عناصر الموضوع
عاد
ذكر الله سبحانه وتعالى الكثير من القصص القرآنية في كتابه العزيز، يتحدث في هذه القصص عن أقوام وأمم سابقة، كيف الحال معهم من حيث: عبادة الله عز وجل، وموقفهم من الأنبياء المرسلة إليهم، وما هو الجزاء الذي يستحقونه نتيجة أفعالهم ؟ كل ذلك لحكمة يقضيها الله سبحانه وتعالى، ومن الأقوام الذين قص الله خبرهم قوم عاد.
أولًا: التسمية:
هذه القبيلة ينسبون إلى جدهم عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، قال ابن إسحاق مبينًا ذلك: « عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح» 1.
وقال الطبري: « وكان ممن طغا وعتا على الله عز و جل بعد نوح، فأرسل الله إليهم رسولًا فكذبوه وتمادوا في غيهم، فأهلكهم الله هذان الحيان من إرم بن سام بن نوح أحدهما: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهي عاد الأولى »2.
ولكن هل هما عادان أم عاد واحدة ؟
ذكر أهل العلم في ذلك قولين:
القول الأول: إنها عاد واحدة، وقد نسب الألوسي هذا القول إلى الجمهور فقال: «(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النجم:٥٠] أي: القدماء؛ لأنهم أولى الأمم هلاكًا بعد قوم نوح، كما قاله ابن زيد والجمهور »3.
القول الثاني: إنهما عادان، وقد نقله الطبري عن ابن إسحاق، وقال به ابن كثير 4.
وسبب اختلافهم يرجع إلى قول الله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النجم:٥٠].
فمن فهم من لفظة الأولى أن هناك أخرى جعلهما عادين، أما أصحاب القول الأول فقد فهموا من هذا الوصف أنها أولى باعتبار هلاكها فهي أولى الأمم هلاكًا بعد قوم نوح، وأول العرب ذكرًا، وأول العرب البائدة، أو إن الأولى بمعنى القديمة 5.
ثم إن أصحاب القول الثاني اختلفوا في تسمية عاد الأولى والأخرى على قولين:
أحدهما: إن عادًا الأولى عاد بن إرم، وهم الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وعادًا الآخرة قوم هود.
الثاني: إن عادًا الأولى قوم هود والآخرة قوم كانوا بحضرموت 6. والله أعلم.
ثانيًا: المكان:
تحدث القرآن الكريم عن مكان وجودهم وسكناهم، وقد سميت سورة من سور القرآن الكريم باسم المكان الذي سكنوه وهو الأحقاف.
فالأحقاف اسم المنطقة التي سكنها قوم عاد، وهم قوم نبي الله هود عليه السلام لقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأحقاف:٢١].
وقبل أن نقوم بتحديد مكان منطقة الأحقاف، لا بد من معرفة معنى الأحقاف كما ذكر في تفاسير القرآن، فقد ذكر ابن كثير في تفسيره «أن الأحقاف جمع حقف وهو: الجبل من الرمل» 7.
أما الماوردي فقد عرفها تعريفًا دقيقًا في تفسيره فقال: «الأحقاف هي ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولا يبلغ أن يكون جبلا» 8.
أما مكان الأحقاف التي هي ديار عاد فقد اختلف المفسرون في ذلك على أقوال يجمعها ما قاله الحافظ ابن كثير: « وكانوا عربًا يسكنون الأحقاف - وهى جبال الرمل - وكانت باليمن بين عمان وحضر موت، بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر، واسم واديهم مغيث» 9.
وعلى العموم فالمقصود من القصة أخذ العظة والعبرة مما حدث لهؤلاء القوم، وتحديد المكان ليس فيه مزيد عبرة سوى النظر في عاقبة الظالمين، وما أحسن قول الإمام الطبري بعد أن استعرض تلك الأقوال ثم قال: « وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم أخوهم هود بالأحقاف، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة، وجائز أن يكون ذلك جبلًا بالشام، وجائز أن يكون واديًا بين عمان وحضرموت، وجائز أن يكون الشحر، وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة» 10.
ثالثًا: الزمان:
ذكر الله تعالى في قوله: (ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٦٩].
زمان قوم عاد، فهم كانوا من ذرية نوح عليه السلام، وبعده في الزمان.
قال الطبري في تفسير هذه الآية: «واذكروا ما حل بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم، وكفروا بربهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم، لما أهلكهم أبدلكم منهم فيها، يعني في الأرض، (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) أي: من بعد إهلاكهم» 11.
وقال ابن كثير: « وكان زمانهم بعد قوم نوح، كما قال في سورة الأعراف: (ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأعراف:٦٩]»12.
[انظر: هود: التعريف بهود عليه السلام وقومه]
ورد ذكر (عاد) في القرآن الكريم (٢٤) مرة، في (١٨) سورة.
وأما قصتهم فقد وردت في السور الآتية:
السورة |
الآيات |
الأعراف |
٦٥-٧٢ |
هود |
٥٠-٦٠ |
الشعراء |
١٢٣-١٤٠ |
فصلت |
١٥-١٦ |
الأحقاف |
٢١-٢٦ |
الذاريات |
٤١-٤٢ |
القمر |
١٨-٢١ |
الحاقة |
٦-٨ |
أولًا: اسم نبيهم ونسبه:
ذكر الله تعالى أن نبي الله هودًا عليه السلام أخ لقبيلة عاد، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأعراف:٦٥].
إلا أن المفسرين اختلفوا في هذه الأخوة على قولين:
القول الأول: إنها أخوة نسب، وإن هودًا من قبيلة عاد، وممن صرح بذلك ونص عليه الإمام البغوي فقال: «أي: وأرسلنا إلى عاد -وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وهي عاد الأولى - «أخاهم» في النسب لا في الدين »13.
وعلى هذا فالأخوة هنا مطلق القرابة كما يقال: يا أخا العرب؛ إذ إن هودا من بني عاد14.
القول الثاني: إنه ليس من قبيلة عاد، أما إطلاق الأخوة عليه فلأنه بشر مثلهم، أو لكون الجميع من ولد آدم عليه السلام، وممن قال بذلك ابن إسحاق والزجاج.
يقول ابن الجوزي: « المعنى: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا، قال الزجاج: وإنما قيل أخوهم؛ لأنه بشر مثلهم من ولد أبيهم آدم»15.
وبناء على هذا الخلاف ذكر في نسبه عليه السلام قولان:
القول الأول: إنه هود بن عبد الله بن رباح بن الجارود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام. وهذا على قول من جعل الأخوة أخوة النسب.
القول الثاني: إنه هود بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح عليه السلام16.وعليه لا قرابة بينه وبين عاد.
فأما اسم نبيهم عليه السلام فقد ذكر أهل العلم قولين في ذلك:
الأول: إن اسمه هود كما سبق.
والثاني: إن اسمه عابر.
يقول الإمام الطبري: « فأما عاد فإن الله عز و جل أرسل إليهم هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، ومن أهل الأنساب من يزعم أن هودًا هو عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح» 17.
والذي يظهر أن الراجح هو أن اسمه هود كما نص عليه في غير ما آية من كتاب الله تعالى، وأنه من قبيلة عاد، وأن نسبه هو ما يلتقي فيه مع عاد، وذلك لظاهر الآية السابقة، والله أعلم.
وكان هود عليه السلام أشبه الناس بآدم، وقد تحدث القرآن كثيرًا عن هود فيمن تحدث عنهم من رسل الله الكرام، ويعتبر هود عليه السلام من أوسطهم بيتًا، وأكرمهم حسبًا، وأعزهم رهطًا، وذلك ليمنع من سفاهة قومه حتى يبلغهم رسالات الله، و نصح لهم هود بكل جهده وآتاهم بالحق من ربه 18.
[انظر: هود: نسب هود عليه السلام]
ثانيًا: رسالة هود عليه السلام:
أما رسالة النبي هود عليه السلام إلى قومه، مثل رسالة أي نبي من الأنبياء إلى أقوامهم، وذلك بدعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك؛ لكي لا يتخبطوا في بحر من الظلمات، وتحذيرهم وإنذارهم من غضبه وسخطه وعقابه، وتبشيرهم بجنته ورضوانه، والسمع والطاعة لأنبيائه، وهذا هو العهد والميثاق الذي أخذه على أنبيائه جميعًا بتبليغه للناس؛ لقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [آل عمران:٨١].
ومجمل رسالة النبي هود عليه السلام ما ورد عن يحيى بن يعلى قال: «قال هود لقومه حين أظهروا عبادة الأوثان: يا قوم، إني بعثة الله إليكم، وزعيمه فيكم، فاتقوه بطاعته، وأطيعوه بتقواه، فإن المطيع لله يأخذ لنفسه من نفسه بطاعة الله للرضا، وإن العاصي لله يأخذ لنفسه من نفسه بمعصية الله للسخط، وإنكم من أهل الأرض، والأرض تحتاج إلى السماء، والسماء تستغني بما فيها، فأطيعوه تستطيبوا حياتكم، وتأمنوا ما بعدها، وإن الأرض العريضة تضيق عن التعرض لسخط الله» 19.
