عناصر الموضوع

مفهوم المحبة

المحبة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع المحبة

صفات تستوجب حب الله للعبد

آثار المحبة ونتائجها

المحبة

مفهوم المحبة

أولًا: المعنى اللغوي:

أصل المحبة مأخوذ من حبب التي هي بمعنى اللزوم والثبات، ومنه يقال: أحبه حبا ومحبة إذا لزمه1.

والحب: نقيض البغض. والحب: الوداد والمحبة2.

والحب: المحبة، وكذلك الحب بالكسر 3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الراغب: المحبة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا 4.

وقال الكفوي: الحب: هو عبارة عن ميل الطبع في الشيء الملذ5.

فتكون العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي علاقة اللازم بالملزوم، فالمحبة انفعال نفسي يلزم منه ويعقبه الميل والانجذاب إلى المحبوب6، والله أعلم.

المحبة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (حبب) في القرآن الكريم (٨٣) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٦

( ﭿ ) [الحجرات:٧]

الفعل المضارع

٦٣

( ) [القيامة:٢٠]

المصدر

١٠

( ) [العاديات:٨]

أفعل التفضيل

٣

( ) [يوسف:٣٣]

اسم

١

( ) [المائدة:١٨]

وجاءت المحبة في الاستعمال القرآني على ثلاثة أوجه8:

الأول: الإيثار: ومنه قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [ص: ٣٢]. يعني: آثرت حب الخير.

الثاني: المودة: ومنه قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [آل عمران: ٣١].

الثالث: القلة: ومنه قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الإنسان: ٨]. يعني: على قلته.

الألفاظ ذات الصلة

الشغف:

الشغف لغة:

أن يبلغ الحب شغاف القلب، وهو جلدة دونه9.

الشغف اصطلاحًا:

احتراق القلب بالحب مع لذة يجدها10.

الصلة بين الشغف والمحبة:

علاقة الأعم بالأخص إذ الشغف محبة خاصة.

الخلة:

الخلة لغة:

(الخليل) الصديق، والجمع (أخلاءٌ)11.

وهي أخص من الأخوة12.

الخلة اصطلاحًا:

أخوة خاصة لأخ معين من بين سائر الإخوان لشدة الموافقة بينه وبين أخيه. قال ابن القيم: وهي أعلى مراتب المحبة13.

الصلة بين الخلة والمحبة:

العلاقة بين المحبة والخلة علاقة الأعم بالأخص؛ إذ الخلة مودة خاصة خالصة، وهي أعلى مراتب المحبة.

أنواع المحبة

أولًا: المحبة المباحة:

ورد لفظ الحب في القرآن والسنة بكل جوانبه الطبعية والشرعية، فالجوانب الفطرية أو الطبعية مثل حب الآباء والأبناء والأزواج وحب المال وسائر الشهوات.

قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [آل عمران: ١٤].

وقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الفجر: ٢٠].

وقال: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [العاديات: ٨].

وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [القيامة: ٢٠].

والمحبة الفطرية هي التي يحب فيها الإنسان الشيء بمقتضى فطرته، كمحبته للنوم، والطعام والشراب، والمال والولد، والوطن. وفي الحديث الذي أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل)14.

وأخرج عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حب المال، وطول العمر)15.

هذه هي المحبة الفطرية الجبلية كما وردت في النصوص الشرعية.

ويقول تعالى: ( ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الأعراف: ٣٢].

فمعنى هذا أن الإسلام يعترف بالواقع النفسي للإنسان، ويقره على هذا الواقع، أن لديه نزعات فطرية نحو هذه الشهوات من مال وبنين ونساء وما شابه ولم يأت الإسلام ليستأصل هذه النزعات من كيان الإنسان، وإنما جاء ليهذبها، وليحول دون انفلاتها، لكنها محترمة لدى الإسلام، هذه النزعات لا ينظر إليها الإسلام بازدراء أو احتقار، عاطفة الإنسان، مشاعر الإنسان؛ لأن الإسلام دين الفطرة كما جاء في القرآن الكريم: ( ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الروم: ٣٠].

فكيف يكون دين الفطرة ثم يحتقر هذه النزعات الفطرية لديك؟! إنما هناك ضوابط لهذه النزعات، أن تحب المال فليس هذا منكرا في الإسلام، لكن كيف تجمع هذا المال؟ وكيف تكسبه؟ وكيف تنفقه؟ المهم، نريد أن نركز على جانب واحد.

إن الإسلام دين سمح يعترف بعواطف الناس ومشاعرهم، ولا يصدمها، فهو لا يصدم الفطرة، ولا يصدم العقل، ولا يصدم المشاعر، دين يتطابق مع الفطرة.

والمحبة الشرعية هي التي أمر الشارع بها أمر وجوب أو استحباب، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)16.

والمحبة العقلية وهي يميل إليها ويقرر حسنها كما تقول: (الكرم محبوب) أي أن العقول تقر أن الكرم والنظافة والقوة محبوبة لدى الإنسان، وكما تقول للكافر: أحب فيه الحلم والصبر، أي أنك تحب الأوصاف الموجودة فيه محبة عقلية، لا شرعية، ولا فطرية.

وإن كان يظهر بادئ الأمر أن بينهما تلازمًا، لكن في حقيقة الأمر أنه ليس بينهما تلازم، بل بينهما تداخل، والفرق بينهما أن المحبة الفطرية قد تكون موجودة، لكن تتخلف المحبة العقلية، كمن أحب المال وبخل به محبة فطرية، ويعلم هو بعقله حسن الكرم والجود، ولكن غلبت محبته الفطرية محبته العقلية، وكذلك العكس يكون محبة النساء والبنين وغير ذلك، وهذا نوع لا يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله، ولا يخرج من الإسلام، وذلك مثل محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فيحبها الإنسان محبة شهوة، كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء ونحو ذلك. وحتى نفرق بين الحب في الله وبين المحبة مع الله في هذا النوع الثاني فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يحبها لله، أي: أن يحب المال والنساء ونحو ذلك لله، توصلًا بها إليه، واستعانة على مرضاته وطاعته، فهذه يثاب عليها، وهي من قسم الحب لله؛ ولذا يثاب عليها ويلتذ بالتمتع بها، وهذه حال أكمل الخلق الذي حبب الله إليه من الدنيا النساء والطيب وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك في الحديث الصحيح17، وكانت محبته لها عونًا له على محبة الله وتبليغ رسالته والقيام بأمره، وهذا يدخل فيه ما يشبهه، مثل: محبة النكاح لمن أراد العفاف، ومثل أن يأكل الإنسان الأكلة يتقوى بها على طاعة الله، ومثل أن ينام النومة ليستعين بها على الصلاة وعلى عبادة الله في الليل، وغير ذلك من الأمور، فتتحول هذه الأمور المحببة إلى النفس إلى نوع عبادة وطاعة؛ لأنها تؤدي إلى ما يحبه الله تبارك وتعالى ويرضاه.

القسم الثاني: أن يحب هذه الأمور لموافقة طبعه وهواه وإرادته، ولكنه لم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه، بل نالها بحكم النيل الطبيعي، فهذه تكون من قسم المباحات ولا يعاقب عليها، ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه بمقدار ما يغلو في هذه الأمور، أي أنه إذا زاد فيها عن الأمر المعتاد فربما ينقص حبه لله أو محبته في الله بقدر غلوه وزيادته في تلك الأمور، وهذا أمر مشاهد، فإن من تعلق بالدنيا أو تعلق بالنساء فلابد أن ينقص من محبته لله والمحبة في الله بمقدار ما زاد من ذلك التعلق.

القسم الثالث: أن تكون هذه الأمور التي ذكرناها آنفًا هي مقصوده ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها، وتقديمها على ما يحبه الله ويرضاه، ففي هذه الحالة تكون له حالتان:

الأولى: أن يقدمها على ما يحبه الله في أصول الدين وأصول العبادة، مثل أن يقدم المال على عبادة الله، أو يقدم محبته للنساء على عبادته لله تبارك وتعالى مثل الصلاة ونحوها، فهذه قد تذهب بأصل دينه.

الثانية: أن يقدمها بحيث تؤثر على عباداته لله، لكن لا يقدمها بالكلية، مثل أن تشغله دنياه عن المحافظة على الصلاة في أوقاتها أو نحو ذلك من العبادات، ففي هذه الحالة يتحول صاحبها إلى أن يكون ظالمًا لنفسه مقصرًا عاصيًا، ولكنها لا تخرجه عن دائرة الإيمان18.

