عناصر الموضوع
الطاعة
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «الطاء والواو والعين أصل صحيح واحد، يدل على الإصحاب والانقياد، يقال: طاعه يطوعه إذا انقاد معه، ومضى لأمره، وأطاعه بمعنى طاع له، ويقال لمن وافق غيره: قد طاوعه»1.
وقال الليث: «الطوع: نقيض الكره، لتفعلنه طوعًا أو كرهًا، وطائعًا أو كارهًا، وطاع له إذا انقاد له، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه، قال: والطاعة: اسم من أطاعه إطاعة، والطواعية: اسم لما يكون مصدر المطاوعة، يقال: طاوعت المرأة زوجها طواعية»2.
يتبين مما سبق أن المعنى اللغوي للطاعة يدل على الاصطحاب و الانقياد وموافقة الغير.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لم يبتعد المعنى الاصطلاحي للطاعة عن معناها اللغوي كثيرًا، بل دار في فلكها، فحول معاني الانقياد والامتثال واتباع الأمر واجتناب النهي يدور المعنى.
قال ابن عطية: «الطاعة: هي موافقة الأمر الجاري عند المأمور مع مراد الأمر»3.
وقال السيوطي: «الطاعة: امتثال أمر بات على حكم الواقعة»4.
ولخص ذلك كله الطاهر ابن عاشور بقوله: «الطاعة: امتثال الأمر والنهي»5.
وردت مادة (طوع) في القرآن الكريم (١٣٠) مرة، يخص موضوع البحث منها (٧٣) مرة6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٤ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النساء:٨٠] |
الفعل المضارع |
٢٩ |
(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الكهف:٢٨] |
فعل الأمر |
٢١ |
(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [آل عمران:٣٢] |
المصدر |
٧ |
(ﭰ ﭱ ﭲ) [محمد:٢١] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [فصلت:١١] |
اسم المفعول |
١ |
(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [التكوير:٢٠-٢١] |
وجاءت الطاعة في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: الانقياد، لكن أكثر ما يقال في الائتمار فيما أمر7.
العبادة:
العبادة لغة:
من الفعل عبد يعبد، عبادةً وعبوديةً، والمفعول: معبود، وعبد الله بمعنى وحده وأطاعه، وانقاد وخضع وذل له، والتزم شرائع دينه، وأدى فرائضه8.
العبادة اصطلاحًا:
قال المناوي: العبادة فعل المكلف على خلاف هوى نفسه؛ تعظيمًا لربه، وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصت بالرب،
وهي أخص من العبودية التي تعني مطلق التذلل9.
الصلة بين الطاعة و العبادة:
إن العبادة هي غاية الخضوع ولا تستحق إلا بغاية الإنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلا مع المعرفة بالمعبود، والطاعة هي ذلك الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممن يفعل ذلك، وتكون للخالق والمخلوق، والعبادة لا تكون إلا للخالق10.
التطوع:
التطوع لغة:
الطاء والواو والعين أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدل على الإصحاب والانقياد. يقال: طاعه يطوعه، إذا انقاد معه ومضى لأمره 11.
التطوع اصطلاحًا:
التطوع في الأصل: تكلف الطاعة، وهو في التعارف التبرع بما لا يلزم كالتنفل 12.
الصلة بين الطاعة والتطوع:
أصلهما من الطوع: الذي هو من الانقياد، والفرق بينهما أن الطاعة موافقة الإرادة في الفريضة، والنافلة والتطوع: التبرع بالنافلة خاصة13.
العصيان:
العصيان لغة:
الخروج عن الطاعة14.
العصيان اصطلاحًا:
هو ترك الانقياد15.
الصلة بين الطاعة والعصيان:
العصيان ضد الطاعة، وهو الامتناع عن الانقياد، وترك أمر الله تعالى، والخروج عن طريق الحق، ويقابله الطاعة التي هي امتثال الأمر والنهي 16.
الأساليب القرآنية في الحث على الطاعة
تنوعت أساليب القرآن في الحث على الطاعة، وفيما يأتي بيان لها:
أولًا: أسلوب الطلب (الأمر):
تنوعت أساليب القرآن في الحث على الطاعة، فتارة تأتي بصيغة الأمر، ويشمل ذلك استخدام اللفظ نفسه، كما في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [آل عمران: ٣٢].
وقوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ١٣٢].
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأحزاب: ٣٣].
وقال تعالى على لسان أكثر من رسول لقومه: (ﰂ ﰃ ﰄ) [الشعراء: ١٠٨-١١٠-١٢٦-١٣١-١٤٤-١٦٣-١٧٩].[آل عمران: ٥٠]. [الزخرف: ٦٣].
وقال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء: ٥٩].
أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية17.
ثانيًا: أسلوب النهي عن ضده:
تأكدت معاني الآيات الآمرة بطاعة الله ورسوله بذكر الآيات الناهية عن المعصية، والإعراض والتولي أيضًا، وهذا كله ضد الطاعة، وهذا النهي يأتي أحيانًا مذكورًا مع أوامر الطاعة؛ وذلك لتأكيد المعنى، والتحذير من المخالفة، ومثال ذلك قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ٩٢].
إن الله عز وجل بعد أن أمر بطاعته وطاعة نبيه بين أن إعراض المعرض عن ذلك لن يضر به إلا نفسه، فقد أقيمت الحجج، وانتهت الأعذار، وأدى النبي رسالته، وبلغ ما أمر به.
قال الألوسي: «(ﭽ ﭾ) أي: أعرضتم، ولم تعملوا بما أمرتم به (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) أي: ولم يأل جهدًا في ذلك فقامت عليكم الحجة، وانتهت الأعذار، وانقطعت العلل، ولم يبق بعد ذلك إلا العقاب، وفي هذا -كما قال الطبرسي وغيره- من التهديد وشدة الوعيد ما لا يخفى»18.
وقال ابن عاشور: «(ﭽ ﭾ) تفريع عن «أطيعوا» «واحذروا» والتولي هنا استعارة للعصيان، شبه العصيان بالإعراض والرجوع عن الموضع الذي كان به العاصي، بجامع المقاطعة والمفارقة، وكذلك يطلق عليه الإدبار، ففي حديث ابن صياد (ولئن أدبرت ليعقرنك الله) 19، أي: أعرضت عن الإسلام»20.
وهذا الأسلوب، أي: أسلوب الجمع بين الأمر بالطاعة، والتحذير والنهي عن التولي والإعراض؛ له أثر بالغ في توكيد المعنى عن المستمع؛ ولذا نجده قد تكرر في أكثر من آية، كما في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [آل عمران: ٣٢].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأنفال: ٢٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النور: ٥٤].
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [محمد: ٣٣].
وقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻL) [التغابن: ١٢].
وجاءت آيات أخرى تتوعد العصاة بالعذاب والخسران، وفي هذا نهي ضمني عن معصية الله ورسوله؛ لأنه طريق هلاك وضلال، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النساء: ١٤].
هذه الآية جاءت بعد ذكر بعض أحكام الفرائض والمواريث؛ ولذلك ربط كثير من العلماء بينها وبين ما قبلها، فقال الطبري: «(ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) في العمل بما أمراه به من قسمة المواريث على ما أمراه بقسمة ذلك بينهم وغير ذلك من فرائض الله، مخالفًا أمرهما إلى ما نهياه عنه (ﯯ ﯰ) يقول: ويتجاوز فصول طاعته التي جعلها تعالى فاصلة بينها وبين معصيته، إلى ما نهاه عنه من قسمة تركات موتاهم بين ورثتهم وغير ذلك من حدوده؛ يدخله نارًا باقيًا فيها أبدًا، لا يموت ولا يخرج منها أبدًا، وله عذاب مذلٌ من عُذِّبَ به، مخزٍ له» 21.
وقال ابن الجوزي: «ومن يعص الله فلم يرض بقسمه يدخله نارًا، فإن قيل: كيف قطع للعاصي بالخلود؟ فالجواب: أنه إذا رد حكم الله، وكفر به؛ كان كافرًا مخلدًا في النار» 22.
وليس المراد بهذا أن يقتصر العقاب المذكور على من عصى الله ورسوله في أمر المواريث فحسب، بل الآية جاءت عامة لتشمل كل معصية لله ورسوله في شتى الحدود والأوامر.
يقول الأصفهاني: «كما وصف في مراعاة الحدود ثواب مراعيها، وصف في تضييعها عقاب متعديها، وأطلق القول فيهما ليكون عامًا في ذلك وفي غيره من الحدود التي بينها، وذكر في العذاب الهوان، كما ذكر في غيره الخزي، لما عرف من عادة كثير من الناس أن تقل مبالاتهم بالشدائد ما لم يضامها الهوان، حتى قالوا: المنية ولا الدنية، والنار ولا العار، فبين أنه يجمع لهم الأمران» 23.
ومثل هذا التوعد بالعذاب على المعصية والمخالفة العامة نجده في قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الجن: ٢٣].
وقال تعالى: (L M ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور: ٦٣].
قال ابن عطية: «أمرهم بالحذر من عذاب الله ونقمته إذا خالفوا عن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ) معناه: يقع خلافهم بعد أمره، وهذا كما تقول: كان المطر عن ريح، و«عن» هي لما عدا الشيء، و«الفتنة» في هذا الموضع الإخبار بالرزايا في الدنيا، وبالعذاب الأليم في الآخرة، ولا بد للمنافقين من أحد هذين ملكًا وخلفًا»24.
وبين الله عز وجل أيضًا أن أوامره وأوامر نبيه من الأمور التي لا اختيار للمسلم فيها، بل يقبلها وينقاد إليها؛ لأن فيها مصلحة العبد في الدنيا والآخرة، حتى وإن جهل الحكمة من هذه الأوامر، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب: ٣٦].