ولهذا بعثه الله فيهم عليه السلام لكي لا يكون لهم حجة علي الله يوم القيامة.
وأصول رسالة هود عليه السلام ثلاثة:
الأصل الأول: الدعوة للتوحيد وترك عبادة الأصنام.
لم يبعث الله تعالى رسولا إلا دعا قومه إلى عبادة الله وحده.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنبياء:٢٥].
وقال أيضًا: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل:٣٦].
قال الشنقيطي: «ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه بعث في كل أمة رسولًا بعبادة الله وحده، واجتناب عبادة ما سواه. وهذا هو معنى «لا إله إلا الله»، لأنها مركبة من نفي وإثبات، فنفيها هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، وإثباتها هو إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه»20.
وقوم عاد كانوا عبادًا للأصنام مشركين بالله تعالى، إذ كانت لهم ثلاثة أصنام يعبدونها من دون الله تعالى، قال ابن إسحاق: « كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هودًا، الأحقاف كانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون الله: صنم يقال له: «صداء»، وصنم يقال له: «صمود»، وصنم يقال له: «الهباء»» 21. فكان أول ما دعا إليه قومه وهو إفراد الله تعالى بالعبادة وحده قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف:٦٥].
قال البغوي: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف:٦٥]: وحدوا الله» 22.
وقال ابن كثير: « يقول تعالى (و) لقد أرسلنا (ﯙ ﯜ ﯝ ﯞﯟ) [الأعراف:٦٥].
آمرًا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له ناهيًا لهم عن الأوثان التي افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة »23.
وفي آية أخرى بين الله تعالى على لسان قوم عاد ما أمرهم به رسولهم عليه السلام فقال: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأعراف:٧٠].
يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره: قالت عاد له: أجئتنا تتوعدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين، كي نعبد الله وحده، وندين له بالطاعة خالصًا، ونهجر عبادة الآلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها، ونتبرأ منها؟ فلسنا فاعلي ذلك، ولا نحن متبعوك على ما تدعونا إليه»24 .
فتضمنت هذه الآية أمرين:
الأول: الأمر بعبادة الله تعالى وحده.
والثاني: ترك عبادة ما كانوا يعبدونه من الأصنام، فهم وإن كانوا قالوا ذلك استبعادا فهو بيان لما دعاهم إليه عليه السلام.
الأصل الثاني: الإيمان برسالة هود عليه السلام.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الشعراء:١٢٤ - ١٢٦].
فهو يصف نفسه بالرسالة والأمانة وهذا يقتضي طاعته، قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﮭ ﮮ ﮯ) من ربي يأمركم بطاعته، ويحذركم على كفركم بأسه، (ﮰ) على وحيه ورسالته، (ﯓ ﯔ) بطاعته والانتهاء إلى ما يأمركم وينهاكم، (ﯕ) فيما آمركم به من اتقاء الله وتحذيركم سطوته» 25.
وقال السعدي: «(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الشعراء:١٢٥].
أي: أرسلني الله إليكم، رحمة بكم، واعتناء بكم، وأنا أمين، تعرفون ذلك مني، رتب على ذلك قوله: (ﯓ ﯔ ﯕ) [الشعراء:١٢٦]أي: أدوا حق الله تعالى، وهو التقوى، وأدوا حقي، بطاعتي فيما آمركم به، وأنهاكم عنه، فهذا موجب، لأن تتبعوني وتطيعوني »26.
وقال تعالى أيضًا مبينا هذا الأصل: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأعراف:٦١-٦٢].
فهو عليه السلام رسول إليهم مبلغ لهم ما أرسل به إليهم، قال الطبري: « (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) أرسلني، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأؤديها إليكم كما أمرني أن أؤديها»27.
وقال ابن كثير: « وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة»28.
فظهر مما سبق أنه رسول إليهم ناصح لهم وأمين وهذا يقتضي أن يؤمنوا برسالته ويطيعوه.
الأصل الثالث: الإيمان بالبعث.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[المؤمنون:٣٥ - ٣٧].
ففي هذه الآيات الكريمات يبين الله تعالى لنا كفر عاد بالبعث من بعد الموت فهم يستبعدون ذلك أولًا، ثم ينفونه ثانية.
قال الطبري: « (ﯗ ﯘ): أي بعيد ما توعدون أيه القوم، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياءً من قبوركم، يقولون: ذلك غير كائن وقوله:(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) يقول: ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها(ﯡ ﯢ) يقول: تموت الأحياء منا فلا تحيا، ويحدث آخرون منا فيولدون أحياء(ﯣ ﯤ ﯥ) يقول: قالوا: وما نحن بمبعوثين بعد الممات»29.
إلا أنه قد يقول قائل: إن هذه الآيات من سورة المؤمنون اختلف بالمقصود بها على قولين:
القول الأول: إنهم ثمود، ونبيهم صالح عليه السلام.
قال الطبري: « يقول تعالى ذكره: وقالت الأشراف من قوم الرسول الذي أرسلنا بعد نوح، وعنى بالرسول في هذا الموضع: صالحًا، وبقومه: ثمود»30.
وقال السعدي: «قال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [المؤمنون:٣١].
الظاهر أنهم ثمود قوم صالح عليه السلام، لأن هذه القصة تشبه قصتهم»31.
واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ) [المؤمنون:٤١]
قال ابن عاشور: « والأظهر أن المراد به هنا ثمود لأنه الذي يناسبه قوله في آخر القصة (ﰀ ﰁ ﰂ): [المؤمنون:٤١]؛ لأن ثمود أهلكوا بالصاعقة، ولقوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المؤمنون:٤٠ ].
مع قوله في سورة الحجر: (ﮚ ﮛ ﮜ) [الحجر:٨٣].
فكان هلاكهم في الصباح. ولعل تخصيصهم بالذكر هنا دون عاد خلافًا لما تكرر في غير هذه الآية لأن العبرة بحالهم أظهر لبقاء آثار ديارهم بالحجر كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ) [الصافات:١٣٧-١٣٨]32.
القول الثاني: إنهم قوم عاد، ونبيهم هود عليه السلام.
قال البغوي: «(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ) [المؤمنون:٣٢ ].
يعني: هودا وقومه. وقيل: صالحا وقومه. والأول أظهر»33.
وقال ابن الجوزي: « (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) يعني عادًا (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) وهو هود هذا قول الأكثرين، وقال أبو سليمان الدمشقي: هم ثمود والرسول صالح»34.
واستدل أصحاب هذا القول بما هو معهود في القرآن الكريم من ذكر قصة عاد بعد ذكر قوم نوح.
قال أبو السعود: « (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) أي من بعد إهلاكهم (ﭶ ﭷ) هم عاد حسبما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعليه أكثر المفسرين وهو الأوفق لما هو المعهود في سائر السور الكريمة من إيراد قصتهم إثر قصة قوم نوح»35.
والذي يظهر أن الراجح هو القول الثاني؛ لما ذكروه من سياق القرآن الكريم، وأما استدلال الأولين بهلاكهم بالصيحة فلا يمنع أن يجتمع عليهم الريح والصيحة؛ قال ابن كثير: «والظاهر أنه اجتمع عليهم صيحة مع الريح الصرصر العاصف القوي الباردة»36.
ثم إن الصيحة ليست مختصة بهم حتى تكون دليلا لإخراج السياق عن ظاهره، فقد أهلك الله بها أقواما غير ثمود، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [هود:٩٤].
ففي هذه الآية بيان أن هلاك قوم شعيب بالصيحة، وقوم لوط أهلكوا بالصيحة.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ)[الحجر:٧٣].
وأصحاب القرية المذكورون في سورة يس أهلكوا بها.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [يس:٢٩].
ثم كان مما دعاهم إليه زيادة على توحيد الله تعالى والإيمان برسوله وبالبعث أن دعاهم إلى ما يلي:
١. الاستغفار والتوبة.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [هود:٥٢].
والاستغفار هو طلب مغفرة الذنوب وسترها فلا يجازى بها، والتوبة هي الندم على ما فات والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب مستقبلا قال ابن كثير: « ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه وسهل عليه أمره وحفظ شأنه»37.
ولا يتنافى هذا مع من قال: إن الاستغفار هنا هو الإيمان والتوحيد.
قال الطبري: « والاستغفار: هو الإيمان بالله في هذا الموضع، لأن هودًا صلى الله عليه وسلم إنما دعا قومه إلى توحيد الله ليغفر لهم ذنوبهم، كما قال نوح لقومه: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [نوح:٣-٤]»38؛ وذلك لأن طلب المغفرة من الشرك يكون بالإيمان والتوحيد، والله أعلم.
