عناصر الموضوع

مفهوم صفات الله عز وجل

صفات الله في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

منهج السلف في الإيمان بصفات الله

أنواع صفات الله تعالى

دلائل إثبات صفات الكمال لله تعالى

طريقة القرآن في عرض صفات الله

الصفات المنفية عن الله تعالى

ثمرات الإيمان بصفات الله تعالى

صفات الله عز وجل

مفهوم صفات الله عز وجل

أولًا: المعنى اللغوي:

قال ابن فارس: «الصفة: الأمارة اللازمة للشيء»1، وقال: «النعت: وصفك الشيء بما فيه من حسن»2؛ لأن الصفة: مصدر وصفت الشيء أصفه وصفًا، وصفة، مثل: وعد، وعدًا، وعدة3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

«هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها»4، «وهي ما وقع الوصف مشتقًا منها، وهو دالٌّ عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه»5.

«فإذا قيل: إن الله بكل شيء عليم، وهو رحمن رحيم، وعلى كل شيء قدير، فالمعاني القائمة بالرب تعالى التي دل عليها هذا الكلام، من العلم، والرحمة والقدرة، هي الصفات المقصودة، وإنكار ذلك مكابرة، أو عناد وضلال، وإلحاد»6.

«وقد نص الأئمة على أن صفاته داخلة في مسمى أسمائه، فلا يقال: إن علمه وقدرته زائدة عليه. ومن قال من أهل السنة: إن الصفات، زائدة على الذات، فمراده: أنها زائدة على ما أثبته أهل التعطيل، الذين أثبتوا ذاتًا مجردة عن الصفات؛ لأنه ليس في الوجود ذات مجردة عن الصفات، كما لا يمكن وجود صفات بلا ذات تقوم بها، فتخيل وجود أحدهما دون الآخر من الهوس»7.

والخلاصة:أن صفات الله هي التي تقوم بذاته، فهي نعوت الكمال القائمة بالذات الإلهية كالعلم والحكمة والسمع والبصر والكلام... إلخ.

صفات الله في الاستعمال القرآني

لم ترد «صفات الله» كمركب إضافي في الاستعمال القرآني، ولكن تحدث القرآن عن صفات الله عز وجل من خلال:

أولًا: الحديث عن ألفاظ ذات صلة بصفات الله تعالى.

كحديث القرآن عن أسماء الله تعالى الحسنى بما تتضمنه من صفات الكمال التي تليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى مثل: الحي، القيوم، الرحيم، الودود، العزيز، السميع، القدير، العليم، البصير.

ثانيًا: الحديث عن أنواع صفات الله تعالى:

فقد تحدث القرآن الكريم عن صفات الله تعالى في كثير من آياته، وهي تنقسم إلى:

  1. الصفات الذاتية: كالحياة، والعلم، والقدرة، والعزة، والسمع، والبصر، والقوة.
  2. الصفات الفعلية: كالاستواء على العرش، والخلق، والرزق، والإتيان والمجيء لفصل القضاء يوم القيامة، والغضب، والرضا، والمحبة، والكره، والقبض، والبسط، وغير ذلك من أفعال الرب تبارك وتعالي.
  3. الصفات المقابلة أو السلبية: كالنوم، والموت، والضلال، والنسيان، والعجز، والتعب، والظلم، والبخل، والفقر، وغير ذلك مما تحدث عنه القرآن.

    الألفاظ ذات الصلة

    الأسماء:

    الاسم لغة:

    مشتق من السمو والعلو 8.

    وهو اللفظ الموضوع لمعنًى تعيينًا أو تمييزًا، وقيل: هو العلامة توضع على الشيء يعرف بها 9.

    الحسنى لغة:

    حسنى على وزن «فعلى» تأنيث أفعل التفضيل، فحسنى تأنيث أحسن، ككبرى تأنيث أكبر، وصغرى تأنيث أصغر، ولذلك يخطئ من يقول: «إنها تأنيث حسن»؛ لأن تأنيث «حسن» «حسنة»، ومن أجل ذلك لا يصح أن نقول: «إن أسماء الله حسنة»، والصواب هو أن نقول: «إن أسماء الله حسنى» كما وصفها الله بذلك 10.

    الأسماء الحسنى اصطلاحًا:

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها» 11.

    وقيل: أسماء الله تعالى الحسنى: هي التي تسمى بها سبحانه، واستأثر بها لنفسه جل وعلا12.

    الصلة بين صفات الله والأسماء الحسنى:

    أسماء الله الحسنى هي الأصل الذي يؤخذ منها الصفات العلى، ومن هنا فالعلاقة ذات صلة كبيرة إذ مبناها على الأصل وفرعه، وقد قال ابن القيم رحمه الله: « إثبات صفات الكمال الذي أثبته لنفسه وتنزيهه عن العيوب والنقائص والتمثيل وأن ما وصف الله به فهو الذي يوصف به لا ما وصفه به الخلق »13. ولعل هذا مما يبين لنا العلاقة بين الاسم والصفة.

    ومن أهم ما يبين هذه الصلة الكبيرة بين الأسماء والصفات ما يلي:

    أولًا: «إن أهل السنة يؤمنون بأن كل اسم من أسماء الله يدل على معنى الذي نسميه «الصفة» فلذلك كان لزامًا على من يؤمن بأسماء الله تعالى أن يراعي الأمور التالية:

  1. الإيمان بثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
  2. الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى أي «الصفة».
  3. الإيمان بما يتعلق به من الآثار والحكم والمقتضى.

    مثال ذلك: «السميع«: اسم من أسماء الله الحسنى، فلابد من الإيمان به من:

    • إثبات اسم «السميع» باعتباره اسمًا من أسماء الله الحسنى.
    • إثبات «السمع» صفة له.
    • إثبات الحكم «أي الفعل» وهو أن الله يسمع السر والنجوى.
    • إثبات المقتضى والأثر: وهو وجوب خشية الله ومراقبته وخوفه والحياء.

      منه عز وجل»14.

      وكذلك الصفات: «فأهل السنة يرون أنه لزامًا على من أراد إثبات الصفات والإيمان بأنها صفات كمال تثبت لله حقيقة أن يراعي الأمور التالية:

    1. إثبات تلك الصفة فلا يعاملها بالنفي والإنكار.
    2. أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة ولا يغير اسمها ويعيرها اسمًا آخر، كما تسمي المعطلة سمعه وبصره وكلامه «أعراضا» ويسمون وجهه ويديه وقدمه « جوارح و أبعاضًا »ويسمون علوه على خلقه واستواءه على عرشه «تحيزًا».
    3. عدم تشبيهها بما في المخلوق، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
    4. اليأس من إدراك كنهها وكيفياتها، فالعقل قد يئس من تعرف كنه الصفة وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول أهل السنة: «بلا كيف »، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك.
    5. تحقيق المقتضى والأثر لتلك الصفات، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها -أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها- فعلم العبد بتفرد الرب بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، يثمر له عبودية « التوكل»، وعلم العبد بجلاله الله وعظمته وعزه، يثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة»15.

      ثانيًا: إن أسماء الله مشتقة من صفاته:

      وترجع أسماء الله الحسنى من حيث معانيها إلى أحد الأمور التالية:

    1. صفات معنوية: كالعليم، والقدير، والسميع، والبصير.
    2. ما يرجع إلى أفعاله: كالخالق، والرازق، والبارئ، والمصور.
    3. ما يرجع إلى التنزيه المحض: ولا بد من تضمنه ثبوتًا إذ لا كمال في العدم المحض: كالقدوس، والسلام، والأحد.
    4. ما دل على جملة أوصاف عديدة ولم يختص بصفة معينة بل هو دال على معنى مفرد نحو: المجيد، العظيم، الصمد. 16

      منهج السلف في الإيمان بصفات الله

      لقد فهم السلف الصالح آيات الصفات فهمًا صحيحًا، حيث آمنوا بها إيمانًا يقينيًا، وذلك بإثباتها إثباتًا يثبت به اللفظ ومعناه اللائق به، ونفيها نفيًا يستوجب ضده، وهو الكمال المنفي من هذا السلب، فالواجب في أسمائه الحسنى وصفاته العليا أن تثبت على ما جاء به الكتاب والسنة على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته، فلا ينفى منها اسم ولا ينفى من معانيها صفة ولا تشبه بصفات المخلوقين.

      أولًا: بيان طريق أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته مع أمثلة توضح تلك الطريقة:

      أهل السنة والجماعة طريقتهم في أسماء الله وصفاته أنهم يعتبرون أن ما ثبت من أسماء الله وصفاته في كتاب الله أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حق على حقيقته يراد به ظاهره ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين وذلك لأن تحريف المحرفين مبني على سوء فهم، أو سوء قصد حيث ظنوا أنهم إذا أثبتوا تلك النصوص، أو تلك الأسماء والصفات على ظاهرها ظنوا أن ذلك إثبات للتمثيل، ولهذا صاروا يحرفون الكلم عن مواضعه، وقد يكونون ممن لم يفهموا هذا الفهم ولكن لهم سوء قصد في تفريق هذه الأمة الإسلامية شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون.

      ولهذا كانت طريقتهم أن أسماء الله وصفاته توقيفية لا يمكن لأحد أن يسمي الله بما لم يسم به نفسه، أو أن يصف الله بما لم يصف به نفسه.

      فإن أي إنسان يقول: إن من أسماء الله كذا، أو ليس من أسماء الله، أو أن من صفات الله كذا، أو ليس من صفات الله بلا دليل أنه لاشك قول على الله بلا علم17.

      وقد قال الله سبحانه وتعالى: ( ) [الأعراف:٣٣].

      قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «وقوله: ( ) أي: تجعلوا له شريكًا في عبادته، وأن تقولوا عليه من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولدًا ونحو ذلك، مما لا علم لكم به»18.

      ثم إن طريقتهم في أسماء الله تعالى أن ما سمى الله به نفسه. فإن كان من الأسماء المتعدية فإنهم يرون من شرط تحقيق الإيمان به ما يلي:

    1. أن يؤمن المرء بذلك الاسم اسمًا له عز وجل.
    2. أن يؤمن بما دل عليه من الصفة سواء كانت الدلالة تضمنًا أو التزامًا.
    3. أن يؤمن بأثر ذلك الاسم الذي كان مما دل عليه الاسم من الصفة19.

      وهنا أضرب أمثلة:

      من أسماء الله تعالى: «البصير» وقد ورد في آيات كثير منها قوله تعالى: ( ) [الشورى:١١].

      ومن صفاته: البصر: قال تعالى: ( ﭞﭟ ) [المجادلة:١].

      وقد ذكر ابن كثير رحمه الله سبب نزول هذه الآية فقال: «عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: ( ) إلى آخر الآية وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقًا فقال: وقال الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، فذكره»20.

      ويجب على طريق أهل السنة والجماعة أن يثبت هذا الاسم من أسماء الله فيدعى الله به ويعبد به فيقال مثلًا عبد البصير ويقال يا بصير يا عليم وما أشبه، وكذلك أيضًا يثبت ما دل عليه هذا الاسم من الصفة وهي البصر فنثبت لله بصرًا عامًا شاملًا لا يخفى عليه أي شيء وإن ضعف، كما نثبت أيضًا أثر هذه الصفة وهي أن الله تبارك وتعالى يبصر كل شيء وبهذا ننتفع انتفاعًا كبيرًا من أسماء الله وصفاته لأنه يلزم من هذه الأمور الثلاثة التي أثبتناها في الاسم إذا كان متعديًا أن نتعبد الله به فنحقق قول الله عز وجل: ( ) [الأعراف:١٨٠].

      قال ابن سعدي رحمه الله تعالى: «ومن تمام كونها «حسنى» أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال: ( ) وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلًا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علي يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، ونحو ذلك»21.

      ومن أسمائه «الحي».

      فإن الحي من أسماء الله عز وجل، نثبته اسمًا لله فنقول من أسماء الله تعالى: «الحي» وندعو الله به فنقول: «يا حي، يا قيوم» وهو متضمن لصفة الحياة الكاملة المطلقة وقد ورد في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ( ﭭﭮ ) [الفرقان:٥٨].

      «وإنما قال: ( )، لأن من توكل على الحي الذي يموت فإذا مات المتوكل عليه صار المتوكل ضائعًا، وأما الله تعالى فهو حي لا يموت فلا يضيع المتوكل عليه».22

      ونؤمن بما دل عليه من صفة، سواء كان ذلك تضمنًا أو التزامًا، وهي الحياة الكاملة التي تتضمن كل ما يكون من صفات الكمال في الحي من علم، وقدرة، وسمع، وبصر، وكلام وغير ذلك، فعلى هذا نقول إذا كان الاسم من أسماء الله غير متعد فإن تحقيق الإيمان به يكون بأمرين:

      أحدهما: إثباته اسمًا من أسماء الله.

      والثاني: إثبات ما دل عليه من الصفة على وجه الكمال اللائق بالله تبارك وتعالى.23

      وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: «اعلموا أن مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم، وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضل. وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها قرآن عظيم.

      أحد هذه الأسس الثلاثة هو تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين. وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى: ( ) [الشورى:١١].

      ( ) [الإخلاص:٤].

      ( ) [النحل:٧٤].

      الثاني من هذه الأسس: هو الإيمان بما وصف الله به نفسه، لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله ( ) [البقرة:١٤٠].

      والإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وينزه ربه جل وعلا عن أن تشبه صفته صفة المخلوقين. وحيث أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة ضلال، لأن من تنطع بين يدي رب السموات والأرض وتجرأ على الله بهذه الجرأة العظيمة ونفى عن ربه وصفا أثبته لنفسه فهذا مجنون فالله جل وعلا يثبت لنفسه صفات كمال وجلال فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السموات والأرض ويقول هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ويلزمه من النقص كذا وكذا، فأنا أؤوله وألغيه وآتى ببدله من تلقاء نفسي من غير استناد إلى الكتاب أو السنة. سبحانك هذا بهتان عظيم!

