عناصر الموضوع
العنصرية
أولًا: المعنى اللغوي:
العنصرية مأخوذة من العنصر، بفتح الصاد وهو الأفصح، وبضمها وهو الأشهر، وقد وردت كلمة العنصر بمعانٍ مختلفة، لكن الذي يعنينا منها ما يتفق والمعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة.
وعلى ذلك: فالعنصر: الأصل، وما في معناه من الجنس، والنسب، والحسب. يقال: هو لئيم العنصر، أي الأصل. قال الأزهري: العنصر: أصل الحسب. والعنصر أيضًا بمعنى الجنس، يقال فلان من العنصر الآري أو السامي1.
ثانيًا: العنصرية في الاصطلاح:
عرف بعض الباحثين العنصرية بأنها: «عقيدة تستند إلى أسطورة مناقضة للدين الحق، والعلم الصحيح، حول تفوق أو نقص هذه الأجناس أو تلك، محاولة بذلك تبرير السياسة العدوانية ضد الكائن البشري، التي تقوم على الاغتصاب والإرهاب والاستعباد»2.
وعرفها باحث آخر بأنها: التمييز بين الأجناس في القوانين والمعاملات، على أساس الدم والخصائص البيولوجية المتعلقة بتكوين الجسم. وما يتبع ذلك من الحياة الفكرية ومظاهر السلوك والاجتماع3.
نخلص من ذلك إلى أن العنصرية: اعتقاد التميز عن سائر الناس بسبب الجنس، أو اللون، أو الوطن، أو القبيلة، أو غير ذلك.
وبذلك نجد ترابطًا بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للعنصرية.
الحمية:
الحمية لغة:
من مادة حمي، ومعناها: الأنفة، والغيرة، والغضب الشديد4.
الحمية اصطلاحًا:
لا يختلف معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
قال الكفوي: «الحمية، مشددة كالدنية: الأنفة والغضب»5.
الصلة بين العنصرية والحمية:
الحمية صورة من صور العنصرية؛ لارتباطها بالجنس والجماعة حتى لو كانت على الباطل، كما فعل كفار قريش عندما تعصبوا لجاهليتهم ولما كان عليه آباؤهم.
إلا أن الحمية قد تكون أعم من العنصرية، فالعنصرية لا تكون إلا مذمومة، أما الحمية فقد تكون ممدوحة إذا كانت في الأمور الإيجابية.
العصبية:
العصبية لغة:
أصل مادة (عصب) تدل على ربط شيء بشيء6.
والعصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين، وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا، فإذا تجمعوا على فريق آخر قيل: تعصبوا7.
العصبية اصطلاحًا:
قال الأزهري: «العصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين»8.
وعرفها بعضهم بأنها: «رابطة اجتماعية نفسية، شعورية ولا شعورية معًا، تربط أفراد جماعة ما، قائمة على القرابة، ربطًا مستمرًا، يبرز ويشتد عندما يكون هناك خطر يهدد أولئك الأفراد»9.
وبذلك لا يخرج المعنى الاصطلاحي للعصبية عن معناها اللغوي.
الصلة بين العنصرية والعصبية:
العصبية صورة من صور العنصرية.
القبلية:
القبلية لغة:
هي نسبة إلى القبيلة، وينسب إليها أيضًا فيقال: قبيلية، و«القبيلة من الناس: بنو أب واحد. ومعنى القبيلة من ولد إسماعيل: معنى الجماعة؛ يقال لكل جماعة من أب واحد: قبيلة»10.
القبلية اصطلاحًا:
يمكن تعريف القبلية بأنها المحاماة والمدافعة والنصرة لمن يشترك معهم برابط النسب، سواء كان بحق أو بباطل، كانوا ظالمين أو مظلومين.
الصلة بين العنصرية والقبلية:
يلاحظ أن القبلية صورة من صور العنصرية.
الحزبية:
الحزبية لغة:
أصل مادة (حزب) تدل على تجمع الشيء11.
يقال: حزب الرجل أصحابه وجنده الذين على رأيه، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم حزب، وإن لم يلق بعضهم بعضًا12.
الحزبية اصطلاحًا:
بالنظر في المعنى اللغوي للحزبية يمكن تعريفها بأنها: تعصب الشخص لشيعته وطائفته وفرقته، فيوافقهم في الأعمال، أو الأهواء، أو الأفكار.
الصلة بين العنصرية والحزبية:
يتضح من المعنى الاصطلاحي للحزبية أنها صورة من صور العنصرية.
الطائفية:
الطائفية لغة:
مصدر، نسبة إلى الطائفة، والطائفة من الشيء: قطعة منه، والطائفة مجموعة من الناس، وفي التنزيل العزيز: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ٢]13.
الطائفية اصطلاحًا:
هي تمسك جماعة أو طائفة تربط بينها رابطة ما كالنسب أو الدين أو المذهب الاعتقادي بمصالحها ومنظومة قيمها المشتركة، وبتعصبها في الحق والباطل.
الفرق بين العنصرية والطائفية:
يتبين مما سبق أن الطائفية صورة من صور العنصرية.
الوحدة:
الوحدة لغة:
قال ابن فارس: «الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد، ومن ذلك الوحدة. وهو: واحد قبيلته إذا لم يكن فيهم مثله»14.
وقال الراغب: «الوحدة: الانفراد، والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة، ثم يطلق على كل موجود، حتى إنه ما من عدد إلا ويصح أن يوصف به، فيقال: عشرة واحدة، ومائة واحدة، وألف واحد»15.
الوحدة اصطلاحًا:
يمكن تعريف الوحدة بأنها: اتحاد الدول أو البلاد، والأفراد والجماعات في سائر أمور حياتهم ومعاشهم وسيرتهم وغايتهم، وبموجب هذه الوحدة يصبح الجميع شيئًا واحدًا أو أمة واحدة.
الصلة بين العنصرية والوحدة:
الوحدة من الألفاظ المقابلة للعنصرية، فهما ضدان متقابلان.
العنصرية تقف وراءها أسباب كثيرة ومتعددة تدفع إليها، وهذا بيان لأهم أسباب العنصرية:
أولًا: الكبر والاستعلاء:
الكبر والاستعلاء أصل كل الأخلاق المذمومة، وأهم سبب للعنصرية هو الكبر عن قبول الحق، والاستعلاء على خلق الله، فهناك تلازم بين العنصرية والتكبر والترفع والازدراء.
وإن أول من مارس هذا الخلق البغيض -الكبر- هو إبليس -لعنه الله- حينما أمره الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام، فامتنع بحجة أنه خير منه، وبين رب العالمين السبب المانع لإبليس من السجود فقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
واذكر -أيها الرسول- للناس تكريم الله لآدم حين قال سبحانه للملائكة: اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله، فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود، وأظهر كبره وترفع عن الحق زعمًا منه أنه خير من الخليفة عنصرًا، وأزكى جوهرًا كما قَصَّ ذلك عنه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
فهو الأحق بالرياسة16.
والملاحظ أن الله ذكر تكبر إبليس بقوله: (ﮯ) «والاستكبار التزايد في الكبر؛ لأن السين والتاء فيه للمبالغة، ومن لطائف اللغة العربية أن مادة الاتصاف بالكبر لم تجئ منها إلا بصيغة الاستفعال أو التفعل إشارة إلى أن صاحب صفة الكبر لا يكون إلا متطلبا الكبر، أو متكلفا له، وما هو بكبير حقًا»17.
ولذلك لما طلب إبليس بعدم سجوده أن يكون كبيرًا -وهو ليس كذلك- عاقبه الله بضد فعله فطرده من رحمته، وجعله ذليلًا حقيرًا، فقال سبحانه: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف: ١٣].
قال الزمخشري: «وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه»18.
فإبليس بصنيعه تكبر على أمر الله، واستعلى على آدم عليه السلام واحتقره وازدراه.
فالكبر والاستعلاء صفات شيطانية أسسها وبرع فيها وتبناها إبليس منذ خلق آدم، بل هو كبيرهم، وعلى درب إبليس سار الكفار في كل زمان ومكان، فمنعتهم عنصريتهم وكبرهم عن قبول الحق، والاستعلاء على غيرهم من البشر -وخاصة الأنبياء- فقال سبحانه عن فرعون وقومه لما جاءهم موسى عليه السلام بالآيات البينات: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النمل: ١٤].
وقال سبحانه عن كفار قريش: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [ص: ٢].
أي: تَكَبُّرٍ وامتناع عن قبول الحق والإذعان له.
«والمراد بالعزة هنا: الحمية والاستكبار عن اتباع الحق، وأصل الشقاق: المخالفة والمنازعة بين الخصمين حتى لكأن كل واحد منهما في شق غير الذي فيه الآخر. والمراد به هنا: مخالفة المشركين لما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى: إنك -أيها الرسول الكريم- لصادق فيما تبلغه عن ربك، ولست كما يقول أعداؤك في شأنك، بل الحق أن هؤلاء الكافرين في حمية واستكبار عن قبول الهداية التي جئتهم بها من عند ربك، وفي مخالفة ومعارضة لكل ما لا يتفق مع ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة للأصنام، ومن عكوف على عاداتهم الباطلة»19.
والتعبير بـ«في» في قوله: (ﭚ ﭛ ﭜ) «للإشعار بأن ما هم عليه من عناد ومن مخالفته للحق، قد أحاط بهم من كل جوانبهم، كما يحيط الظرف بالمظروف»20.
وقد أخبر ربنا سبحانه أن فريقًا من الناس إذا وعظ وذكر بترك الأفعال والأقوال السيئة استكبر وامتنع عن قبول الحق والوعظ فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ٢٠٦].
«أي: إذا وعظ هذا الفاجر وذكر وقيل له: انزع عن قولك وفعلك القبيح، حملته الأنفة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم والتكبر عن قبول الحق، فأغرق في الإفساد وأمعن في العناد»21.
ويؤخذ من هدايات الآيات السابقة التحذير من الكبر والحسد حيث كانا سبب إبلاس الشيطان، وامتناع اليهود والكفار من قبول الإسلام.