إذا علمنا هذا تبين لنا أن المحبة الفطرية مما تألفه النفس فطرة، فلو أبعد الإنسان مثلًا عن موطنه حن إلى عبق ريحه وسحر جباله ووهاده، وتذكر ماضيه، واعتصر القلب إلى أطلاله ورؤية ترابه، وهو نوع من المحبة الفطرية.

لذلك كان من عظيم فضل الله تعالى أن جعل جزاء من يموت في الهجرة الجنة.

قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ١٠٠].

يقول المفسرون: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ) أي: الجنة19.

بل جعل الله تعالى من أسباب قتال العدو الإخراج من الديار والوطن، كما قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة: ٢٤٦].

فجاء التعبير عن حب الوطن (حبًّا فطريًّا) كعزة ماله وولده أحيانًا لديه.

ولذلك جعل الشرع من مصارف الزكاة المسافر المنقطع به، كما قال تعالى: (ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٧٧].

وإن كان غنيًّا في وطنه فيصرف له وقت انقطاعه حتى يعود؛ رعاية لجانب الغربة التي هي مظنة المشقة، كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه)20.

وعلة السفر موجودة في فراق الوطن، وكما قال أهل العلم: مفارقة المألوفات أشد المكروهات.

ثانيًا: المحبة المحمودة:

وللمحبة المحمودة صور كثيرة، منها:

  1. محبة الله تعالى.

    وهذا من أعظم الواجبات، فقد جاء لفظ الحب في القرآن والسنة لبيان حب الله لعباده المؤمنين في مثل قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [المائدة: ٥٤].

    وقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٢٢].

    وقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤].

    فإن الله تعالى أوجب علينا ذلك وتوعد من خالف فيه بقوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [التوبة: ٢٤].

    فنحن مأمورون بحب الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه)21.

    يقول مصطفى السباعي: «من أنست نفسه بالله لم يجد لذة في الأنس بغيره، ومن أشرق قلبه بالنور لم يعد فيه متسع للظلام، ومن سمت روحه بالتقوى لم يرض إلا سكنى السماء، ومن أحب معالي الأمور لم يجد مستقرًّا إلا الجنة، ومن أحب العظماء لم يقنعه إلا أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أدرك أسرار الحياة لم ير جديرًا بالحب حق الحب إلا الله تبارك وتعالى»22.

    فمن عرف الله تعالى أحب الله، وعلى قدر معرفته بالله يكون حبه لله، ولهذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حبًا لله؛ لأنه كان أعرفهم بالله، يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا أعلمكم بالله)23.

    يقول الحسن البصري: «من عرف ربه أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها، وكيف يتصور أن يحب الإنسان نفسه ولا يحب ربه الذي به قوام نفسه؟!»24.

    والله تعالى يحب، ومن أحبه الله كان مع الله، في معيته، وتحت حفظه وعنايته جل في علاه، قال الله: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ١٢٨].

    ومعية الله تعالى لمن يحب هي معية خاصة يخص بها أحباءه وأولياءه، معية نصر وتكريم، وعناية ورعاية، فضلا عن المعية العامة التي هي معية العلم المحيط الشامل، ففي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)25.

    والله تعالى يحب، ومن أسمائه «الودود»، وقد ذكر لفظ: «الودود» في القرآن الكريم مرتين: في سورة هود حيث يقول تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [هود: ٩٠].

    وفي سورة البروج حيث يقول سبحانه وتعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ) [البروج: ١٤].

    والود: الحب، ومعنى الودود: المحب للمؤمنين الذي يودهم ويودونه، ويحبهم ويحبونه.

    ولا يجعل المؤمن محبة غير الله تعالى فوق محبة الله. فالله تعالى يتوعد من شغلته محبة غيره عن محبته جل في علاه، وأصل العبادة محبة الله، بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته العبودية26: «إن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له، فإن آخر مراتب الحب هو التتيم، وأوله العلاقة؛ لتعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة (لانصباب القلب إليه)، ثم الغرام، وهو الحب الملازم للقلب، ثم العشق، وآخرها التتيم، يقال: تيم الله أي: عبد الله. فالمتيم هو المعبد لمحبوبه»27.

    وهكذا يكون طريق المحبة: أوله أمر إلهي وآخره طاعة لله تعالى واستجابة لأمره.

    وفيما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)28 الحديث.

    وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟) فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أن الله يحبه)29.

    كما ورد ما يثبت حب المؤمنين لربهم عز وجل وذلك كقوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [البقرة: ١٦٥].

    وقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [المائدة: ٥٤].

    وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ) [آل عمران: ٣١].

    وروي (أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : متى الساعة يا رسول الله؟ قال: (ما أعددت لها؟) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: (أنت مع من أحببت)30.

    كيف نحب الله تعالى؟

    إن المتدبر والمتأمل لهذه الآية الكريمة التي صدرنا بها ليشعر بالخوف والرهبة من هذا الوعيد الشديد، ولعل السؤال المطروح كيف نحب الله تعالى؟

    إن القاعدة في عرف البشر أنهم لا يحبون ما لا يعرفون، ويحبون ما يعرفون لا من ينكرون.

    وحب الله تعالى يتحقق بمعرفتنا لله تعالى، فكلما زادت معرفة العبد بربه زاد حبه له، وكلما فكر في نعم الله عليه قوي حبه لربه؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، فالإنسان بعقله يؤمن، وبقلبه يحب، وهل الإنسان إلا عقل يدرك، وقلب يحب!

    وحتى يتحقق حب الله يلزم أن تحب الآخرة، فالدنيا لا يجتمع حبها مع حب الآخرة في قلب واحد؛ ولذا حذرنا منها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا، من ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)31.

    قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المائدة: ٥٤].

    وقال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [البقرة: ١٦٥].

    وفى حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)32.

    وحب الله تعالى هو حياة القلوب، ونعيم الأرواح، وبهجة النفوس، وقرة العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة.

    قال ابن القيم رحمه الله: «المحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله، لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من محبة محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة!!»33.

    والمحبة لا توصف ولا تعرف، إنما يعرفها من وجدها وذاقها، وإنما البحث في أسبابها وموجباتها، وعلامتها، وشواهدها.

    والمتتبع للأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها، يجد أنها عشرة:

    «أحدها: قراءة القرآن بالتدبر، والتفهم لمعانيه، وما أريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد، ويشرحه؛ ليتفهم مراد صاحبه منه.

    الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

    الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان، والقلب، والعمل، والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.

    الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبة الهوى، والتسنم إلى محابه، وإن صعب المرتقى.

    الخامس: مطالعة القلب لأسمائه، وصفاته، ومشاهدتها، ومعرفتها، وتقلبها في رياض هذه المعرفة، وميادينها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، أحبه لا محالة، ولهذا كانت المعطلة، والفرعونية، والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.

    السادس: مشاهدة بره، وإحسانه، وآلائه، ونعمه الظاهرة والباطنه، فإنها داعية إلى محبته.

    السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

    الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي؛ لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب لأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار، والتوبة.

    التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعة لغيرك.

    العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل »34.

    فمن هذه الأسباب العشرة: وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب.

    وملاك ذلك كله أمران: استعداد الروح لهذا الشأن، وانفتاح عين البصيرة.

    أما في علامات المحبة-: فيقول ابن القيم: «تالله، ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد، فلم يرض لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطالون، وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون ثمنًا، فدارت السلعة بينهم، ووقعت في يد من قال الله تعالى عنهم: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٥٤].

    لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوة، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تقبل إلا ببينة، قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٣١].

    فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم في أفعاله، وأقواله، وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة بتزكية.

    قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المائدة: ٥٤].

    فتأخر أكثر المحبين، وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبين، وأموالهم ليست لهم، فهلموا إلى بيعة: قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [التوبة: ١١١].

    فلما عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع، عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأنًا، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي، من غير ثبوت خيار، وقالوا: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك»، فلما تم العقد وسلموا المبيع قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معًا.

    قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ١٦٩].

    إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب، أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى» اهـ35.

    فالمحبة حقيقة العبودية، وإنما تمكن الأعمال الأخرى -من الحمد، والشكر، والخوف، والرجاء، والصبر، والزهد، والحياء، والفقر، والشوق، والإنابة- باستمرار المحبة في القلوب، وهي حقيقة الإخلاص، بل حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله.

  2. محبة الله تعالى للعبد.

    حب الله لعباده صفة من صفاته، منزهة عن مشابهة صفات المخلوقين، ونصوص الكتاب والسنة تؤكد ذلك أتم تأكيد.

