عناصر الموضوع

مفهوم الصبر في القرآن

الصبر في الاستعمال القرآني

الالفاظ ذات الصلة

الأسلوب القرآني في الحث على الصبر

مجالات الصبر ومظاهره

ثمرات الصبر

الصبر

مفهوم الصبر في القرآن

أولًا: المعنى اللغوي:

أَصل الصَبْر في اللغة الحَبْس، وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والمَصبُورة التي نُهِى عنها هي المَحْبُوسَة على المَوْت، وكل ذي روح يُصْبَر حيًا، ثم يُرْمَى حتى يُقْتَل فقد قُتِل صبرًا1.

قال ابن فارس: «الصبر: الصاد والباء والراء أصولٌ ثلاثة: الأول: الحبس، والثاني: أعالي الشيء، والثالث: جنس من الحجارة، وقد اشتق الصبر المراد هنا من المعنى الأول، وهو الحبس، يقال: صبرت نفسي على ذلك الأمر، أي: حبستها»2.

وقال الراغب: «الصبر: الإمساك في ضيق، يقال: صبرت الدابة بمعنى حبستها بلا علف»3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الراغب: «هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه»4.

وقيل: «هو حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش»5.

وقال الجرجاني: «هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله إلا إلى الله»6.

الصبر في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ص ب ر) في القرآن الكريم (١٠٣) مرات 7.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢٢

( ) [النحل:٤٢]

الفعل المضارع

١١

( ) [النساء:٢٥]

فعل الأمر

٢٩

( ) [الأعراف:١٢٨]

المصدر

١٥

( ) [يوسف:١٨]

اسم الفاعل

٢٢

( ) [الكهف:٦٩]

صيغة المبالغة

٤

( ) [إبراهيم:٥]

وجاء الصبر في القرآن على وجهين8:

الأول: حبس النفس: ومنه قوله تعالى: ( ) [ص: ٤٤]. وهو الأعم في القرآن.

الثاني: الجرأة: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٥]. يعني: فما أجرأهم على النار.

الالفاظ ذات الصلة

الحلم:

الحلم لغة:

الأَناة، والتثبُت فِي الأُمور9.

الحلم اصطلاحًا:

ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب10.

الصلة بَين الصَبْر والحلم:

أَن الْحلم هُوَ الْإِمْهَال بِتَأْخِير الْعقَاب الْمُسْتَحق والحلم من الله تعالى من العصاة فِي الدُنْيَا فعل يُنَافِي تَعْجِيل الْعقُوبَة من النِعْمَة والعافية، وَلَا يَصح الْحلم إِلَا مِمَن يقدر على الْعقُوبَة، وَمَا يجْرِي مجْراهَا من التَأْدِيب بِالضَرْبِ 11. أما الصبر فهو حبس النفس عن الجزع والتسخط.

الاحتمال:

الاحتمال لغة:

الِاحْتِمَالُ الْغَضَبُ. يُقَالُ احْتُمِلَ، إِذَا غَضِبَ. واحْتَمَلَهُ الْغَضَبُ، وَأَقَلَهُ الْغَضَبُ، وَذَلِكَ إِذَا أَزْعَجَهُ12.

الاحتمال اصطلاحًا:

إتعاب الْبدن فِي الْحَسَنَات13.

الصلة بَين الصَبْر وَالِاحْتِمَال:

أَن الِاحْتِمَال للشَيْء يُفِيد كظم الغيظ فِيهِ، وَالصَبْر على الشدَة يُفِيد حبس النَفس عن الْمُقَابلَة عَلَيْهِ بالْقَوْل وَالْفِعْل،

وَالصَبْر عَن الشَيْء يُفِيد حبس النَفس عَن فعله 14.

الجزع:

الجزع لغة:

الْجَزَعُ: نَقِيضُ الصَبْرِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمُنَةِ عَنْ حَمْلِ مَا نَزَلَ15.

الجزع اصطلاحًا:

والجزع إِظْهَار مَا يلْحق الْمُصَاب من المضض16.

الصلة بين الصبر والجزع:

الصبر حبس النفس لمصادفة المكروه، وصبر الرجل: حبس نفسه عن إظهار الجزع، والجزع إظهار ما يلحق المصاب من المضض والغم17.

السخط:

السخط لغة:

الْكَرَاهِيَةُ لِلشَيْءِ، وَعَدَمُ الرِضَا بِهِ18.

السخط اصطلاحًا:

الغضب الشديد المقتضي للعقوبة 19.

