عناصر الموضوع
المدح
أولًا: المعنى اللغوي:
لفظ المدح في اللغة العربية مأخوذ من مادة الفعل (م د ح) و«الميم والدال والحاء أصل صحيح يدل على وصف محاسن بكلام جميل، ومَدَحَهُ يَمْدَحُهُ مَدْحًا: أحسن عليه الثناء، والأمدوحة: المدح»1، قال الجوهري: «المدح: الثناء الحسن. وقد مَدَحَهُ وامْتَدَحَهُ بمعنًى، وتَمَدَّحَ الرجل: تكلف أن يمدح. ورجلٌ مُمَدحٌ، أي: ممدوح جدًّا» 2.
ومن المعاني الحسية للمدح الاتساع، يقال: «تمدحت خواصر الماشية، أي اتسعت شبعًا»3، ومن هذا يبدو أن المعنى المعنوي للمدح متطور من المعنى الحسي؛ لأن الاتساع بذكر الخصال الحميدة في الممدوح والثناء عليه ملحوظ فيه، وعليه، فالمدح: هو حسن الثناء.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
«المدح هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري قصدًا»4، فلا يكون إلا على صفة في الممدوح كالتقوى والإيثار، ويخرج منه ما كان خارجًا عن إرادته كحسن المنظر، «والمدح بمعنى عدَّ المآثر والمناقب يقابله الهجو بمعنى عدَّ المثالب، والمدح بالوصف الجميل يقابله الذم»5. وعليه، فللمدح معنيان: أحدهما: عدُّ المآثر والمناقب، والآخر: الثناء بالوصف الجميل، فإذا كان بمعنى عدَّ المآثر والمناقب فهو يقابله الهجو بمعنى عد المثالب، وإذا كان بمعنى الثناء بالوصف الجميل فهو يقابله الذم.
وبهذا يمكن أن نخرج بتعريف اصطلاحي للمدح بأنه: الإخبار عن محاسن الغير والثناء باللسان على الممدوح بما يبديه من المآثر والخصال الحميدة المؤثرة من قول أو فعل أو صفة.
ولم يرد لفظ (المدح) في القرآن، ولم يرد جذره (مدح).
الثناء:
الثناء لغة:
ذكر ما يشعر بالتعظيم 6، وهو الذكر بالخير والكلام الجميل، ويستعمل في الوصف بمدح أو ذم، فيقال أثنى عليه خيرًا أو أثنى عليه شرًّا، لكن غلب استعماله في الخير، وقد طار ثناء فلان، أي: ذهب وانتشر بين الناس7.
الثناء اصطلاحًا:
«هو الإتيان بما يشعر التعظيم مطلقًا، سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان؛ وسواء كان في مقابلة شيء أو لا» 8.
الصلة بين الثناء والمدح:
«أن الثناء مدح مكرر، مأخوذ من الثني ورد الشيء بعضه على بعض، من قولك: ثنيت الخيط، إذا جعلته طاقين، وثنَّيته بالتشديد إذا أضفت إليه خيطًا آخر، ومنه قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الحجر:٨٧]؛ يعني: سورة الحمد؛ لأنها تكرر في كل ركعة»9 قال ابن منظور: «وأثنيت عليه في حياته إذا مدحته دفعة بعد دفعة» 10.
التمجيد:
التمجيد لغة:
نيل الشرف والمجد، من قولهم: رجل ماجد، وقد مجد الرجل بالضم، فهو مجيد وماجد.
التمجيد اصطلاحًا:
بلوغ النهاية في عظم الشأن الجامع بين شرف الذات وحسن الفعال11.
الصلة بين التمجيد والمدح:
أن التمجيد تعظيم وشرف، والمدح ثناء بهذا الشرف.
التعظيم:
التعظيم لغة:
التبجيل، يقال: عظم الأمر عظامة، وعَظَّمَهُ يُعَظَّمُهُ تعظيمًا، أي: كَبَّرَهُ، واستعظمت الشيء: أخذت أعظمه، واستعظمته: أنكرته، وعظم الشيء: أعظمه وأكبره، وعظم الرجل عظامة فهو عظيم في الرأي والمجد، وإن لفلان عظمة عند الناس، أي: حرمة يعظم لها 12.
التعظيم اصطلاحًا:
هو التوقير والإجلال والتفخيم والمكانة في النفوس والعظمة في الرأي13.
الصلة بين التعظيم والمدح:
أن التعظيم فيه معنى التبجيل والتوقير والاحترام والهيبة في النفوس، فهو أعلى من المدح.
الحمد:
الحمد لغة:
هو نقيض الذم14.
الحمد اصطلاحًا:
الإخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه15.
الصلة بين الحمد والمدح:
الحمد أخص من المدح، فالمدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، وما يكون فيه بالتسخير، فقد يُمْدَحُ الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه، كما يُمْدَحُ ببذل ماله وسخائه وعلمه، والحمد يكون في الثاني دون الأول، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدًا 16.
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: «الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه؛ ولهذا كان خبرًا يتضمن الإنشاء بخلاف المدح فإنه خبر مجرد» 17.
الشكر:
الشكر لغة:
هو عرفان الإحسان ونشره18. وقال الرازي: الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف19.
الشكر اصطلاحًا:
هو عرفان الإحسان، والاعتراف بالنعمة، وأداء ما يترتب عليه، والقيام بحق مسديها20.
قال ابن قيم الجوزية: «الشكر: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا وعلى قلبه شهودًا ومحبة وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة» 21.
الصلة بين الشكر والمدح:
المدح أعم من الشكر باعتبار المتعلق، فإن متعلقه النعمة وغيرها، ومتعلق الشكر النعمة فقط؛ والشكر أعم من المدح باعتبار المورد، فإن مورد الشكر اللسان والجنان والأركان، ومورد المدح هو اللسان فقط، فكان بينهما عموم وخصوص من وجه.
الذم:
الذم لغة:
الذم نقيض المدح،«يقال: ذَمَمْتُهُ أَذُمُّهُ ذَمًّا فهو مذموم وذميم»22، «ورجل مُذَمَّمٌ: أي: مذموم جدًّا، وشيء مذم: أي: معيب» 23.
الذم اصطلاحًا:
هو الإخبار بمساوئ المذموم مع بغضه.
الصلة بين الذم والمدح:
إن المدح إخبار بمحاسن المحمود، والذم إخبار بمساوئ المذموم، وجماع المساوئ فعل الشر، كما أن جماع المحاسن فعل الخير24.
الهجاء:
الهجاء لغة:
الشتم بالشعر، يقال: هَجا يَهْجُو هِجاءً: وهو الوقيعة في الأشعار، وهو الشتم بالشعر، وهو خلاف المدح، والمرأة تهجو زوجها، أي: تذم صحبته 25، وأصل الهجاء في العربية: الهدم؛ تقول: هجوت البيت إذا هدمته 26.
الهجاء اصطلاحًا:
هو ما يوصف به في الشعر من الأخلاق الذميمة 27.
الصلة بين الهجاء والمدح:
الهجو نقيض المدح، وهو يدل على الفعل والصفة فيتناول الفاعل والموصوف دون الفعل والصفة، فتقول هجوته بالبخل وقبح الوجه، ولا تقول هجوت قبحه وبخله 28.
اشتمل القرآن الكريم على آيات عديدة تتضمن ثناءً على الله عز وجل، وإذا كان من الثناء ما يشعر بتعظيم من يثنى عليه، فإن حمد الله عز وجل وتسبيحه وتكبيره تدخل كلها في باب المدح والثناء.
أولًا: مدح الله تعالى لنفسه:
مدح الله تعالى نفسه بأساليب من المدح؛ منها:
المطالع لفواتح السور يجد أن الله تعالى استفتح خمس سور بـ (ﭖ ﭗ)هي سور: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر، وكذلك اختتم بها ثلاث سور هي سور: الإسراء، والنمل، والزمر، وهو سبحانه «يخبر أن المستحق للحمد هو الله تعالى، ومعناه: الأمر، أي: قولوا الحمد لله، وفيه تعليم الخلق كيف يحمدونه، والحمد والمدح أخوان»29.
يقول الإمام البقاعي: «الحمد: المدح الكامل الذي يحيط بجميع الأفعال والأوصاف، على أن جميعها إنما هو من الله سبحانه تعالى، وأنه كله مدح لا يتطرق إليه ذم، فإذا اضمحل ازدواج المدح بالذم، وعلم سريان المدح في الكل استحق عند ذلك ظهور اسم الحمد مكملًا معرفًا بكلمة «ال» وهي كلمة دالة فيما اتصلت به على انتهائه وكماله» 30.
يقول تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [البقرة:٢٥٥].
فهذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، حيث اشتملت على اسمان لله تعالى يدلان على سائر الأسماء الحسنى هما: (ﮨ ﮩ) فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، وآية كهذه احتوت على أجل المعاني، يحق أن تكون أعظم آيات القرآن، ويحق لمن قرأها متدبرًا متفهمًا أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون محفوظًا بذلك من شرور الشيطان 31.
وهي جامعة لمعاني المدح والثناء كله في القران الكريم.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ| ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ³ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الحشر:٢٢-٢٤].
جاءت هذه الآيات الثلاث في خاتمة سورة الحشر، والتي تضمنت ذكر عدد من أسماء الله وصفاته الحسنى بصورة متتابعة لم تذكر في مثلها من آيات القرآن الكريم. وقد بين الطاهر بن عاشور السبب في ذلك بقوله: «لما تكرر في هذه السورة ذكر اسم الله وضمائره وصفاته أربعين مرة، منها أربع وعشرون بذكر اسم الجلالة، وست عشرة مرة بذكر ضميره الظاهر أو صفاته العلية، وكان ما تضمنته السورة دلائل على عظيم قدرة الله وبديع تصرفه وحكمته، وكان مما حوته السورة الاعتبار بعظيم قدرة الله إذ أيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ونصرهم على بني النضير ذلك النصر الخارق للعادة، وذكر ما حل بالمنافقين أنصارهم، وقوبل ذلك بالثناء على المؤمنين بالله ورسوله الذين نصروا الدين، ثم الأمر بطاعة الله والاستعداد ليوم الجزاء والتحذير من الذين أعرضوا عن كتاب الله ومن سوء عاقبتهم، وختم ذلك بالتذكير بالقرآن الدال على الخير، والمعرف بعظمة الله المقتضية شدة خشيته عقب ذلك بذكر طائفة من عظيم صفات الله ذات الآثار العديدة في تصرفاته المناسبة لغرض السورة؛ زيادة في تعريف المؤمنين بعظمته المقتضية للمزيد من خشيته، وبالصفات الحسنى الموجبة لمحبته، وزيادة في إرهاب المعاندين المعرضين من صفات بطشه وجبروته»32.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴÇ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الذاريات:٤٧-٤٨].
ففي هذه الآية «ذكر الله تعالى ما يدل على تمام قدرته على البعث بقوله: (ﯰ ﯱ) أي: بما لنا من العظمة (ﯲ) أي: بقوة وشدة عظيمة لا يقدر قدرها (ﯳ) على عظمتنا بعد ذلك (ﯴ) أي: أغنياء وقادرون ذوو سعة لا تتناهى، ولذلك أوسعنا بقدر جرمها وما فيها من الرزق عن أهلها، فالأرض كلها على اتساعها كالنقطة في وسط دائرة السماء بما اقتضته صفة الإلهية التي لا تصح معها الشركة أصلًا، فلسنا كمن تعرفون من الملوك؛ لأنهم إذا فعلوا شيئًا لم يقدروا على أعظم منه وإن قدروا كان ذلك منهم بكلفة ومشقة، وسترون في اليوم الآخر ما يتلاشى ما ترون في جنبه ومن اتساعنا جعلها بلا عمد مع ما هي عليه من العظمة إلى غير ذلك من الأمور الخارقة للعوائد (ﯶ ﯷ) أي: بسطناها ومهدناها بما لنا من العظمة، فصارت ممهدة جديرة بأن تستقر عليها الأشياء، وهي آية على تمهيد أرض الجنة، وسقنا لأنهارها وغرسنا لأشجارها (ﯸ) أي: فتسبب عن ذلك أن يقال: في وصفنا نِعْمَ (ﯹ) أي: نحن لكمال قدرتنا، فما نزل من السماء شيء ولا نبع من الأرض شيء إلا بإرادتنا واختيارنا وتقديرنا من الأزل؛ لأنا إذا صنعنا شيئًا علمنا ما يكون منه من حين إنشائه إلى حين إفنائه، ولا يكون شيء منه إلا بتقديرنا، وذلك تذكير بالجنة والنار، فما فيها من خير فهو آية على الجنة، وما فيها من شر فهو آية على النار، والمخصوص بالمدح محذوف لفهم المعنى» 33.
