عناصر الموضوع
الطير
أولًا: المعنى اللغوي:
الطّاء والياء والرّاء أصلٌ واحدٌ يدلّ على خفّة الشّيء في الهواء،ثمّ يستعار ذلك في غيره وفي كلّ سرعةٍ، ومن ذلك الطّير: جمع طائرٍ، ثمّ يقال لكلّ من خفّ: قد طار1، والطيران: حركة ذي الجناح في الهواء بجناحه2، والطير: اسمٌ لجماعة ما يطير، مؤنّثٌ، والواحد طائرٌ، والأنثى طائرةٌ، وهي قليلةٌ، وقلّما يقولون طائرةً للأنثى3، وطائر الإنسان: عمله الذّي قلّده كما في قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:١٣].
والطّائر: من الزّجر في التّشَؤُّم والتَّسَعُّد، وزجر فلانٌ الطّير فقال: كذا وكذا، أو صنع كذا وكذا، جامع لكلّ ما يسنح لك من الطّير وغيره4، وجمع الطير طيور وأطيار، مثل فرخ وفروخ وأفراخ5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
ذكرنا في المعنى اللغوي أن الطير جمع طائر، والمعنى الاصطلاحي ليس ببعيد عن المعنى اللغوي، قال الراغب: «والطائر كل ذي جناح يسبح في الهواء»6، وعرفه ابن عاشور بأنه:«الحيوان الذي يرتفع في الجو بعمل جناحيه»7.
والخلاصة في القول: أن الطير اسم لكل ذي جناح يسبح في الهواء.
وورد الجذر (ط ي ر) في القرآن (٢٩) مرة، والذي يخص منها الطير (٢١) مرة 8.
والصيغ التي وردت عليها هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
١ |
(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنعام:٣٨] |
اسم |
٢٠ |
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [البقرة:٢٦٠] |
وجاء الطير في القرآن بمعناه في اللغة وهو: كل ذي جناح يسبح في الهواء9.
الدابة:
الدابة لغة:
كل ما دب على وجه الأرض، وقد غلب على ما يركب من الحيوان، وفي العرف يطلق على الخيل والحمار والبغل10.
الدابة اصطلاحًا:
الحي الذي من شأنه الدبيب، وقيل: كل حيوان في الأرض، وإخراج البعض الطير من الدواب رد بالسماع، ولا يخرج المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي له 11.
الصلة بين لفظ الدابة والطير:
الغالب في الطير أنه يسبح في الهواء، والدابة تمشي على الأرض، فتشمل الطير؛ لأن الطير يمشي إذا نزل12، وهناك طيور لا تسبح في الهواء.
الحيوان:
الحيوان لغة:
اسم يقع على كل شيء حي، ووصف الله عز وجل الدار الآخرة بأنها الحيوان، فقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العنكبوت:٦٤]؛ أي: هي الحياة، والمعنى: أن من صار إلى الآخرة لم يمت ودام حيا فيها لا يموت، فمن أدخل الجنة حيي فيها حياة طيبة، ومن دخل النار فإنه لا يموت فيها ولا يحيى13.
الحيوان اصطلاحًا:
كل ذي روح من المخلوقات غير العاقلة14.
الصلة بين الحيوان والطير:
الحيوان:كلّ ذي روح ناطقًا كان، أو غير ناطق مأخوذ من الحياة، والطير له روح، فيكون الطير صنفًا من أصناف الحيوان، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنّ لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال:في كلّ ذات كبدٍ رطبةٍ أجرٌ)15، فالطير من البهائم التي فيها الأجر، وتشمل كل حي من الحيوان، والطير.
الحشرات:
الحشرات لغةً:
الحَشَرة واحدة الحشرات، وهي صغار دوّاب الأرض16.
الحشرات اصطلاحًا:
صغار دواب الأرض وهوامها، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي له17.
وعند علماء الحيوان:هي كل كائن يقطع في خلقه ثلاثة أطوار، يكون بيضة فدودة ففراشة، وهي الهامة من هوام الأرض؛ كالخنافس، والعقارب، وتطلق أيضًا على الدابة الصغيرة من دواب الأرض كالفئران والضباب18.
الصلة بين الحشرات، والطير:
أن الحشرات منها ما تطير كالذباب والجراد، ومنها ما لا تطير كالفأر والعقرب.
أرشد الله تعالى عباده إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة الدالة على قدرته وعجائب صنعته من المخلوقات، حيث قال جل وعلا: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [فصلت:٥٣].
ومن هذه المخلوقات: الطير ذلك المخلوق الضعيف، فخلق هذا الطير، وتسخيره في جو السماء، وتسبيحه - وإن كنا لا نفقه ذلك - لدلالة واضحة على كمال قدرته، وآية من آياته جل وعلا على بديع صنعه تبارك وتعالى، بل أن هذا المخلوق قد يكون جندًا من جنوده يرسله الله لإهلاك الظالمين، كما حصل لأصحاب الفيل، وسوف نتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل في النقاط الآتية:
أولًا: الإبداع الإلهي في خلق الطير:
لفت الله تعالى نظر العباد، وخاصة المعرضين المكذبين بآياته إلى خلقه، وكمال قدرته في الطير وتحليقه في جو السماء.
قال جل وعلا: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الملك:١٩].
قال السمرقندي في هذه الآية: «(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)؟يعني: أولم يعتبروا في خلق الله تعالى كيف خلق الطيور؟ (ﮛ ﮜ) يعني: باسطات أجنحتها في الهواء، (ﮝ) يعني: ويضممن أجنحتهن ويضربن بها، (ﮟ ﮠ) يعني: ما يحفظهن في الهواء عند القبض والبسط، (ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)يعني: عالمًا بصلاح كل شيء»19.
وفي هذا أكبر آية على قدرة الله تعالى، إذ أمسكها في الهواء على ثقلها وضخامة أبدانها20.
قال أهل المعاني: وإنما قيل(ﮝ) دون «قابضات» على نحو «صافات»؛ لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في كل منهما مد الأطراف وبسطها، والقبض طارئ على البسط لأجل الإعانة، فالمعنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض في بعض الأوقات، كما يكون من السابح21، ولذلك قالوا: إن الهواء للطير بمنزلة الماء للسابح، فهو يسبح في الهواء بجناحيه، كما يسبح الإنسان في الماء بأطرافه22.
فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، وعنايته الربانية، وأنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، فهو المدبر لعباده بما يليق بهم، وتقتضيه حكمته23.
وقد أكد الله تعالى على قدرته وعلمه، وسعة إحاطته بمخلوقاته، وإبداعه في الخلق.
قال جل ثناؤه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنعام:٣٨].
قال السعدي في تفسير هذه الآية: «أي: جميع الحيوانات، الأرضية والهوائية، من البهائم والوحوش والطيور، كلها أمم أمثالكم خلقناها، كما خلقناكم، ورزقناها كما رزقناكم، ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا، كما كانت نافذة فيكم»24.
والمعنى: إنه لا يوجد نوع من أنواع الأحياء التي تدب على الأرض، ولا من أنواع الطير التي تسبح في الهواء إلا وهي أمم مماثلة لكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم.
والغرض من ذكر ذلك، كما قال الزمخشري: «للدلالة على عظم قدرته، ولطف علمه، وسعة سلطانه وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس، المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأنّ المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان»25.
وإنما خص ما في الأرض بذكر دون ما في السماء، وإن كان ما في السماء مخلوقًا؛ لأن الاحتجاج بالشاهد أظهر وأولى مما لا يشهد، وإنما ذكر الجناح في قوله تعالى: (ﭻ)؛ للتوكيد»26.
ولتوجيه الأنظار إلى الإبداع في الخلق مع جمال التكوين والقدرة، وفي ذلك بيان لقدرة الله تعالى 27، وقيل: إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ولو كان غير معتدل لكان يميل، فأعلمنا أن الطيران بالجناحين28.