الصلة بين الصبر والسخط:

الصبر: هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله، أما السخط فهو الغضب الشديد المقتضي للعقوبة، ولا يكون إلا من الكبير على الصغير، يقال: سخط الأمير على الحاجب، ولا يقال: سخط الحاجب على الأمير، والسخط إذا عديته بنفسه؛ فهو خلاف الرضا 20.

الأسلوب القرآني في الحث على الصبر

أولًا: أسلوب الطلب:

ورد الصبر في القرآن بأساليب متنوعة فتارة يكون بأسلوب الأمر الصريح للنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين، وتارة يكون بالنهي عن ضد الصبر:

١. الأمر بالصبر.

ورد في آيات متعددة منها قوله تبارك وتعالى: ( ) [آل عمران: ٢٠٠].

قال الحسن البصري رحمه الله: «أمروا أن يصبروا على دينهم، الذي ارتضاه الله لهم، وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراءَ، ولا لشِدَة ولا لرِخَاء، حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم، وكذلك قال غير واحد من علماء السلف»21، وقال أبو حيان: «ختم الله تعالى هذه السورة بهذه الوصاية، التي جمعت الظهور في الدنيا على العدو، والفوز بنعيم الآخرة، فأمره تعالى بالصبر والمصابرة والرباط، فقيل: اصبروا وصابروا بمعنى واحد للتأكيد، وقال الحسن، وقتادة، والضحاك، وابن جريج: اصبروا على طاعة الله في تكاليفه، وصابروا أعداء الله في الجهاد، ورابطوا في الثغور في سبيل الله، أي: ارتبطوا الخيل كما يرتبطها أعداؤكم، وقال أبي، ومحمد بن كعب القرظي: هي مصابرة وعد الله بالنصر، أي: لا تسأموا وانتظروا الفرج، وقيل: رابطوا، استعدوا للجهاد كما قال: ( ) [الأنفال: ٦٠]»22.

وقال البغوي رحمه الله: «قال الحسن: اصبروا على دينكم، ولا تدعوه لشدة ولا رخاء، وقال قتادة: اصبروا على طاعة الله، وقال الضحاك ومقاتل بن سليمان: على أمر الله، وقال مقاتل بن حيان: على أداء فرائض الله تعالى، وقال زيد بن أسلم: على الجهاد، وقال الكلبي: على البلاء، وصابروا يعني: الكفارَ، ورابطوا يعني: المشركين، قال أبو عبيدة: أي: داوموا واثبتوا، والربطُ الشَدُ، وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيولهم، وهؤلاء خيولهم، ثم قيل: لكل مقيم في ثغر يدفعُ عمن وراءه، وإن لم يكن له مركب»23.

والصبر يدخل تحته أنواع: الصبر على مشقة النظر والاستدلال على الطاعات، وعلى الاحتراز عن المنهيات، وعلى شدائد الدنيا من الفقر، والقحط والخوف، وأما المصابرة فهي تحمل المكاره الواقعة بينه وبين غيره، كتحمل الأخلاق الرديئة من أهله وجيرانه، وترك الانتقام، كقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٩٩].

وإيثار الغير على نفسه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقوله: ( ) [آل عمران: ٢٠٠] من الجناس اللفظي24.

وقال الله تعالى: ( ﯧﯨ ) [الأعراف: ٨٧].

قال الإمام البغوي رحمه الله في قوله: ( ﯧﯨ) [الأعراف: ٨٧]: «بتعذيب المكذبين وإنجاء المصدقين»25.

وقال ابن عاشور رحمه الله: «وحكم الله أريد به حكم في الدنيا، بإظهار أثر غضبه على أحد الفريقين، ورضاه على الذين خالفوهم؛ فيظهر المحق من المبطل، وهذا صدر عن ثقة شعيب عليه السلام بأن الله سيحكم بينه وبين قومه، استنادًا لوعد الله إياه بالنَصْر على قومه، أو لعلمه بسنة الله في رسله ومَن كذبهم، بإخبار الله تعالى إياه بذلك، ولولا ذلك؛ لجاز أن يتأخر الحكم بين الفريقين إلى يوم الحساب، وليس هو المراد من كلامه؛ لأنه لا يناسب قوله: () إذا كان خطابًا للفريقين، فإن كان خطابًا للمؤمنين خاصة؛ صح إرادة الحُكمين جميعًا، وأدْخَل نفسه في المحكوم بينهم بضمير المشاركة؛ لأن الحكم المتعلق بالفريق الذين آمنوا به يعتبر شاملًا له؛ لأنه مؤمن برسالة نفسه، وجملة: ( ) تذييل بالثناء على الله؛ بأن حكمه عَدْل محض، لا يحتمل الظلم عَمدًا ولا خطأ، وغيره من الحاكمين يقع منه أحد الأمرين أو كلاهما»26.