فالتكبر عن قبول الحق، واحتقار البشر هما شعار العنصرية، وبذلك فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر فقال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس)22.
و«البطر أن يتكبر عند الحق فلا يقبله. وقوله: (وغمط الناس) معناه: استحقارهم واستهانتهم»23.
فالمستكبر هو الذي جمع بين وصفين: غمط الناس، وبطر الحق، وبطر الحق: يعني رده، وغمط الناس: يعني احتقارهم، فهو في نفسه عالٍ على الحق، وعالٍ على الخلق، لا يلين للحق ولا يرحم الخلق.
ثانيًا: الاغترار بالمال والأنصار:
يغتر العنصريون بما لديهم من ثروات وأموال وأولاد وذرية، ويظنون أنهم أرفع من غيرهم في الدنيا، وأحسن حالا وعاقبة في الآخرة، ولم يدروا أن المال والولد عرض زائل وظل مائل، وأن الخير في اتباع سبيل الهدى والعمل الطيب، وقد انخدع الكفار في بداية عهد الإسلام، وسيطر عليهم غرور المال وكثرة الولد والاعتزاز بالقبيلة، فأبان الله سبب عنادهم وغرورهم الزائف في أموالهم وأولادهم، فقال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [سبأ: ٣٥].
فالآية تبين افتخار المترفين بأموالهم وأولادهم، واستكبارهم بما آتاهم الله من فضله، وجعلهم ذلك دليلًا على أن الله لا يعذبهم.
فـ«هذا هو رد المترفين على كل دعوة إلى الإيمان بالله، وتلك هي حجتهم عند أنفسهم وعند الناس، إنهم بما يملكون من كثرة في الأموال، وما عندهم من كثرة في الأولاد والرجال، لن يكونوا تابعين لغيرهم،
ولن يجعلوا لأحد كلمة عندهم، حتى ولو كان رسولا من رسل الله، يدعوهم إلى الله، ويكشف لهم معالم الطريق إلى الحق والهدى! ! إنهم أكثر أموالا وأولادا من هذا الرسول، فكيف يقوم فيهم مقام الناصح ذي الرأي والسلطان، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المؤمنون: ٢٤].
وكيف يتفضل إنسان على من كان أكثر منه مالا وولدا؟ وفى قولهم: (ﮛ ﮜ ﮝ) إشارة إلى أنهم بما لهم من كثرة في المال والأولاد لن ينزلوا عن مقام السيادة لأحد، ثم إنهم إذا عذب غيرهم من الفقراء والمستضعفين لن يعذبوا هم؛ فإن الله ما أعطاهم هذا الوفر في المال والكثرة في الأولاد إلا لأنهم أهل للكرامة، وموضع للفضل عنده، وكما كانوا في الدنيا في هذا المقام بين الناس، فهم في الآخرة- إن كانت هناك عندهم آخرة- في هذا الموضع أيضا، حيث يعذب الفقراء والمستضعفون، أما هم فلن يعذبوا، بل ينزلوا منازل الإكرام والإعزاز، ذلك ظنهم بأنفسهم!»24.
فـ«المترفون تخدعهم القيم الزائفة والنعيم الزائل، ويغرهم ما هم فيه من ثراء وقوة، فيحسبونه مانعهم من عذاب الله، ويخالون أنه آية الرضى عنهم، أو أنهم في مكان أعلى من الحساب والجزاء»25.
فالاغترار بالأموال والأنصار صفة مشتركة بين العنصريين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم، فقد ذكر الله مثلًا في كتابه لكل من اغتر بماله وأنصاره وأولاده وخدمه فقال سبحانه: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الكهف: ٣٢-٣٤].
«تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله. وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة. ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه. وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلا على المنعم، موجبة لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره»26.
وقوله: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) «أي: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن، وهما يتحاوران، أي: يتراجعان بينهما في بعض الأمور المعتادة، مفتخرا عليه: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) فخر بكثرة ماله، وعزة أنصاره من عبيد، وخدم، وأقارب، وهذا جهل منه، وإلا فأي افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية، ولا صفة معنوية، وإنما هو بمنزلة فخر الصبي بالأماني، التي لا حقائق تحتها»27.
وقد صدق قتادة رحمه الله حين قال: «تلك -والله- أمنية الفاجر: كثرة المال وعزة النفر»28.
وقد نسي العنصريون في ظل سكرتهم ونشوتهم بالأنصار والأموال، نسوا حقائق مهمة بينها رب العالمين في كتابه، فأخبر أن هذه الأموال والأولاد لن تفيدهم شيئًا فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران: ١١٦].
وأن الأموال والأولاد ليست ميزانًا للقرب من الله، بل الإيمان والعمل الصالح أساس القرب، فقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [سبأ: ٣٧].
ويتبين من هدايات الآيات اغترار المترفين بما آتاهم الله من مال وولد، ظانين أن ذلك من رضا الله تعالى عليهم، وبيان ما يقرب إلى الله ويدني منه وهو الإيمان والعمل الصالح، لا كثرة المال والولد كما يظن المغرورون المفتنون بالمال والولد.
ثالثًا: تزكية النفس:
أصحاب العنصرية يعتقدون بما لهم من جاه وسلطان، أو حسب ونسب، أو جنس ولون، أو أموال وأولاد أن لهم منزلة عند الله، وأنهم يستحقون الجنة، فيزكون أنفسهم ويمدحونها بالباطل، وقد أخبرنا القرآن عن تزكية أهل الكتاب لأنفسهم بادعائهم الباطل أنهم لن يدخلوا النار إلا أياما معدودة، فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران: ٢٣ - ٢٤].
فعن ابن عباس «أن يهود كانوا يقولون: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودات، ثم ينقطع العذاب»29.
ومما زكوا به أنفسهم ما ذكره القرآن بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ) [المائدة: ١٨].
فهذه «حكاية لما صدر عن الفريقين من أقاويل فاسدة ودعاوى باطلة، يدل على سفاهة عقولهم، وبلادة تفكيرهم، حيث قالوا في حق الله تعالى ما لا يليق بعظمته سبحانه. ومرادهم بالأبناء: المقربون. أي نحن مقربون عند الله تعالى قرب الأولاد من والدهم.
ومن مرادهم بالأحباء: جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب. ويجوز أن يكون أرادوا من الأبناء الخاصة، كما يقال: أبناء الدنيا وأبناء الآخرة. ويجوز أن يكونوا أرادوا بما قالوا أنهم أشياع وأتباع من وصف بالبنوة. أي: قالت اليهود: نحن أشياع ابنه عزير، وقالت النصارى: نحن أشياع ابنه عيسى. وأطلق الأبناء على الأشياع مجازًا إما تغليبًا أو تشبيهًا لهم بالأبناء في قرب المنزلة. وهذا كما يقول أتباع الملك: نحن الملوك»30.
فكل منهما ادعى دعوى باطلة يزكون بها أنفسهم، وحاصل دعواهم أن لهم فضلا ومزيدًا عند الله تعالى على سائر الخلق.
وعطف سبحانه قولهم: (ﭗﭘ) على قولهم: (ﭔ ﭕ ﭖ) للإشارة إلى غلوهم في الجهل والغرور وتزكية النفس بالباطل، حيث قصدوا أنهم أبناء محبوبون، وليسوا مغضوبا عليهم من أبيهم، بل هم محل رضاه وإكرامه.
وقد رد الله عليهم بقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ) [المائدة: ١٨].
أي: «قل لهم يا محمد: إذا كان الأمر كذلك! ! فلم يعذبكم بذنوبكم في الدنيا كما ترون من تخريب دياركم وهدم الوثنيين لمسجدكم في بيت المقدس، ومن لصوق العداوة والبغضاء فيكم أيها النصارى، فأنتم تتحاربون وتتقاتلون إلى الأبد، وستظل الحرب بينكم دائما حتى تفنوا جميعا إن شاء الله. وأما في الآخرة فيكون العذاب عسيرا عليكم أهل الكتاب، والأب لا يفعل هذا مع أبنائه والأولاد لا يعصون آباءهم كما تفعلون! ! بل أنتم وغيركم من جميع الطوائف والملل بشر وخلق من خلق الله، لا فضل لأحد على أحد إلا بالإيمان الصادق الخالص من شوائب الوثنية»31.
فالعنصريون من أهل الكتاب ديدنهم تزكية أنفسهم بالباطل، كما قال ربنا: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء: ٤٩].
فهذا « تعجيب من تمادحهم بالتزكية التي هي التطهير والتبرئة من القبيح فعلا وقولا، المنافية لما هم عليه من الطغيان والشرك الذي قصه تعالى عنهم قبل. فالمراد بهم اليهود، وقد حكى تعالى عنهم أنهم يقولون: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ) [المائدة: ١٨].
وحكى عنهم أيضا أنهم قالوا: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ٨٠].
وأنهم قالوا: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ١١١].
أي: انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم فيه من الكفر والإثم العظيم، أو من ادعائهم تكفير ذنوبهم مع استحالة أن يغفر للكافر شيء من كفره أو معاصيه.
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) تنبيه على أن تزكيته هي المعتد بها دون تزكية غيره. فإنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حَسَنٍ وقبيح. وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين»32.
«وفي الآية تحذيرٌ من إعجاب المرء بنفسه وبعمله»33.
والآية وإن كانت واردة في أهل الكتاب إلا أنه «يدخل فيها كل من زكى نفسه، ووصفها بزكاء العمل، وزيادة الطاعة والتقوى، والزلفى عند الله»34.
فمن القواسم المشتركة بين العنصريين تزكيتهم الباطلة لأنفسهم بزعمهم أن لهم المنزلة العظمى عند الله، وأن لهم في الآخرة أفضل مما كان في الدنيا، وأنهم لن يعذبوا، بل ينزلوا منازل الإكرام والإعزاز؛ اغترارًا منهم بجاه وسلطان، أو حسب ونسب، أو جنس ولون، كما ذكر الله على لسان واحدٍ منهم (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [فصلت: ٥٠].