ثانيًا: تسخير الطير:
حث الله جل وعلا عباده إلى النظر في حالة الطير التي سخرها الله، وسخر لها الجو والهواء، وجعل أجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران، وهذا يدل على كمال قدرته وعظمته.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النحل:٧٩].
قال ابن كثير: «نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض، كيف جعله يطير بجناحيه بين السماء والأرض، في جو السماء ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى، الذي جعل فيها قوى تفعل ذلك، وسخر الهواء يحملها ويسر الطير لذلك، كما قال تعالى في سورة الملك: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الملك:١٩].
وقال هاهنا: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)»29، وجمع الآيات؛ لأن في الطير دلائل مختلفة: من خلقة الهواء، وخلقة أجساد الطير مناسبة للطيران في الهواء، وخلق الإلهام للطير بأن يسبح في الجو، وبأن لا يسقط إلى الأرض إلا بإرادته، وخصت الآيات بالمؤمنين؛ لأنهم بالإيمان قد ألفوا إعمال تفكيرهم في الاستدلال على حقائق الأشياء، بخلاف أهل الكفر، فإن الكفر مطبوع على النفرة من الاقتداء بالناصحين، وعلى مكابرة الحق30.
ففي الآية دلالة واضحة ومظهر من مظاهر قدرة الله ووحدانيته، حيث جعل الطير قادرًا على التحليق والطيران في الجو - ما بين السماء والأرض- وهي مذللة لأمر الله تعالى، ما يمسكها إلا الله تعالى، وتلك علامات وعبر ودلالات على القدرة الإلهية، فلولا خلق الطير على وضع يمكنه الطيران، وخلق الجو على حالة يمكن الطيران فيه، لما أمكن ذلك31.
وقال تعالى في هذه الآية: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النحل:٧٩].
وقال في موضع آخر: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الملك:١٩].
والحكمة في ذلك؛ لأن التسخير في جو السماء محض الإلهية، وأما صافات وقابضات فكان إلهامها كيفية البسط والقبض على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن32.
ثالثًا: تسبيح الطير:
ذكر الله جل وعلا تسبيح الطير في أكثر من موضع في محكم كتابه، ومن ذلك ما أنعم الله تعالى به على داوود عليه السلام، حيث قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ) [الأنبياء:٧٩].
قال الطبري: «يسبحن معه إذا سبح»33، وقدمت الجبال على الطير؛ لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز؛ لأنها جماد، والطير حيوان ناطق34.
وقال الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر الجبال، أي: ذللها، وسخر الطير تسبح مع داود، وما ذكره جل وعلا من تسخيره الطير والجبال تسبح مع نبيه داود بينه في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [ص:١٨-١٩].
وتسبيح الجبال والطير مع داود تسبيح حقيقي؛ لأن الله جل وعلا يجعل لها إدراكات تسبح بها، يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها،كما قال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:٤٤].
والتسبيح: هو تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، وفي قوله تعالى:(ﯖ ﯗ)مؤكد لقوله تعالى:(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)والموجب لهذا التأكيد: أن تسخير الجبال وتسبيحها أمر عجب خارق للعادة، مظنة لأن يكذّب به الكفرة الجهلة35.
وقال تعالى في موضع آخر: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النور:٤١].
قال ابن كثير في هذه الآية: «يخبر تعالى أنه يسبحه من في السموات والأرض، حتى الجماد، كما قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:٤٤].
وقوله: (ﯝ ﯞ)أي: في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه، وهو يعلم ما هي فاعلة؛ ولهذا قال: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) أي: كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عز وجل، ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيء؛ ولهذا قال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)»36، أي: علم جميع أفعالها، فلم يخف عليه منها شيء، وسيجازيهم بذلك، فيكون على هذا قد جمع بين علمه بأعمالها، وذلك بتعليمه، وبين علمه بأعمالهم المتضمن للجزاء37.
وخص الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السموات والأرض؛ لعدم استمرار استقرارها في الأرض، وكثرة لبثها في الهواء، وهو ليس من السماء ولا من الأرض، ولما فيها من الصنعة البديعة التي تقدر بها تارة على الطيران، وتارة على المشي بخلاف غيرها من الحيوانات، وذكر حالة من حالات الطير، وهي كون صدور التسبيح منها حال كونها صافات لأجنحتها، أن هذه الحالة هي أغرب أحوالها، فإن استقرارها في الهواء مسبحة من دون تحريك لأجنحتها، ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شيء38.
وفي قوله تعالى:(ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)يقول أبو الطيب: «وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك أن صدور هذا التسبيح هو عن علم قد علّمها الله ذلك؛ وألهمها إليه لا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية، وفي ذلك زيادة دلالة على بديع صنع الله سبحانه؛ وعظم شأنه من كونه جعلها مسبحة له، عالمة بما يصدر منها، غير جاهلة له»39.
رابعًا: الطير من جنود الله تعالى:
أخبر الله جل وعلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما جرى لأصحاب الفيل الذين قدموا من اليمن يريدون هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود، وكان رئيسهم أبرهة الحبشي الأشرم، فأرسل الله عليهم جندًا من جنوده، فأبادهم، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم40.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الفيل:٣].
قال الطبري: «وأرسل عليهم ربك طيرًا متفرقة، يتبع بعضها بعضًا من نواح شتَّى، وهي جماع لا واحد لها -أي: الأبابيل- مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك»41.
وقال الزجاج في معنى الآية: «جماعات من هاهنا وجماعات من هاهنا، والمعنى: أرسل اللّه عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب»42.
وقد ورد تفسير كلمة الأبابيل بعبارات متعددة عن السلف منها ما ذكرناه آنفًا، وهذه الأقوال كما قال النحاس متفقة، وحقيقة المعنى: أنها جماعات عظام، يقال: فلان يؤبل على فلان، أي يعظم عليه ويكثر، وهو مشتق من الإبل، وهو من الجمع الذي لا واحد له 43.
فإن قيل: لم قال تعالى:(ﮝ) على التنكير؟
والجواب كما قال الرازي: «إما للتحقير، فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر، أو للتفخيم كأنه يقول: طيرًا وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل»44.
وقال أبو حيان: والظاهر أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، يذكر نعمته عليه، إذ كان صرف ذلك العدو العظيم عام مولده السعيد عليه السلام، وإرهاصًا بنبوته، إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول، من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكأن الله تعالى يقول له قد علمت ما فعل ربك بهؤلاء الذين قصدوا حرمه، ضلل كيدهم وأهلكهم بأضعف جنوده، وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل45، وهذه آيةٌ باهرةٌ دالةٌ على شرف الكعبة46.
وفي الآية رد على الملحدين الذين ذكروا في العذاب الذي أهلك الله به الأمم؛ كالزّلازل، والرياح، والصواعق، والخسف، أعذارًا ضعيفة، أما هذه الواقعة، فلا يجري فيها تلك الأعذار، وليس في شيء من الطّبائع والحيل أن يعهد طير معها حجارة، فيقصد قومًا دون قوم فيقتلهم، ولا يمكن أن يقال: إنه كسائر الأحاديث الضعيفة؛ لأنه لم يكن بين عام الفيل، ومبعث الرسول إلا نيفًا وأربعين سنة، ويوم تلا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية، كان قد بقي جمع شاهدوا تلك الواقعة، فلا يجري فيها تلك الأعذار، ولو كان النقل ضعيفًا لكذبوه، فعلمنا أنه لا سبيل للطّعن فيها47.
القصص في القرآن الكريم من أصدق القصص؛ لقوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النساء:٨٧].
وذلك لتمام مطابقتها على الواقع، وأحسن القصص؛ لقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [يوسف:٣].
وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى، وأنفع القصص؛ لقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف:١١١].
وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق، وقد ذكر الله جل وعلا من القصص في كتابه الكريم قصص الطير سواء مع بعض أنبيائه عليهم السلام، أو مع ابني آدم عليه السلام، وسوف نتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل، مع بيان أهم الدروس والعبر من هذه القصص.