وقال صاحب اللباب: «قوله: () يجوز أن يكون الضمير للمؤمنين من قومه، وأن يكون للكافرين منهم، وأن يكون للفريقين، وهذا هو الظاهر أمر المؤمنين بالصبر ليحصل لهم الظفر والغلبة، والكافرون مأمورون به لينصر الله عليهم المؤمنين لقوله: ( ) [الطور: ٣١]. أو على سبيل التنازل معهم أي: اصبروا؛ فستعلمون من ينتصر، ومن يغلب مع علمه بأن الغلبة له»27.

والشوكاني رحمه الله يرى أن هذا من باب التهديد والوعيد الشديد لهم، وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر، وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ومثله قوله تعالى: ( ) [التوبة: ٥٢]28.

وقال الله تعالى: ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

يخبر الله تبارك وتعالى في هذه الآية بأن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام خاطب قومه بهذا الخطاب؛ تطمينًا لقلوبهم، وتعليمًا لهم بنصر الله إياهم؛ لأنه علم ذلك بوحي الله إليه حين توعده فرعون، قال أبو حيان رحمه الله: «لما توعدهم فرعون جزعوا وتضجروا؛ فسكنهم موسى عليه السلام وأمرهم بالاستعانة بالله وبالصبر، وسلاهم، ووعدهم النصر، وذكرهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط، وتوريثهم أرضهم وديارهم، ( ﯗﯘ)»29.

وقال التستري: «أمرهم أن يستعينوا بالله على أمر الله؛ فيقهروا ما فيها، ويستولوا عليها وعلى مخالفتها، وأن يصبروا على ذلك تأدبًا»30.

قال الماوردي رحمه الله: «قوله عز وجل: ( ﮭﮮ) يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه أمرهم بذلك؛ تسلية لهم من وعيد فرعون، كما يقول من نالته شدة: استعنت بالله.

والثاني: أنه موعد منه بأن الله سيعينهم على فرعون إن استعانوا به.

ثم قال: (ﮭﮮ) يحتمل وجهين:

أحدهما: واصبروا على ما أنتم فيه من الشدة طمعًا في ثواب الله.

والثاني: أنه أمرهم بالصبر انتظارًا لنصر الله»31.

وقال الله تعالى: ( ﭘﭙ ﭚﭛ ) [الأنفال: ٤٦].

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربَكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، ولا تختلفوا؛ فتفرقوا، وتختلف قلوبكم () يقول: فتضعفوا وتجبنوا، ( ﭘﭙ)، وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم؛ فتضعفوا ويدخلكم الوهن والخلل، (ﭚﭛ) مع نبي الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوكم، ولا تنهزموا عنه وتتركوه ( )، يقول: اصبروا فإني معكم»32.

وقال القرطبي رحمه الله: «بأن هذا أمر بالصبر، وهو محمود في كل المواطن وخاصة موطن الحرب، كما قال: ( ) [الأنفال: ٤٥]»33.

وفي هذه الآية تعليم من الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، فقال: ( ) [الأنفال: ٤٥]34.

وثبت عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: (يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم؛ فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)35.

وقال ابن كثير رحمه الله: «فأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء، والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا، ولا ينكلوا، ولا يَجْبُنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال، ولا ينسوه، بل يستعينوا به، ويتكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك، فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضًا؛ فيختلفوا؛ فيكون سببًا لتخاذلهم وفشلهم، وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة، والائتمار بأمر الله، وامتثال ما أرشدهم إليه، ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم»36.

وقال الله تعالى: ( ﮋﮌ ﮎﮏ ) [يونس: ١٠٩].

هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك بما أنزل الله عليه، وأوحاه إليه، ويصبر على مخالفة من خالفه من الناس؛ حتى يفتح الله بينه وبينهم، وهو سبحانه خير الفاتحين بعدله وحكمته37.

وقال القرطبي رحمه الله: «معناه اصبر على الطاعة وعن المعصية»38.

وحكم الله في هذه الآية لم يبينه، وقد بينه في آيات كثيرة، قال الشنقيطي رحمه الله: «لم يبين هنا ما حكم الله به بين نبيه وبين أعدائه، وقد بين في آيات كثيرة أنه حكم بنصره عليهم، وإظهار دينه على كل دين، كقوله: ( ) [النصر: ١] إلى آخر السورة.

وقوله: ( ) [الفتح: ١] إلى آخرها.

وقوله: ( ﯴﯵ ) الآية [الرعد: ٤١].

إلى غير ذلك من الآيات»39.