والله تعالى يحب المدح من عباده، وهو سبحانه جدير بالمدح، فالكون كونه والملك ملكه، ولا إله غيره، وهو سبحانه أهل الثناء والمجد، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه) 34.
فهذا الحديث يدل على حب الله للمدح والحمد والثناء من عباده.
ولذلك أرشد الله تعالى عباده إلى مدحه، وحثهم عليه، وجعل مدحه بالثناء والتعظيم عبادة من أجل العبادات وأعظمها عنده.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ) [النمل:٥٩].
وجعله سبب الفلاح فقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف:٦٩].
وجعل مدحه بشكر نعمه غاية من الخلق، فقال سبحانه: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ) [النحل:٧٨].
وفي مدح الله تعالى والثناء الحسن عليه بما هو أهله مصلحة للعباد في معاشهم ومعادهم، قال الإمام بدر الدين العيني: «وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح، وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك، فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح، ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا، فظهر من غلط العامة قولهم: إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن؟» 35.
ثانيًا: مدح الخلق لله تعالى:
مَدْحُ الله تعالى واجب على عباده، وهو حقٌّ من حقوقه تعالى عليهم، وحينما يثني العبد على ربه ويشكره على نعمه فهو بذلك يتعرض لمزيد فضل الله تعالى.
يقول سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [لقمان:١٢].
قال ابن كثير: «(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) أي: الفهم والعلم والتعبير (ﭕ ﭖ ﭗﭘ) أي: أمرناه أن يشكر الله عز وجل على ما أتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل، الذي خصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه، ثم قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ) أي: إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين، لقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الروم:٤٤].
وقوله: (ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) أي: غني عن العباد، لا يتضرر بذلك، ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعًا، فإنه الغني عمن سواه؛ فلا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه»36.
إن الأنبياء والمرسلين كانوا أكرم العباد في الثناء والمدح لله تعالى بما يليق به عز وجل، فإبراهيم عليه السلام يتوجه إلى الله تعالى بالثناء والمدح على ما أعطاه من نعم قائلًا: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [إبراهيم:٣٩].
وقال سليمان وداود عليهما السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل:١٥].
وأهل الطاعة يحمدون الله تعالى على نعمة الهداية وتوفيقهم للطاعة فيقولون: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأعراف:٤٣].
وأهل الجنة يقولون: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فاطر:٣٤].
وفي مدح الله تعالى والثناء عليه فوائد؛ منها:
للمدح أسباب؛ منها:
أولًا: الأعمال الصالحة:
إن الأعمال الصالحة تزكي النفس وتصلحها، وتطهر القلب من أرجاس المعاصي، وهي وسيلة التقرب إلى الله تعالى، وبها يمحى تأثير الأعمال السيئة؛ لذا يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومن هذه الأعمال:
الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالًا صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها، فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح عاش حياة طيبة، وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقًا حلالًا طيبًا من حيث لا يحتسب.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النحل:٩٧].
ولأن الإيمان أساس لكل خير يوجد، ومركز لدائرته، ومسك خاتمته، مدح الله تعالى به من هم من كبار الرسل إظهارًا لفضل الإيمان ومزيته، فمدح الله تعالى نوحًا عليه السلام في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الصافات:٨١].
وإبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الصافات:١١١].
وموسى وهارون عليهما السلام في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الصافات:١٢٢].
وإلياس عليه السلام في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الصافات:١٣٢].
والمقصود مدح صفة الإيمان نفسها، لا مدح موصوفها 40.
ولشرف الإيمان جعله الله عز وجل شرطًا لانتفاع العبد بعمله الصالح في الآخرة، فقال عز وجل: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء:١٩].
ومدح الله عباده المؤمنين أن ليس للشيطان عليهم سلطان، فقال عز وجل: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ¡ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النحل:٩٩- ١٠٠].
وقد عدد الله تعالى صفات أهل الإيمان، ورتب على الالتزام بها مغفرة السيئات وبلوغ أعلى الدرجات، فقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷHﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ O ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنفال: ٢-٤].
فالموصوفون بهذه الصفات الخمس هم المؤمنون حقًّا وصدقًا لهم درجات عند ربهم ومنازل عالية متفاوتة العلو والارتفاع في الجنة، ولهم قبل ذلك مغفرة كاملة لذنوبهم ورزق كريم طيب واسع لا تنقيص فيه ولا تكدير، وذلك في الجنة دار المتقين.
عبادة الله تعالى من أهم الصفات التي مدح بها عباده المؤمنين، فهي توصلهم إلى مرضاته سبحانه، يقول تعالى على لسان عيسى عليه السلام: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل عمران:٥١].
ومفهوم العبادة في الإسلام أعم وأشمل مما يعتقده كثير من الناس، من مجرد الصلاة والزكاة والصيام والحج فقط، فالعبادة التي خلقنا الله من أجلها هي تعظيم الله عز وجل والخضوع والتذلل له وإفراده بالطاعة المطلقة.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم:٣٠].
والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد؛ لانتسابه إلى جناب الله تعالى، وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته فقال: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الكهف:١].
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الجن:١٩].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الإسراء:١].
فسماه عبدًا عند إنزاله عليه وقيامه في الدعوة وإسرائه به، وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له، حيث يقول: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹJﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀQﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحجر: ٩٧-٩٩]» 41.
وكما وصف الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفة العبودية، وصف بها بعض أنبيائه ورسله.
قال تعالى عن زكريا عليه السلام: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [مريم:٢].
وقال عن سليمان عليه السلام: (ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ) [ص:٣٠].
وقال عن أيوب عليه السلام: (ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ) [ص:٤٤].
وقال عن إبراهيم ولوطًا وإسحاق ويعقوب (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء:٧٣].
وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الأحوال وفي تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ) ما يفيد الاختصاص، أي: اختصاصه تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، والجملة تدل على استمرار العبادة أولًا؛ لوجود (كان) الدالة على الاستمرار، وثانيًا: الوصف بـ (ﭠ) أي: مستمرين حتى تصير العبادة وصفًا لهم، فهم في عبادة مستمرة آناء الليل وأطراف النهار. وقال تعالى في وصف الخضر: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الكهف:٦٥].
أرسل الله تعالى الرسل وأنزل عليهم الكتب وأمرهم بتبليغ الرسالة فقام كل منهم بتبليغ ما أرسل به، من نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وقد مدحهم الله تعالى وأثنى عليهم بقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأحزاب:٣٩].
«أي: لا يخافون لائمة الناس وقولهم فيما أحل لهم» 42.
قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره: سنة الله في الذين خلوا من قبل محمد من الرسل، الذين يبلغون رسالات الله إلى من أرسلوا إليه، ويخافون الله في تركهم تبليغ ذلك إياهم، ولا يخافون أحدًا إلا الله، فإنهم إياه يرهبون إن هم قصروا عن تبليغهم رسالة الله إلى من أرسلوا إليه. يقول لنبيه محمد: فمن أولئك الرسل الذين هذه صفتهم فكن، ولا تخش أحدًا إلا الله، فإن الله يمنعك من جميع خلقه، ولا يمنعك أحد من خلقه منه، إن أراد بك سوءًا» 43.
قال تعالى عن نوح عليه السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸI ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف:٥٩، ٦٠].
«ولم يجبه من قومه بقولهم: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) - إلا أشرافهم وسادتهم وهم الذين يتعاصون على الرسل؛ لانغماس عقولهم بالدنيا وطلب الرئاسة والعلو فيهما» 44، «وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الأعراف:٦١].
أي: ما أنا بضال، ولكن أنا مرسل إليكم من عند ربكم المالك لأموركم الناظر لكم بالمصلحة (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأعراف:٦٢].
أي: أنا أبلغكم ما أرسلني الله به إليكم، وأقصد صلاحكم، وخيركم، وأعلم من الأمور الغيبية أشياء لا علم لكم بها» 45.
وهذا هود عليه السلام (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأعراف:٦٧].
«أي: لست كما تزعمون، بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء، فهو رب كل شيء ومليكه (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الأعراف:٦٨].
وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغة والنصح والأمانة» 46، وقال لهم أيضًا: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأحقاف:٢٣].
ومدح الله تعالى خاتم رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع في كتابه الكريم؛ منها قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأحزاب:٤٥-٤٦].
«أي: شاهدًا للرسل بالتبليغ، ومبشرًا لمن آمن بالجنة، ونذيرًا لمن كذب بآياتنا بالنار. (ﭣ ﭤ ﭥ) إلى توحيده وطاعته (ﭦ) بأمره (ﭧ ﭨ) سماه سراجًا؛ لأنه يهتدى به كالسراج يستضاء به في الظلمة» 47، وكذلك فعل جميع الأنبياء والمرسلون في القيام بتبليغ الرسالة.
الأوبة هي الرجوع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ) [ص:٣٠].
وقيل للتوبة: أوبة 48.
قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [هود:٨٨].
وقال أيضًا: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الرعد:٢٧].
فالإنابة رجوع دائمٌ إلى الله، وإقبال على الخير.
وهي من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ قال الله تعالى عن داود عليه السلام: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ) [ص:١٧].
وقال عن سليمان عليه السلام: (ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ) [ص:٣٠].
أي: نعم العبد سليمان، والجملة تعليل للمدح، علل كونه ممدوحًا بكونه أوَّابًا رجَّاعًا إليه بالتوبة، فـ (ﮃ ﮄ) أي: رجَّاع إلى الله بالتوبة، «راجع عما يكره الله إلى ما يحب» 49، فهو «رجاع إلى الازدياد من الاجتهاد في المبالغة في الشكر والصبر على الضر» 50.
وقال عن أيوب عليه السلام: (ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ) [ص:٤٤] أي: كثير التوبة، رجَّاعٌ بكليته إلى الله سبحانه على خلاف ما يدعو إليه طبع البشر، فهو «المسلم المفوض بلا جزع وتزعزع فكيف يجزع؟! إنه رجاع إلينا متشمر نحونا في عموم أوقاته وحالاته» 51.
ففي القصص الثلاث اتصفوا بما يوجب المدح، وأكد المدح بإن، وجيء بصيغة المبالغة: فعَّال، إشارة إلى أنها عادتهم.
وهي أيضًا من صفات المؤمنين؛ قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة:١١٢].
فالعابدون هم القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها، وهي الأقوال والأفعال فمن أخص الأقوال: الحمد؛ فلهذا قال: (ﭓ).
ومن أفضل الأعمال: الصيام، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع، وهو المراد بالسياحة هاهنا؛ ولهذا قال: (ﭔ)52.
أمر الله تعالى عباده بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فقال: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [آل عمران:١٠٤].
وبين سبحانه أنها صفة من صفات المؤمنين، فقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة:٧١].
ولا تتم خيرية الأمة إلا بها.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران:١١٠].
ففي هذه الآية «مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم» 53.
فالخيرية ليست مرتبطة بجنس أو لون أو موقع أو أي اعتبار آخر، إلا اعتبار الإيمان بالله تعالى والاهتمام بمسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد مدح الله تعالى عباده الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فقال في معرض بيانه لصفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة:١١٢].
فالمؤمنون ينفعون خلق الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه، علمًا وعملًا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق؛ ولهذا قال: (ﭠ ﭡ) لأن الإيمان يشمل هذا كله، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به 54.
«الجهاد هو بذل الجهد في مقارعة الأعداء، والسعي التام في نصرة دين الله، وقمع دين الشيطان، وهو ذروة الأعمال الصالحة، وجزاؤه، أفضل الجزاء، وهو السبب الأكبر، لتوسيع دائرة الإسلام وخذلان عُبَّاد الأصنام، وأمن المسلمين على أنفسهم وأموالهم وأولادهم»55.
الجهاد في سبيل الله تعالى هو ذروة سنام الإسلام، لأنه بيع النفس لله تعالى، يقول سبحانه: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران:١٤٢].
وقد بين الله تعالى فضل الجهاد في كتابه، ومدح الصابرين عليه بقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران:١٤٦].
فالمجاهدون لهم الدرجات العلى والنعيم المقيم قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النساء:٩٥].
قال الله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [التوبة:١١١].
فهذه الآية العظيمة فيها بيع وشراء، وفيها صفقةٌ عظيمة، يقول ابن القيم: «قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها والثمن المبذول فيه والمنادي عليها، فإذا كان المشتري عظيمًا والثمن خطيرًا والمنادي جليلًا كانت السلعة نفيسة» 56.