    وجمهور السلف على إثبات حب الله لعباده كصفة من صفاته كما يليق بذاته سبحانه، بلا كيف ولا تأويل ولا مشاركة للمخلوق في شيء من خصائصها، كما أنهم يثبتون محبة العباد لربهم محبة حقيقية قلبية.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذه المحبة حق كما نطق بها الكتاب والسنة، والذي عليه سلف الأمة وأئمتها وأهل السنة والحديث، وجميع مشايخ الدين المتبعون، وأئمة التصوف أن الله سبحانه محبوب لذاته محبة حقيقية، بل هي أكمل محبة، فإنها كما قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [البقرة: ١٦٥].

    وكذلك هو سبحانه يحب عباده المؤمنين محبة حقيقية»36.

    ومع وضوح هذا الأمر إلا أن أهل الأهواء والبدع من الجهمية ومن تابعهم من المتكلمين حادوا عن إثبات حب الله لعباده كصفة من صفاته سبحانه وتعالى، متأولين محبته سبحانه بإرادة الإحسان، أو بإحسانه وإنعامه على عباده، كما أنهم أولوا محبة العباد لربهم بأنها محبة طاعته، أو محبة إحسانه وثوابه37.

    وهذا التأويل -مع بطلانه- يؤدي إلى إنكار المحبة، ومتى بطلت المحبة بطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، وخلت الأعمال من روحها؛ إذ هي أصل، كما أنها عمل ديني، فإنكارهم للمحبة إنكار لحقيقة الإسلام، فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله، فمن لا محبة في قلبه لله ورسوله فلا إيمان له ألبتة38.

    والله جل في علاه يحب من أحب دينه واتبع ملته وشريعته، يحب ربي من أخلص له وأناب إليه، ولاذ إلى رحابه، يحب من يتسامى في حبه، ويجاهد في سبيله لنصرة دينه، قال الله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤].

    والله تعالى يحب التوابين، قال الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٢٢].

    «والمرء عندما يخطئ في حق الله تعالى، ويقع في المعصية، وبحر الشهوات، ويتلطخ بأدران الإثم، ثم يصحو الضمير ويستيقظ، ويطارد الخطيئة، ويحس بثقلها على نفسه كأنها الجبل، ويتجسم أمام عينيه فظاعة ما ارتكب في حق الله تعالى وتضيق الأرض بما رحبت، فلا يلجأ إلا إلى الله تعالى، ففراره من الله إلى الله تعالى، إليه الملجأ وإليه المآل»39. قال الله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [آل عمران: ١٣٥].

    والله تعالى يلقي محبته على من يحبه، وأي منزلة أعلى، بل وأي درجة أكمل من أن يقول الله تعالى لعبده: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [طه: ٣٩]! فمحبة الله تعالى العزيز المتعال، وهو في عليائه وكبريائه، للعبد وهو في ذله وضعفه هو العطاء عينه، وهي النعمة والمنة من الله تعالى ذي الكرم والجود، قال الله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يونس: ٥٨].

  3. محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

    لقد حثت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس والولد والوالد والناس أجمعين.

    قال تعالى: ( ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [التوبة: ٢٤].

    قال القرطبي رحمه الله تعالى: «في الآية دليل على وجوب حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف في ذلك، وأن ذلك مقدم على كل محبوب»40.

    إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم معناها: أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلًا يتجلى فيه إيثاره على كل محبوب، من نفس ووالد وولد والناس أجمعين؛ وذلك لما خصه الله من كريم الخصال وعظيم الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوف الخير والبركات لأمته، وما امتن الله على العباد ببعثته ورسالته، إلى غير ذلك من الأسباب الموجبة لمحبته عقلًا وشرعًا.

    ويؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)41. أي: لا يكمل إيمان من كان أهله وماله أحب إليه من الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وقد يقال: إذا حصلت هذه المحبة فهل يلزم من هذا أن يكون المحب مؤمنًا كاملًا وإن لم يأت بسائر الأركان؟

    يجيب الكرماني رحمه الله تعالى قائلًا: «هذه مبالغة، كأن الركن الأعظم فيه هذه المحبة، نحو لا صلاة إلا بطهور وهي مستلزمة لها. أو يلتزم ذلك لصدقه في الجملة، وهو عند حصول سائر الأركان؛ إذ لاعموم للمفهوم»42.

    فالإيمان إذن يستلزمه إتيان سائر أركانه مع اقتران المحبة بذلك.

    قال ابن تيمية: «وليس للخلق محبة أعظم ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى، وكل ما يحب سواه فمحبته تبع لحبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يحب لأجل الله، ويطاع لأجل الله، ويتبع لأجل الله»43. كما قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران: ٣١].

    وعلى ذلك فلا تنفك إحدى المحبتين عن الأخرى، فمن أحب الله أحب رسوله، وكذلك سائر رسله، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تبع لمحبة من أرسله. ولأجل هذا جاء حب الرسول صلى الله عليه وسلم مقترنًا بحب الله عز وجل في أكثر النصوص الشرعية.

    وفي الحديث: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفركما يكره أن يقذف في النار)44.

    وهذا الارتباط بين المحبتين ارتباط شرعي لا ينفك، فمن زعم أنه يحب الله ولم يحب رسوله أو العكس، فكلامه باطل واعتقاده فاسد.

    يقول النووي ملخصًا كلام القاضي عياض45: «وبالجملة فأصل المحبة: الميل إلى ما يوافق المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحسن الصورة والصوت والطعام ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كحب الصالحين والعلماء وأهل الفضل مطلقًا، وقد يكون لإحسانه إليه ودفع المضار والمكاره عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم، والإبعاد من الجحيم»46.

    وحب المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمل قلبي من أجل أعمال القلوب، كما ذهب إليه البيضاوي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر: عند شرح قوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) قال: «المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه، وإن كان على خلاف هوى النفس»47.

    وقد تعقبه صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد بقوله: « كلامه على قواعد الجهمية ونحوهم من نفي محبة المؤمنين لربهم ومحبته لهم والحق بخلاف ذلك، بل المراد في الحديث أن يكون الله ورسوله عند العبد أحب إليه مما سواهما حبًّا قلبيًّا، وأما مجرد إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، وإن كان على خلاف هوى النذر، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، فهذا قد يكون في بعض الأمور علامة على الحب ولازمًا له. لا أنه الحب»48.

    ثم إن إدراك العقل للكمال أو الخير أو أي معنى من المعاني الفاضلة لا يكفي حتى نسميه حبًّا، بل لابد مع ذلك من الميل القلبي والتعلق النفسي.

    وتمثيله حال من آثر محبة الله ورسوله -وإن كان على خلاف هوى النفس- بحال المريض مع الدواء المر -الذي تعافه نفسه، ويميل عقله إلى تناوله- تمثيل غير مناسب وغير لائق أيضًا.

    لأن من كانت محبته لله ورسوله كمحبة المريض للدواء المر جدير بأن يقال: أنه وجد مرارة الإيمان لا حلاوته.

    وإنما يجد حلاوة الإيمان من كان هواه وقلبه في تلك المحبة مناصرًا لعقله ومسايرًا له جنبًا إلى جنب49 وإذا كان هناك من فسر حب الله ورسوله بأنه حب عقلي، فهناك من يظن أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تعني طاعته، وهذا فهم خاطئ؛ إذ أن محبته هي أساس طاعته، والطاعة شرط للمحبة وثمرتها.

    فالطاعة أمر زائد على المحبة ومترتب عليها، كما أن هذا الحب أمر زائد على الإعجاب بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسمو أخلاقه وعظمة تعاليمه، إذ نرى كثيرًا ممن لا ينتسبون إلى الإسلام، ولا يؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم يبدون إعجابهم وتقديرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفيضون في بيان جوانب عظمته، ومع ذلك لا يمكن أن نسمي هذا الإعجاب حبًّا شرعيًّا، حتى يكون هناك إيمان بدين الإسلام.

    ولقد كان أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه ويحوطه ويصد عنه أذى قريش بما استطاع، ومع هذا فلم يثمر ذلك حبًّا وإيمانًا منه بدين الإسلام؛ لأن حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حب قرابة وحمية جاهلية.

    نخلص من هذا إلى أن المحبة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي المحبة الشرعية الإرادية الاختيارية، وهي عمل قلبي من أَجَلِّ أعمال القلوب، ورابطة من أوثق روابط النفوس تربط المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجعل قلبه وهمه وفكره وإرادته متوجهة لتحصيل ما يحبه الله ورسوله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

    والصلة بين المحبتين هي صلة الفرع بالأصل والتابع بالمتبوع، فمحبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبتنا لله عز وجل؛ إذ هي أساس المحبة الدينية الشرعية ومصدرها، وكل ما سواها من المحاب الشرعية تبع لها. وذلك كمحبة الأنبياء والصالحين، ومحبة كل ما يحبه الله ورسوله.