      ومن ظن أن صفة خالق السموات والأرض تشبه شيئا من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل، ملحد ضال، ومن آمن بصفات ربه جل وعلا منزها ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل. وهذا التحقيق هو مضمون قوله: ( ﭣﭤ ) [الشورى:١١].

      فهده الآية فيها تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. ذلك لأن الله قال: ( ) بعد قوله: ( ).

      ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات، فكأن الله يشير للخلق ألا ينفوا عنه سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبيه بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس ( ).

      فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لا شك فيه. إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكمل من أن تشبه صفات المخلوقين، فمن نفي عن الله وصفا أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله سبحانك هذا بهتان عظيم!

      ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيئًا من صفة الخلق فهذا مجنون ضال ملحد لا عقل له يدخل في قوله تعالى: ( ﮣﮤ ) [الشعراء:٩٧-٩٨].

      ومن يسوى رب العالمين بغيره فهو مجنون»24.

      أنواع صفات الله تعالى

      أولًا: الصفات الذاتية:

      هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، فضابطها: هي التي لا تنفك عن الذات. أو: التي لم يزل ولا يزال الله متصفًا بها. أو: الملازمة لذات الله تعالى. وضابط هذه الصفات: هي ما قام بالذات الإلهية مما يميزها عن غيرها، ووردت به نصوص الكتاب والسنة25.

      كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة. ومنها الصفات الخبرية: كالوجه واليدين والعينين. وتأمل اسم الله الأحد المتضمن صفة الأحدية، فهذه الصفة تدل على الكمال المطلق؛ كما تدل على نفي صفة الولادة والتولد، وإن ورد ذلك في آية أخرى وهي قوله في سورة الإخلاص: ( ) [الإخلاص:٣].

      وقوله في سورة الجن: ( ) [الجن:٣].

      وصفة النفس كما في قوله تعالى: ( ) [الأنعام:٥٤].

      فهي تدل على الكمال المطلق، ولنضرب أمثلة على هذه الصفات الذاتية والتي منها:

      ١. الوجه.

      قال تعالى: ( ) [الرحمن:٢٧].

      «يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السموات، إلا من شاء الله، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم؛ فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت، بل هو الحي الذي لا يموت أبدًا.

      وهذه الآية كقوله تعالى: ( ) [القصص:٨٨].

      وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه ( ) أي: هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف، كقوله: ( ) [الكهف:٢٨].

      وكقوله إخبارًا عن المتصدقين: ( ) [الإنسان:٩].

      قال ابن عباس: ( ) ذو العظمة والكبرياء»26.

      ٢. اليدان.

      قال تعالى: ( ) [ص:٧٥].

      «إن لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع. مفردًا، ومثنًى، ومجموعًا.

      فالمفرد: كقوله: ( ) [الملك:١].

      والمثنى كقوله: ( ) والمجموع كقوله: ( ) [يس:٧١].

      فحيث ذكر اليد مثناة. أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعدى الفعل بالباء إليهما، وقال: ( ). وحيث ذكرها مجموعة أضاف الفعل إليها، ولم يعد الفعل بالباء.

      فهذه ثلاثة فروق: فلا يحتمل ( ) من المجاز ما يحتمله عملت أيدينا فإن كل أحد يفهم من قوله: عملت أيدينا ما يفهمه من قوله: عملنا وخلقنا، كما يفهم ذلك من قوله: فبما كسبت أيديكم وأما قوله: ( ) فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى فكيف وقد دخلت عليها الباء؟! فكيف إذا ثنيت؟!

      وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد، والمراد الإضافة إليه كقوله: ( ) [الحج:١٠].

      (ﰁﰂ )وأما إذا أضيف إليه الفعل، ثم عدي بالباء إلى اليد مفردة أو مثناة، فهو مما باشرته يده»27 .

      ٣. العينان.

      قال تعالى: (ﯿ ) [الطور:٤٨].

      «أي اصبر على أذاهم ولا تبال بهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس.

      وقوله: ( ﮊ ﮋ ) [القمر:١٣-١٤].

      وقوله: ( ): أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا ( ) أي: جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصارًا لنوح عليه السلام» كبرياء28.

      ثانيًا: الصفات الفعلية:

      هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، وضابطها: هي التي تنفك عن الذات.كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.. إلخ.

      وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء، كما في قوله تعالى: ( ) [يس:٨٢].

      وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته «فإعادته للأموات، فرد من أفراد آثار خلقه، ولهذا قال: ( ) نكرة في سياق الشرط، فتعم كل شيء. ( ) أي:في الحال من غير تمانع»29.

      ومن الصفات الفعلية:

      • صفات العفو والمغفرة والرحمة والعزة والقدرة.

        قال تعالى: ( ) [النساء:١٤٩].

        «وقد بين تعالى في هذه الآية أن العفو مع القدرة من صفاته تعالى، وكفى بذلك حثًا عليه، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ( ﮉﮊ ﮐﮑ ) [النور:٢٢] دليل على أن العفو والصفح على المسيء المسلم من موجبات غفران الذنوب، والجزاء من جنس العمل، ولذا لما نزلت قال أبو بكر: بلى والله نحب أن يغفر لنا ربنا، ورجع للإنفاق على مسطح، ومفعول «أن يغفر الله» محذوف للعلم به، أي: يغفر لكم ذنوبكم»30.

        وقال تعالى: ( ) [المنافقون:٨].

        «أخبر تعالى بأن العزة كلها لله وحده لا شريك له، ولمن جعلها له كما قال في الآية الأخرى: ( ) [فاطر:١٠].

        وقال تعالى: ( ) [المنافقون:٨].

        والمقصود من هذا التهييج طلب العزة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد»31.

        صفة الرحمة والعلم: قال تعالى ( ) [غافر:٧].

        قال ابن جرير رحمه الله تعالى: «ويعني بقوله: ( ): وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك، فعلمت كل شيء، فلم يخف عليك شيء، ورحمت خلقك، ووسعتهم برحمتك»32.

        وقد جمع الدليلين العلم والرحمة معًا في قوله تعالى: ( )»33.

      • صفة المحبة.

        قال تعالى: (ﮪﮫ ) [البقرة:١٩٥]: « إثبات المحبة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ( )؛ وهي محبة حقيقية على ظاهرها؛ وليس المراد بها الثواب؛ ولا إرادة الثواب خلافًا للأشاعرة، وغيرهم من أهل التحريف الذين يحرفون هذا المعنى العظيم إلى معنى لا يكون بمثابته؛ فإن مجرد الإرادة ليست بشيء بالنسبة للمحبة؛ وشبهتهم أن المحبة إنما تكون بين شيئين متناسبين؛ وهذا التعليل باطل، ومخالف للنص، ولإجماع السلف، ومنقوض بما ثبت بالسمع والحس من أن المحبة قد تكون بين شيئين غير متناسبين؛ فقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم: (أن أحدًا -وهو حصى- جبلٌ يحبنا ونحبه)34؛ والإنسان يجد أن دابته تحبه، وهو يحبها؛ فالبعير إذا سمعت صوت صاحبها حنت إليه،وأتت إليه؛ وكذلك غيره من المواشي؛ والإنسان يجد أنه يحب نوعا من ماله أكثر من النوع الآخر»35.

      • صفة الاستواء على عرشه.

        ذكرت في سبعة مواضع «أنه جل وعلا وصف نفسه بالاستواء على العرش، ووصف غيره بالاستواء على بعض المخلوقات، فتمدح جل وعلا في سبع آيات من كتابه باستوائه على عرشه، ولم يذكر صفة الاستواء إلا مقرونة بغيرها من صفات الكمال، والجلال، القاضية بعظمته وجلاله جل وعلا، وأنه الرب وحده، المستحق لأن يعبد وحده

        وقد علمت مما تقدم أنه لا إشكال في ذلك، وأن للخالق جل وعلا استواء لائقًا بكماله وجلاله، وللمخلوق أيضا استواء مناسبًا لحاله، وبين استواء الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق على نحو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كما تقدم إيضاحه»36.

        «ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله تعالى وقد سئل عن قوله تعالى: ( ) [طه:٥].

        كيف استوى؟ فقال: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ».

        هذا هو اللفظ المشهور عنه واللفظ الذي نقل عنه بالسند قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة37.

        وهذا اللفظ أدق من اللفظ الذي سقناه قبل، لأن كلمة «الكيف غير معقول» تدل على أنه إذا انتفى عنه الدليلان النقلي والعقلي فإنه لا يمكن التكلم به.

        هذه الصفة من صفات الله لم يرد اسم من أسماء الله مشتق منه فلم يرد من أسمائه المستوى، ولكننا نقول: إنه استوى على العرش ونؤمن بهذه الصفة على الوجه اللائق به ونعلم أن معنى الاستواء هو العلو، فهو علو خاص بالعرش، ليس العلو المطلق على جميع المخلوقات، بل هو علو خاص ولهذا نقول في قوله تعالى: ( ) [الأعراف:٥٤].

        أي: علا واستقر على وجه يليق بجلاله وعظمته، وليس كاستواء الإنسان على البعير والكرسي مثلًا؛ لأن استواء الإنسان على البعير والكرسي استواء مفتقر إلى مكانه الذي يستوي عليه، أما استواء الله جل ذكره فإنه ليس استواء مفتقر، بل إن الله تبارك وتعالى غني عن كل شيء، كل شيء مفتقر إلى الله، والله تبارك وتعالى غني عنه.

        ومن زعم أنه بحاجة إلى عرش يقله فقد أساء بربه عز وجل فهو سبحانه وتعالى غير مفتقر إلى شيء من مخلوقاته، بل جميع مخلوقاته مفتقرة إليه.

        فاعلم أنه لا يجوز أبدًا أن يتخيل كيفية ذات الله، أو كيفية صفة من صفاته، واعلم أنك إن تخيلت أو حاولت التخيل فإنك لابد أن تقع في أحد محذورين: إما التحريف والتعطيل، وإما التمثيل والتشبيه.

        ولهذا يجب علينا أن لا نتخيل أي شيء من كيفية صفات الله عز وجل، لا أقول لا تثبتوا المعنى يجب أن يثبت، لكن تخيل كيفية تلك الصفة لا يمكن أن تتخيلها وعلى أي مقياس تقيس هذا التخيل.

        لا يمكن أبدًا أن تتخيل كيفية صفات الله عز وجل لا بالتقدير ولا بالقول يجب عليك أن تتجنب هذا لأنك تحاول ما لا يمكن الوصول إليه بل تحاول ما يخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل وذلك لأن الرب جلت عظمته لا يمكن لأحد أن يتخيله على كيفية معينة لأنه إن فعل ذلك فقد قفا ما ليس له به علم وقد قال الله تعالى: ( ) [الإسراء:٣٦].

        وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله والله سبحانه وتعالى يقول: ( ﭣﭤ ) [الشورى:١١].

        وبهذا نعلم أن من أنكر صفات الله أنكرها لأنه تخيل أولًا، ثم قالوا: هذا التخيل يلزم منه التمثيل ثم حرفوا!!

        ولهذا نقول: إن كل معطل ومنكر للصفات فإنه ممثل سبق تمثيله تعطيله، مثل أولًا وعطل ثانيًا ولو أنه قدر الله حق قدره ولم يتعرض لتخيل صفاته سبحانه ما احتاج إلى هذا الإنكار وإلى هذا التعطيل»38.

      • صفة النزول.

        قال تعالى: ( ) [الفجر:٢٢].

        قال ابن كثير: «( ) يعني: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها، أنا لها).39، فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة «سبحان» فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفًا صفوفًا»40.

        وقال ابن القيم: «المجيء والإتيان والذهاب والهبوط هذه من أنواع الفعل اللازم القائم به، كما أن الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والقبض، والبسط أنواع الفعل المتعدي وهو سبحانه موصوف بالنوعين وقد يجمعهما كقوله: ( ) [الحديد:٤]»41.

        وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها، ولكننا نعلم علم اليقين أنه سبحانه لا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة، كما يشير إليه قوله تعالى: ( ﭿ )[الإنسان:٣٠]42.

        الفرق بين القسمين:

        أن الصفات الذاتية لا تنفك عن الذات، أما الصفات الفعلية يمكن أن تنفك عن الذات على معنى أن الله إذا شاء لم يفعلها.

        ولكن مع ذلك فإن كلا النوعين يجتمعان في أنهما صفات لله تعالى أزلًا وأبدًا لم يزل ولا يزال متصفًا بهما ماضيًا ومستقبلًا لائقان بجلال الله عز وجل43.

        و«صفات الله عز وجل ذاتية وفعلية، والصفات الفعلية متعلقة بأفعاله، وأفعاله لا منتهى لها»44.

        و«معاني صفات الله عز وجل الثابتة بالكتاب أو السنة معلومة، وتفسر على الحقيقة، لا مجاز ولا استعارة فيها البتة، أما الكيفية؛ فمجهولة»45.

        ثالثًا: صفات مقابلة:

        وفي الآيات والأحاديث، نجد أفعالًا لربنا سبحانه وتعالى وهي كما يلي بحسب التتبع:

        أفعال: الخداع، المكر، الكيد، الاستهزاء، اللعن، الغضب، الاستخلاف، الإغراق، السخرية، السخط، النسيان، التدمير، النزول، الفرح، الضحك. فهل يمكن أن نشتق من هذه الأفعال-وأمثالها-أسماء لله تعالى فنسميه جل وعلا بالأسماء الآتية؟:الخادع أو المخادع، الماكر، الكايد، المستهزئ، اللاعن، الغاضب، المستخلف، المغرق، الساخر، الساخط، الناسي، المدمر، النازل الفرح، الضاحك؟ لا ينبغي أن نسمي الله بهذه الأسماء، ونقرنها بالأسماء الحسنى كالرحمن، والرحيم، والغفور، والودود، واللطيف، والعلي، والكبير، والسميع، والبصير، ونحو ذلك مما سمى الله تعالى به نفسه من أسمى وأجل وأعظم الأسماء، ولا أن نصف الله بها على سبيل الإطلاق، بل نصفه بها بقيودها وأحوالها وضوابطها التي استخدمت فيها.