وقد مدح الله تعالى من جمع بين الإيمان والجهاد فقال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنفال:٧٤].
فقد ساق الله تعالى هذه الآية للثناء على المهاجرين والأنصار، والشهادة لهم بأنهم هم المؤمنون حق الإيمان وأكمله، من ثلاثة أوجه:
«أولها: قوله: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ) فإن هذه الجملة تفيد المبالغة في مدحهم، حيث وصفهم بكونهم محقين في طريق الدين، وقد كانوا كذلك؛ لأن من لم يكن محقًّا في دينه لم يتحمل ترك الأديان السالفة، ولم يفارق الأهل والوطن، ولم يبذل النفس والمال.
وثانيها: قوله: (ﯪ ﯫ) والتنكير يدل على الكمال، أي: مغفرة تامة كاملة.
وثالثها: قوله: (ﯬ ﯭ) والمراد منه الثواب الرفيع. والحاصل: أنه سبحانه وتعالى شرح أحوالهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فقد وصفهم بقوله: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ) وأما في الآخرة فالمقصود إما دفع العقاب، وإما جلب الثواب. أما دفع العقاب فهو المراد بقوله: (ﯪ ﯫ) وأما جلب الثواب فهو المراد بقوله: (ﯬ ﯭ) » 57.
ثانيًا: الصفات الخُلُقية:
يحافظ الإسلام على تزكية النفس وإصلاحها، وتطهير القلب من أرجاس المعاصي، وجعل من الوسائل ما يعين على ذلك، فحثَّ على الاتصاف بالصفات الحميدة، وبين جزاء المتصفين بها، ومن هذه الصفات:
الشكر من أكثر الطاعات ثوابًا، وأعلاها منزلة، لذا جعل الله تعالى جزاء الشاكرين مطلقًا لا حد له ولا حصر.
قال الله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران:١٤٤]، (ﮪ ﮫ) [آل عمران:١٤٥].
وقد أثنى الله تعالى على الشاكرين لآلائه، «وفي مقدمتهم أنبيائه ورسله، فأثنى الله تعالى على نبيه نوح عليه السلام فقال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ) [الإسراء:٣]، فلحميد فعاله وكثير ثنائه على ربه وصف بذلك، كما روي عن سلمان رضي الله عنه قال: (كان نوح إذا طعم طعامًا أو لبس ثوبًا حمد الله، فسمي عبدًا شكورًا) 58.
ووصف الله إبراهيم عليه السلام بأنه كان أمةً شاكرًا لأنعمه، فقال جل شأنه: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ @ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل:١٢٠، ١٢١].
فالله جل وعلا يشكر من شكره، ويرفع من ذكره.
قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء:١٤٧]، «فالشكر من الله تعالى هو الرضا بالقليل من عباده وإضعاف الثواب عليه، والشكر من العبد: الطاعة، ومن الله: الثواب» 59.
إن منفعة الشكر لا تعود على الخالق سبحانه وتعالى فهو الغني؛ ولكنها تعود على الشاكر من عباده، يقول تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [لقمان:١٢]، فالله تعالى لا يعذب من شكره.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء:١٤٧]، ولكن الناس مع عظيم نعم الله عليهم قليلٌ شكرهم، وقد بيَّنَ الله تعالى ذلك بقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النمل:٧٣].
وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ:١٣].
لذا على العبد القيام بأوامر الله وامتثال طاعته، فإذا فعل ذلك أعانه، وأثنى عليه، ومدحه، وجازاه الخير الكثير والثواب الجزيل.
الوفاء بالعهد خلق نبيل، وقد مدح الله تعالى هذا الخلق العظيم في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى في بيان خصال البر: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة:١٧٧].
أي: «والموفون بعهدهم فيما بينهم وبين الله عز وجل، وفيما بينهم وبين الناس، إذا عاهدوا، يعني: إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا ونذروا أوفوا، وإذا عاهدوا أوفوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا ائتمنوا أدوا» 60 فدخل في ذلك حقوق الله كلها؛ لكون الله تعالى ألزم بها عباده والتزموها، ودخلوا تحت عهدتها، ووجب عليهم أداؤها، وحقوق العباد، التي أوجبها الله عليهم، والحقوق التي التزمها العبد كالأيمان والنذور، ونحو ذلك. ومنها أيضًا قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الرعد:١٩- ٢٠].
فالله تعالى «وصفهم بهذه الأوصاف المادحة، فقال: الذين يوفون بعهد الله أي: بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم، أو فيما بينهم وبين العباد ولا ينقضون الميثاق الذي وثقوه على أنفسهم، وأكدوه بالأيمان ونحوها» 61.
الصبر «خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها» 62.
وقد مدح الله تعالى هذا الخلق العظيم في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى في مدح الخصال التي يتصف بها المؤمن: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:١٧٧].
والنصب على المدح أو التخصيص: أي: وأخص الصابرين، وقوله سبحانه: (ﯴ ﯵ ﯶÉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ, ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران:١٥-١٧].
ومدح الله الصابرين ووعدهم بأحسن الجزاء الذي يهون عليهم ما يلقونه في ذلك السبيل؛ قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النحل:٩٦].
وقال سبحانه: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإنسان:١٢].
لذا كان جزاء الصبر عظيمًا غير مقدر، ويعطي الصابر أجرًا بغير حساب.
قال تعالى: (ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر:١٠].
ولأن الصبر وسيلة النجاح في الحياة والوصول إلى المقاصد؛ لأنه قوة يحقق بها الإنسان أعمالًا فوق طاقته الطبيعية، مدح الله من يتحمل صعوبات الحياة ببسالة وشجاعة.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [الأنفال:٦٥].
وقال: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٤٩].
وقال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [السجدة:٢٤].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء)63.
أما الجزع فلا يؤدي إلا إلى الفشل في الحياة وعدم إنجاح المقاصد، بل إلى انعدام الحياة وزوالها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر) 64.
الحلم «من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب الحمد، وحد الحلم: ضبط النفس عند هيجان الغضب، وليس من شرط الحلم ألا يغضب الحليم، وإنما إذا ثار به الغضب عند هجوم دواعيه كف سورته بحزمه، وأطفأ ثائرته بحلمه، فإذا اتصف المرء بالحلم كثر محبوه، وقل شانئوه، وعلت منزلته، ووفرت كرامته. قال عز وجل: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف:١٩٩]» 65.
وآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تدعو المسلمين إلى التحلي بهذا الخلق النبيل، وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة، والحث على الدفع بالتي هي أحسن، والترغيب في الصفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ *ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [آل عمران: ١٣٣-١٣٤].
فالكاظمين الغيظ لا يعملون غضبهم في الناس، بل يكفون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل، وهم مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال 66.
قال ابن بطال: «مدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم، وأخبر أن ما عنده خير وأبقى لهم من متاع الحياة الدنيا وزينتها، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك» 67.
وقد مدح الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام بهذه الصفة فقال تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة:١١٤].
(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [هود:٧٥].
ووصف بها ابنه إسماعيل فقال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ) [الصافات:١٠١].
«وقد انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليمًا، وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح، فقال: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الصافات:١٠٢].
ثم استسلم لذلك، وقيل: ما نعت الله الأنبياء عليهم السلام بأقل مما نعتهم بالحلم، وذلك لعزة وجوده»68.
وكذلك مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صحابته بها، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) 69.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) 70.
قال ابن عبد البر: «في هذا الحديث من الفقه: فضل الحلم، وفيه دليل على أن الحلم كتمان الغيظ، وأن العاقل من ملك نفسه عند الغضب؛ لأن العقل في اللغة ضبط الشيء وحبسه منه» 71.
مدح الله تعالى هذا الخلق العظيم في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى في مدح الخصال التي يتصف بها المؤمن: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة:١٧٧].
وقوله تعالى في صفات المهتدين المفلحين: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [البقرة:٢- ٣].
ولما كان الكرم هو: «الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم خطره ونفعه» 72، مدح الله تعالى عباده المنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البقرة: ٢٧٤].
قال ابن كثير: «هذا مدحٌ منه تعالى للمنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليلٍ أو نهارٍ، والأحوال من سر وجهارٍ، حتى إن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضًا»73.
وقال الإمام فخر الدين الرازي: «الآية عامةٌ في الذين يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة تحرضهم على الخير، فكلما نزلت بهم حاجة محتاجٍ عجلوا قضاءها ولم يؤخروها ولم يعلقوها بوقتٍ ولا حالٍ»74.
مدح الله تعالى هذا الخلق العظيم في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى في ذكر صفات المفلحين: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [المؤمنون:٨].
«أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه، كالتكاليف السرية، التي لا يطلع عليها إلا الله، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار» 75.
وقد مدح الله تعالى بعض أنبيائه بصفة الأمانة التي هي صفة لازمة في كل نبي من الأنبياء، وقد ذكرت خمس مرات متواليات في حق الأنبياء: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب في سورة الشعراء، كلهم يقول لقومه: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)، وقد حكى لنا القرآن قصة موسى عليه السلام حين سقى لابنتي الرجل الصالح ورفق بهما وكان أمينًا معهما، فـ (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [القصص:٢٦].
وهي صفة تزيد صاحبها بهاءً ووقارًا، ويشهد بذلك كل منصف، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (أخبرني أبو سفيان رضي الله عنه أن هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبي) 76.
ولما كانت الأمانة فضيلة ضخمة، لا يستطيع حملها الرجال المهازيل، ضرب الله تعالى المثل لضخامتها، فأبان أنها تثقل كاهل الوجود فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بها أو يفرط في حقها، قال الله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحزاب:٧٢].77.
الرأفة والرحمة خلقان عظيمان لا بد أن يتخلق بهما المؤمن ويتصف بهما، فهما من مبادئ الإسلام الأساسية، وأخلاقه الكريمة، وهما أشرف صفات المؤمنين بعد الإيمان، وتتجلى أهمية الرحمة في أن الله عز وجل تسمى واتصف بها، فمرة باسم الرحمن ومرة باسم الرحيم فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وعلى الرغم من سعة رحمة الله تعالى إلا أنه لا يستحقها إلا الذين اتقوه واستجابوا لأمره.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف:١٥٦].
وقد مدح الله بهاتين الصفتين صفوة خلقه وخيرة عباده وهم الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من المصلحين، فقال الله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة:١٢٨].
وقال تعالى ممتنًا على رسوله صلى الله عليه وسلم على ما ألقاه في قلبه من فيوض الرحمة جعلته يلين للمؤمنين ويرحمهم ويعفو عنهم، ويتجاوز عن أخطائهم: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران:١٥٩].
«أي: بسبب رحمة عظيمة فياضة أفاضها الله تعالى عليك كنت لينًا معهم في كل أحوالك، ولقد شكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ذلك اللين في قوله: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) حيث أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فظًّا ولا غليظًا ولا قاسيًا؛ لأن (لو) تدل على نفي الجواب لنفي الشرط، والمعنى: إنك لست فظًّا ولا غليظ القلب، وهذا هو الذي يتفق مع صفات النبوة والقيادة الحكيمة الرشيدة الهادية الموجهة إلى أمثل الطرق الجامعة للقلوب 78، وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأنبياء:١٠٧].
«يخبر تعالى أن الله جعل محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قَبِلَ هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة»79.
ومدح الله تعالى بهذه الصفة أيضًا غيره صلى الله عليه وسلم من المتخلقين بها، فقد قال تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الفتح:٢٩].
فهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، بحسب ما يقتضيه منهم إيمانهم.
ثالثًا: الصفات الخَلْقية:
كما أن الإسلام حث على الاتصاف بالصفات الخلقية الحميدة، وبين جزاء المتصفين بها، فقد مدح أيضًا الصفات الخَلْقيَّةَ، وحثَّ على الاهتمام بها ورغب فيها، ومن هذه الصفات:
القوة من أَجَلِّ النعم التي امتن الله تعالى بها على خلقه، والمؤمن مطالب أن يكون قويًّا، فهي من أهم الأشياء التي ينبغي أن يحرص عليها، وذلك لما يأتي:
أولًا: أن الله تعالى أمر بإعداد القوة فقال سبحانه: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال:٦٠].
قال ابن كثير: «أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة، فقال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: مهما أمكنكم» 80.
والقوة المطلوبة قوة شاملة، قوة في الإيمان والأبدان والعلوم والاقتصاد، وكل مناحي الحياة. وإعداد المستطاع من القوة يختلف باختلاف درجات الاستطاعة في كل زمان ومكان.
