الضعف
أولًا: المعنى اللغوي:
مصدر قولهم: ضعف يضعف، وهو مأخوذٌ من مادة «ض ع ف» التي تدل على خلاف القوة، يقال منه: ضَعُف فهو ضعيفٌ، والضَعْف بفتح الضاد لغة تميم، وبضمها لغة قريش، وقيل: الضُعف-بالضم- في الجسد، والضَعف -بالفتح- في الرأي والعقل1.
ويقول الراغب الأصفهاني: والضعف قد يكون في النفس، وفي البدن، وفي الحال2.
والضُعفة: ضعف الفؤاد وقلة الفطنة، ورجل مضعوفٌ ومبهوتٌ إذا كان في عقله ضعفٌ. وأضعف الرجل: ضعفت دابته يقال هو ضعيفٌ مضعف: فالضعيف في بدنه والمضعف في دابته، وضعفه السير: أي أضعفه3. ففي حديث خيبر: (من كان مضعفًا فليرجع)4، أي: من كان دابته ضعيفةً5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الضعف وهن القوة حسًا أو معنى، وهو من فعل الله تعالى، كما أن القوة من فعل الله، تقول: خلقه الله ضعيفًا، أو خلقه قويًا، قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء: ٢٨].
ويكون الضعف في النفس، وفي البدن، وفي الحال. وقيل: الضعف في العقل والرأي، وبالضم في الجسم، وبالكسر بمعنى المثل6.
يقول ابن القيم: فإنه -أي الإنسان- ضعيف البنية ضعيف القوة ضعيف الإرادة ضعيف العلم ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أسرع من السيل في صيب الحدور، فبالاضطرار لابد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده، فإن تخلى عنه هذا المساعد المعين، فالهلاك أقرب إليه من نفسه7.
فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن معناه اللغوي، فكلاهما يدل على خلاف القوة.
وردت مادة (ض ع ف) الدالة على الضعف في القرآن الكريم (٣٠) مرة8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٨ |
( ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الحج:٧٣] |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [القصص:٤] |
اسم المفعول |
٥ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الأنفال:٢٦] |
اسم تفضيل |
٢ |
(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الجن:٢٤] |
مصدر |
٤ |
(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الروم:٥٤] |
صفة مشبهة |
٩ |
(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:٢٨] |
وجاء (الضعف) في القرآن الكريم بمعناها اللغوي، وهو خلاف القوة9.
الوهن:
الوهن لغة:
مأخوذ من مادة «و هـ ن» التي تدل على الضعف. تقول منه: وهن الشيء يهن وهنًا: ضعف، وأوهنته أنا «أي أضعفته». والوهن: الضعف في العمل وفي الأشياء، وكذلك في العظم ونحوه10.
الوهن اصطلاحًا:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي الدال على الضعف، سواء في العمل أو الأشياء.
الاستكانة:
الاستكانة لغة:
مأخوذة من مادة «س ك ن» التي تدل على الخضوع والذلة، ويقال: استكان فلان، إذا خضع11.
الاستكانة اصطلاحًا:
لا يختلف عن معناه اللغوي الدال على الاستسلام والخضوع والذل.
الصلة بين الضعف، والوهن، والاستكانة:
فرق الرازي بينها بأن الوهن: ضعف القلب أو الجبن، والضعف: مطلقٌ شاملٌ لكافة أنواع الضعف البدني والمادى. والاستكانة: التظاهر بالعجز12.
يتحدث هذا العنوان عن أنواع الضعف عند الإنسان، وهو نوعان:
أولًا: الضعف الطبيعي:
كل عباد الله ضعفاء ضعفًا ذاتيًا وهو ضعف طبيعي، لقوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء: ٢٨].
والمراد بضعف الإنسان الطبيعي ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه ضعيف في أصل الخلقة. قال الحسن: هو أنه خلق من ماء مهين.
والثاني: أنه قلة الصبر على النساء. والثالث: أنه ضعف العزم عن قهر الهوى13، فإن هواه يستميله، وشهوته وغضبه يستخفانه، وهذا أشد الضعف14.
وقال مجاهد وغيره: (ﭥ ﭦ ﭧ) فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه، وضعف عزمه وهمته15.
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وذلك لرحمته التامة، وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله تعالى عنه ما يضعف عنه، وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته»16.
وقد تحدث القرآن الكريم عن بعض مظاهر هذا الضعف، والتي منها:
١. ضعف في أصل الخلقة.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الحجر: ٢٨].
إن الله تبارك وتعالى خلق هذا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون، ذلك لأن لعنصرى الصلصال والحمإ المسنون في خلق الإنسان وفي حياته بعد ذلك دورًا لا يمكن إغفاله، فالصلصال لا يتماسك كثيرًا، بل سرعان ما يتحطم ويتفتت، فهو هش لأنه الطين الذي جففته الشمس، فهو لا يملك خاصية المحافظة على ذاته، فسرعان ما يتفتت، فليس في شدته كالفخار الذي سوته النار، والحمأ المسنون: الطين الذي اشتد سواده وتغيرت رائحته تغيرًا مكروهًا والمسنون المصور. هاتان خصيصتان: عدم التماسك وعدم الاحتفاظ بخاصية الصلاح وطروء الفساد والتغير، وهما ملازمتان للإنسان، إلا إذا تداركه الله بعفوه ورحمته، فإنه حين ذلك يكون قويًا بعيدًا عن أن يطرأ عليه فساد17.
٢. ضعف أمام الشهوات.
فالإنسان يميل بفطرته إلى حب الشهوات كما قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [آل عمران: ١٤].
ففي الإنسان هذا الميل إلى هذه الشهوات، وهو جزء من تكوينه الأصيل، وهذا ضروري للحياة البشرية كي تتأصل وتنمو 18.
والإنسان بطبعه خلق خلقًا لا يتمالك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، وينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك)19.
وقد تحدث القرآن الكريم عن بعض الصفات البشرية الدالة على الضعف، ومنها:
١. ظلوم كفار.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [إبراهيم: ٣٤].
هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالمٌ متجرئ على المعاصي، مقصر في حقوق ربه، كفار لنعم الله لا يشكرها ولا يعترف بها، إلا من هداه الله، فشكر نعمه، وعرف حق ربه، وقام به20.
وقال تعالى في موضع آخر واصفًا الإنسان بأنه جهول: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحزاب: ٧٢].
وهذا دليل على كثرة الظلم والجهالة، لا ينفك الإنسان من التخلق منها رغم كل ما وصل إليه وما سيصل إليه من حضارة وتقدم.
٢. عجول.
لقد وصف القرآن الكريم الإنسان بأنه عجول.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ)[الإسراء: ١١].
والعجل هو العجلة والتسرع والسبق إلى مخاطر الأمور من غير تفكير، وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنبياء: ٣٧].
هذا التعبير فيه تأكيد في عجلته، وكأنه يكون من عجلة، وهذا كناية عن استعجاله للأمور، وفيه مجاز بتشبيه في عجلته وكونها طبعًا له غير منفصل عن ذاته بأنه خلق منها طبعًا له لا تنفصل عنه21.
فالعجلة في طبعه وتكوينه وهو يمد ببصره دائمًا إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده، ويريد ليحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله، ويريد أن يستحضر ما يوعد به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه.
٣. يؤوس قنوط.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فصلت: ٤٩].
هذه هي طبيعة الإنسان يؤوس من الخير، كفور بالنعمة بمجرد أن تنزع منه، مع أنها كانت هبة من الله تعالى له 22.
٤. هلوع.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ) [المعارج: ١٩].
الهلع قلة إمساك النفس عن اعتراء ما يحزنها أو ما يسرها أو عند توقع ذلك والإشفاق منه. والهلع طبيعة كامنة فيه مع خلقه تظهر عند ابتداء شعوره بالنافع والضار فهو من طباعه المخلوقة كغيرها من طباعها البشرية. والهلع صفة غير محمودة فوصف الإنسان هنا بها لوم عليه في تقصيره عن التخلق بدفع آثارها23.
ثانيًا: ضعف طارئ:
الضعف الطارئ هو الضعف الكسبي، أي ما يكتسبه العبد من أعمال وأقوال تدل على هذا الضعف.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خيرٌ)24.
فالتفاوت في ضعف المؤمنين وقوتهم هو بسبب قبول أسباب ضعف الإيمان أو قبول أسباب قوته، فإذا سعى المؤمن في إزالة ضعفه بمقتضى الأسباب المزيلة له، توصل إلى إزالة الضعف الذي يضر به، وهو الكسبي، ولا يضره الضعف الطبيعي الوهبي، لأن ما يصل به إلى درجة الكمال هو الإقبال على ما يتحقق به كمال إيمانه. والضعف الطارئ في المؤمنين يكون على قسمين: ديني، ودنيوي.
وعموم الضعف في المؤمنين يرجع إلى ضعف في الدين وهو المعنوي، وضعف في أمور الدنيا وهو الحسي، ومن المؤمنين من يجتمع فيه الضعفان. فأما الضعف في الدين فأصنافه اثنان: فقراء طالحون وأغنياء طاغون، فهؤلاء فقراء في الدين.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ) [النساء: ٩٧].
وقوله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ) [إبراهيم: ٢١].
وأما الضعفاء في الدنيا فاثنان أيضًا: فقراء صالحون وفقراء فاسدون، والفقراء المنحرفون اجتمع فيهم الضعفان أيضًا، فعن حارثة بن وهب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)25.
قال الحافظ ابن حجر: «والمراد بالضعيف: من نفسه ضعيفة، لتواضعه وضعف حاله في الدنيا، والمستضعف: المحتقر، لخموله في الدنيا»26.
فالحديث دل على الضعف الحسي والمعنوي الممدوحين، فالضعف في الدين إذا كان بمعنى التواضع فهو ممدوح، والضعف الحسي إذا أجبر بالقوة الإيمانية فهو ممدوح. ومن الأدلة العامة في القرآن الكريم على الضعف الطارئ من حيث المعنى: قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الحج: ١١].
أي: على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، فهو في قلق واضطراب فيه لا في سكون وطمأنينة، فمثله مثل الذي يكون على طرف من العسكر إن أحس بغنيمة قر وسكن، وإن كانت هزيمة فر وهام على وجهه، وهذا هو النفاق بعينه كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى في المنافقين: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء: ١٤٣].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ) [العنكبوت: ١٠].