٢. أنكر عليهم العبث.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الشعراء:١٢٨].
فما هو الريع الذي يتخذونه مكانا لبنائهم؟
ذكر المفسرون في ذلك ستة أقوال في معناها، يجمعها كلها أن الريع المكان المرتفع عند الطرق المشهورة يتخذ مكانا لبنائهم.
قال ابن كثير: «اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة»39.
أما نوع البناء الذي وصف بأنه آية فالقول الجامع لأقوال المفسرين إنه بناء ظاهر مشهور إذ الآية هي العلامة والدلالة ولا يكون البناء آية إلا إذا كان ظاهرًا مشهورًا 40.
وأما عبثهم فاختلف في تعيينه على قولين:
أحدها: اللهو واللعب، قاله عطية.
الثاني: أنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم 41.
ومما سبق في تفسير هذه الآية أن نبيهم عليه السلام نهاهم عن العبث واللعب في بناء ما لا يحتاجون إليه، أما إذا كان البناء مما لهم به حاجة فلا يمكن أن ينهاهم عنه؛ قال ابن كثير: «أي وإنما تفعلون ذلك عبثًا لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة، ولهذا أنكر عليهم نبيهم عليهه السلام ذلك؛ لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة»42.
٣. أنكر عليهم اتخاذ المصانع.
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الشعراء:١٢٩].
وفي معنى المصانع يقول الطبري: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن المصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورًا وحصونًا مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء، ولا خبر يقطع العذر بأي ذلك كان، ولا هو مما يدرك من جهة العقل. فالصواب أن يقال فيه، ما قال الله: إنهم كانوا يتخذون مصانع» 43.
ولكن من الملاحظ أن نبيهم عليه السلام ينهاهم عن هذه الأبنية حينما تتعلق بها قلوبهم على أمر مذموم، فبناؤهم لهذه المصانع لكي يخلدوا فيها، وهذا أمر محال ولهذا جاءهم استنكار نبيهم.
قال ابن كثير: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الشعراء:١٢٩] أي: لكي تقيموا فيها أبدًا وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم، كما زال عمن كان قبلكم»44.
٤. أنكر عليهم أيضًا تجبرهم على الناس.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الشعراء:١٣٠].
فالبطش هو: الضرب عند الغضب بسوط أو سيف، والجبارين جمع جبار، والجبار: الشديد في غير الحق، الذي يقتل ويضرب على الغضب، فالمعنى: إذا بطشتم كان بطشكم في حالة التجبر، أي الإفراط في الأذى وهو ظلم.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القصص:١٩ ].
وشأن العقاب أن يكون له حد مناسب للذنب المعاقب عليه بلا إفراط ولا تفريط، فالإفراط في البطش استخفاف بحقوق الخلق 45.
وسبب إنكارهم يبينه الإمام ابن الجوزي بقوله: «وإنما أنكر عليهم ذلك لأنه صدر عن ظلم إذ لو ضربوا بالسيف أو بالسوط في حق ما ليموا»46.
ثالثًا: أسلوبه في دعوة قومه:
لابد لهذا النبي الكريم من أسلوب في دعوته قومه ليتم بذلك بلاغه على أكمل وجه، وإن المتأمل في دعوته عليه السلام لقومه يجد أن له أسلوبا واضحا سلكه حينما عرض عليهم دعوته يتمثل فيما يلي:
١. تخويفهم عذاب الله.
ذكر الله تعالى عنه هذا في آيتين:
الأولى: قوله تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء:١٣٥].
فقد بين لهم عليه السلام أن عاقبة تكذيبهم العذاب العظيم.
قال الشوكاني: « (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ)[الشعراء:١٣٥] إن كفرتم وأصررتم على ما أنتم فيه ولم تشكروا هذه النعم والمراد بالعذاب العظيم الدنيوي والأخروي»47.
وقال البيضاوي: « ثم أوعدهم فقال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) في الدنيا والآخرة، فإنه كما قدر على الإنعام قدر على الانتقام»48.
والثانية: قوله سبحانه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأحقاف:٢١].
قال ابن عاشور: «وجملة (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) تعليل للنهي في قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)، أي إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم بسبب شرككم»49.
وقال السعدي: «فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد، فلم تفد فيهم تلك الدعوة»50.
٢. تذكير نعم الله عليهم.
والتذكير بنعمة الله تعالى طريق من طرق مواعظ الرسل51.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف:٦٩].
قال ابن كثير: «أي: واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ) أي: زاد طولكم على الناس.
(ﭯ) أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم؛ كقوله في قصة طالوت: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة:٢٤٧].
(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) أي: نعمة ومننه عليكم لعلكم تفلحون» 52.
وقال أبو السعود: « فاذكروا آلاء الله التي أنعم بها عليكم من فنون النعماء التي هذه من جملتها وهذا تكرير للتذكير لزيادة التقرير وتعميم إثر تخصيص لعلكم تفلحون كي يؤديكم ذلك إلى الشكر المؤدي إلى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب»53.
وزاد ذلك إيضاحًا في سورة الشعراء فقال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الشعراء:١٣٢ - ١٣٤].
قال ابن عاشور: « وقد جاء في ذكر النعمة بالإجمال الذي يهيىء السامعين لتلقي ما يرد بعده فقال: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الشعراء:١٣٢].
ثم فصل بقوله: (ﯾ ﯿ ﰀ) [الشعراء:١٣٣ ] وأعيد فعل (ﯺ) في جملة التفصيل لزيادة الاهتمام بذلك الإمداد فهو للتوكيد اللفظي »54.
٤. استعطافهم بإلانة القول لهم.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ) [الأعراف:٦٥].
فهو عليه السلام يناديهم بـ (يا قوم)؛ ليبين لهم أنهم هم أولى من يحرص على نجاته إذ هم قومه، وأقاربه ثم يستعطفهم بقوله: (ﯪ ﯫ): مستخدما أداة العرض؛ وفي هذا من لطف الخطاب، والوعظ بأداة العرض الجاذبة للقلوب، ما لا يخفى55.
قال ابن عطية: «وقوله: (ﯪ ﯫ) استعطاف إلى التقى والإيمان»56.
وقال أبو السعود: «قال مستعطفا لهم ومستميلا لقلوبهم مع ما سمع منهم ما سمع من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء يا قوم ليس بي سفاهة أي شيء منها ولا شائبة من شوائبها»57.
٥. الشدة في الخطاب لهم.
يبين ذلك قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [هود:٥٠].
فجملة (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) توبيخ وإنكار، أي: ما أنتم إلا كاذبون في ادعاء إلهية غير الله تعالى 58.
قال الطبري: «يقول: ما أنتم في إشراككم معه الآلهة والأوثان إلا أهل فرية مكذبون»59.
ويبينه أيضًا قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ) [هود:٥٢].
يقول الطبري: « يقول: ولا تدبروا عما أدعوكم إليه من توحيد الله، والبراءة من الأوثان والأصنام (ﰁ)، يعني: كافرين بالله» 60.
فحاصل أسلوبه في دعوته لهم هو الجمع بين الترغيب والترهيب والشدة واللين إذ لكل مقام مقال، ولكن لم ينفع معهم ذلك، قال ابن كثير: «فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب، فما نفع فيهم» 61.
ويحسن بنا في نهاية هذا المبحث أن نذكر بعضا من هدايات الآيات الكريمة التي ذكرت فيه؛ فمن ذلك:
[انظر: هود: عناصر رسالة هود عليه السلام وأسلوبه في الدعوة إلى الله]
حال قوم عاد كحال الأقوام التي سبقتها والتي جاءت بعدها من حيث تكذيب أنبيائهم ورسولهم، وجحودهم، وكفرهم بالله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [ق:١٢-١٤].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [ص:١٢-١٤].
«أخبرنا الله في القرآن عن قصة قوم عاد، وكفرهم بالله، وتكذيبهم نبيهم هودًا عليه السلام وقد ذكرت قصتهم بالتفصيل في سور: الأعراف وهودٍ والشعراء وفصلت والقمر وغيرها» 63.
ونبين موقفهم من نبيهم إن شاء الله على النحو الآتي:
قوم عاد كانت لهم أصنام يعبدونها دون الله تسمى «صداء، وبغاء، وصمود » فبعث الله إليهم نبيه هودًا عليه السلام برسالاته وداعيًا إلى عبادته، فبلغهم الرسالة ونصح لهم ما استطاع، وكان أمينًا في نصحه لهم، لقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الشعراء:١٢٥-١٢٦].
فردوا نصيحته وطرحوا قوله، وكرهوا ما جاءهم به، وتمثل ذلك في صور، وهي:
١. الكفر بالله.
وما كان رد قومه على دعوته إلا أنهم كفروا بالله، لقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [هود:٦٠].