وكما ذكر عن صاحب الجنتين قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف: ٣٦].
والقرآن قد نهانا عن تزكية النفس ومدحها على سبيل الإعجاب، فقال الله سبحانه وتعالى: (ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النجم: ٣٢].
«أي: لا تمدحوها على سبيل الإعجاب، ولا تشهدوا لها بالكمال والتقى، فإن النفس خسيسة إذا مدحت اغترت وتكبرت (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) أي: هو تعالى العالم بمن أخلص العمل، واتقى ربه في السر والعلن»35.
وقال أبو حيان: «أي لا تنسبوها إلى زكاء الأعمال والطهارة عن المعاصي، ولا تثنوا عليها واهضموها، فقد علم الله منكم الزكي والتقي قبل إخراجكم من صلب آدم، وقبل إخراجكم من بطون أمهاتكم»36.
ومن هدايات الآيات حرمة تزكية المرء نفسه بلسانه والتفاخر بذلك، إما طلبًا للرئاسة، وإما تخليًا عن العبادة والطاعة بحجة أنه في غير حاجة إلى ذلك لطهارته، ورضا الله تعالى عنه.
رابعًا: طبيعة الخلقة:
من الأسباب الدافعة للعنصرية الافتخار بطبيعة الخلقة من جنس أو لون أو قوة أو لغة، أو غير ذلك مما يتعلق بطبيعة الخلقة التي لا فضل للإنسان فيها، وإنما هي منحة من الله بقدره وحكمته سبحانه وتعالى.
وإن أول من افتخر بعنصريته وخلقته هو إبليس -لعنه الله-، فقد أمره الله بالسجود لآدم عليه السلام، فامتنع من ذلك بحجة أنه خير من آدم؛ لأنه خلق من نار، وآدم مخلوق من طين.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١١-١٢].
«أي: قال إبليس اللعين: أنا أفضل من آدم وأشرف منه، فكيف يسجد الفاضل للمفضول؟
ثم ذكر العلة في الامتناع فقال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) أي: أنا أشرف منه لشرف عنصري على عنصره؛ لأنني مخلوق من نار، والنار أشرف من الطين، ولم ينظر المسكين لأمر من أمره بالسجود وهو الله تعالى»37. قال ابن كثير: «نظر اللعين إلى أصل العنصر، ولم ينظر إلى التشريف والتعظيم، وهو أن الله خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياسًا فاسدًا فأخطأ، قبحه الله في قياسه في دعواه أن النار أشرف من الطين، فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم، والنار من شأنها الإحراق والطيش، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح، والنار محل العذاب؛ ولهذا خان إبليس عنصره فأورثه الهلاك والشقاء والدمار»38.
فصار إبليس بذلك رمز العنصرية، وأول عنصري افتخر بطبيعة خلقته، وزعم أن العنصر أو الذات يمكن أن يكون له قيمة ذاتية، وتبعه على ذلك العنصريون في كل زمان ومكان، فها هو فرعون يفتخر فيقول: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الزخرف: ٥٢].
«أي: بل أنا خيرٌ من هذا الضعيف الحقير الذي لا عز له ولا جاه ولا سلطان، فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه؟ يعني بذلك موسى عليه السلام (ﮏ ﮐ ﮑ) أي: لا يكاد يفصح عن كلامه، ويوضح مقصوده، فكيف يصلح للرسالة؟»39.
وممن افتخروا بطبيعة خلقتهم، وجعلوها مانعة لهم من الإيمان قوم عاد الذين قال الله عنهم: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فصلت: ١٥].
«أي: بغير استحقاق ذلك الذي وقع منهم من التكبر والتجبر، ثم ذكر سبحانه بعض ما صدر عنهم من الأقوال الدالة على الاستكبار والتباهي والتفاخر، فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) وكانوا ذوي أجسام طوال، وخلق عظيم، وقوة شديدة، فاغتروا بأجسامهم وافتخروا بخلقتهم حين تهددهم هود بالعذاب، ومرادهم بهذا القول أنهم قادرون على دفع ما نزل بهم من العذاب، وبلغ من قوتهم أن الرجل كان يقتلع الصخرة من الجبل بيده، ويجعلها حيث يشاء»40.
فرد الله عليهم بقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [فصلت: ١٥].
«الاستفهام للاستنكار عليهم والتوبيخ، أي: أولم يعلموا بأن الله أشد منهم قدرة وأوسع منهم قوة؟ فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء، يقول كن فيكون، وقال: (ﮜ) ولم يقل: خلق السموات، والأرض، لأن هذا أبلغ في تكذيبهم في ادعاء انفرادهم بالقوة، فإنهم حيث كانوا مخلوقين، فبالضرورة أن خالقهم أشد قوة منهم»41.
ولا يزال الافتخار بطبيعة الخلقة ديدن العنصريين في هذا الزمان، فالأخبار العالمية تنقل إلينا باستمرار أنباء التمييز العنصري بين البيض والسود في أرقى دول العالم تمتعًا بمظاهر المدنية الحديثة التي وصل إليها إنسان القرن الحادي والعشرين، وتنقل إلينا أنباء العنجهية التي يتعاظم بها البيض الغرباء على السود أصحاب البلاد في إفريقية وغيرها، والتي يتعاظم بها إنسان القرن الحادي والعشرين الأبيض على سائر الملونين لمجرد بياض بشرته، وهو يدعي المدنية والحضارة والرقي، مع أن بياض البشرة ليس عنصرًا من عناصر المدنية والحضارة والرقي.
إنها صورة تزري بكل مزاعم الرقي الحضاري التي يزعمها رواد حضارة القرن الحادي والعشرين الميلادي، الذين ما زالت شعوبهم تعاني من مشكلات التمييز العنصري آلامًا كثيرة، وما زالت المفاهيم والتقاليد الجاهلية مسيطرة على عقولهم وعواطفهم.
خامسًا: الاغترار بالباطل:
العنصريون أشد الناس اغترارًا بما يركنون إليه من قوة، أو سلطة وجاه، أو حسب ونسب، أو جنس ولون، أو أنصار وأموال، ويدفعهم اغترارهم بباطلهم إلى أن يعتقدوا أنهم على الحق، وأن لهم الحق في مجابهة المصلحين -وخاصة الأنبياء والمرسلين-، وهذا الاغترار بالباطل أحد الأسباب القوية الدافعة للعنصرية.
وقد ذكر القرآن أمثلة لاغترار العنصريين بباطلهم، منها ما قاله المنافقون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المنافقون: ٨].
وقائل ذلك رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول، وسبب مقولته ما حدث في غزوة بني المصطلق لما حدث شجار بين رجلين من المهاجرين والأنصار، فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وقال: قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: «سمن كلبك يأكلك»، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؛ ثم أقبل على من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادك، فأنزل الله في مقولته تلك هذه الآية 42.
«والقائل هو عبد الله بن أبي بن سلول، ولكن القرآن نسب القول إليهم جميعا؛ لأنهم رضوا بقوله، ووافقوه عليه»43.
وقد قال المنافقون هذا الكلام اغترارًا بما هم عليه من الباطل من وفرة العدد، وسعة المال، والعدة « والأعز: القوي في عزته وهو الذي لا يقهر ولا يغلب على تفاوت في مقدار العزة إذ هي من الأمور النسبية. والعزة تحصل بوفرة العدد وسعة المال والعدة، وأراد بالأعز فريق الأنصار فإنهم أهل المدينة وأهل الأموال وهم أكثر عددا من المهاجرين، فأراد ليخرجن الأنصار من مدينتهم من جاءها من المهاجرين»44.
والمعنى: « يقول هؤلاء المنافقون- على سبيل التبجح وسوء الأدب- لئن رجعنا إلى المدينة بعد انتهاء هذه الغزوة، ليخرجن الفريق الأعز منا الفريق الأذل من المدينة، حتى لا يبقى فيها أحد من هذا الفريق الأذل، بل تصبح خالية الوجه لنا»45. «وقد رأينا كيف حقق ذلك عبد الله بن أبي! وكيف لم يدخلها الأذل إلا بإذن الأعز! »46 وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادعوا لي عبد الله بن عبد الله بن أبي)، فدعاه، فقال: (ألا ترى ما يقول أبوك؟) قال: وما يقول بأبي أنت وأمي؟ قال: (يقول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)؛ فقال: فقد صدق والله يا رسول الله، أنت والله الأعز وهو الأذل، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر مني، ولئن كان يرضى الله ورسوله أن آتيهما برأسه لآتينهما به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا؛ فلما قدموا المدينة، قام عبد الله بن عبد الله بن أبي على بابها بالسيف لأبيه؛ ثم قال: أنت القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله، والله لا يأويك ظله، ولا تأويه أبدا إلا بإذن من الله ورسوله؛ فقال: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي، يا للخزرج ابني يمنعني بيتي، فقال: والله لا تأويه أبدا إلا بإذن منه؛ فاجتمع إليه رجال فكلموه، فقال: والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: (اذهبوا إليه، فقولوا له خله ومسكنه)؛ فأتوه، فقال: أما إذا جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فنعم)47.
وقد رد الله تعالى على مقالتهم الباطلة هذه بما يخرس ألسنتهم فقال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المنافقون: ٨].
ومن مواقف العنصرية التي تبين اغترار العنصريين بباطلهم ما قصه القرآن علينا من موقف قوم شعيب من نبيهم شعيب عليه السلام، فقد قالوا له: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود: ٩١].