  4. حب المؤمنين.

    إذ أن الحب من أسمى وأرقى العواطف الإنسانية، فإذا توجهت هذه العاطفة النبيلة لله تعالى، وكانت هي محور العلاقات بين المسلمين، ذللت كثيرًا من الصعاب، وأثمرت كثيرًا من الثمار الطيبة في حياة الأمة، ولقد جاءت أدلة عديدة تؤكد هذا المعنى الرائع، وتبين المكانة الرفيعة لمن أنعم الله به عليه، منها: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم في الله) قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخبرنا من هم؟ قال: (هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس) وقرأ هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [يونس٦٢]50.

    فحب المؤمنين من أعمال القلوب العظيمة الثواب والجليلة الجزاء، أن يحب المسلم إخوانه المسلمين محبة دينية، لا لأجل غرض دنيوي.

    وهذه المحبة من علامات حب العبد لله ولرسوله؛ لأن حب المؤمنين ناشئ من إيمانهم بالله تعالى؛ فهو يحب كل ما يحبه الله تعالى ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله يحبان المؤمنين؛ ولذا فالمؤمن يحب المؤمن، فيحب إيمانه وطاعته وعبادته، وهو من علامات سعادة العبد في هذه الحياة، ومن أسباب تذوق حلاوة الإيمان التي لا يجدها إلا المؤمنون.

    روى الإمام البخاري في صحيحه، عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)51.

    وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها؛ لأن من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فقد صار حبه كله له، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله، وموالاته له، ومعاداته له، وألا تبقى له بقية من نفسه وهواه، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وكذلك من الأشخاص، ويلزم من ذلك معاملتهم بمقتضى الحب والبغض، فمن أحبه الله أكرمه وعامله بالعدل والفضل، ومن أبغضه لله أهانه بالعدل؛ ولهذا وصف الله المحبين له بأنهم: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المائدة: ٥٤].

    وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك)52، فلا تتم محبة الله ورسوله إلا بمحبة أوليائه وموالاتهم، وبغض أعدائه ومعاداتهم. وسئل بعض العارفين: بما تنال المحبة؟ قال: بموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه، وأصله الموافقة.

    والمؤمن لا يجد حلاوة الإيمان إلا إذا أحس بحرارة الحب في قلبه. وقد أمرنا ديننا بالحب، ودعانا إليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا آل بيتي لحبي)53.

    وعن أنس بن مالك أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال: (وماذا أعددت لها)؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: (أنت مع من أحببت)54.

    يقول أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت مع من أحببت).

    وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم. قال: (المرء مع من أحب)55.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل. فقال: إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل عليه السلام، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض)56.

    وتظهر أسس الإيمان: المحبة والمودة في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم)57.

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال لجاره- ما يحب لنفسه)58.

  5. حب المهاجرين والمجاهدين.

    نلحظ أن المتتبع لآيات المهاجرين والمجاهدين التي وردت في القرآن الكريم يجد أنها تفيض حبًّا ونصرةً وتأييدًا ووعدًا بالجزاء الأوفى، فقد جاء في القرآن الكريم ذكر المهاجرين في (إحدى وعشرين) آية، منها ما يربط بين الإيمان والهجرة والجهاد في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)[الأنفال: ٧٢].

    ومنها ما يؤكد هذا الربط بين الإيمان والهجرة والجهاد، وأنهم لا يرجون إلا رحمة الله تعالى كما في قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢١٨].

    وذهب العلماء إلى أن محبة المهاجرين، وتوقيرهم، وبرهم، والولاء لهم، ومعرفة حقهم مطلوبة من المسلمين؛ لما لهم من الفضل السابق إلى الإيمان والهجرة. وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)59.

    وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه)60.

    والأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا، بل هي مستمرة في الآخرة، يقول تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الزخرف: ٦٧].

    ومنها ما يؤكد أن أجر المجاهد على الله تعالى وحده في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ١٠٠].

    ويصف الله تعالى المهاجرين أنهم المؤمنون حقا في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنفال: ٧٤].

    كما وصفهم الله تعالى بأنهم أعظم درجة وأنهم هم الفائزون، في قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [التوبة: ٢٠].

    كما أخبر الله تعالى أن المهاجرين ممن رضي الله تعالى عنهم، وما أعظمه من فضل! فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة: ١٠٠].

    ولم يقتصر هذا على الحب والرضا، ولكن تبوءهم في الدنيا مكانة إضافة إلى أجرهم في الآخرة، فقال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النحل: ٤١].

    كما وعدهم الله تعالى بالمغفرة في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [النحل: ١١٠].

    كما وعدهم بالرزق الحسن في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الحج: ٥٨].

    وفي ختام جملة الأوصاف للمهاجرين بأنهم هم الصادقون إضافة إلى حبهم للمهاجرين ولو كان لهم بهم حاجة، وذلك في قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[الحشر: ٨ - ٩].

  6. محبة الجهاد.

    أولى القرآن الكريم أهمية عظمى للجهاد والمجاهدين، وجعل المجاهدين في أعلى الدرجات، ورغب في الشهادة أيما ترغيب، وحمل على الفرار والفارين؛ ذلك أن الجهاد سياج للأمة من طمع الطامعين، ومن تكالب المتكالبين، ووعد المجاهدين بالمغفرة والتي لا تكون إلا بعد المحبة61.

    قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [آل عمران: ١٩٥].

    ومن هذا المنهج الرباني حرم الإسلام التثبيط عن الجهاد، بل جعل من أكبر الكبائر الفرار من ساحة القتال؛ لأن الإسلام ربى أبناءه على حب الجهاد في سبيل الله تعالى. وهؤلاء المنهزمون والمثبطون والقاعدون عن الجهاد فضحهم القرآن الكريم في قوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [التوبة: ٤٢].

    أي: لو كانت هناك غنيمة سهلة ورحلة ميسرة لساروا معك، ثم يتابع القرآن الحديث عن هؤلاء فيقول: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [التوبة: ٤٢].

    أي: أنهم يهلكونها بهذا الحلف الكاذب، يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في القعود عن الجهاد، فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم مبينًا موقف المؤمنين وغير المؤمنين من الجهاد، فيقول: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [التوبة: ٤٤ - ٤٥].

    ولقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين لم يخرجوا للجهاد مستأذنين في القعود، وأعلن أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وأن قلوبهم مرتابة، وأنهم في ريبهم يترددون. أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقول فيما رواه مسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو، مات على شعبة من النفاق)62.

    ومع توعد الله تعالى المثبطين والقاعدين عن الجهاد مع القدرة خزيًا في الدنيا، وفي الآخرة عذاب عظيم. وهو في نفس الوقت يخبرنا أن المؤمنين الذين لا يستجيبون لهؤلاء المثبطين يزداد إيمانهم.

    يقول تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [آل عمران: ١٧٣].

    إنهم المجاهدون المؤمنون، الصابرون المتوكلون، الذين توعدهم الناس بالجموع الكبيرة وخوفوهم بكثرة الأعداء، فما اكترثوا لذلك وما جبنوا، بل زادهم ذلك إيمانًا وثباتًا وعزيمة؛ لحسن توكلهم على الله، ويقينهم بما وعدهم الله به، فاستعانوا به وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فهو حسبنا وكافينا، ونرضى به وحده وكيلًا وحافظًا. كما توعد الفارين في قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ) [الأنفال: ١٥ - ١٦].

    ثالثًا: المحبة المذمومة:

    وهذا نوع يقدح في أصل التوحيد، وهو شرك، وهذا كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم.

    قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٦٥].

    فهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم مع الله كما يحبون الله، فهذه محبة تأله وموالاة يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء، وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله، ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد، وشدة بغضها وبغض أهلها، ومعاداتهم ومحاربتهم، وبذلك أرسل الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه، كما نعلم ذلك جميعًا.

    قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)[النحل: ٣٦].

    فكل رسول إنما بعث بالإيمان بالله، وبالكفر بالطواغيت وبغضها، ومعاداتها، ومحاربتها ومحاربة أهلها.

    ومن الحب المذموم حب المصالح والذات: لقد أودع الله هذه الغريزة في الإنسان حيث إنه عن طريقها يحمي نفسه ويخاف على حياته. لكن حينما يطلق العنان لهذه الغريزة لتوجه شخصيته وعلاقته بالآخرين فإنه ينتقل بنفسه من هذا المفهوم الفطري إلى مفهوم الأنانية، هذا المرض العضال الذي يفوق خطر كل غريزة؛ لأنه يستخدم بقية الغرائز لإشباع متطلباته، وجاء الإسلام لاستئصال هذا المرض أو ترويضه في إطار شرعي حيث قال عليه الصلاة والسلام عن أنس بن مالك: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)63.