والمعنى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) «فهذه شهادةٌ مؤكدةٌ عليهم بالكفر، أي: كفروا نعمه عليهم بجحودهم بآياته وتكذيبهم لرسله كبرًا وعنادًا، يقال: كفره وكفر به، وشكره وشكر له، ومعنى مادة الكفر في الأصل التغطية.
و(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) أي: دعاءٌ عليهم بالهلاك والبعد من الرحمة حكايةً لبدئه، وتسجيلًا لدوامه، كرر ألا المنبهة لما بعدها تعظيمًا لأمره، وكرر اسمهم ووصفهم بـ قوم هودٍ ليفيد السامع بالتكرير تقرير استحقاقهم للعنة والإبعاد وسببه، أنهم ليس لهم شبهة عذرٍ لرد الدعوة المعقبة للحرمان مما كانوا فيه من خيرٍ ونعمةٍ، والانتهاء إلى ضده من شقاءٍ ونقمةٍ» 64.
(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) « أي بنعمة ربهم، يقال: كفرته وكفرت به مثل شكرته وشكرت له، (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) أي: لا زالوا مبعدين من رحمة الله، والبعد الهلاك والتباعد عن الخير، يقال: بعد يبعد بعدًا إذا تأخر وتباعد، وبعد يبعد بعدًا إذا هلك، والمبالغة في التنصيص والتكرير بعبارتين مختلفتين تدل على تقوية التأكيد ونهاية التحقيق، وقد تقدم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك»65.
على الرغم من أن هودًا عليه السلام الذي جاء بعد نوح عليه السلام دعا قومه فأعرضوا عنه، كما كانت دعوة نوح، ولقي منهم ما لقي نوح من قومه من تكذيب وتسفيه، ولكنه مضى معهم كما مضى نوح مع قومه ناصحًا، متلطفًا، يلقى السيئة بالحسنة، والشر بالخير، وهم مع هذا لا يزدادون إلا عنادًا وإصرارًا على ما هم فيه من عمى وضلال.
وتجيء الخاتمة التي لا تختلف أبدا نجاة للمؤمنين، وهلاك للمكذبين المعاندين66.
وهذا أكبر دليل على إصرارهم على الكفر بالله تعالى.
٢. الجحود والاستنكار.
لم يقتصر ردهم بالكفر على دعوة نبيهم، وإنما قابلوها بالجحود والاستنكار، وهذا ما ذكره الله في كتابه العزيز: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [هود:٥٣].
والمعنى: «قالوا: يا هود أي قالوا لنبيهم: ما جئتنا بحجة وبرهان على ما تدعيه أنك رسول من عند الله، ولن نترك عبادة آلهتنا بمجرد قولك: اتركوهم، وما نحن لك بمصدقين، وما نظن إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب شتمك لها ونهيك عن عبادتها وعيبك لها.
فكان جوابهم متضمنا أربعة أشياء كلها عناد وحماقة واستكبار، وهي المطالبة بالبينة والإصرار على عبادة الآلهة، مع أنهم كانوا يعترفون بأن النافع والضار هو الله تعالى، وأن الأصنام لا تنفع ولا تضر، وعدم التصديق برسالة هود مما يدل على الإصرار والتقليد والجحود، وإفساد عقله، وجعله مجنونًا بواسطة الآلهة»67.
فرغم كل ذلك من دعوتهم لعبادة الله، والاستغفار والتوبة إليه وإتيانهم بالمعجزات إلا أنهم أنكروا ذلك وقالوا ما جئتنا ببينة، كما ذكر في الآية السابقة، وهذا ما بينه الزحيلى في تفسيره: قال لهم: (استغفروا ربكم) من الشرك، (ثم توبوا إليه) أخلصوا التوبة من المعاصي والكفر بالله، وارجعوا إليه بالطاعة، أي: اطلبوا المغفرة من الله بالإيمان، ثم توسلوا إليها بالتوبة، ثم لا يكون التبري من الآخرين إلا بالإيمان بالله والرغبة فيما عنده، (يرسل السماء) الغيث، وكانوا قد منعوه واشتدت حاجتهم إليه؛ لأنهم كانوا أصحاب زروع، و(يزدكم قوة إلى قوتكم) أي: يزدكم قوة مع قوتكم بالمال والولد، أو يضاعف قوتكم بالتناسل والأموال، (ولا تتولوا مجرمين) مشركين.
فكان ردهم: (ما جئتنا ببينة) ببرهان على قولك، وبحجة تدل على صحة دعواك، وهذا لفرط عنادهم، وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات، (وما نحن بتاركي آلهتنا) وعبادتها، صادرين عن قولك أو لقولك، (وما نحن لك بمؤمنين) إقناطٌ له من الإجابة والتصديق.
(إن نقول) ما نقول في شأنك، (اعتراك)أي: أصابك بعض آلهتنا بسوء بجنون، لسبك إياها وصدك عنها، فأنت تهذي وتتكلم بالخرافات 68.
وما يدلل على جحودهم بآيات الله وعدم إيمانهم بها، قوله تعالى: (ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [هود:٥٩] أي: «تلك الآية فيها إجابة عن سؤال هو: ماذا كان من أهل تلك الديار حتى حل بهم هذا المسخ ؟ فكان الجواب: «جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد» ! والجبار العنيد هو كل رأس من رؤوس الكفرة والمشركين الذين يتولون كبر الحرب التي يعلنها أعداء الله على رسل الله.
وفي قوله: (ﮮ ﮯ) ما يسأل عنه:
كيف جاء النظم القرآني محدثا عن أنهم عصوا رسل الله مع أنهم لم يعصوا إلا رسولهم هودًا الذي أرسل إليهم؟
والجواب: أن رسل الله على طريق واحد، يقومون على أداء رسالة واحدة هي الدعوة إلى الله سبحانه والإيمان به وبكتبه ورسله، واليوم الآخر.
فهم من جهة بمنزلة رسول واحد، يتجدد مع الزمن في صورة من ظهر منهم من الرسل، وهم من جهة أخرى رسل كثيرون يجيء بعضهم إثر بعض في صورة رسول؛ إذ لا يختلف أحد منهم عن صاحبه في مفهوم الرسول وفى مضمون رسالته ومحتواها، فهم رسل في رسول، وهم رسول في رسل!»69.
٣. التكذيب بالرسل.
هذا ما صدر عنهم التكذيب بالأنبياء والرسل وبكل ما جاؤوا به، مثلهم مثل الأقوام التي سبقتها لقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء:١٢٣].
وقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [ق:١٢-١٤].
والمعنى: (ﮡ) وسم الفعل بالتاء إشارة إلى هوانهم في جنب هذا المجد ولما كان هؤلاء الأحزاب المذكورون لقوتهم وكثرتهم كأنهم أهل المجد قاطبة قد استغرقوا زمانها ومكانها، (ﯮ) أي من هذه الفرق (ﯯ ﯰ) أي كلهم قاموا بتكذيب رسولهم، فإن الكل متساوون فيما يوجب الإيمان من إظهار العجز والدعاء إلى الله، (ﯱ) فتسبب عن تكذيبهم لهم أنه ثبت عليهم ووجب (ﯲ) أي: الذي كانوا يكذبون به عند إنذارهم لهم إياه، فعجلنا لهم منه في الدنيا ما حكمنا به عليهم في الأزل فأهلكناهم إهلاكًا عامًا كإهلاك نفس واحدة على أنحاء مختلفة كما هو مشهور عند من له بأمثاله عناية، وأتبعناه ما هو في البرزخ، وأخرنا ما هو في القيامة إلى البعث، بإهلاكنا لهم على تنائي ديارهم وتباعد أعصارهم وكثرة أعدادهم، إن لنا الإحاطة البالغة فتسل بإخوانك المرسلين وتأس بهم، ولتحذر قومك ما حل بمن كذبهم إن أصروا 70.
٤. الاستكبار بغير حق.
ومن شدة افترائهم قالوا: من أشد منا قوة ؟! مما جعلهم يتكبرون في الأرض بغير حق، لقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [فصلت:١٥].