وقال الله تعالى: ( ﮚﮛ ﮤﮥ ﮦﮧ ) [هود: ٤٩].

قال ابن كثير رحمه الله: «فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك، وأذاهم لك، فإنا سننصرك ونحوطك بعنايتنا، ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، كما فعلنا بإخوانك المرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم، ( ﭵﭶ ) [غافر: ٥١-٥٢].

وقال تعالى: ( ) [الصافات: ١٧١-١٧٣].

وقال تعالى: (ﮦﮧ ) [هود: ٤٩]»40.

والأمر بالصبر للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية على القيام بأمر الله، وتبليغ الرسالة، وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح عليه الصلاة والسلام، ووعده بأن عاقبة الصبر هي النصر في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة، وهي أمر لأتباعه صلى الله عليه وسلم خاصة الدعاة إلى الله عز وجل، فإن عليهم أن يقوموا بواجب الدعوة إلى الله عز وجل وتبليغ دينه والعاقبة للمتقين.

قال ابن عطية رحمه الله في قوله: (ﮦﮧ ): «أي: فاجتهد في التبليغ، وجِدَ في الرسالة، واصبر على الشدائد، واعلم أن العاقبة لك، كما كانت لنوح في هذه القصة»41.

وقال الله تعالى: ( ) [هود: ١١٥].

قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: واصبر، يا محمد، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه؛ رجاءَ جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن؛ فأطاع الله، واتبع أمره؛ فيذهب به، بل يوَفره أحوجَ ما يكون إليه»42.

وقال البيضاوي رحمه الله: «()على الطاعات وعن المعاصي، ( ) عدول عن الضمير؛ ليكون كالبرهان على المقصود، ودليلًا على أن الصلاة والصبر إحسان، وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص»43.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «( ) بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيب عظيم للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت»44.

وقال الله تبارك وتعالى: ( ﯳﯴ ) [النحل: ١٢٧].

قال ابن كثير رحمه الله: «قال تعالى: ( ) أي: على من خالفك، لا تحزن عليهم؛ فإن الله قدر ذلك، ( ) أي: غم ( ) أي: مما يجهدون أنفسهم في عداوتك، وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك وناصرك، ومؤيدك، ومظهرك ومُظْفِرك بهم»45.

وقال البغوي رحمه الله في قوله: «( ﯳﯴ) أي: بمعونة الله وتوفيقه، ( ) في إعراضهم عنك، ( ) أي: فيما فعلوا من الأفاعيل»46.

وصرح الله تبارك وتعالى بالأمر بالصبر في هذه الآية لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أولى الناس به لزيادة علمه بالله ووثوقه عليه»47.

ويقول ابن سعدي رحمه الله: «أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إلى الله والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال على النفس، فقال: ( ﯳﯴ) هو الذي يعينك عليه ويثبتك، ( ) إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولًا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئًا، ( ) أي: شدة وحرج ( ) فإن مكرهم عائد إليهم، وأنت من المتقين المحسنين»48.

وقال الله تعالى: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف: ٢٨].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه، ويسألونه بكرة وعشيًا من عباد الله، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، أو أقوياء أو ضعفاء، يقال: إنها نزلت في أشراف قريش، حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه، كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود، وليفرد أولئك بمجلس على حدة، فنهاه الله عن ذلك، فقال: ( ) الآية [الأنعام: ٥٢].

وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء، فقال: ( ) الآية [الكهف: ٢٨]»49.

وقال الشنقيطي رحمه الله: «أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يصبر نفسه، أي: يحبسها مع المؤمنين الذي يدعون ربهم أول النهار وآخره، مخلصين له، لا يريدون بدعائهم إلا رضاه جل وعلا، وقد نزلت هذه الآية الكريمة في فقراء المهاجرين كعمار، وصهيب، وبلال، وابن مسعود ونحوهم، لما أراد صناديد الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه، ويجالسهم بدون حضور أولئك الفقراء المؤمنين، وأن الله كما أمره هنا بأن يصبر نفسه معهم أمره بألا يطردهم، وأنه إذا رآهم يسلم عليهم، وذلك في قوله: ( ) الآية [الأنعام: ٥٢]»50.

وقال الله تعالى: ( ﭘﭙ ) [مريم: ٦٥].

قال الطبري رحمه الله: «وقوله: () يقول: فالزم طاعته، وذل لأمره ونهيه ( ﭘﭙ) يقول: واصبر نفسك على النفوذ لأمره ونهيه، والعمل بطاعته؛ تفز برضاه عنك، فإنه الإله الذي لا مثل له، ولا عدل، ولا شبيه في جوده وكرمه وفضله»51.

