمحصن134.
          • قطع يد السارق، ويقول تعالى حاكمًا وآمرًا بقطع يد السارق والسارقة في الدنيا: ( ﭨﭩ ) [المائدة: ٣٨ ].

        العقوبة في الآخرة

        1. أمّا عقوبة الله الآجلة على المعاصي وما اقترف من المحرمات في الآخرة فأنواع:

          أحدها: العذاب الجسدي في نار جهنم بألوان العذاب من الإحراق بالنار، وأكل الزقوم، وشرب الماء الحميم، وضرب المقامع، وقيد السلاسل وغير ذلك من ألوان العذاب.

          الثاني: العذاب الروحاني بالطرد والإهانة، واللعن والإعراض عنه.

          الثالث: غضب الله عليه، ومنعه من رؤيته، وهما أشد أنواع العذاب كما قال سبحانه وتعالى، عن الكفار: ( ) [المطففين: ١٥ - ١٦]135.

          فمن العقوبات الأخروية التي قررها الله عز وجل جزاء من قتل مؤمنًا عامدًا قتله، مريدًا إتلاف نفسه فقد حدد الله له جزاء عظيمًا.

          قال تعالى: ( ) [النساء: ٩٣ ].

        2. له عذاب جهنم خالدًا فيها.
        3. غضب الله عليه بقتله إياه متعمدًا.
        4. أبعده من رحمته وأخزاه136.

          وبالإضافة إلى الجزاء الدنيوي لمن يقطع الطريق على الناس ويرهبونهم حدد الله سبحانه وتعالى لهم عقاب أخروي حيث قال جل جلاله: ( )[ المائدة: ٣٣ ].

          لهم في الآخرة عذاب عظيم لعظم ذنوبهم وظاهره أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحاربين بخلاف سائر الحدود من سرقة وزنا.

          وكذلك من يرمي المحصنات فله جزاءين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( ) [النور: ٢٣ ].

          وفي يوم الآخرة بالنار، كما ولهم عذاب عظيم137.

          موضوعات ذات صلة:

          الحلال، الذنب، الزنا، السؤال، الشرب، الطعام، الفواحش


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٥.

2 انظر: أساس البلاغة، الزمخشري ١/ ١٨٤، مختار الصحاح، الرازي ص ٧١، المصباح المنير، الفيومي ١/ ١٣١، تاج العروس، الزبيدي ٣١/ ٤٥٢، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر ١/ ٤٨١.

3 التوقيف، المناوي ص ١٣٧.

4 مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، السيوطي ص٦٣.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١٩٦-١٩٨.

6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ١٩٣.

7 جمهرة اللغة، ابن دريد ١/ ٣٨٦، العين، الفراهيدي ٣/ ١٣٢

8 الكليات، الكفوي ص٤٩٤

9 انظر: معجم لغة الفقهاء، قلعجي وقنيبي ص٤١٢.

10 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٢٩.

11 انظر: المصدر السابق.

12 انظر: الصحاح، الفارابي ٤/ ١٦٧٢، المخصص، ابن سيده ٤/ ٦٨.

13 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٩٢.

14 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، الناصري ٣/ ٣٦٥.

15 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٢/ ٨٣٧.

16 معالم التنزيل، البغوي ١/ ٦٥٠.

17 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٩٧٠.

18 أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، باب ترك الحكم بتقليد أمثاله من أهل العلم حتى يعلم مثل علمهم، ٢١٠، ٢٦١.

19 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٥/ ١٧٨.

20 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٣/ ١٦٦.

21 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، ٤/ ٢٢٠، رقم ١٧٢٦.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٠٩، رقم ٣١٩٤.

22 الأم، الشافعي ٧/٣٧١.

23 المصدر السابق.

24 انظر: تفسير المراغي ٨/ ٥١.

25 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ٤٥٦.

26 جامع البيان، الطبري ٩/ ٤٩٥.

27 الوسيط، الواحدي ٢/ ١٥١.

28 تفسير الراغب الأصفهاني ٤/ ٢٦١.

29 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١٠/ ٧٦، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٨/ ٥٤٩٧ و روح المعاني، الألوسي١٠/ ٢٦٠.

30 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/ ١٢٦.

31 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/ ٢٥٧.

32 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١٠/ ٧٦.

33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب قوله: (لم تحرم ما أحل الله لك)، ٧/ ٤٤، رقم ٥٢٦٧.

34 انظر: ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٣٦١٥.

35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٧٩.

36 انظر: مختصر معالم التنزيل، عبدالله الزيد ص ٢٢٧.

37 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزهد، باب كلام ابن عباس رضي الله عنه، ٧/ ١٣٥، رقم ٣٤٧٧٣.

38 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/ ١٧٨.

39 انظر: تفسير ابن عرفة ٢/ ٢٢٧، العذب النمير، الشنقيطي ٣/ ٣٠٥.

40 التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٦/ ١١٥٥.

41 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/ ٤٢٠.

42 أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى، ٤/ ١٦٦، رقم ١٦٤١.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، ٣/ ١٧٢، رقم ٢٦٥٣.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين الغموس، ٨/ ١٣٧، رقم ٦٦٧٥.

45 انظر: عقيدة التوحيد، صالح الفوزان ص٧٤.

46 انظر: كتاب التوحيد، صالح الفوزان ص١٣.

47 انظر: موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، ياسر عبد الر حمن ٢/ ٢٦.

48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه، ٨/ ٣، رقم ٥٩٧٣.