قال الطبري: «لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) أي: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدي والرشاد»25.
وفي سبب نزول هذه الآية خاصة، يذكر أهل التفسير سببين:
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه، ولست بناكحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى فانكحيه، فإني قد رضيته لك) فأبت، فنزلت هذه الآية، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والجمهور.
وذكر بعض المفسرين أن عبد الله بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب، فلما نزلت الآية رضيا وسلما26.
لكن حتى إن صح سبب النزول المذكور فيبقى أن الآية عامة في جميع الأمور؛ وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء: ٦٥].
ولهذا شدد في خلاف ذلك، فقال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) كقوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور: ٦٣]27.
ووردت آيات أخرى في ذم هؤلاء المتخلفين المعرضين عن طاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النور: ٤٧-٥٠].
قال ابن كثير: «يخبر تعالى عن صفات المنافقين، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، يقولون قولًا بألسنتهم: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: يخالفون أقوالهم بأعمالهم، فيقولون ما لا يفعلون؛ ولهذا قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ).
وإذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله، أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه، وهذه كقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L M ﭾ) [النساء: ٦٠-٦١].
وقال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النور: ٤٩].
أي: وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم، جاؤوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله: (ﮰ) وإذا كانت الحكومة عليهم أعرضوا ودعوا إلى غير الحق، وأحبوا أن يتحاكموا إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطلهم، فإذعانهم أولًا لم يكن عن اعتقاد منهم أن ذلك هو الحق، بل لأنه موافق لهواهم؛ ولهذا لما خالف الحق قصدهم عدلوا عنه إلى غيره؛ ولهذا قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النور: ٥٠].
يعني: لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها، أو قد عرض لها شك في الدين، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم، وأيًا ما كان فهو كفر محض، والله عليم بكل منهم، وما هو عليه منطو من هذه الصفات.
وقوله: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النور:٥٠].
أي: بل هم الظالمون الفاجرون، والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور، تعالى الله ورسوله عن ذلك28.
ثالثًا: الثناء على المطيعين:
الثناء على أصحاب بعض الأعمال أو المواقف من الأشياء التي لها أبلغ الأثر في نفوس هؤلاء العاملين، ترفع معنوياتهم، تحفزهم، تشجعهم، تعينهم على مواصلة عملهم؛ لذلك كان الثناء وسيلة تربوية، استخدمت في القرآن والسنة.
وممن أثنى الله عليهم في كتابه: المطيعون، فلقد وردت آيات عديدة في كتاب الله عز وجل تثني عليهم وتمدحهم، وتنعتهم بأحسن الصفات، فتارة تنعتهم بالإيمان، كما في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٨٥].
وسبب نزول هذه الآية: أنه لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢٨٤].
اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٨٥].
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة: ٢٨٦].
«قال: نعم (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ٢٨٦].
قال: نعم (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) قال: نعم (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢٨٦].
قال: نعم» 29.
فكان في هذا ثناء من الله عز وجل عليهم، وعلى طاعتهم وانقيادهم، وشهادة لهم من الله بالإيمان، وكفى بها شهادة، وكان هذا كله ثمرة لانقيادهم وطاعتهم لأمر نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وفي آية أخرى ذكر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات، فكان من صفاتهم أنهم مطيعون لله ولرسوله، فقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
وتارة نجد الآيات تنعت المطيعين بالفائزين، كما في قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور: ٥٢].
قال الطبري: «(ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) فيما أمره ونهاه، ويسلم لحكمهما له وعليه، ويخف عاقبة معصية الله ويحذره، ويتق عذاب الله بطاعته إياه في أمره ونهيه (ﰀ) أي: الذين يفعلون ذلك (ﰁ ﰂ) برضا الله عنهم يوم القيامة، وأمنهم من عذابه»30.
ومثل هذا المعنى نجده في قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب: ٧١].
وتارة نجد الآيات تنعت المطيعين بالمفلحين، كما في قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النور: ٥١].
قال الطبري: « المنجحون المدركون طلباتهم، بفعلهم ذلك، المخلدون في جنات الله» 31.
وتارة ينعت الله طاعة المطيعين بالخيرية والصواب، كما في قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء: ٤٦].
قال الطبري: «ولو أن هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم قالوا لنبي الله: سمعنا يا محمد قولك، وأطعنا أمرك، وقبلنا ما جئتنا به من عند الله، واسمع منا، وانظرنا ما نقول، وانتظرنا نفهم عنك ما تقول لنا، لكان ذلك خيرًا لهم عند الله، «وأقوم» أي: وأعدل وأصوب في القول» 32.
رابعًا: بيان عاقبة المطيعين:
لأجل أن يتم الثبوت والتحسن في الاستجابات التي يقوم بها الفرد، لا بد من توفر عامل أطلق علماء النفس عليه عامل الجزاء، فالاستجابات إذا لم تؤد إلى نوعٍ من الترضية، أو الجزاء، أو الإشباع فإن الفرد لا يحاول تكرارها.
ولقد فطر الله الإنسان على حب المثوبة، وما فيها من لذة ونعيم؛ ولذا فإنه يرغب في ذلك، ويعمل من أجل تحقيقه، كما فطره أيضًا على بغض العقاب، وما يترتب عليه من ألم وشقاء؛ لذا فإنه يرهبه، وينفر منه.
ولهذا عني القرآن الكريم والسنة النبوية بالترغيب والترهيب، والثواب والعقاب كأسلوب مهمٍ من أساليب التربية.
ويمتاز أسلوب الترغيب والترهيب، والثواب والعقاب في القرآن الكريم والسنة النبوية عن غيره من أساليب الثواب والعقاب في المناهج التربوية الأخرى -بأنه يعتمد على الإقناع والبرهان، ويكون مصحوبًا بتصوير فنيٍ رائع للثواب المرغب فيه، المتمثل في الجنة، وكذلك للعقاب المنتظر، المتمثل في جهنم أعاذنا الله منها- كما يعتمد الترغيب والترهيب في القرآن والسنة أيضًا على إثارة الانفعالات، وتربية العواطف الربانية؛ كعاطفة الخوف من الله تعالى، والتذلل والخشوع له سبحانه والطمع في رحمته، والأمل في ثوابه33.
ومما يزيد من دافع الطاعة عند المؤمن: الثواب العاجل الذي يلقاه في الدنيا قبل الثواب الآجل في الآخرة، ففي الدنيا ينال المطيعون:
١. الهداية وإصابة للحق.
كما في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤].
وهذا نراه جليًا في حال هؤلاء الذين زينوا ظاهرهم وتعاملاتهم بطاعة الله ورسوله، وعمروا أسرارهم بمراقبة ربهم؛ فتراهم من أكثر الناس توفيقًا وسدادًا، وإصابة للحق، على اختلاف الأحوال والوقائع.
قال ابن الجوزي: «(ﭡ ﭢ) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم (ﭣ) وكان بعض السلف يقول: من أمر السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمر البدعة والهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة، لقوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ)»34.
وقال الطبري: «يقول تعالى ذكره: وإن تطيعوا -أيها الناس- رسول الله -فيما يأمركم وينهاكم- ترشدوا وتصيبوا الحق في أموركم (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) يقول: وغير واجب على من أرسله الله إلى قوم برسالة إلا أن يبلغهم رسالته بلاغًا يبين لهم ذلك البلاغ عما أراد الله به، فليس على محمد -أيها الناس- إلا أداء رسالة الله إليكم، وعليكم الطاعة، وإن أطعتموه لحظوظ أنفسكم تصيبون، وإن عصيتموه بأنفسكم فتوبقون» 35.
وقال أبو السعود: «(ﭡ ﭢ) أي: فيما أمركم به من الطاعة (ﭣ) إلى الحق الذي هو المقصد الأصلي الموصل إلى كل خير، والمنجي من كل شرٍ» 36.
٢. النصر في الدنيا على الأعداء، والغنيمة والخير الكثير.
كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الفتح: ١٦].
ذهب جمعٌ من المفسرين إلى أن الأجر الحسن المذكور في الآية هو: الغنيمة والنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة37. وعلى هذا يكون الأجر الحسن هنا من الثواب العاجل والآجل.
وقد رأينا في واقعنا كيف ينصر الله المسلمين ويظهرهم على أعدائهم، إذا ما اعتصموا بربهم، واتبعوا سنة نبيهم، ولو كانوا أقل عددًا وعتادًا منهم، ومثال ذلك ظهر جليًا في عبور المصريين، واقتحامهم لحاجز خط برليف اليهودي الصهيوني، يوم عبروا صائمين، وبأصوات كالرعد مكبرين: الله أكبر، الله أكبر، لقد طلبوا النصر من الله، وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة -كما أمر الله- فحقق الله لهم وعده، فأرهبوا عدو الله وعدوهم، على الرغم من قلة عددهم وعتادهم.
٣. نزول الرحمات، وتحقق الأمن والأمان.
كما في قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النور: ٥٦].
وهذه الرحمة عامة تشمل الدنيا قبل الآخرة، فهي أيضًا من الثواب العاجل والآجل.
قال ابن عاشور: «(ﮛ ﮜ) أي: في الدنيا بتحقيق الوعد الذي من رحمته الأمن، وفي الآخرة بالدرجات العلى»38.
وقال الطبري: «وأقيموا -أيها الناس- الصلاة بحدودها، فلا تضيعوها، وآتوا الزكاة التي فرضها الله عليكم أهلها، وأطيعوا رسول ربكم فيما أمركم ونهاكم؛ كي يرحمكم ربكم، فينجيكم من عذابه»39.