ثانيًا: أن القوة سبب أصيل للنصر والتأييد خاصة إذا اجتمع معها الأمانة، وقد مدح الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بهاتين الصفتين: القوة والأمانة، فقال تعالى على لسان إحدى المرأتين: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [القصص:٢٦].
«ولا يخفى أن مقالها من جوامع الكلم والحكمة البالغة؛ لأنه متى اجتمعت هاتان الصفتان: الأمانة والكفاية في القائم بأداء أمر من الأمور تكلل عمله بالظفر وكفل له أسباب النجاح»81.
«وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملًا بإجارة أو غيرها. فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل»82.
وقد مدح الله تعالى جبريل عليه السلام وهو الموكل بأمانة تبليغ الوحي إلى الأنبياء بأنه ذو قوة.
قال ابن كثير: «يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه علمه الذي جاء به إلى الناس (ﭧ ﭨ) [النجم:٥]، وهو جبريل عليه السلام؛ كما قال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜm ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣt ﮥ ﮦ ﮧ) [التكوير:١٩-٢١].
وقال هاهنا: (ﭪ ﭫ) [النجم:٦].
أي: ذو قوة. قاله مجاهد والحسن وابن زيد. وقال ابن عباس: ذو منظر حسن. وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن. ولا منافاة بين القولين؛ فإنه عليه السلام ذو منظر حسن، وقوة شديدة» 83.
لذا كانت القوة من أهم الأشياء التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم؛ لأنها سبب من الأسباب التي تجلب له المدح والثناء الحسن.
خلق الله تعالى الإنسان في أحسن صورة وشكل.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التين:٤].
فكل إنسان مخلوق خلقة حسنة، وهذا لا يمنع تفاوت البشر في الحسن، فمنهم من أوتي من الجمال والحسن أكثر مما أوتي غيره، وقد حكى الله تعالى لنا قصة يوسف عليه السلام وأن النسوة لما رأينه (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يوسف:٣١].
أي: قلن لها: ما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبًا منه، فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء 84.
فقد كان يتحلى بالجمال الظاهر والباطن، «فإن جماله الظاهر، أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب، وللنساء اللاتي جمعتهن حين لمنها على ذلك أن قطعن أيديهن وقلن: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)، وأما جماله الباطن، فهو العفة العظيمة عن المعصية، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها، وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته» 85.
وممن ورد مدح جماله: الحور العين.
وصف الله تعالى الحور العين فقال عنهن: (ﭛ ﭜ ﭝ) [الرحمن:٧٠].
أي في الجنتين نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه.
وممن مدح جماله: غلمان أهل الجنة:
قال الله تعالى عنهم: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الطور:٢٤].
وقال أيضًا: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الإنسان:١٩].
ويقول جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ+ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الواقعة: ١٧-٢١].
فهذا «إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة كأنهم اللؤلؤ الرطب، المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم» 86.
رابعًا: المكانة الكريمة:
يمدح المرء لمكانته الكريمة، وأعلى الناس مكانة ومنزلة الرسل الكرام، فهم الموكلون بتبليغ الوحي إلى الناس، وأخصهم منزلة أولوا العزم، ولذلك أوصى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم فقال: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأحقاف:٣٥].
وهم المذكورون في قول الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الشورى:١٣].
فقد «أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له، وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين، سادات الخلق أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، وتم يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم والقفو لآثارهم والاهتداء بمنارهم، فامتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فصبر صبرًا لم يصبره نبي قبله» 87.
وممن خص بمدح مكانته، نبي الله إدريس عليه السلام، قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀQ ﮂ ﮃ ﮄ) [مريم:٥٦- ٥٧].
فإدريس عليه السلام نبي من أنبياء الله جل وعلا، وصفه الله بالصديقية، ورفعه مكانًا عليًّا، وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المكانة العالية بأنه في السماء الرابعة.
وممن خص بمدح مكانته، نبي الله يحيى عليه السلام، فحينما دعا زكريا عليه السلام ربه قائلًا: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران:٣٨].
جاءته البشرى (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران:٣٩].
فقد وصف الله تعالى يحيى عليه السلام بأربع صفات كريمة:
الأولى: أنه كان مصدقًا بكلمةٍ من الله، وكلمة الله هو عيسى عليه السلام؛ لأنه كان يسمى بذلك، فيحيى عليه السلام كان مصدقًا بعيسى ومؤمنًا بأنه رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
والثانية: أنه سيكون سيدًا، والسيد هو الذي يسود قومه وينتهى إلى قوله، أي: يفوق غيره في الشرف والتقوى وعفة النفس، بأن يكون مالكًا لزمامها، ومسيطرًا على أهوائها.
والثالثة: أنه سيكون حصورًا، أي: حابسًا نفسه عن الشهوات، حتى لقد قيل عنه إنه امتنع عن الزواج وهو قادر على ذلك زهدًا منه واستعفافًا، وليس صحيحًا ما قيل من أنه كان لا يأتي النساء لعدم قدرته على ذلك.
والرابعة: أنه سيكون نبيًّا من الصالحين، وفي هذا الوصف بشارة ثانية لزكريا عليه السلام بأن ابنه سيكون من الأنبياء الذين اصطفاهم الله لتبليغ دعوته إلى الناس، وهذه البشارة أسمى وأعلى من الأولى التي أخبره الله فيها بولادة يحيى؛ لأن النبوة منزلة لا تعدلها منزلة في الشرف والفضل 88.
وممن مدح لمكانته ومنزلته، عيسى عليه السلام.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران:٤٥].
«أي: له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا، بما يوحيه الله إليه من الشريعة، وينزل عليه من الكتاب، وغير ذلك مما منحه به، وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه، فيقبل منه، أسوة بإخوانه من أولي العزم، صلوات الله عليهم» 89.
وممن مدح لمكانته ومنزلته، العلماء.
قال تعالى في بيان منزلتهم: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [المجادلة:١١].
فرفع الله تعالى شأن حملة العلم وأعلى مقامهم، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على وحدانيته جل جلاله وعز ثناؤه؛ ذلك أن العلماء هم الذين يبينون للناس أحكام شريعة الله عز وجل، وهم الداعون إليه سبحانه وتعالى، وهم وراث هدي النبوة، فبذلك استحقوا تلك المكانة العالية.
خامسًا: العاقبة الحسنة:
العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة هي ما يريد أن يصل إليه المؤمن؛ لذا أرشد الله تعالى عباده إلى طريقها وحثهم على التحلي بما يتصف به أصحابها، فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الرعد:١٩-٢٤].
«يقول تعالى مخبرًا عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة، بأن لهم عقبى الدار؛ وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة»90.
فأولئك الذين وصفوا بتلك المحاسن والكمالات التي بلغت الغاية في الشرف والكمال، هم الذين لهم العقبى الحسنة في الدار الآخرة، وهي جنات إقامة، يخلدون فيها لا يخرجون منها أبدًا، وفيها الأنس باجتماع الأهل والمحبين الصالحين، لتقر بهم أعينهم، ويزدادوا سرورًا برؤيتهم.
وقد وصف الله تعالى الجنة وهي العاقبة الحسنة التي أعدها لعباده المؤمنين في الآخرة بعدة أوصاف حثًّا على المجاهدة للوصول إليها، فقال تعالى: (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الحديد:١١].
وإنما وصف الأجر بكونه كريمًا؛ لأنه هو الذي جلب ذلك الضعف، وبسببه حصلت تلك الزيادة، فكان كريمًا من هذا الوجه.
وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) «دلت هذه الآية على عظم هذا الأجر من وجوه:
أحدها: أنه ذكر نفسه بصيغة العظمة، وهو قوله: (ﭯ ﭰ ﭱ) والمعطي الحكيم إذا ذكر نفسه باللفظ الدال على العظمة عند الوعد بالعطية، دل على عظم تلك العطية.
وثانيها: قوله: (ﭰ ﭱ) هذا التخصيص يدل على المبالغة، كما في قوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الكهف:٦٥].
وثالثها: أنه وصف الأجر بكونه عظيمًا، والذي وصفه أعظم العظماء بالعظمة، لا بد وأن يكون في نهاية العظم، قال صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)9192، وفي تنكير الأجر من المبالغة ما لا يخفى.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [يونس:٣٠].
فالله تعالى يبين جزائهم الكريم بقوله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) «أي: لهؤلاء المحسنين مكافأة في الدنيا بإحسانهم (ﮚ ﮛ ﮜ) أي: وما ينالونه في الآخرة من ثواب الجنة خيرٌ وأعظم من دار الدنيا؛ لفنائها وبقاء الآخرة (ﮞ ﮟ ﮠ) أي: ولنعم دار المتقين دار الآخرة»93.
فعلى المسلم أن يحرص على عمل الخيرات حتى تكون عاقبته حسنة ويختم له بالخير، فينال المغفرة وأعلى الدرجات.
يهدف المدح إلى شحذ الهمم للازدياد والاستمرار في الفعل الحسن والخلق الكريم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح أصحابه ليحفزهم على الاستمرار في الخير والتزود منه، وقد مُدِحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة، والمدح منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، وقد جعل القرآن الكريم المدح والذم تبعًا لمحبة الله تعالى للعبد أو ذمه، فمن أحبه الله تعالى وأثنى عليه فهو الممدوح، ومن ذمه الله تعالى فهو المذموم، وقد مدح الله أهل الإيمان والصلاة والعبادة، وذم أهل الكفر والفسوق والعصيان، وهل يجوز للإنسان أن يمتدح نفسه ؟ متى يحمد هذا المدح ومتى يذم ؟ سأبين هذا في النقاط الآتية:
أولًا: المدح المحمود:
المدح المحمود هو المدح بالحق، ومن ذلك ما يمدح به الشخص من كريم الخصال، وجنس المدح لا حرج فيه إذا كان بِحَقِّهِ؛ كما قال الصديق يوسف عليه السلام: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يوسف:٥٥].
فلم يكن مدح يوسف عليه السلام لنفسه من باب العجب، وإنما أراد بذلك إقامة العدل وإبطال الجور وإيصال الحق لأهله، والآية «أصل في جواز مدح الإنسان نفسه لمصلحته»94.
«قال القاضي أبو يعلى: في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه، وأنه ليس من المحظور في قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ) [النجم:٣٢]»95.
وعلى هذا يحمل ما نقل من ثناء بعض الصحابة على أنفسهم، وبيان قدرهم في العلم؛ ليحرص الناس على الأخذ منهم والانتفاع بعلمهم قبل وفاتهم، وهذا ليس فخرًا منهم وتباهيًا بالعلم، إنما كان مراد أحدهم الوصول إلى حق يقيمه وعدل يحييه وجور يبطله، لذا كان ذلك منهم جميلًا جائزًا، فعن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم: أين أنزلت؟ ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم: فيم أنزلت؟ ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه)96.
فهذه الأشياء، خرجت مخرج الشكر لله، وتعريف المستفيد ما عند المفيد، ولذا كان هذا منهم جميلًا جائزًا.
وقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم في المدح كما جاء في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: (أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ويلك، قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك) مرارًا، ثم قال: (من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه)97.
فلم ينه الرسول عن المدح ولكن جعل لهذا المدح ضوابطًا.
وأهم الضوابط التي يجب مراعاتها في المدح: عدم المجازفة في المدح، والزيادة في الأوصاف، وأن يؤمن على الممدوح الإعجاب والفتنة؛ لما يعلم من قوة إيمانه، وأن يكون المدح صادقًا فيمدح الشخص بما فيه من غير مبالغة ولا رياء يؤديان إلى النفاق، وأن يكون الهدف من المدح شحذ الهمم للازدياد والاستمرار في الفعل الحسن والخلق الكريم.
وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يكره ذلك، ولم يَحْثُ التراب في وجه أحد من مادحيه، فهذا حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم98:
أغـرُّ عليـه للنبـوة خـاتم
من الله مشـهود يلـوح ويشهدُ
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
إذا قال في خمس المؤذن أشهدُ
وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمدُ
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المدح ولم ينكره، ولم يَحْثُ التراب في وجهه؛ لأنه لم يقل إلا حقًّا.
وكذلك مدح عبد الله بن عباس رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين دخل عليه وهو مطعون، فعن المسور بن مخرمة قال: لما طعن عمر رضي الله عنه جعل يألم، فقال له ابن عباس رضي الله عنه وكأنه يجزعه: يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر رضي الله عنه فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون، قال: «أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه، فإنما ذاك مَنٌّ من الله تعالى مَنَّ به عَليَّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه، فإنما ذاك مَنٌّ من الله جل ذكره مَنَّ به عَليَّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل، قبل أن أراه»99.