    «قال العلماء: معناه: لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة»64.

    ويدل على أن المراد من النفي في هذا الحديث نفي كمال الإيمان، أنه قد جاءالحديث عند ابن حبان بلفظ: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير)65.

    إن أكبر مشكلةٍ تعانيها البشرية تبدأ في عالم الفرد، عندما يغلب الإنسان مصلحته على مصلحة الآخرين ومهما كان الثمن، وهذا هو تعريف الأنانية الذي ينطلق من الأنا.

    وعرفوا الأثرة: فقالوا: «أن يختص الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيوية ويستأثر بذلك، فيحجبه عمن له فيه نصيب، أو هو أولى به»66.

    والحب المذموم قسمان:

    أحدهما: من يجب على العبد أن يبغضهم، فإن الله تعالى يقول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [المجادلة: ٢٢].

    وهذا نفي عام يدل على أن المؤمن الصادق لا يكون في قلبه مودة لهم أبدًا، وهذا الأمر مما وقع الخلط فيه في أزمنتنا المتأخرة، واختلت فيه بعض الموازين.

    القسم الثاني: مما يبغض في الله: من يبغضون بغضًا ليس كاملًا، وهؤلاء هم المؤمنون الذين يقعون في فسق أو في بدعة غير مكفرة، فهؤلاء لهم محبة عامة؛ لأنهم مسلمون، ولكن يجب بغض ما عندهم من فسق أو بدع، وهذا أيضًا مما وقع فيه الخلل عند بعض الناس، فإنهم قد يحبون الفساق أو أهل البدع؛ نظرًا لأنهم غير كفار، وميزان الحق في هذا أن تكون محبتهم محبة عامة؛ لأنهم مسلمون مؤمنون بالله، لكن لا تكون محبة كاملة، بحيث تجعلهم سواسية مع المؤمنين المتقين، فنبغض ما فيهم من فسق أو بدعة أو فجور، نبغض هذا في الله تبارك وتعالى. وبتحقيق هذا الأصل -البغض في الله- يكتمل الأصل الأول الذي تحدثنا عنه سابقًا، وهو الحب في الله.

    صفات تستوجب حب الله للعبد

    حب الله لعباده جاء في القرآن الكريم في (١٣) آية، كان نصيب المحسنين (ﮮ ﮯ) (٥) منها، و(ﯪ ﯫ) (٤) منها، و(ﮄ ﮅ) (ﯞ ﯟ))، و(ﯜ ﯝ) مرة واحدة وكذلك (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) مرة واحدة، وحب الآخرين إيثار لهم على الذات وتقديم ما يسعدهم في حياتهم. فكانت الكلمة، وجاءت المضامين التعبيرية لتحددها بدقة لفظية فكل ما في حياتنا يحدده التعبير اللغوي، ويصفه ويعطيه حقه ومكانته وموضوعيته، اللغة ترسم وتغني معاني الطبيعة والعلوم والمشاعر، وتقدس الإله وتمجده، والوجود بكامله ينطبع بكلمات اللغة.

    ووردت المحبة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، تميزت فيها أنواع من الحب، وقد جمعت آية كريمة بين حب العبد وحب الله، وحددت صفات من يحبون الله ويحبهم: ( ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المائدة: ٥٤].

    حيث إن حب الله يأتي فعلًا لله عز وجل مثبتًا تارة ومنفيًا تارة، متعلقًا بفئات من العباد، أو بأنواع من الفعال والصفات. ففي صيغة الإثبات، نجد أن الله عز وجل (ﮮ ﮯ) قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [آل عمران: ١٣٤].

    و(ﯪ ﯫ)، فقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ٧٦].

    (ﯜ ﯝ) و()

    قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٢٢].

    و(ﭭ ﭮ) فقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [المائدة: ٤٢].

    و(ﯢ ﯣ) فقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ) [آل عمران: ١٤٦].

    و(ﭹ ﭺ) فقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [آل عمران: ١٥٩].

    و(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) فقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤].

    وأشار الله سبحانه وتعالى إلى محبته لموسى عليه السلام.

    قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [طه: ٣٩].

    الحب في القرآن الكريم ضد الكره: لقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الحجرات: ٧].

    والحب هو متعة نفسية في القلب؛ لقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ١٤].

    حب الاتباع والمتبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حب العبد لله عز وجل ليس مجرد شعور قلبي يلهج به اللسان، ولا مجرد كلمات يتفنن في نظمها، وقديمًا ادعى اليهود والنصارى أنهم أحباء الله فرد الله عليهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[المائدة: ١٨]؛ ولذلك وقطعًا لكل ادعاء كاذب لحب الله جاءت القاعدة الربانية: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران: ٣١].

    وفي المقابل نجد في صيغة النفي أن الله عز وجل (ﮇ ﮈ ﮉ)، فقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [آل عمران: ٣٢].

    و(ﮠ ﮡ ﮢ) فقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [المائدة: ٨٧].

    و(ﮚ ﮛ ﮜ) فقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ) [آل عمران: ٥٧].

    و(ﯞ ﯟ ﯠ) فقال تعالى (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].

    و(ﮩ ﮪ ﮫ) فقال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأنفال: ٥٨].

    و(ﮫ ﮬ ﮭ) فقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [النحل: ٢٣. ].

    و(ﯤ ﯥ ﯦ) فقال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [القصص: ٧٦].

    و() أيضًا (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) و(ﰅ ﰆ ﰇ) فقال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء: ١٠٧].

    وقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [لقمان: ١٨].

    وفي كل هذه الموارد وغيرها، وسواء في ذكر ما يحبه الله عز وجل أو مالا يحبه، لا يستعمل الصيغة المصدرية الدالة على الثبات، بل يستعمل صيغة اسم الفاعل التي يتلبس فيها الفعل بالإنسان، وتلتصق الصفة به محمودة كانت أم مذمومة، إلا في موضعين ذكر فيهما الاسم: أحدهما يتعلق بالفساد: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة: ٢٠٥].

    ويتعلق الثاني بالجهر بالسوء (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النساء: ١٤٨].

    والمتأمل في هذه الفعال المحبوبة: (الإحسان، التقوى، التوبة، التطهر، الصبر، التوكل، القسط)، يجد أنها تجمع أهم ما يحمد في الإنسان الاتصاف به، وما يجعله محبوبًا مقبولًا عند الله وعند الناس، وفي المقابل تمثل الصفات غير المحبوبة: (الكفر، الظلم، العدوان، الخيانة، الإسراف، الاستكبار) أنموذجا لكل ما تنفر منه النفس وتأباه الفطر السليمة.

    وقد وقف بعض العلماء عند معني حب الله تعالى للعبد، وحاولوا تفسير هذا الحب بما يليق بجلال ذاته عز وجل وما تقضيه من تنزيه، ففسروه بالإنعام، وهو معنى تأباه سياقات الآيات، كما أنه تأويل للمحبة بالإنعام وهذا يخالف المنهج الصحيح للتفسير.

    أما حب العبد لله عز وجل، فهو من مقتضيات الإيمان: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ)[البقرة: ١٦٥].

    بل إنه من موجبات أعلى درجات الإيمان، جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)67.

    إن حب الله ليس بالأمر الهين الذي يسهل ادعاؤه إذن؛ لأنه حب يقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من كل شيء: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[التوبة: ٢٤].

    آثار المحبة ونتائجها

    أولًا: الاقتداء والمتابعة للمحبوب:

    أثر محبة الله وأثر تحقيق المحبة أنها: تثمر لصاحبها علوًا ورفعةً في الدرجة، لم يكن ليصل إليها لولا هذه المحبة، إن قصر بك عمل الجوارح من أن تجاهد كجهادهم، أو أن تأمر بالمعروف كأمرهم، أو تتعبد كعبادتهم، فيجب أن تحبهم بقلبك، وأن تسأل الله تبارك وتعالى مرافقتهم، وأن تبغض من أبغضهم، وتعادي من عاداهم، وبذلك تصل بإذن الله تبارك وتعالى من الخير الكبير، وأن تصل إلى قربهم أو أن تدنو منهم، وهذا شرف عظيم، وفخر كبير، وغاية لو شمر لها العابدون والساعون الدهر كله لكانت مستحقة لذلك.

    فحقيقة المحبة إذًا هي ما قدمنا من حيث علاقتها بالإيمان والعبادة، حيث إن المحب على الحقيقة لا يقدم أمرًا ولا نهيًا على أمر ونهي من يحبه وهو الله تبارك وتعالى، مما يثمر ذلك لديه الاستقامة في السر والعلانية، وفي كل شأن من شئون الحياة، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعل اتباعه امتحانًا لحقيقة المحبة وامتثالها.