أولًا: قصة ابني آدم مع الغراب:
أخبر الله جل وعلا في محكم كتابه ما جرى بين ابني آدم لصلبه، وهما هابيل وقابيل، وهو قول جمهور العلماء48، وكيف عدا أحدهما على الآخر، فقتله بغيًا عليه وحسدًا له، فيما وهبه الله من النعمة، وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل، ففاز المقتول بوضع الآثام، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة49، فقيض الله جل وعلا غرابًا لتعليم القاتل كيف يدفن أخاه.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [المائدة:٣١].
قال القاسمي في تفسير هذه الآية: «(ﯫ) أي: أرسل (ﯬ ﯭ) فجاء (ﯮ) أي: يحفر بمنقاره ورجله متعمقًا في الأرض، قال القتيبيّ: هذا من الاختصار، ومعناه: بعث غرابًا يبحث التراب على غراب ميت (ﯱ) الضمير إمّا لله تعالى أو للغراب، والظاهر للقاتل أخاه (ﯲ ﯳ) أي: يستر في التراب (ﯴ ﯵ) أي: جسده الميت، وسمّي سوأة؛ لأنه مما يسوء ناظره، (ﯷ ﯸ) كلمة جزع وتحسّر، والويل الهلكة، (ﯹ) أي: أضعفت عن الحيلة (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) أي: الذي هو من أخسّ الحيوانات، والاستفهام للتعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى إليه الغراب (ﯿ) أي: أغطي (ﰀ ﰁﰂ ﰃ) أي: صار (ﰄ ﰅ) أي: على حيرته في مواراته حيث لم يدفنه حين قتله، فصار أجهل من الحيوانات العجم وأضلّ منها وأدنى»50، قيل: لم يكن ندمه ندم توبة، بل ندم لفقده لا على قتله، وقيل غير ذلك 51.
وقال الألوسي: «والغراب: طائر معروف، قيل: والحكمة في كونه المبعوث دون غيره من الحيوان: كونه يتشاءم به في الفراق والاغتراب، وذلك مناسب لهذه القصة»52.
وروى السدي بإسناده المتقدم إلى الصحابة: أن الله تعالى بعث غرابين أخوين، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثى عليه، فلما رآه قال:(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)53، وهو قول أكثر المفسرين54.
قال الراغب: «فتنبه قابيل لدفن أخيه، ووجه ذلك: أنه ما من صنعة يتعاطاها الإنسان بالتعلم إلا وقد سخر الله لمثل ذلك الصنعة حيوانًا يتعاطاه، وجعل الله تعالى ذلك سببًا لتعلم الناس ذلك منه، فمن الحيوان ما يسبح، ومنها ما يمشي، ومن عادة الغراب دفن الأشياء، فلما رأى قابيل ذلك تنبه لما يجب أن يفعل، فاستصغر نفسه لقصوره عن معرفة ما اهتدى إليه الغراب، فأخذ يتحسر، ويتولول وندم ندمًا لا يثنيه»55.
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى:(ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)أنه قال: جاء غراب إلى غراب ميت فحثى عليه من التراب حتى واراه، فقال الذي قتل أخاه:(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ)56.
قال أبو زهرة: «وقد فهم بعض المفسرين من الآية أنه لم يكن ثمة غراب قد مات، أو قتله صاحبه، ولكنه رأى الغراب يبحث في الأرض عن شيء من الأشياء ليدفنه؛ لأن من عادة الغربان حفر الأرض لدفن الأشياء، فلما رأى قاتل أخيه الغراب يحفر الأرض اهتدى إلى حفر الحفرة التي ألقى فيها جثة أخيه القتيل.
والحق أن الآية الكريمة نصت على أن الغراب قد أخذ يبحث في الأرض، حتى حفر حفرة، دفن فيها شيئًا أو طيرًا ميتًا، ولم تتعرض لكون المدفون طيرًا أو غير طير، ولا لكون الطير مات بقتل الدافن، أو مات بسبب آخر، والآية الكريمة بينة واضحة المقصد من غير فرض واحد من هذه الفروض بعينه، والفرض الواحد الذي يقتضيه بيان الغرض، والمغزى: هو أن نفرض أن الغراب أخذ يحفر في الأرض، حتى أتم حفرة وضع فيها شيئًا، فعلم القاتل الجهول أن ذلك هو الطريق لدفن أخيه»57.
وفي الآية دلالة على أن الندم إذا لم يكن لقبح المعصية، لم يكن توبة، والآية أصل في دفن الميت58، والله أعلم.
ثانيًا: قصة إبراهيم عليه السلام وإحياء الطير:
سأل إبراهيم عليه السلام ربه جل وعلا أن يريه كيف يحيي الموتى، فأجابه الله تعالى لما طلب، فكان هذا المشهد الذي حدثنا به الحق تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:٢٦٠].
ذكر المفسرون لسؤال إبراهيم عليه السلام ربه جل وعلا أسبابًا منها:
وهو قول أكثر المفسرين: أنه رأى جيفة بساحل البحر تتناولها السباع والطير ودواب البحر، ففكر كيف يجتمع ما قد تفرق من تلك الجيفة، وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه، فقال: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة:٢٦٠]59، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك وابن عباس60.
وقال آخرون: بل كان سبب مسألته ربه ذلك: المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمرود في ذلك، قاله ابن إسحاق61،قال ابن كثير: لما قال إبراهيم عليه السلام لنمرود (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:٢٥٨].
أحب أن يترقى من علم اليقين في ذلك إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)62.
وقد ذهب الجمهور إلى أن إبراهيم عليه السلام لم يكن شاكًّا في إحياء الموتى قط، وإنما طلب المعاينة لما جبلت عليه النفوس البشرية من رؤية ما أخبرت عنه63.
فاستجاب الله تعالى لإبراهيم عليه السلام لما طلب له، حيث أمره الله جل وعلا أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن، وهو قول قتادة64، وإنما خص الطير؛ لأنه أقرب إلى الإنسان وأجمع لخواص الحيوان والطير65.
وجمهور المفسرين على أن الله أمر إبراهيم خليله بأن يذبح تلك الطيور ويقطع أجزاءها ويضع على كل مرتفع من الأرض جزءًا من تلك الأشلاء المتقطعة، ثم يدعوها فتكون طيرًا بإذن الله ويجيء إليه سعيًا، وعلى هذا النحو يكون ذلك العمل الحسي تقريبًا لمعنى الإحياء، وإن لم يكن بيانًا كاملًا للكيفية؛ لأن الكيفية عند الله العليم الخبير علمها، ويكون ذلك إظهارًا للإحياء بمظهر حسي، وإن لم يكن فيه بيان الكيفية 66.
قال السعدي في تفسير الآية: «(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) ولم يبين أي الطيور هي، فالآية حاصلة بأي نوع منها، وهو المقصود،(ﭩ ﭪ) أي: ضمهن، واذبحهن، ومزقهن (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) ففعل ذلك، وفرق أجزاءهن على الجبال التي حوله، ودعاهن بأسمائهن، فأقبلن إليه، أي: سريعات، لأن السعي: السرعة، وليس المراد أنهن جئن على قوائمهن، وإنما جئن طائرات على أكمل ما يكون من الحياة، وخص الطيور بذلك؛ لأن إحياءهن أكمل وأوضح من غيرهن، وأيضًا أزال في هذا كل وهمٍ ربما يعرض للنفوس المبطلة، فجعلهن متعددات أربعة، ومزقهن جميعًا، وجعلهن على رؤوس الجبال، ليكون ذلك ظاهرًا علنًا، يشاهد من قرب ومن بعد، وأنه نحاهن عنه كثيرًا، لئلا يظن أن يكون عاملا حيلة من الحيل، وأيضًا أمره أن يدعوهن فجئن مسرعات، فصارت هذه الآية أكبر برهان على كمال عزة الله وحكمته، وفيه تنبيه على أن البعث فيه يظهر للعباد كمال عزة الله وحكمته وعظمته وسعة سلطانه، وتمام عدله وفضله»67.