        ولنضرب أمثلة من القرآن الكريم تبين ذلك:

        قال تعالى في المنافقين: ( ﭿ) [البقرة:٩].

        فإنه ذكر هذا عقيب قوله: ( ) [البقرة:٨].

        فكان هذا القول منهم كذبًا وظلمًا في حق التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه.

        «وقوله تعالى: ( ) أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: ( ﯬﯭ ﯱﯲ ) [المجادلة:١٨].

        ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: ( ﭿ ) [البقرة:٩].

        يقول: وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم، كما قال تعالى: ( ) [النساء:١٤٢]»46.

        وقال تعالى حيث ذكر بعض مكر اليهود بقوله: ( ﭝﭞ ) [آل عمران:٥٤].

        «قال تعالى مخبرًا عن ملأ بني إسرائيل فيما هموا به من الفتك بعيسى، عليه السلام، وإرادته بالسوء والصلب، حين تمالؤوا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان، وكان كافرًا، فأنهوا إليه أن هاهنا رجلا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك، ويفند الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب، وأنه ولد زانية حتى استثاروا غضب الملك، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به، نجاه الله من بينهم، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء، وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى، عليه السلام، فأخذوه وأهانوه وصلبوه، ووضعوا على رأسه الشوك. وكان هذا من مكر الله بهم، فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادا للحق ملازما لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد؛ ولهذا قال تعالى: ( ﭝﭞ )»47.

        وبين بعض مكر قوم صالح بقوله: ( ﮞﮟ ) [النمل:٥٠-٥١].

        «( ) دبروا أمرهم على قتل صالح وأهله على وجه الخفية حتى من قومهم خوفا من أوليائه ( ) بنصر نبينا صالح عليه السلام وتيسير أمره وإهلاك قومه المكذبين ( )»48.

        قال تعالى: ( ) [الزخرف:٥٥].

        «قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: () أسخطونا. وقال الضحاك، عنه: أغضبونا. وهكذا قال ابن عباس أيضًا، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، والسدي، وغيرهم من المفسرين»49.

        قال تعالى: ( ) [الطارق:١٥-١٦].

        «قوله تعالى: ( ﮖﮗ ) نسبة هذا الفعل له تعالى، قالوا: إنه من باب المقابلة كقوله: ( )، وقوله: (ﯨﯩ ) [البقرة:١٤-١٥].

        وقد اتفق السلف أنه لا ينسب إلى الله تعالى على سبيل الإطلاق، ولا يجوز أن يشتق له منه اسم، وإنما يطلق في مقابل فعل العباد؛ لأنه في غير المقابلة لا يليق بالله تعالى، وفي معرض المقابلة فهو في غاية العلم والحكمة والقدرة، والكيد أصله المعاجلة للشيء بقوة 50.

        ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره؛ لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله، عز وجل بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك.

        قال: وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس: حدثنا أبو كريب، حدثنا عثمان، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( ) قال: يسخر بهم للنقمة منهم.

        وقوله تعالى: (ﯯﯰ ) قال السدي: عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة قالوا: يمدهم: يملي لهم. وقال مجاهد: يزيدهم.

        قال ابن جرير: والصواب يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم، كما قال: ( ) [الأنعام:١١٠]»51.

        وصفة النسيان كما في قوله تعالى: ( ) [التوبة:٦٧].

        وقوله ( ) [الأعراف:٥١].

        أي: نعاملهم معاملة من نسيهم؛ لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه، كما قال تعالى: ( ) [طه:٥٢].

        وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة، كما قال: ( ) [التوبة:٦٧].

        وقال: ( ﭕﭖ ) [طه:١٢٦].

        وقال تعالى: ( ) [الجاثية:٣٤].

        وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله «وقوله: ( ﰃﰄ ﰅﰆ) قال: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشر»52.

        والسبب في أنه لا ينبغي ولا يشرع لنا أن نسمي الله سبحانه بمثل تلك الأسماء كالخادع وما ماثل ذلك أمران:

        الأول: أنه لم يرد بها النص في الكتاب أو السنة.

        الثاني: أن هذه الأسماء -كالخادع أو المخادع، والماكر، والكايد، والمستهزئ، والغاضب، والناسي، والمدمر وما ماثلها- ليست ممدوحة على إطلاقها، بل تمدح في مواضع، وتذم في مواضع أخرى، ومن ثم لا يجوز أن تطلق أفعالها على الله مطلقًا، فلا ينبغي أن يقال بإطلاق: الماكر، المخادع، المستهزئ، الكائد.

        وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال، فاشتق له منها أسماء، وأسماؤه كلها حسنى، فأدخلها في الأسماء الحسنى، وأدخلها وقرنها بالرحيم، الودود، الحكيم، الكريم. وهذا جهل عظيم.

        فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا، بل تمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقًا، فلا يقال: إنه تعالى يمكر ويخادع يستهزئ ويكيد.

        وكذلك بطريق الأولى لا يشتق له منها أسماء يسمى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد، ولا المتكلم، ولا الفاعل، ولا الصانع، لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم، والحكيم، والعزيز، والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر، المخادع، المستهزئ؟

        ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى: الداعي، والآتي، والجائي، والذاهب، والقادم، والرائد، والناسي، والقاسم، والساخط، والغضبان، واللاعن، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الأسماء التي أطلقت على نفسه أفعالها في القرآن. وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل.

        والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد، والمكر، والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه؟!53.

        وقال ابن القيم في موضع آخر: «والصواب أن معانيها- «أي: معاني هذه الألفاظ» تنقسم إلى محمود، ومذموم، فالمذموم، منها: يرجع إلى الظلم والكذب، فما يذم منها إنما يذم لكونه متضمنًا للكذب، أو الظلم، أو لهما جميعًا. وهذا هو الذي ذمه الله تعالى»54.

        ثم قال: «فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق، كما لا تمدح على الإطلاق، والمكر والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم، ولا من جهة القدرة، فإن العلم والقدرة من صفات الكمال، وإنما يذم من جهة سوء القصد، وفساد الإرادة، وهو أن الماكر المخادع يجور، ويظلم بفعل ما ليس له فعله، أو ترك ما يجب عليه فعله»55.

        وقال البغوي: «وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله: تسميته بما لم يسم به، ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

        وجملته: أن أسماء الله تعالى على التوقيف فإنه يسمى جوادًا ولا يسمى سخيا، وإن كان في معنى الجواد، ويسمى رحيما ولا يسمى رفيقا، ويسمى عالما ولا يسمى عاقلا وقال تعالى: ( ﭼﭽ) [النساء:١٤٢].

        وقال عز من قائل: ( ) [آل عمران:٥٤].

        ولا يقال في الدعاء: يا مخادع، يا مكار، بل يدعى بأسمائه التي ورد بها التوقيف على وجه التعظيم، فيقال: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا عزيز، يا كريم، ونحو ذلك (ﭿ ) [الأعراف:١٨٠]في الآخرة»56.

        وقال ابن تيمية: «ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء، فكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص، لا اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.

        فقد سمى الله نفسه حيًا، فقال: ( )[البقرة:٢٥٥].

        وسمى بعض عباده حيًا، فقال: ( )[الروم:١٩].

        وليس هذا الحي مثل هذا الحي، لأن قوله () اسم لله مختص به، وقوله ( ) اسم للحي المخلوق مختص به يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص، المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى.

        وكذلك سمى الله نفسه عليمًا حليمًا، وسمى بعض عباده عليمًا، فقال: ( ) [الذاريات:٢٨] يعني إسحاق، وسمى آخر حليمًا، فقال: ( ) [الصافات:١٠١] يعني إسماعيل، وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم»57.

        والخلاصة أن الصفات الواردة في كتاب الله منها ما اشتق من أسماء الله الواردة في القرآن وقد بينا تلك الأسماء مثل «الله» يتضمن صفة الألوهية و«الرب» يتضمن صفة الربوبية و«السميع» يتضمن صفة السمع و«العليم» يتضمن صفة العلم، وهكذا في باقي الأسماء، وأما الصفات غير المشتقة من تلك الأسماء فقد ذكرناها بأدلتها. فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا، بل تمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقًا، فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع يستهزئ ويكيد، ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات، بمعنى أنه لا يجوز أن تجعل أفعالًا مطلقًا يتصف به الله تبارك وتعالى، بل تقيد بضوابطها وأحوالها.

        والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد، والمكر، والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه؟!

        دلائل إثبات صفات الكمال لله تعالى

        أ,ولًا: الأدلة الفطرية:

        أما دلالة الفطرة على وجود الله الذي يدخل فيه الإيمان بأسمائه وصفاته فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سابق تفكير أوتعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.)58.

        فالقلوب مفطورة على الإقرار بالله تصديقًا به مدينًا له، لكن يعرض لها ما يفسدها، ومعرفة الحق تقتضي محبته ومعرفة الباطل تقتضي بغضه بما في الفطرة من حب الحق وبغض الباطل «فإن كل أحد يرجع إلى فطرته وغريزته عرف خالقه، وذلك معنى قوله تعالى: ( ﯗﯘ ﯞﯟ ﯣﯤ ) [الروم:٣٠].

        وهذه المعرفة هي التي أخبر الله تعالى بوجودها في الكفار، وذلك في قوله تعالى: ( ﯜﯝ ﯠﯡ ) [لقمان:٢٥].

        وقوله تعالى: ( ) [العنكبوت:٦٥].

        فحين ظهرت لهم حال الضرورة وانقطعوا عن أسباب الخلق، ولم يبق لهم تعلق بأحد، ظهرت منهم المعرفة الغريزية»59.

        ففي آية لقمان اعتراف منهم بأن الذي خلق ذلك هو الله وحده، وفي آية العنكبوت قادتهم فطرتهم في حالة الضرورة إلى دعوتهم الله تعالى دون سواه، وهذه هي المعرفة الغريزية.

        ففي نفس كل مخلوق من العبر والحكمة والرحمة وغير ذلك ما يدل على خالقه وهو الله تبارك وتعالى وأنه واحد صمد، المتصف بصفات الكمال المطلق من الحكمة والرحمة والخبرة والعلم.. إلخ.

        وقال تعالى: ( ﯗﯘ ﯞﯟ ﯣﯤ ) [الروم:٣٠].

        قال ابن كثير: «يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره»60.

        وقال ابن سعدي: «يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال وإقامة دينه فقال: ( ) أي: انصبه ووجهه إلى الدين الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان بأن تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة. وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة وهذا الأمر الذي أمرناك به هو ( ) ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة، ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها»61.

        ومما يدل على دلالة الفطرة أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟) قالت: في السماء. قال: (من أنا؟) قالت: رسول الله. قال: (أعتقها فإنها مؤمنة)62.

        «ولقد أودع الله في الفطر التي لم تتنجس بالتعطيل والجحود أنه سبحانه الكامل في أسمائه وصفاته وأنه الموصوف بكل كمال المنزه عن كل عيب ونقص»63.

        وهذا هو الشاهد من دلالة الفطرة على إثبات صفات الله عز وجل، فإن الفطرة السليمة تثبت إلهًا كاملًا لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ولا يكون كاملًا إلا إذا اتصف بكل صفة كمال وتنزه عن كل صفة نقص، وكل صاحب فطرة قويمة يقر من داخله أن إثبات الصفات كمال، ونفيها نقص، فالذي ليس له صفات إما معدوم وإما ناقص، والله منزه عن ذلك وهذه المعرفة لا يترتب عليها كفر ولا إيمان ولا تتفاوت في ذاتها فهي معرفة عامة ولا يترتب عليها ثواب وعقاب ولكنها نافعة فيها لو تركت بدون معارضة خارجية لأنها تقود إلى الإيمان كذا لو تبعها نظر شرعي في ملكوت الله واتباع لشرع الله تعالى فإنها بذلك تكون وسيلة للهداية.

        وقد روى البيهقي عن الإمام الشافعي أنه قال: « فأما فرض الله تعالى على القلب: فالإقرار والمعرفة، والعقد والرضا والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له »64.

        وقال أبو بكر الخلال: «أخبرني عبدالملك بن عبد الحميد قال: قال ـ أي أحمد ـ: والذي نقول: كل مولود يولد على الفطرة الأولى التي فطر الله الناس عليها. قلت: فما الفطرة الأولى: هي الدين ؟قال: نعم»65.

        وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جف القلم عن علم الله تعالى)66.

        فالفطرة تبع للوحي في دلالتها على الصفات، وليست دليلًا مستقلًا عنه.

        ثانيًا: الأدلة النقلية (الكتاب والسنة):

        فقد دلت الأدلة القرآنية والحديثية الكثيرة على إثبات صفات الله عز وجل، فالوحي: «هو الطريق الوحيد المأمون العاقبة، الموصل للحقيقة، المعرف بالله عز وجل فيما يتعلق بوجوده وربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ هو كلام الله عن نفسه وكلام أنبيائه الذين هم أعرف الخلق به، فهو الأسلم والأحكم والأبين والأفضل. فاتباع الوحي: قرآن وسنة، هو اتباع الصراط المستقيم، وبغير طريق الوحي لا تكون معرفة الله صحيحة صافية تبعث الإيمان في القلب وتشيد أركانه لأن معرفة أسماء الله وصفاته من أعظم الغيبيات التي أمرنا بالإيمان بها ولا أحد أعلم بالله من الله ولا أحد أعلم به سبحانه من خلقه كرسوله صلى الله عليه وسلم »67.

        و قد قال الحافظ ابن كثير في رسالته في العقائد: « فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام و الرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك: وجب اعتقاد حقيقته، من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله من غير إضافة ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، وإزالة لفظه عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك»68.

        ومن الأدلة الواردة في السور القرآنية: سورة الفاتحة والإخلاص والفلق والناس إلخ، وهذا أمر متواتر يعرفه العالم والمتعلم، وقد اتخذت دلالة لقرآن الكريم في تقرير هذا المعنى في هذا الباب جميع أنواع الدلالات وهي دلالة المطابقة والتضمن والالتزام.