فجعل فتنة الناس له على الإيمان وطاعة رسله كعذاب الله لمن يعذبه على الشرك ومخالفة رسله.
وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض مظاهر الضعف الطارئ، والتي منها:
١. الجهل.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ)[الأنعام: ١١١].
وقوله تعالى على لسان نبي الله لوط عليه السلام: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[النمل: ٥٥].
فالجهل ضارب أطنابه على كثير من الناس، وهو فيهم بحسب قلة إقبالهم على علم الشريعة وكثرته، يقول ابن القيم رحمه الله: «أما شجرة الجهل فتثمر كل ثمرة قبيحة من الكفر والفساد والشرك والظلم والبغي والعدوان والجزع والهلع والكنود والعجلة والطيش والحدة والفحش والبذاءة والشح والبخل »27.
٢. تمكن الشهوات والشبهات من القلوب.
قد ذكر الله تعالى هذين المرضين في كتابه، أما مرض الشبهات وهو أصعبهما وأقتلهما للقلب، ففي قوله في حق المنافقين: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٠].
وقوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [المدثر: ٣١].
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)[الحج: ٥٣].
فهذه ثلاثة مواضع المراد بمرض القلب فيها مرض الجهل والشبهة، وأما مرض الشهوة، ففي قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأحزاب: ٣٢].
أي: لا تلن في الكلام، فيطمع الذي في قلبه فجور وزنا»28.
وقال ابن بطة: «لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات، مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرًا للشبهات»29.
٣. السقوط في الفتن.
والفتنة ما يقع به اضطراب الأحوال، ومرجها وتشتت البال وهي تظهر الضعف الكامن في باطن العبد، فإذا وقعت الفتنة في أي مجتمع إيماني لا تخرج ولا تنتهي إلا بنصيبها من المؤمنين، فمنهم من تنسفه، ومنهم من تزلزله، ومنهم من تضعفه في سيره إلى الله وتمسكه بدينه.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ) [التوبة: ٤٩].
وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ) [الأعراف: ١٥٥].
أي: تضل بمقتضاها من تشاء من عبادك ولست بالظالم لهم في تقديرك، وتهدي من تشاء ولست بالمحابي لهم في توفيقك، فأمرهم دائر بين العدل والفضل30.
مراعاة الضعف في الأحكام الشرعية
الناظر إلى الأحكام الشرعية يجد أنها جاءت في حدود الوسع وعدم المشقة، وليس فيها تضيق ولا حرج ولها أسباب منها اختيارية كالسفر والجهل والإكراه، ومنها أسباب اضطراريه وهي ما تحصل للإنسان رغمًا عنه كالمرض والنسيان.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٨٦].
وقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الطلاق: ٧].
وقال سبحانه وتعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [المؤمنون: ٦٢].
هكذا يتصور المسلم رحمة ربه وعدله في التكاليف التي يفرضها الله عليه في خلافته للأرض، وفي ابتلائه في أثناء الخلافة، وفي جزائه على عمله في نهاية المطاف ويطمئن إلى رحمة الله وعدله في هذا كله، فلا يتبرم بتكاليفه، ولا يضيق بها صدرًا، ولا يستثقلها كذلك، وهو يؤمن أن الله الذي فرضها عليه أعلم بحقيقة طاقته، ولو لم تكن في طاقته ما فرضها عليه. فهناك أوامر ونواهي، ولكنها في حدود الوسع وعدم المشقة وليس فيها تضييق وعسر وإحراج، لقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[المائدة: ٦].
وقوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحج: ٧٨].
وقوله: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأحزاب: ٣٨].
هذا الكلام يفيد النفي المؤكد بأنه ليس في الدين حرج، والمعنى: ما كان من أمر الله تعالى في عباده أن يجعل الدين عليهم فيه مشقة مجهدة أو ضيق وحرج. ومثل ذلك الآيات التي جاءت تنفي الحرج عن فئة معينة، كقوله تعالى في سورتي النور والفتح: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفتح: ١٧].
ولهذا التخفيف ومراعاة الضعف في الأحكام الشرعية أسباب تنقسم إلى قسمين:
حقوق الضعفاء بين الرعاية والنصرة
حرص الشرع الحنيف على رعاية الضعفاء والمحتاجين والدفاع عنهم ونصرتهم، سواء كانت هذه الرعاية والنصرة معنوية أو حسية، فأوصى بالصغير ورعايته من قبل أن يخرج إلى الحياة الدنيا، كما أقر أن لليتيم حقوق يجب أن تراعى، منها: الإحسان إليه، والاهتمام به من الناحية النفسية، والاجتماعية، والمالية. بل نالت اليتيمة في القرآن الكريم رعاية خاصة. فكما عالجت مشكلة اليتامى الصغيرات من الناحيتين المادية والاجتماعية شأنها في ذلك شأن اليتامى الذكور.
عالجت أيضًا مشكلة اليتيمات إذا بلغن سن الزواج. بل للنساء على وجه العموم حق الرعاية والنصرة، وللوالدين كذلك حق الرعاية والإحسان.
وأما أصحاب الضعف الطارئ كالفقراء والمساكين وغيرهم من المحتاجين لأسباب بدنية (أولو الضرر) هؤلاء ينبغي العناية بهم واحترامهم ورعايتهم؛ فدعا سبحانه وتعالى إلى مجالستهم والإحسان إليهم، والإنفاق عليهم.
بل فرض على المخالفين لأحكامه الشرعية أن يدفعوا جزءًا من مالهم عند كل مخالفة لأحكام الشريعة ككفارة عن تلك المخالفة وحدد الشرع مسؤلية المسلم نحو هؤلاء الضعفاء فأوجب نصرتهم وعدم خذلانهم.
أولًا: رعاية الضعفاء والمحتاجين:
لقد كفل دين الإسلام جميع الحقوق لأتباعه عامة، وللضعفاء منهم خاصة، فأوجب وحث على رعاية هذه الحقوق:
١. رعاية أصحاب الضعف الطبيعي:
أولًا: رعاية حقوق الأطفال:
لما كانت مرحلة الطفولة من المراحل المهمة والأساسية في بناء شخصية الفرد إيجابًا أو سلبًا، وفقًا لما يلاقيه من اهتمام جاء الإسلام ليقرر أن لهؤلاء الأطفال حقوقًا وواجبات لابد من رعايتها والاهتمام بها، ولا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها. وهذه الحقوق التى كفلها الإسلام متعددة الجوانب:
فمنها: حقه قبل ولادته؛ لأن الدور الأكبر في رعاية وتنشئة الطفل تنشئة سليمة يتمثل في دور الوالدين، فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقي وزوجة صالحة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)[النور: ٣٢].
ومنها: الاستبشار بالمولود عند ولادته، وذلك على نحو ما جاء في قوله تعالى عن بشارة الملائكة لإبراهيم عليه السلام: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الحجر: ٥٣].
ومنها أيضًا بشارة زوجه: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)[هود: ٧١].
وقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[آل عمران: ٣٩].
وهذه البشارة للذكر والأنثى على السواء من غير تفرقة بينهما: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ٥٨].
ومنها: إتمام الرضاعة، والرضاعة عملية لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي والانفعالي والاجتماعي في حياة الإنسان وليدًا ثم طفلًا، فكان على الأم أن ترضع طفلها حولين كاملين، وجعل ذلك حقًا من حقوق الطفل.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٣٣].
وقوله: (ﭾ ﭿ ﮀ) [لقمان: ١٤].
ثانيًا: رعاية اليتيم:
واليتم نوعان:
وقد تعرضت الآيات في القرآن الكريم لبيان حقوق اليتيم ومن تدبرها وجدها مقسمة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الإحسان إلى اليتيم والوصية به:
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النساء:٣٦].
وقوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإنسان:٨].
وقوله سبحانه: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[البقرة: ٢٢٠].
ورعاية اليتيم لا تقتصر على الشريعة الخاتمة بل كانت في الشرائع السابقة لشرعنا، فمن جملة بنود الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني إسرائيل: الإحسان إلى اليتامى.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[البقرة: ٨٣].
الثاني: الاهتمام باليتيم من الناحية النفسية والاجتماعية:
فأوصى له من يبادله العطف والحنان، والتربية الصالحة ليكون فردًا صالحًا لا تؤثر على نفسيته حياة اليتم. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نشأ يتيمًا بين الله تعالى له بأنه قد أنعم عليه وكفله وأغناه، فقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الضحى: ٦ - ٩].
وهذه الآيات الكريمة يستنبط منها ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية:
الثالث: الاهتمام باليتيم من الناحية المالية:
١. إذا كان اليتيم فقيرًا فقد شرع له موارد كثيرة يأخذ منها المال، منها: قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [البقرة: ١٧٧].
وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)[البقرة:٢١٥].
وفرض الله تعالى لهم نصيبًا من الخمس مما يحصل عليه المسلمون من الغنائم التي غنموها من قتال الكفار، قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال: ٤١].
وفرض لهم نصيبًا من الفئ؛ وهو كل مال أخذ من الكفار من غير قتال.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)[الحشر:٧].
بالإضافة إلى ما يستحقه من أموال الزكاة، قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة:٦٠].
فاليتيم الفقير يدخل في هذه الآية.
٢. أما إذا كان اليتيم غنيًا فقد حذر الله سبحانه وتعالى من أكل مال اليتامى، أو التهاون فيه، أو التضييع له.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء: ٢].
ويدعو سبحانه وتعالى القومة على اليتامى، من أولياء وأوصياء أن يضعوهم دائمًا تحت التجربة والاختبار، لسياسة أموالهم، وتدبيرها بأنفسهم، وذلك بأن يشركوهم معهم في بعض التصرفات، ويطلعوهم على طرق الأخذ والعطاء بين الناس، فقال تعال: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)[النساء:٦].
تحذيرًا للأولياء والأوصياء على اليتامى، من أن ينزع بهم الطمع في مال اليتيم إلى استغلاله والمبادرة باجتناء ثمرته لهم، قبل أن يخرج من أيديهم إلى أصحابه اليتامى، عند رشدهم.
وقوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ)[النساء:٦].
وحذر الله تعالى أشد الحذر من أكل أموال اليتامى بالباطل، فقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ) [النساء:١٠].