«أي: ما ندرك كثيرا من قولك إدراك فهم، وما ذكروا ذلك ليزدادوا فهما، بل ذكروه مستنكرين لما يريد مستهينين به، وهو يتضمن رفضا لقوله، وإنكارًا لدعوته إلى التوحيد، وحسن المعاملة، والقيام بالعدل فيها وإعطاء كل ذي حق حقه، وكأن المعاملة بالبخس حق لهم، ولذا قالوا متحدين أيضا مهددين: (ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ) أكدوا أنهم يرونه ضعيفا لا يمتنع عليهم إذا أرادوه بسوء، ولولا جماعتك، أو عصبتك الذين يوالوننا، ولا نريد أن نغاضبهم لرجمناك، أي لقتلناك شر قتلة، وهي القتل رميا بالحجارة حتى تموت: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي بممتنع علينا إن أردناك بسوء، أو أردنا رجمك، ونفوا أنه عزيز عليهم أشد النفي، فأكدوه بالخطاب وتكراره، وبالباء، وبتقديم (ﮆ)، وذلك اغترار بقوتهم، وسطوتهم، وتأكيد بأنه في قبضة أيديهم»48.
فاغترار العنصريين بباطلهم يدفعهم دائمًا إلى احتقار غيرهم واستضعافه، ولا فرق عندهم بين مصلح وغيره، وهذا قاسم مشترك بين العنصريين في كل زمان ومكان، ولا زلنا نراه في زماننا من تسلط كثير من شعوب الدول الأوربية والأمريكية على المسلمين في هذه الدول بزعم محاربة الإرهاب والإسلام فوبيا، وينادون بطردهم من هذه البلاد؛ اغترارًا من العنصريين بمعتقداتهم الباطلة، وكثرت هذه الدعوات لطرد المسلمين من هذه الدول بعد أحداث مدبرة، كأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحادثة شارلي إيبدو.
العنصرية لها مظاهر تتميز بها، وتعرف من خلالها، وأهم هذه المظاهر ما يأتي:
أولًا: احتقار الضعفاء:
من الصفات اللازمة للعنصريين الكبر والاستعلاء، وهذا يدفعهم إلى احتقار غيرهم من البشر -حتى لو كانوا من الأنبياء-، وهذا المعنى بينه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس)49.
فمعنى: (وغمط الناس) استحقارهم واستهانتهم.
إن احتقار الآخرين لا ينبعث إلا من نفس ملوثة بجراثيم العجب والكبر، فهو يعمل على إيذاء من حوله بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقه، وهذا من الصفات المشتركة بين العنصريين أنهم يحتقرون غيرهم -خاصة الضعفاء- بسبب صفاتهم الخلقية أو ألوانهم أو عدم جاههم وغير ذلك.
فقد قص الله علينا أن من الموانع التي جعلت كثيرًا من قوم نوح لا يؤمنون به أنه لا يتبعه إلا الضعفاء، فكيف يؤمنون به وهم يحتقرون هؤلاء الضعفاء، قال سبحانه وتعالى على لسانهم: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [هود: ٢٧].
«أي: قال السادة والكبراء من قوم نوح: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) أي: ما نراك إلا واحدًا مثلنا ولا فضل لك علينا، وفيه تعريضٌ بأنهم أحق منه بالنبوة، وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحدٍ من البشر لجعلها فيهم.
(ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) أي: وما اتبعك إلا سفلة الناس، وإنما وصفوهم بذلك لفقرهم جهلًا منهم واعتقادًا بأن الشرف هو بالمال والجاه، وليس الأمر كذلك، بل المؤمنون أشرف منهم على فقرهم وخمولهم.
(ﯧ ﯨ) أي: في ظاهر الرأي من غير تفكر أو روية.
(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) أي: وما نرى لك ولأتباعك من مزية وشرف علينا يؤهلكم للنبوة، واستحقاق المتابعة»50.
وقالوا له أيضًا: (ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الشعراء: ١١١].
فالعنصريون يقيسون الخسة والرفعة بمقدار القوة المادية، فمن كان غنيًّا مستعليًا بماله ونفره كان عاليا، ومن كان قليلا في ماله ونفره كان خسيسًا ضعيفًا في نظرهم يستحق الاحتقار، وشعارهم الدائم (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٥٣].
أهؤلاء الصعاليك خصهم الله بالإيمان من بيننا! وهذه الآية نزلت في كفار قريش مع ما قبلها من آيات وهي: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأنعام: ٥١-٥٢].
وسبب نزول هذه الآيات: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ))�.
فـ«أشراف العرب، أنفوا أن يستجيبوا إلى دعوة الإسلام؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يؤوي إليه الفقراء الضعاف، من أمثال صهيب وبلال وعمار وخباب وسلمان وابن مسعود، وعليهم جِبَابٌ تفوح منها رائحة العرق لفقرهم، ومكانتهم الاجتماعية لا تؤهلهم لأن يجلس معهم سادات قريش في مجلس واحد! فطلب هؤلاء الكبراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه، فأبى.
فاقترحوا أن يخصص لهم مجلسًا ويخصص للأشراف مجلسًا آخر، لا يكون فيه هؤلاء الفقراء الضعاف؛ كي يظل للسادة امتيازهم واختصاصهم ومهابتهم في المجتمع الجاهلي! فَهَمَّ صلى الله عليه وسلم -رغبة في إسلامهم- أن يستجيب لهم في هذه. فجاءه أمر ربه: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)»51.
عندئذ أطلق العنصريون من المشركين شعارهم القبيح: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) «عندئذ نفر المستكبرون المستنكفون يقولون: كيف يمكن أن يختص الله من بيننا بالخير هؤلاء الضعاف الفقراء؟ إنه لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقونا إليه، ولهدانا الله به قبل أن يهديهم! فليس من المعقول أن يكون هؤلاء الضعاف الفقراء هم الذين يمن الله عليهم من بيننا، ويتركنا ونحن أصحاب المقام والجاه! » 52.
فالعنصريون لهم مقاييس مختلفة، فمقاييسهم قائمة على أساس من المال والجاه، فأصحاب المال والجاه أهل الحظوة والقرب والفضل والمكانة، قولهم مسموع وكلمتهم مطاعة، وغيرهم من الفقراء ومن لا مال لهم ولا جاه خدم لهم وعبيد لإحسانهم، ومكانهم خلف الصفوف، ولا يحق لهم أن يجلسوا في مجلس الأثرياء وأصحاب الأموال، وبهذه المقاييس الخاطئة حكموا على أقدار الناس ومنزلتهم واحتقروهم، فكانت العنصرية البغيضة سببًا للفرقة وبابًا للأحقاد والبغض، وما بهذا تستقيم حياة الناس، ولا بهذا تنهض الأمم والشعوب.
ثانيًا: القدح في اختيار القيادات:
العنصريون يرون أنفسهم دائمًا أحق بالصدارة، وامتلاك دفة الأمور، وتوجيه الشعوب، فهم يرون في أنفسهم القيادة الرشيدة، ويحسدون غيرهم من القادة والمصلحين، ويقدحون فيهم؛ رغبة أن يكونوا مكانهم. وإذا تتبعنا القرآن لوجدنا أن ذلك سمة مشتركة بين كل العنصريين على اختلاف الزمان.
فقوم نوح استنكروا أن يكون نبيًّا لهم فقالوا: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المؤمنون: ٢٤].
أي: ما هذا الذي يريد أن يطلب الرياسة والشرف عليكم بدعواه النبوة لتكونوا له أتباعًا! كيف يقوم فيكم مقام الناصح ذي الرأي والسلطان، ونحن أحق وأولى بالنبوة والرياسة منه!
وقوم ثمود قالوا عن صالح عليه السلام: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [القمر: ٢٥].
فـ«هي الشبهة المكرورة التي تحيك في صدور المكذبين جيلا بعد جيل: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)؟ كما أنها هي الكبرياء الجوفاء التي لا تنظر إلى حقيقة الدعوة، إنما تنظر إلى شخص الداعية: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [القمر: ٢٤]»53!
وبنو إسرائيل لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم قائدًا يقاتلون معه، وأخبرهم أن الله اختار لهم طالوت ملكًا استنكفوا في أول الأمر عن اتباعه بحجة أنه ليس أهلًا للملك، وليس من أصحاب الجاه والأموال.
قال الله تعالى عنهم: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ٢٤٧].
أي: قاموا معترضين على نبيهم كيف يكون ملكًا علينا، والحال أننا أحق بالملك منه؛ لأن فينا من هو من أولاد الملوك، وهو مع هذا فقير لا مال له فكيف يكون ملكًا علينا؟ وهكذا تتأصل في اليهود العنصرية والطبقية منذ أبعد الآماد.
وكفار قريش لما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن اعترضوا أن تنزل الرسالة عليه، ورأوا أن في عظمائهم من هو أولى بالرسالة، فقال تعالى عنهم: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الزخرف: ٣١].
كيف هذا اليتيم يصبح نبيًّا؟ أين الوليد بن المغيرة، وعروة بن مسعود الثقفي، وهما من عظماء مكة والطائف؟ 54.
وقال الله عنهم في موضع آخر: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [ص: ٨].
فهم «أنكروا أن يختص صلى الله عليه وسلم بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم، وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم»55.
ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم قال له أحدهم: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك56.
فالعنصريون يقدحون دائمًا في القادة والمصلحين، ويرون أنفسهم أحق بالرئاسة والشرف منهم.
ثالثًا: التمادي في الغي والضلال عند النصح:
العنصريون يجمعون في أنفسهم صفات وأفعالًا ذميمة، من احتقار الناس، والكبر والاستعلاء على الآخرين، والفخر بالأحساب والأنساب، والقدح في المصلحين والمخلصين، وإذا وعظهم المخلصون للإقلاع عن هذه الأفعال والصفات الشنيعة يأنفون أن يؤمروا بتقوى الله، كأنهم يقولون في أنفسهم: نحن أرفع من أن نؤمر بتقوى الله عز وجل، فيرفضون الانصياع للحق، ويستكبرون عن قبول النصح، وما منعهم من ذلك إلا عزتهم بالإثم، فيجمعون بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين.
وقد بين القرآن أن هذه صفة متأصلة في الكفار والمنافقين، إذا نصحهم ناصح وتبين لهم الحق جحدوا واستكبروا بدافع الحمية لما يعتقدون.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ٢٠٤-٢٠٦].
فهذا الصنف يقترف ما يقترف من الأفعال الذميمة، فـ«إذا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أسرع إليه الغضب، وعظم عليه الأمر، وأخذته الأنفة وطيش السفه، إذ يخيل إليه أن النصح والإرشاد ذلة تنافى العزة التي تليق بأمثاله.