    ومن علامات المحبة الصادقة لله ولرسوله التزام طاعة الله، والجهاد في سبيله، واتباع رسوله، قال الله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المائدة: ٥٤].

    وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٣١].

    وصف سبحانه المحبين له بخمسة أوصاف.

    أحدها: الذلة على المؤمنين: والمراد بها لين الجانب والرأفة والرحمة للمؤمنين وخفض الجناح لهم، كما قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الشعراء: ٢١٥].

    ووصف أصحابه بمثل ذلك في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الفتح: ٢٩].

    وهذا يرجع إلى أن المحبين لله يحبون أحبابه ويعودون عليهم بالعطف والرحمة68.

    الثاني: العزة على الكافرين، والمراد بها الشدة والغلظة عليهم، كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [التحريم: ٩].

    وهذا يرجع إلى أن المحبين له يبغضون أعداءه، وذلك من لوازم المحبة الصادقة.

    الثالث: الجهاد في سبيل الله وهو مجاهدة أعدائه بالنفس واليد والمال واللسان، وذلك أيضًا من تمام معاداة أعداء الله الذي تستلزمه المحبة.

    الرابع: أنهم (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) والمراد: أنهم يجتهدون فيما يرضى به من الأعمال، ولا يبالون في لومة من لامهم في شيء إذا كان فيه رضى ربهم، وهذا من علامات المحبة الصادقة أن المحب يشتغل بما يرضى به حبيبه ومولاه، ويستوي عنده من حمده في ذلك أو لامه.

    الخامس: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعته، واتباعه في أمره ونهيه، وقد قرن الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ٢٤].

    والمراد: أن الله لا يوصل إليه إلا عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعه وطاعته.

    قال ابن رجب: «ومحبة الرسول على درجتين: إحداهما: فرض وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله وتلقيه بالمحبة والرضا، والتعظيم، والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات، ونصرة دينه، والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر لابد منه، ولا يتم الإيمان بدونه»69.

    والدرجة الثانية: «فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه، ونوافله وتطوعاته، وأكله وشربه، ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة والراقية، والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه، واهتزاز القلب عند ذكره، وكثرة الصلاة والسلام عليه لما سكن في القلب من محبته، وتعظيمه، وتوقيره، ومحبة استماع كلامه، وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين، ومن أعظم ذلك الاقتداء به في زهده في الدنيا الفانية، والاجتزاء باليسير منها، والرغبة في الآخرة الباقية»70، اهـ.

    ومن علامات محبة الله ورسوله: أن يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله، ويؤثر مرضاته على ما سواه، وأن يسعى في مرضاته ما استطاع، وأن يبعد عما حرمه الله، ويكرهه أشد الكراهة، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم ويمتثل أمره، ويترك نهيه كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النساء: ٨٠].

    وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد، هذا وقد نهى الله سبحانه عن موالاة أعدائه في مواضع كثيرة من القرآن، وأخبر أن موالاتهم تنافي الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنها سبب للفتنة والفساد في الأرض، وأن من والاهم ووادهم فليس من الله في شيء، وأنه من الظالمين الضالين عن سواء السبيل، وأنه مستوجب لسخط الله وأليم عقابه في الآخرة، والآيات في هذا كثيرة، منها قول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الممتحنة: ١].

    وقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[المائدة: ٥١].

    فمن أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة ومحبة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب.

    قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ٢٣].

    وفي النص على الأقارب دليل على أن مصارمة من سواهم من الكفار مطلوبة بطريق الأولى والأحرى.

    وقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [المجادلة: ٢٢].

    قال البغوي رحمه الله تعالى: «أخبر الله أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار وإن من كان مؤمنا لا يوالي من كفر وإن كان من عشيرته»71.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا فمن واد الكفار فليس بمؤمن»، اهـ.

    وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود: ١١٣].

    والركون: هو المحبة والميل بالقلب، إذا علم تحريم موالاة أعداء الله تعالى وموادتهم فليعلم أيضًا أن الأسباب الجالبة لموالاتهم وموادتهم كثيرة جدًا، ومن أقربها وسيلة مساكنتهم في الديار، ولاسيما في ديارهم الخاصة بهم، ومخالطتهم في الأعمال، ومجالستهم، ومصاحبتهم، وزيارتهم، وتولي أعمالهم، والتزيي بزيهم، والتأدب بآدابهم، وتعظيمهم بالقول والفعل، وكثير من المسلمين واقعون في ذلك»72.

    المحبة في الله سبب لنيل محبة الله: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكًا فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)73.

    والحب في الله من علامات صدق الإيمان: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله)74.

    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)75.

    وممن يظلهم الله في ظله المتحابون فيه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)76.

    ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله)77.

    والحب في الله سبيل الجنة: قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)78.

    ثانيًا: الطاعة والانقياد للمحبوب:

    إن من أصول محبة الله أن تترجم طاعة وانقيادًا له وتتبع لمرضاته ومحابه، فالمحبة أصل كل حركة، وأساس كل عمل79.

    ولقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم ضوابط هذه المحبة وطرق الطاعة في أكثر من (اثنتي عشرة) آية، منها: قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ) [النساء: ٥٩].

    وقال أيضًا: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ) [النساء: ٦٤ - ٦٥].

    وقال أيضًا: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النساء: ٦٩ - ٧٠].

    وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)[النساء: ٨٠].

    وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنفال: ٤٦].

    وقال أيضًا: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور: ٥١ - ٥٢].

    وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النور: ٦٢].

    وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب: ٢١].

    وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب: ٣٦].

    وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفتح: ١٠].

    قال العز بن عبد السلام: «محبة الله وسيلة إلى أن يعامله العبد معاملة المحب لحبيبه من المبادرة لطاعته، والمسارعة لما يرضيه، والتحرز من أسباب سخطه، والاحتياط لأسباب رضاه»80ولا تنبعث همة العبد للقيام بأنواع العبادة المختلفة كما تنبعث عندما تحركها محبة الله؛ إذ أن هذه المحبة هي أقوى محركات القلوب إلى الله81، كما أنها تبعث في العبد قوة ونشاطا لخدمة المحبوب وطاعته. فإذا ما صحت المحبة وصدقت، أثمرت عبودية تامة لله تعالى يشترك في تحقيقها القلب واللسان والجوارح جميعها.

    المحبة هي أصل عبودية القلب، ولها عظيم الأثر في تحققه بالعبودية، ومن ذلك:

    المحبة في تحقيق الخوف والرجاء: فإذا تمكن حب الله تعالى من قلب عبده المؤمن أثمر له خوفًا ورجاءً، فإن كل من أحب محبوبًا فلابد أن يخاف فواته كما يرجو لقاءه.

    كذلك فالمحب يكون في حبه خائفًا متضائلًا تحت الهيبة والتعظيم، كذا يكون رجاء المحب لجنته التي هي دليل رضاه، وأشد منه رجاؤه القرب منه، والنظر إلى وجهه الكريم.

    «فالخوف والرجاء متلازمان، ويستحيل انفكاك المحب عنهما، وإن كان قد يغلب أحدهما على الآخر، وهما مجتمعان، وذلك عندما يشتغل القلب بأحدهما ولا يلتفت إلى الآخر في الحال لغفلته عنه»82.

    وتتحقق أثر المحبة في تحقيق الرضا بأقدار الله تعالى إذ أن من أثار محبة الله تعالى الرضا بأقداره حلوها ومرها، «فإن المحب يتسلى بمحبوبه عن كل مصيبة يصاب بها دونه، فإذا سلم له محبوبه لم يبال بما فاته، فلا يجزع على ما ناله؛ لأنه يرى محبوبه عوضًا عن كل شيء، ولا يرى في شيء غيره عوضًا منه، فكل مصيبة عنده هينة إذا أبقت عليه محبوبه»83.

    كذلك فعندما يغلب الحب على قلب العبد وتنصرف همته للفوز بمحبوبه، فإنه ينسى ما يصيبه من ألم، ولا يلتفت له، منشغلًا عنه بترقب ما يحب، والتجربة والمشاهدة دالة على ذلك. كما أن المحب يقبل كل ما يأتيه من حبيبه ويرضى عنه، لاسيما إن كان يعرف ربه، ويحسن الظن به، يعرف رحمته، وعدله، وعظمته، وغناه، وفضله وكرمه، وعلمه ولطفه؛ ولهذا كانت قصص العارفين المحبين في رضاهم بأقدار ربهم أقرب ما تكون إلى الخيال عند من ضعفت بالله معرفتهم ومحبتهم. قال ابن القيم: «من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته، علم يقينا أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنـزل به، فيها من ضروب المصالح التي لا يحصيها علمه ولا فكرته»84، ولهذا فإنه دائمًا شاكرًا حامدًا راضيًا مهما تقلبت به الأيام، ومهما اختلفت به الأحوال، إذ لا يأتي من الحبيب إلا الخير وإن لم يدركه العبد، ورحمة الله تتمثل في الممنوع كما تتمثل في الممنوح85.