ونالت اليتيمة في القرآن الكريم رعاية خاصة: فالشريعة الإسلامية قد أولت يتامى النساء عناية كبيرة، فكما عالجت مشكلة اليتامى الصغيرات من الناحيتين المادية والاجتماعية -كما سبق بيانه- شأنها في ذلك شأن اليتامى الذكور، عالجت أيضًا مشكلة اليتيمات إذا بلغن سن الزواج، فقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء:٣].
والمعنى: أما وقد خفتم أيها الأوصياء على اليتامى، أن تأكلوا أموالهم بالباطل، تريدون بهذا مرضاة الله، فإن من تمام هذا الأمر أن تخافوا ظلم اليتيمات في أنفسهن، بعد أن خفتم ظلمهن في مالهن فإن كنتم على خوف من ظلمهن وتريدون أن تجنبوا أنفسكم هذا الموقف، فدعوهن لشأنهن ولا تتزوجوهن وهن في أيديكم، لا يملكون من أمرهن شيئًا، وإن لكم في غيرهن من النساء ما تشاءون مثنى وثلاث ورباع، ففي هذه التوسعة لكم في زواج أكثر من واحدة نعمة من نعم الله عليكم، ومن شكر هذه النعمة ألا تطمع أعينكم إلى اليتيمات، وما في الزواج بهن من حرج.
وعن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) قالت: ياابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن، إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت عائشة رضى الله عنها: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ)، وقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ) رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن، إذا كن قليلات المال والجمال33.
ومن ذلك يتضح أن اليتيمة كغيرها من النساء لها الحرية الكاملة في اختيار ما تشاء من الأزواج، ولا تمنع مهرها أو شيئًا منه كسائر النساء، إلا إذا كان ذلك عن رغبتها وإرادتها، ولا يجوز للولي أو غيره إكراهها على شيءٍ من ذلك.
ثالثًا: رعاية حقوق النساء:
إن من استقرأ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدرك مقاصد الإسلام في رعايته للمرأة، وعنايته واهتمامه بكافة قضاياها وعامة شئونها، وفي تقديمه الحلول الصحيحة، والمعالجات الناجحة لكافة مشاكلها الحياتية والفكرية والنفسية أن المرأة بين يدي الإسلام قسيمة الرجل، لها ما لها من الحقوق، وعليها أيضًا من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وذلك ما أجمله الله عز وجل في قوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة: ٢٢٨].
تلك هي درجة الرعاية والحياطة، ولا يتجاوزها إلى قهر النفس، وجحود الحق. وكما قرن الله سبحانه بينهما في شئون الحياة، كذلك ساوى بينهما في الإنسانية، والموالاة، وتكاليف الإيمان، وحسن المثوبة، وإدخار الأجر، وارتقاء الدرجات العلى في الجنة»34.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأحزاب: ٣٥].
ويقرر الإسلام الأهلية الكاملة في تصرفاتها متى بلغت الرشد، فليس لأحد أن يجبرها على ما تكره، ولا أن يكرهها على ما لا تريد، ولا أن يتصرف بغير إذنها فيما تملك، ويضفي عليها من معاني الرعاية والتكريم في كل أدوار حياتها ما هي جديرة به مستحقة له.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النساء:١٩].
ومن أعظم حقوقها على زوجها: المعاشرة بالمعروف، ولقد كفى وشفى في الأمر بحسن المعاشرة آية جليلة جامعة، فمن ذا الذي يستمع قوله تعالى: (ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء:١٩].
ثم يجفوا امرأته، أو يتسخطها بعد ذلك؟ ولقد شبه الله تعالى حسن القيام على الزوجة بحسن القيام على الوالدين، فقال تعالى في حق الوالدين: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان:١٥].
وقال تعالى في حق الزوجات: (ﯢ ﯣ).
قال القرطبي: أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والخطاب للجميع، إذ لكل أحدٍ عشرة، زوجًا كان أو وليًا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج. وذلك توفيه حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقًا في القول ولا فظًّا ولا غليظًا ولا مظهرًا ميلًا إلى غيرها، وقال ابن كثير رحمه الله في قوله: (ﯢ ﯣ) أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم، كما تحب منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة: ٢٢٨]35.
بل جبر خاطر المطلقة بشيء من المال تخفيفًا عن أحزانها، فقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[البقرة: ٢٤].
وحفظ لها حقها في التعليم، كي تكون على مستوى يجعلها تصوغ لبنات المجتمع على أكمل وجه، فقال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التحريم: ٦].
جاء عن علي رضي الله عنه في تفسيرها: «أدبوهم، وعلموهم»36.
وقال تعالى مخاطبًا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[الأحزاب: ٣٤].
رابعًا: حقوق الوالدين ومراعاتهن عند الكبر:
قد كثرت وصايا القرآن الكريم والأحاديث النبوية بالأبوين كليهما إن وجدا، أو بأحدهما إن بقى منفردًا وفارقه الآخر، وذلك في حياتهما وبعد مماتهما:
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٥١].
وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الإسراء:٢٣].
فإذا كان الوحدانية برًا بالخالق، فإن الإحسان إلى الوالدين برٌ بمن جعلهم الله سببًا ماديًا في وجود الولد. والوصية بهما هي الإحسان إليهما.
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الإسراء:٢٣].
وإن الأمر بالإحسان يتضمن النهي عن الإساءة. يقول صاحب تفسير المنار: «ولو لم يرد في التنزيل إلا قوله تعالى: (ﮝ ﮞ) ولو غير مكرر لكفى في الدلالة على عظم عناية الشرع بأمر الوالدين بما تدل عليه الصيغة والتعدية فكيف وقد قرنه بعبادته وجعله ثانيها في الوصايا وأكده بما أكده به في سورة الإسراء كما قرن شكرهما بشكره في وصية سورة لقمان فقال: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [لقمان:١٤].
ذلك كله بأن حق الوالدين على الولد أكبر من جميع حقوق الخلق عليهم، فمن قصر في بر والديه والإحسان بهما كان فاسد الفطرة مضياعًا للحقوق كلها فلا يرجى منه خير لأحد»37.
وعلى ذلك تتفق الآيات القرآنية على واجب رعاية الوالدين والإحسان إلىهما، وتحريم عقوقهما، والإلزام ببرهما، وترك إغضابهما وإيذائهما، والتضييق عليهما، ولا نجد ترغيبًا في أمر خلقي في القرآن الكريم أكثر من الترغيب في بر الوالدين والأمر به، والتحذير من العقوق، الذي يأتي دائمًا بعد الأمر بعبادة الله وتحريم الشرك.
وتوالت الأحاديث النبوية الكثيرة في تأكيد الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما، فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)38.
فبر الوالدين أفضل حقوق الناس، وأداء فريضة الصلاة في وقتها أفضل حقوق الله، وتقدمت منزلة بر الوالدين في هذا الحديث الشريف على منزلة الجهاد في سبيل الله، الذي هو ذروة سنام الإسلام. ولضعف الأم جعلها الشرع في الترتيب بينها وبين الأب مقدمة في البر بمراتب ثلاث، والأب بعدها في المرتبة الرابعة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ - أي صحبتي- قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثمن من؟ قال: (أبوك)39.
والحاجة إلى الإحسان للأبوين أشد في حال الكبر والعجز أو الضعف من أي وقت آخر.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الإسراء:٢٣-٢٤].
قال القرطبي رحمه الله: «خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فذلك خص هذه الحالة بالذكر، وأيضًا: فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة، ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه، وتنتفخ أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة وهو السالم عن كل عيب»40.
ولا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد41.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)[الممتحنة: ٨].
وعن أسماء قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذا عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيها، فاستفيت النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي قدمت وهي راغبة42 أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك)43.
وجاءت السنة النبوية مؤكدة تحريم العقوق، فعن أبي بكرة بن الحارث رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ قلنا: بلى يارسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين. وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت)44.
فجاء العقوق في ترتيب الجرائم بعد الشرك بالله عز وجل فكما أن بر الوالدين جاء بعد الأمر بالتوحيد في أعمال البر، فكذلك ففي المقابل جاء النهي عن العقوق وبيان خطره بعد النهي عن الشرك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة)45.
أي: التصق بالرغام وهو التراب، وهو دعاء عليه بالذل والفقر، ودليل على أن عقوق الوالدين أو إيذاءهما أو ضربهما من الكبائر الموجبة لدخول النار.
قد جعل الإسلام البر والإحسان إلى الوالدين موصولًا بعد مماتهم أيضًا وهذا لعظم حقهما، فمن ذلك: الاستغفار للوالدين وطلب الرحمة لهما في حياتهما وبعد الممات، فهذا نبي الله نوح عليه السلام يدعو ربه قائلًا: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ)[نوح: ٢٨].
وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)[الإسراء:٢٤].
فأمر الله عز وجل الأبناء بالترحم على آبائهم والدعاء لهم، وأن ترحمهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك46.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: أو ولد صالح يدعو له)47.
ومن ذلك: أداء الدين الذي عليهما، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)48.
ومن ذلك: الصدقة الجارية، فالصدقة عن الميت يصل ثوابها إليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلًا49 قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمه توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم)، قال: فإني لي مخرافًا، فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها50.
ومن ذلك: الصوم عنهما، فيجوز الصيام عنهما إذا ماتا وعليهما صيام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: (أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟) قالت: نعم، قال: (فصومي عن أمك)51.
ومن ذلك: الحج والعمرة عن الوالدين، فيستحب الحج والعمرة عن الوالدين إذا ماتا أو كانا كبيرين لا يستطيعان الحج، فعن أبي رزين أنه قال: يارسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: (احجج عن أبيك واعتمر)52.
٢. حقوق أصحاب الضعف الطارئ:
أولًا: الفقراء والمساكين وغيرهم من المحتاجين:
الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته، من الفقار كأنه أصيب فقاره، والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه، من السكون كأن العجز أسكنه53.