أما المعصية وهجر الطاعة فإنها سبب لنزول العذاب على أصحابها؛ ولذا نرى المصائب والكوارث والحوادث تكثر في تلك البلاد التي تنتشر فيها المعاصي، وتقل فيها الطاعات، ويستهان فيها بأوامر الله ورسوله.
وأما في الآخرة: فالثمرة أعظم وأكبر؛ لأن هذا ثواب باقٍ لا يحول ولا يزول، ومن هذا الثواب المذكور:
كما في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الحجرات: ١٤].
قال الطبري: «إن تطيعوا الله ورسوله أيها القوم، فتأتمروا لأمره وأمر رسوله، وتعملوا بما فرض عليكم، وتنتهوا عما نهاكم عنه (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الحجرات: ١٤].
أي: لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئًا، ولا ينقصكم من ثوابها شيئًا»40.
كما في قوله تعالى: (M ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الفتح: ١٧].
وقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النساء: ١٣].
كما في قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻL M ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء: ٦٩].
قال ابن الجوزي: «في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فرآه رسول الله يومًا فعرف الحزن في وجهه، فقال: (يا ثوبان، ما غير وجهك؟) قال: ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك، فأذكر الآخرة، فأخاف أن لا أراك هناك، فنزلت هذه الآية41.
والثاني: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: ما ينبغي أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا، فنزلت هذه الآية.
والثالث: أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال: (ما لي أراك محزونًا؟) فقال: يا رسول الله غدًا ترفع مع الأنبياء، فلا نصل إليك، فنزلت هذه الآية»42.
ولا يعني هذا قصر تلك الدرجة على هؤلاء الأصحاب فحسب، بل هي عامة -بإذن الله وفضله- في كل من حقق الشرط المذكور في أول الآية.
يقول الطبري: «ومن يطع الله والرسول بالتسليم لأمرهما، وإخلاص الرضا بحكمهما، والانتهاء إلى أمرهما، والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله؛ فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه، وفي الآخرة إذا دخل الجنة» 43.
وقال ابن كثير: «من عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقًا للأنبياء، ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم» 44.
وكل هذه الآيات وما سبقها من ثناء على المطيعين لله ورسله تبين كذب الكافرين الذين وعدوا أتباعهم بالخسران إن أطاعوا المرسلين؛ كما في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [المؤمنون: ٣٣-٣٤].
بين القرآن الكريم أنواع الطاعة المطلوبة من المؤمن الامتثال لها، وفيما يأتي بيان لها:
أولًا: الطاعة لله ولرسوله:
طاعة الله عز وجل طاعة مطلقة، فكل أوامر الله عز وجل يجب تنفيذها بقدر الاستطاعة، بدون قيد أو شرط أو تردد؛ لأنها أهم أنواع الطاعات، وأصل كل الطاعات، أمر الله بها عباده، ورتب على هذا الأمر الثواب العظيم لمن أطاع، والعقاب الأليم لمن عصى، وجعل الطاعة سمة من سمات المؤمنين لا تنفك عنهم كما مر بنا آنفًا.
وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك طاعة مطلقة؛ لأنه مبلغ عن الله، وطاعته طاعة لله عز وجل، وكذلك كل الرسل عليهم السلام.
والدليل على أن طاعة الرسول مطلقة؛ لأنها من طاعة الله:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء: ٨٠].
فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وما ذاك إلا لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى45.
ويؤكد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) 46.
وكذلك أقر النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا قام عنده فقال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد) 47.
كذلك من الأدلة على أن طاعة الرسول من طاعة الله:
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء: ٦٤].
قال ابن عطية: «هذا تنبيه على جلالة الرسل، أي: فأنت يا محمد منهم، تجب طاعتك، وتتعين إجابة الدعوة إليك، و(ﮨﮩ) معناه بأمر الله، وحسنت العبارة بالإذن؛ إذ بنفس الإرسال تجب طاعته، وإن لم ينص أمر بذلك، والمعنى: وما أرسلنا بأمر الله أي بشريعته وعبادته من رسول إلا ليطاع»48.
وقال ابن الجوزي: «قال الزجاج: «من» دخلت للتوكيد، والمعنى: وما أرسلنا رسولًا إلا ليطاع، وفي قوله: (ﮨﮩ) قولان: أحدهما: أنه بمعنى: الأمر، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الإذن نفسه، قاله مجاهد. وقال الزجاج: المعنى: إلا ليطاع بأن الله أذن له في ذلك»49.
وقال ابن كثير: «(ﮦ ﮧ) أي: فرضت طاعته على من أرسله إليهم»50.
وقال أبو السعود: «وما أرسلنا رسولًا من الرسل لشيء من الأشياء إلا ليطاع بسبب إذنه تعالى في طاعته، وأمره المرسل إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه؛ لأنه مؤدٍ عنه تعالى، فطاعته طاعة الله تعالى، ومعصيته معصيته تعالى، من يطع الرسول فقد أطاع الله، أو بتيسير الله تعالى وتوفيقه في طاعته»51.
ومن هنا نعلم أن مما يدخل في باب الطاعة المطلقة: طاعة الأمم السابقة لرسلهم، فكل رسول بعث إلى قومه أمرهم بطاعته؛ وذلك لأن فيها هدايتهم وفلاحهم؛ ولأنها طاعة لله عز وجل في الأصل.
ولذا نقرأ في مواطن شتى من كتاب الله عز وجل، في ثنايا الحديث عن قصص الأنبياء والمرسلين، دعوتهم قومهم لطاعتهم، وقرنهم هذا الأمر بتقوى الله عز وجل، وكأن المعنى: أنهم إذا اتقوا الله تعالى كان من لوازم ذلك اتباع رسله وطاعتهم، ومن ذلك:
المخاطبون بأمر الطاعة لله ورسوله:
وردت الآيات الكثيرة في القرآن الكريم تحث الناس جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم، على طاعة الله ورسوله، ومن الآيات التي خاطبت عند نزولها الكافرين -وإن كانت العبرة بعموم اللفظ فتشمل الجميع- قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [آل عمران: ٣٢].
فلقد ذكر العلماء في سبب نزول هذه الآية أقوالًا، ومردها جميعًا أنها تخاطب غير المسلمين، فنجد ابن الجوزي يقول: «في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه: إن محمدًا يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الإسلام، فقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، ونحن أشد حبًا لله مما تدعونا إليه، فنزلت (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [آل عمران: ٣١]. هذا قول مقاتل.
والثالث: أنها نزلت في نصارى نجران، قاله أبو سليمان الدمشقي»52.
واختار الإمام الطبري السبب الثالث؛ فقال: «يعني بذلك جل ثناؤه: قل-يا محمد- لهؤلاء الوفد من نصارى نجران: أطيعوا الله والرسول محمدًا، فإنكم قد علمتم يقينًا أنه رسولي إلى خلقي، ابتعثته بالحق، تجدونه مكتوبًا عندكم في الإنجيل، فإن تولوا فاستدبروا عما دعوتهم إليه من ذلك، وأعرضوا عنه، فأعلمهم أن الله لا يحب من كفر بجحد ما عرف من الحق، وأنكره بعد علمه، وأنهم منهم، بجحودهم نبوتك، وإنكارهم الحق الذي أنت عليه، بعد علمهم بصحة أمرك، وحقيقة نبوتك»53.
ومع ترجيح أي الأقوال في سبب نزول الآية فإن العبرة بعموم لفظها، فإن هذا «أمر لكل أحد من خاصٍ وعامٍ» 54.
وقال أبو السعود: «(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) أي: في جميع الأوامر والنواهي، فيدخل في ذلك الطاعة في أتباعه عليه الصلاة والسلام دخولًا أوليًا، وإيثار الإظهار على الإضمار بطريق الالتفات لتعيين حيثية الإطاعة والإشعار بعلتها؛ فإن الإطاعة المأمور بها إطاعته عليه الصلاة والسلام من حيث إنه رسول الله لا من حيث ذاته، ولا ريب في أن عنوان الرسالة من موجبات الإطاعة ودواعيها»55.
ومن الآيات أيضًا التي خاطبت غير المسلمين -حال نزولها- بطاعة الله ورسوله قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النور: ٥٤].
قال ابن عطية: «(ﭑ ﭒ ﭓ) الآية مخاطبة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار، وكل من يتعتى عن أمر محمد عليه السلام » 56.
وقال الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﮋ) يا محمد لهؤلاء المقسمين بالله (ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [النور: ٥٣].
وغيرهم من أمتك (ﭒ ﭓ) أيها القوم فيما أمركم به، ونهاكم عنه (ﭔ ﭕ) فإن طاعته طاعة لله (ﭗ ﭘ) يقول: فإن تعرضوا وتدبروا عما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نهاكم عنه، وتأبوا أن تذعنوا لحكمه لكم وعليكم (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) يقول: فإنما عليه فعل ما أمر بفعله من تبليغ رسالة الله إليكم على ما كلفه من التبليغ (ﭝ ﭞ ﭟ) يقول: وعليكم -أيها الناس- أن تفعلوا ما ألزمكم، وأوجب عليكم من اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى طاعته فيما أمركم ونهاكم»57.
وقال ابن عاشور: «ويختلف معنى (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) بين معاني الأمر بإيجاد الطاعة المفقودة، أو إيهام طلب الدوام على الطاعة على حسب زعمهم»58.
ومن الآيات التي بينت أن الأوامر بهذه الطاعة المطلوبة شاملة للرجال والنساء على حد سواء؛ قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
كذلك وردت آيات تأمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء، والنساء بعدهن تبع لهن بالطاعة في أمور خاصة وأمور عامة؛ كما في قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L Mﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأحزاب: ٣٣].