    أثر المحبة في تحقيق الصبر على طاعة الله: فذاك أمر آخر للعبد المحب منه أعظم الحظ وأوفر النصيب، فكلما زادت معرفته وصدق حبه ارتقى عن مجرد الصبر عليها إلى حبها والاستلذاذ بها، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان)86.

    ومن هنا «يكون مؤثرًا ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه، فيلزم مشاق العمل، ويجتنب اتباع الهوى، ويعرض عن دعة الكسل، ولا يزال مواظبًا على طاعة الله، ومتقربًا إليه بالنوافل»87.

    للمحبة أثر بالغ في الولاء والبراء: إذ المحب من حبه لحبيبه يحب كل من يحبه ويواليهم وينصرهم، كما يبغض أعداءه ويتبرأ منهم، فحب الشيء وإرادته يستلزم بغض ضده وكراهته، والمحبة الكاملة تجب معها الموافقة للمحبوب في محابه؛ ولهذا قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [المجادلة: ٢٢].

    فالإيمان بالله يستلزم مودته تعالى، ومحبته، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك يتنافى مع موادة من عاداه وحاده88.

    فالمؤمنون الصادقون يحبون جملة من آمن بالله ورسوله وقام بوظائف الإسلام عملًا واعتقادًا، ويحبون من وجه من معهم من الخير على قدر ما معهم منه، ويبغضونهم على قدر ما معهم من الشر، وكذا يبغضون جملة من كفر أو ألحد أو صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله89، لا اعتبار في حبهم وبغضهم لصلات قربى أو هوى نفس، وإنما الاعتبار هو الحب في الله والبغض فيه.

    وقد ضرب أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكذا سلف الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمثلة عليا في الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من أعداءه، مهما كانت صلات قرابتهم أو مبلغ مودتهم قبل اعتناق الدين الحق، وفي قصة إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه وقومه، وفي قصة أبي عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وغيرهم رضي الله عنهم أصدق الشواهد على ذلك.

    وتتحقق أثر المحبة في تحقيق عبودية الجوارح، ومن ذلك دوام الذكر، فالمحبة كلما قويت في القلب جعلت العبد دائم اللهج بذكر ربه تعالى، حامدًا شاكرًا، مهللًا مكبرًا، كما تتحقق أثر المحبة على قراءة القرآن للمحبين مع كلام الله، فصلتهم بالقرآن قوية، يأتمرون بأمره، ويقفون عند نهيه، ويتعظون بوعظه.

    ولا شك أن العبادات الظاهرة على سائر الجوارح دليل على وجود محبة الله تعالى في قلب العبد؛ إذ أن محبته تعالى هي أصل أعمال الإيمان كلها، وهي الباعثة على الطاعات كلها، والطاعة والاتباع هما دليل صدقها90 ولهذا قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ) [آل عمران: ٣١].

    ومن ذلك المحبة في تحقيق الصلاة، فالمحب يحب تكرار اللقاء، فيقبل على النوافل فرحًا بوقوفه بين يدي ربه جل وعلا.

    ومن أثر المحبة تحقيق الجهاد والدعوة، فالمحب لا يألو جهدًا في الدعوة إلى سبيل مرضاته، وتعريف العباد به، وبذل كل غالٍ في سبيله؛ ولهذا وصف الله الذين يحبهم ويحبونه فقال: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المائدة: ٥٤].

    فمن امتلأت قلوبهم بمحبته باعوا نفوسهم لله تعالى يقول تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[التوبة: ١١١].

    وكذلك فللمحبة أعظم الأثر في تحقيق الصيام، والحج له، والزكاة اتباعا لأمره جل وعلا، وغيرها من العبادات التي إن قام بها العبد بدافع من محبته لربه تعالى كانت أكمل وأفضل.

    فالمحبة دافع على منتهى الاجتهاد في الطاعة، «من عرف الله أحبه، ومن أحبه أطاعه»91.

    فالمحبة والمعرفة والإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع العبادات وآتت ثمارها، فإن انضم لدافع المحبة دافع الخوف والرجاء كانت العبودية أكمل والاستقامة آكد.

    ثالثًا: الحشر مع المحبوب:

    إن المتأمل في الآيات التي جاء فيها لفظ الحشر ليدرك أنها جاءت لتؤكد الحشر والجمع مع من كان يحبون أو يعبدون، يقول الله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)[فصلت: ١٩].

    (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأنعام: ١٢٨].

    (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [يونس: ٤٥].

    (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الفرقان: ١٧].

    (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [سبأ: ٤٠].

    (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [سبأ: ٤٠].

    (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [التوبة: ٧٢].

    وفي هذه الآيات دلالة واضحة على أن الذين أجرموا حشروا مع أقرانهم، وأن الذين آمنوا حشروا مع أقرانهم، فعن عليٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ هن حقٌ: لا يجعل الله من له سهمٌ في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى الله عبدٌ فيوليه غيره، ولا يحب رجلٌ قومًا إلا حشر معهم)92.

    ومن الأحاديث المشهورة في هذا المعنى حديث أنسٍ رضي الله عنه، (أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: (وماذا أعددت لها)؟ قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنت مع من أحببت). قال أنسٌ: (فما فرحنا بشيءٍ فرحنا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت، قال أنسٌ: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم)93.

    والحب المقصود هنا نوعان:

    الأول: المحبة الدينية، أي المحبة لأجل الدين والمعتقد، فمن أحب الصالحين لصلاحهم وأحب ما هم عليه من التقوى والدين، رجي أن يجمعه الله بهم في جنته، ومن أحب الكفار لكفرهم ومعتقدهم، ووالاهم على ما هم فيه، كان ذلك أيضًا سببا لدخول النار معهم.

    قال ابن بطال رحمه الله: «بيان هذا المعنى أنه لما كان المحب للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملًا من أعمال القلوب، واعتقادًا لها، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء»94.

    وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [العنكبوت: ٨].

    أي: وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إلي يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب، أي: حبًا دينيًا؛ ولهذا قال: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [العنكبوت: ٩]95.

    ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله في حديثه عن كبيرة محبة الظلمة أو الفسقة وبغض الصالحين-: «عد هذين كبيرة هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة: (المرء مع من أحب) وله وجه؛ إذ الفرض أنه أحب الفاسقين لفسقهم، وأبغض الصالحين لصلاحهم، وظاهر أن محبة الفسق كبيرة كفعله، وكذا بغض الصالحين؛ لأن حب أولئك الفاسقين وبغض الصالحين يدل على انفكاك ربقة الإسلام وعلى بغضه، وبغض الإسلام كفر، فما يؤدي إليه ينبغي أن يكون كبيرة»96.

    الثاني: المحبة الموجبة لتشابه الأعمال والأخلاق، فمن أحب أحد العلماء الصالحين وتشبه بما هو عليه من الصلاح والتقوى دخل الجنة بذلك، ومن أحب الفاسقين أو الكافرين، وأدت به محبته إلى التشبه بأحوالهم ومعاصيهم كان معهم في العقاب أيضًا.

    يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: «قال الحسن: يا ابن آدم! لا يغرنك قول من يقول: (المرء مع من أحب) فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم، فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم، وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك، من غير موافقة في بعض الأعمال، أو كلها: لا ينفع»97.

    أما الحب الدنيوي الذي يكون باعثه قرابة أو صداقة أو مصلحة مادية أو زواج أو غير ذلك من أسباب الدنيا الفانية، فلا يكون سببًا للجمع في المحشر أو المصير، فالمسلم الذي يحب والدته غير المسلمة حبًا فطريًا، ولا يحشر معها، وغير المسلم الذي يحب صديقه المسلم مثلًا من غير إسلام واتباع لا يحشر معه، وهكذا كل أنواع المحبة الدنيوية لا مدخل لها في معنى هذا الحديث.

    ويقول الزرقاني رحمه الله: «(المرء مع من أحب) في الجنة بحسن نيته من غير زيادة عمل؛ لأن محبته لهم لطاعتهم، والمحبة من أفعال القلوب، فأثيب على ما اعتقده؛ لأن الأصل النية، والعمل تابع لها، ولا يلزم من المعية استواء الدرجات، بل ترفع الحجب حتى تحصل الرؤية والمشاهدة، وكلٌ في درجته».