وجيء بمن للتبعيض في قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) للدلالة على أن الأربعة مختلفة الأنواع، والظاهر أن حكمة التعدد والاختلاف زيادة في تحقق أن الإحياء لم يكن أهون في بعض الأنواع دون بعض، فلذلك عددت الأنواع، وفائدة الأمر بإدنائها في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ) حتى يتأمل أحوالها ويعلم بعد إحيائها أنها لم ينتقل جزء منها عن موضعه68، والله أعلم.
وناهيك بالقصة دليلًا على فضل الخليل، ويُمْن الضراعة في الدعاء، وحسن الأدب في السؤال، حيث أراه الله تعالى ما سأل في الحال على أيسر ما يكون من الوجوه69.
ثالثًا: يوسف عليه السلام وتأويل رؤيا الطير:
ذكر الله عز وجل ما جرى بين يوسف عليه السلام والفتيان اللذين كانا معه في السجن، حيث قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يوسف:٣٦].
قال قتادة: وكان الفتيان غلامين من غلمان ملك مصر الأكبر، أحدهما صاحب شرابه، والآخر صاحب طعامه 70.
وكان يوسف عليه السلام قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث وحسن السمت وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن، وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم، ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن، تآلفا به وأحباه71، فسمياه محسنًا لذلك، وهذا تفسير لقوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)72، وهو قول الضحاك وقتادة، وأولى بالصواب عند الطبري73.
ثم إنهما رأيا منامًا، فرأى الساقي أنه يعصر خمرًا - يعني عنبًا - وقال الآخر - وهو الخباز -: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) والمشهور عند الأكثرين أنهما رأيا منامًا وطلبا تعبيره 74.
وفي قوله تعالى: (ﯭ ﯮ)قال الماتريدي: وسمى التعبير تأويلًا؛ لأن التأويل: هو الإخبار عن العواقب؛ لذلك سموه تأويلًا، ثم خرج تأويل الذي كان خبازًا على ما ذكر، وهو إنما كان يخبز للناس، فلما رأى أنه حمل الخبز على رأسه، وأنه يأكل الطير علم أنه يخرج من الأمر الذي كان فيه، وخروجه يكون بهلاكه؛ لأنه كان من قبل يخبز للناس، فصار يخبز لغيرهم، فاستدل بذلك على خروجه من أمره وعمله، لكنه أخبر أنه يصلب؛ لأنه كان قائمًا منتصبًا، فأول على ما كان من أمره، واللّه أعلم 75.
وكلام الماتريدي في هذه الآية يعتبر تفسيرًا لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [يوسف:٤١].
وفي هذه الآية يقول السعدي: «عبر عن الخبز الذي تأكله الطير بلحم رأسه وشحمه، وما فيه من المخ، وأنه لا يقبر ويستر عن الطيور، بل يصلب ويجعل في محل، تتمكن الطيور من أكله»76.
وقال الزجاج في قوله تعالى:(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ):«لما تأول لهما الرؤيا قال الذي أنبأه بأنه يصلب أنه لم ير شيئًا، فأعلمه أن ذلك واقع به وإن لم ير، كما أعلمهما بخبر ما يأتيهما من الطعام»77، بقوله: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يوسف:٣٧].
وذكر ذلك بعض أهل التأويل، كما قال الماتريدي، ثم رد على ذلك بقوله: لكن هذا لا يعلم: قالا ذلك أم لم يقولا، سوى أن فيه أنه عبّر رؤياهما، وكان ما عبّر لهما، وقد علم ذلك بتعليم من اللّه إياه بقوله: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [يوسف:٣٧]78، والتعبير عنه بـ(الأمر)، وعن طلب تأويله بـ(الاستفتاء) تهويلًا لأمره، وتفخيما لشأنه، إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم، المبهمة الجواب79.
رابعًا: داود عليه السلام والطير:
أخبر الله جل وعلا بما أنعم على عبده ورسوله داود عليه السلام، وبما أتاه من الفضل العظيم، ومن ذلك تسبيح الطير معه إذا سبح، حيث قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [سبأ:١٠].
قال الزجاج: «(ﮋ ﮌ) معناه رجعي معه، يقال: آب يؤوب، إذا رجع، ومعنى رجّعي معه: سبّحي معه ورجّعي التسبيح معه.
(والطيرَ) (والطيرُ)، فالرفع من جهتين:
إحداهما: أن يكون نسقًا على ما في (ﮋ)، والمعنى (ﮊ) رجّعي التسبيح أنت (ﮍﮎ).
ويجوز أن يكون مرفوعًا عل البدل، والمعنى: يا جبال ويا أيها الطير (ﮋ ﮌ)»80.
وقال ابن زيد في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ) قال: سبحي معه، قال: والطير أيضًا81.
والخلاصة في المعنى: أن الله أمر الطير تسبح مع داود عليه السلام إذا سبح.
وأما ابن كثير فيقول في تفسير هذه الآية: «يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود، صلوات الله وسلامه عليه، مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به تقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته»82، ثم قال لأبي موسى: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)83.
والتأويب في اللغة: هو الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها، فمعنى قوله تعالى:(ﮋ ﮌ)أي: رجعي معه مسبحة معه، والله أعلم84.
وفي هذا الأسلوب الذي نظمت عليه الآية من الفخامة، وجلالة الخالق، وعظم شأن داود، مع وفرة المعاني، وإيجاز الألفاظ، ما لا يخفى من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الإلهية، حيث جعلت الجبال بمنزلة العقلاء الذين إذا أمرهم بالطاعة أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا، إشعارًا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على إرادته سبحانه وتعالى 85.
ونحو هذه الآية قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [ص:١٨-١٩].
قال ابن الجوزي: «قوله تعالى: (ﭦ ﭧ) أي: مجموعة إليه، تسبّح الله معه (ﭩ ﭪ) في هاء الكناية قولان: أحدهما: ترجع إلى داود، أي: كلٌّ لداود أوّابٌ أي: رجّاعٌ إلى طاعته وأمره، والمعنى: كلٌّ له مطيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور، والثاني: أنها ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كلٌّ مسبّحٌ لله»86.
وقال ابن كثير في هذه الآية: «كانت الطير تسبح بتسبيحه، وترجع بترجيعه إذا مر به الطير، وهو سابح في الهواء، لا تستطيع الذهاب، بل تقف في الهواء وتسبح معه، ولهذا قال: (ﭦ ﭧ) أي: محبوسة في الهواء، (ﭩ ﭪ ﭫ) أي: مطيع يسبح تبعًا له»87.
خامسًا: الطير من جند سليمان عليه السلام:
ورث سليمان عليه السلام أباه في علمه ونبوته وملكه، وزاده الله ملكًا عظيمًا لم يحصل لأحد قبله ولا بعده، فقد سخر الله له الريح تجري بأمره، والجن والشياطين يعملون له من الأعمال ما يشاء، ومن الجنود الإنس والجن والطير،وقد وصف الله تعالى جنوده وهم منتظمون في سيرهم واجتماعهم بتدبير عجيب ونظام غريب، ومن تلك الجنود المنتظمة الطير.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النمل:١٧].
قال الطبري: وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير في مسير لهم، فهم يوزعون، واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (ﮋ ﮌ) فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا، قال ابن عباس: جعل على كل صنف من يرد أولاها على أخراها، لئلا يتقدموا في المسير، كما تصنع الملوك، وهذا القول أولى بالصواب، وذلك أن الوازع في كلام العرب هو الكاف، يقال منه: وزع فلان فلانًا عن الظلم: إذا كفه عنه، وإنما قيل للذين يدفعون الناس عن الولاة والأمراء: وزعة؛ لكفهم إياهم عنه88.