قال الطبري: «(ﮃ ﮄ ﮅ) فيما أمراكن ونهياكن»59. يعني من الأمور السابق ذكرها في هذه الآية والتي قبلها، فلقد نهاهن الله تعالى عن الخضوع واللين بالقول، وأمرهن بقول المعروف، ثم أمرهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وأن لا يخرجن60، وألا يظهرن محاسنهن، وأمرهن بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم أردف هذه الأوامر والنواهي بالأمر العام بطاعة الله ورسوله، فيدخل فيه ابتداء ما ذكر61.
قال ابن كثير: «نهاهن أولًا عن الشر، ثم أمرهن بالخير، من إقامة الصلاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة، وهي الإحسان إلى المخلوقين، ثم قال: (ﮃ ﮄ ﮅ) وهذا من باب عطف العام على الخاص»62.
وهذه الأوامر والنواهي وإن كان المخاطب بها ابتداء نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنها لا تتوقف عليهن وحدهن، فهي آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك63.
فدلت هذه الآيات بمجموعها على أن المخاطب بالطاعة هم جميع البشر، مؤمنهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم.
ميادين طاعة الله ورسوله:
تنوعت الأوامر بالطاعة الموجهة للمؤمنين، فتارة تأتي بأمور معينة محددة، وتارة تأتي مطلقة عامة في شتى الأمور، والأصل أن طاعة الله ورسوله -كما بينا- طاعة مطلقة في كل شيء جاء الأمر به، طالما وجدت الاستطاعة عند المكلف.
ومن الأمور الخاصة التي ورد الأمر بالطاعة فيها:
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ٩٢].
هذه الآية ربطها كثير من المفسرين بالآيتين اللتين قبلها مباشرة، وهما قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
قال الطبري: «(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) في اجتنابكم ذلك، واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجركم عنه من هذه المعاني التي بينها لكم في هذه الآية وغيرها، وخالفوا الشيطان في أمره إياكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره، فإنه إنما يبغي لكم العداوة والبغضاء بينكم بالخمر والميسر»64.
وقال القرطبي: «(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، وامتثال للأمر، وكف عن المنهي عنه، وحسن عطف (ﭷ ﭸ) لما كان في الكلام المتقدم معنى «انتهوا»، وكرر (ﭹ) في ذكر الرسول تأكيدًا»65.
وليس المقصد بهذا الكلام أن يقتصر أمر الطاعة على أمر اجتناب الخمر والميسر السابق لتلك الآية، وإنما يراد ما هو أعم وأوسع من ذلك، وهو مطلق الطاعة لله ولرسوله، ويدخل ابتداء في ذلك: الطاعة في هذا الاجتناب المذكور.
قال الألوسي: «(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) عطف على «اجتنبوه» أي: أطيعوهما في جميع ما أمرا به ونهيا عنه، ويدخل فيه أمرهما ونهيهما في الخمر والميسر دخولًا أوليًا (ﭻ) أي: مخالفتهما في ذلك وهذا مؤكد للأمر الأول، وجوز أن يكون المراد أطيعوا فيما أمرا واحذروا عما نهيا فلا تأكيد، وجوز أيضًا أن لا يقدر متعلق للحذر، أي: وكونوا حاذرين خاشين، وأمروا بذلك؛ لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة، وعمل كل حسنة»66.
وقال ابن عاشور: «عطفت جملة (ﭹ) على جملة (ﭳ ﭴ ﭵ) وهي كالتذييل؛ لأن طاعة الله ورسوله تعم ترك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وتعم غير ذلك من وجوه الامتثال والاجتناب، وكرر (ﭹ) اهتمامًا بالأمر بالطاعة، وعطف (ﭻ) على (ﭹ) أي: وكونوا على حذر، وحذف مفعول (ﭻ) لينزل الفعل منزلة اللازم؛ لأن القصد التلبس بالحذر في أمور الدين، أي: الحذر من الوقوع فيما يأباه الله ورسوله؛ وذلك أبلغ من أن يقال: واحذروهما؛ لأن الفعل اللازم يقرب معناه من معنى أفعال السجايا؛ ولذلك يجيء اسم الفاعل منه على زنة فعل كفرح ونهم»67.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنفال: ١].
قال الطبري: «(ﭠ ﭡ ﭢ) معناه: وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال إلى أمر الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم، فقد بين لكم وجوهه وسبله (ﭣ ﭤ ﭥ) يقول: إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم»68.
وقال ابن عطية: «(ﭠ ﭡ ﭢ) لفظ عام، وسببه الأمر بالوقوف عند ما ينفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغنائم، وقوله: (ﭣ ﭤ ﭥ) أي: كاملي الإيمان، كما تقول لرجل: إن كنت رجلًا فافعل كذا»69.
وقال ابن الجوزي: «(ﭠ ﭡ ﭢ) أي: اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها»70.
وكما ذكرنا في الأمر السابق أن العبرة بعموم الآيات يظل قائمًا، مع التأكيد على خصوص السبب، نقول هذا هنا أيضًا.
قال البيضاوي: «(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) فإن الإيمان يقتضي ذلك، أو إن كنتم كاملي الإيمان، فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة: طاعة الأوامر، والاتقاء عن المعاصي، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان»71.
وأيضا ورد الأمر بالتأكيد على نفس المعنى، وهو: الالتزام بما جاء في الكتاب والسنة بأمر الغنائم في قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأنفال: ٢٠].
قال ابن عطية: «الخطاب للمؤمنين المصدقين، جدد عليهم الأمر بطاعة الله والرسول، ونهوا عن التولي عنه، وهذا قول الجمهور، ويكون هذا متناصرًا مع قول من يقول: إن الخطاب بقوله: (ﭷ ﭸ) [الأنفال: ١٩] هو للمؤمنين، فيجيء الكلام من نمط واحد في معناه. وأما على قول من يقول إن المخاطبة بـ (ﭷ ﭸ) هي للكفار؛ فيرى أن هذه الآية إنما نزلت بسبب اختلافهم في النفل، ومجادلتهم في الحق، وكراهيتهم خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاخرهم بقتل الكفار، والنكاية فيهم»72.
كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنفال: ٤٦].
قال ابن كثير: «فأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء، والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا، ولا ينكلوا، ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال، ولا ينسوه، بل يستعينوا به، ويتكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك، فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضًا، فيختلفوا فيكون سببًا لتخاذلهم وفشلهم»73.
وقال ابن عاشور: «فأما طاعة الله ورسوله فتشمل اتباع سائر أحكام القتال المشروعة بالتعيين، مثل الغنائم، وكذلك ما يأمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من آراء الحرب، كقوله للرماة يوم أحد: (لا تبرحوا من مكانكم، ولو تخطفنا الطير)74»75.
وقال أبو السعود: «(ﭑ ﭒ ﭓ) في كل ما تأتون، وما تذرون، فيندرج فيه ما أمروا به ها هنا اندراجًا أوليًا»76.
وقال ابن عطية: «(ﭑ ﭒ ﭓ) الآية: استمرار على الوصية لهم، والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بدر وتنازعهم و(ﭖ) نصب بالفاء في جواب النهي، قال أبو حاتم: « في كتاب عن إبراهيم «فتفشلوا» بكسر الشين! وهذا غير معروف»، وقرأ جمهور الناس (ﭗ) بالتاء من فوق، ونصب الباء، وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم «وتذهب ريحكم» بالتاء، وجزم الباء، وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بالياء من تحت، وبجزم «يذهب» وقرأ أبو حيوة «ويذهب» بالياء من تحت، ونصب الباء، ورواها أبان وعصمة عن عاصم»77.
وكذلك في هذا الصدد قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ١٣٢].
قال الطبري: «وقد قيل إن ذلك معاتبة من الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمره يوم أحد، فأخلوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها»78.
ولأن الأوامر في القرآن والسنة كثيرة لا تحصى وردت الآيات العامة المطلقة التي تحض على طاعة الله ورسوله في كل أمر، كما في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L M ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [المجادلة: ١٣].
وقوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻL) [التغابن: ١٢].
فعلى المؤمنين الطاعة في شتى مجالات حياتهم، فيما ورد عن الشارع فيه أمر أو نهي، ليس فقط في أداء عباداتهم، بل حتى في تجاراتهم، في تعاملاتهم، في حال حربهم وسلمهم، في نشاطهم وكسلهم، وأن يعلنوا انقيادهم وإذعانهم لما أمروا به.
قال ابن كثير: «أمر بطاعة الله ورسوله فيما شرع، وفعل ما به أمر، وترك ما عنه نهى وزجر.
قال الزهري: «من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم»79»80.
وأما إن أعرضوا عن ذلك: فلن يضر هذا الرسول الذي بلغ عن ربه، وإنما سيضر من أعرض وخالف النور الذي أتي به إليه.
قال أبو السعود: «(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) كرر الأمر للتأكيد، والإيذان بالفرق بين الطاعتين في الكيفية، وتوضيح مورد التولي في قوله تعالى: (ﭶ ﭷ) أي: عن إطاعة الرسول، وقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L) تعليل للجواب المحذوف، أي: فلا بأس عليه إذ ما عليه إلا التبليغ المبين، وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه»81.
وقال ابن عاشور: «(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L) عطف على جملة (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التغابن:١١].
لأنها تضمنت أن المؤمنين متهيئون لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما يدعوانهم إليه من مصالح الأعمال، كما يدل عليه تذييل الكلام بقوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [التغابن:١١].
ولأن طلب الطاعة فرع عن تحقق الإيمان كما في حديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فأول ما تدعوهم إليه، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة)»82، وتفريع (ﭶ ﭷ) تحذير من عصيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتولي مستعار للعصيان، وعدم قبول دعوة الرسول.