وفي طبع المفسدين النفور ممن يأمرهم بالصلاح، إذ يرون في ذلك تشهيرا بهم وإعلانا لمفاسدهم التي يسترونها بزخرف القول وخلابته، وإن استطاعوا الحبس حبسوا أو ضربوا أو قتلوا»57.
فكثيرًا ما تمنع العزة بالإثم أصحابها من قبول الحق، ويتمادون في الغي والضلال عند النصح، سواء كانوا من الكفار، أم من المنافقين، أم من عصاة المسلمين.
ومن الهدايات المستفادة من الآية: إذا قيل للمؤمن اتق الله يجب عليه أن لا يغضب، أو يكره من يأمره بالتقوى، بل عليه أن يعترف بذنبه، ويستغفر الله تعالى، ويقلع عن المعصية فورًا.
رابعًا: دعاوى الاصطفاء الكاذبة:
العنصرية تتستر دائمًا خلف دعاوى الاصطفاء الكاذبة، ففي سبيل إثبات عنصريتهم، وأنهم دائمًا على خير وصواب لابد أن يكون لهم مستند يستندون إليه من ادعاء الاصطفاء الإلهي لهم، أو ادعاء أن الجنة لن تكون إلا لمن كان من جنسهم أو على معتقدهم، وهي أماني باطلة يتعلقون بها.
وقد ذكر لنا القرآن نموذجًا لدعاوى الاصطفاء الكاذبة، قام به أهل الكتاب حيث قالوا: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ١١١].
أي: قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًّا، وقال النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيًّا، فرد الله عليهم قائلًا: (ﯲ ﯳﯴ) [البقرة: ١١١].
والمراد: « بيان أن ما يدعونه من أن الجنة خاصة بهم، ما هو إلا أماني منهم يتمنونها على الله بغير حق ولا برهان، سولتها لهم أنفسهم التي استحوذ عليها الشيطان فخدعها بالأباطيل والأكاذيب»58.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطالبهم بالدليل على صحة ما يدعون، فقال تعالى (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١١١].
«أي: قل - يا محمد- لهؤلاء الزاعمين أن الجنة لهم خاصة من دون الناس، هاتوا حجتكم على خلوص الجنة لكم، إن كنتم صادقين في دعواكم؛ لأنه لما كانت دعواهم الاختصاص بدخول الجنة لا تثبت إلا بوحي من الله وليس لمجرد التمني، أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطالبهم بالدليل من كتبهم على صحة دعواهم، وهذه المطالبة من قبيل التعجيز؛ لأن كتبهم خالية مما يدل على صحتها»59.
ثم أبطل القرآن الكريم دعواهم الكاذبة بإيراد قاعدة كلية رتبت دخول الجنة على الإيمان والعمل الصالح بلا محاباة لأمة أو لجنس أو لطائفة، فقال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [البقرة: ١١٢].
وإذا كان الرد هنا موجهًا إلى أهل الكتاب، فقد جاءت آية أخرى تخاطب جميع الخلق بإبطال الدعاوى الكاذبة للاصطفاء، وتحسم الأمر بأن دخول الجنة لن يكون إلا لمن آمن وعمل صالحًا.
قال الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٢٣-١٢٤].
ذكر القرآن عدة نماذج للعنصريين، ومن هذه النماذج:
أولًا: أهل الكتاب:
عرف أهل الكتاب منذ القدم بعنصريتهم، واحتقارهم للشعوب الأخرى، وقد ذكر القرآن عدة مظاهر لعنصريتهم المقيتة، منها:
١. تفريقهم بين الملائكة والأنبياء بناء على عنصريتهم.
فقد ذكر القرآن عن اليهود أنهم يفرقون بين الملائكة، فيؤمنون ببعضهم، ويعادون بعضهم الآخر، فقال الله سبحانه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة: ٩٧ - ٩٨].
قال الإمام الطبري: «أجمع أهل العلم بالتأويل جميعًا على أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك»60. ومما ورد من أسباب النزول عن ابن عباس، قال: (أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك. فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يوسف: ٦٦].
قال: (هاتوا). قالوا: أخبرنا عن علامة النبي. قال: (تنام عيناه ولا ينام قلبه). قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل؟ قال: (يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت)، قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه. قال: (كان يشتكي عرق النَّسَاء فلم يجد شيئًا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا) -قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل، فحرم لحومها- قالوا: صدقت.
قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: (ملك من ملائكة الله -عز وجل- موكل بالسحاب بيديه -أو في يده- مخراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله عز وجل). قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمعه؟ قال: (صوته). قالوا: صدقت. إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا أنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟
قال: (جبريل عليه السلام)، قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل الله عز وجل: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) إلى آخر الآية61.
«أي: قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان بك، أن وليك جبريل عليه السلام، ولو كان غيره من ملائكة الله لآمنوا بك وصدقوا، إن هذا الزعم منكم تناقض وتهافت، وتكبر على الله، فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبك، وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك، والله هو الذي أمره، وأرسله بذلك، فهو رسول محض.
مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض، وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي لمن آمن به، فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك كفر بالله وآياته، وعداوة لله ولرسله وملائكته، فإن عداوتهم لجبريل، لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله.
فيتضمن الكفر والعداوة للذي أنزله وأرسله، والذي أرسل به، والذي أرسل إليه، فهذا وجه ذلك»62.
وأما تفريق أهل الكتاب بين الأنبياء فقد ورد في قول الله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النساء: ١٥٠].
فـ«الآية في اليهود والنصارى؛ لأنهم آمنوا بأنبيائهم وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وغيره، جعل كفرهم ببعض الرسل كفرًا بجميع الرسل، وكفرهم بالرسل كفرًا بالله تعالى (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) التفريق بين الله ورسله أن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله، وكذلك التفريق بين الرسل هو الكفر ببعضهم والإيمان ببعضهم.
وقد فسره بقوله بعده: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ) أي: نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض. قال قتادة: أولئك أعداء الله اليهود والنصارى، آمنت اليهود بالتوراة وموسى وكفروا بالإنجيل وعيسى، وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى وكفروا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وتركوا الإسلام دين الله الذي بعث به رسله63.
(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: طريقًا وسطًا بين الكفر والإيمان ولا واسطة بينهما»64.
وقد حكم الله بكفرهم، وأنهم من أصحاب النار فقال: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النساء: ١٥١].
٢. إنكارهم لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وتصريحهم أنه ليس النبي المنتظر.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [البقرة: ٨٩].
فعن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء وداود بن سلمة: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) الآية65.
«وحين جاءهم القرآن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب، ويقولون: قرب مبعث نبي آخر الزمان، وسنتبعه ونقاتلكم معه. فلما جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاته وصدقه كفروا به وكذبوه. فلعنة الله على كل من كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابه الذي أوحاه الله إليه»66. فاليهود دفعهم الحقد والحسد والعنصرية إلى إنكار الرسالة المحمدية، بعد أن كانوا يستفتحون بنبوته ظنًّا منهم أنه سيكون من نسلهم، فلما جاء من نسل العرب أنكروا رسالته حقدًا وحسدًا للعرب.
٣. احتقارهم لغير جنسهم، ودعاوى الاصطفاء والاختيار.
فاليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار، وأن غيرهم بمنزلة الحيوانات، وأنهم مسخرون لخدمتهم، وأن اليهودي أفضل الأجناس على الإطلاق67.
وهذا يبيح لهم انتهاك حرمات غيرهم؛ لأنهم ليس لهم حرمة وقد ذكر القرآن لهم موقفًا عجيبًا يبين نظرتهم لغيرهم، فقال الله سبحانه وتعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [آل عمران: ٧٥].
«والذي حمل هذه الطائفة من اليهود على الخيانة: زعمهم أن التوراة تبيح لهم أكل أموال الأميين وهم العرب، قائلين: إنه لا تبعة ولا إثم عليهم في أكل أموال العرب بل وكل ما عدا اليهود؛ إذ هم شعب الله المختار، فلهم السمو والتفوق العنصري على غيرهم، وأما من سواهم فلا حرمة له عند الله، فهو مبغوض عنده، محتقر لديه، ولا حق له ولا حرمة »68.
وأهل الكتاب يزعمون كذبًا وافتراء أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنه لن يدخل الجنة أحد غيرهم، وقد ذكر القرآن عنهم هذه المقالات، وفندها، ورد عليهم.
أما دعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، فقد قال الله عنها: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المائدة: ١٨].
وقد رد الله عليهم بقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ) [المائدة: ١٨].
وأما دعواهم أنه لن يدخل الجنة غيرهم، فقد قال الله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ١١١].
وقد رد الله عليهم فقال: (ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [البقرة: ١١١-١١٢].
فإن ميزان القربى من الله هو الإيمان والعمل الصالح، لا الوراثة ولا الامتياز العنصري أو الجنسي، فليس صحيحًا أن اليهود شعب الله المختار، وليس لشعب مزية على آخر.
ثانيًا: المشركون:
العنصرية متأصلة في نفوس المشركين على اختلاف العصور والأماكن، وتتجلى عنصريتهم في عدة مظاهر، منها:
١. احتقارهم للرسل والمصلحين، واعتقادهم أنهم أحق بالرسالة.
فقد قال قوم نوح له: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الشعراء: ١١١].
وقالوا له: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المؤمنون: ٢٤].
وقالت ثمود لنبيهم صالح عليه السلام: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [القمر: ٢٣-٢٥].
وقالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [ص: ٨].
وقالوا: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الزخرف: ٣١].
وقد سبق الحديث عن هذه الآيات في المباحث السابقة.
٢. افتخارهم بالأموال والأولاد، وأن لهم الزلفى عند الله.
فقد قال الله تعالى عن كفار قريش: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [سبأ: ٣٥].
وقال سبحانه عن صاحب الجنتين: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف: ٣٤-٣٦].