    وقال السخاوي: «قال بعض العلماء: ومعنى الحديث أنه إذا أحبهم عمل بمثل أعمالهم، قال الحسن البصري: من أحب قومًا اتبع آثارهم، واعلم أنك لن تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم، فتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتصبح وتمسي على مناهجهم؛ حرصًا أن تكون منهم»98.

    ومع ذلك ننبه الشباب إلى أن التعلق باللاعبين والممثلين -بأخبارهم وأحوالهم وأيامهم- إنما هو من الأوهام والخيالات التي لا تجر إليهم إلا كل فساد وشر، وهي الباب للتخلق بأخلاقهم، والعمل بمثل أعمالهم؛ فإن بين الظاهر والباطن ارتباطا لا يجهله أحد، والمشاكلة في الظاهر توجب المحبة في الباطن، وهكذا العكس بالعكس.

    أما الحب النافع فهو حب الصالحين والناجحين والمبدعين فيما يعود بالنفع على الأمة والبشرية جميعًا، حبًا يدفع نحو التقدم والنجاح في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا الحديث حق؛ فإن كون المحب مع المحبوب أمر فطري لا يكون غير ذلك، وكونه معه هو على محبته إياه، فإن كانت المحبة متوسطة أو قريبًا من ذلك كان معه بحسب ذلك، وإن كانت المحبة كاملة كان معه كذلك.

    والمحبة الكاملة تجب معها الموافقة للمحبوب في محابه إذا كان المحب قادرًا عليها، فحيث تخلفت الموافقة مع القدرة، يكون قد نقص من المحبة بقدر ذلك وإن كانت موجودة، وحب الشيء وإرادته يستلزم بغض ضده وكراهته مع العلم بالتضاد..»99.


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٦، المفردات، الراغب ص ٢١٤.

2 لسان العرب، ابن منظور ١/٢٨٩.

3 الصحاح، الجوهري ١/١٠٥.

4 الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب ص ٢٥٦، المفردات، الراغب ص ٢١٤.

5 الكليات، الكفوي ص ٣٩٨.

6 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٢٥.

7 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الحاء، ص٤١٨-٤١٩.

8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٧٧-١٧٨.

9 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٨/٤٤، المصباح المنير، الفيومي ١/٣١٦، لسان العرب، ابن منظور ٩/١٧٩.

10 الكليات، الكفوي ص ٣٩٨.

11 المصباح المنير، الفيومي ١/٩٦.

12 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/١٥٤.

13 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٣/٣٢.

14 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة، ٨/٨٩، رقم ٦٤٢٠.

15 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة، ٨/٩٠، رقم ٦٤٢١.

16 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان، ١/١٢، رقم ١٥.

17 أخرجه أحمد في مسنده، ١٩/٣٠٥، رقم ١٢٢٩٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٩٩، رقم ٣١٢٤.

18 انظر: المحبة في الله، عبدالرحمن المحمود ص ١٢-١٤.

19 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٦٧.

20 أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العمرة، بابٌ السفر قطعةٌ من العذاب، ٣/٨، رقم ١٨٠٤.

21 انظر: كنز العمال، رقم٣٤١٥٠، ١٢/٩٥.

22 السيرة النبوية، مصطفى السباعي ص٢٣.

23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله)، رقم ٢٠، ١/١٣.

24 السيرة النبوية، مصطفى السباعي ص ٤٩.

25 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ويحذركم الله نفسه)، رقم ٧٤٠٥، ٩/١٢١.

26 العبودية، ابن تيمية ص ١٣.

27 مدارج السالكين، ابن القيم ص ١٩٨.

28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، ٨/١٣١.

29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، ٩/١٤٠، رقم ٧٣٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة (قل هو الله أحد)، ١/٥٥٧، رقم ٨١٣.

30 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب علامة الحب في الله، ٨/٤٩، رقم ٩١٧١، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب المرء مع من أحب، ٤/٢٠٣٣، رقم ٢٦٣٩.

31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب من انتظر حتى تدفن، رقم ١٣٢٥.

32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم ١٦.

33 مد ارج السالكين ٣/٦.

34 مد ارج السالكين ٣/١٧.

35 مد ارج السالكين ٣/٨ .

36 مجموع فتاوى ابن تيمية، ١٠/٦٦.

37 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٦٢١، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٢٠٥.

38 انظر في الرد على هذا التأويل: مجموع فتاوى ابن تيمية، ٦/٤٧٧ا، مدارج السالكين، ابن القيم ٣/١٨.

39 انظر: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة، محمد بن خليفة التميمي ص ٣٨.

40 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٩٥.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم، من الإيمان، ١/٦٩.

42 الكواكب الدراري، الكرماني ١/٩٥.

43 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/٦٤٩.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب من انتظر حتى تدفن ٨/٨٩، رقم ٦٤١٦.

45 انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض ٢/٢٩ - ٣٠.

46 شرح صحيح مسلم ٢/١٤.

47 فتح الباري، ابن حجر ١/٦٠- ٦١.

48 تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله ص٤٧٦.

49 انظر: المختار من كنوز السنة، محمد عبد الله دراز ص٤٤٠.

50 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب الإجارة، باب في الرهن، ٣/٣١١، رقم ٣٥٢٩.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٧/١٣٦٨، رقم ٣٤٦٤.

51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم ١٦.

52 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة ص، ٥/٢٦٨، رقم ٣٢٣٥.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص١٧٥، رقم ١٢٣٣.

53 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب النبي، ٣/٦٤٤، رقم ٣٩٨٧.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص٢٧، رقم ١٧٦.

54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، ٨/٣٩، رقم ٦١٦٧.

55 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب علامة حب الله، ٨/٣٩، رقم ٦١٦٨.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ٤/١١١، رقم ٣٢٠٩.

57 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، ١/٧٤، رقم ٥٤.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم ١٣.

59 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب في فضل الحب في الله، ٤/١٩٨٨، رقم ٢٥٦٦.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، ٢/١١١، رقم ١٤٣٢.

61 انظر: حب الجهاد في سبيل الله، عادل عامر ص ١٨-٢٢.

62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ذم من مات ولم يغز، ٣/١٥١٧، رقم ١٩١٠.

63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم ١٣.

64 شرح صحيح مسلم، النووي ٢/١٦.

65 أخرجه ابن حبان في صحيحه، ١/٤٧١، رقم ٢٣٥.

وصححه الألباني في صحيح الترغيب، رقم ١٧٨٠.

66 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٩/٣٧٧١.

67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم ١٦.

68 انظر: الشفاء، القاضي عياض ص ٢٥.

69 انظر: تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجرات، حمود التويجري.ص٦٢.

70 استنشاق نسيم الأنس، ابن رجب ص ٧٣.

71 معالم التنزيل، البغوي ٦/ ١٥٢.

72 السيرة النبوية، مصطفى السباعي ص١٧-١٩ بتصرف.

73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب في فضل الحب في الله، ٤/١٩٨٨، رقم ٢٥٦٧.

74 أخرجه أحمد في مسنده، ٣/٣٢٤، رقم ١٨٤٦٨.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٠٣، رقم ٢٠٠٩.

75 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم ١٦.

76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب في فضل الحب في الله، ٤/١٩٨٨، رقم ٢٥٦٦.

77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، ٢/١١١، رقم ١٤٣٢.

78 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، ١/٧٤، رقم ٥٤.

79 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١/١٩٢.

80 شجرة المعارف والأحوال، العز بن عبدالسلام ص٥٣.

81 محركات القلوب إلى الله تعالى ثلاثة هي المحبة والخوف والرجاء.

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١/٩٥.

82 إحياء علوم الدين، الغزالي ٤/١٤١.

83 طريق الهجرتين، ابن القيم ص ٤١٧.

84 الفوائد، ابن القيم ص ٨٥.

85 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٢٢.

86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم ١٦.

87 المحبة والشوق والأنس والرضا، الغزالي ص٧٤.

88 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/٧٥٢.

89 انظر: إرشاد الطالب، ابن سحمان ص١٣، والولاء والبراء، القحطاني ص١٣٤.

90 انظر: موعظة المؤمنين، القاسمي ص٤١٨.

91 القول لعتبة بن غلام.

انظر: روضة العقلاء، ابن حبان ص٥٦٤.

92 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ٦/٢٩٣، وفي المعجم الصغير ٢/١١٤.

وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٣/٩٦.

93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، ٨/٣٩، رقم ٦١٦٧.

94 باختصار من شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٩/٣٣٣.

95 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٦٥.

96 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر ١/١٨٤.

97 انظر: إحياء علوم الدين ٢/١٦٠.

98 انظر: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ٥/٣٠٤.

99 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/٧٥٢.