ووصف البلاغ بــ(L) أي: الواضح عذر للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ادعى ما أمر به على الوجه الأكمل قطعًا للمعذر عن عدم امتثال ما أمر به»83.
وقد يكون هذا الإعراض عن الطاعة أيضًا، والولوج في بحار الكبائر والمعاصي: سببًا في بطلان العمل؛ لذا قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [محمد: ٣٣].
قال الطبري: «(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) في أمرهما ونهيهما (ﮇ ﮈ ﮉ) يقول: ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما، وكفركم بربكم ثواب أعمالكم، فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح»84.
وقال ابن الجوزي: «(ﮇ ﮈ ﮉ) اختلفوا في مبطلها على أربعة أقوال: أحدها: المعاصي والكبائر، قاله الحسن، والثاني: الشك والنفاق، قاله عطاء، والثالث: الرياء والسمعة، قاله ابن السائب، والرابع: بالمن»85.
وأما القرطبي فقد ربط بين هذه الآية والتي قبلها فقال: «لما بين حال الكفار أمر المؤمنين بلزوم الطاعة في أوامره والرسول في سننه (ﮇ ﮈ ﮉ) أي: حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن، وقال الزهري: بالكبائر، ابن جريج: بالرياء والسمعة، وقال مقاتل والثمالي: بالمن، وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات، والمعاصي تخرج عن الإيمان»86.
بقي هنا أخيرًا أن نقول: إن الأوامر التي يجب الطاعة فيها للرسول صلى الله عليه وسلم هي «ما أمر به ونهى عنه من أحكام الدين، وأما ما ليس داخلًا تحت التشريع فطاعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه طاعة انتصاح وأدب، ألا ترى أن بريرة لم تطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراجعة زوجها مغيث لما علمت أن أمره إياها ليس بعزم»87 88.
ثانيًا: الطاعة في غير معصية الله:
مر بنا فيما سبق أن طاعة الله عز وجل ورسوله طاعة مطلقة، وهناك طاعات أخرى دل عليها الكتاب العزيز، خاصة بأصناف معينة من الناس، إلا أن هذا النوع من الطاعة ليس مطلقًا كسابقه، بل هي مقيدة بقيد مهم، ألا وهو: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)89.
ومن أنواع هذه الطاعات المقيدة ما يلي:
١. طاعة أولياء الأمور.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النساء: ٥٩].
اختلف أهل العلم في المراد بأولي الأمر المذكورين في الآية، هل هم الولاة والأمراء أم العلماء والفقهاء أم غير ذلك؟
فرجح جماعة -ومنهم الطبري- أنهم الولاة والأمراء، فقال بعد أن ذكر الخلاف في ذلك: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعة، وللمسلمين مصلحة» 90.
وقال ابن عطية: «أمر بطاعته عز وجل، وهي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله، وطاعة الأمراء على قول الجمهور»91.
وقال ابن عاشور: «وتشمل طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام طاعة أمرائه في حياته؛ لقوله: (ومن أطاع أميري فقد أطاعني)92، وتشمل طاعة أمراء الجيوش بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لمساواتهم لأمرائه الغائبين عنه في الغزوات والسرايا في حكم الغيبة عن شخصه»93.
ورجح آخرون -ويبدو أن هذا هو الأقوى والأرجح- وهو: أن المراد بأولي الأمر: الأمراء والعلماء.
قال ابن القيم: «وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في أولي الأمر، وعنه فيهم روايتان:
إحداهما: أنهم العلماء.
والثانية: أنهم الأمراء.
والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية، والصحيح أنها متناولة للصنفين جميعًا، فإن العلماء والأمراء ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله، فإن العلماء ولاته حفظًا وبيانًا وذبًا عنه وردًا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكلهم الله بذلك، فقال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام: ٨٩].
فيالها من وكالة أوجبت طاعتهم والانتهاء إلى أمرهم، وكون الناس تبعًا لهم، والأمراء ولاته قيامًا وعناية وجهادًا وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه، وهذان الصنفان هما الناس وسائر النوع الإنساني تبع لها ورعية»94.
وقد يغفل بعض الناس عن أهمية طاعة العلماء، ويقللون من خطر الخروج عن مشورتهم، فنجد كثيرًا من يتحدث عن وجوب طاعة الأمراء، وأهميته في تحقق الجماعة، واستتباب الأمن في المجتمع، وهذا حق، ولكنهم يغفلون عن أهمية طاعة العلماء، وحاجة الأمة كلها رؤساء وأمراء وعامة إليهم.
إن الخروج عن طاعة العلماء الربانيين، وترك مشورتهم مفسد للدنيا والآخرة، ولا يعني هذا تقديسهم أو التعصب لأقوال الرجال، ليس هذا إطلاقًا، بل متى ما عارض قولهم قول الله ورسوله رد، ولم يقبل، فقولهم معتبر، ورأيهم متبع؛ لأنهم يتبعون ما جاء من ربهم، ويبينونه للناس، فالله عز وجل جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة.
أما أولو الأمر من الأمراء فطاعتهم واجبة ما دام أنهم يحكمون بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله سبحانه وتعالى قال: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء:٥٩].
فلم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، بل عطف طاعتهم على طاعة الرسول؛ إذ أنه لا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فطاعة أولي الأمر إذًا ليست طاعة مفردة مستقلة، بل طاعتهم طاعة مستثناة فيما لهم وعليهم، واجبة لهم ما دام أنهم يحكمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)95.
٢. طاعة الوالدين.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [العنكبوت: ٨].
وقال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان: ١٥].
ذكر كثير من أهل التفسير أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص؛ وذلك أنه قال عن نفسه: «أنزلت في أربع آيات» -فذكر قصة- فقالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر؟ والله لا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا حتى أموت أو تكفر، قال: «فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها» فنزلت هذه الآية: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)96.
وقال ابن عطية بعد أن ذكر قصة سعد وغيرها: «ولا مرية أنها نزلت فيمن كان من المؤمنين بمكة يشقى بجهاد أبويه في شأن الإسلام أو الهجرة، فكان القصد بهذه الآية النهي عن طاعة الأبوين في مثل هذا؛ لعظم الأمر، وكثرة الخطر فيه مع الله تعالى، ثم إنه لما كان بر الوالدين وطاعتهما من الأمر الذي قررته الشريعة وأكدت فيه، وكان من القوي عندهم الملتزم؛ قدم الله تعالى النهي عن طاعتهما، وقوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) على معنى أنا لا نخل ببر الوالدين، لكنا لا نسلطه على طاعة الله لا سيما في معنى الإيمان»97.
وقال في موطن آخر: «وجملة هذا الباب: أن طاعة الوالدين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، وتستحسن في ترك الطاعات الندب»98.
وقال ابن عاشور: «والمقصود من الآية هو قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) إلى آخره، وإنما افتتحت بـ (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) لأنه كالمقدمة للمقصود؛ ليعلم أن الوصاية بالإحسان إلى الوالدين لا تقتضي طاعتهما في السوء ونحوه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)99.
ولقصد تقرير حكم الإحسان للوالدين في كل حال إلا في حال الإشراك، حتى لا يلتبس على المسلمين وجه الجمع بين الأمر بالإحسان للوالدين وبين الأمر بعصيانهما إذا أمرا بالشرك»100.
٣. طاعة المرأة لزوجها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L) [النساء: ٣٤].
قال الطبري: «(ﭡ) يعني: مطيعات لله ولأزواجهن»101.
وقال القرطبي: «(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله، وفي نفسها في حال غيبة الزوج، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) 102، قال: وتلا هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) إلى آخر الآية»103.
وقال ابن كثير: «المرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه؛ فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال، فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها، مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها»104.
أوضح القرآن عاقبة الطاعة في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان لها:
أولًا: عاقبة طاعة الله ورسوله:
طاعة الله ورسوله نبتة طيبة مباركة، تؤتي أكلها في الدنيا قبل الآخرة، فيحصل المؤمن جزاء عاجلًا قبل الجزاء الآجل، ففي الدنيا ينال الطائعون:
وأما في الآخرة: فالثمرة أعظم وأكبر؛ لأن هذا ثواب باقٍ، لا يحول ولا يزول، ومن هذا الثواب المذكور:
ثانيًا: عاقبة طاعة الإنسان لإبليس:
الله عز وجل هو الخالق لهذا الكون، وهو الأعلم بما يصلح عباده، وما يفسدهم، وما ينفعهم وما يضرهم؛ ولذا فقد حذرهم تبارك وتعالى مما فيه ضرر أو هلاك أو شقاء لهم، وبين لهم العواقب، وقص عليهم القصص، كل ذلك حتى يمتثلوا أمره، ويحذروا مما حذرهم منه.
ومما حذر الله منه عباده: أن يتبعوا إبليس، أو خطواته، أو يتخذوه وليًا من دون الله؛ لأنه في الأصل عدو لهم، وعداوته قديمة منذ خلق أبيهم آدم عليه السلام، يوم رفض السجود له، وأعلن عن حسده وبغضه، ونيته في إفساد ذريته.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الإسراء: ٦١-٦٢].
ويقسم إبليس على ما ينتويه من شر للعباد، فيقول: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚﰛ ﰜ ﰝ ﰞ) [ص: ٨٢-٨٣].
ويبين خطته وطريقه الذي سيسلكه، فقال لربه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف: ١٦-١٧].
وقال: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ١١٨-١١٩].
وبين الله عز وجل لنا أن له أعوانًا من بني الإنس، يستخدمهم أيضًا لإغواء الناس وإضلالهم؛ فقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأنعام: ١١٢].
وقال: (ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏﮐﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنعام: ١٢١].