        ثالثًا: الأدلة العقلية:

        الله سبحانه قد زود العباد بنوافذ المعرفة من الحواس المختلفة، لينظروا في آياته المبثوثة في كل جزء من صنعته التي هي أدلة متنوعة عليه ومناسبة لكل مستويات الإفهام والحفظ من الفهم والتعقل والإدراك وصاحب العقل الصحيح يفكر في الكون حوله فيعرف أن كل موجود لا بد له من خالق أوجده، وهذا الخالق لا بد أن يكون عظيمًا قويًا عالمًا حكيمًا، وينظر ويفكر في النفس البشرية وما أودع الله فيها من الأسرار وما حوته من بدائع الخلق في أجهزتها المختلفة فيستدل بها على الخالق الباريء المصور وعلى بعض صفاته سبحانه وتعالى.

        ويفكر ويتأمل في نعم الله المتوالية على الأكوان التي لا يستطيع أحد إحصاءها إلا ربها وخالقها، فيستدل بها على المنعم المعطي الرزاق.

        ويدله كل جمال وكمال لا نقص فيه، منحه الله عز وجل لمخلوقاته، على أن موجده ومانحه سبحانه وتعالى أولى به، فيثبت له الجمال المطلق والكمال المطلق وينزهه عن كل نقص وعيب وهذا هو ما يسمى بقياس الأولى، وهو القياس العقلي الصحيح الذي يستخدم للوصول لمعرفة أسماء الله وصفاته، إذ هو قياس عقلي قرآني. ومن ذلك قوله تعالى: ( ) [الغاشية:١٧].

        قال ابن عادل: «لما ذكر الله تعالى أمر الدارين تعجب الكفار من ذلك، فكذبوا وأنكروا، فذكرهم الله صنعته، وقدرته، وأنه تعالى قادر على كل شيء، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض، وذكر الإبل أولًا؛ لأنها كثيرة في بلاد العرب، ولم يروا الفيلة، فنبههم تعالى على عظيم من خلقه، قد ذلله للصغير من خلقه يقوده وينيخه وينهضه، ويحمل عليه الثقيل من الأحمال، وهو بارك، فينهض بثقيل حمله، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره، فأراهم عظيمًا من خلقه، يدلهم بذلك على توحيده، وعظيم قدرته تعالى»69.

        وقال تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ﮑﮒ ﮘﮙ ﮣﮤ ) [الإسراء:٤٢-٤٤].

        «ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة: التوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضده وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرًا بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكًا ولا ريبًا.

        ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا فقال: () للمشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر: ( ﭿ ) أي: على موجب زعمهم وافترائهم ( ) أي: لاتخذوا سبيلًا إلى الله بعبادته والإنابة إليه والتقرب وابتغاء الوسيلة، فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه إلهًا مع الله؟! هل هذا إلا من أظلم الظلم وأسفه السفه؟!

        ويحتمل أن المعنى في قوله: ( ﭿ ) أي: لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله، أما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء فلم اتخذوها وهي بهذه الحال؟!

        ( ) أي: تقدس وتنزه وعلت أوصافه ( ) من الشرك به واتخاذ الأنداد معه ( ) فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر أن يكون معه آلهة فقد ضل من قال ذلك ضلالًا مبينًا وظلم ظلمًا كبيرًا»70.

        فهذا هو مجال العقل في الدلالة على إثبات الصفات فهو يعمل تفكيره في المخلوقات وآثارها لكي يستدل على وجود خالقها الذي لاشك أنه متصف بكل صفات الكمال المطلق المنزه عن كل صفات النقص، وهذا هي المعرفة العامة الإجمالية.

        أما الإدراك التفصيلي المتعلق بكنه حقيقة الربوبية وعظمة الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وكيفية ذلك فإنه لايستطيعها مهما فكر وتدبر قال تعالى: ( ) [طه:١١٠].

        «وقوله ( ) يقول تعالى ذكره: ولا يحيط خلقه به علما. ومعنى الكلام: أنه محيط بعباده علمًا، ولا يحيط عباده به علمًا»71، «فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم»72.

        «ومعلوم أن العقل لا مدخل له في باب صفات الله تعالى؛ لأنها فوق مستويات العقول ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يحيطون به علمًا سبحانه وتعالى»73.

        أي: على جهة التفصيل المستقل عن الوحي.

        وقد حذر السلف الصالح رحمهم الله ومنهم الإمام الطحاوي من عاقبة إعمال العقل فيما هو ليس من اختصاصه فقال: «من رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقتنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة وصحيح الإيمان»74.

        وهكذا فلا يمكن أن يكون العقل وحده طريقًا لمعرفة أسماء الله وصفاته بل ينبغي أن يكون خلف الوحي مسلمًا له، كما لم تكن الفطرة وحدها طريقًا لذلك، وإن كان يدلان على الواحد الأحد وعلى أن له الكمال المطلق من جهة عامة.

        وقال ابن أبي العز الحنفي: «ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل، فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل معرفين وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين ولمن خالفهم منذرين وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها » 75.

        وتأمل قوله: «ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل».

        ولا إشكال في معرفة ذلك على الإجمال وهذا واضح في كلام علمائنا رحمهم الله.

        وقال الشاطبي: « إن الله جعل للعقول في إدراكها حدًا تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبيلًا إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون»76.

        وهذا يبين حدود العقل في المعرفة العامة للصفات وهو متاح للعقل أن يتحرى فيه، وغير متاح له في غير ذلك على جهة التفصيل.

        «والعقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال»77.

        والخلاصة: أن الأدلة العقلية السليمة والقويمة تدل دلالة واضحة على إثبات الصفات لله تبارك وتعالى على وجه الكمال وذلك بالنظر والتفكر في المخلوقات وآثارها فيدرك أن الله هو العليم الحكيم الخالق وأن من صفاته العلم والحكمة والخلق.. إلخ.

        وأما على جهة التفصيل فإن ذلك مختص بالوحي فقط لأن الأسماء والصفات توقيفية، والعقل الصحيح الصريح في هذه الحالة يكون تابعًا للوحي ومؤيدًا له.

        طريقة القرآن في عرض صفات الله

        «فهذا القرآن عمدته ومقصوده الإخبار عن صفات الرب سبحانه وتعالى وأسمائه وأفعاله وأنواع حمده والثناء عليه والإنباء عن عظمته وعزته وحكمته وأنواع صنعته والتقدم إلى عباده بأمره ونهيه »78.

        ومن الأساليب البارزة عند تأمل طريقة القرآن في التعريف بالله وأسمائه وصفاته على سبيل الإجمال ما يلي:

        ١. الحديث عن الأسماء والصفات مباشرة.

        ومما تحدث عنه القرآن من أسماء الله وصفاته: اسم الله الدال على ألوهيته سبحانه وتعالى، والدال على جميع أسمائه وصفاته فقال عز وجل: ( ) [الرعد:٢].

        كما تحدث عن كمال حياته وقيامه على كل شيء فقال تعالى: ( ﮩﮪ ﮯﮰ ) [البقرة:٢٥٥].

        وتحدث عن وحدانيته وكماله كما في قوله تعالى: ( ﮧﮨ ) [طه:٨].

        وقال ابن القيم: «هذا القرآن من أوله لآخره إنما يدعو الناس إلى النظر في صفات الله وأسمائه وأفعاله»79.

        ومراده رحمه الله بذلك دلالة المطابقة والالتزام والتضمن.

        وقال تعالى: ( ﯺﯻ ﯿ ) [البقرة:٢٩].

        قال ابن سعدي: «أي: لما خلق تعالى الأرض، قصد إلى خلق السماوات ( ) فخلقها وأحكمها، وأتقنها، ( ﯿ) وكثيرًا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية»80.

        وقال أبو جعفر في تفسير قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٠٥]:

        والله يختص من يشاء بنبوته ورسالته فيرسله إلى من يشاء من خلقه، فيتفضل بالإيمان على من أحب فيهديه له، واختصاصه إياهم بها إفرادهم بها دون غيرهم من خلقه، وإنما جعل الله رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه وهدايته من هدى من عباده رحمة منه له ليصيره بها إلى رضاه ومحبته وفوزه بها بالجنة واستحقاقه بها ثناءه، وكل ذلك رحمة من الله له، ( )[البقرة:١٠٥].

        خبر من الله عن أن كل خير ناله عباده في دينهم فإنه من عنده ابتداءً وتفضلًا منه عليهم غير استحقاق منهم ذلك عليه»81.

        وقال تعالى: ( ﮧﮨ ﯙﯚ ) [البقرة:٢١-٢٢].

        قال البغوي رحمه الله تعالى: «قوله تعالى ( ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: يا أيها الناس خطاب أهل مكة، و يا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة وهو هاهنا عام إلا من حيث إنه لا يدخله الصغار والمجانين ( ) أي بساطًا وقيل: منامًا، وقيل: وطاء، أي: ذللها ولم يجعلها حزنة لا يمكن القرار عليها، والجعل هاهنا بمعنى الخلق ( ) وسقفًا مرفوعًا. ( ) المطر ( ) ألوان الثمرات وأنواع النبات ( ) طعاما لكم وعلفا لدوابكم ( ) أي أمثالا تعبدونهم كعبادة الله.

        قال أبو عبيدة: الند الضد، وهو من الأضداد، والله تعالى بريء من المثل والضد. ( ) أنه واحد خالق هذه الأشياء»82.

        وقال تعالى: ( ﯿ ) [البقرة:١٦٣].

        «ففي هذه الآية إثبات وحدانية الباري وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين، وبيان أصل الدليل على ذلك وهو إثبات رحمته التي من آثارها وجود جميع النعم، واندفاع جميع النقم، فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى»83.

        بل تجد حديث القرآن عن بعض الصفات حديثًا مفصلًا وعلى سبيل المثال: صفة الاستواء حيث إنه جل وعلا وصف نفسه بالاستواء على العرش، ووصف غيره بالاستواء على بعض المخلوقات، فتمدح جل وعلا في سبع آيات من كتابه باستوائه على عرشه، ولم يذكر صفة الاستواء إلا مقرونة بغيرها من صفات الكمال والجلال، القاضية بعظمته وجلاله جل وعلا، وأنه الرب وحده، المستحق لأن يعبد وحده، وبحسب ترتيب المصحف الكريم إليك هذه المواضع:

        الموضع الأول: في سورة الأعراف قوله تعالى: ( ) [الأعراف:٥٤].

        الموضع الثاني: قوله تعالى في سورة يونس: ( ﭿ ) [يونس:٣].

        الموضع الثالث: قوله تعالى في سورة الرعد: ( ﭩﭪ ) [الرعد:٢].

        الموضع الرابع: قوله تعالى في سورة طه: ( ) [طه:٥]

        الموضع الخامس: قوله تعالى في سورة الفرقان: ( ﭿ ﮁﮂ ) [الفرقان:٥٩].

        الموضع السادس: قوله تعالى في سورة السجدة: ( ) [السجدة:٤]

        الموضع السابع: قوله تعالى في سورة الحديد: ( ) [الحديد:٤].

        ٢. ذكر مفعولات الرب سبحانه وتعالى وآياته.

        فمن خلالها يتعرف على أسمائه وصفاته وأفعاله.

        قال ابن القيم: «وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه وتعالى في كتابه عباده إلى التفكر فيه، أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله، من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه فبهذا تعرف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته »84.

        ومثال ذلك قوله تعالى: ( ﭨﭩ ﭮﭯ ﭲﭳ ﭶﭷ ﭺﭻ ﭿ ﮃﮄ ﮎﮏ ) [النبأ:٦-١٦].

        «لما حكى الله تعالى عنهم إنكار البعث والحشر، وأراد إقامة الدلائل على صحة الحشر قدم لذلك مقدمة في بيان كونه تعالى قادرًا على جميع الممكنات عالمًا بجميع المعلومات؛ لأنه إذا ثبت هذان الأصلان ثبت القول بصحة البعث، فأثبت هذين الأصلين بأن عدد أنواعًا من مخلوقاته المتقنة المحكمة؛ فإن هذه الأشياء من جهة حدوثها تدل على القدرة، ومن جهة إحكامها وإتقانها تدل على العلم، وإذا ثبت هذان الأصلان، وثبت أن الأجسام متساوية في قبول الصفات والأعراض ثبت لا محالة كونه قادرًا على تخريب الدنيا بسماواتها وكواكبها وأرضها، وعلى إيجاد عالم الآخرة، فهذا وجه النظم.»85.

        ٣. التذكير بنعم الله عز وجل.

        معرفة النعمة سبيل معرفة المنعم والهبات دالة على الوهاب والعطايا دالة على المعطي سبحانه وتعالى، لذا فقد ذكر القرآن كثيرًا بنعم الله مجملة تارة، ومفصلة تارة، ومن ذلك قوله تعالى: ( ﭱﭲ ) [النحل:١٨].

        قال القاسمي: «ثم نبه سبحانه وتعالى على كثرة نعمه عليهم وإحسانه بما لا يحصى، إشارة إلى أن حق عبادته غير مقدور، بقوله تعالى: ( ) [النحل:١٨].

        أي: لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم، فضلًا أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر.

        ( ) أي: حيث يتجاوز عن التقصير في أداء شكرها، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم. ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. قاله الزمخشري.

        ولحظ ابن جرير أن مغفرته تعالى ورحمته لهم، إذا تابوا وأنابوا. أي فيتجاوز عن تقصيرهم بشكرها الحقيقي، ولا يعذبهم بعد توبتهم وإنابتهم إلى طاعته»86.

        فالعارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس، فمشاهدة المنة توجب له المحبة الحمد والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس توجب له الذل والانكسار والتوبة.

        ٤. تعريف العباد بأنفسهم وأصل خلقتهم وضعفهم وفقرهم.

        فمن عرف نفسه عرف ربه.

        قال تعالى: ( ﮪﮫ ) [فاطر:١٥].