فهذا المدح بالحق قاله ابن عباس رضي الله عنه في وجه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما علم من قوة إيمانه، وأن هذا الكلام لن يغره، وهذا هو المدح الحسن المحمود الذي يندب إليه، ولو كان فيه إثم لكان ابن عباس رضي الله عنهما أبعد الناس عنه.
ومن المدح المحمود:
ومن ذلك: قول الله تعالى في حق أبي بكر رضي الله عنه في سورة الليل: (ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ) [الليل:١٧-٢١].
فقد كان أبو بكر رضي الله عنه يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا، وكان ينفق في رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله، وكان مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، ولذا لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول أحد الناس من أبواب الجنة جميعها بقوله: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها، قال: (نعم وأرجو أن تكون منهم)100.
قال ابن بطال: « أنه يجوز الثناء على الناس بما فيهم على وجه الإعلام بصفاتهم، لتعرف لهم سابقتهم وتقدمهم في الفضل، فينزلوا منازلهم، ويقدموا على من لا يساويهم، ويقتدى بهم في الخير، ولو لم يجز وصفهم بالخير والثناء عليهم بأحوالهم لم يُعْلَمْ أهلُ الفضل من غيرهم، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم خَصَّ أصحابه بخواصَّ من الفضائل بانوا بها عن سائر الناس وعرفوا بها إلى يوم القيامة»101.
وكذلك مدح النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حضوره فقال: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قطُّ، إلا سلك فجًّا غير فجِّكَ)102.
والفج: هو الطريق الواسع. قال ابن حجر: «وهذا من جملة المدح، لكنه لما كان صدقًا محضًا، وكان الممدوح يؤمن معه الإعجاب والكبر مدح به، ولا يدخل ذلك في المنع»103.
وهذا ثناء حسن يعود نفعه على المادح والممدوح، وهي شهادة حقًّ. لذا توجه الخليل إبراهيم عليه السلام بالدعاء إلى ربه قائلًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الشعراء:٨٤].
«أي: ثناء حسنًا وذكرًا جميلًا وقبولًا عامًّا في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله ذلك، فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه»104.
وأبقى له الذكر الجميل والثناء الحسن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته، وزيادة في الكرم جعل هذا الذكر لذريته، فقال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀÓ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [مريم ٤٩-٥٠].
فإبراهيم الخليل وبنوه معظمون في جميع الأمم والملل صلى الله عليهم أجمعين. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أريت الرجل الذي يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال:(تلك عاجل بشرى المؤمن)105.
فالله تعالى يقذف في قلوب الناس محبة المخلصين في الأعمال الصادقين في الأقوال، ويجعل لهم القبول في الأرض، فتلهج الألسن بالثناء عليهم، فهذه بشارة في الدنيا على قدرهم يوم القيامة.
فيقدم الناصح بين يدي نصيحته الثناء على المنصوح، وذكر بعض الخير الذي فيه، ثم يحفزه للكمال بفعل بعض المأمورات أو ترك بعض المنهيات، فهذا مظنة الاستجابة للنصيحة، فقبل أن يوجه الله تعالى عباده إلى التحلي بخلق الصبر، وحسن التوكل عليه في سائر الأمور بين ما أعده لهم من الثواب تحفيزًا لهم، فقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗh ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [العنكبوت:٥٨- ٥٩].
وقبل أن يوجه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنه إلى قيام الليل قال: (نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلًا)106.
ثانيًا: المدح المذموم:
المدح المذموم، هو المدح بالباطل، ويأتي على صور، منها:
وهو قبيح؛ لما فيه من التفاخر والكبر، وهو يورث الهلاك.
وقد نهى الله تعالى عن تزكية العبد لنفسه ووبخ من يفعل ذلك فقال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧº ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء:٤٩-٥٠].
«قال الحسن وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى، حين قالوا: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المائدة:١٨].
وقال ابن زيد: فيها، وفي قولهم: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة:١١١].
وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم، ويزعمون أنهم لا ذنب لهم، وقال الضحاك: قالوا: ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب. فأنزل الله ذلك فيهم، وقيل: نزلت في ذم التمادح والتزكية»107.
فهذه الأقوال جميعها تدل على ذم مدح الإنسان لنفسه سواء فعلته اليهود أو النصارى أو غيرهم.
وقال الله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النجم:٣٢].
أي: لا تمدحوها وتشكروها وتَمُنُّوا بأعمالكم. وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم)108.
ومعنى يذهب بنفسه: «أي: يعلي نفسه ويرفعها ويبعدها عن الناس في المرتبة ويعتقدها عظيمة القدر»109.
قال ابن القيم: «ومن كيده - أي: الشيطان- أنه يغرى الناس بتقبيل يده، والتمسح به، والثناء عليه، وسؤاله الدعاء، ونحو ذلك، حتى يرى نفسه، ويعجبه شأنها، فلو قيل له: إنك من أوتاد الأرض، وبك يدفع البلاء عن الخلق، ظن ذلك حقًّا.
وربما قيل له: إنه يتوسل به إلى الله تعالى ويسأل الله تعالى به وبحرمته، فيقضى حاجتهم، فيقع ذلك فى قلبه، ويفرح به، ويظنه حقًّا، وذلك كل الهلاك، فإذا رأى من أحد من الناس تجافيًا عنه، أو قلة خضوع له، تذمر لذلك ووجد فى باطنه.
وهذا شر من أرباب الكبائر المصرين عليها، وهم أقرب إلى السلامة منه»110.
وهو يورث الهلاك للمادح والممدوح، وأكثر ما يكون ذلك في الشعراء والمداحين.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[الشعراء:٢٢٤- ٢٢٧].
فأغلب الشعراء والمداحين إن أعطوا رفعوا الممدوح إلى السماء فيقع في العجب بنفسه، ولذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يثني على رجلٍ ويطريه في مدحه فقال: (أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل)111.
فهذا الحديث يفهم منه تحريم المدح في الوجه؛ لأنه مظنة الاغترار والوقوع في العجب، وهذه صفات مهلكة لدين العبد. خاصة إذا كان يخشى عليه الفتنة، فيعتقد فضله؛ فربما تطرق لقلبه الكبر والرياء، وربما رأى أن له حقًّا على الناس وقدرًا، وربما ظن أنه فاق غيره من السابقين واللاحقين في الفضل، فاتكل على ذلك وترك العمل أو قصر فيه.
قال ابن بطال: «حاصل النهي هنا أنه إذا أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة، فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالًا على ما وصف به»112.
من صدق الإيمان والتقوى والخشية، ونحو ذلك مما يتعلق بالقلوب؛ لأنه مما لا يطلع عليها إلا علام الغيوب، وإن كان لا بد مادحًا فلا يجزم بذلك، بل يقول: أحسبه أو أظنه، ونحو ذلك من الألفاظ التي ليس فيها جزم.
وقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في عدم اكتراثهم بالمدح، بل وعدم الاهتمام بمادحيهم، فعن همام بن الحارث أن رجلًا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه فعمد المقداد رضي الله عنه فجثا على ركبتيه، وكان رجلًا ضخمًا فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان رضي الله عنه: ما شأنك؟
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب)113.
فالمقداد بن الأسود رضي الله عنه استعمل «الحديث على ظاهره في تناول عين التراب، وحثيه في وجه المادح، وقد يتأول أيضًا على وجه آخر، وهو أن يكون معناه: الخيبة والحرمان، أي: من تعرض لكم بالثناء والمدح، فلا تعطوه واحرموه»114.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله)115.
فـ«قوله: (لا تطروني)، بضم التاء، من الإطراء، وهو المديح بالباطل، تقول: أطريت فلانا: مدحته فأفرطت في مدحه. وقيل: الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. قوله: (كما أطرت النصارى)، أي: في دعواهم في عيسى بالإلهية وغير ذلك»116.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ) [النساء:١٧١].
وعن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ، قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُنِيَ عَلَيَّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين) 117.
ففي هذا الحديث أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر من الإطراء بادعاء أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، أو أنه يقدر على دفع الضر أو جلب النفع، فهو صفة تختص بالله تعالى.
فمن مدح ظالمًا وهو يعلم فقد شاركه في ظلمه؛ لأن الله حرم الركون إلى الظالمين وتوعد من يفعله بعذاب النار، وأنه لن يجد له ناصرًا في تلك الحالة.
يقول تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود:١١٣].
وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا للمنافق: سيدنا؛ فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل)118.
فنهوا عن تعظيم المنافق، ولو كان هذا التعظيم لقدره الدنيوي، فبمدحهم له يعظمون من أهانه الله، ومن يهن الله فما له من مكرم، وإن كان ليس كما قالوا فقد أضافوا إلى ذلك الكذب المحرم، ففرعون لما أعانه قومه على ظلمه بكثرة مدحهم له بالباطل وقالوا له غرورًا وباطلًا:(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ) [الأعراف:١٢٧].
دفعه ذلك لأن قال:(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف:١٢٧].
وما زالوا يمدحونه حتى قال:(ﭹ ﭺ ﭻ) [النازعات:٢٤].
فما كان له إلا الهلاك(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النازعات:٢٥].
فلا ينبغي أن يمدح الظالمون مهما كانت مكانتهم.
وهو مدخل من مداخل الشيطان إلى القلوب والعياذ بالله، فمن علم أن المتفرد بالعطاء أو المنع هو الله وحده وأنه الذي يرزق العبد بسببٍ وبلا سببٍ ومن حيث لا يحتسب لم يمدح مخلوقًا على رزق، ولم يذمه على منع، بل يفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه في أمر دينه ودنياه.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [فاطر:٢].
وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يفهم منها إباحة المدح، وأخرى يفهم منها النهي عن ذلك، ولا تتعارض بين هذه الأحاديث؛ فلكل منهما أسبابه التي ترجع إلى شخص الممدوح وفعله، وإلى شخص المادح.
وقد جمع بينهما النووي، فقال: «قال العلماء: وطريق الجمع بينها: أن النهي محمول على المجازفة في المدح، والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح.
وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه، ورسوخ عقله ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير، والازدياد منه، أو الدوام عليه، أو الاقتداء به، كان مستحبًّا، والله أعلم» 119.
نخلص من هذا المبحث: أن هناك ضوابط متعلقة بالمدح، وأيضًا ضوابط متعلقة بالمادح، وأخرى متعلقة بالممدوح.
أولًا: الضوابط المتعلقة بالمدح:
ثانيًا: الضوابط المتعلقة بالمادح:
ثالثًا: الضوابط المتعلقة بالممدوح:
مدح النماذج الطيبة له أثر طيب في نفوس المخاطبين حيث يجعل منهم قدوة صالحة يحتذى بها في الصلاح والخير لما يمتازون به من صفات، وأبرز الخصال والصفات الحميدة تكون فيمن لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم الملائكة المقربون، وكذلك تكون فيمن اصطفاهم الله واختارهم لتبليغ وحيه إلى خلقه، وهم الأنبياء والمرسلون، ثم تكون فيمن تحمل الرسالة عنهم، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
أولًا: مدح الملائكة عليهم السلام:
الملائكة جمع ملك، وهو «جسم لطيف نوراني يتشكل باشكال مختلفة»120.
ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بوجودهم، وبما ورد في حقهم من صفات وأعمال.
وقد مدح الله تعالى الملائكة فوصفهم بأنهم كرام.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ) [عبس:١٦].
فهم كرام على الله، كما قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنبياء:٢٦].
وهم أبرار أطهار لا يقارفون ذنبًا، ولا يجترحون إثمًا، كما قال سبحانه: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم:٦].
فخلقهم كريم حسن شريف، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة. وقد أوجب الله تعالى الإيمان بهم، فقال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة:١٧٧].
وشنع على من جحد بهم وكفر فقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء:١٣٦].
ولولا ما فيهم من التفضيل والتكريم والصفات الحميدة ما كانوا أهلًا للإيمان والتصديق وهذا غاية المدح والثناء لهم.
ومدحهم بوصفهم بالمقربين، كما في قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء:١٧٢].
وقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [المطففين: ١٨-٢١].
«يعني: الملائكة الذين هم في عليين، يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين» 121.
وهذا في غاية المدح لهم.
وقد ورد لفظ الملائكة في (ثمانية وستين) موضعًا في القرآن الكريم 122.