ولهذا وصفه الله عز وجل بأنه عدو ظاهر، لا تخفى عداوته، وأمرنا أن نعتبره كذلك؛ فلا ننقاد له؛ ولا نتبع خطواته، فقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [فاطر: ٦].
وقال: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٦٨].
وقال: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [البقرة: ٢٠٨].
وقال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنعام: ١٤٢].
وقال: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأعراف: ٢٢].
وقال: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٢٧].
وقال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يوسف:٥].
وقال: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الإسراء:٥٣].
وقال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الكهف: ٥٠].
وقال: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [النور: ٢١].
وقال: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفرقان: ٢٩].
وقال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يس: ٦٠].
(ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ) [الزخرف: ٦٢].
وحتى يكون العباد على حذر أكبر من ذلك العدو بين الله عز وجل لهم عاقبة اتباعه في الدنيا والآخرة.
ففي الدنيا:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ٦٠].
قال الطبري: «(ﭑ ﭒ) يا محمد بقلبك فتعلم (ﭓ ﭔ ﭕ) أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب (ﭟ ﭠ ﭡ) في خصومتهم (ﭢ ﭣ) يعني إلى: من يعظمونه ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) يقول: وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه، فتركوا أمر الله، واتبعوا أمر الشيطان (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) يعني: أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى، فيضلهم عنها ضلالًا بعيدًا، يعني: فيجور بهم عنها جورًا شديدًا» 105.
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحج: ٣-٤].
قال ابن كثير: «يقول تعالى ذامًا لمن كذب بالبعث، وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى، معرضًا عما أنزل الله على أنبيائه، متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد، من الإنس والجن، وهذا حال أهل الضلال والبدع المعرضين عن الحق، المتبعين للباطل، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة، الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء؛ ولهذا قال في شأنهم وأشباههم: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) أي: علم صحيح (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) قال مجاهد: يعني الشيطان، كتب عليه كتابة قدرية (ﮂ ﮃ ﮄ) أي: اتبعه وقلده (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: يضله في الدنيا، ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، وهو الحار المؤلم المزعج المقلق»106.
بل إن الشيطان قد يعيد الإنسان إلى الضلال والكفر مرة أخرى، بعد أن تبين له طريق الحق والهدى والرشاد، ويزين هذا الباطل لأتباعه، كما قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد:٢٥].
قال الطبري: «إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارًا بالله من بعد ما تبين لهم الحق وقصد السبيل، فعرفوا واضح الحجة، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادًا لأمر الله تعالى؛ الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبين لهم الهدى»107.
كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
قال الطبري: «أي: إن شربكم الخمر، وقماركم على الجزر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بالأزلام، إثم ونتنٌ من تزيين الشيطان لكم، ودعائه إياكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم»108.
وقال أيضًا: «إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم، إرادةً منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر، ومياسرتكم بالقداح؛ ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم، وباشتغالكم بهذا الميسر، عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم، وعن الصلاة التي فرضها عليكم ربكم»109.
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ١٦٨-١٦٩].
قال ابن كثير: «أي: إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة، وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه، وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم، فيدخل في هذا كل كافر، وكل مبتدع أيضًا»110.
ومثل هذا المعنى يتأكد في قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النور:٢١].
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [البقرة:٢٦٨].
قال الطبري: «الشيطان يعدكم أيها الناس بأدائكم الصدقة والزكاة الواجبة عليكم في أموالكم أن تفتقروا، ويأمركم بالفحشاء، يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل، وترك طاعته»111.
وقال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المجادلة: ١٩].
قال القرطبي: «أي: غلب الشيطان واستعلى عليهم بوسوسته في الدنيا، وقيل: قوي عليهم (ﯻ ﯼ ﯽ) والنسيان قد يكون بمعنى الغفلة، ويكون بمعنى الترك، والوجهان محتملان هنا (ﯿ ﰀ ﰁ) أي: طائفته ورهطه (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) في بيعهم؛ لأنهم باعوا الجنة بجهنم، وباعوا الهدى بالضلالة»112.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الإسراء: ٥٣].
قال الطبري: «أي: قل -يا محمد- لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة، فإن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضًا، ينزغ بينهم، يفسد بينهم، يهيج بينهم الشر، فإن الشيطان كان لآدم وذريته عدوًا، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة»113.
وهذا المعنى فطن إليه نبي الله يعقوب عليه السلام، فخشي على أبنائه من الشيطان أن يوقعهم في البغض والعداوة بينهم وبين يوسف؛ ولذا نصحه ألا يقص رؤياه الطيبة عليهم، فقال له: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يوسف: ٥].
قال الطبري: «يقول يعقوب عليه السلام لابنه يوسف: يا بني لا تقصص رؤياك هذه على إخوتك، فيحسدوك ويبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان؛ فإن الشيطان لآدم وبنيه عدو، قد أبان لهم عداوته وأظهرها، فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك»114.
ولهذا المعنى أيضًا نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن التناجي بالإثم والعدوان، وأن النجوى من فعل الشيطان ليدخل الحزن على بعض المؤمنين؛ فقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [المجادلة: ١٠].
أي: إنما النجوى -وهي المسارة- حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا من تسويل الشيطان وتزيينه (ﯧ ﯨ ﯩ) أي: ليسوءهم، وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بإذن الله، ومن أحس من ذلك شيئًا فليتوكل على الله، ويفوض جميع شئونه إلى عونه، ويستعيذ به من الشيطان ومن كل شر، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانًا ولو شاء لصرفه عنه115.
ولهذا وردت السنة بالنهي عن التناجي، حيث يكون في ذلك تأذٍ على مؤمن، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن يحزنه) 116.
قال القرطبي: «أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله؛ وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنه لم يروه أهلًا ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان، وأحاديث النفس»117.
وهذه الخصومات والمشاحنات هو ما يسعى إليه إبليس بين المسلمين لإفساد العلاقات بينهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)118.
أي: الإيقاع بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها.
وأما في الآخرة:
فعاقبة اتباعه: الخسران المبين، والعذاب الأليم، ودخول جهنم وبئس المصير.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النساء: ١١٩-١٢١].
قال الطبري: «ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله وخلاف أمره، ويواليه فيتخذه وليًا لنفسه ونصيرًا من دون الله: فقد هلك هلاكًا، وبخس نفسه حظها فأوبقها بخسًا مبينًا، يبين عن عطبه وهلاكه؛ لأن الشيطان لا يملك له نصرًا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمره، بل يخذله عند حاجته إليه، وإنما حاله معه ما دام حيًا ممهلًا بالعقوبة، كما وصفه الله جل ثناؤه بقوله: (ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) أي: يعد الشيطان المريد أولياءه أن يكون لهم نصيرًا ممن أرادهم بسوء، وظهيرًا لهم عليه، يمنعهم منه، ويدافع عنهم، ويمنيهم الظفر على من حاول مكروههم، والفلج عليهم119، وما يعد الشيطان أولياءه الذين اتخذوه وليًا من دون الله (ﯮ ﯯ) يعني: إلا باطلًا.
فهؤلاء الذين اتخذوا الشيطان وليًا من دون الله مصيرهم الذين يصيرون إليه جهنم (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) أي: لا يجدون عن جهنم -إذا صيرهم الله إليها يوم القيامة- معدلًا يعدلون إليه»120.
وقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L) [فاطر: ٦].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﭯ ﭰ) الذي نهيتكم أيها الناس أن تغتروا بغروره إياكم بالله (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) يقول: فأنزلوه من أنفسكم منزلة العدو منكم، واحذروه بطاعة الله، واستغشاكم إياه حذركم من عدوكم الذي تخافون غائلته على أنفسكم، فلا تطيعوه، ولا تتبعوا خطواته، فإنه إنما يدعو حزبه، يعني: شيعته ومن أطاعه، إلى طاعته والقبول منه، والكفر بالله (ﭹ ﭺ ﭻ L) يقول: ليكونوا من المخلدين في نار جهنم التي تتوقد على أهلها» 121.
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الحشر: ١٦-١٧].
قال الطبري: «فكان عقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر بالله أنهما خالدان في النار، ماكثان فيها أبدًا (ﭙ ﭚ ﭛ) يقول: وذلك ثواب اليهود من النضير والمنافقين الذين وعدوهم النصرة، وكل كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به؛ أنهم في النار مخلدون»122.
وتزداد حسرة أتباع الشيطان حينما يجتمعون به في الآخرة في جهنم، فيقوم خطيبًا فيهم، كما أخبر الله عز وجل في كتابه: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [إبراهيم: ٢٢].
قال ابن كثير: «بعدما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات، قام فيهم إبليس -لعنه الله- حينئذٍ خطيبًا ليزيدهم حزنًا إلى حزنهم، وغبنًا إلى غبنهم، وحسرة إلى حسرتهم، فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) أي: على ألسنة رسله، ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعدًا حقًا، وخبرًا صدقًا، وأما أنا فوعدتكم وأخلفتكم (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أي: ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه من دليل ولا حجة على صدق ما وعدتكم به (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه (ﮥ ﮦ) اليوم (ﮧ ﮨ) فإن الذنب لكم، لكونكم خالفتم الحجج، واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل (ﮪ ﮫ ﮬ) أي: بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه (ﮭ ﮮ ﮯ) أي: بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ).
قال قتادة: أي بسبب ما أشركتمون من قبل، وقال ابن جرير: يقول: إني جحدت أن أكون شريكًا لله عز وجل.
وهذا الذي قال هو الراجح، كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الأحقاف: ٥-٦].
وقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [مريم: ٨٢].
وقوله: (ﯙ ﯚ) أي: في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل (ﯛ ﯜ ﯝ)»123.