49 انظر: موسوعة فقه القلوب، التويجري ٢/١٥٦٨.

50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، ٣/ ١٣٠٢، رقم ١٦٧٦.

51 الجامع لأحكام القرآن ٦/ ١٤٦.

52 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/ ٣٦.

53 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/ ٥٧.

54 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٧/ ١٥٤٥.

55 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٤٤٦-٤٤٧.

56 انظر: موارد الظمآن لدروس الزمان، عبدالعزيز السلمان ٥/ ٢٦١.

57 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ١/ ١٢٧.

58 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/ ٢٤٥.

59 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٠٩.

60 الربائب: بنات الزوجات من غير أزواجهن الذين معهن.

انظر: تاج العروس، الزبيدي ٢/ ٤٦٨.

61 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٥١١.

62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، ٢/ ١٠٢٨، رقم ١٤٠٨.

63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، ٢/١٠٧١، رقم ١٤٤٧.

64 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، الناصري١/ ٣٢٧.

65 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/ ٣٦١.

66 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٥٢٣.

67 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/ ٧٢.

68 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/ ١٣٩.

69 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/ ٨١.

70 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/ ٤٢٤.

71 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/ ٤٩٢.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، ٧/ ٩٦، رقم ٥٥٣٠.

73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، ٢/ ٨٥٧ ، رقم ١١٩٨.

74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ٥/ ١٣٦، رقم ٤٢١٩.

75 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، ٣/١٥٣٤، رقم ١٩٣٤.

76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب، ٣/ ١٣، رقم ١٨٢٩.

77 أخرجه ابن ماجه في سننه، أبواب الصيد، باب ما ينهى عن قتله، ٤/ ٣٧٧، رقم ٣٢٢٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٧٠، رقم ٦٩٦٨.

78 انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، التويجري ٤/ ٣١٧.

79 انظر: تيسير العلام، عبد الله البسام ٢/٤٤٩.

80 انظر: مختصر الفقه الإسلامي، التويجري ص٧٢٥.

81 انظر: المصدر السابق.

82 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٧/ ٨٠.

83 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/ ٢٢٥.

84 انظر: مختصر الفقه الإسلامي، التويجري ص٧٢٥.

85 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الأطعمة ٤/ ١٤١، رقم ٧١٤٤.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

86 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٢٩.

87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله)، ٦/٦٦، رقم ٤٦٦٢.

88 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي١١/ ٢٨٠.

89 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٠/ ٢٠٩.

90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب لا ينفر صيد الحرم، ٣/ ١٤، رقم ١٨٣٣.

91 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ١/ ٥٠٠.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب حرم المدينة، ٣/ ٢٠، رقم ١٨٦٧.

93 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ٢/ ٩٩٥ ، رقم ١٣٧٠.

94 أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الإيمان، ذكر الخبر الدال على أن الإسلام ضد الشرك ١/ ٤٨٧ ، رقم ٢٥٢، وأبو يعلى الموصلي في مسنده، مسند أبي سعيد الخدري، ٢/ ٥٣٣، رقم ١٤٠٦.

وصححه الألباني في التعليقات الحسان، ١/٣١٣.

95 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٣٨٠.

96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ٤/ ١٧١، رقم ٣٤٦٣.

97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعي رعية فلم ينصح، ٩/ ٦٤، رقم ٧١٥١.

98 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/ ٢٣٣.

99 انظر: تفسير السمرقندي١/ ٢٨٤.

100 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار ١/ ١٢٢، رقم ١٣٧.

101 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله، ٨/٦، رقم ٥٩٨٨.

102 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/ ٤٩.

103 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، ٥/ ١٥٦، رقم ٤٣٢٦.

104 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٧٤.

105 أخرجه أبو داود في سننه، أول كتاب الجهاد، باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته، ٤/ ٣٨٩، رقم ٢٧٦٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٠٢، رقم ٦٤٥٦.

106 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٤٨١.

107 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/ ١٦٧.

108 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب إثم الزناة، ٨/ ١٦٤، رقم ٦٨١٠.

109 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٦/ ٤١٩٢.

110 انظر: المجموع شرح المهذب، النووي ٩/٣٩١.

111 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٢٢٩.

112 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/ ١٤٨.

113 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٣/ ١١٥٥.

114 انطر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٧/ ٥٦.

115 انطر: روائع البيان، الصابوني ١/ ٥٦٠.

116 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب صب الخمر في الطريق، ٣/ ١٣٢، رقم ٢٤٦٤.

117 انظر: تفسير المراغي، ٤/ ٢٢٢.

118 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/ ١٥١.

119 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٧/ ٣٤٧.

120 انظر: أسباب النزول، الواحدي ٤٧٦.

121 انظر: روح المعاني ١٤/ ٢٢٥.

122 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ٣٠٣.

123 انظر: الموافقات، الشاطبي ص ٥.

124 انظر: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، أحمد الريسوني ص٦.

125 انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ص٣.

126 انظر: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، أبو الحارث الغزي ١٩١.

127 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/ ١٦٨.

128 انظر: المسكرات والمخدرات، أحمد الأزرق ص٣٠.

129 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ٦٨.

130 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٢/ ٣٥.

131 انظر: جامع البيان، الطبري١٠/٢٧٦.

132 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/ ٢٨٩.

133 انظر: تفسير السمرقندي١/ ١٨٤.

134 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/ ١٥٩.

135 انظر: موسوعة فقه القلوب، التويجري ١/ ٤٢٢.

136 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/ ٥٧.

137 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/ ٢٨٩.