        «يخاطب تعالى جميع الناس ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:

      • فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم لم يوجدوا.
      • فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم بها، لما استعدوا لأي عمل كان.
      • فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.
      • فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
      • فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
      • فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
      • فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.

        فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.

        ( ) أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها صفات كمال ونعوت وجلال.

        ومن غناه تعالى أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته، وأسمائه، لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه الغني في حمده. »87.

        «( ) إلى فضل الله والفقير المحتاج، ( ) الغني عن خلقه المحمود في إحسانه إليهم»88.

        «فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجئ إلى الله سبحانه وتعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها كمشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين لا يمكنه أن يسير إلا بهما»89.

        ٥. مخاطبة عقول العباد بالأدلة الواضحة التي تبين لهم صفات المعبود الحق.

        كما في قوله تعالى: ( ﭲﭳ ﭶﭷ ) [الطور:٣٥-٣٦].

        «من لابتداء الغاية، أي: أم أحدثوا وقدروا هذا التقدير البديع والشكل العجيب من غير محدث ومقدر، وقيل: أم خلقوا من أجل لا شيء من عبادة وجزاء، فمن للسببية.

        ( ) لأنفسهم فلذلك لا يعبدون الله تعالى ( ﭶﭷ ) أي: إذا سئلوا من خلقكم وخلق السموات والأرض»90.

        فإن زعم الإنسان أنه خلق من غير شيء كان في ذلك مناقضة لقانون السببية الذي يربط بين مسببات وأسبابها والنتائج بمقدماتها والظواهر بعللها، فلا يوجد خلق بلا خالق.

        ونتأمل طريقة القرآن الكريم في إبطال الشرك بكافة أنواعه على سبيل الإيجاز في الأمور الآتية:

      1. بيان عجز الشركاء عن الخلق: ( ) [النحل:١٧].
      2. عجز الشركاء عن التصرف في الكون بالنفع والضر والإحياء والإماتة ونحو ذلك: ( ﯵﯶ ﯿ) [سبأ:٢٢].
      3. إبطال الشركة أو الشراكة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة فمن باب أولى إبطال الشركة أو الشراكة بين الله وبين أحد من خلقه، والخلق كلهم عبيد لله ولم يبق إلا الرب وحده لا شريك له.
      4. غنى الله عن كل شيء ومنه غناه عن الصاحبة والولد إبطالًا لما قيل في حقه اتخذ الله ولدًا وأن الملائكة بناته تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

        ٦. تصحيح التصورات الخاطئة عن الله وأسمائه وصفاته.

        وفي هذا الصدد نذكر على سبيل المثال: الرد على اليهود الذين لم يقدروا الله حق قدره فقالوا فيما يحكيه عنهم القرآن: ( ) [المائدة:٦٤].

        فصحح هذه التصور الفاسد بقوله تعالى: ( ) [المائدة:٦٤].

        «قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة: إن الله تعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالًا وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء: يد الله مغلولة، أي: محبوسة مقبوضة عن الرزق نسبوه إلى البخل، تعالى الله عن ذلك. قيل: إنما قال هذه المقالة فنحاص، فلما لم ينهه الآخرون ورضوا بقوله أشركهم الله فيها. وقال الحسن: معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلا ما تبر به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل. والأول أولى لقوله: ( ).

        ( ) أي: أمسكت أيديهم عن الخيرات. وقال الزجاج: أجابهم الله تعالى فقال: أنا الجواد وهم البخلاء وأيديهم هي المغلولة الممسكة. وقيل: هو من الغل في النار يوم القيامة لقوله تعالى: ( ) [غافر:٧١].

        () عذبوا، ( ) فمن لعنهم أنهم مسخوا قردة وخنازير وضربت عليهم الذلة والمسكنة في الدنيا وفي الآخرة بالنار، ( ) ويد الله صفة من صفاته كالسمع، والبصر والوجه. وقال جل ذكره: ( ) [ص:٧٥].

        وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين) والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم. وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات: «أمروها كما جاءت بلا كيف»91.

        كذلك سبب نزول سورة الإخلاص: فعن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله ( )[الإخلاص:١-٢] إلى آخر السورة92.

        «ولأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك، أمن ذهب أم من نحاس أم من صفر؟ فقال الله جل وعز ردًا عليهم: ( ) ففي «هو» دلالة على موضع الرد ومكان الجواب»93.

        «وفي هذه السورة لما سألوا عن حقيقة الله ونسبه جاء الجواب بصفاته؛ لأن ما يسألون عنه إنما يكون في المخلوقات لا في الخالق سبحانه، وفي الممكن لا في الواجب الوجود لذاته، سبحان من لا يدرك كنهه غيره»94.

        الصفات المنفية عن الله تعالى

        صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين:

      1. صفات ثبوتية.
      2. صفات سلبية.

        وهذا التقسيم هو مأخوذ من آيات الصفات وأحاديثها، فنجدها إما أن تثبت وإما أن تنفي أو العكس.

        فالصفات الثبوتية: ما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك، فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به.

        والصفات السلبية: ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه، كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب، فيجب نفيها عن الله تعالى لما سبق مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده لا لمجرد نفيه، لأن النفي ليس بكمال إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء فضلًا عن أن يكون كمالًا، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له فلا يكون كمالًا، كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصًا.

        وعلى ذلك أمثلة:

        المثال الأول: قوله تعالى: ( )[الفرقان:٥٨].

        فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.

        المثال الثاني: قوله تعالى: ( )[الكهف:٤٩].

        نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.

        المثال الثالث: قوله تعالى: ( )[فاطر:٤٤].

        فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته، ولهذا قال بعده: ( )؛ لأن العجز سببه: إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه، فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض. وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.

        والصفات الثبوتية صفات مدح وكمال فكلما كثرت وتنوعت دلالاتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر، ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية كما هو معلوم.

        أما الصفات السلبية فلم تذكر غالبًا إلا في الأحوال التالية:

        الأولى: بيان عموم كماله.

        قال تعالى: ( ) [الإخلاص:٣-٤].

        «وقوله: ( ) يقول: ليس بفان، لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد( ) يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن، وحدث بعد أن كان غير موجود، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل، ودائم لم يبد، ولا يزول ولا يفنى. وقوله: ( )اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مثل. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه لم يكن له صاحبة»95.

        الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون.

        قال تعالى: ( ﯧﯨ ) [مريم:٩١-٩٢]. «وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولدًا، كقول النصارى: المسيح ابن الله، واليهود: عزير ابن الله، والمشركين: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا»96.

        «فلشناعة هذه الفرية قدم ذكرها، ثم الرد على عدم إمكانها بقوله: ( ﯮ ﯯ ) [مريم:٩٢-٩٣]»97.

        الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين.

        قال تعالى: ( ﯖﯗ ) [الإسراء:١١١].

        «أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم «لأن أمر القدوة أمر لأتباعه كما قدمنا» أن يقولوا: «الحمد لله» أي: كل ثناء جميل لائق بكماله وجلاله، ثابت له، مبينًا أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوًا كبيرًا»98.

        وكما في قوله: ( ﭿ ) [الأنبياء:١٦].

        «ما خلقناهما إلا بالحق أي الاستدلال على خالقهما، لعبادته وطاعته ولكن أكثرهم لا يعلمون أي حكمة خلقها، فيعرضون عنه»99.

        ثمرات الإيمان بصفات الله تعالى

        القرآن الكريم كلام الله عز وجل كتاب هداية وإرشاد، بين الله سبحانه وتعالى فيه أمور الدين أعظم بيان ومنها أمور الإيمان والتوحيد ولاسيما ما يتعلق بأسماء الله وصفاته وكذلك السنة النبوية الصحيحة.

        فمن تدبر القرآن العظيم وجد أن الله سبحانه تعالى: قد تجلى فيه بأسمائه وصفاته متعرفًا إلى عباده بصفاته ألوهيته وصفات ربوبيته وصفات كماله وجلاله، وتأمل العبد في آياته يجعله « يعرف ربًا قد اجتمعت له صفات الكمال والجلال، منزه عن المثال برئ من النقائص والعيوب، وله كل اسم حسن وكل وصف كمال فعال لما يريد، فوق كل شيء ومع كل شيء وقادر على كل شيء ومقيم لكل شيء»100.

        قال ابن القيم: « فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

        فهذا القرآن عمدته ومقصوده الإخبار عن صفات الرب سبحانه وأسمائه وأفعاله وأنواع حمده والثناء عليه والإنباء عن عظمته وعزته وحكمته وأنواع صنعته والتقدم إلى عباده بأمره ونهيه »101.

        «فلو طهرت منا القلوب وصفت الأذهان، وزكت النفوس، وخلصت الأعمال وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله لشاهدنا من معاني كلام الله وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم وتتلاشى عنده معارف الخلق، وبهذا تعرف قدر علوم الصحابة ومعارفهم وأن التفاوت الذي بين علومهم وعلوم من بعدهم كالتفاوت الذي بينهم في الفضل، والله أعلم حيث يجعل مواقع فضله ومن يختص برحمته»102.

        فاعتقاد المسلم بأسماء الله وصفاته الاعتقاد الجازم المثمر لأعمال القلوب والجوارح يؤثر في نظرته للحياة وعلاقته بربه تبارك وتعالى أيما تأثير ويحل له قضايا الوجود الكبرى كالهدف من وجوده وكالمبدأ والمعاد والجنة والنار وغير ذلك من القضايا والأمور العظيمة، ويبدد من داخل الإنسان الشك والحيرة والقلق ويكسبه اليقين والسعادة والفوز في الدنيا والآخرة.

        ومن أهم ثمرات الأسماء والصفات الأمور الآتية:

        ١. معرفة أسماء الله وصفاته تجلب أعظم الأثر في تحقيق العبودية لله رب العالمين.

        إذ أن معرفة العبد بها واستحضاره لمعانيها وتفكره في آثارها تجعله موصولًا دائمًا بمعبوده الحق سبحانه وتعالى محبًا له راجيًا قربه وعطاءه، خائفًا غضبه وعذابه، متوكلًا مستعينًا منيبًا.

        قال تعالى: ( ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ) [الأعراف:١٨٠].

        قال القرطبي: « قوله تعالى: ( ) أي اطلبوا منه بأسمائه، فيطلب بكل اسم ما يليق به، تقول يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتاح افتح لي، يا تواب تب علي، هكذا. فإن دعوت باسم عام قلت: يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي، يا لطيف ارزقني. وإن دعوت بالأعم الأعظم فقلت: يا الله، فهو متضمن لكل اسم. ولا تقول: يا رزاق اهدني، إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير. قال ابن العربي: وهكذا، رتب دعاءك تكن من المخلصين»103.

        وقال العز بن عبد السلام: « فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة و المحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات»104.

        وقد علق الله النجاة يوم القيامة على صلاح القلب وسلامته من الشرك فقال تعالى: ( ) [الشعراء:٨٨-٨٩].

        قال ابن كثير: «ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله، وإخلاص الدين له، والتبري من الشرك؛ ولهذا قال: ( ) أي: سالم من الدنس والشرك وقال ابن عباس: ( ) حيي يشهد أن لا إله إلا الله»105.

        فصلاح سائر الجسد وسلامته متعلق به دل عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)106.

        كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القلب هو محل نظر الله عز وجل بقوله: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)107.

        ويتضمن هذا البيان ندبًا إلى الاهتمام بما يصل القلب ويحقق عبوديته ويزينه ويجمله، ورأس هذا معرفة الله وصفاته واعتقاد وحدانيته وإلهيته التي تبعث على طاعته عز وجل وإفراده بالعبادة الباطنة منها والظاهرة.

        وتأمل على سبيل المثال: اسم الله الحيي الذي معناه كثير الحياء، وحياؤه سبحانه و تعالى وصف يليق بجلاله وعظمته ومن أثره ما يرى العبد من إكرام ربه له وإجابته دعوته وإعطائه سؤله.

        العبد الراجي لربه متعلق الأمل ببره وجوده وكرمه، عابد له بأسمائه: الحليم الغفور الكريم القريب المجيب والشكور الودود ونحوها، فإذا استحضر العبد أن ربه قريب منه يجيب دعوته ويشكر سعيه، وإن أقبل عليه قبله وإن استغفره غفر له فإنه ولا شك يحبه ويرجو أن يكون محبوبًا عنده فيدفعه ذلك إلى تحقيق عبوديته له بأنواع الطاعات والعبادات التي ترضيه عنه108.

        قال تعالى: ( ) أي: بكتاب الله وكلامه ( ) [الرعد:٢٨].

        «في (ذكر الله) هاهنا قولان:

        أحدهما: أنه ذكر العبد ربه، فإنه يطمئن إليه قلبه، ويسكن. فإذا اضطرب القلب وقلق فليس له ما يطمئن به سوى ذكر الله. ثم اختلف أصحاب هذا القول فيه. فمنهم من قال: هذا في الحلف واليمين، إذا حلف المؤمن على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه، واطمأنت. ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. ومنهم من قال: بل هو ذكر العبد ربه بينه وبينه، يسكن إليه قلبه، ويطمئن.

        والقول الثاني: أن ذكر الله هاهنا القرآن، وهو ذكره الذي أنزله على رسوله به طمأنينة قلوب المؤمنين. فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين.

        ولا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن. فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه، واضطرابه وقلقه من شكه. والقرآن هو المحصل لليقين الدافع للشكوك والظنون والأوهام. فلا تطمئن قلوب المؤمنين إلا به. وهذا القول هو المختار»109.

        فطمأنينة القلوب الصحيحة والفطر السليمة وسكونها إليه من أعظم الآيات، إذ يستحيل في العادة أن تطمئن القلوب وتسكن إلى الكذب والافتراء والباطل ومتى انفتح الباب للعبد انتفع بمطالعة تاريخ العالم وأحوال الأمم ومجريات الخلق110.