والمعنى: «فأما عادٌ فاستكبروا على عباد الله في الأرض التي هي محل الاختبارات الإلهية بغير الحق، أي بلا إطاعة وانقياد وسابقة دين ونبي يرشدهم إلى طريق الحق، وهم من شدة تعنتهم وبطرهم قد قالوا على سبيل الشرف والمباهات: من أشد على وجه الأرض منا قوةً وأكثر عددًا وعددًا، وأتم بسطة واستيلاء؟! وإنما قالوا هذه حين تخويف الرسل إياهم بإلمام العذاب عليهم، وهم قد كانوا أعظم الناس جسامة وأوفرهم قوة وقدرة، لذلك اغتروا بما عندهم من الثروة والرياسة، فكذبوا الرسل وقالوا لهم: نحن ندفع العذاب الذي ادعيتم نزوله أيها الكاذبون المفترون بوفور حولنا وقوتنا. أيغترون على قوتهم وجسامتهم وينكرون كمال قدرة الله وشدة انتقامه، ولم يروا ولم يعلموا أن الله العزيز القدير الذي خلقهم وأظهرهم من كتم العدم، ولم يكونوا شيئًا مذكورا؟! هو سبحانه بعلو شأنه وبكمالات أسمائه وصفاته أشد منهم قوةً، وأتم حولا وقدرة، وأحكم بطشًا وانتقامًا، ولكن قد كانوا بآياتنا يجحدون وينكرون بحسب الظاهر عنادًا ومكابرة واغترارًا بما معهم من الثروة والجسامة بعدما تمادوا على غيهم وأصروا على عتوهم وضلالهم » 71.
ولم يتوقفوا عند هذا الحد وإنما ازدادوا في طغيانهم إلى أن قالوا لنبيهم: (ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الشعراء:١٣٦].
أي: لما سمعوا منه ما سمعوا من العظة والتذكير والنصيحة على طريق المبالغة قالوا من نهاية استكبارهم واستنكافهم وشدة إنكارهم: سواءٌ علينا يا هود أوعظت بما وعظت أم لم تكن أنت من الواعظين المذكرين، أي: وعظك وعدمه سواءٌ عندنا لا نبالي بشيءٍ منه، ولا نلتفت إلى ما تقوله، إذ نحن ما نسمع منك خرافاتك، ولا نمتثل بها، ولا نترك لأجلها وأجلك أخلاق أسلافنا التي قد كانوا عليها 72.
وقيل: «فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم بعدما ذكرهم بنعم الله:(ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) أي: الجميع على حد سواء، وهذا غاية العتو، فإن قومًا بلغت بهم الحال إلى أن صارت مواعظ الله التي تذيب الجبال الصم الصلاب وتتصدع لها أفئدة أولي الألباب وجودها وعدمها عندهم على حدٍ سواء لقوم انتهى ظلمهم واشتد شقاؤهم وانقطع الرجاء من هدايتهم»73.
وكل ما وجده نبيهم هود عليه السلام منهم كما ذكرنا سابقا، إلا أنه أوضح لهم أنه متوكل على الله سبحانه وتعالى ولن يضروه بشيء، وهذا ما بينه أبو حيان في تفسيره: «مجاهرة هودٍ عليه السلام لهم بالبراءة من أديانهم وحضه إياهم على كيده هم وأصنامهم معجزةٌ لهودٍ، أو حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكثرتهم فلم يقدروا على نيله بسوءٍ، ثم ذكر توكله على الله معلمًا أنه ربه وربهم، ومنبهًا على أنه من حيث هو ربكم يجب عليكم أن لا تعبدوا إلا إياه، ومفوضًا أمره إليه تعالى ثقةً بحفظه وإنجاز موعوده، ووعدهم هود عليه السلام على الإيمان والتوبة بكثرة الغيث وتضاعف القوة بالتناسل شرط أن لا يتولوا ولا يعرضوا عما يدعوهم إليه، إلا أنهم مصرين على إجرامهم»74.
ولهذا لم يؤمن منهم إلا القليل فكانت لهم النجاة في الدنيا والآخرة.
ويستفاد من ذلك: أن قوم هود عليه السلام تفننوا في كيفية صد دعوة نبيهم بمختلف الطرق والوسائل، مما يدلل على عنادهم وإصرارهم على الكفر.
سبق أن ذكرنا أن نبي الله هود عليه السلام حينما دعا قومه ذكرهم نعم الله عليهم، وفي هذا المبحث نذكر هذه النعم ثم نبين موقفهم من تلك النعم.
أ,ولًا: نعم الله على عاد:
فلقد عدد الله تعالى في كتابه نعمه عليهم، وبيانها كما يلي:
١. نعمة القوة.
ذكرها الله سبحانه على لسان هود عليه السلام في قوله: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [هود:٥٢].
وللمفسرين في بيان هذه القوة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الولد وولد الولد، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: يزدكم شدة إلى شدتكم، قاله مجاهد وابن زيد.
والثالث: خصبا إلى خصبكم، قاله الضحاك75. ولا مانع من أن يكون المراد كل ذلك.
وجاء ذكرها أيضًا في سورة فصلت عند قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فصلت:١٥].
قال الشوكاني: «(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) وكانوا ذوي أجسام طوال وقوة شديدة »76.
وبين أبو السعود شيئًا من تلك القوة فقال: « وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من جبل فيقتلعها بيده»77، فهذه قوة في أجسادهم، والسابقة زيادة عليها كما هو ظاهر الآيتين.
٢. الخلافة في الأرض.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٦٩].
فهذه الخلافة نعمة أنعمها الله تعالى على قوم عاد، قال ابن كثير: «أي: واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه»78.
وقال القرطبي: «من عليهم بأن جعلهم سكان الأرض بعد قوم نوح» 79.
قال أبو السعود: « اذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء من بعد قوم نوح أي: في مساكنهم أو في الأرض بأن جعلكم ملوكا، فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى شحر عمان »80.
وقال ابن عاشور: «والمعنى: اذكروا الوقت الذي ظهرت فيه خلافتكم عن قوم نوح في تعمير الأرض والهيمنة على الأمم، فإن عادا كانوا ذوي قوة ونعمة عظيمة»81.
فظهر من هذه النقولات أنهم خلفوا قوم نوح في مساكنهم، ومكن الله لهم في الأرض ملكا وتعميرا وهيمنة على من سواهم من الأمم.
٣. بسطة الخلق.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأعراف:٦٩].
وقد ذكر المفسرون أن المراد بالبسطة إما القوة أو بسطة البدن وطول الجسم82.
والصحيح أن المراد بالبسطة طول الجسم، قال ابن كثير: «أي: زاد طولكم على الناس بسطة أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم»83.
وقد نقل البغوي وغيره أقوالا تبين هذا الطول، قال البغوي: «طولا وقوة، قال الكلبي والسدي: كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع، وقامة القصير منهم ستون ذراعا. وقال أبو حمزة الثمالي: سبعون ذراعا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ثمانون ذراعا. وقال مقاتل: كان طول كل رجل اثني عشر ذراعا. وقال وهب: كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة، وكان عين الرجل تفرخ فيها الضباع، وكذلك مناخرهم» 84.
وفي هذه الأقوال أقوال مبالغة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعًا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن) 85. ففي هذا الحديث دليل على أن كل قول فيه زيادة على ستين ذراعا غير صحيح، أما ما دونها فهو محتمل، قال رشيد رضا: « وفي التفسير المأثور روايات إسرائيلية الأصل في المبالغة في طولهم وقوتهم لا يعتمد عليها ولا يحتج بشيء منها، ولكن نص على قوتهم وجبروتهم في سورة هود والشعراء وفصلت»86.
٤. الأنعام والبنين.
قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الشعراء: ١٣٢-١٣٣].
وقدم الأنعام على البنين للطيفة ذكرها ابن عاشور فقال: «وابتدأ في تعداد النعم بذكر الأنعام لأنها أجل نعمة على أهل ذلك البلد، لأن منها أقواتهم ولباسهم وعليها أسفارهم وكانوا أهل نجعة فهي سبب بقائهم، وعطف عليها البنين لأنهم نعمة عظيمة بأنها أنسهم وعونهم على أسباب الحياة وبقاء ذكرهم بعدهم وكثرة أمتهم»87.
٥. الجنات والعيون.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ) [الشعراء: ١٣٤].
قال البغوي: « (ﰂ ﰃ) أي: بساتين وأنهار»88.
٦. أنهم تميزوا بإرم ذات العماد.
كما وصفهم الله بذلك في قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الفجر:٦-٨].
المعنى: ذكر الله سبحانه وتعالى على سبيل الاستشهاد ما أنزله من عذاب مهين بالأقوام المكذبين، فقال تعالى:(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) الرؤية هنا علمية، تشبيها للعلم اليقيني بالرؤية في الوضوح والانكشاف، لأن أخبار هذه الأمم كانت معلومة للمخاطبين، ويجوز أن تكون الرؤية بصرية لكل من شاهد آثار هؤلاء الأقوام البائدين.
والمراد بعاد: تلك القبيلة المشهورة بهذا الاسم، والتي كانت تسكن الأحقاف، وهو مكان في جنوب الجزيرة العربية، معروف للعرب، وسموا بذلك نسبة إلى أبيهم عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، فقوله تعالى:(ﭫ) عطف بيان لعاد، لأنه جده الأدنى.