ومن نماذج العنصرية الكافرة التي حدوها الكبر والاستعلاء فرعون -لعنه الله- فقد قال الله عنه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [القصص: ٤].
وتتبين عنصريته في الآية من أمرين:
الأول: (ﯔ ﯕ ﯖ) أي: أصنافًا69.
«والمعنى يكرم قومًا ويذل آخرين بالاستبعاد والأعمال الشاقة. وقيل: جعل بني إسرائيل أصنافًا في الخدمة والتسخير، فهذه التفرقة العنصرية كانت سببًا أيضًا في هلاك دولته، فجعل هناك تمايزًا طبقيًّا بين الأقباط وبين بني إسرائيل، فكان يرى ويرى الأقباط معه أن مصر هي ملك لهم، وما وجود بني إسرائيل إلا لخدمتهم في هذه الحياة، فجعل من مملكته فرقًا مختلفة، وجعل منهم شيعًا مقربين منه، والقسم الآخر ناصبهم العداء، وجعل بين الطائفتين العداوة والبغضاء ليسهل له السيطرة عليهم جميعًا»70.
الثاني: (ﯗ ﯘ ﯙ).
«يعني: بني إسرائيل، بالاستبعاد والأعمال القذرة، فجعل من هذه الطائفة محقرة مهتضمة الحقوق، لا مساواة بينها وبين الأقباط، مع أنهما يسكنان في أرض واحدة وتحت سماء واحدة. والسبب في ذلك لأنه يرى أنهم غرباء عنه في النسب والدين؛ لأنهم كانوا يعتقدون بعقيدة تختلف عن عقيدته هو وقومه، فهم يدينون بدين جدهم إبراهيم وأبيهم يعقوب -عليهما السلام-، فهم يعتقدون بإله واحد هو الله، وينكرون ألوهية فرعون، وكذلك أحس فرعون أن هناك خطرًا على عرشه من وجود هذه الطائفة في مصر، ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها، فهم جماعة كبيرة قد يتحالفون مع أعدائه من دول الجوار الذين كانت تقوم بينهم وبين فرعون حروبًا. فاحتقرهم ولم يجعل لهم دورًا في الحياة السياسية والإدارية في مصر، فجعل منهم خدمًا، وفرض عليهم الضرائب الباهظة، وكلفهم بالأعمال الشاقة»71.
ثالثًا: المنافقون:
إن النفاق مرض خطير، وإن المنافقين شوكة مؤذية تطعن المجتمع من الداخل، والعنصرية داء متأصل في المنافقين، ومن مظاهر عنصرية المنافقين:
١. التمادي في الضلال والغي ورفض النصح.
من الصفات اللازمة للمنافقين الإفساد في الأرض بكل أشكاله وأنواعه، من إثارة الفتن، والتجسس لحساب الكفار، وتأليب الأعداء على المسلمين، وهذا فساد ظاهر، فإذا وعظهم واعظ وقال لهم: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [البقرة: ١١].
«أي: وإذا قال لهم بعض المؤمنين: لا تسعوا في الأرض بالإفساد بإثارة الفتن، والكفر والصد عن سبيل الله (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) أي: ليس شأننا الإفساد أبدًا، وإنما نحن أناسٌ مصلحون، نسعى للخير والصلاح، فلا يصح مخاطبتنا بذلك»72.
فهؤلاء المنافقون إذا وعظوا وقيل لهم: انزعوا عن أفعالكم القبيحة، حملتهم الأنفة وحمية الجاهلية على التكبر عن قبول الحق، فأغرقوا في الإفساد وأمعنوا في العناد؛ لأنهم يرون أنفسهم فوق نصيحة الناصحين، ونقد الناقدين، أي: نحن مقصورون على الإصلاح، ولا نعرف الإفساد، فكيف ننهى عنه مع أننا لم نفعله؟ وهذا كمال.
قال الله عنهم في آية أخرى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ٢٠٦].
فالمنافقون بقولهم: (ﮙ ﮚ ﮛ) «قصروا نفوسهم على الإصلاح، وذلك أن (إنما) تدل على القصر، أي: قصرهم على الصلاح، لا يكون منهم فساد قط، وذلك أعظم الغرور وأشد الفساد، فكل ما يفعلون يعدونه إصلاحًا، ولا يعدونه فسادًا، وذلك الغرور لا يكون إلا ممن أحاطت به خطيئته، فأصبح لا يرى إلا ما يكون في دائرتها، وقد سدت عنه كل منافذ الخير»73.
وقد رد الله سبحانه عليهم بقوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ١٢].
ومن هدايات الآية: أن الإصلاح في الأرض يكون بالعمل بطاعة الله ورسوله، والإفساد فيها يكون بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعاملون بالفساد في الأرض يبررون دائمًا إفسادهم بأنه إصلاح وليس بإفساد.
٢. احتقار المؤمنين ورفض الإيمان.
المنافقون يرون المؤمنين ناقصي العقل والتفكير، فهم دائمو الاحتقار لهم والاستهزاء بهم، وإذا أعلنوا إيمانهم فذلك استهزاء منهم بالمؤمنين، وهذا ما ذكره الله من حالهم وصفاتهم حيث قال سبحانه وتعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [البقرة: ١٣ - ١٤ ].
«أي: وإذا قيل للمنافقين: آمنوا إيمانًا صادقًا لا يشوبه نفاقٌ ولا رياء، كما آمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأخلصوا في إيمانكم وطاعتكم لله (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) الهمزة للإنكار مع السخرية والاستهزاء، أي قالوا: أنؤمن كإيمان هؤلاء الجهلة أمثال صهيب، وعمار، وبلال ناقصي العقل والتفكير؟! »74.
ولقد حكم الله تعالى على هؤلاء المنافقين، وهو الحكم العدل، وهو خير الفاصلين، فقال تعالت كلماته مؤكدًا ومنبهًا وحاصرًا السفاهة فيهم: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) « يقرر الله تعالى الحكم عليهم بالسفه، وجعلهم مقصورين عليه يدورون في إطاره ويسارعون فيه، فهم يخرجون من سفه إلى سفه، ويسارعون في السفاهة، ويسيرون فيها حتى يصلوا إلى الدرك الأسفل منها»75.
وقوله: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) «أي: وإذا رأوا المؤمنين وصادفوهم أظهروا لهم الإيمان والموالاة نفاقًا ومصانعة.
(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) أي: وإذا انفردوا ورجعوا إلى رؤسائهم وكبرائهم، أهل الضلال والنفاق.
(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي: قالوا لهم: نحن على دينكم وعلى مثل ما أنتم عليه من الاعتقاد، وإنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإظهار الإيمان»76.
كان للإسلام منهجه المتميز في علاج داء العنصرية، وهذا العلاج يتمثل في أمور عدة:
أولًا: التذكير بأصل الخلق:
قرر الإسلام أن أصل البشر واحد، وهو التراب، فقال سبحانه وتعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الحج: ٥].
والأصل الثاني آدم عليه السلام، خلق الله منه زوجه حواء، وبث منهما أولادهما، فقال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء: ١].
فإذا كان الأصل واحدًا، فلا معنى لأن يفخر أحد على أحد، أو يتعالى أحد على أحد.
والملاحظ في آية سورة النساء أن القرآن نبه إلى التعاطف الأخوي الإنساني في أسلوب يوقظ الحس، ويوضح أن الناس من نفس واحدة، فلابد من التعاطف والتراحم بينهم، وقد عبر بقوله سبحانه: (ﭑ ﭒ) فالخطاب للناس جميعًا، وعبر بقوله: (ﭔ) فالله رب الناس جميعًا، فهم إذًا سواء.
«ولو تذكر الناس هذه الحقيقة -أصل الخلق-، لتضاءلت في حسهم كل الفروق الطارئة، التي نشأت في حياتهم متأخرة، ففرقت بين أبناء النفس الواحدة، ومزقت وشائج الرحم الواحدة. وكلها ملابسات طارئة ما كان يجوز أن تطغى على مودة الرحم وحقها في الرعاية، وصلة النفس وحقها في المودة، وصلة الربوبية وحقها في التقوى.
واستقرار هذه الحقيقة كان كفيلا باستبعاد الصراع العنصري، الذي ذاقت منه البشرية ما ذاقت، وما تزال تتجرع منه حتى اللحظة الحاضرة في الجاهلية الحديثة، التي تفرق بين الألوان، وتفرق بين العناصر، وتقيم كيانها على أساس هذه التفرقة، وتذكر النسبة إلى الجنس والقوم، وتنسى النسبة إلى الإنسانية الواحدة والربوبية الواحدة»77.
وقد أخبر رب العالمين أنه خلق الناس من ذكر وأنثى، وفرعهم شعوبًا وقبائل، وبين الحكمة من ذلك فقال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحجرات: ١٣].
هذا إعلام من الرب تبارك وتعالى إلى جميع الناس بأن أصلهم واحد ومرجعهم واحد، فقد خلقهم جميعا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وهما آدم وحواء عليهما السلام، ونوعهم إلى قبائل وشعوب، وهذا التنوع في الأنساب وفي الألوان وفي الألسنة، ومثله التنوع في الطبائع وفي الأخلاق وفي المواهب كل ذلك الهدف منه التعارف والوئام والتعاون للنهوض بجميع التكاليف، والوفاء بجميع الحاجات.
والله تبارك وتعالى العليم الخبير هو الذي وزنهم عن علم وخبرة، وبثهم في الأرض رجالا ونساء وشعوبًا وقبائل من هذا الأصل الواحد، فإذا تفاخر الناس بأنسابهم وبأصولهم وبقبائلهم، فعليهم أن يتذكروا أن العليم الخبير الذي بثهم من التراب والطين يسمعهم ويراهم، هو العليم بأصلهم، خبير بأحوالهم، أليس هو الذي خلقهم! (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الملك: ١٤].
فالإسلام أكد على أن الناس خلقوا من أب واحد وأم واحدة، وما حصل من اختلاف اللون والمكان، وتفرع الناس إلى قبائل وشعوب لا يجعل لأحدهم تمييزًا عنصريًّا على الآخر.