        فلا بد للعبد من تدبر ما ورد في باب أسماء الله تعالى وصفاته وينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه وما يبين معناه من القرآن والسنة والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع.

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لفظة الأمر، فإن الله تعالى لما أخبر بقوله: ( ) [يس:٨٢]. وقال: ( ) [الأعراف:٥٤].

        واستدل طوائف من السلف على أن الأمر غير مخلوق، بل هو كلامه وصفة من صفاته بهذه الآية وغيرها، صار كثير من الناس يطرد ذلك في لفظ الأمر حيث ورد فيجعله صفة طردًا للدلالة، ويجعل دلالته على غير الصفة تارة وعلى متعلقها أخرى: فإن الرحمة صفة لله ويسمى ما خلق رحمة، والقدر من صفات الله تعالى ويسمى المقدور قدرة، ويسمى تعلقها بالمقدور قدرة، والخلق من صفات الله تعالى ويسمى خلقًا، والعلم من صفات الله ويسمى المعلوم أو المتعلق علمًا فتارة يراد الصفة وتارة يراد متعلقها وتارة يراد نفس المتعلق.

        والأمر مصدر فالمأمور به يسمى أمرًا ومن هذا الباب سمي عيسى صلى الله عليه وسلم كلمة، لأنه مفعول بالكلمة وكائن بالكلمة وهذا هو الجواب عن سؤال الجهمية لما قالوا: عيسى كلمة الله فهو مخلوق والقرآن إذا كان كلام الله لم يكن إلا مخلوقًا، فإن عيسى ليس هو نفس كلمة الله، وإنما سمي بذلك لأنه خلق بالكلمة على خلاف سنة المخلوقين فخرقت فيه العادة وقيل له: كن فكان، والقرآن نفس كلام الله.

        فمن تدبر ما ورد في باب أسماء الله وصفاته، وأن دلالة ذلك في بعض المواضيع على ذات الله أو بعض صفاته لا يوجب أن يكون ذلك هو مدلول اللفظ حيث ورد حتى يكون ذلك طردًا للمثبت ونقضًا للمنافي، بل ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه وما يبين معناه القرآن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع في باب فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما مطلقًا ونافع في معرفة الاستدلال والاعتراض والجواب، وطرد الدليل ونقضه فهو نافع في كل علم خبري أو إنشائي وفي كل استدلال أو معارضته من الكتاب والسنة وفي سائر أدلة الخلق»111.

        ولا شك في من تدبر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا التدبر الشرعي أثمر عنده حقيقة التعبد المطلق لله رب العالمين وعدم الإشراك به، وبضدها تتميز الأشياء فالشرك ومظاهره وأسبابه وأنواعه في جميع أبواب العقيدة والتوحيد يبطله ويقضي عليه التوحيد الخالص الحي في قلب المؤمن وسلوكه.

        ٢. اعتقاد المسلم أن الحياة نعمة ورحمة من الله المنعم عز وجل فتتأثر حياته بالسعي في شكرها وأداء حق الله تعالى في هذه النعمة.

        قال تعالى: ( ﯧﯨ ) [الإنسان:١-٣].

        «وقد ذكر تعالى نعمتين عظيمتين:

        الأولى: إيجاد الإنسان من العدم بعد أن لم يكن شيئا مذكورًا، وهذه نعمة عظمى لا كسب للعبد فيها.

        والثانية: الهداية بالبيان والإرشاد إلى سبيل الحق والسعادة، وهذه نعمة إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا كسب للعبد فيها أيضا. وقد قال العلماء: هناك ثلاث نعم لا كسب للعبد فيها:

        الأولى: وجوده بعد العدم.

        الثانية: نعمة الإيمان.

        الثالثة: دخول الجنة»112.

        وقال تبارك وتعالى: ( ﯸﯹ ) [النساء:١٤٧].

        «أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: ( ) والحال أن الله شاكر عليم يعطي المتحملين لأجله الأثقال، الدائبين في الأعمال، جزيل الثواب وواسع الإحسان، ومن ترك شيئا لله أعطاه الله خيرا منه، ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق، وضد ذلك وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه.

        والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله، وثناء اللسان على المشكور، وعمل الجوارح بطاعته وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه»113.

        وقال عز وجل: ( ﭾﭿ ) [النحل:٨٠-٨١].

        قال ابن كثير: «يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم، يأوون إليها، ويستترون بها، وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع، وجعل لهم أيضا ( ) أي: من الأدم، يستخفون حملها في أسفارهم، ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر () أي: تتخذون منه أثاثا، وهو المال. وقيل: المتاع. وقيل: الثياب والصحيح أعم من هذا كله، فإنه يتخذ من الأثاث البسط والثياب وغير ذلك، ويتخذ مالًا وتجارة. وقوله: ( ) أي: إلى أجل مسمى ووقت معلوم.

        وقوله: ( ) قال قتادة: يعني: الشجر.

        ( ) أي: حصونًا ومعاقل، كما ( ) وهي الثياب من القطن والكتان والصوف.

        ( ) كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك.

        ( ) أي: هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم، وما تحتاجون إليه، ليكون عونًا لكم على طاعته وعبادته.

        ( ) هكذا فسره الجمهور، وقرؤوه بكسر اللام من (تسلِمون) أي: من الإسلام. وقال قتادة في قوله: ( ) هذه السورة تسمى سورة النعم»114.

        وقال ابن القيم: «فمن عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام، ومن عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف رب بالعلم التام والحكمة عرف نفسه بالجهل، فالله سبحانه أخرج العبد من بطن أمه لا يعلم شيئًا ولا يقدر على شيء ولا يملك شيئًا ولا يقدر على عطاء ولا منع ولا ضر ولا نفع ولا شيء البتة. بل لم يزل عبدًا فقيرًا بذاته إلى بارئه وفاطره فلما أسبغ عليه نعمته وأفاض عليه من رحمته وساق إليه أسباب كمال وجوده ظاهرًا وباطنًا وجعل له السمع والبصر والفؤاد وعلمه وأقدره وصرفه وحركه»115.

        ألا يوجب ذلك وغيره عبادته وشكره ومحبته وطلب رضاه والبعد عن سخطه.

        وتأمل قوله تعالى: ( ﭛﭜ ﭠﭡ )[يونس:٦٢-٦٤].

        «ما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.

        وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى: ( ) [فصلت:٣٠].

        وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم. وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم.

        ( ) بل ما وعد الله فهو حق، لا يمكن تغييره ولا تبديله، لأنه الصادق في قيله، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه.

        ( ) لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب محبوب، وحصر الفوز فيه، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى.

        والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب، رتبه الله في الدنيا والآخرة، على الإيمان والتقوى، ولهذا أطلق ذلك، فلم يقيده.»116.

        وقال صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله تعالى الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)117.

        وآثار رحمته مبثوثة في الكون والحياة وفي الخلق والأمر، فهو الذي عمت رحمته خلقه في جميع الأقطار، خلقهم وأنعم عليهم بالحياة والحواس والنعم العامة المتنوعة في أنفسهم التي لا يحصيها العد.

        وبواسع رحمته وعظيم فضله عرفناه بأسمائه وصفاته وأفعاله حتى عرفنا أنه ربنا ومولانا، فأنواع النعم وصنوف الإحسان وخيرات الدنيا والآخرة كلها من آثار رحمته118.

        وقال صلى الله عليه وسلم: (أحبو الله لما يغذوكم به من نعمه)119.

        وأخبر صلى الله عليه وسلم: (أن حسب ابن آدم من الدنيا لقيمات يقمن صلبه فإن لم يقتصر عليها فثلث بطنه لطعامه وثلثه لشرابه وثلثه لنفسه) 120.

        وليتأمل العبد هذا الدعاء وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي)121.

        فإن معناه: ألتزم بالمنة بحق النعمة والاعتراف بالتقصير في شكرها واحتمال اللائمة فيه122.

        ٣. طلب المسلم الهداية من الله تعالى إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخر.

        لماذا يطلب المسلم الهادية في الدنيا ؟ يطلبها لتحقيق العبودية لله تعالى. ولماذا يطلبها في الآخرة ؟ ليمر على الصراط ويدخل الجنة بفضل الله، قال ابن القيم: « فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم، هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم. وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط.

        فلينظر العبد الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم. فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك ( ) [فصلت:٤٦].

        فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير، والسلامة من كل شر.

        وقال تعالى: ( ) [الحجر:٤١].

        قال مجاهد: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه، لا يعرج على شيء، وهذا مثل قول الحسن وأبين منه وهو من أصح ما قيل في الآية.

        فإن قلت: فما الفائدة في ذكر « على » في ذلك أيضًا. وكيف يكون المؤمن مستعليًا على الحق وعلى الهدى؟

        قلت: لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته إليه فكان في الإتيان بأداة « على» ما يدل على علوه وثبوته واستقامته.

        وتأمل قوله تعالى: ( ) [سبأ:٢٤].

        فإن طريق الحق تأخذ علوًا صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير وطريق الضلال تأخذ سفلًا هاوية بسالكها في أسفل سافلين.

        وقوله تعالى: ( ) مجيبًا لإبليس الذي قال: ( ﮎﮏ )[الحجر:٣٩-٤٠].

        فإنه لا سبيل لي إلى إغوائهم ولا طريق لي عليهم.

        فقرر الله عز وجل ذلك أتم التقرير وأخبر أن الإخلاص صراط عليه مستقيم فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصراط؛ لأنه صراط علي ولا سبيل لإبليس إلى هذا الصراط ولا الحوم حول ساحته، فإنه محروس محفوظ بالله فلا يصل عدو الله إلى أهله فليتأمل العارف هذا الموضع حق التأمل ولينظر إلى هذا المعنى »123.

        وقال تعالى حاكيًا قول هود عليه السلام: ( ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ ) [هود:٥٦]

        وقال ابن القيم: « وأما آية هود: فصريحة لا تحتمل إلا معنى واحدًا وهو أن الله سبحانه على صراط مستقيم، وهو سبحانه أحق من كان على صراط مستقيم، فإن أقواله كلها صدق ورشد وهدى وعدل وحكمة ( ) [الأنعام:١١٥].

        وأفعاله كلها مصالح وحكم ورحمة وعدل وخير.

        وتأمل كيف ذكر هذا عقيب قوله تعالى: ( ) أي هو ربي فلا يسلمني ولا يضيعني، وهو ربكم فلا يسلطكم علي ولا يمكنكم مني فإن نواصيكم بيده، لا تفعلون شيئًا بدون مشيئته. لا يفعل ما يفعل من ذلك إلا بحكمة وعدل ومصلحة، ولو سلطكم علي فله من الحكمة في ذلك ما له الحمد عليه لأنه تسليط من هو على صراط مستقيم لا يظلم ولا يفعل شيئًا عبثًا بغير حكمة.

        فهكذا تكون المعرفة بالله، لا معرفة القدرية والمجوسية والقدرية الجبرية نفاة الحكم والمصالح والتعليل والله الموفق سبحانه »124.

        ٤. ارتباط آثار معرفة أسماء الله وصفاته في النفس والكون والحياة الدنيا والآخرة.

        ومشهد الأسماء والصفات من أجل المشاهد، والمطلع على هذا المشهد يعرف أن الوجود متعلق خلقًا وأمرًا بالأسماء الحسنى والصفات العلى ومرتبطًا بها و إن كل ما في العالم بما فيه، إنما هو من بعض آثارها ومقتضياتها.

        وقد دل على هذا المعنى وغيره سورة الفاتحة وسورة الإخلاص وسورة الفلق والناس وغير ذلك من سور القرآن العظيم.

        ودل على ذلك وغيره سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك) 125.

        وقوله عليه الصلاة والسلام: (أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها) 126.

        وقوله صلى الله عليه وسلم: (يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يفض ما في يمينه وعرشه على الماء وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض) 127.

        وغير ذلك من الأحاديث.

        قال ابن القيم: «وتأمل ارتباط الأمر بهذه الأسماء الثلاثة وهي: الله، الرب، الرحمن، كيف نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب وكيف جمعت الخلق وفرقتهم فلها الجمع ولها الفرق.

        فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره. فاجتمعوا بصفة الربوبية وافترقوا بصفة الإلهية، فألهه وحده السعداء وأقروا له طوعًا بأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والخشية والرحمة والتذلل والخضوع إلا له.

        وهنا افترق الناس وصاروا فريقين: فريقًا مشركين في السعير، وفريقًا موحدين في الجنة.

        فالإلهية هي التي فرقتهم كما أن الربوبية هي التي جمعتهم فالدين و الشرع والأمر والنهي مظهره، وقيامه من صفة الإلهية، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية. والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك وهو مالك يوم الدين، فأمرهم بإلهيته وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله. وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى»128.

        وانتظام العالم: العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسر من أدل دليل على أن مدبره واحد لا إله غيره. قال تعالى: ( ﯥﯦ ) [الأنبياء:٢٢].

        « فمن تأمل سريان آثار الأسماء والصفات في العالم وفي الأمر تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد، وتقديره: هو من كمال الأسماء والصفات والأفعال وغايتها أيضًا مقتضى حمده ومجده كما هو مقتضى ربوبيته وإلهيته فالله في كل ما قضاه وقدره الحكمة البالغة والآيات الباهرة. وظهور أسماء الله وصفاته في هذه الحياة وفي النفس البشرية وفي الكون كله واضح، لا يحتاج إلى دليل إلا أن الاهتداء إلى تلك الآثار أو الانتباه لها يتوقف على توقيف الله تعالى بل إن التوقيف نفسه من آثار رحمته التي وسعت كل شيء. فلو فكر الإنسان في هذا الكون الفسيح وفي نفسه لرجع من هذه الجولة الفكرية بعجائب واستفاد منها فوائد ما كان يحلم بها ولو تأملنا هذه الآية الكريمة لرأينا أمورًا تعجز عن التعبير عنها.

        قال تعالى: ( ﯗﯘ ﯛﯜ ) [المؤمنون:١١٥-١١٦]129.