وهؤلاء الفقراء والمساكين ومن شابههم من المحتاجين كالسائل وابن السبيل والغارمين طائفة من الناس ينبغي العناية بهم واحترامهم ورعايتهم، حتى لا يتحولوا عالة على الناس أو ضررًا على الأمة أو تنشأ عقدة في نفوسهم، كما ينبغي أن يشعروا أنهم مثل غيرهم من الأفراد، لذا توالت الوصايا القرآنية والنبوية في حقهم: فبين سبحانه وتعالى أن هذه الرعاية لهؤلاء الفقراء والمساكين تقوم على أن المال مال الله، وأن العباد مستخلفون فيه، أعطاه الله لهم.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[الحديد:٧].
وذكر سبحانه وتعالى أنه هو الذي يبسط الرزق على من يشاء ويضيق على من يشاء: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [سبأ: ٣٦].
لذا يجب عليهم الالتزام بأوامر وتوجيهات المالك الأصلي للمال الموزع للأرزاق بعلمه وقدرته. فدعا سبحانه وتعالى إلى الجلوس معهم ورعايتهم وملاطفتهم، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الكهف: ٢٨].
وفرض الله عز وجل الزكاة وفاء بحاجات المحتاجين، وتحقيقًا لمصالح المجتمع، والزكاة مورد مالي ضخم حيث تعتبر من أهم موارد الدخل للفقراء والمساكين والمحتاجين من أصحاب الديون وغيرهم، فقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة: ٦٠].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الذاريات: ١٩].
ومن شأن اعتبار ذلك حقًا وليس منة أن لا يحس الفقراء والمساكين بالعار عندما يأخذون الصدقات من الأغنياء لأنهم بنص القرآن يأخذون حقهم مثل الشريك يأخذ حقه في الربح من شركه. وكذلك عند قسمة الميراث إذا حضر القسمة الأقارب والفقراء والمساكين الذين لا حظ لهم في الميراث ولا مال لهم، فطيب خاطرهم بجزءٍ من المال أو جزءٍ التركة، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[النساء: ٨].
ولم يكتف التشريع القرآني بفرض حقوق مالية للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء فحسب، بل فرض على المخالفين لأحكامه الشرعية أن يدفعوا جزءًا من مالهم عند كل مخالفة لأحكام الشريعة حدد لها كفارة تكفيرًا عن تلك المخالفة، من ذلك:كفارة اليمين.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)[المائدة:٨٩].
ومنها: كفارة الظهار، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [المجادلة:٤].
ومنها: كفارة التمتع في الحج، قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)[البقرة: ١٩٦].
ومنها: كفارة قتل الصيد في الحج، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)[المائدة: ٩٥].
وشرع تبارك وتعالى الفدية لمن لم يتمكن من العباد المكلفين من القيام ببعض ما افترض الله عليهم أو لمن لا يتمكن من أدائه على الوجه الأكمل، فقد أباح لهم الفطر ورخصة لهم مقابل فدية.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة:١٨٤].
وشرع لهم الأضاحي والهدى فقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الحج: ٢٨ ].
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحج: ٣٦].
أي: الفقير الذي لا يسأل تقنعًا، وتعففًا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما له حق فيهما54.
وشرع لهم الحقوق التطوعية من الأموال، كالصدقات في قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة:٢٧١].
وفي الغنيمة للفقراء والمساكين، قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال: ٤١].
وفي الفيء في قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الحشر:٧].
وفي النفقات والإحسان إليهم، قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)[البقرة: ٢١٥].
وجعل من أسباب المغفرة، الإنفاق على الضعفاء من اليتامى والمساكين، فقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البلد:١١- ١٨].
وذكر تعالى أنه يسلط عقوبته في الحياة الدنيا على من منع إعطاء حق المساكين والفقراء، فقال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [القلم:١٧- ٢٧].
وقد ذم الكفار لاتصافهم بترك إطعام المسكين ترهيبًا لمن يحذو حذوهم، فقال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ)[الحاقة: ٣٣-٣٤].
وذكر أن من ترك الإنفاق عليهم والاهتمام بإطعامهم، من أوصاف أهل النار، فقال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍà ﰏ ﰐ ﰑä ﰓ ﰔ ç ﰖ ﰗ ﰘ ﰙì ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟò ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ) [المدثر: ٣٩ -٤٤].
ثانيًا: الضعفاء لأسباب بدنية (أولوا الضرر):
لا شك أن منزلة ذوي الاحتياجات الخاصة من مبادئ الإسلام كسائر ما ينزل بساحة الفرد أو الجماعة من المسلمين من إبتلاء، وبمقتضى العقيدة الإسلامية ينبغي استقباله على أنه قدر الله عز وجل المكتوب في الأزل لا راد له إلا هو.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة: ١٥٥-١٥٧].
وقد أولى الإسلام ذوي الاحتياجات الخاصة عناية فائقة، وراعي ظروفهم واعتني بشئونهم، وأوجب عليهم من العطف واللطف مالم يفعله مع غيرهم، فجعل لهم أسس لمعاملتهم، وطرق الإنفاق عليهم، كما يتجلى ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية، نذكر منها:
فقد اهتم الإسلام بهذا الجانب اهتمامًا كبيرًا فحفظ لهم هذا الاعتبار الأدبي في أحكام الشرع ما ورد من النهي عن السخرية من الآخرين والتنابز بالألقاب، قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ)[الحجرات: ١١].
والتنابز بالألقاب: هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعم الله تعالى بنهيه ذلك ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفة يكرهها55.
ولا شك أن مناداة صاحب الاحتياجات الخاصة بها من أكره الأشياء إلى قلبه.
لقد وضع الإسلام عن ذوي الاحتياجات الخاصة كثيرًا من التكاليف وخفف عنهم في أخرى، كما دلت على ذلك أحكام كثيرة وشواهد عديدة، كسبب نزول قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النساء: ٩٥].
فعن سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النساء:٩٥].
فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال: يارسول الله، والله لو استطيع الجهاد لجاهدت-وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه فأنزل الله: (ﭖ ﭗ ﭘ) 56.
ومعنى الآية الكريمة: لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله وبرسوله، المؤثرون الدعة والخفض والقعود في منازلهم على مقاساة حزونة الأسفار والسير في الأرض، ومشقة ملاقاة أعداء الله بجهادهم في ذات الله، وقتالهم في طاعة الله، إلا أهل العذر منهم بذهاب أبصارهم، وغير ذلك من العلل التي لا سبيل لأهلها - للضرر الذي بهم- إلى قتالهم وجهادهم في سبيل الله57.
وخفف الشارع الحكيم عليهم من بعض التكاليف الشرعية بما يوافق حالهم ويناسب ضعفهم ويتماشى مع إعاقتهم أو إصابتهم، ومن ذلك قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٩١].
ومعنى الآية: ليس على الضعفاء العاجزين عن القتال لعلة في تكوينهم، أو لشيخوخة تقعدهم، ولا على المرضى الذين لا يستطيعون الحركة والجهد، ولا على المعدمين الذين لا يجدون ما يتزودون به ليس على هؤلاء حرج إذا تخلفوا عن المعركة في الميدان، وقلوبهم مخلصة لله ورسوله، لا يغشون ولا يخدعون، ويقومون بعد ذلك بما يستطيعونه-دون القتال- من حراسة أو صيانة أو قيام على النساء والذرية في دار الإسلام، أو أعمال أخرى تعود بالنفع على المسلمين. ليس عليهم جناح، وهم يحسنون بقدر ما يستطيعون. وقوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفتح: ١٧].
فالأعمى والأعرج معهما عذر دائم هو العجز المستمر عن تكاليف الخروج والجهاد، والمريض معه عذر موقوت بمرضه حتى يبرأ.
وكفى بهذه المكانة الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال حدث مهم سجله القرآن الكريم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭢ ﭣ ﭤ ﭦ ﭧ ﭨ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [عبس: ١-١٠].
سبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه، وهو عبدالله ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل من الأغنياء، وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية الخلق، فمال صلى الله عليه وسلم، وأصغى إلى الغني، وصد عن الأعمى الفقير، رجاء لهداية ذلك الغنى، وطمعًا في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف58.
ومن المستوى الاجتماعي أيضًا: الدمج والانسجام في المجتمع، فقد حرص الإسلام على الانسجام الاجتماعي من جهة ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في النسيج الاجتماعي.
وهذا ما أكد عليه القرآن في قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النور: ٦١].
والمعنى: أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى، لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات، فربما سبقه غيره إلى ذلك ولا مع الأعرج، لأنه لا يتمكن من الجلوس، فيفتات عليه جليسه، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم، فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك. قال الضحاك: كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذرًا وتعززًا ولئلا يتفضلوا عليهم، فأنزل الله هذه الآية59.
فلهم في أموال القادرين حق معلوم يحقق لهم كفايتهم فيكفل لهم مستوى العيش الكريم بتوفير الغذاء والكساء والمسكن والدواء.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [المعارج: ٢٤-٢٥].
ثانيًا: نصرة الضعفاء والمحتاجين:
النصرة في الدين من الإيمان بالله عز وجل، وقد قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ) [الحجرات: ١٠].
ونصرة الضعفاء والمحتاجين من الإيمان، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنفال: ٧٤].
بل عقد الله تعالى بينهم وبين هؤلاء الضعفاء عقد موالاة ومحبة فقال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)[الأنفال: ٧٢].
والولاية هي المحبة والمودة والمناصرة، فلقد اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بالضعفاء من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وذوي الاحتياجات الخاصة، وحدد الدين الإسلامي مسئولية المسلم نحو مجتمعه وأكد على كرامة الفرد واحترامه وإعطاء كل ذي حق حقه، وأوجب نصرته وعدم خذلانه، لأن ترك النصرة والإعانة شيء شنيع، فلابد من نصرة المسلم للمسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا)60.
والمعنى: إذا كان مظلومًا أن تأخذ له بحقه، وإذا كان ظالمًا أن تأخذ له من نفسه، وأن تأخذ على يديه، والنصرة هي الإعانة. وقد أمر الشارع الحكيم بنصرة الضعفاء والمحتاجين وإعطائهم حقوقهم ويكون ذلك بأمور:
منها: الدفاع عنهم وعدم تركهم مع من يؤذيهم: لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه)61.
أي: لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون واجبًا وقد يكون مندوبًا بحسب اختلاف الأحوال62.