وأخص الملائكة بالتشريف والتكريم: جبريل وميكائيل عليهما السلام، فقد خصهما الله تعالى بالذكر بعد ذكر الملائكة إجمالًا في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة:٩٧].
وخصا بالذكر؛ لأن الله تعالى خصهما بالحياة فجبريل بالوحي الذي هو حياة القلوب، وميكائيل بالرزق الذي هو حياة الأبدان ولأنهما كانا سبب النزول في تصريح اليهود بعداوتهما، وقُدِّمَ جبريل عليه؛ لأن حياة القلوب أعظم من حياة الأبدان123.
وجبريل عليه السلام هو أكثر الملائكة ذكرًا في القرآن الكريم باسمه ولقبه، حيث لقبه الله تعالى بـالروح الأمين في قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الشعراء:١٩٣].
وبالروح في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [النحل:٢].
وبروح القدس في قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النحل:١٠٢].
وبشديد القوى في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ) [النجم:٥].
فعبر الله تعالى عنه بالروح؛ «لأنه يحيي به الخلق في باب الدين، أو لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح، ووصف عليه السلام بالأمين؛ لأنه أمين وحيه تعالى وموصوله إلى من شاء من عباده جل شأنه من غير تغيير وتحريف أصلا »124.
ففي مدحه بقوله: (ﮛ) دلالة على منزلته ومكانته، قال ابن كثير: «أي نزل به ملك كريم أمين ذو مكانة عند الله مطاع في الملأ الأعلى»125.
وسمي بروح القدس «لأنه سبب حياة الدين كما أن الروح سبب حياة البدن، ولأنه الغالب عليه الروحانية، ولأنه لم تضمه أصلاب الفحول ولا أرحام الأمهات»126.
قال الألوسي: « وأطلق عليه ذلك من حيث إنه ينزل بالقدس من الله تعالى، أي: مما يطهر النفوس من القرآن والحكمة والفيض الإلهي»127.
ومدحه بشدة القوة في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ) [النجم:٥].
أي: «هو كثير القوى عظيم القدرة» 128.
وقد مدح الله تعالى الملائكة وأثنى عليهم في مواضع متعددة وأفعال شتى، منها:
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ) [الأعراف:٢٠٦].
ففي الآية تنبيه للمخاطبين «لئلا يكونوا من الغافلين؛ ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لايفترون»129.
فـ«الملائكة في الملكوت الأعلى (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) أي: طاعته بما كلفهم به ووظفهم فيه (ﯻ ﯼ ﯽﯾ) فتأس بهم ولا تكن من الغافلين» 130.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ£ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النحل:٤٩-٥٠].
ففي الآية تفصيل لصفاتهم بعدم التكبر والخوف فهم خاضعون طائعون مستمرون على ذلك، فكلما تجددت دواعي الخوف والأمر فهم يخافون ويفعلون، وفي هذا مدح لكمال طاعتهم وتمام انقيادهم لأمر الله تعالى.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنبياء:٢٦-٢٧].
فقد زعم المشركون أن الملائكة بنات الله عز وجل زورًا وبهتانًا، «فنزه تعالى نفسه عن هذا النقص فقال: (ﭦ) وأبطل دعواهم وأضرب عنها فقال: (ﭨ ﭩ ﭪ) أي: فمن نسبوهم لله بنات له هم عباد له مكرمون عنده، ووصفهم تعالى بقوله: (ﭬ ﭭ ﭮ) فهم لكمال عبوديتهم لا يقولون حتى يقول هو سبحانه وتعالى، وهم يعملون بأمره فلا يقولون ولا يعملون إلا بعد إذنه لهم» 131.
وذلك باقترانهم بالشهادة الإلهية في التوحيد في أشرف مقامات الثناء.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران:١٨].
أي: والملائكة يشهدون، وهذا غاية المدح. وكذلك مدحهم بشهادتهم على إنزال القرآن.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ) [النساء:١٦٦].
وقال تعالى في بيان مكانتهم عنده: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنبياء:٢٦].
وقال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ) [النساء:١٧٢].
فدلت الآيتان على أنهم مكرمون مفضلون على سائر العباد، فهم مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولًا وفعلًا.
ثانيًا: مدح الرسل عليهم السلام:
اصطفى الله عز وجل الرسل وزكَّاهم، فكانوا أمناء لتبليغ الوحي، وقد صرَّح القرآن الكريم باسم خمسة وعشرين نبيًّا، وذكر غيرهم تضمينًا، وقد سمى الله تعالى ست سور من القرآن بأسمائهم، وهي: سورة يونس، وسورة هود، وسورة يوسف، وسورة إبراهيم، وسورة محمد، وسورة نوح.
وقد اصطفى الله تعالى منهم خمسة هم أولو العزم، وقد صرح القرآن بأسمائهم جميعًا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأحزاب:٧].
«فقد دخل هؤلاء المذكورون في جملة النبيين ولكنه خصهم بالذكر تنويهًا بشأنهم وتشريفًا لهم»132.
وهذا يناسب دعوتهم وجهادهم مع أقوامهم وما تحملوه من الشدة والقسوة والإيذاء في سبيل دعوة الحق، إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم في خلق الصبر.
وقد مدح الله تعالى الأنبياء والمرسلين في كثير من الصفات التي تحلوا بها، ومنها:
المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن الله عز وجل مدح رسله وأنبيائه على عبوديتهم وشكرهم له سبحانه وتعالى، فمدح نوحًا عليه السلام بصفتي العبودية والشكر فقال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الإسراء:٣].
فجاءت هذه الآية بأجل صفات الخضوع، وهي: العبودية وشكر المنعم عز جل على كل حال، التي كانت سببًا لنجاة نوح ومن معه من الهلاك، وفي هذا تحريض على التأسي بهم، وفي تخصيصه بالشكر تنبيه على أن توفية شكر الله صعب، ولذلك لم يثن الله بالشكر من أوليائه إلا على القليل. وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (ﭱ ﭲ) [النحل:١٢١].
وقال تعالى في حق آل لوط: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [القمر:٣٥].
«أي: مثل هذا الجزاء بالنجاة من الهلاك نجزي من شكرنا بالإيمان والطاعة»133.
ويصف الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفة العبودية في قوله تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الإسراء:١].
قال ابن كثير: «هذه صفة مدح وثناء؛ لأنه أضافه إلى عبوديته، كما وصفه بها في أشرف أحواله، وهي ليلة الإسراء، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الإسراء:١].
وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الجن:١٩].
وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه، فقال: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)»134، وهاتان الصفتان هما كذلك في كل الأنبياء.
من يتتبع آيات القرآن يجد أن الله عز وجل مدح رسله وأنبياءه على تبليغهم الرسالات وما لاقوا في سبيل نشرها.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأحزاب:٣٩].
ففي هذه الآية «يمدح تعالى (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) أي: إلى خلقه ويؤدونها بأمانتها (ﯜ) أي: يخافونه ولا يخافون أحدًا سواه فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله (ﯣ ﯤ ﯥ) أي: وكفى بالله ناصرًا ومعينًا، وسيد الناس في هذا المقام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، إلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع، فإنه قد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وأما هو، صلوات الله عليه، فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف:١٥٨].
ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي الله عنهم، بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسرِّه وعلانيته، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون. فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم» 135.
وهذا نوح عليه السلام مدحه الله تعالى في صبره على تبليغ رسالته، وأنزل تكذيب قومه له بمنزلة تكذيب جميع الرسل.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء:١٠٥].
قال ابن كثير: «هذا إخبار من الله عز وجل عن عبده ورسوله نوح عليه السلام، وهو أول رسول بعث إلى الأرض بعدما عبدت الأصنام والأنداد، بعثه الله ناهيًا عن ذلك، ومحذرًا من وبيل عقابه، فكذبه قومه واستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم، ويتنزل تكذيبهم له بمنزلة تكذيب جميع الرسل» 136.
وهذا ثناء ومدح عظيم من الله عز وجل، كما أن فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وهذه الصفة هي كذلك في كل الأنبياء.
مدح الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام بقوله: (ﯸ ﯹ ﯺ) [النجم:٣٧].
مبالغة في الوفاء، قال ابن عباس رضي الله عنه: ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم، ابتلي بالإسلام فأتمه، فكتب الله له البراءة فقال: (ﯸ ﯹ ﯺ) [النجم:٣٧]137.
فجاء المدح في الوفاء من الله عز وجل بيانًا لأمر جليل نال به هذا الثناء والتكريم في دعوته وتبليغ قومه، وهو إعلاء كلمة التوحيد ونبذ الأوثان والأصنام التي يعبدها قومه، والبراءة من الشرك والكفر مع أقرب الناس إليه؛ ليكون في موطن الاقتداء ونموذجًا في الوفاء الإيماني الذي ينبع منه كل خُلُقٍ نبيلٍ، وهذه الصفة هي كذلك في كل الأنبياء.
مدح الله تعالى الخليل إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة:١١٤].
وبقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [هود:٧٥].
فالآية الأولى جاءت بعد بيان الله عز وجل لعلة استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه، فلما ثبت في علم الله عز وجل أنه كافر عدوٌّ لله في المعتقد أعلن إبراهيم عليه السلام البراءة منه، فجاء المدح الإلهي لهذا الموقف الحاسم في الجانب العاطفي والتوجه إلى الحق جل وعلا بصفتي أواه حليم «وهو الذي يكثر التأوه، ومعناه: أنه لفرط ترحمه ورقته وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر ويستغفر له مع شكاسته عليه وقوله: لأرجمنك» 138.
«والحليم: الصفوح عمن سبه أو ناله بالمكروه، كما قال لأبيه عند وعيده وقوله: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [مريم:٤٦-٤٧]139، فهي صفة ثابتة فيه.
أما الآية الثانية فقد وردت في قصته عليه السلام مع الملائكة ومحاورته معهم في قصة هلاك قوم لوط عليه السلام بعد البشرى بإسحاق ويعقوب عليهما السلام، فجاءت الآية لتبين أن إبراهيم عليه السلام حليم «غير عجول على كل من أساء إليه أواه كثير التأوه من الذنوب، منيب تائب راجع إلى الله بما يحب ويرضى.
وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة، فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب، ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والإنابة كما حمله على الاستغفار لأبيه» 140، فقدم المدح بـالحلم لأنها «صفة تقتضي الصفح واحتمال الأذى» 141.
ثم أعقبها في المدح بـ(ﭿ) «وهو كناية عن شدة اهتمامه بهموم الناس»142.
ثم ختم بذكر الإنابة مدحًا للخليل عليه السلام التي تعني الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة وإخلاص العمل، «وهذا مدح عظيم من الله تعالى لإبراهيم عليه السلام » 143.
وهذه الصفات هي كذلك في كل الأنبياء.
مدح الله تعالى يوسف عليه السلام على لسان عزيز مصر: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [يوسف:٥٤].
فمدحه بقوله: (ﭱ ﭲ)، وهي «كلمة جامعة لكل ما يحتاج إليه من الفضائل والمناقب، وذلك لأنه لا بد في كونه مكينًا من القدرة والعلم. أما القدرة، فلأنه بها يحصل المكنة. وأما العلم، فلأن كونه متمكنًا من أفعال الخير لا يحصل إلا به، إذ لو لم يكن عالمًا بما ينبغي وبما لا ينبغي لا يمكنه تخصيص ما ينبغي بالفعل، وتخصيص ما لا ينبغي بالترك، فثبت أن كونه مكينًا لا يحصل إلا بالقدرة والعلم. أما كونه أمينًا، فهو عبارة عن كونه حكيمًا لا يفعل الفعل لداعي الشهوة، بل إنما يفعله لداعي الحكمة، فثبت أن كونه مكينًا أمينًا يدل على كونه قادرًا، وعلى كونه عالمًا بمواقع الخير والشر والصلاح والفساد، وعلى كونه بحيث يفعل لداعي الحكمة لا لداعية الشهوة، وكل من كان كذلك فإنه لا يصدر عنه فعل الشر والسفه»144.
مدح الله تعالى موسى عليه السلام فجمع له بين الرسالة والكرم، فقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الدخان:١٧].
فالله تعالى أكرمه بالاصطفاء والرسالة فهو «كريم على الله وعلى عباده المؤمنين أو كريم في نفسه؛ لأن الله لم يبعث نبيًّا إلا من سراة قومه وكرامهم» 145، ومدح موسى نفسه بالجمع بين الرسالة والأمانة.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الدخان:١٨].
أي: إني رسول إليكم مؤتمن على الوحي غير متهم، أدعوكم وأنصح لكم لما فيه خيركم وسعادتكم، فاسمعوا مني. وبهذا المدح يجمع له الكرم والأمانة في رسالته ودعوته، وهي من مقومات المدح في شخصية موسى عليه السلام، وهي كذلك في كل الأنبياء.