        وجوهر هذا التوحيد: إخلاص الدين كله لله وحقيقته: « أن تفنى بعبادة الله عما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وكذلك بمولاته وسؤاله والاستغناء به والتوكل عليه ورجائه ودعائه و التفويض إليه والتحاكم إليه والملجأ إليه والرغبة فيما عنده » 130.

        وعندما يحقق المكلفون أنفسهم معنى التوحيد؛ فإنهم بذلك يتواءمون مع الناموس العام للخلق، ويتناسق موقفهم في الكون مع بقية الخلائق المسخرة المنقادة له طوعًا أو كرها، كما قال تعالى: ( ﭿ ﮇﮈ ) [الحج:١٨].

        فالأرض بطبقاتها والسماوات بطبقاتها وما فيها وما عليها من خلق الله تعالى وحده، فهذه الحقيقة لا يستطيع أن يماري فيها أحد، مؤمنًا كان أو كافرًا، تحدى القرآن العباد وما قد يعبدون من دون الله أن يدلوا على شيء واحد مشاهد في الكون هو من خلق أحد غير الله.

        قال تعالى: ( ﯜﯝ ) [الأحقاف:٤]131.

        ٥. الرؤيا الصحيحة لمعرفة أصل خلق الإنسان وعداوته مع إبليس عليه لعنة الله وفق مقتضى عدل الله ورحمته وحكمته وخبرته تبارك وتعالى.

        قال تعالى: ( ﯔﯕ ﯧﯨ ﯮﯯ ﯴﯵ ﯽﯾ ﯿ ﰄﰅ ) [البقرة:٣٤-٣٧].

        ومن العبر الواردة في هذه الآيات: الاعتبار بحال أبوي الإنسان والجن، وبيان فضل آدم و إفضال الله عليه، وعداوة إبليس له.

        قال أبو جعفر: « وتأويل قوله: ( ) أن الله جل ثناؤه هو التواب على من تاب إليه -من عباده المذنبين- من ذنوبه، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه. وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلى ربه، إنابته إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيمًا مما يكرهه ربه. فكذلك توبة الله على عبده، هو أن يرزقه ذلك، ويؤوب له من غضبه عليه إلى الرضا عنه، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه.

        وأما قوله: () فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة. ورحمته إياه، إقالة عثرته، وصفحه عن عقوبة جرمه»132.

        ففي ضمن هذا، تحذير بني آدم من الشيطان، ولذلك كان من الحكم في إخراج آدم من الجنة تحقق اقتضاء أسماء الله الحسنى لمسمياتها ومتعلقاتها: كالغفور والرحيم والتواب والعفو والخافض والرافع.. إلخ.

        وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فمنهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك السهل والحزن والطيب والخبيث)133.

        ولا شك أن هذه المعرفة والرؤية الصحيحة لأصل خلق الإنسان تجعله يعرف طبيعة بشريته وبشرية من حوله وكيف يتعامل معهم ومع عدوه بميزان الشرع. قال ابن القيم: «وقد قيل إن طرد إبليس ولعنه، إنما كان بسبب التأويل فإنه عارض النص لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدم على نص الأمر بالسجود فإنه قال: ( ) [الأعراف:١٢].

        وصار إمامًا لكل من عارض نصوص الوحي بتأويله الباطل إلى يوم القيامة وكذلك خروج آدم من الجنة إنما كان بسبب التأويل فهو صلى الله عليه وسلم لم يقصد بالأكل معصية الرب والتجرؤ على مخالفة نهيه وأن يكون ظالمًا مستحقًا للشقاء بخروجه من الجنة هذا لم يقصده أبو البشر قطعًا والصواب إن آدم صلوات الله وسلامه عليه لما قاسمه عدو الله أنه ناصح وأخرج الكلام على أنواع متعددة من التأكيد:

        أحدها: القسم.

        الثاني: الإتيان بالجملة إسمية لا فعلية.

        الثالث: تصديرها بأداة التأكيد.

        الرابع: الإتيان بلام التأكيد في الخبر.

        الخامس: الإتيان به اسم فاعل لا فعلًا دالًا على الحدث.

        السادس: تقديم المعمول على العامل

        «فيه» فظن آدم صدقه وأنه إن أكل منها لم يخرج من الجنة »134.

        وقال ابن سعدي: « ولما علم الخبيث ـ أي إبليس ـ أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم وكان جازمًا ببذل مجهوده على إغوائهم ظن وصدق ظنه فقال: ( ) [الأعراف:١٧].

        فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم وهو يريد صدهم عنه وعدم قيامهم به.

        قال تعالى: ( ) [فاطر:٦].

        وإنما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله؛ لنأخذ حذرنا ونستعد لعدونا، ونحترز منه بعلمنا بالطريق التي يأتي منها ومداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك أكمل نعمة »135.

        وقال ابن القيم في تفسير قوله تعالى: ( ) [النحل:٩٩].

        والصواب أن يقال: ليس له طريق يتسلط به عليهم: لا من جهة الحجة ولا من جهة القدرة

        وقد أخبر سبحانه أنه لا سلطان لعدوه على عباده المخلصين المتوكلين فقال: ( ﮎﮏ ﮓﮔ ﮙﮚ ) [الحجر:٣٩-٤٢].

        ولما علم عدو الله أن الله تعالى لا يسلطه على أهل التوحيد والإخلاص قال: ( ﰚﰛ ) [ص:٨٢-٨٣].

        فعلم عدو الله أن من اعتصم بالله عز وجل وأخلص له وتوكل عليه لا يقدر على إغوائه وإضلاله وإنما يكون له السلطان على من تولاه وأشرك مع الله، فهؤلاء رعيته فهو وليهم وسلطانه، والجميع بقضاء من أزمة الأمور بيده ومردها إليه وله الحجة البالغة فلو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكن أبت حكمته وحمده وملكه إلا ذلك.

        ( ﭿ ﮆﮇ ﮋﮌ ) [الجاثية:٣٦-٣٧]136.

        وقال ابن القيم: « فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان والتوحيد والإخلاص والمحبة وجعل ثوابه إذا أقدم عليه أكمل الثواب وأفضله وهو النظر إلى وجهه والفوز برضوانه، وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه فتميل نفسه معه فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد.

        فاقتضت رحمة ربه العزيز الحكيم به أن أعانه بجند آخر وأمده بمدد آخر يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه فأرسل إليه رسول وأنزل عليه كتابه وأيده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان فهذا يلم به مرة وهذا مرة والمنصور من نصره الله عز وجل.

        وجعل له مقابل نفسه الأمارة نفسًا مطمئنة فهو يطيع هذه مرة وهذه مرة وهو الغالب عليه منهما، وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نورًا وبصيرة وعقلًا يرده عن الذهاب مع الهوى، فهو يطيع الناصح مرة ويمشي خلف دليل الهوى مرة فلما أن بلي العبد بما بلي به أعين بالعساكر والعدد والحصون»137.

        فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الأمر وعلى مقتضى إيمانه بأسماء الله وصفاته فإنه معين له في الخلاص من عدوه وحزبه والموصل له إلى مرضاة ربه عز وجل.

        ٦. الإيمان بالقضاء والقدر وفق المنهج الشرعي على مقتضى معرفة الأسماء والصفات.

        فما يصيبه من خير ونعمة في الحياة الدنيا وفي الآخرة فبفضل الله ورحمته وعفوه وما يصيبه من شر وضر فبعدل الله وحكمته وخبرته عز وجل.

        قال تعالى: ( ) [القمر:٤٩].

        قال البغوي: «أي: ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ، قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له»138.

        وقال تبارك وتعالى: ( ﭯﭰ ) [القمر:٥٤-٥٥].

        «وقوله: ( ) أي: في دار كرامة الله ورضوانه وفضله، وامتنانه وجوده وإحسانه، ( ) أي: عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون»139.

        وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ينقل معنا التراب وهو يقول: (والله لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا إذا أرادو فتنة أبينا)140.

        قال ابن الجوزي: «من ذاق طعم المعرفة وجد طعم المحبة، فالرضا من جملة ثمرات المعرفة، فإذا عرفته سبحانه رضيت بقضائه»141.

        وقال ابن القيم: «فأما مقام الإيمان والهدى والنجاة فمقام إثبات القدر والإيمان به وإسناد جميع الكائنات إلى مشيئة ربها وبارئها وفاطرها.

        وتبين أن من لم يؤمن بالقدر فقد انسلخ من التوحيد ولبس جلباب الشرك بل لم يؤمن بالله ولم يعرفه وهذا في كل كتاب أنزله الله على رسله »142.

        وقال ابن تيمية: «وأما أهل الهدى والفلاح فيؤمنون بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير، أحاط بكل شيء علمًا وكل شيء أحصاه في كتاب مبين. ويتضمن هذا الأصل من إثبات علم الله وقدرته ومشيئته ووحدانيته وربوبيته وأنه خالق كل شيء وربه ومليكه ما هو من أصول الإيمان. ومع هذا لا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التي يخلق بها المسببات »143.

        وقال الخطابي: «أن الله سبحانه قد لطف بعباده فعلل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب؛ ليأنسوا بها فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي تعبدهم به، وليتصرفوا بذلك بين الرجاء والخوف، وليستخرج منهم وظيفتي الشكر والصبر في طوري السراء والضراء والشدة والرخاء، ومن وراء ذلك علم الله تعالى فيهم ولله عاقبة الأمور وهو العليم الحكيم»144.

        وقال ابن القيم: « والطمأنينة إلى أسماء الرب تعالى وصفاته نوعان: طمأنينة إلى الإيمان بها وإثباتها واعتقادها. وطمأنينة إلى ما تقتضيه وتوجبه من أثار العبودية، مثاله الطمأنينة إلى القدر وإثباته والإيمان به يقتضي الطمأنينة إلى مواضع الأقدار التي لم يؤمر العبد بدفعها ولا قدرة له على دفعها، فيسلم لها ويرضى بها ولا يسخط ولا يشكو ولا يضطرب إيمانه، فلا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما آتاه؛ لأن المصيبة فيه مقدرة قبل أن تصل إليه وقبل أن يخلق كما قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [الحديد:٢٢].

        قال تعالى: ( ﭤﭥ ﭪﭫ ) [التغابن:١١].

        قال غير واحد من السلف: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، فهذه طمأنينة إلى أحكام الصفات وموجباتها وآثارها في العالم وهي قدر زائد على الطمأنينة بمجرد العلم بها واعتقادها»145.

        ٧. تحقيق الأعمال من خلال الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته.

        أي: لا يكفي التصديق بالأسماء والصفات بل لابد من العمل بالتكاليف الشرعية، ولاسيما أن كثيرًا منها ارتبط مباشرة بذكر بعض هذه الأسماء، وبعضها ارتبط ببعض هذه الصفات، وخاصة في سورة الفاتحة.

        قال ابن القيم رحمه الله: «الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: الله عز وجل يسمع أصوات عباده ويرى حركاته، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم وهو على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته ونحو ذلك.

        وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به على نفسه وبما أثنى به عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل. وهذا النوع أيضًا ثلاثة أنواع: حمدٌ وثناءٌ ومجدٌ.

        فالحمد لله: الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضا به فلا يكون المحب الساكت حامدًا ولا المثني بلا محبة حامدًا حتى تجتمع له المحبة والثناء، فإن كرر المحامد شيئًا بعد شيءٍ كانت ثناء فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدًا.

        وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع في أول الفاتحة فإذا العبد قال: ( ) قال الله: حمدني عبدي وإذا قال: ( ) قال: أثنى علي عبدي وإذا قال: ( ﭟﭠ) قال: مجدني عبدي146.

        ومن الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه، وهو أيضًا نوعان:

        أحدهما: ذكره بذلك إخبار عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا وأحب كذا وأسخط كذا ورضي كذا.

        والثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه عند نهيه فيهرب منه فذكر أمره ونهيه شيء وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه.

        فائدة: فهذا الذكر من الفقه الأكبر وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية، ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضًا من أجل أنواع الذكر فهذه خمسة أنواع وهي تكون بالقلب واللسان تارة وذلك أفضل الذكر، وبالقلب وحده تارة وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة، فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع -أي: يمنع ويحبس- عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئًا من هذه الآثار وإن أثمر شيئًا منها فثمرة ضعيفة»147.

        ٨. تحقيق العلاقة الاستقرائية بين أقسام التوحيد لتحصل السعادة الشرعية في الدنيا والآخرة.

        فشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات وهي الأصول الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وما أنزل إليهم قال تعالى: ( ) [محمد:١٩].

        قال ابن كثير: «هذا إخبار: بأنه لا إله إلا الله، ولا يتأتى كونه آمرًا بعلم ذلك؛ ولهذا عطف عليه بقوله: ( )»148.

        وقال البخاري: «باب العلم قبل القول والعمل»149.

        «فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، ويوجب ذلك ويقتضيه وهكذا توحيد الأسماء والصفات يستلزم تخصيص الله بالعبادة وإفراده بها؛ لأنه سبحانه هو الكامل في ذاته وفي أسمائه وصفاته وهو المنعم على عباده فهو المستحق لأن يعبدوه ويطيعوا أمره وينتهوا عن نهيه»150.

        وتأمل سورة الإخلاص-التي هي صفة الرحمن- فقد دلت على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الذات، والصفات وذلك على سبيل المطابقة وعلى توحيد الربوبية وذلك على طريق التضمن. وتوحيد العبادة بالالتزام، إن دلالة الشيء على كل معناه يسمى مطابقة ودلالته على بعضه يسمى تضمنًا وعلى ما يلزم من جهة الخارج يسمى التزامًا»151.