ويتجلى رقى الإسلام ونصرته للضعفاء في الحفاظ على كرامة الخادم وعدم إهانته وتوفير مقومات الحياة الكريمة له، وتوفير كل أشكال الحماية لهم من الذين قد يدفعهم المال أو المنصب أو السلطان إلى ظلم عباد الله والإساءة إليهم.
وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التعامل معهم واحترام مشاعرهم، وهذا أنس رضي الله عنه يحدثنا عن رحمته وشفقته بالخدم، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا. فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيانٍ وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: ياأنيس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت: نعم، أنا أذهب يارسول الله. قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيءٍ صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيءٍ تركته: هلا فعلت كذا وكذا)63.
ومنها: ستر عيوبهم وقضاء حوائجهم وتنفيس كرباتهم: بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجزاء من جنس العمل فذكر فضل إعانة المؤمن أخاه المؤمن في الدنيا، وكذلك فضل تفريج كربه، وستر عيبه.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النساء: ٨٥].
والشفاعة الحسنة: أن توصل الخير إلى الغير، وأن تسعى في قضاء حوائجهم دون أن يأخذوا ما ليس بحقهم، أو أن يعتدوا على حق الغير.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)64.
وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)65.
ومنها: تفعيل دور وسائل الإعلام في رعاية الضعفاء والمحتاجين ونشر قضياهم، والدعوة لنصرتهم وإعانتهم وذلك من خلال توجيه الناس بعدم التحقير والتقليل من شأنهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم)66.
والقيام بذكر قضاياهم وإشهار حقوقهم وتبيين المظالم التي وقعت عليهم، يقول سبحانه وتعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النساء:١٤٨].
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك أحدًا من أصحابه قريبًا أو بعيدًا إلا ونصره، روي البخاري بسنده، أن أنس ابن مالك حدث (أن الربيع وهي ابنة النضر-وهي عمة أنس- كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص.
فقال أنس بن النضر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أنس كتاب الله القصاص).
فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)67.
أولًا: أسباب الاستضعاف:
١. قلة العدد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأنفال: ٢٦].
صور الله سبحانه وتعالى الحال فقال: (ﭒ ﭓ ﭔ) أي: عدد قليل فإن الإسلام إذ نشأ كان عدد المسلمين قليلًا، وكان المشركون يستذلونهم، ويستضعفونهم، ويؤذونهم، مرة بالسخرية والاستهزاء، ومرة بالضرب والأذى، ومرة بوضع الحجر المحمي على ظهورهم، حتى كانوا يضطروهم إلى أن ينطقوا بكلمة الكفر، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، ولم يسلم النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى، حتى إنه ليرمي عليه فرث الجزور وهو يصلي، ومع هذا الاستضعاف في الأرض غير مستقرين في أنفسهم وأموالهم فهم في خوف وفزع واضطراب، ولذا وصفهم الله تعالى بقوله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) .
والتخطف معناه: سلبهم أو سلب أموالهم سريعًا من غير تلبث، والتخطف هو موضع الخوف، ولا يكون معه استقرار أبدًا، فلا يأمن التاجر، ولا العامل، ولا الزارع، لا على ماله، ولا على نفسه 68.
وجاء ذلك في أقوال بعض التابعين، فقد روي عن قتادة السدوسي في هذه الآية أنه قال: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًا، وأشقاها عيشًا، وأجوعها بطونًا، وأعراها جلودًا، وأبينها ضلالًا، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات منهم زوي في النار. يؤكلون، ولا يأكلون، والله ما نعلم من حاضر أهل يومئذ من كانوا شرًا منزلًا منهم حتى جاء الإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمة، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله69.
وفي هذه الآية من العبرة: التي يجب على المؤمنين أن يتذكروها أنه أورث من اهتدى بهديه سعادة الدنيا وبسطة السلطان ومكن لأهله في الأرض وأنالهم ما لم يكونوا يرجونه لولا هدى الدين، وأورثهم في الآخرة فوزًا ورضوانًا من ربهم وروحًا وريحانًا وجنة نعيم هذا حين كانوا يعملون بهديه فلما أعرضوا عنه ونأوا بجانبهم عاقبهم الله بما جرت به سننه في الأرض فأضاعوا ملكهم وسلط عليهم أعداءهم، فليعتبر المسلمون بما حل بهم، وليرجعوا إلى تاريخ أسلافهم، وليستضيئوا بنورهم وليثوبوا إلى رشدهم، لعله يعيد إليهم تراثهم الغابر وعزهم الماضي: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙª) [الأعراف:١٢٨]70.
وبسبب جهل المسلمين بدينهم وبعدهم عنه، يمروا هذه الأيام بمرحلة استضعاف رهيبة غير معهودة في سالف عصورهم، فقد تسلط عليهم الأعداء في جميع المجالات، ولم يعد لهم هيبة في أعين أعدائهم، وما ذلك إلا بسبب الذنوب والمعاصي التي طغت على المجتمعات الإسلامية فأورثتها المذلة أمام الأعداء، وعدم العمل بالشريعة الإسلامية وتحكيمها على مستوى الفرد والمجتمع.
فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أو من قلة يارسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يارسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)71.
٢. الاختلاف والتفرق.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الشورى: ١٣-١٥].
أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن التفرقة، وأخبرهم أنهم ينبغي لهم أن لا يغتروا بما أنزل الله عليهم من الكتاب. فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم، وذلك كله بغيًا وعدوانًا منهم، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا، وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة، فوقع الاختلاف فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم72.
فالإسلام أمر بالوحدة والالتئام ومنع التفرق والانقسام لأن التفرق والانقسام يؤدي إلى التصدع والانفصام لذلك فهو يرفض التحزب والانشطار في قلب الأمة المحمدية الواحدة. ولهذا فقد ذم الله عز وجل الفرقة ونهى عنها في أكثر من موضع في كتابه؛ لأنها سببًا في تمزيق وحدة الأمة المسلمة فيستضعفها أعدائها.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنعام: ١٥٩].
فنجد أن المراد بالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا أهل الكتاب والمراد بجعل الرسول صلى الله عليه وسلم بريئًا منهم تحذير أمته من مثل فعلهم ليعلم أن من فعل فعلهم من هذه الأمة فالرسول صلى الله عليه وسلم برئ منهم بالأولى، فهذه الآية «عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه قد برأ رسوله مما هم فيه»73.
كما أن الاختلاف والتنازع مدعاة للفشل وهو الخيبة والنكول عن إمضاء الأمر وأكبر أسبابه الضعف والجبن، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنفال: ٤٦].
وأما قوله: (ﭗ ﭘ) فمعناه تذهب قوتكم وترتخي أعصاب شدتكم فيظهر عدوكم عليكم. والريح في اللغة الهواء المتحرك وهي مؤنثة وقد تذكر بمعنى الهواء وتستعار للقوة والغلبة إذ لا يوجد في الأجسام أقوى منها فإنها تهيج البحار وتقتلع أكبر الأشجار وتهدم الدور والقلاع.
وقال الأخفش وغيره تستعار للدولة لشبهها بها في نفوذ أمرها. ويقولون هبت «رياح فلان» إذا دالت له الدولة وجرى أمره على ما يريد كما يقولون ركدت ريحه أو رياحه إذا ضعف أمره وولت دولته74.
وبين سبحانه وتعالى أن الاختلاف والتفرق سببًا في تسليط الأقوياء على الضعفاء، فقال تعالى حكاية عن فرعون: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [القصص:٤].
أي: وفرقهم فرقًا مختلفة، وأحزابًا متعددة، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء، كيلا يتفقوا على أمر ولا يجمعوا على رأي، ويشتغل بعضهم بالكيد لبعض، وبذا يلين له قيادهم، ولا يصعب عليه خضوعهم واستسلامهم، وتلك هي سياسة الدول الكبرى في العصر الحاضر، وذلك هو دستورها في حكمها لمستعمراتها، وقد نقش حكامها في صدورهم ذلك الدستور الذي ساروا عليه «فرق تسد» وطالما أجدى عليهم في سياسة تلك البلاد، التي يعمها الجهل ويطغى على أهلها حب الظهور. ويرضون بالنفاية والقشور75.
وقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[آل عمران: ١٠٣].
فالإسلام يأمر باتحاد وإتفاق كل قوم تضمهم أرض وتحكمهم الشريعة على الخير والمصلحة فيها، وإن اختلفت أديانهم وأجناسهم، ويأمر مع ذلك باتفاق أوسع، وهو الاعتصام بحبل الله بين جميع الأقوام والأجناس لتتحقق بذلك الأخوة في الله، ولذلك قال بعد الأمر بالاعتصام والاجتماع والنهي عن التفرق: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[آل عمران: ١٠٣].
يشير إلى ما كان عليه المؤمنون في عصر التنزيل من أخوة الإيمان التي بها قاسم الأنصار والمهاجرين أموالهم وديارهم وبها كانوا يؤثرون بعضهم بعضًا بالشيء على نفسه، وهو في خصاصة وحاجة شديدة إلى ذلك الشيء. بعدما كان بينهم في الجاهلية من العداوة والبغضاء وتسافك الدماء ما هو معروف في جملته، ومنها أن الحروب تطاولت بين الأوس والخزرج مئة وعشرين سنة حتى أطفأها الإسلام، وألف الله بين قلوبهم برسوله صلى الله عليه وسلم. فصاروا بهذه الألفة أسعد الناس، ثم صاروا سادات الأرض وأنقذهم بذلك من النار فكانوا به سعداء الدارين والفائزين بالحسنيين76.
والتفرق والاختلاف قسمان:
الأول: هو الخلاف في الفهم والرأي ولا مفر منه لأنه مما فطر عليه البشر، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [هود: ١١٨-١١٩].
فاستواء الناس في العقول والأفهام مما لا سبيل إليه ولا مطمع فيه إذ هو من قبيل الحب والبغض، فالأخوة الأشقاء في البيت الواحد تختلف أفهامهم في الشيء، كما يختلف حبهم له وميلهم إليه.
الثاني: هو الافتراق في الدين وذهاب أهله مذاهب تجعلهم شيعًا تتحكم فيهم الأهواء، وهو أشد الأشياء ضررًا في البشر لأنه يطمس أعلام الهداية التي يلجأ إليها في إزالة المضار التي في النوع الأول من الخلاف. هذا النوع من الخلاف هو الذي ذلت به الأمم بعد عزها، وهوت بعد رفعتها وضعفت بعد قوتها كما حصل من الفرق الإسلامية77.