مدح الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم غاية المدح، فقال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة:١٢٨].
أي: «(ﮬ ﮭ ﮮ) أي: كريم عظيم (ﮯ ﮰ) عدناني قرشي هاشمي مطلبي، تعرفون نسبه وصدقه وأمانته (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) أي: يشق عليه ما يشق عليكم ويؤلمه ما يؤلمكم؛ لأنه منكم ينصح لكم نصح القومي لقومه (ﯖ ﯗ) أي: على هدايتكم وإكمالكم وإسعادكم (ﯘ) منكم ومن غيركم من سائر الناس (ﯙ ﯚ) أي: شفوق عطوف يحب رحمتهم وإيصال الخير لهم»146.
فالآية كلها في إثبات صفات المدح في كونه رسولًا من أشرف وأفضل الناس، و«لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (ﯙ ﯚ)» 147.
وبهذا تكون الآية قد جمعت خمس صفات في المدح والثناء عليه صلى الله عليه وسلم.
ومدح أيضًا باللين، فقال: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [آل عمران:١٥٩].
وقال لموسى وهارون عليهما السلام (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦw ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [طه:٤٣- ٤٤].
مدح الله تعالى الرسول بأنه صاحب الخلق العظيم فقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب:٢١].
وقال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القلم: ٤].
ففي الآية الأولى: المدح والثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم في جعله منار الأسوة والاقتداء، وفيها نكتتان بلاغيتان أشار إليهما الزمخشري بقوله: «فيه وجهان:
أحدهما: أنه في نفسه أسوة حسنة، أي: قدوة.
والثاني: أن فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها وتتبع، وهي المواساة نفسها» 148.
قال ابن كثير: «هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله»149.
وفي العدول عن الاسم الصريح (محمد) إلى الكناية (رسول الله) تشريفٌ وتكريمٌ وتعظيمٌ للممدوح صلى الله عليه وسلم، وفي حسن ختام الآية عبرة وموعظة في جعل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم غاية في حياة المؤمنين؛ لذا علقها بذكر الآخرة.
أما الآية الثانية ففيها التأكيد والبيان على أهم ما يمدح به صلى الله عليه وسلم، فقد وصفه الله بأكرم ما يوصف به إنسان من خلقه، «وكلمة على للاستعلاء، فدل اللفظ على أنه مستعل على هذه الأخلاق ومستولٍ عليها، وأنه بالنسبة إلى هذه الأخلاق الجميلة كالمولى بالنسبة إلى العبد وكالأمير بالنسبة إلى المأمور»150.
فهو مدح عظيم وثناء جليل وشهادة عظيمة من الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم «أي: وإنك يا محمد لعلى أدب رفيع جم وخلق فاضل كريم، فقد جمع الله فيك الفضائل والكمالات يا له من شرف عظيم، لم يدرك شأوه بشر، فرب العزة جل وعلا يصف محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف الجليل (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القلم:٤]وقد كان من خلقه صلى الله عليه وسلم العلم والحلم وشدة الحياء وكثرة العبادة والسخاء والصبر والشكر والتواضع والزهد والرحمة والشفقة وحسن المعاشرة والأدب إلى غير ذلك من الخلال العلية والأخلاق المرضية»151.
ومن هنا يتبين مدح الله تعالى للأنبياء والمرسلين، فقد جمعوا كل المقومات الشخصية وكل كمال بشري.
ثالثًا: مدح الكتب السماوية:
من رحمة الله أن أرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب السماوية المقدسة، ومما صرح القرآن الكريم بذكره: صحف إبراهيم عليه السلام، والزبور لداود عليه السلام، والتوراة لموسى عليه السلام، والإنجيل لعيسى عليه السلام، والقرآن الكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم، واقترن المدح للتوراة والإنجيل في تسعة مواضع152؛ وذلك لإقامة الحجة على أهل الكتاب، وتقريرًا للإيمان بنزول القرآن الكريم، ودعوة للإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم.
جاء مدح التوراة في القرآن الكريم، وذلك تعظيمًا لما فيها.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المائدة:٤٤].
فَمَدَحَها بـ(هدى ونور) تشريفًا وتكريمًا لمن آمن وصَدَّقَ بها، وكذلك مدحها بـ (الإمام والرحمة) في قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأحقاف:١٢].
لما فيها من تفصيل الشريعة، ومدح ما فيها من الأحكام والآيات بكونها تامَّةً في قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الأنعام:١٥٤].
ورد ذكر الإنجيل تصريحًا في القرآن الكريم في اثني عشر موضعًا 153، فورد مقترنًا مع الكتب السماوية، إلا أن أكثر اقترانه مع التوراة. وقد خص الله تعالى الإنجيل بالمدح بكونه (هدى ونور) في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة:٤٦].
ومدحه بالذكر مع التوراة كما في قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المائدة:١١٠].
ومدح بتضمنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف:١٥٧].
ومدح الله فيه الأمة المحمدية في قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الفتح:٢٩].
واقترن ذكر المسيح عليه السلام مع الإنجيل تعظيمًا لما أرسل به وإكرامًا للمرسل بها، كما في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الحديد:٢٧].
ورد المدح بلفظ (القرآن) في ثمانٍ وخمسين موضعًا 154، وأكثر ورود المدح له في مطلع السور القرآنية، وأكثر وقوعه بعد الحروف المقطعة، فالغالب أن «كل سورة في أوائلها حروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن؛ كقوله تعالى: (ﭑ" ﭓ ﭔ) [البقرة:١ -٢].
(ﭑ" ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ* ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران:١- ٣].
والحكمة في افتتاح السور التي فيها القرآن أو التنزيل أو الكتاب بالحروف هي أن القرآن عظيم، والإنزال له ثقل والكتاب له عبء كما قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المزمل:٥]» 155.
ووصفه الله تعالى بالبركة كما في قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأنعام:١٥٥].
والليلة التي نزل فيها مباركة قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الدخان:٣].
ومدحه بأنه أحسن القصص فقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يوسف:٤].
وقد اختار الله عز وجل لكتابه العزيز صفات تدل على شرفه وعلو قدره وفيها البرهان على أنه أعظم كتاب سماوي، أشملها صفة (المهيمن) في قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة:٤٨].
«فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم، الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلها وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر:٩]»156.
وخَصَّهُ مدحًا في أم الكتاب كما في قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الزخرف:٤].
فالله تعالى «بين شرفه في الملأ الأعلى، ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض»157.
وهذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه، فهو كتاب قد نزل بالحق ولإحقاق الحق.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الإسراء:١٠٥].
فالآية مدح للقرآن بأنه نزل متضمنًا للحق، ففيه أمر بالعدل والإنصاف ومكارم الأخلاق، ونهى عن الظلم والأفعال الذميمة، وذكر براهين الوحدانية وحاجة الناس إلى الرسل، لتبشيرهم وإنذارهم وحثهم على صالح الأعمال، انتظارًا ليوم الحساب والجزاء، وقد نزل هذا القرآن محفوظًا محروسًا لم يشب بغيره، فلم يزد فيه ولم ينقص.
وقد ورد التنويه بذكره في كتب السابقين قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الشعراء:١٩٦].
قال ابن كثير: «وإن ذكر هذا القران والتنويه به لموجود في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه»158.
ومدح على لسان الجن بقولهم: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ. ﭟ ﭠ ﭡ) [الجن:١-٢].
فهو مدح يدل على استمرار الهداية لكل زمان ومكان ودعوة إلى الحق والإيمان.
رابعًا: مدح بعض أهل الكتاب:
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمراد بـالكتاب التوراة والإنجيل، قال الله تعالى في مدح من آمن منهم: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الإسراء:١٠٧].
«قال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل الله على محمد قالوا: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الإسراء:١٠٨]» 159.
ونجد آيات المدح لخيرة أهل الكتاب في قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [آل عمران:١٩٩].
ففي هذه الآية «يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، وبما أنزل على محمد، مع ما يؤمنون به من الكتب المتقدمة، وأنهم خاشعون لله، أي: مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه، (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: لا يكتمون بأيديهم من البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذكر صفته ونعته ومبعثه وصفة أمته، وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم، سواء كانوا هودًا أو نصارى»160، فهو «مدح لهم وذم لسائر كفار أهل الكتاب»161.
وقد ورد المدح في القرآن الكريم لبعض الصفات الحميدة التي تحلى بها بعض أهل الكتاب، ومن هذه الصفات:
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ) [المائدة:٦٦].
«أي: عادلة. والاقتصاد: الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير. أصله من القصد؛ لأن من عرف مقصودًا طلبه من غير اعوجاج عنه. والمراد بالأمة المقتصدة: من آمن من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي وأصحابه الذين أسلموا»162 رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [آل عمران:٧٥].
«أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة، والقنطار عبارة عن المال الكثير، والدينار عبارة عن المال القليل، يقول: منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت»163.
قال تعالى: (ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ١١٣-١١٤].
ففي هذه الآية «أخبر جل ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب، هم من عداد الصالحين؛ لأن من كان منهم فاسقًا، قد باء بغضب من الله لكفره بالله وآياته، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وعصيانه ربه واعتدائه في حدوده»164.
وممن خُصَّ بالمدح من أهل الكتاب
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف:١٥٩].
«أي: يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم بقضاياهم، كما قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [السجدة:٢٤].
وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه السلام، وأن الله تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره»165.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة:٨٢].
هذه الآية نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعةٍ من الحق مما جاء به عيسى، يؤمنون به وينتهون إليه. فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم صدقوا به وآمنوا به، وعرفوا الذي جاء به أنه الحق، فأثنى عليهم 166.
قال القاضي أبو يعلى: «وربما ظنَّ جاهل أنَّ في هذه الآية مدح النصارى، وليس كذلك، لأنه إنما مدح من آمن منهم » 167.
«ولم يصف الله تعالى النصارى بأنهم أهل ود، وإنما وصفهم بأنهم أقرب من اليهود والمشركين فهو قرب مودة بالنسبة إلى متباعدين»168.
ثم بين سبب المدح مفصلًا بقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) فالآية «تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) أي: مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) أي: مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به»169.
ورد ذكر الحواريين في القرآن الكريم في خمسة مواضع 170.
قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [الصف:١٤].
والحواريون أتباع عيسى عليه السلام وأصفياؤه، وهم أول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلًا171، وفي خطابهم وتخصيصهم مدح لهم وثناء عظيم عليهم.
خامسًا: مدح المؤمنين:
مدح الله تعالى المؤمنين من أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة، منها؛ قوله: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [البقرة:١٦٥].
«أي: من أهل الأنداد لأندادهم، لأنهم أخلصوا محبتهم له، وهؤلاء أشركوا بها، ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة، الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئًا، ومحبته عين شقاء العبد وفساده، وتشتت أمره»172.
وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران:١١٠].
«وما أخرج الله تعالى للناس أمة خيرًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم مدحهم بما فيهم من الخصال فقال: (ﭣ ﭤ) الآية» 173، وكذلك مدحهم في الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [الفتح:٢٩].
وأولى المؤمنين بالمدح الصحابة رضي الله عنهم، فقد مدحهم القرآن الكريم بسبقهم إلى الإيمان.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة:١٠٠].
وقال في مدحهم أيضًا: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ¶ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحشر:٨- ٩].
وكما ورد المدح لمؤمني الإنس ورد كذلك لمؤمني الجن؛ فقد مدحهم الله تعالى بحسن استماعهم للقرآن الكريم حتى الفراغ من قراءته وقيامهم بالدعوة إلى الإسلام.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأحقاف:٣٠].
فالإنصات من علامات التدبر والفهم، وهي من أخلاق حملة القرآن، ومدح قولهم في القرآن في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ. ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الجن:١-٢].
فقد «حصل لهؤلاء النفر من الجن شرف المعرفة بالله وصفاته وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق القرآن وما احتوى عليه ما سمعوه منه فصاروا من خيرة المخلوقات»174.
لقد مدح الله تعالى المؤمنين بما يمتازون به من خصائص تميزهم، فهم أهل لمدح الله لهم والثناء عليهم، وقد سرد القرآن الكريم الصفات القويمة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، وهي في ذاتها تجلب المدح والثناء لمن امتثل بها.
وقد جاءت الآيات القرآنية تبين حب الله لعباده المؤمنين المتصفين بهذه الصفات الحسنة؛ والتي منها:
وغيرها من الصفات الحسنة والأخلاق الكريمة.