        قال حافظ بن أحمد الحكمي: « هل جميع أنواع التوحيد متلازمة فيما بينها كلها ما ينافي نوعًا منها ؟ قال نعم هي متلازمة فمن أشرك في نوع منها فهو مشرك في البقية مثال ذلك دعاء غير الله وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله فدعاؤه إياه عبادة بل مخ العبادة وصرفها لغير الله من دون الله، فهذا شرك في الإلهية، وسؤاله إياه تلك الحاجة من جلب خير أو رفع شر معتقدًا أنه قادر على قضاء ذلك، فهذا شرك في الربوبية حيث أنه متصرف مع الله في ملكوته، ثم إنه لم يدعه هذا الدعاء من دون الله إلا مع اعتقاده أنه يسمعه على البعد والقرب في أي وقت كان في أي مكان ويصرحون بذلك وهو شرك في الأسماء والصفات حيث أثبت له سمعًا محيطًا بجميع المسموعات فلا يحجبه قرب ولا بعد فاستلزم هذا الشرك في الإلهية الشرك في الربوبية والأسماء والصفات»152.

        وقال ابن القيم: «فاشتملت أي: سورة الفاتحة على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها وهي: « الله، الرب، الرحمن» وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة.

        فـ« إياك نعبد » مبني على الإلهية. و« إياك نستعين » على الربوبية. وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة فهو المحمود في إلهيته وربوبيته ورحمته، والثناء والمجد كمالان لمجده»153.

        وقال أيضًا: « فعلم أنه اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها بالإجمال والأسماء الحسنى تفصيل وتبين لصفات الإلهية التي اشتقت منها اسم الله، واسم (الله) دل على كونه مألوهًا معبدًا، وتألهه الخلائق محبة وتعظيمًا وخضوعًا وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنين لكمال الملك والحمد»154.

        وقال الشافعي رحمه الله: «وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر»155.

        والإيمان والتوحيد معناهما واحد عند الإطلاق كما أن الإيمان والأسماء أيضًا معناهما واحد عند الإطلاق ولفظة التوحيد وردت في حديث جابر عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أملحين عظيمين أقرنين، فأضجع أحدهما وقال: بسم الله الله أكبر، اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ)156.

        وقال ابن عباس في قوله تعالى: (اعبدوا ربكم): وحدوا ربكم.

        قال ابن جرير: «والذي أراد-إن شاء الله-وحدوا: أي أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه»157.

        ويتأمل العبد في هذا الصدد مظاهر الوحدانية لله عز وجل التي لا يمكن أن يجزأها ويؤمن ببعضها دون البعض الآخر بل يفرد ربه تبارك وتعالى بها في جميع مظاهرها وأنواعها وبذلك تحقق العبودية له.

        ومن فوائد الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى لله عز وجل:

      1. أن هذا العلم -وهو العلم المتعلق بالله تعالى- أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق.
      2. أن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه وإخلاص العمل له وهذا عين سعادة العبد ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته والتفقه في فهم معانيها.
      3. أن الله خلق الخلق ليعبدوه ويعرفوه فهذا هو الغاية المطلوبة منهم فالاشتغال بذلك اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضيعه إهمال لما خلق به، وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة أن يكون جاهلًا بربه معرضًا عن معرفته.
      4. أن أحد أركان الإيمان بل أفضلها وأصلها الإيمان بالله وليس الإيمان بمجرد قوله: « آمنت بالله » من غير معرفة بربه بل حقيقة الإيمان أن يعرف الرب الذي يؤمن به ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين.
      5. أن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها حتى أن العارف به حق المعرفة يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام لأنه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته فالأفعال دائرة بين العدل والفضل والحكمة، وكذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق وأوامره ونواهيه عدل وحكمة، وهذا العلم من أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه158.

        هذه الثمرات والفوائد العلمية العقدية الفكرية يجب أن ترتكز في ضمير المؤمن لكي تقوده إلى عمل مستمر ومثمر يتمثل في عمله الصالح المنطلق من مفهوم الأسماء والصفات، فتصلح إيمانه وتصلح عمله معًا.

        لأن هذا المفهوم الكبير المتمثل في الركن الأول من أركان الإيمان الستة له علاقته الوطيدة بجميع أحكام العقيدة والشريعة، ولذا جاءت هذه الثمار والفوائد بهذه الطريقة العلمية المتخصصة. والله أعلم وأحكم.


1 مقاييس اللغة ٥/٤٤٨.

2 المصدر السابق ٦/١١٥.

3 المصدر السابق.

4 التعريفات، الجرجاني ص ١٣٣.

5 الكليات، الكفوي ص٥٤٦ ويعنى بالوصف هنا الاسم؛ فالعلم صفة، والعالم وصف دال عليها، والقدرة صفة، والقادر وصف دال عليها.

6 شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، عبدالله الغنيمان ١/٦٢.

7 المصدر السابق ١/٢٢٦.

8 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٨٣.

9 معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، التميمي ص ٢٩.

10 انظر: المصدر السابق ص ٣٠.

11 شرح العقيدة الأصفهانية ص٣١.

12 مفهوم الأسماء والصفات، سعيد ندى، مجلة الجامعة الإسلامية، العدد ٤٥، ص٧٩.

13 الصواعق المرسلة ١/١٥٤.

14 معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، التميمي ص ٣٥.

15 المصدر السابق ص ٣٦

16 الصفات الإلهية تعريفها أقسامها، التميمي ١٧-١٨.

17 انظر معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، التميمي ص ٣٦.

18 تفسير القرآن العظيم ٣/٤٠٩.

19 انظر معتقد أهل السنة والجماعة ص ٣٦، الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها، التميمي ١٧-١٨.

20 تفسير القرآن العظيم ٨/٣٤.

والحديث أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا، رقم ٧٣٨٥.

21 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣١٠.

22 اللباب في علوم الكتاب ١٤/٥٥٤.

23 انظر معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات ص ٣٦، الصفات الإلهية تعريفها أقسامها ص ١٧-١٨.

24 منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، محمد الأمين الشنقيطي ١-٤.

25 الصفات الإلهية تعريفها أقسامها، التميمي ص ١٢.

26 تفسير القرآن العظيم ٧/٤٩٤ بتصرف.

27 التفسير القيم، ابن القيم ص ٤٥٤.

28 تفسير القرآن العظيم ٧/٤٠٧، ٤٤٢.

29 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٠٠.

30 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٤٨٨.

31 تفسيرالقرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٣٥.

32 جامع البيان ٢١/٣٥٥.

33 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٦٩.

34 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٢/٣٩١.

35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المعازي، باب أحد يحبنا ونحبه، ٥/١٠٣، رقم ٤٠٨٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ٢/٩٩٣، رقم ١٣٦٥.

36 أضواء البيان ٢/٢٨-٢٩ بتصرف وحذف.

37 انظر الحلية، أبو نعيم ٦/٣٢٥-٣٢٦.

38 انظر منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، ابن عثيمين ٨ -١٧.

39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ٩/١٤٦ رقم ٧٥١٠.

40 تفسير القرآن العظيم ٨/٣٩٩.

41 مختصر الصواعق ٢/٢٥٤.

42 القواعد المثلى، ابن عثيمين ٢٣-٢٥.

43 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز ص١٧٢.

44 القواعد المثلى، ابن عثيمين ص٣٠.

45 انظر التدمرية، ابن تيمية ص ٤٣-٤٤.

46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٧٧.

47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٦.

48 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٦٠٦.

49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٣٢.

50 أضواء البيان للشنقيطي ٨/٤٩٦.

51 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٨٤.

وانظر: جامع البيان، الطبري ١/٣٠٣.

52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٤.

53 انظر: مختصر الصواعق المرسلة، البعلي ٢/٣٢-٣٤.

54 المصدر السابق ٢/٣٤-٣٥.

55 المصدر السابق.

56 معالم التنزيل، البغوي ٣/٣٠٧.

57 التدمرية ص٢١-٢٤.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنازة، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، ٢/٩٤، رقم ١٣٥٨.

59 الحجة في بيان المحجة، الأصبهاني ٢/٤١.

60 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣١٣.

61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٤١.

62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، ١/٣٨١، رقم ٥٣٧.

63 مدارج السالكين، ابن القيم ٣/٤٦٧.

64 مناقب الشافعي ١/٣٨٧- ٣٩٣.

65 انظر: كتاب السنة ص٨٨١.

66 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، ٥/٢٦، رقم ٢٦٤٢.

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٣/٦٤، رقم ١٠٧٧.

67 تحقيق العبودية بمعرقة الأسماء والصفات، فوز الكردي ص١٩٥- ٢٠٤.

68 انظر: علاقة الإثبات والتفويض، معطي رضا نعسان ص ٥١.

69 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢٠/٢٩.

70 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٥٨.

71 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٧٦.

72 معالم التنزيل، البغوي ٣/١٧٤.

73 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/١٧.

74 شرح الطحاوية، ابن أبي العز ص١٨٤.

75 المصدر السابق ص ٦.

76 الاعتصام، الشاطبي ٢/٣١٨.

77 مقدمة ابن خلدون ص ٥٥٩.

78 طريق الهجرتين، ابن القيم ص١٢٨.

79 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٢٣٣.

80 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٨.

81 جامع البيان ١/٥٤٦.

82 معالم التنزيل، البغوي ١/٧١-٧٣.

83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٨.

84 مفتاح دار السعادة ١/١٨٧.

85 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢٠/٩٥.

86 محاسن التأويل، القاسمي ٦/٣٦٠.

87 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٨٧.

88 معالم التنزيل، البغوي ٦/٤١٧.

89 الوابل الصيب، ابن القيم ص١١.

90 روح البيان، الألوسي ٩/٢٠٢.

91 معالم التنزيل، البغوي ٣/٧٦ -٧٧.

والحديث جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، ٣/١٤٥٨، رقم ١٨٢٧.

92 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة الإخلاص، رقم ٣٣٦٤.

وحسنه الألباني في ضعيف سنن الترمذي رقم ٦٦٦.

93 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٨٥.

94 أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١٥٦.

95 جامع البيان، الطبري ٢٤/٦٩٣.

96 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٠١.

97 أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١٥٣.

98 المصدر السابق ٣/١٨٩.

99 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٢١.

100 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٤٥١.

101 طريق الهجرتين، ابن القيم ص ١٨٢.

102 إعلام الموقعين، ابن القيم ١/١٧١.

103 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٢٧.

104 شجرة المعارف والأحوال، العز بن عبدالسلام ص١.

105 تفسير القرآن العظيم ٦/١٤٩.

106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه، رقم ٥٢.

107 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله رقم ٢٥٦٤.

108 انظر: تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات ٣٩٢-٣٩٣.

109 التفسير القيم، ابن القيم ٣٣٦-٣٣٧.

110 انظر: مدارج السالكين ٣/٤٧١ و ١/٤٢٥.

111 مجموع فتاوى ابن تيمية ٦/١٧-١٩.

112 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٧٩.

113 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢١٢.

114 تفسير القرآن العظيم ٤/٥٩١.

115 طريق الهجرتين ص٢٣-٢٤.

116 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٦٨.

117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله (ويحذركم الله نفسه)، رقم ٧٤٠٤.

118 تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات ص ٣٧٤-٣٧٥.

119 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ٥/٦٦٤، رقم ٣٧٨٩.

قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ١/٢٧، رقم ١٧٦.

120 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ماجاء في كراهية كثرة الأكل، ٤/٥٩٠، رقم ٢٣٨٠.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٩٠، رقم ٥٦٧٤.

121 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار، رقم ٦٣٠٦.

122 عدة الصابرين، ابن القيم ص ٣٤٨.

123 مدارج السالكين ١/٣١- ٤١ بتصرف واختصار.

124 مدارج السالكين ١/٤٤- ٤٥.

125 أخرجه أحمد في مسنده، مسند ابن مسعود.

وصححه أحمد شاكر رقم ٣٧١٢ و ٤٣١٨.

126 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر، باب ما يقول عند النوم، ٤/٢٠٨٤، رقم ٢٧١٣.

127 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (وكان عرشه على الماء)، رقم ٧٤١٩.

128 مدارج السالكين ١/٥٨ -٥٩ ..

129 من عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين، علي المصراتي ص ١٢٩-١٣٢ بتصرف.

130 مدارج السالكين ٣/٤٨٣.

131 الحكم والتحاكم في خطاب الوحي، عبدالعزيز مصطفى كامل ١/٤٥ ـ ٥٠ بتصرف.

132 جامع البيان، الطبري ١/٥٤٧.

133 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة البقرة، رقم ٢٩٥٥.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ١/٣٦.

134 الصواعق المرسلة ١/٣٧٠ -٣٧٣ بتصرف واختصار.

135 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٤٧.

136 إغاثة اللهفان ١/١٧٠- ١٧٤ بتصرف.

137 صحيح الوابل الصيب ص ٣٧- ٣٨ بتصرف.

138 معالم التنزيل، البغوي ٧/٤٣٥.

139 تفسير القرآن العظيم ٧/٤٨٧.

140 أخرجه البخاري في صحيحه من حديث البراء، باب حفر الخندق، رقم ٢٨٣٧.

141 صيد الخاطر ص ١٠٢.

142 طريق الهجرتين ص ١٥١.

143 التدمرية ص ٢٠٩- ٢١٠.

144 شأن الدعاء ص ١٢.

145 الروح ص ٢٦٧.

146 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، ١/٢٩٦، رقم ٣٩٥.

147 صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب ص ١٥٤- ١٥٦.

148 تفسير القرآن العظيم ٧/٣١٦.

149 فتح الباري، ابن حجر ١/١٨٨.

150 تحفة الإخوان، ابن باز ص ٣٢.

151 مقدمة ابن باز على كتاب التنبيهات اللطيفة لابن سعدي ص ١٣.

152 أعلام السنة المنشورة، حافظ حكمي ص ٧٣.

153 مدارج السالكين ١/٣١.

154 المصدر السابق ١/٥٦.

155 مجموع فتاوى ابن تيمية ٧/٢٠٩.

156 أخرجه أحمد في مسنده، مسند جابر، رقم ١٤٨٣٧.

قال الألباني: إسناده حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن عقيل فيه كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن.

انظر: إرواء الغليل، رقم ١١٣٨.

157 جامع البيان ١/١٨٤.

158 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، المقدمة.