ثالثًا: عاقبة طاعة الأتباع للمتبوعين:
أهل الباطل والضلال في تلك الحياة ينقادون لمن يماثلهم، ويطاوعون من يشابههم، ويظاهرهم على باطلهم ومعصيتهم، وقد سجل الله عز وجل ذلك عنهم في كتابه؛ فقال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [محمد: ٢٦].
قال القرطبي: «إن المنافقين واليهود قالوا: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) وهم مشركون (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) أي: في مخالفة محمد، والتظاهر على عداوته، والقعود عن الجهاد معه، وتوهين أمره في السر، وهم إنما قالوا ذلك سرًا، فأخبر الله نبيه» 124.
وقد يكون تظاهرهم مع إخوانهم من أهل الباطل بالقول فقط، ويتخلفون حال الفعل؛ لما في قلوبهم من جبن وخوف ومحبة للدنيا، وليس محبة أو طاعة لله ورسوله، كما قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ L M ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحشر:١١].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى الذين نافقوا بعثوا إلى بني النضير حين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرب أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، ولئن أخرجتم من دياركم ومنازلكم، وأجليتم عنها لنخرجن معكم، فنجلى عن منازلنا وديارنا معكم، ولا نطيع أحدًا سألنا خذلانكم، وترك نصرتكم، ولكنا نكون معكم، وإن قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه لننصرنكم معشر النضير عليهم.
والله يشهد إن هؤلاء المنافقين الذين وعدوا بني النضير النصرة على محمد صلى الله عليه وسلم لكاذبون في وعدهم إياهم ما وعدوهم من ذلك»125.
وهذا الصنف من الناس -السابق ذكره- له عقل يميز به، ورأي ينفرد به؛ وليس له سيد أو كبير يقوده، بل قد يكون هو قائدًا لمن وراءه.
وهناك صنف آخر من الناس في تلك الحياة أبى إلا أن يعيش متبوعًا، يترك عقله وناصيته بيد غيره، يحركه كيفما شاء، ويوجهه أينما أراد، ويا ليته فعل ذلك مع أقوام مهتدين راشدين، يأخذون بيده لطريق الحق والنجاة لكانت العاقبة أنفع له وأنجح، لكنه فعل ذلك مع أقوام ظالمين ضالين، ضلوا وأضلوا؛ فكانت عاقبة اتباعهم الخسران، والعذاب الأليم.
وتزداد حسرة هؤلاء المتبعين حينما يجتمعون بأسيادهم وكبرائهم في النار، فيرون أنهم لا يغنون عنهم من عذاب الله شيئًا، بل يرون من اتبعوهم يتبرؤون منهم، وعندها: يعضون أصابع الندم على ما قدموه في حياتهم من ولاء وطاعة لهم، ويودون أن لو عادوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من كبرائهم كما تبرؤوا منهم في الآخرة، وحينما ييأسون من هذه الأماني؛ يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يضاعف العذاب لمن كانوا سببًا في غوايتهم وضلالهم.
هذه المواقف والمشاعر نقلها لنا القرآن الكريم في غير موضع وآية، كما في قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ١٦٥-١٦٧].
قال القرطبي: «يعني: السادة والرؤساء تبرؤوا ممن اتبعهم على الكفر، وقال طائفة: هم الشياطين المضلون تبرؤوا من الإنس، وقيل: هو عام في كل متبوع (ﮦ ﮧ) يعني التابعين والمتبوعين، قيل: بتيقنهم له عند المعاينة في الدنيا، وقيل: عند العرض والمسألة في الآخرة، قلت: كلاهما حاصل، فهم يعاينون عند الموت ما يصيرون إليه من الهوان، وفي الآخرة يذوقون أليم العذاب والنكال (ﮨ ﮩ ﮪ) أي: الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من رحم وغيره.
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) أي: قال الأتباع: لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحًا، ونتبرأ منهم (ﯖ ﯗ ﯘ) والتبرؤ الانفصال (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) أي: كما أراهم الله العذاب كذلك يريهم الله أعمالهم (ﯞ) والحسرة: أعلا درجات الندامة على شيء فائت (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) دليل على خلود الكفار فيها، وأنهم لا يخرجون منها»126.
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [إبراهيم: ٢١].
قال الطبري: «وظهر هؤلاء الذين كفروا بالله يوم القيامة من قبورهم، فصاروا بالبراز من الأرض (ﭩ) يعني كلهم، (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) أي: فقال التباع منهم للمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله، واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان، والكفر بالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتباع رسل الله (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) يعنون: فهل أنتم دافعون عنا اليوم من عذاب الله من شيء؟
فقالت القادة على الكفر بالله لتباعها: (ﭽ ﭾﭿ) أي: لو بين الله لنا شيئًا ندفع به عذابه عنا اليوم؛ (ﮀ) أي: لبينا ذلك لكم حتى تدفعوا العذاب عن أنفسكم؛ ولكنا قد جزعنا من العذاب، فلم ينفعنا جزعنا منه وصبرنا عليه (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: ما لهم من مراغٍ يروغون عنه»127.
وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأحزاب: ٦٦-٦٨].
قال ابن كثير: «يوم يسحب الكافرون في النار على وجوههم، وتلوى وجوههم على جهنم، يقولون وهم كذلك، يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله، وأطاع الرسول، كما أخبر الله عنهم في حال العرصات بقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفرقان: ٢٧-٢٩].
وقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الحجر: ٢].
وهكذا أخبر عنهم في حالتهم هذه أنهم يودون أن لو كانوا أطاعوا الله، وأطاعوا الرسول في الدنيا.
(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) أي: اتبعنا السادة، وهم الأمراء والكبراء من المشيخة، وخالفنا الرسل، واعتقدنا أن عندهم شيئًا، وأنهم على شيء، فإذا هم ليسوا على شيء (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) أي: بكفرهم وإغوائهم إيانا (ﮏ ﮐ ﮑ)»128.
وقال ابن عاشور: «والمعنى: يوم تقلب ملائكة العذاب وجوههم في النار بغير اختيار منهم، أو يجعل الله ذلك التقلب في وجوههم لتنال النار جميع الوجه، كما يقلب الشواء على المشوى لينضج على سواء، ولو كان لفح النار مقتصرًا على أحد جانبي الوجه لكان للجانب الآخر بعض الراحة.
وحرف «يا» في قوله: (ﭻ) للتنبيه لقصد إسماع من يرثى لحالهم، مثل (ﮑ) [الأنعام: ٣١].
والتمني هنا كناية عن التندم على ما فات، وكذلك نحو: يا حسرتنا، أي: أن الحسرة غير مجدية، وقد علموا يومئذٍ أن ما كان يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم هو تبليغ عن مراد الله منهم، وأنهم إذ عصوه فقد عصوا الله تعالى، فتمنوا يومئذٍ أن لا يكونوا عصوا الرسول المبلغ عن الله تعالى.
وقال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأحزاب: ٦٧-٦٨].
جيء بهذه الجملة في صيغة الماضي؛ لأن هذا القول كان متقدمًا على قولهم: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) فذلك التمني نشأ لهم وقت أن مسهم العذاب، وهذا التنصل والدعاء اعتذروا به حين مشاهدة العذاب، وحشرهم مع رؤسائهم إلى جهنم.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ٣٨].
فدل على أن ذلك قبل أن يمسهم العذاب، بل حين رصفوا ونسقوا قبل أن يصب عليهم العذاب، ويطلق إليهم حر النار.
والسادة: عظماء القوم والقبائل مثل الملوك، والكبراء: جمع كبير، وهو عظيم العشيرة، وهم دون السادة؛ ولذلك قوبل قولهم: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) بقولهم: (ﮄ ﮅ ﮆ).
وجملة (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) خبر مستعمل في الشكاية والتذمر، وهو تمهيد لطلب الانتصاف من سادتهم وكبرائهم، فالمقصود الإفضاء إلى جملة (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) ومقصود من هذا الخبر أيضًا الاعتذار والتنصل من تبعة ضلالهم بأنهم مغرورون مخدوعون، وهذا الاعتذار مردود عليهم بما أنطقهم الله به من الحقيقة؛ إذ قالوا: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ).
فيتجه عليهم أن يقال لهم: لماذا أطعتموهم حتى يغروكم؟! وهذا شأن الدهماء أن يسودوا عليهم من يعجبون بأضغاث أحلامه، ويغرون بمعسول كلامه، ويسيرون على وقع أقدامه، حتى إذا اجتنوا ثمار أكمامه، وذاقوا مرارة طعمه، وحرارة أوامه129، عادوا عليه باللائمة، وهم الأحقاء بملامه.
وتقديم قولهم: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) اهتمام بما فيه من تعليل لمضمون قولهم: (ﮇ ﮈ) لأن كبراءهم ما تأتى لهم إضلالهم إلا بتسبب طاعتهم العمياء إياهم، واشتغالهم بطاعتهم عن النظر والاستدلال فيما يدعونهم إليه من فساد، ووخامة مغبة، وبتسبب وضعهم أقوال سادتهم وكبرائهم موضع الترجيح على ما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم »130.
وقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [غافر: ٤٧-٤٨].
قال الطبري: «يقول تعالى: وإذ يتخاصمون في النار، وعنى بذلك: إذ يتخاصم الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنذارهم من مشركي قومه في النار، فيقول الضعفاء منهم، وهم المتبعون على الشرك بالله (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) تقول لرؤسائهم الذين اتبعوهم على الضلالة: إنا كنا لكم في الدنيا تبعًا على الكفر بالله (ﯚ ﯛ ﯜ) اليوم (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) يعنون: حظًا فتخففوه عنا، فقد كنا نسارع في محبتكم في الدنيا، ومن قبلكم أتينا، لولا أنتم لكنا في الدنيا مؤمنين، فلم يصبنا اليوم هذا البلاء.