ثانيًا: التقوى ميزان التفاضل:
لقد قضى الإسلام قضاء مبرمًا على كافة أنواع العنصرية القائمة على اختلاف اللون أو الجنس أو اللغات، فالأبيض كالأسود والعربي كالعجمي، لا يتفاضلون ولا يتمايزون إلا بالتقوى والعمل الصالح، فأكرم الناس أتقاهم كما جاء في الآية الكريمة: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحجرات: ١٣].
فإن التفاضل لا يرجع إلى الجنس ولا إلى اللون ولا إلى الوطن، ميزان التفاضل واحد هو الإيمان، ثم المؤمنون فيما بينهم يتفاوتون ويتفاضلون، وميزان التفاضل فيما بينهم هو التقوى، فأتقاهم لله تعالى هو أكرمهم عنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)78.
فالناس جميعًا في أصلهم وفي شرفهم وفي عنصرهم ينتسبون إلى أصل واحد هو الطين والتراب، ولذلك لا يتفاوتون في هذا، لا يتفاوتون في الأصل ولا في الشرف، إنما يتفاوتون في الأمور الدينية، في طاعة الله تبارك وتعالى، وفي متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما تقسيمهم إلى شعوب وإلى قبائل وأما اختلافهم في الأنساب فالمقصود منه التعارف والتآلف. هذا هو المبدأ العظيم الذي جاء به ديننا القويم فكرس مبدأ المساواة بين البشر، وجعل ميزان التفاضل واحدا هو الإيمان والتقوى، فالناس إنما يتفاضلون بهذا الميزان.
فقد «استأصل الإسلام منذ فجر دعوته الإصلاحية الكبرى كل المعاني والروابط القبلية والعنصرية والعرقية، وأحل محلها روابط أخلد وأقوى وأمتن، وهي روابط الإيمان والهجرة والجهاد والإيواء والنصرة
وهذا التصنيف هو ما ذكرته أواخر سورة الأنفال في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأنفال: ٧٢-٧٥]»79.
وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المبدأ، فقد وقف في حجة الوداع ليعلن في خطابه الخالد: (إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)80.
«ولم تكن هذه المساواة لتقف عند حدود المبادئ التي تعلن في مناسبات متعددة - كما يقع من زعماء الحضارة الحديثة اليوم- بل كانت مساواة مطبقة تنفذ كأمر عادي لا يلفت نظرًا، ولا يحتاج إلى تصنع أو عناء، فقد نفذت في المساجد حيث كان يلتقي فيها الأبيض والأسود على صعيد واحد من العبودية لله عز وجل والخشوع بين يديه. ولم يكن الأبيض ليجد غضاضة أو حرجًا في وقوف الأسود بجانبه.
ونفذت في الحج حيث تلتقي عناصر البشرية كلها من بيضاء وملونة على صعيد واحد وبثياب واحدة من غير تميز بين أبيض وأسود أو استعلاء من البيض على السود. بل إننا لنجد ما هو أسمى من هذا، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا الحبشي يوم فتح مكة أن يصعد فوق الكعبة ليؤذن من فوقها ويعلن كلمة الحق، والكعبة هي الحرم المقدس عند العرب في الجاهلية، وهي القبلة المعظمة في الإسلام، فكيف يصعد عليها عبد ملون كبلال؟ كيف يطؤها بقدميه؟
إن مثل هذا أو قريبًا منه لا يتصور في الحضارة الحديثة في أمريكا مثلا، ولكن حضارتنا فعلته قبل أربعة عشر قرنا، فما كان صعود بلال على سطح الكعبة إلا إعلانا لكرامة الإنسان على كل شيء، وأن الإنسان يستحق هذه الكرامة لعلمه وعقله وأخلاقه وإيمانه لا لبشرته وبياضه، فما يقدم الإنسان بياضه إذا أخره عمله، ولا يؤخره سواده إذا قدمه ذكاؤه واجتهاده»81.
إن مجتمعًا يقف فيه بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر بجانب أبي سفيان، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب لدليل قاطع على أن العصبيات والقوميات والجنسيات قد ذهبت إلى غير رجعة، وانصهرت في عقيدة واحدة، هي عقيدة التوحيد، تحت لواء واحد، هو لواء الإسلام.
ولا يخفى أن الاستعمار البغيض لم يستطع أن يبسط نفوذه على الأمة الإسلامية إلا بعد أن فرقها شيعا وأحزابا وأقام بينها حواجز مصطنعة، تتقاطع من أجلها وتتقاتل في سبيل هذه الحدود الاعتبارية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وشد ما نحزن حينما نعلم أن الخلاف يصل إلى عنفوانه، وإلى درجة سفك الدماء والذهاب بالرجال والمعدات بسبب الحدود المصطنعة، إنها مسألة مرسومة بريشة العدو الثلاثي المشترك «الصهيونية والشيوعية والصليبية» لإثارة العداوات82.
فالإسلام أرسى بصورة عملية المبدأ الأساس للتفاضل بين الناس وهو التقوى والعمل الصالح، مع عدم الاعتراف بالامتيازات الطبقية أو النفوذ الموروث، وقد كانت أعظم صورة لتطبيق هذا المبدأ ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين آخى بين المسلمين، حتى صار في فجر الإسلام يستظل بمظلة الإسلام الكبرى شتى الجنسيات المختلفة، فهنا سلمان الفارسي، وهنا بلال الحبشي، وهنا صهيب الرومي، والكل يعيش في ظل راية الإسلام، وتحت مظلة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
أما العالم اليوم فقد دمر بالحروب وبالتفرقة العنصرية، وتمزق بالتعصب الشخصي والمصلحة الخاصة، ولكن الإسلام بتعاليمه يذيب الفوارق بين تلك الجنسيات فيعيش الحبشي والرومي والفارسي والعربي والعجمي جميعًا تحت مظلة الإسلام، فالإسلام يذيب الفوارق ويجمع الشتات، ويربط الجميع بأخوة واحدة، ويصبح هذا التآخي بمثابة التلاحم، قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الحشر: ٩].
ويقول صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)83.
وقد كان إرساء هذه الدعائم من أعظم ما سهل نشر الهداية الإسلامية، وتقارب عناصر البشرية وامتزاجها بعضها ببعض حتى كان ثمرة اتحادها.
ثالثًا: إبطال دعاوى العنصرية:
لقد قضى الإسلام على كل دعاوى العنصرية التي يتمسك بها العنصريون، وأهم ما أبطل به الإسلام دعاوى العنصرية ما يأتي:
١. بيان أن اغترارهم بالأموال والأنصار لن يغني عنهم شيئًا.
فقد قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران: ١٠].
فقد أخبر الله أن «الذين جحدوا الدين الحق وأنكروه، لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئًا إن وقع بهم في الدنيا، ولن تدفعه عنهم في الآخرة، وهؤلاء هم حطب النار يوم القيامة»84.
وبين سبحانه أن أموالهم وأولادهم قد تكون سببًا في تعذيبهم في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [التوبة: ٥٥].
وأوضح القرآن أن أموال العنصريين وأولادهم لن تقربهم من الله في الآخرة، وإنما الإيمان وحده هو سبب القربى في الآخرة، فقال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [سبأ: ٣٥-٣٧].
فهذا « رد آخر على ادعاء المترفين، بأن أموالهم وأولادهم هي التي تقربهم من الله، وتدنيهم من مرضاته، وكلا فإن الأموال والأولاد لا تقرب من الله إلا بقدر ما يكون لأصحاب الأموال والأولاد من إيمان بالله، وإحسان في العمل»85.
٢. طبيعة الخلقة غير صالحة كميزان للتفاضل.
من الأمور التي تقوم عليها العنصرية هي التفريق بين الناس بناء على الجنس أو اللون أو اللغة أو غير ذلك مما يتعلق بطبيعة الخلقة، وتتعصب لهذه الأمور، وقد تخوض الحروب بناء على هذه الأمور، وهذه الأمور لا تصلح أبدًا أن تكون مقياسًا للتفاضل بين البشر؛ لأنه لا دخل لأحد فيها، فالإسلام ساوى بين البشرية جميعًا في أصل الخلق، فلا اعتبار لاختلاف لون أو لسان أو غير ذلك ما دام الأصل واحدًا، بل اعتبر الإسلام اختلاف الألسنة والألوان في النوع البشري، مع وحدته الأصلية، آية من آيات الله الكبرى، ودليلا من دلائل قدرته وبالغ حكمته فقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الروم: ٢٢].
فالآية ترشدنا إلى أن الذين يمارسون العنصرية بناء على اختلاف الألوان أو اللغات «فاتهم أن جميع الكائنات البشرية إخوة، وأن وراء هذه الألوان المتعددة روحًا واحدة لا لون لها، وأن إلهًا واحدًا هو الذي خلقهم جميعًا، وأرخى على روح كل واحد منهم ستارًا كثيفًا: هو الجسد؛ وهذا الستار يكون في صقع أبيض، وفي آخر أسود، وفي صقع أحمر، وفي آخر أصفر»86.
فالإسلام نبذه لأي شكل من أشكال التمييز بين بني البشر بناء على أجناسهم أو ألوانهم أو لغاتهم،
فنادى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)87.
وقد غضب صلى الله عليه وسلم غضبًا لم ير مثله على وجهه الشريف، عندما سمع أبا ذر الغفاري يحتد على بلال ويعيره بلونه قائلا: يا ابن السوداء! فزجره الرسول صلى الله عليه وسلم، ورده بقوله: (يا أبا ذر أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)88.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه) هذا استفهام إنكاري تعجبي، أي: كيف تعيبه بسواد أمه، وتستنقصه بذلك، وأنت تعلم أن الإسلام لا يميز بين الناس بالألوان، وإنما يفاضل بينهم بالتقوى والعمل الصالح.
وقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) أي: إن ما فعلته معه من تعيير بسواد أمه نعرة جاهلية، وأثر من آثار التمييز العنصري الذي كان موجودًا قبل الإسلام.