المقصد من مدح الله تعالى نفسه في القرآن الكريم هو تعليم عباده كيف يمدحوه؛ لأن الخلق حينما يمدحون الخالق سبحانه وتعالى يثيبهم، فينتفعون، لا لينتفع هو بالمدح، والهدف من مدح الصفات الحسنة هو شحذ الهمم في امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، والازدياد والاستمرار في الفعل الحسن والخلق الكريم.
النفس الإنسانية مفطورة على حب المدح الصادق؛ لما له من تأثير قوي فيها، وحثها على فعل الخير وعمل الصالحات، ولأن الإسلام جعل من أولى اهتماماته: الاهتمام بترسيخ قواعد المجتمع المسلم وبنائه من خلال منهج شامل يهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع، ولما كان للمدح أهميته في ترسيخ هذه القواعد، اهتم الإسلام به اهتمامًا كبيرًا، فكان لمدح القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أثر كبير في توجيههم وتحسين سلوكهم وإشاعة روح المودة بينهم.
والناظر في آيات القرآن الكريم يجد أنه في كثير من آياته يحث على التحلي بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة التي تجلب المدح والثناء لصاحبها.
قال تعالى في مطلع سورة المؤمنون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون:١-١١].
ففي هذه الآيات «تنويه من الله، بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك، وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الآيات، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان، زيادة ونقصًا، كثرة وقلة»175.
ففلاح المؤمن موقوف على اتصافه بتلك الصفات السامية العالية القدر، العظيمة الأثر فى حياته الروحية، وكمالاته النفسية.
وقال تعالى في صفات عباد الرحمن: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ) [الفرقان:٦٣-٦٨].
إلى آخر الآيات. قال ابن كثير: «لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من هذه الصفات الجميلة، والأفعال والأقوال الجليلة قال بعد ذلك كله: (ﮱ) أي: المتصفون بهذه (ﯓ) أي: يوم القيامة (ﯔ) وهي الجنة. قال أبو جعفر الباقر، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي: سميت بذلك لارتفاعها. (ﯕ ﯖ) أي: على القيام بذلك (ﯗ ﯘ) أي: في الجنة (ﯙ ﯚ) أي: يبتدرون فيها بالتحية والإكرام، ويلقون فيها التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار»176.
وقال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [المعارج:١٩-٣٥].
٤- قوله تعالى: (ﭑ" ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ' ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [العصر:١-٣].
وغير ذلك.
وهكذا يذكر الله تعالى صفات المؤمنين لينبهنا إلى أن نرجع إلى أنفسنا ونمتحنها بهذه الأعمال والصفات، فإن رأيناها تحتمل فلنبشرها بالرضوان من الله تعالى، وإلا فعلينا أن نسعى لتحصيل هذه المرتبة التي لا ينجي عنده غيرها.
ونستطيع أن نخلص من ذلك: أن مدح القرآن هو المدح الحق الصادق، وأن الهدف منه شحذ الهمم في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، والازدياد والاستمرار في الفعل الحسن والخلق الكريم.
موضوعات ذات صلة: |
الحمد، الذم، الشكر، المحبة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٠٨.
2 الصحاح ١/٤٠٣.
3 المصدر السابق١/٤٠٤.
4 التعريفات، الجرجاني ص١١٦.
5 الكليات، الكفوي ص٨٥٧.
6 التعريفات، الجرجاني ص٧٢.
7 انظر: شمس العلوم، نشوان الحميري ٢/٨٩٥.
8 الكليات، الكفوي ص٣٢٤.
9 الفروق اللغوية، العسكري ص١٥٠.
10 لسان العرب، ابن منظور ١٤/١٠٨.
11 المفردات، الراغب ص٥١٢.
12 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٩١، مختار الصحاح، الرازي ص٢١٢.
13 انظر: المفردات، الراغب ص٣٧٢، مختار الصحاح، الرازي ص٢١٢.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٠٠.
15 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/٩٣.
16 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٣١.
17 بدائع الفوائد ٢/٩٣.
18 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/١٠.
19 مختار الصحاح، الرازي ص٣٤٤.
20 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٢٩٢، جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٧٣٢، الصحاح، الجوهري ٢/٧٠٢، المخصص، ابن سيده ٣/٤٢٤.
21 مدارج السالكين ٢/٢٤٤.
22 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٠٠.
23 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/١٩٢٥.
24 انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، الغنيمان ٢/٤٠١.
25 انظر: العين، الفراهيدي ٤/٦٥، لسان العرب، ابن منظور ١٥/٣٥٣.
26 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٤٣.
27 انظر: الكليات، الكفوي ص٩٦٠.
28 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٤٣.
29 لباب التأويل، الخازن ١/١٩.
30 نظم الدرر ١/٢٨.
31 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١١٠.
32 التحرير والتنوير ٢٨/١١٧.
33 انظر: السراج المنير، الخطيب الشربيني ٤/١٠٥.
34 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير باب قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، رقم ٤٦٣٤، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، رقم ٢٧٦٠.
35 عمدة القاري، العيني ١٨/٢٢٨.
36 تفسير القرآن العظيم ٦/٢٣٥.
37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، ١/٣٥٢، ٤٨٦.
38 مدارج السالكين ٢/١١٨.
39 طريق الهجرتين وباب السعادتين ص٩.
40 انظر: محاسن التأويل ٨/٢١٤.
41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٣٦.
42 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٦٩.
43 جامع البيان ٢٠/٢٧٧.
44 البحر المحيط، أبو حيان ٥/٨٢.
45 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٤١٩.
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٣٤.
47 معالم التنزيل، البغوي ٦/٣٦١.
48 انظر: المفردات، الراغب ص٣٤.
49 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٥٥١.
50 نظم الدرر، البقاعي ١٦/٣٧٧.
51 الفواتح الإلهية، الجمل ٢/٢٨٥.
52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢١٩.
53 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٧٣.
54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢١٩.
55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٨.
56 الفوائد ص٧٥.
57 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٦/١٦٩.
58 أخرجه الحاكم في المستدرك ٣٣٧١، ٢/٣٩٢. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
59 معالم التنزيل، البغوي ١/٧١٥.
60 المصدر السابق ١/٢٠٦.
61 فتح القدير، الشوكاني ٣/٩٤.
62 عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ابن القيم ص٣٤.
63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم ٢٢٣، ١/٢٠٣.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، رقم ٦٤٧٠، ٨/٩٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، ١٠٥٣، ٢/٧٢٩ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
65 الأسباب المفيدة في اكتساب الأخلاق الحميدة، محمد الحمد ص١٧.
66 انظر: تفسير القرآن العظيم ٢/١٢٢.
67 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٩/٢٩٦.
68 الكشاف، الزمخشري ٤/٥٣.
69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله، رقم ١٧، ١/٤٨.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم ٦١١٤، ٨/٢٨.
71 التمهيد ٦/٣٢٢.
72 الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض ١/٢٣٠.
73 تفسير القرآن العظيم ١/٧٠٧.
74 مفاتيح الغيب ٧/٧٠.
75 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٨٧.
76 أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد، رقم ٢٦٨١، ٣/١٨٠.
77 انظر: خلق المسلم، محمد الغزالي ص٤٧.
78 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٤٧٤.
79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٨٥.
80 المصدر السابق ٤/٨٠.
81 تفسير المراغي ٢٠/٥١.
82 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦١٤.
83 تفسير القرآن العظيم ٧/٤٤٤.
84 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، رقم ١٦٢، ١/١٤٥، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
85 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٠٧.
86 المصدر السابق ٧/٤٣٥٧.
87 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٨٣.
88 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٩٥.
89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٣.
90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٥٠.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ٤/١١٨، رقم ٣٢٤٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة، ٤/٢١٧٤، رقم ٢٨٢٤.
92 اللباب، ابن عادل ٦/٤٧٥.
93 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/١١٦.
94 محاسن التأويل، القاسمي ٦/١٩٢.
95 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤٥١.
96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ٥٠٠٢، ٦/١٨٧.
97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب إذا زكى رجل رجلًا كفاه، رقم ٢٦٦٢، ٣/١٧٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح، إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح، رقم ٣٠٠٠، ٤/٢٢٩٦.
98 ديوان حسان بن ثابت الأنصاري ص٢٦١.
99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رقم ٣٦٩٢، ٥/١٢.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم باب الريان للصائمين، رقم ١٨٩٧، ٥/١١، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
101 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٩/٢٥٥.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب، رقم ٣٦٨٣، ٣/٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، رقم ٢٣٩٦، ٤/١٨٦٣، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
103 فتح الباري ١٠/٥٣٩.
104 معالم التنزيل، البغوي ٦/١١٨.
105 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره، رقم ٢٦٤٢، ٤/٢٠٣٤.
106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب فضل قيام الليل، رقم ١١٢١، ٢/٤٩، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمر، رقم ٢٤٧٩، ٤/١٩٢٧، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
107 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٣٢.
108 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البر والصلة باب ما جاء في الكبر، رقم ٢٠٠٠، ٤/٣٦٢.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
109 تحفة الأحوذي، المباركفوري ٦/١١٧.
110 إغاثة اللهفان ١/١٢٢.
111 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح، إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح، رقم ٣٠٠٢، ٤/٢٢٩٧.
112 فتح الباري، ابن حجر ١٠/٥٣٩.
113 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب ما يكره من الإطناب في المدح وليقل ما يعلم، رقم ٢٦٦٣، ٣/١٧٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح، إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح، رقم ٣٠٠١، ٤/٢٢٩٧.
114 شرح السنة، البغوي ١٣/١٥١.
115 عمدة القاري ١٦/٣٧.
116 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا)، رقم ٣٤٤٥، ٤/١٦٧.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، رقم ٤٠٠١، ٥/٨٢.
118 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم ٧٦٠، ص٢٦٧، والنسائي في سننه، كتاب عمل اليوم والليلة، باب النهي عن أن يقال للمنافق: سيدنا، رقم ١٠٠٠٢، ٩/١٠١.
119 شرح صحيح مسلم، النووي ١٨/١٢٦.
120 المفردات، الراغب ص٤٧٣.
121 معالم التنزيل، البغوي ٨/٣٦٧.
122 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٧٧١-٧٧٢.
123 انظر: البرهان في علوم القران، الزركشي ٢/٤٦٨.
124 روح المعاني، الألوسي ١٠/١١٩.
125 تفسير القران العظيم ٦/١٦٢.
126 غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري ١/٣٣٠.
127 روح المعاني ٧/٤٦٧.
128 المفردات، الراغب ص٤١٩.
129 تفسير القران العظيم، ابن كثير ٢/٢٨٤.
130 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٢٨١.
131 المصدر السابق ٢/٤٠٧.
132 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٤٧٥.
133 أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٢١٥.
134 تفسير القرآن العظيم ٦/٩٢.
135 المصدر السابق ٦/٤٢٧.
136 المصدر السابق ٦/١٥١.
137 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٨.
138 الكشاف، الزمخشري ٢/٣١٥.
139 معالم التنزيل، البغوي ٤/١٠٣.
140 الكشاف، الزمخشري ٢/٤١٢.
141 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٢٣.
142 المصدر السابق ١٢/١٢٣.
143 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٣٧٧.
144 المصدر السابق ١٨/٤٧٢.
145 الكشاف، الزمخشري ٤/٢٧٤.
146 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٤٤٢.
147 الكشاف، الزمخشري ٢/٣٢٥.
148 المصدر السابق ٣/٥٣١.
149 تفسير القران العظيم ٦/٣٩١.
150 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٠١.
151 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٤٠١.
152 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص١٩٤.
153 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص٧٨٣.
154 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص٦٤٩.
155 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٢٤.
156 تفسير القران العظيم، ابن كثير ٣/١٢٨.
157 المصدر السابق ٧/٢١٨.
158 تفسير القران العظيم ٦/١٦٣.
159 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٧٨.
160 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٩٣.
161 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥٥٩.
162 لباب التأويل، الخازن ٢/٦٢.
163 معالم التنزيل، البغوي ٢/٥٦.
164 جامع البيان، الطبري ٧/١٣٠.
165 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠٥.
166 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٥٠١.
167 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٥٧٥.
168 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٢٦.
169 تفسير القرآن العظيم ٣/١٦٨.
170 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص٢٧١-٢٧٢.
171 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢١٠.
172 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٩.
173 الوجيز الواحدي ص٢٢٧.
174 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٢١.
175 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٤٧.
176 تفسير القرآن العظيم ٦/١٢٣.