ولافتراق هذه الأمة في دينها وما تبعه من ضعفها في دنياها أربعة أسباب كلية:
وهناك سبب خامس قد دخل في كل منها وهو دسائس أعداء هذا الدين وكيدهم له.
٣. الضعف المعنوي.
عموم الضعف في المؤمنين يرجع إلى ضعف الدين وهو الضعف المعنوي، الذي يجعل صاحبه يرضى بالذل والقعود، يفر من حياة العز والكبرياء ويقبل حياة الذل والخنوع، ولقد وصفهم سبحانه وتعالى في كتابه بأنهم ظالمي أنفسهم، فقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ٩٧].
فهذا هو الجواب على السؤال السابق: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين. ولاحظ أن المستضعفين لا يعتذرون يومئذ إلى الملائكة بـ «الضعف»، وإنما يعتذرون بالاستضعاف. والسبب واضح، فلم يجعل الله تعالى في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ضعيفًا وقويًا، وإنما الإنسان هو الذي يأذن للآخرين أن يستدرجوه إلى الضعف، ويسلبوه إرادته وقوته وصموده وكفاءاته وإمكاناته، فيكون مستضعفًا. ليس في النظام الاجتماعي ضعف وقوة، ولكن في هذا النظام استضعافًا واستكبارًا، وأحدهما يستدعي الآخر. من كل ذلك تحولوا إلى كتلة عائمة تطيع وتتبع من غير نقاش ولا مراجعة، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن فرعون وقومه: (ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الزخرف:٥٤].
وهكذا نجد أن الاستكبار يؤدي إلى الاستضعاف، والاستضعاف يؤدي إلى الاستكبار. وهؤلاء المستضعفون عذابهم كبير وأليم لأن جريمتهم هي تمكين المجرمين من أنفسهم ومن المؤمنين، ولولا رضوخهم للظلم لم يتمكن الظالمون من ظلم المستضعفين واستضعافهم وإذلالهم.
وهذا وصف آخر للمستضعفين حال تخاذلهم عند لقاء العدو بحجة الضعف، فقال تعالى حكاية عن بني إسرائيل مع نبي الله موسى عليه السلام: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المائدة: ٢٢].
والمعنى: أن موسى عليه السلام لما قرب بقومه من حدود الأرض المقدسة أمرهم بدخولها مستعدين لقتال من يقاتلهم من أهلها وأنهم لما غلب عليهم من الضعف والذل باضطهاد المصرين لهم وظلمهم إياهم، أبوا وتمردوا واعتذروا بضعفهم وقوة أهل تلك البلاد 78.
ومن هذا يتضح لنا: «أن الشعوب التي تنشأ في مهد الاستبداد، وتساس بالظلم والاضطهاد، تفسد أخلاقها، وتذل نفوسها، ويذهب بأسها، وتضرب عليها الذلة والمسكنة، وتألف الخضوع، وتأنس بالمهانة والخنوع، وإذا طال عليها أمد الظلم، تصير هذه الأخلاق موروثة مكتسبة، حتى تكون كالغرائز الفطرية، والطبائع الخلقية، وهذا شأن البشر في كل ما يألفونه ويجرون عليه من خير وشر، وإيمان وكفر»79.
وهذا الضعف المعنوي يخالف القضايا التي حرص الإسلام على تأصيلها في نفوس المسلمين أينما كانوا وهي القوة المعنوية حيث وجه الإسلام المسلمين إلى ضرورة أن يبقوا محافظين على هذا الأمر، فقد قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [آل عمران: ١٣٩].
٤. الرق.
الأصل في الإنسان الحرية، وكان وقوع الرق في التاريخ البشري خروجًا عن هذه القاعدة، وكان لأحوال عارضة وقعت نتيجةً لكثير من التقلبات التي تعرض لها الإنسان من حروب سواء كانت عادلة أو ظالمة، أو كوارث طبيعية، أو عدوان من الإنسان على الإنسان، أو استغلال لحالة ضعف يمر بها، وإذا نظرنا في أسباب الرق في البيئات التي ظهرت فيها في صور من الظلم المباشر كبيع الحر أو قهر إنسان للتغلب عليه، أو استغلال حالة ضعف يمر بها كدينٍ يرهقه، ويعجز عن الوفاء به، أو جريمة يرتكبها كسرقة أو قتل إذا لم يقتل، أو يلتقط التقاطًا فيقع تحت حكم غيره: إما أن يرمه، أو يسترقه لنفسه، أو يبيعه لغيره.
وقد كشف القرآن الكريم عن بعض هذه الأساليب من خلال ما جرى ليوسف عليه السلام كما في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يوسف: ١٩-٢٠].
وما أجراه على أخيه في الظاهر حسب القوانين التي كانت سائدة: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [يوسف: ٢١].
وما أجراه على أخيه في الظاهر حسب القوانين التي كانت سائدة: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ٧٥]80.
وأيضًا ما حدث لسلمان الفارسي رضي الله عنه حين شغل الرق حينًا من الزمن، فقد كان مولى أحد الوجهاء، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكاتب سيده، فكاتبه على ثلاثمائة نخلة يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب.
ومن هذه المعاني السابقة يتبين أن الرق حالة حكمية تضرب على الرقيق فتحول بينه وبين كمال أهليته لا إزالة أصلها، أي يلحق بها نقص حيث يصبح بذاته مملوكًا لسيده، فلا يملك ولا يمارس لنفسه أيًا مما يتعلق به حق من الاسترقاق الجماعي. وذلك ما يحرمه الإسلام حين يقرر مبادئ المساواة، ويحرم الظلم بكل صوره81.
٥. الفقر والحاجة.
عوامل استضعاف الإنسان الأساسية هي: الفقر والجهل والمرض زائدًا الغربة- التي يعبر عنها القرآن الكريم بابن السبيل- فهذه العوامل تتكاتف على المستضعف وتجعله في إطار الضعف ليأتي المستكبر فيستضعفه ويكرس استضعافه ويحاول أن يبقيه في حالة الاستضعاف.
ولعل استضعاف الفقر (الاستضعاف المالي) هو أهم عامل من عوامل الاستضعاف، وهذا ما حدثتنا السيرة عنه، «بأن الذين دخلوا في الإسلام، في الفترة المكية كان معظمهم خليطًا من الفقراء والضعفاء والأرقاء، وهذه الظاهرة هي الثمرة الطبيعية لدعوة الأنبياء في فترتها الأولى، فكان هؤلاء المستضعفون يعتبرون أن الأنبياء هم طوق النجاة لهم.
ألم تر إلى قوم نوح عليه السلام كيف كانوا يعيرونه بأن أتباعه الذين من حوله ليسوا إلا من أراذل الناس ودهمائهم: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [هود: ٢٧].
وإلى فرعون وشيعته كيف كانوا يرون اتباع موسى عليه السلام أذلاء مستضعفين.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)[الشعراء: ٥٤].
حتى قال عنهم بعد أن تحدث عن هلاك فرعون وأشياعه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الأعراف: ١٣٧]82.
والفقر والحاجة في الحق ليس عذرًا لأن من أخلد إلى السكون، وقعد عن نصرة الدين، وعذر نفسه بأنه فقير ضعيف ليس له حول ولا قوة، ففي الحقيقة غير معذور لأنه تنازل عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله حين تنازل عن حريته الشخصية في الاعتقاد والاتجاه، وجعل نفسه تبعًا للمستكبرين والطغاة، ودان لغير الله من عبيده واختارهم على الدينونة لله. والضعف ليس عذرًا، بل هو الجريمة، فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفًا، وهو يدعو الناس كلهم إلى حماه يعتزون به والعزة لله.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المنافقون: ٨].
والقوة المادية -كائنة ما كانت- لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية، ويستمسك بكرامته الآدمية، فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد، تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه. أما الضمير، أما الروح. أما العقل فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها، إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال.
من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعًا للمستكبرين في العقيدة وفي التفكير، وفي السلوك؟ من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله خالقهم ورازقهم وكافلهم دون سواه؟ لا أحد. لا أحد إلا أنفسهم الضعيفة. فهم ضعفاء لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة، ولا لأنهم أقل جاهًا أو مالًا أو منصبًا أو مقامًا كلا، إن هذه كلها أعراض خارجية لا تعد بذاتها ضعفًا يلحق صفة الضعف بالضعفاء إنما هم ضعفاء لأن الضعف في أرواحهم وفي قلوبهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان83.
ولذلك انتهى الضعفاء والطغاة المستكبرون إلى عذاب الله على سواء.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [غافر: ٤٧-٤٨].
وللأسف نجد الآن بسبب الفقر والضيق والعوز من يترك دينه ويتنصر لأجل مال أو وظيفة أو زواج، وفي الحقيقة-كما سبق وقلنا- هذا ليس عذرًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
٦. الضعف الطبيعي.
وهذا الضعف لا يأتي في إطار التجاذب بين المستضعفين والمستكبرين، كقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة: ٢٦٦].
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[البقرة: ٢٨٢].
وقوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة:٩١].
وقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)[النساء: ٩].
فالآيات الأربع تتناول حالات الضعف الناتج عن صغر السن «الذرية» أو ضعف البدن أو العقل «بالسفه» أو كبر السن وهي كلها حالات ضعف لا تجري عليها سنن وقوانين الاستضعاف، لأن الاستضعاف إنما هو وضع اجتماعي بالأساس ناتج عن ظروف ضعف يمكن أن تكون طارئة أو يمكن العمل على إزالتها بالعمل والجهد والعرق والكفاح والإصلاح.
أما هذه الحالات من الضعف فقد لا يطرأ عليها تغيير -اللهم إلا في حالة الذرية التي يرجى لها مع السنين أن تكبر- فهي ليست في حاجة إلى أن تستضعف في الأساس.
وقد استثنى الله عز وجل أولئك الوعيد لأنهم أصحاب استضعاف حقيقي، فقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[النساء:٩٧-٩٨].
ففي الآية الأولى تحدث عن المستضعفين الغير معذورين، لأنه كان يجب عليهم الهجرة إلى المؤمنين الذين يعتزون بهم، فهم بحبهم لبلادهم، وإخلادهم إلى أرضهم، وسكونهم إلى أهليهم ومعارفهم، ضعفاء في الحق لا مستضعفون.