فاستجاب أبو ذر لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع خده على الأرض، وأقسم أن يطأه بلال برجله توبة وتكفيرًا عمَّا صدر عنه من أخلاق جاهلية89.
٣. الفخر بالأحساب والأنساب من أمور الجاهلية.
بين الإسلام أن التفاخر والتعاظم بالآباء والأجداد، والمآثر، والأمجاد من أمور العصبية والعنصرية المقيتة التي حرمها الإسلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية90 الجاهلية، وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام فخرهم برجال، أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان91 التي تدفع بأنفها النتن)92.
فهذا الحديث إعلام أن الكبر والفخر بالنسب من العصبية المقيتة التي حرمها الإسلام، ومن كمال بلاغته صلى الله عليه وسلم أن شبه المتعصب بآبائه ونسبه بأنه أقل من ذلك الحيوان الصغير الذي يدفع فضلات الإنسان والحيوان ويعيش معها.
وقد بين الحديث أن الناس حين يتفاضلون بالعنصرية للون أو العنصرية لجنس أو العنصرية لوطن، فحينئذ يعاقبهم الله تبارك وتعالى بالذل والهوان، هذا هو وعده على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: (أو ليكونن أهون على الله من الجعلان).
والمقصود في النهي عن التفاخر بالأحساب والأنساب أن يعتقد الإنسان أنها معيار التفاضل بين البشر، أو أن يتخذ ذلك سببًا للتعالي والتكبر على الآخرين، أو التفريق بين المسلمين، وتصنيفهم إلى طبقات وفئات بناء على هذه الأحساب والأنساب.
وكيف يفخر الإنسان على غيره بما ليس من كسبه وما لا جهد له فيه؟!
وقد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم -يوم أن أمره الله بالصدع بالرسالة- أهله وقومه أن أنسابهم وأحسابهم لن تغني عنهم شيئًا يوم القيامة، فعن أبي هريرة قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: (ﭿ ﮀ ﮁ) [الشعراء: ٢١٤].
قال: (يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، و يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، و يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا)93.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل، فقال: (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)94.
ولو أن النسب ينفع صاحبه دون العمل لانتفع به أبو لهب، ولكن هيهات، وقد قال الله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المسد: ١ - ٢].
وقال سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [المؤمنون: ١٠١].
ولا شك أن التفاخر بالأحساب والأنساب وغير ذلك من أمور العنصرية البغيضة يؤدي إلى وجود تحزبات وحزازات بين المسلمين، ووقوع الفرقة والبغضاء في صفوفهم، كما وقع بين الأنصار بسبب المكيدة التي دبرها شاس بن قيس اليهودي، فعن زيد بن أسلم قال: مَرَّ شاس بن قيس -وكان شيخًا قد عسا95 في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه.
فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة96 بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملؤهم بها، من قرار!
فأمر فتى شابًّا من يهود وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار -وكان يوم بعاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج- ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب: أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس، وجبار بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج. فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعةً!97 وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح! موعدكم الظاهرة -والظاهرة: الحرة- فخرجوا إليها.
وتحاوز الناس، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: (يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟).
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع.
فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [آل عمران: ٩٨ - ٩٩ ].
الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شاس بن قيس من أمر الجاهلية: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [آل عمران: ١٠٠].
إلى قوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ١٠٥]98.
ولا يزال كثير من الناس في زماننا تدور بينهم المفاخرة بالآباء والأجداد، والتغني بمآثرهم وأمجادهم، وأصالة أحسابهم وأنسابهم، والتعالي بذلك على من يعدونهم أقل منهم نسبًا وحسبًا، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)99.
فالواجب على المسلمين أن يتخلصوا من العنصرية البغيضة في أقوالهم وأفعالهم، ويعملوا ميزان الإسلام فيما بينهم، لا فرق بين أبيض وأسود، وعربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.
موضوعات ذات صلة: |
الاستكبار، الإنصاف، السياسة، الظلم، العدل |
1 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٧٥٠، لسان العرب، ابن منظور ٤/٦١١، المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٣، تاج العروس، الزبيدي ٢/٤٠٧.
2 العنصرية اليهودية، أحمد الزغيبي ١/٦٠.
3 موقف الإسلام من التفرقة العنصرية، محمد الأنصاري، مقال منشور على موقع: إسلام نت.
4 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ١/٤٤٧، لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٣٩.
5 الكليات ص٤٠٩.
6 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٣٣٦.
7 لسان العرب، ابن منظور ١/٦٠٦.
8 تهذيب اللغة، الأزهري ٢/٣٠.
9 فكر ابن خلدون العصبية والدولة، الجابري ص١٦٨.
10 لسان العرب ٥/٣٥١٩.
11 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٥٥.
12 انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ١/٩٤٥، المفردات، الراغب الأصفهاني ص١١٥، لسان العرب، ابن منظور ١/٣٠٨.
13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٣٢، المفردات، الراغب الأصفهاني ص١١٥، لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٢٥.
14 مقاييس اللغة ٦/٩٠.
15 المفردات ص٨٥٧.
16 انظر: تفسير المراغي ١/٨٨، التفسير الميسر ص٦.
17 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٢٥.
18 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٩٠.
19 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/١٣٠.
20 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/١٣٠.
21 صفوة التفاسير، الصابوني ١/١١٩.
22 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم ٩٣.
23 إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض ١/٣٦١.
24 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١١/٨٢٩-٨٣٠.
25 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩١٠.
26 المصدر السابق ٤/٢٢٧٠.
27 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٦.
28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٧.
29 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١/٢٠٧.
30 الوسيط في التفسير، طنطاوي ٤/٩٦.
31 التفسير الواضح، محمد حجازي ١/٤٩٩.
32 محاسن التأويل، القاسمي ٣/١٦٩.
33 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٩٥.
34 الكشاف، الزمخشري ١/٥٢٠.
35 صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٢٥٩.
36 البحر الحيط، أبو حيان ١٠/٢٢.
37 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٤٠٦.
38 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٩٢.
39 صفوة التفاسير، الصابوني ٣/١٤٩.
40 فتح البيان، صديق خان ١٢/٢٣٦.
41 المصدر السابق ١٢/٢٣٦.
42 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٠٧.
43 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٤١٠.
44 انظر: التحرير والتنوير ٢٨/٢٤٩.
45 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٤١٠.
46 في ظلال القرآن ٦/٣٥٨٠.
47 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٠٦.
48 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٧٤٤.
49 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم ٩٣.
50 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/١١.
51 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل.باب في فضل سعد بن أبي وقاص، رقم ٢٤١٣، ٤/١٨٧٨.
52 في ظلال القرآن ٢/١١٠٠.
53 المصدر السابق.
54 في ظلال القرآن ٦/٣٤٣٢.
55 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٢٦.
56 الكشاف، الزمخشري ٤/٧٤.
57 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ص٤٢٠.
58 تفسير المراغي ٢/١١٢.
59 التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٢٤٨.
60 المصدر السابق ١/٢٤٩.
61 جامع البيان، الطبري ٢/٣٧٧.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٣٧.
63 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٠.
64 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٢/٧٢٥.
65 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٢٩٠.
66 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١/٢١٧.
67 التفسير الميسر ص١٤.
68 انظر: عنصرية اليهود، الزغيبي ٢/٥٩.
69 التفسير المنير، الزحيلي ٣/٢٦٦.
70 سورة القصص دراسة تحليلية، محمد المطني ص٢١٦.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢٠.
72 سورة القصص دراسة تحليلية، محمد المطني ص٢١٦.
73 المصدر السابق ص٢١٦.
74 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٣٠.
75 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/١٣٠.
76 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٣٠.
77 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/١٣٢.
78 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٣٠.
79 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٧٤.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم ٢٥٦٤، ٤/١٩٨٧.
81 التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٨٢٤.
82 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٣٤٨٩، ٣٨/٤٧٤، والطبراني في المعجم الأوسط، رقم ٤٧٤٩، ٥/٨٦، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ٤٧٧٤، ٧/١٣٢. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٦/٤٤٩.
83 انظر: روائع حضارتنا، مصطفى السباعي ص١١٢-١١٣.
84 انظر: أجنحة المكر الثلاثة، الميداني ص٢٠٤.
85 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم ح٢٥٨٦، ٤/١٩٩٩.
86 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٥١.
87 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١١/٨٣١.
88 أوضح التفاسير، محمد حجازي ١/٤٩٣.
89 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٣٤٨٩، ٣٨/٤٧٤، والطبراني في المعجم الأوسط، رقم ٤٧٤٩، ٥/٨٦، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ٤٧٧٤، ٧/١٣٢. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٦/٤٤٩.
90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، رقم ٣٠، ١/١٥.
91 انظر: إرشاد الساري، القسطلاني ١/١١٥.
92 عبية الجاهلية: الكبر والأنفة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/١٦٩.
93 الجعلان بكسر جيم وسكون عين، جمع جعل، بضم ففتح: دويبة كالخنفساء.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ١/٢٧٧.
94 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب النوم، .باب التفاخر بالأحساب، رقم ٥١١٦، ٧/٣٤٨، والترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب فضل الشام واليمن، رقم ٣٩٥٦، ٦/٢٢٩، وقال: هذا حديث غريب. وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح ٣/١٣٧٣.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، رقم ٤٧٧١، ٦/١١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، رقم ٢٠٦، ١/١٩٢.
96 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم ٢٦٩٩، ٤/٢٠٧٤.
97 عسا: كبر وأسن. انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٣١٦.
98 بنو قيلة: هم الأنصار من الأوس والخزرج، وقيلة: اسم أم لهم قديمة، هي قيلة بنت كاهل، سموا بها. انظر: النهاية، ابن الأثير ٤/١٣٤.
99 ردها جذعة: أي جديدة كما بدأت.والجذع والجذعة: الصغير السن من الأنعام، أول ما يستطاع ركوبه.يعني أعدناها شابة فتية. انظر: النهاية، ابن الأثير ١/٢٥٠.