فكأن سليمان عليه السلام لا يدعهم أن ينتشروا ويتفرقوا، ولكن يسيرهم مجموعين على كل صنف منهم وزعة من النقباء ترد أولهم على آخرهم، لئلا يتقدموا في المسير، وذلك من سيرة الملوك وأمراء العساكر: أن يسيروا جنودهم مجموعة غير منتشرة ولا متفرقة89.
وقال السعدي: «جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني آدم، ومن الجن والشياطين ومن الطيور، فهم منتظمون غاية التنظيم في سيرهم ونزولهم وحلهم وترحالهم، قد استعد لذلك وأعد له عدته، وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عنه»90.
وفي الآية دليل على اتخاذ الإمام والحكام وزعة يكفون الناس ويمنعونهم من تطاول بعضهم على بعض، إذ لا يمكن الحكام ذلك بأنفسهم91.
وأما ابن عاشور فيقول: وفي الآية بيان للجنود فهي ثلاثة أصناف: صنف الجن... وصنف الإنس... وصنف الطير، وهو من تمام الجند، لتوجيه الأخبار وتلقيها، وتوجيه الرسائل إلى قواده وأمرائه، واقتصر على الجن والطير لغرابة كونهما من الجنود، فلذلك لم يذكر الخيل وهي من الجيش، وفي قوله تعالى: (ﮋ ﮌ) إشارة إلى أن جمع الجنود وتدريبها من واجبات الملوك؛ ليكون الجنود متعهدين لأحوالهم وحاجاتهم، وليشعروا بما ينقصهم، ويتذكروا ما قد ينسونه عند تشوش الأذهان عند القتال وعند النفير92.
ومن حسن نظامه عليه السلام وحزمه: أنه يتفقد الجنود بنفسه، حتى أنه تفقد الطير لينظر هل هي ملازمة لمراكزها وأماكنها أم لا، فقال تعالى مخبرًا عن ذلك: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النمل:٢٠].
قال الماتريدي مبينًا السبب في ذلك: «وتفقده الطير لما كان عليه حفظهم جميعًا، ومنعه إياهم عن الانتشار في الأرض والتفرق، لما على كل ملك وأمير حفظ رعيته وحاشيته، والتفقد عن أحوالهم وأسبابهم»93.
وقال السعدي: «والشاهد من الآية أن تفقد سليمان عليه السلام للطير، وفقده الهدهد يدل على كمال حزمه وتدبيره للملك بنفسه، وكمال فطنته حتى فقد هذا الطائر الصغير (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) أي: هل عدم رؤيتي إياه لقلة فطنتي به، لكونه خفيًّا بين هذه الأمم الكثيرة؟ أم كان غائبًا من غير إذني ولا أمري؟»94.
وهذا يدل على عظيم منزلة الهدهد، وأن غيبة غيره كانت بأمره عليه السلام95.
وفي الآية: استحباب تفقد الملك أحوال رعيته، وأخذ منه بعضهم: تفقد الإخوان96.
سادسًا: عيسى عليه السلام وخلق الطير:
أجرى الله عز وجل على يد عيسى عليه السلام الكثير من المعجزات والآيات الدالة على صدق رسالته، وأنه رسول الله تعالى إلى بني إسرائيل، وقد أخبر الله جل وعلا في محكم كتابه عن هذه الآيات، ومنها خلق الطير حيث كان يصنع من الطين شكلًا على هيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا حيًّا بإذنه سبحانه وتعالى.
قال جل شأنه حكاية عن عيسى عليه السلام مخاطبًا قومه: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران:٤٩].
قال البيضاوي: «(ﮄ ﮅ ﮆ)أي: أقدر لكم وأصور شيئًا مثل صورة الطير، (ﮋ ﮌ) الضمير للكاف، أي: في ذلك الشيء المماثل (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) فيصير حيًّا طيَّارًا بأمر الله، نبه به على أن إحياءه من الله تعالى لا منه»97.
وفي الآية دليل على أنه لولا الإذن من الله عز وجل لم يقدر على ذلك، وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه، أجراه على يد عيسى عليه السلام 98.
وقال ابن كثير في هذه الآية: كان عليه السلام يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه، فيطير عيانًا بإذن الله عز وجل، الذي جعل هذا معجزة يدل على أن الله أرسله99.
وأما أبو زهرة فقال في هذه الآية: «فهنا أعمال ثلاثة: اثنان منها لعيسى عليه السلام، والثالث لله تعالى جل جلاله وعظمت قدرته، أما اللذان لعيسى فهما: تصوير الطين كهيئة الطير، والنفخ فيه، وأما الثالث الذي هو من عمل الله تعالى وحده، فهو خلق الحياة في هذه الصورة التي صورها عيسى عليه السلام؛ ولذلك قال: (ﮏ ﮐ) أي: بأمره وإعلامه، والكون كله بأمره سبحانه وتعالى (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يس:٨٢].
وهذا يدل على أنه لم يكن في عيسى ألوهية، ولا أي معنى من معانيها»100.
وقد أكد الله جل وعلا هذه المعجزة في موضع آخر في كتابه الكريم، مخاطبًا عيسى عليه السلام، في معرض التذكير بنعمه التي أنعمها عليه، حيث قال جل شأنه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [المائدة:١١٠].
قال ابن كثير: «وقوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: تصوره وتشكله على هيئة الطائر بإذني لك في ذلك (ﮉ ﮊ ﮋ) أي: فتنفخ في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك، فتكون طيرًا ذا روح بإذن الله وخلقه»101.
وهذه المعجزة باهرة قاطعة في أن الخالق لهذا الكون لا تحكمه الأسباب، إذ إن الناس يجدون أسباب الخلق هو التوالد بأن تحمل الأنثى من ذكر، وتلد، ثم يكون الحي من بعد ذلك، فيكون من خرق الأسباب أن يكون الحي بإجراء الحياة على يد مخلوق لله تعالى، فقد أذن لعيسى عليه السلام أن يصور من الطين كهيئة الطير، فمعنى (خلق) هنا: هو تصويره جسدًا من الطين، وجعله على شكل طائر، ثم نفخ فيه بإذنه سبحانه، فيكون طيرًا بإذن الله تعالى، وذكرت كلمة (ﮋ) عند تصوير شكل الطير، وعندما صار طيرًا؛ للإشارة إلى أن كل ذلك من عند الله، وأنه الخالق، وليس عيسى هو الخالق، ولكنه سبحانه وتعالى أجرى الخلق على يديه102.
سايعًا: دروس من قصص الطير في القرآن:
ذكرنا في المطالب السابقة قصص الطير مع بعض الأنبياء عليهم السلام، ومع ابني آدم عليه السلام، ومما لا شك فيه أن القصص في القرآن الكريم حقائق ووقائع ثابتة، ومن فوائدها أخذ الدروس والعبر، فمن الدروس والعبر من قصص الطير ما يأتي:
١. أن الطير جند من جنود الله تعالى.
قد يرسلها الله لإهلاك الظالمين المعتدين، كما حصل لأصحاب الفيل عندما أرادوا هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم أضعف جنوده وهو الطير، قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الفيل:٣].
أو قد تكون مسخرة لأنبياء الله عليهم السلام معجزة لهم وتصديقًا لرسالاتهم، ومن ذلك ما حكاه الله تعالى عن داود عليه السلام بقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ) [الأنبياء:٧٩].
وأخبر عن سليمان عليه السلام بقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النمل:١٧].
٢. تعلم الإنسان من غيره من المخلوقات، ولو كان ممن هو أدنى منه103.
وهذا دليل على عجز الإنسان وضعفه مهما كانت قوته وسلطانه وجبروته وبطشه، ومن ذلك: قصة الغراب مع ابني آدم، حيث بعث الله خلقًا من مخلوقاته وهو الغراب ليظهر للإنسان ضعفه ويعلمه كيف يدفن أمواته104.
قال جل وعلا: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المائدة:٣١].