وقوله تعالى:(ﭬ ﭭ) صفة لعاد، والمقصود بهذه القبيلة عادًا الأولى، التي أرسل الله تعالى إليهم هودًا عليه السلام وكانوا معروفين بقوتهم وضخامة أجسامهم، وقد جاء الحديث عنهم كثيرًا في القرآن الكريم، وقوله سبحانه:(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) صفة أخرى لقبيلة عاد، والتي كانت تسكن بيوتا ذات أعمدة ترفع عليها خيامهم ومبانيهم الفارهة، و(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الفجر:٨]، أي: مثل هذه القبيلة لم يخلق أحد في ضخامة أجسام أفرادها، وفي قوة أبدانها، وفيما أعطاها الله تعالى من غنى وقوة.
وذكر أن (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) أي: القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم، لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم، فالضمير في (ﭲ) يعود إلى القبيلة89.
و«عاد إرم»: كانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد، وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها:(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)في ذلك الأوان 90.
ثانيًا: موقف قوم عاد من تلك النعم:
نصحهم نبيهم عليه السلام بتذكر نعم الله وشكره عليها والخوف من عقابه إن كفروا بها، وأنكروها، ولكن كان موقفهم موقف الجاحد لأنعم الله غير المبالي من سخطه، مما جعلهم يطغون في البلاد، ويتكبرون ويستكبرون فيها بغير حساب، ويبطشون في الأرض، لقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء:١٣٠].
أي: وإذا بطشتم بسوط أو سيف أو أخذتم أحدًا لعقوبة بطشتم جبارين مسلطين، قاسية قلوبكم، بلا رأفة ولا رقة، ولا قصد تأديب، ولا نظرًا للعواقب، والجبار الذي يضرب أو يقتل على الغضب، فاتقوا الله في البطش، وأطيعون فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون من ألوان النعماء وأصناف الآلاء، فأمدكم بأنعامٍ وبنين، وقرن البنين بالأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام بها، وجناتٍ بساتين وعيونٍ، وأنهار خلال الجنات، إني أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ إن عصيتموني، أو: إن لم تقوموا بشكرها، فإن كفران النعم مستتبع للعذاب، كما أن شكرها مستلزم لزيادتها، لقوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم:٧]91.
ولكن لا مطيع ولا مجيب، واستمروا على ما هم عليه، لقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الفجر:١١-١٢].
والمعنى: وصف الله من سبق ذكرهم في الآيات السابقة بأقبح الأوصاف جزاء كفرهم بالله وبنعمه عليهم فقال:(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) أي: هؤلاء الذين سلف ذكرهم من عاد وثمود وفرعون قد استعملوا سلطانهم وقوتهم في هضم حقوق الناس، واغتروا بعظيم قدرتهم، فكانوا سببًا في إفساد البلاد، ذاك أن من اغتر بنفسه وتهاون بحقوق غيره واعتدى عليها وأخذ ما ليس له ولم يعط الذي عليه يكون قد فكك شمل الجماعة وأفسد في البلاد، فيختل نظام العمران، ويقف دولاب التعامل، ويوجس كل امرئ خيفة من بنى جلدته، ولا شك أن أمما هذه حالها تكون عاقبتها الخراب والدمار، وبيان هذا العقاب في المبحث الذي يليه إن شاء الله تعالى 92.
بل إنهم ردوا على نبيهم الذي يدعوهم إلى أفضل النعم ألا وهي عبادة الله، وتذكيرهم بنعم الله عليهم كما ذكر في قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف:٦٩] قائلين: أجئتنا لأجل أن نعبد الله وحده ونترك ما كان يعبد آباؤنا ؟
إن هذا لشيء عجاب !! فجئنا بما تعدنا من العذاب، فنحن مستعجلون، إن كنت من الصادقين في دعواك. وهذا منتهى الغرور والتكبر والجبروت 93.
ويستفاد من ذلك: نعم الله عز وجل على الإنسان كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولهذا لا بد من شكر الله وحمده، ليزيدنا الله سبحانه وتعالى من فضله، ومن أنكر وجحد فله العقاب العظيم في الدنيا والآخرة.
الله سبحانه وتعالى يجازي المؤمنين على إيمانهم، ويكافئهم على صبرهم وقدرة تحملهم، وفي المقابل يعاقب الكافرين ويحاسبهم على طغيانهم وجبروتهم، وأوضح الله عز وجل أنه بعد ما أوحى إلى هود عليه السلام أنه لن يؤمن من قومه إلا القليل الذين استجابوا له، ولم تعد هناك فائدة من استمرار دعوة هود عليه السلام قومه، فنصره الله على قومه الذين كذبوا بالله سبحانه وتعالى وأدلته، فأنجاه منهم ومن معه من المؤمنين، وأهلك الكافرين أجمعين، وجاءت الكثير من الآيات التي تتحدث عن هلاك قوم عاد، وتوضيح ذلك على النحو الآتي:
أكد الله عز وجل في كتابه العزيز على هلاكهم في الدنيا والآخرة ليكونوا عبرة لغيرهم بعد أن تهاونوا بتحذير نبيهم لهم من عذاب الله رادين عليه بهذا القول كما ذكر في قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأحقاف:٢٢].
وكذلك أنكروا عذاب يوم القيامة واستبعدوه، لقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الحاقة:٤].
والنتيجة أنهم يستحقون العذاب في الدنيا والآخرة جزاء كفرهم، كما في قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [هود:٦٠].
فأهلكهم الله سبحانه عن بكرة أبيهم في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النجم:٥٠].
والمعنى: اختلفوا في قوله تعالى:(ﭭ ﭮ) منهم من قال: كانوا عادين:
أحدهما: قوم هود، وهم أول، فأهلكوا بالريح، وكانت أخرى في زمن فارس الأول.
ومنهم من قال: عادًا الأولى: الذين أهلكوا من قبل من الأمم، وأهل مكة وهؤلاء عاد أخرى 94.
وقوله تعالى أيضًا: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الفجر:١٣-١٤].
والمعنى: يذكر الله عاقبة أمرهم فقال:(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) أي: فأنزل الله تعالى بهم ألوانًا من البلاء، وشديد العقاب.
وقد شبه سبحانه ما أوقعه بهم من صنوف العذاب وما صبه عليهم من ضروب الهلاك بالسوط، من قبل أن السوط يضرب به في العقوبات، والله يوقع العذاب بالأمم عقوبة لها على ما يقع منها من أنواع التفريط في أوامر دينه.
ثم ذكر العلة في تعذيبه لهم فقال:(ﮏ ﮐ ﮑ) أي: إن شأن ربك ألا يفوته من شؤون عباده نقير ولا قطمير، ولا يهمل أمة تعدت في أعمالها حدود شرائعه القويمة، بل يأخذها بذنوبها أخذ العزيز المقتدر، كما يأخذ الراصد القائم على الطريق من يمر به بما يريد من خير أو شر، لا يفرط فيما رصد له 95.
«وكان بدء عذابهم بإمساك الله المطر عنهم ثلاث سنين، حتى جهدهم، ثم أنشأ الله سحاباتٍ ثلاثا، بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى منادٍ من السماء لزعيمهم قيل بن عثر: يا قيل، اختر لنفسك وقومك.فقال: اخترت السوداء، فإنها أكثرهن ماء !!
فخرجت على عادٍ من وادي المغيث، فاستبشروا بها وقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا.
فجاءتهم منها ريح عقيم، فأهلكتهم
ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة وعبدوا الله فيها حتى ماتوا » 96.
وهذا ما ذكر في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأحقاف:٢٤-٢٥].
والمعنى: (ﮇ ﮈ ﮉ) سحابًا (ﮊ ﮋ) أودية ريحهم ومطرهم (ﮌ ﮍ ﮎ) سحاب (ﮏ) سيمطر حرثنا. قال لهم هود:(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) من العذاب (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) وجيع (ﮜ) تهلك (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) بإذن ربها (ﮡ) فصاروا بعد الهلاك (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) منازلهم (ﮧ) هكذا (ﮨ ﮩ ﮪ) المشركين 97.
وذكر معنى قوله:(ﮇ ﮈ) يعني: ما يوعدون به من العذاب (ﮉ) سحابًا (ﮊ ﮋ) فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له: المغيث، وكانوا قد حبس عنهم المطر، فلما رأوها استبشروا (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)، يقول الله تعالى:(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة، (ﮜ ﮝ ﮞ) مرت به من رجال عاد وأموالها (ﮟ ﮠ) فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال، وكانوا تحت الرمل، سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال، فاحتملتهم فرمت بهم في البحر 98.
وتفصيل كيفية عذابهم:
إن الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم الرياح ووصف الله عز وجل هذه الرياح في كتابه بصفتين:مرة أنها ريحٌ صرصرٌ، ومرة أخرى أنها ريح عقيم.
وبين مدة مكوث هذه الرياح على قوم عاد عقوبة لهم، وبيان ذلك على النحو الآتي:
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [القمر:١٨-٢٠].