فأجابهم المتبوعون بما أخبر الله عنهم (ﯢﯣ ﯤ) وهم الرؤساء المتبوعون على الضلالة في الدنيا: إنا أيها القوم وأنتم كلنا في هذه النار مخلدون، لا خلاص لنا منها (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) بفصل قضائه، فأسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فلا نحن مما نحن فيه من البلاء خارجون، ولا هم مما فيه من النعيم منتقلون»131.
ولهذه الآيات التي سبقت وغيرها والتي تبين عاقبة ومغبة اتباع أهل الباطل والكفر، وتبرأهم ممن تبعوهم؛ حذر الله نبيه وأصحابه والمؤمنين من طاعتهم، أو الانقياد إليهم؛ وذلك في غير آية من كتابه الكريم، كما في قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨].
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الفرقان: ٥٢].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأحزاب: ١].
وقوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأحزاب: ٤٨].
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ) [القلم: ٨].
وقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ) [القلم: ١٠].
وقوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الإنسان: ٢٤].
وقوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [العلق: ١٩].
وبين الله عز وجل لهم أن عاقبة اتباع هؤلاء وأمثالهم، ستئول بهم إلى كفر وضلال وخسران، فقال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [آل عمران: ١٠٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [آل عمران: ١٤٩].
وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنعام: ١١٦].
وهذا خلاف لما يزعمه أهل النفاق، الذين يقعدون عن طاعة الله ورسوله، من أن طاعتهم تؤول بأتباعهم لخير، كما قالوا في يوم أحد، فيما نقله الله عنهم في كتابه: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [آل عمران: ١٦٨].
قال الطبري: «فمعنى الآية: وليعلم الله المنافقين الذين قالوا لإخوانهم الذين أصيبوا مع المسلمين في حربهم المشركين بأحد يوم أحد فقتلوا هنالك من عشائرهم وقومهم (ﮅ) هم عن القتال (ﮆ ﮇ) أي: لو أطاعنا من قتل بأحد من إخواننا وعشائرنا (ﮈ ﮉ) أي: ما قتلوا هنالك.
قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ﮋ) يا محمد لهؤلاء القائلين هذه المقالة من المنافقين (ﮌ) يعني: فادفعوا (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) فأنتم لا محالة ميتون»132.
موضوعات ذات صلة: |
الاتباع، الأمر، العبادة، محمد، النبوة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٣١.
2 تهذيب اللغة، الأزهري ٣/٦٦.
3 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥٠٧.
4 مقاليد العلوم، السيوطي ص٧٥.
5 التحرير والتنوير ٩/٣٠٣.
6 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الطاء، ص٧٢٣-٧٢٦.
7 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٥١٩.
8 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ٢/١٤٤٨.
9 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٣٤.
10 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ٢٢١.
11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٣١.
12 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٣٠.
13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٣٣٥.
14 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٩/٥٨.
15 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٥١.
16 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦٠٦.
17 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٣.
18 روح المعاني، الألوسي ٤/١٧.
19 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام ٤/٢٠٣، رقم ٣٦٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ٤/١٧٨٠، رقم ٢٢٧٣.
20 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣١.
21 جامع البيان، الطبري ٨/٧١-٧٢.
22 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٨١.
23 تفسير الراغب الأصفهاني ٣/١١٣٩.
24 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٩٨.
25 جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٧١.
26 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٦٥.
27 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٢٣.
28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٧٤.
29 أخرجه مسلم في الإيمان، باب بيان قوله تعالى: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه)، ١/١١٥، رقم ١٢٥.
30 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٦.
31 المصدر السابق.
32 المصدر السابق ٨/٤٣٦.
33 أصول التربية الإسلامية، عبد الرحمن النحلاوي، ص ٢٣٠.
34 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٣٠٣.
35 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٧.
36 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٨٩.
37 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٧٣، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٢٩، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/١٠٩.
38 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢٨٩.
39 جامع البيان، الطبري ١٩/٢١٠.
40 المصدر السابق ٢٢/٣١٦-٣١٧.
41 أخرج نحوه الطبراني في الأوسط ١/١٥٢، رقم ٤٧٧ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/١٠٤٤، رقم ٢٩٣٣.
42 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٣٠ بتصرف يسير.
43 جامع البيان، الطبري ٨/٥٣٠.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٥٣.
45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٦٣.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)، ٩/٦١، رقم ٧١٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، ٣/١٤٦٦، رقم ١٨٣٥.
47 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، ٢/٥٩٤، رقم ٨٧٠.
48 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٧٤ بتصرف يسير.
49 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٢٧، رقم ٤٢٨.
50 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٤٧.
51 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٩٦.
52 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٢٧٤.
53 جامع البيان، الطبري ٦/٣٢٥.
54 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٢.
55 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٢٥.
56 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٩٢.
57 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٧.
58 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢٨٠.
59 جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٦٢.
60 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٦١.
61 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠٣.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤١٠.
63 المصدر السابق ٦/٤٠٨.
وإن كان الحكم يختلف في حقهن عن باقي النساء، فقد قال ابن عاشور في التحرير والتنوير ٢٢/١٠: «هذا أمر خصصن به، وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيرًا لهن، وتقوية في حرمتهن، فقرارهن في بيوتهن عبادة، وأن نزول الوحي فيها وتردد النبي صلى الله عليه وسلم في خلالها يكسبها حرمة...، وهذا الحكم وجوب على أمهات المؤمنين، وهو كمال لسائر النساء».
64 جامع البيان، الطبري ١٠/٥٧٤-٥٧٥.
65 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٩٣.
66 روح المعاني، الألوسي ٤/١٧.
67 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣٠.
68 جامع البيان، الطبري ١٣/٣٨٥.
69 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٠٠.
70 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١٨٨.
71 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٤٩.
72 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥١٣.
73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٢.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه، ٤/٦٥، رقم ٣٠٣٩.
75 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٠.
76 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢٥.
77 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٣٦.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٦٢.
78 جامع البيان، الطبري ٧/٢٠٦.
79 أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا عن الزهري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك)، ٩/١٥٤.
80 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٣٨.
81 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٢٥٨.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، ٢/١١٩، رقم ١٤٥٨ واللفظ له، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه، ١/٥٠، رقم ١٩.
83 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٢٨٠.
84 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٨٧.
85 زاد المسير ٤/١٢٢.
وانظر: لباب النقول، السيوطي، ص ٨٣٣.
86 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٥٤.
87 أخرج البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة، ٧/٤٨، رقم ٥٢٨٣ من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع قالت: لا حاجة لي فيه.
88 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/١٢٦-١٢٧.
89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، ٩/٨٨، رقم ٧٢٥٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، ٣/١٤٦٩، رقم ١٨٤٠.
90 جامع البيان، الطبري ٨/٥٠٢.
91 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٧٠.
92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ٩/٦١، رقم ٧١٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، ٣/١٤٦٦، رقم ١٨٣٥.
93 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٠.
94 زاد المهاجر إلى ربه، ابن قيم الجوزية ص٤١-٤٢.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية، ٩/٦٣، رقم ٧١٤٤ ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ٣/١٤٦٩، رقم ١٨٣٩.
96 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة العنكبوت ٥/٣٤١، رقم ٣١٨٩.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان ١٠/١١٠.
97 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٠٧- ٣٠٨.
98 المصدر السابق ٤/٣٤٩.
99 أخرجه أحمد في مسنده، ٢/٣٣٣، رقم ١٠٩٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٥٠، رقم ٧٥٢٠.
100 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٢١٣.
101 جامع البيان، الطبري ٨/٢٩٤.
102 أخرجه الطيالسي ٤/٨٧، رقم ٢٤٤٤، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب طاعة المرأة زوجها، ٨/١٨٤، رقم ٨٩١٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٢٤، رقم ٣٢٩٩.
103 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٧٠.
104 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٩٤.
105 جامع البيان، الطبري ٨/٥٠٧.
106 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٩٤.
107 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٨٠-١٨١ بتصرف يسير.
108 المصدر السابق ١٠/٥٦٤.
109 المصدر السابق ١٠/٥٦٥.
110 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٧٩.
111 جامع البيان، الطبري ٥/٥٧١.
112 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٣٠٦.
113 جامع البيان، الطبري ١٧/٤٦٩ بتصرف يسير.
114 المصدر السابق ١٥/٥٥٨ بتصرف يسير.
115 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٩٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٤.
116 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة، ٨/٦٥، رقم ٦٢٩٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه، ٤/١٧١٨، رقم ٢١٨٤.
117 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٩٥.
118 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، ٤/٢١٦٦، رقم ٢٨١٢.
119 الفلج: بفتحتين، الظفر والفوز والعلو على الخصم، يقال: فلج الرجل على خصمه وأفلج إذا ظهر عليه.
انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ١/٤٨٧.
120 جامع البيان، الطبري ٩/٢٢٤-٢٢٦ بتصرف.
121 المصدر السابق ٢٠/٤٣٩-٤٤٠.
122 المصدر السابق ٢٣/٢٩٧.
123 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٨٩-٤٩٠ بتصرف يسير.
124 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٥٠.
125 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٩٠-٢٩١ بتصرف.
126 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٠٦ بتصرف.
127 جامع البيان، الطبري ١٦/٥٥٧-٥٥٨ بتصرف يسير.
128 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٨٣-٤٨٤ بتصرف يسير.
129 أوم: الأوام، كغرابٍ: العطش، أو حره، يقال: في جوفه أوامٌ وأوارٌ، وهو حرارة العطش.
انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣١/٢٥٣.
130 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١١٦-١١٨ بتصرف.
131 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٩٨-٣٩٩ بتصرف يسير.
132 جامع البيان، الطبري ٧/٣٨٢ بتصرف يسير.