فشاءت حكمة الله أن تضع القاتل أمام عجزه، فبالرغم من جبروته وقتله لأخيه إلا أنه عاجز عن أن يواري سوأته، عاجز عن أن يكون كالغراب في أمة الطير105، وكأن ربنا عزّ وجلّ يعلّمنا أيضًا الأدب وعدم الغرور106.
ولذلك تحسر القاتل وتعجب وأظهر عجزه قائلًا: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [المائدة:٣١].
فكأنه يتحسر على ما أصبح فيه، وأن الغراب أعقل منه، وأكثر منه خبرة، وكأنه لم يقلها إلا بعد أن مرّ بمعنى نفسيّ شديد قاسٍ على وجدانه107، وكلّما كان المقرّع به أسفل كانت الموعظة في ذلك أبلغ108، فالله هو الذي أودع فيه هذه الغريزة، ليعلم الإنسان وليأخذ منه العظات والعبر، وليكون وسيلة أيضًا لبيان أحكام شرعية تتعلق بحماية الإنسان في الأرض109.
ومن ذلك أيضًا: قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع الهدهد، حيث نجد الهدهد يقول لسيدنا سليمان: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النمل:٢٢].
هذا هو الهدهد، وهو المخلوق الأقل من سليمان عليه السلام يقول له: لقد عرفت ما لم تعرفه أنت، وكأن هذا القول قد جاء ليعلمنا حسن الأدب مع من هو دوننا، فهو يهب لمن دوننا ما يعلّمه لنا، وهكذا يتعلم الإنسان ممن هو دونه، وممن سخره الله له، وانظر كيف أبرز لنا الله أن الأدنى إن رأى خبرًا لا بد أن يبلغه للأعلى، فتتحقق سيولة المعلومات، التي يتخذ الأعلى على ضوئها القرار المناسب110.
٣. مكانة العلم وشرفه.
ويتجلى ذلك أيضًا من قصة الهدهد مع سليمان عليه السلام، فالهدهد مع أنه في نهاية الضعف، ومع أنه كان في موقف المعاتبة، حيث توعده سليمان عليه السلام لغيابه بدون علم، ولما كان ملكه مبنيًا على كمال العدل استثنى بقوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [النمل:٢١].
فلولا أن العلم أشرف الأشياء، وإلا فمن أين للهدهد أن يتكلم في مجلس سليمان بمثل هذا الكلام: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النمل:٢٢].
ولذلك يرى الرجل الساقط إذا تعلم العلم صار نافذ القول عند السلاطين، وما ذاك إلا ببركة العلم111.
٤. الحيوانات تعرف ربها وتسبّحه وتوحّده.
وتحب المؤمنين وتدين لربها بذلك، وتبغض الكفار المكذبين، ويتجلى ذلك فيما حكاه الله عن الهدهد: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النمل:٢٢-٢٦].
ففي هذه المدة القصيرة جاء الهدهد بهذه المعلومات العظيمة، أخبر سليمان عن ملك الديار اليمانية، وأن ملكتهم امرأة، وأنها قد أعطيت من كل شيء يحتاج الملك إليه، وأن لها عرشًا عظيمًا، ومع فهمه لملكهم وقوتهم فهم أيضًا دينهم، وأنهم مشركون يعبدون الشمس، وأنكر الهدهد عليهم غاية الإنكار112.
أشاد الله سبحانه وتعالى بالأمثال في محكم كتابه الكريم، مبينًا أنه اشتمل على كل مثل من الحق يحتاجه الناس، وأن السبيل قد استبان بتلك الأمثال، وما بقي على الناس إلا أن يتفكروا بها ويتذكروا.
قال جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الكهف:٥٤].
وقال تعالى في موضع آخر: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الحشر:٢١].
وقد بين جل وعلا أنه ضرب للناس أمثالهم التي يتعرفون بها على الهدى والضلال، والخير والشر، والحق والباطل، وما آل إليه أهلها من العواقب الحميدة، أو النهايات الوخيمة.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [محمد:٣].
وقد ذكر الله الطير في المثل القرآني ليبين حال المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه، بالذي يهوي من السماء فتتخطفه الطير من كل جانب.
قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحج:٣١].
قال الزجاج في هذه الآية: «وهذا مثل ضربه الله للكافر في بعده عن الحق، فأعلم اللّه أن بعد من أشرك به من الحق، كبعد من خرّ من السماء، فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكانٍ سحيق، أي: بعيدٍ»113.
ولنستمع إلى ابن القيم وهو يصور لنا حال هذا المشرك الذي ارتكس في أوحال الوثنية، حيث قال رحمة الله في كلامه لبيان هذا المشهد في هذه الآية: فتأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق بغيره، ويجوز لك في هذا التشبيه أمران:
أحدهما: أن تجعله تشبيها مركبًا، ويكون قد شبه من أشرك بالله برجل قد تسبب إلى هلاك نفسه هلاكًا لا يرجى معه نجاة، فحاله كحال من سقط من السماء فاختطفته الطير في الهواء ومزقته في حواصلها، أو عصفت به الريح فسقط في مكان عميق، وعلى هذا لا تنظر إلى كل فرد من أفراد المشبه ومقابله من المشبه به.
والثاني: أن يكون من التشبيه المفرق، فيقابل كل واحد من أجزاء الممثِّل بالممثَّل به، فيكون قد شبه التوحيد في علوه وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض، وإليها يصعد منها، وشبه تارك التوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين لما يجده من التضييق والشدة، وشبه الشياطين التي تؤزه وتتقاسم قلبه بالطير التي تتقاسم لحمه، وشبه هواه الذي ألقاه في التهلكة بالريح التي هوت به في مكان سحيق114.
وقال السعدي في تفسير هذه الآية: «(ﭗ ﭘ ﭙ) فمثله (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) أي: سقط منها (ﭞ ﭟ) بسرعة (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) أي: بعيد، كذلك المشرك، فالإيمان بمنزلة السماء، محفوظة مرفوعة، ومن ترك الإيمان، بمنزلة الساقط من السماء، عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه، وأذهبوا عليه دينه ودنياه»115.
وذكر ابن عاشور أن الكافرين في هذه الآية قسمان: «قسم شركه ذبذبة وشك، فهذا مشبه بمن اختطفته الطير فلا يستولي طائر على مزعة منه إلا انتهبها منه آخر، فكذلك المذبذب متى لاح له خيال اتبعه وترك ما كان عليه، وقسم مصمم على الكفر مستقر فيه، فهو مشبه بمن ألقته الريح في واد سحيق، وهو إيماء إلى أن من المشركين من شركه لا يرجى منه خلاص كالذي تخطفته الطير، ومنهم من شركه قد يخلص منه بالتوبة، إلا أن توبته أمر بعيد عسير الحصول»116.
والخلاصة في القول: إن الطير في هذا المثل شبهت بالشياطين التي تتخطف المشرك بالله من كل جانب، فتسلبه دينه ودنياه، فهو هالك لا محالة.
أخبر الله جل وعلا في محكم كتابه الكريم عن المكذبين لرسل الله ورسالاته المعرضين عن آياته، أنهم كانوا إذا أصابهم الخير والخصب والسعة في الأموال والأولاد، قالوا هذا من عند الله، أو نحن أحق بها، وإن أصابهم الفقر والمرض والجدب تطيروا وتشاءموا برسل الله وأنبيائه، ومن ذلك ماحكاه الله عن قوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال جل وعلا: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [النساء:٧٨].
وكانت العرب أكثر الناس طيرة، وكانت إذا أرادت سفرًا نفرت طائرًا، فإذا طار يمنة سارت وتيمنت، وإن طار شمالًا رجعت وتشاءمت117، والتشاؤم دأب الكفرة من قبل، حيث كانوا يتطيرون ويتشاءمون بالأنبياء والرسل عليهم السلام، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم صالح عليه السلام.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل:٤٧].