ثم قال تعالى في الآية الثانية: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، دل الوعيد في الآية السابقة مع الاستثناء في هذه الآية على أن أولئك الذين اعتذروا عن عدم إقامة دينهم وعدم الفرار به هجرة إلى الله ورسوله غير صادقين في اعتذارهم فإن الاستضعاف الحقيقي عذر صحيح ولذلك استثنى أهله من الوعيد بهذه الآية.
وقرن الرجال بالنساء والولدان فيها يشعر بأن المراد بالرجال الشيوخ الضعفاء والعجزة الذين هم كمن ذكر معهم(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) أي قد ضاقت بهم الحيل كلها، وعميت عليهم الطرق جميعها فلم يهتدوا طريقًا منها، إما للزمانة والمرض، وأما للفقر والجهل بمسالك الأرض84.
وذكر سبحانه وتعالى أصحاب الاستضعاف الحقيقي في قوله: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ)[البقرة: ٢٧٣].
أي: منعوا من الكسب الذي يطلبه صاحبه مجاهدًا في طلبه. والإحصار هو التشديد في التضيق بالمنع من الحركة والسير والعمل؛ والمنع يكون لعجزٍ مطلق بمرض أو شيخوخة أو صغر أو غير ذلك.
ثانيًا: وسائل مقاومة الاستضعاف:
١. الوحدة.
إذا كانت الفرقة هي طريق الاستضعاف والانحطاط، فإن الوحدة هي سبيل القوة والارتقاء. وإن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس من ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام هو الذي جعل من العرب المتناحرين أخوة في دين الله.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ) [الحجرات: ١٠].
كما أن الإسلام بعقيدته الصحيحة وعبادته الصادقة، وأخلاقه الرفيعة، صهر الأمم والشعوب والحضارات التي دخلت فيه وجعل منهم أمة واحدة مترابطة ترابط الجسد الواحد لا فرق بين الفارسي ولا البربري، ولا الرومي ولا العربي، ولا بين الفقير والغنى إلا بالتقوى.
وأصبحت أمة الإسلام أمة واحدة في عقيدتها ومنهجها.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ) [آل عمران: ١٠٣].
وقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المؤمنون: ٥٢].
هذه دعوة إلى الإخاء الإنساني، وإلى إزالة هذه السدود التي تعزل المجتمعات الإنسانية بعضها عن بعض، وخاصةً إذا كانوا جميعًا يتجهون إلى الله، ويؤمنون به، فوجهتهم جميعًا هي الله، وإن كان لكلٍ وجهة هو موليها، وكذلك ينبغي أن تكون وجهتهم جميعًا هي الإنسانية، وإن كان لكل إنسان لونه، ووطنه، وجنسه85.
ومن أهم الأسباب في تحقيق الوحدة أن يجتمع المسلمون على أصول ثابتة:
لا يمكن أن تقوم وحدة للمسلمين ما لم تجمعهم عقيدة واحدة، والعقيدة تشكل أساسًا مهمًا في البناء الفردي والاجتماعي وهي التي تصلح لجمع شتات المسلمين،قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المؤمنون: ٥١-٥٢]
فإن من الأصول العظيمة التي تحقق وحدة المسلمين، تحقيق الأخوة في أواسطهم86.
إن الأخوة منحة من الله عز وجل يعطيها الله للمخلصين من عباده والأصفياء والأتقياء من أوليائه وجنده وحزبه.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنفال: ٦٢].
إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على معاني الأخوة وعمل على تحقيقها وجعلها من الوسائل المهمة في بناء المجتمع الإسلامي وإن أهمية هذا الأساس تظهر في تحقيق مبادئ العدالة والمساواة بين الأفراد، ولا يتم ذلك ما لم تقم على أساس من التآخي والمحبة فيما بينهم. ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأخوة مسئولية حقيقية تشيع بين هؤلاء الأخوة، وكانت هذه المسئولية محققة فيما بينهم على خير وجه، لقد كانت رابطة الأخوة بين الصحابة الكرام من أسباب قوتهم ونصرة الله لهم. إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الأخوة المستمدة من الإيمان والعقيدة سر قوة الأمة، ومفتاح نجاحها87.
٢. الصبر والثبات.
الصبر هو زاد المؤمنين وعتادهم في مسيرتهم إلى الله، وبلوغ مرضاته، وبغير الصبر وتوطين النفس على ما تكره، لا يستقيم خطو الإنسان أبدًا على طريق الحق والخير، إذ كان ذلك الطريق دائمًا موحشًا، تعترض سالكه الحواجز والمزالق والعثرات!
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[آل عمران: ٢٠٠].
هذه الآية الكريمة دعوة خالصة للصبر، تغري المسلمين به، وتحرضهم عليه، وتفتح لهم طريق النجاح والفلاح بيده!
فالصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله، هن اللائي يمكن من أن يضع قدميه على طريق النجاح والفلاح، وأن يقطع هذا الطريق إلى غايته، فيظفر برضا الله، ويفوز برضوانه. والصبر هو القوة التي يلقى بها المرء المكاره والشدائد، فيحتملها في إصرار وعزم، وفي غير وهن أو ضعف، فذلك هو الصبر الذي يدعوا إليه الإسلام ويزكيه88.
فقد أمر الله تعالى في هذه الآية بأمور أربعة: الصبر، والمصابرة، والمرابطة، والتقوى.
والصبر: معناه ضبط النفس عن أهوائها، وتحمل المكاره راضيًا غير ساخط، والقيام بالطاعات على وجهها، وتجنب المعاصي، وتحمل آثار الهزيمة، والعمل على النهوض بعد الكبوة، وتحمل أذى الأعداء وسخريتهم.
والمصابرة هي المغالبة بالصبر، وهي تكون في الجهاد مع الأعداء في الملحمة، أو في المجادلة، أو في أي مغالبة على أي لون كانت، والمرابطة هي القيام على الثغور الإسلامية لحمايتها من الأعداء، فهي استعداد ودفاع وحماية للديار الإسلامية89.
وقد نصر الله عز وجل المؤمنون الصابرون من بني إسرائيل لما ثبتوا أمام عدوهم فقال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)[البقرة:٢٥٠-٢٥١].
ابتدءوا بالدعاء بالصبر؛ لأن الصبر هو عدة القتال الأولى وبه ضبط النفس فلا تفزع. والدعاء الثاني: أن يمنحهم ربهم الثبات في الزحف وعدم الفرار في النزال، والدعاء الثالث: إجابته هو تحقيق لثمرة الصبر والثبات.
بل بالصبر والثبات جعل منهم أئمة يهدون بأمر الله عز وجل، قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [السجدة: ٢٣-٢٤].
٣. المدافعة حسب الاستطاعة.
اقتضت حكمة الله تبارك وتعالى إجراء سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة: ٢٥١].
والمعنى: أن ما فطر الله عز وجل عليه الناس من مدافعة بعضهم بعضًا عن الحق والمصلحة، وهو المانع من فساد الأرض، أي: هو سبب بقاء الحق وبقاء الصلاح. ويعزز ذلك قوله تعالى في بيان حكمة الإذن للمسلمين بالقتال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الحج: ٣٩ -٤٠].
فهذا إرشاد إلى تنازع البقاء والدفاع عن الحق، وأنه ينتهي ببقاء الأمثل، وحفظ الأفضل90.
فبين سبحانه أن سنته في خلقه أن يدفع الخير والشر، وأن تكون المدافعة بينهما مستمرة، حتى لا تفسد الأرض، فإنه إن غلب الشر كان الخراب والدمار، لذا قال: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [البقرة: ٢٥١].
وهذا التدافع هو ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)91.
وبالتدافع يتحقق الخير للبشرية، وبه يتحقق السلام العالمي؛ لأنه أزال كل طاغوت يعبد من دون الله، ويستضعف الناس.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[الأنفال: ٣٩].
٤. الهجرة.
كشف القرآن الكريم في آيات متعددة أن الهجرة مما أمر به الله أنبياءه وجعلها لهم سنة من سننهم، وتمكينًا لأهلهم وأقوامهم من المؤمنين في الأرض، فهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من بلده مكة المكرمة إلى المدينة كانت جريًا على سنة الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه، فإن دعوتهم كانت تعوق من جانب أعدائهم ويضطهدون من قومهم، ويؤذون إيذاء قد يصل إلى حد الإعتداء على حياتهم كما حدث للنبيين الكريمين زكريا ويحيى عليهما السلام فيضطرون للهجرة طلبًا للسلامة وتبليغًا لرسالة ربهم.
والهجرة في نظر القرآن الكريم انتصار، لأنها فرار إلى الله القوي العزيز، حتى لو أدى ذلك إلى الموت.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الحج: ٥٨].
إن المتدبر في هذه الآية الكريمة يجد أن القرآن الكريم يهتم بالهجرة، حيث أنه يعالج مخاوف النفس المتنوعة، وهي تواجه مخاطر الهجرة، في مثل تلك الظروف التي كانت قائمة، والتي قد تتكرر بذاتها أو بما يشابهها من المخاوف في كل حين92. وتظهر أيضًا منزلة الهجرة من الإيمان حين تكون رمزًا لحقيقة الإيمان.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنفال: ٧٤].
وقال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢١٨].
فكرر الموصول «الذين» هنا للإشارة إلى أن الهجرة وحدها عمل زائد على الإيمان يستحق وحده الثواب لأنه ترك للمال والأهل، وطلب للعزة وإعزاز الدين، بدل البقاء في الذلة والرضا بحياة المستضعفين.
وقد أمر الله عز وجل بالهجرة عند الاستضعاف، ونهي عن البقاء تحت نير غير المسلمين، ولذا قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[النساء: ٩٧-١٠٠]93.
وهذا تحريضٌ على الهجرة، وترغيبٌ في مفارقة المشركين، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه، عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر وكان بمكة، فلما نزلت (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) فقلت: إني لغنيٌ وإني لذو حيلة، فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركه الموت بالتنعيم، فنزلت هذه الآية: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)94.
فبالرغم من إصابة بصره «قال لبنيه: احملوني فإني لست من المستضعفين، وإني لأهتدي الطريق، وإني لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير، متوجهًا إلى المدينة، وكان شيخًا كبيرًا، فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللهم هذه لك وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم، أبايعك على ما بايع عليه رسولك»95.