(ﮦ ﮧ) هودًا عليه السلام، (ﮨ ﮩ ﮪ) إياهم (ﮫ) وإنذاري لمن بعدهم بما جرى عليهم، وبالجملة: إنا بمقتضى عظم قهرنا وجلالنا قد (ﮮ ﮯ) أي: على عاد حين أردنا انتقامهم وإهلاكهم (ﮰ ﮱ) باردة شديدة الجري والصوت ( ﯓ ﯔ ﯕ) شؤم منحوس، (ﯖ)ٍ شؤمه ونحوسته عليهم إلى أن يستأصلوا بما فيه بالمرة من شدة جريها وحركتها، (ﯘ) وتقلع الناس من أماكنهم مع أنهم قد دخلوا في الحفر وتشبثوا بالأثقال، ( ﯚ ﯛ ﯜ) أي: أصولها (ﯝ)منقلب عن مغارسه ساقط على الأرض، يعنى هم سقطوا على الأرض جميعًا موتى بلا روح، (ﮨ ﮩ ﮪ) إياهم (ﮫ) لمن بعدهم99
وقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الذاريات:٤١-٤٢].
عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله (ﮞ ﮟ) قال: الشديدة التي لا تلقح شيئًا، أم: الريح العقيم التي لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب، أم: ريح لا بركة فيها، ولا منفعة، ولا ينزل منها غيث، ولا يلقح منها شجر. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الريح هي النكباء. وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه هي الجنوب. وعن مجاهد رضي الله عنه هي الصبا التي لا تلقح شيئًا.
وفي قوله:(ﮧ ﮨ ﮩ) قال: كالشيء الهالك، وقيل: كرميم الشجر 100.
أما مدة مكوث هذه الرياح على قوم عاد عقوبة لهم كما ذكر في قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الحاقة:٦-٨].
والمعنى:(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) فالآية من قبيل الجمع والتفريق، والحدث لا يناسب العين، (ﯨ)شديدة الصوت، لها صرصرة في هبوبها، أو من الصر وهو البرد، كأنها التي كرر فيها البرد (ﯩ) على قوم عادٍ، فلم يقروا على دفعها، وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عتت على خزانها، فخرجت بغير حساب.
(ﯫ ﯬ) سلطها (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) استئناف لبيان الكمية بعد الكيف؛ ليتكامل الهول، (ﯱ) حاسمات كل خير، والحسم: إزالة أثر الشيء، ومنه الحسم للكي المستأصل للداء، أو متابعة هبوب الريح حتى استأصلتهم، كأن كل هبة كية، ويجوز أن يكون مصدر الفعل مقدرًا أي: يحسم حسومًا، أي: يفرق بينهم تفريقًا شديدًا لا اجتماع بعده، لكمال النحوسة، (ﯲ ﯳ ﯴ) في مهابها، (ﯵ)ملقى على الأرض كالأخشاب اليابسة، قيل: كانت من صبيحة الأربعاء إلى غروب الأربعاء. وسميت أيام العجوز؛ لأن عجوزًا توارت في سربٍ فوجدها الريح في اليوم الثامن، وقيل: أيام العجز، وهي آخر الشتاء. وأسماؤها:«الضن، والضبر، والآمر، والمؤتمر، والمعلل، ومطفئ الجمر».
(ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)أصول نخلٍ متآكلة الأجواف، (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) بقية، أو نفس باقية، أو بقاء 101.
إذًا أهلك الله الذين لم يؤمنوا بهذه الرياح التي بقت عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، الحسوم الدائم، فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك، غير هود والمؤمنين معه، فإنهم اعتزلوا في حظيرة، وكان نصيبهم النجاة، لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأعراف:٧٢].
وقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود:٥٨].
والمعنى: استعمال الماضي في قوله:(ﮚ ﮛ) بمعنى اقتراب المجيء؛ لأن الإنجاء كان قبل حلول العذاب.
والأمر أطلق على أثر الأمر، وهو ما أمر الله به أمر تكوينٍ، أي: لما اقترب مجيء أثر أمرنا، وهو العذاب، أي: الريح العظيم، والباء في (ﮡ ﮢ) للسببية، فكانت رحمة الله بهم سببًا في نجاتهم. والمراد بالرحمة فضل الله عليهم؛ لأنه لو لم يرحمهم لشملهم الاستئصال فكان نقمةً للكافرين وبلوى للمؤمنين.
وجملة (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) معطوفةٌ على جملة (ﮙ ﮚ ﮛ)، والتقدير أيضًا نجيناهم من عذابٍ شديدٍ وهو الإنجاء من عذاب الآخرة وهو العذاب الغليظ، ففي هذا منةٌ ثانيةٌ على إنجاءٍ ثانٍ، أي: نجيناهم من عذاب الدنيا برحمةٍ منا، ونجيناهم من عذابٍ غليظٍ في الآخرة، ولذلك عطف فعل (ﮣ)على (ﮜ)، وهذان الإنجاءان يقابلان جمع العذابين لعادٍ في قوله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [هود:٦٠].
وقد ذكر هنا متعلق الإنجاء وحذف السبب، عكس ما في الجملة الأولى؛ لظهور أن الإنجاء من عذاب الآخرة كان بسبب الإيمان وطاعة الله، كما دل عليه مقابلته بقوله: (ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [هود:٥٩]102.
وقد ذكر طنطاوي في معناها: أي: وحين جاء أمرنا بتحقيق وعيدنا في قوم هود وبتنفيذ ما أردناه من إهلاكهم وتدميرهم نجينا هودًا والذين آمنوا معه تنجية مصحوبة برحمةٍ عظيمة كائنة منا بسبب إيمانهم وعملهم الصالح.
ونجيناهم كذلك من عذابٍ غليظٍ أي: من عذاب ضخم شديد مضاعف ترك هؤلاء الطغاة وراءه صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية.
ووصف العذاب بأنه غليظ بهذا التصوير المحسوس يتناسب كل التناسب مع جو هذه القصة، ومع ما عرف عن قوم هود من ضخامة في الأجسام ومن تفاخر بالقوة 103.
وبقي هود كذلك حتى مات، وقبره بحضرموت، وقيل: بالحجر من مكة 104.
ويستفاد من ذلك: أن الله سبحانه وتعالى لا يغفل عن شيء، ولا يترك أحدًا، فيثيب المؤمنين الصالحين، ويعاقب الكافرين المفسدين، فالعبرة يا أولي الألباب من هلاك الأقوام قبل فوات الأوان.
من المعروف في لغة العرب أن لا يقترن شيئان إلا كانت بينهما نوع علاقة سببت هذا الاقتران، ولما كان القرآن الكريم بلسان عربي مبين فقد اقترن ذكر عاد وفرعون فيه في مواضع نذكرها ونحاول أن نبين حكم اقترانهما، فأما المواضع فهي:
الموضع الأول: في سورة ص، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [ص:١٢].
الموضع الثاني: في سورة ق، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [ق:١٢-١٣].
الموضع الثالث: في سورة الفجر، قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الفجر:٦ - ١٤].
والذي يظهر -والعلم عند الله- أن سبب الاقتران يرجع إلى التشابه بين فرعون وقومه مع عاد إلى أمور:
الأمر الأول: الملك والعزة والسلطان: فعند تأمل المواضع الثلاثة نجد أن الموضع الثاني في سورة ق ذكر كلًّا من عاد وفرعون مطلقين بدون قيد، أما الموضعين الآخرين فهما مقيدان بما يعلم منه الحكمة وسر اقترانهما في ذلك، وبيانه كما يلي:
في الموضع الأول من سورة ص قيد فرعون بكونه ذي الأوتاد، وبذات القيد في سورة الفجر، وعلى معنى ذي الأوتاد يكون سر الاقتران، قال ابن كثير: « قال العوفي عن ابن عباس: الأوتاد الجنود الذين يشدون له أمره. ويقال: كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها. وكذا قال مجاهد: كان يوتد الناس بالأوتاد. وهكذا قال سعيد بن جبير والحسن والسدي. قال السدي: كان يربط الرجل في كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فيشدخه. وقال قتادة: بلغنا أنه كان له مظال وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وحبال. وقال ثابت البناني عن أبي رافع: قيل لفرعون ذي الأوتاد لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت105.
فحاصل المعاني: إما أن تكون الأوتاد حقيقية ويكون المعنى أنه ذو جنود لهم خيام كثيرة يشدونها بالأوتاد، أو يعذب الناس عليها أو يلعب له بها، أو يكون تشبيها يشبه الجنود بالأوتاد لأنهم يشدون ملكه.