قال الماتريدي في هذه الآية: «أي: تشاءمنا منك وبمن معك، ولم يزل الكفرة يقولون لرسل اللّه عليهم السلام ولمن آمن منهم: اطيرنا بكم، إذا أصابتهم الشدة والبلاء يتطيرون بهم ويتشاءمون، ويقولون: إنما أصابنا هذا بشؤمكم، وإذا أصابهم رخاء وسعة قالوا: هذا لنا بنا ومن أنفسنا، وهو ما قال موسى، حيث قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الأعراف:١٣١].
وكذلك قال أهل مكة لرسول اللّه، حيث قال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [النساء:٧٨].
كانوا يتطيرون برسول اللّه ويتشاءمون بما يصيبهم من الشدة، وما ينزل بهم من البلاء، فأخبر اللّه رسوله، وأمره أن يقول لهم: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء:٧٨]»118.
قال أبو السعود: «فأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم بأن يردّ زعمهم الباطل ويرشدهم إلى الحق ويلقمهم الحجر ببيان إسناد الكلّ إليه تعالى على الإجمال؛ إذ لا يجترئون على معارضة أمر الله عزّ وجلّ حيث قال:(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) أي: كلّ واحدةٍ من النعمة والبلية من جهة الله تعالى خلقًا وإيجادًا من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شيء منهما بوجهٍ من الوجوه كما تزعمون، بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلًا، ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلي بها عقوبةً»119.
وسمى التشاؤم تَطَيُّرًا؛ لأنه من قبل كان من دأبهم أنهم إذا خرجوا مسافرين فمروا بطائر زجروه، أي: رموه بحجر ونحوه، فإن مرّ سانحًا بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره تيمنوا به، وإن مر بارحًا بأن مر من المياسر إلى الميامن تشاءموا منه120.
وفي قوله تعالى:(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)قال البغوي: «أي ما يصيبكم من الخير والشر عند الله بأمره وهو مكتوب عليكم، سمي طائرًا لسرعة نزوله بالإنسان، فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم، وقيل: طائركم، أي: عملكم عند الله، سمي طائرًا؛ لسرعة صعوده إلى السماء»121.
ثم بين الله تعالى سبب نزول الشر عليهم حيث قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ).
قال الشوكاني في هذه الآية: «أي: تمتحنون، وتختبرون... فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه»122.
وأخبر الله جل وعلا كذلك عن قوم فرعون، فقد تشاءموا بموسى عليه السلام ومن معه.
قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأعراف:١٣١].
قال البغوي: «(ﭘ ﭙ ﭚ)، جدب وبلاء ورأوا ما يكرهون، (ﭛ) يتشاءموا، (ﭜ ﭝ ﭞ)، وقالوا: ما أصابنا بلاء حتى رأيناهم، فهذا من شؤم موسى وقومه»123.
وهذا دليل على جهلهم وعنادهم.
قال أبو السعود: «وهذا كما ترى شاهدٌ بكمال قساوة قلوبهم، ونهاية جهلهم وغباوتهم، فإن الشدائد ترقّق القلوب، وتلين العرائك لا سيما بعد مشاهدة الآيات، وقد كانوا بحيث لم يؤثر فيهم شيءٌ منها، بل ازدادوا عتوًّا وعنادًا»124.
فرد الله تعالى عليهم بقوله:(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ).
قال السعدي: «أي: بقضائه وقدرته، ليس كما قالوا، بل إن ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك»125.
ثم بين الله جل وعلا سبب تشاؤمهم بقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)، وإسناد عدم العلم إلى أكثرهم؛ للإشعار بأن بعضهم يعلمون أن ما أصابهم من الخير والشرّ من جهة الله تعالى، أو يعلمون أن ما أصابهم من المصائب والبلايا ليس إلا بما كسبت أيديهم، ولكن لا يعلمون بمقتضاه عنادًا واستكبارًا126.
وكذلك أخبر الله تعالى عن أصحاب القرية حيث تشاءموا كذلك برسلهم، قال جل شأنه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [يس:١٨-١٩].
قال النسفي: «تشاءمنا بكم، وذلك أنهم كرهوا دينهم، ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه وقبلته طباعهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك»127، ودل هذا القول منهم على أنه قد نزل شيء من العذاب، والشدة حتى تشاءموا بهم ذلك، ولم يزل عادة الكفرة التطير بالرسل عند نزول البلاء بهم128.
ولما ضاقت بهؤلاء المكذبين الحيل، وأعيتهم الحجج، لم يكتفوا بما قالوا، بل لجئوا إلى التهديد والوعيد (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ).
قال الطبري: لئن لم تنتهوا عما ذكرتم من أنكم أرسلتم إلينا بالبراءة من آلهتنا، والنهي عن عبادتنا لنرجمنكم، قيل: لنرجمنكم بالحجارة، قاله قتادة، وفي قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)قال: ولينالنّكم منا عذاب موجع129.
فأجاب الرسل عليهم دفعًا لما زعموه من التشاؤم بهم بقولهم: (ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ).
قال المراغي: (ﮑ ﮒ ﮓ) أي قالوا لهم سبب شؤمكم من أفعالكم، لا من قبلنا كما تزعمون، فأنتم أشركتم بالله، وارتكبتم المعاصي، أما نحن فلا شؤم من قبلنا، فإنا لا ندعو إلا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، وفي ذلك منتهى اليمن والبركة، (ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) أي: أمن جرّاء أنا ذكرناكم، وأمرناكم بعبادة الله، تقابلوننا بمثل هذا الوعيد؟ بل أنتم قوم ديدنكم الإسراف ومجاوزة الحد في الطغيان، ومن ثم جاءكم الشؤم، ولا دخل لرسل الله في ذلك، فقد جعلتم أسباب السعادة أسبابًا للشقاء، ولا يخفى ما في ذلك من شديد التوبيخ، وعظيم التهديد والتنبيه إلى سوء صنيعهم بحرمانهم من الخيرات130.
[انظر بحث التشاؤم: التشاؤم بالطيور]
الجنة هي الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كدر، وما حدثنا الله تعالى به عنها، وما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم يحير العقل ويذهله؛ لأن تصور عظمة ذلك النعيم يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه.
يقول الله عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)131.
وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الزخرف:٧١].
وقد أباح الله لهم أن يتناولوا من خيراتها وألوان طعامها ما يشتهون، ومن ذلك لحوم الطير.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة:٢١].
قال الطبري: «من الطير الذي تشتهيه نفوسهم»132.
والاشتهاء: مصدر اشتهى، وهو افتعال من الشهوة التي هي: محبة نيل شيء مرغوب فيه من محسوسات ومعنويات، وجعل الاشتهاء للحم الطير؛ لأنه أعلق بالطعام، فلذة كسر الشهية بالطعام لذة زائدة على لذة حسن طعمه133.
قال الماتريدي: «إن أهل الجنة إنما يتناولون ما يتناولون على الشهوة، لا على الحاجة وسد الجوع، وهو كما ذكر جل وعلا: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الزخرف:٧١]»134.
فيطوف الغلمان على أهل الجنة بألوان من المطاعم المختلفة، فيختارون منها ما تميل إليه نفوسهم، وبأنواع من لحوم الطير مما لذّ وطاب، فيأخذون منها ما يشتهون، وفيه يرغبون135.
وأما السعدي فيقول في تفسير هذه الآية: «أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه، ومن أي جنس من لحمه أرادوا، وإن شاءوا مشويًّا، أو طبيخًا، أو غير ذلك»136.
وذكر لحم الطير؛ لأن لحوم الطير أنعم اللحوم وألذها137.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن في الجنة طيرًا أعناقها كأعناق الجزر، فقال عمر: إن هذه لناعمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلتها أنعم منها138.
والجزر: جمع جزور، وهو البعير139.
موضوعات ذات صلة: |
التشاؤم، الحشرات، الحيوان، الطيبات |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٤٣٥-٤٣٦.