فهؤلاء هم الصادقون في إيمانهم، إذ قد فعلوا ما يدل على الإخلاص فيه والرغبه الصادقة من نيل المغفرة والكرامة عند ربهم.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر: ٨].
فهم قد أخرجوا من ديارهم وهي العزيزة على النفوس، المحببة إلى القلوب، «وما فعلوا ذلك إلا لإعلاء منار الدين ورفعة شأنه، وذيوع ذكره فحق لهم من ربهم النعيم المقيم، وجزيل الثواب بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كفاء ما قاموا به من جليل الأعمال وعظيم الخلال»96.
ثالثًا: عاقبة الاستضعاف:
إن الواجب الشرعي يحتم علينا أن نتدبر القرآن العظيم في قصص الأنبياء، نجد أن عاقبة الاستضعاف التمكين.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأعراف: ١٢٨-١٢٩].
إنه مشهد النبي موسى عليه السلام مع قومه، يحدثهم بقلب النبي ولغته، ومعرفته بحقيقة ربه، وبسنته وقدره، فيوصيهم باحتمال الفتنة، والصبر على البلية، والاستعانة بالله عليها، ويعرفهم بحقيقة الواقع الكوني، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة لمن يتقون الله ولا يخشون أحدًا سواه 97.
فنجد أن موسى عليه السلام أمر قومه بشيئين، وبشرهم بشيئين:
إن الأرض لله، وما فرعون وقومه إلا نزلاء فيها، والله يورثها من يشاء من عباده -وفق سنته وحكمته- فلا ينظر المستضعفون إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها، فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها. وإن العاقبة للمتقين طال الزمن أم قصر، فلا يخالج قلوب المستضعفين قلق على المصير، ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد، فيحسبونهم باقين100.
وتم الوعد الحق، وأورثهم الله جل جلاله مشارق الأرض ومغاربها المباركة بما صبروا.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[الأعراف: ١٣٧].
وقال تعالى: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنبياء: ١٠٥].
فجدير بالمؤمنين بالله تعالى ورسله أن يتفكروا في وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر كما وعد المرسلين إذا هم قاموا بما أمرهم تعالى به على ألسنتهم، وأن لا يستعظموا في هذه السبيل قوة الدول الظالمة لهم»101.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [غافر: ٥١].
وقال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم: ٤٧].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[النور: ٥٥].
ولعل في قصة موسى عليه السلام في سورة القصص ما يبين للمسلم كيف تتدخل قدرة الله تعالى في نصر المستضعفين.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯÂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [القصص: ٥-٦].
فكان الضعف علامة على التمكين، «فذكر سبحانه ما أكرم به هذه الأمة وما أتاح لها من السلطان الديني والدنيوي، فتأسست لهم دولة عظيمة في بلاد الشام، وصاروا يتصرفون في أرض مصر كما شاؤوا وخلاصة الأمر:
وقد قابل سبحانه هذه الخمسة بخمسة مثلها تكرمه لبني إسرائيل:
وانظر إلى الدولتين الفارسية والرومية، وما كان لهما من مجد بازخ، وملك واسع، كيف دالت دولتهما، وذهب ريحهما بظلم أهلهما، وتقسم ملكهما، ثم قامت بعدهما الدولة العربية وعاشت ما شاء الله أن تعيش، ثم قام بعدها بنوا عثمان، وملكوا أكثر مما كان بيد الأمة العربية، ثم هرمت دولتهم وشاخت واستولت عليها ممالك أوربا: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ٢٦]102.
موضوعات ذات صلة: |
الذل، العزم، المرض، الوهن |
1 لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٠٥.
2 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٠٧.
3 لسان العرب ٥/٥٠٤.
4 أخرجه الطبراني في الكبير ٨/١٩٢، رقم ٧٧٩٢.
5 انظر: الفائق في غريب الحديث، الزمخشري ٢/٣٤٠.
6 موسوعة نضرة النعيم ١٠/٤٧٨٧.
7 طريق الهجرتين ص١٨٥.
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٤٢٠- ٤٢١.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٦٢، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٩٥، لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٠٣.
10 تهذيب اللغة، الأزهري ٦/٢٣٤.
11 لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٩٧٠.
12 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٢٥.
13 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٣٩.
14 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/١٣٥.
15 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٦٠.
16 تيسير الكريم الرحمن ص٣٢٥.
17 قصص القرآن الكريم، فضل عباس ص ١١٣.
18 في ظلال القرآن ١/٣٧٤.
19 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب خلق الإنسان خلقًا لا يتمالك، رقم ٣٦١١.
20 تيسير الكريم الرحمن ص٤٧٠.
21 زهرة التفاسير ٩/٤٨٦٤.
22 في ظلال القرآن ٤/١٨٦٠.
23 التحرير والتنوير ١٢/٢٩ بتصرف.
24 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز، رقم ٢٦٦٤.
25 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب عتل بعد ذلك زنيم، رقم ٤٩١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة الجنة، باب أهل الجنة وأهل النار وعلاماتهم في الدنيا، رقم ٢٨٥٣.
26 فتح الباري ٨/٧٢٧.
27 المصدر السابق ١/٣٨٢- ٣٨٣.
28 المصدر السابق ١/٣٦٧.
29 الإبانة، ابن بطة، كتاب الإيمان ١/٣٩٠.
30 تفسير المراغي ٣/٢٨٢.
31 الأشباه والنظائر، السيوطي ص٨٥.
32 انظر: المصدر السابق ص٨٥.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى)، رقم ٤٥٧٤، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى)، وقوله: (يستفتونك في النساء)، رقم ٣٠١٨.
34 المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية، محمد المقدم ص٧٥.
35 انظر: المصدر السابق ص٣٩٥-٣٦٠.
36 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٨٣.
37 المنار، محمد رشيد رضا ٨/١٤٨.
38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب البر والصلة، رقم ٥٩٧٠.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب البر والصلة، رقم ٥٩٧١، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب في بر الوالدين وأيهما أحق بحسن الصحبة، رقم ٢٥٤٨.
40 الجامع لأحكام القرآن ٥/٥٧٧.
41 المصدر السابق ٥/٥٧٦.
42 راغبة: أي طامعة في برى تسألني شيئًا.
انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ٢/٢٣٧.
43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجزية باب إثم من عاهد ثم غدر، رقم ٣١٨٣.
44 أخرجه البخاري كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، رقم ٥٩٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أكبر الكبائر الإشراك بالله، رقم ٨٧.
45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة، رقم ٢٥٥١.
46 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٥/٥٨٠.
47 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوقف، باب ما يلحق الإنسان ثوابه بعده، رقم ١٦٣١.
48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة، رقم ١٨٥٢.
49 في بعض الروايات عند البخاري رقم ٢٧٦٢: أن هذا الرجل هو سعد بن عبادة رضي الله عنه.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضًا ولم يبين الحدود فهو جائز، رقم ٢٧٧٠.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، رقم ١٩٥٢.
52 أخرجه أبوداود في سننه، كتاب المناسك، باب الرجل يحج عنه غيره، ٢/١٦٢، رقم ١٨١٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٩٩، رقم ١٨٨.
53 التفسير المنير، الزحيلي ٥/٦١٢.
54 تيسير الكريم الرحمن ص٢٨٥.
55 سيول النفحات في تفسير سورة الحجرات، محمد ضيف الله ص٦٦.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين)، رقم ٤٥٩٢.
57 التسهيل لتأويل التنزيل، سورة النساء، مصطفى بن العدوي ٢/٢١٨.
58 تيسير الكريم الرحمن ص٣٥٤.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٠٨.
60 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الظلم، باب لينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا، رقم ٢٥٨٤.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم ٢٤٤٢، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، رقم ٢٥٦٤.
62 فتح الباري، ابن حجر ٥/١٣٨.
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحًا له، رقم ٢٧٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم باب كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، رقم ٢٣٠٩.
64 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب الستر على العبد، رقم ٢٥٩٠.
65 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر، باب الاجتماع على تلاوة كتاب الله، رقم ٢٦٩٩.
66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، رقم ٢٥٦٤.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب السن بالسن، رقم ٦٨٩٤.
68 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣١٠٣.
69 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٣٠.
70 تفسير المراغي ٣/٣٤٤.
71 أخرجه أحمد في مسنده، ١٤/٣٣١، رقم ٨٧١٣، وأبوداود في سننه، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، ٤/١١١، رقم ٤٢٩٧.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٦٤٧، رقم ٩٥٨.
72 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٧٥.
73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٧٧.
74 المصدر السابق ١٠/٢٠.
75 تفسير المراغي ٧/١١٨.
76 المنار، محمد رشيد رضا ٤/٩٨٥.
77 انظر: المصدر السابق ٤/٩٨٦- ٩٨٧.
78 المنار، محمد رشيد رضا ٦/٢٤٦.
79 المصدر السابق ٦/٢٤٩.
80 الرق قضية إنسانية وعلاج قرآني، أحمد البشايرة ص١١٥.
81 انظر: المصدر السابق ص١٣٠-١٣١.
82 فقه السيرة النبوية، البوطي ص٧٠.
83 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٠٩٦.
84 المنار، محمد رشيد رضا ٥/٢٥٦.
85 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٥/١١٤٤.
86 تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين، علي الصلابي ص٣٠٨.
87 فقه السيرة النبوية، البوطي ص٢٠١.
88 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١/٦٨٠.
89 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٥٦٠.
90 المنار، محمد رشيد رضا ٢/٣٤٢.
91 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، ٣/١٥٢٤، رقم ١٩٢٣.
92 انظر: الهجرة في القرآن الكريم، أحزمي جزولي ص٧٥.
93 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٢/٦٩٤.
94 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٢٢.
95 أسباب النزول، الواحدي ص١٨١.
96 تفسير المراغي ١٠/٢٨.
97 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٥٥.
98 المصدر السابق.
99 التفسير المنير، الزحيلي ٥/٥٨.
100 في ظلال القرآن ٣/١٣٥٥.
101 المنار، محمد رشيد رضا ٩/٧٦.
102 تفسير المراغي ٧/١١٩-١٢٠.