وإذا استحضرنا ما سبق من صفات لعاد وجدنا شبها بينا: ففرعون صاحب الملك المؤسس بالجنود وبالبطش بالخصوم وقتلهم، وكان عاد كذلك، كما أن له البناء العظيم من الأهرامات والصرح الذي هو القصر العظيم الشاهق المرتفع، ولابد أن يكون عظيما جدا لأن القصد منه أن يبلغ أسباب السماء ليطلع إلى إله موسى كما زعم، قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [غافر:٣٦-٣٧]
قال السعدي: «(ﮌ ﮍ) معارضًا لموسى ومكذبًا له في دعوته إلى الإقرار برب العالمين الذي على العرش استوى وعلى الخلق اعتلى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: بناء عظيمًا مرتفعًا، والقصد منه (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) في دعواه أن لنا ربًا، وأنه فوق السماوات»106، وقد ذكر الله بناء عاد وبطشهم في قوله تعالى (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الشعراء:١٢٨ -١٣٠].
قال البقاعي: «ولما كان لهم من القوة والملك في جميع الأرض وبناء إرم ذات العماد ما يتضاءل معه ملك كل ملك أتبعهم ملكًا ضخمًا قهر غيره بعز سلطانه وكثرة أعوانه، ولما نص على كفره وصفه بما يدل مع الدلالة على مشاركة عاد في ضخامة الأمر وعلى كفر قومه فقال: (ﭽ ﭾ) أي الأسباب الموجبة لثبات الملك وتقويته من علو السلطان بكثرة الأعوان والتفرد بالأوامر وسعة العقل ودقة المكر وكثرة الحيل بالسحر وغيره وجودة التدبير بالعدل فيما يزعم وصولة القهر »107.
الأمر الثاني: ويتشابهون في أن أصل هلاكهم واحد هو الريح، فعاد أرسلت عليهم الريح العقيم قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الحاقة:٦].
وأما فرعون وقومه فإنه وإن نص على غرقهم بالبحر كما قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الزخرف:٥٥].
فمن المعلوم أن أمواج البحار تحركها الريح، فهي التي دفعت الأمواج حتى أغرقتهم، قال البقاعي: « ولما اتفق قوم هود عليه السلام والقبط بالإهلاك بالريح أولئك مع الحجارة والرمل وهؤلاء بالماء الذي فرقه الله بالريح عند ضرب العصا وكان لكل منهما من ضخامة الملك وعز السلطان ما هو مشهور قدم أشدهما أبدانًا وأوسعهما ملكًا؛ لأن إهلاكهم كان أدل دليل على القدرة»108.
الأمر الثالث: مفاجأة العذاب لكل من عاد وفرعون، قال ابن عاشور: « كان العذاب الذي أصاب هؤلاء عذابا مفاجئا قاضيا، فأما عاد فرأوا عارض الريح فحسبوه عارض مطر فما لبثوا حتى أطارتهم الريح كل مطير، وأما فرعون فحسبوا البحر منحسرا فما راعهم إلا وقد أحاط بهم » 109.
بين الله تعالى أن الغاية من قصص القرآن هي العظة والعبرة فقال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [يوسف:١١١].
وفي هذا المبحث نبين الدروس والعبر المستفادة من قصة عاد بإيجاز:
موضوعات ذات صلة: |
آدم، ثمود، صالح، هود |
1 السيرة النبوية، ابن هشام ١/١١٤.
2 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/١٣٣.
3 روح المعاني، الألوسي ٢٧/٧٠.
4 جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٥٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧٣.
5 جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٥٣، أنوار التنويل وأسرار التأويل، البيضاوي ٥/٢٦٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٢٨٨.
6 النكت والعيون، الماوردي ٥/٤٠٥، زاد المسير، ابن الجوزي ٨/٨٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢٦٠.
7 تفسير القرآن العظيم ٧ /٢٨٥.
8 النكت والعيون ٥/٢٨٢.
9 قصص الأنبياء ١/١٢٠
10 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٢٤.
11 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٥.
12 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤١٥.
13 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٤٢.
14 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٤٢٣.
15 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٢٢٢.
16 البداية والنهاية، ابن كثير ١/١٢٠، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٧.
17 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/١٣٣، وانظر: الأنساب، السمعاني ١/٢٥.
18 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ١/٢٨٤، الأعلام، الزركلي ٨/١٠١، معترك الأقران في إعجاز القرآن، السيوطي ١/٢٤١، التيجان في ملوك حمير، عبد الملك الحميري ١/٣٣٨.
19 تاريخ دمشق، ابن عساكر ٧٤/٨٣.
20 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣٧٤.
21 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٧، تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/١٣٣.
22 معالم التنزيل، البغوي ٤/١٨٢.
23 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٤٧.
24 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٢٠.
25 جامع البيان، الطبري ١٩/٣٧٢.
26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٥.
27 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٤.
28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧٤.
29 جامع البيان، الطبري ١٩/٣٠-٣١.
30 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٨.
31 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٥١.
32 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٤٣٤.
33 معالم التنزيل، البغوي ٥/٤١٦.
34 زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٤٧١.
35 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٣٢.
36 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٠٠
37 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٤٧.
38 جامع البيان، الطبري ١٥/٣٥٨.
39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤١٥.
40 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٣٧٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤١٥
41 النكت والعيون، الماوردي ٤/١٨١، معالم التنزيل، البغوي ٦/١٢٢.
42 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤١٥.
43 جامع البيان، الطبري ١٩/٣٧٦.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤١٥.
45 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٧٥، معالم التنزيل، البغوي ٦/١٢٣.
46 زاد المسير، ابن الجوزي ٦/١٣٦
47 فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٨.
48 أنوار التنويل، البيضاوي ٤/٢٤٨.
49 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٤٤٧.
50 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٨٢.
51 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٥١.
52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧٤.
53 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٩.
54 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٧٦.
55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٥٧.
56 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤٨٤.
57 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٨
58 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٣٠.
59 جامع البيان، الطبري ١٥/٣٥٧
60 المصدر السابق ١٥/٣٦٠.
61 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤١٦.
62 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٨٣، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٥٥٢، وغيرهما من كتب التفسير
63 القرآن ونقض مطاعن الرهبان، د صلاح الخالدي ١/١٦٠.
64 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٢/١٠٠.
65 فتح البيان في مقاصد القرآن، محمد القنوجي ٦/٢٠٤.
66 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٤/٤٢٠.
67 التفسير المنير، الزحيلي ١٢/٩١.
وانظر: التيجان في ملوك حمير، عبد الملك الحميري ١/٣٣٨.
68 انظر: التفسير المنير ١٢/٨٨.
69 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٦/١١٥٩.
70 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٨/٤١.
71 الفواتح الإلهية، نعمة الله النخجواني ٢/٢٧٥
72 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/١٢٩، الفواتح الإلهية، نعمة الله النخجواني ٢/٤٨، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ابن الجوزي ١/٢٥٢.
73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٩٥.
74 البحر المحيط في التفسير ٦/١٦٨.
وانظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٣٨.
75 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١١٧، فتح القدير، الشوكاني ٢/٧٣١
76 فتح القدير، الشوكاني ٤/٧٢٦.
77 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٨.
وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦١٧.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧٤.
79 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٣٦.
80 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٩.
81 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٤٢٦.
82 النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٣٣.
83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧٤.
84 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٤٣.
وانظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٢٤٦.
85 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، ٤/٢١٣٨، رقم ٢٨٤١.
86 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤٤٣.
87 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٧٦.
88 معالم التنزيل، البغوي ٦/١٢٣.
وانظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٨.
89 انظر: التفسير الوسيط، محمد طنطاوي ١٥/٣٨٥، مختصر تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، اختصار وتحقيق الصابوني ٢/٦٣٦.
90 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٩٠٣.
91 البحر المديد، ابن عجيبة، ٤/١٥٢ بتصرف.
92 انظر: تفسير المراغي ٣٠/١٤٥.
93 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي ص٧٣٠.
94 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٩/٤٣٧.
95 انظر: تفسير المراغي ٣٠/١٤٥.
96 القرآن ونقض مطاعن الرهبان، د.صلاح الخالدي ص١٦٠.
97 انظر: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، الفيروزآبادي ص٢٢٤.
98 انظر: توفيق الرحمن في دروس القرآن، فيصل النجدي ٤/٨٢.
وانظر: البداية والنهاية، ابن كثير ١/٢٩٤.
99 انظر: الفواتح الإلهية، نعمة الله النخجواني ٢/٣٧٠.
100 الدر المنثور، السيوطي ٧/٦٢١ باختصار.
101 انظر: غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني، أحمد الشافعي ١/٢٢٠.
102 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٠٣.
103 انظر: التفسير الوسيط ٧/٢٢٨.
104 انظر: المختصر في أخبار البشر، عماد الدين ابن أيوب ١/١٢.
105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦١٨.
وانظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٦١٨
106 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٧.
107 نظم الدرر، البقاعي ٦/٣٦٥.
108 نظم الدرر، البقاعي ٧/٢٥٣.
109 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٨٤-٢٨٥.
110 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٥، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/١٩٠٦، ٥/٢٦٠٩، أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٦٦٧.