2 لسان العرب، ابن منظور ٤/ ٥٠٨
3 المصدر السابق ٤/ ٥٠٨
4 العين،، الفراهيدي ٧/ ٤٤٧
5 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ١٩٤
6 المفردات، الراغب الاصفهاني ص ٥٢٨
7 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/ ٥٤٩
8 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٣٣.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٥٢٨.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/ ٣٦٩-٣٧٠، الكليات، الكفوي ص ٤٣٨، تاج العروس، الزبيدي ٢ / ٣٩٢.
11 انظر: التوقيف، المناوي ص ١٦٣، موسوعة الطير والحيوان في الحديث النبوي، عبد اللطيف عاشور ص ١٨١.
12 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٩٧.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/ ٢١٤.
14 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس ص ١٩٠.
15 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ منها، رقم ٢٤٦٦.
16 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٨٢.
17 انظر: التوقيف، المناوي ص ١٤١.
18 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٩٧.
19 تفسير السمرقندي ٣/ ٤٧٧ .
20 الوسيط، الواحدي ٤/ ٣٣٠ .
21 غرائب القرآن، النيسابوري ٦/ ٣٢٩ .
22 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٦/ ١٢.
23 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٧٧.
24 المصدر السابق ص ٢٥٥ .
25 الكشاف، الزمخشري ٢/ ٢١ .
26 لباب التأويل، الخازن ٢/ ١١٠ .
27 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/ ٢٤٩١.
28 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/ ٤١٩ .
29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٥٩٠ .
30 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/ ٢٣٦.
31 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٤/ ١٩٥ .
32 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/ ٥٩٣، غرائب القرآن، النيسابوري ٦/ ٣٢٩ .
33 جامع البيان، الطبري ١٨/ ٤٧٩.
34 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/ ١٦٨، مدارك التنزيل، النسفي ٢/ ٤١٥ .
35 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/ ٢٣١-٢٣٢ .
36 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٧٢.
37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٧٠ .
38 فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٤٧-٤٨ .
39 فتح البيان، القنوجي ٩/ ٢٤١ .
40 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/ ٦٠٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٤٨٣ .
41 جامع البيان، الطبري ٢٤/ ٦٠٥ .
42 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/ ٣٦٣ .
43 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/ ١٩٧، فتح القدير، الشوكاني ٥/ ٦٠٥ .
44 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/ ٢٩١ .
45 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١٠/ ٥٤٣-٥٤٤ .
46 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/ ٤٠٢ .
47 انظر: المصدر السابق ٢٠/ ٥٠٠-٥٠١ .
48 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٨١-٨٢، لباب التأويل، الخازن ٢/ ٣٢، أضواء البيان، الشنقيطي ١/ ٣٧١ .
49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٨١-٨٢ .
50 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٤/ ١١١.
51 فتح البيان، القنوجي ٣/ ٤٠١ .
52 روح المعاني، ٣/ ٢٨٦ .
53 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/ ٢٢٥ .
54 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/ ٢١٣٢ .
55 تفسير الراغب الأصفهاني ٤/ ٣٢٩ .
56 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/ ٢٢٦ .
57 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/ ٢١٣١-٢١٣٢.
58 محاسن التأويل، القاسمي ٤/ ١١٢ .
59 انظر: الوسيط، الواحدي ١/ ٣٧٤.
60 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/ ٤٨٥-٤٨٦، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٢/ ٥٠٧.
61 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/ ٤٨٦-٤٨٧ .
62 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٦٨٩.
63 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/ ٢٩٧، فتح القدير، الشوكاني ١/ ٣٢٣ .
64 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/ ٥٠٣ .
65 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/ ١٥٧ .
66 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٢/ ٩٦٦ .
67 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٥٦ .
68 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/ ٣٩-٤٠.
69 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/ ٢٥٧ .
70 جامع البيان، الطبري ١٦/ ٩٤-٩٥ .
71 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٨٨.
72 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٦/ ٢٣٨.
73 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/ ٩٨-١٠٠.
74 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٨٨.
75 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٦/ ٢٣٩.
76 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩٨ .
77 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/ ١١١ .
78 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٦/ ٢٤٢ .
79 محاسن التأويل، القاسمي ٦/ ١٧٨ .
80 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/ ٢٤٣ .
81 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/ ٣٥٨ .
82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٤٩٧.
83 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، رقم ٢٣٦ .
84 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٤٩٧.
85 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/ ١٣٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ١٥٦ .
86 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/ ٥٦٤.
87 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٥٧-٥٨.
88 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/ ٤٣٨-٤٣٩.
89 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٨/ ١٠٥، لباب التأويل، الخازن ٣/ ٣٤٠ .
90 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٢ باختصار.
91 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/ ١٦٨.
92 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/ ٢٤٠.
93 تأويلات أهل السنة، ٨/ ١٠٨ باختصار.
94 تيسير الكريم الرحمن، ص ٦٠٣ باختصار.
95 نظم الدرر، البقاعي ١٤/ ١٤٩ .
96 محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ٤٩٥ .
97 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/ ١٨ باختصار.
98 فتح القدير، الشوكاني ١/ ٣٩٢ .
99 تفسير القرآن العظيم، ٢/ ٤٤ بتصرف يسير.
100 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/ ١٢٣٠ .
101 تفسير القرآن العظيم، ٣/ ٢٢٣ .
102 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/ ٢٣٩٧ .
103 انظر: التربية الإسلامية، محمد منير مرسي ص ١٣٨ .
104 انظر: التربية في عصور ما قبل الإسلام وبعده، عباس محجوب ص ١٠٣ .
105 انظر: مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها، علي أحمد مدكور ص ٢٤٦ .
106 تفسير الشعراوي ١٧/ ١٠٢٩٢ .
107 انظر: تفسير الشعراوي ٥/ ٣٠٨٤، و ١٤/ ٨٩٣٣ .
108 انظر: جماليات المفردة القرآنية، أحمد ياسوف ص ١٣٣ .
109 انظر: التربية في عصور ما قبل الإسلام وبعده، عباس محجوب ص ١٠٣ .
110 انظر: تفسير الشعراوي ٩/ ٥٦٧٤-٥٦٧٥ .
111 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/ ٤٠٧، تيسير اللطيف المنان، السعدي ص ٢٤٢ .
112 انظر: تيسير اللطيف المنان، السعدي ص ٢٤٢-٢٤٣ .
113 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/ ٤٢٥ .
114 إعلام الموقعين، ١/ ١٣٨- ١٣٩ بتصرف واختصار.
115 تيسير الكريم الرحمن، ص ٥٣٨ .
116 التحرير والتنوير، ١٧/ ٢٥٥ .
117 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/ ٢١٤ .
118 تأويلات أهل السنة، ٨/ ١٢١-١٢٢ .
119 إرشاد العقل السليم، ٢/ ٢٠٥ .
120 انظر: تفسير المراغي ١٩/ ١٤٧.
121 معالم التنزيل، ٣/ ٥٠٩ باختصار.
122 فتح القدير، ٤/ ١٦٥ .
123 معالم التنزيل، ٢/ ٢٢٢ .
124 إرشاد العقل السليم، ٣/ ٢٦٤ .
125 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٠١ .
126 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/ ٢٦٤ .
127 مدارك التنزيل، ٣/ ١٠٠ .
128 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٨/ ٥١٠ .
129 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/ ٥٠٢ .
130 تفسير المراغي ٢٢/ ١٥٢-١٥٣ بتصرف واختصار.
131 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٤، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
132 جامع البيان، الطبري ٢٣/ ١٠٥ .
133 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/ ٢٩٥ .
134 تأويلات أهل السنة، ٩/ ٤٩١ .
135 انظر: تفسير المراغي ٢٧/ ١٣٧ .
136 تيسير الكريم الرحمن، ص ٨٣٣ .
137 تفسير الحجرات، الحديد، ابن عثيمين ص ٣٣٤ .
138 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٣٣٠٦، والترمذي في سننه، رقم ٢٥٤٢، والنسائي في سننه، رقم ١١٦٣٩، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال الترمذي: حديث حسن.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٥١٤.
139 تحفة الأحوذي، المباركفوري ٧/ ٢١٢ .