وقال القرطبي رحمه الله في قوله: ( ﭘﭙ): «أي: لطاعته، ولا تحزن لتأخير الوحي عنك، بل اشتغل بما أمرت به، وأصل اصطبر: اصتبر؛ فثقل الجمع بين التاء والصاد؛ لاختلافهما؛ فأبدل من التاء طاء»52.

وقال ابن عاشور: «والخطاب في ( ) للنبي صلى الله عليه وسلم، والاصطبار: شدة الصبر على الأمر الشاق؛ لأن صيغة الافتعال ترد لإفادة قوة الفعل، وكان الشأن أن يعدى الاصطبار بحرف على كما قال تعالى: ( ) [طه: ١٣٢].

ولكنه عدي هنا باللام؛ لتضمينه معنى الثبات، أي اثبت للعبادة؛ لأن العبادة مراتب كثيرة من مجاهدة النفس، وقد يغلب بعضها بعض النفوس؛ فتستطيع الصبر على بعض العبادات دون بعض منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء: (هي أثقل صلاة على المنافقين)53، فلذلك لما أمر الله رسوله بالصبر على العبادة كلها، وفيها أصناف جمة تحتاج إلى ثبات العزيمة، نزل القائم بالعبادة منزلة المغالب لنفسه؛ فعدي الفعل باللام كما يقال: اثبت لعداتك»54.

وقال السمرقندي رحمه الله: «() أي: أطعه، ( ﭘﭙ) يعني: احبس نفسك على عبادته»55.

وقال البغوي رحمه الله: «أي: اصبر على أمره ونهيه»56.

وقال القشيري: بأن الاصطبار نهاية الصبر، وأن من صبر ظفر، ومن لازم وصل57.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «( ﭘﭙ) أي: اصبر نفسك عليها وجاهدها، وقم عليها أتم القيام وأكملها، بحسب قدرتك، وفي الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشتهيات»58.

وقال الله تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ) [طه: ١٣٠].

وقال: ( ﭿ ) [ق: ٣٩].

يقول الطبري رحمه الله: «يقول جل ثناؤه لنبيه: () يا محمد على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله من قومك لك إنك ساحر، وإنك مجنون وشاعر ونحو ذلك من القول»59.

وقال القرطبي رحمه الله: «قوله تعالى: ( ﭿ ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أمره بالصبر على ما يقوله المشركون، أي: هَوِنْ أمرهم عليك، وقيل: معناه: فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم: إن الله استراح يوم السبت»60.

وقال أبو حيان رحمه الله: «أمره تعالى بالصبر على ما يقول مشركو قريش، وهم الذين عاد الضمير عليهم في ( ) [طه: ١٢٨].

وكانوا يقولون أشياء قبيحة مما نص الله عنهم في كتابه، فأمره تعالى بالصبر على أذاهم والاحتمال لما يصدر من سوء أخلاقهم، وأمره بالتسبيح والحمد لله، و(ﮋﮌ) في موضع الحال، أي وأنت حامد لربك»61.

قال ابن سعدي رحمه الله: «هذا تسلية للرسول، وتصبير له عن المبادرة إلى إهلاك المكذبين المعرضين، وأن كفرهم وتكذيبهم سبب صالح لحلول العذاب بهم، ولزومه لهم؛ لأن الله جعل العقوبات سببًا وناشئًا عن الذنوب، ملازمًا لها، وهؤلاء قد أتوا بالسبب، ولكن الذي أخره عنهم كلمة ربك، المتضمنة لإمهالهم وتأخيرهم، وضرب الأجل المسمى، فالأجل المسمى ونفوذ كلمة الله، هو الذي أخر عنهم العقوبة إلى إبَان وقتها، ولعلهم يراجعون أمر الله؛ فيتوبَ عليهم، ويرفع عنهم العقوبة، إذا لم تحقَ عليهم الكلمة، ولهذا أمر الله رسوله بالصبر على أذيتهم بالقول، وأمره أن يتعوض عن ذلك، ويستعين عليه بالتسبيح بحمد ربه، في هذه الأوقات الفاضلة، قبل طلوع الشمس وغروبها، وفي أطراف النهار، أوله وآخره، عموم بعد خصوص، وأوقات الليل وساعاته، لعلك إن فعلت ذلك؛ ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل، وليطمئن قلبك، وتقر عينك بعبادة ربك، وتتسلى بها عن أذيتهم؛ فيخف حينئذ عليك الصبر»62.

وقال الله تعالى: ( ﯕﯖ ﯙﯚ ﯜﯝ ) [طه: ١٣٢].

يقول الطبري رحمه الله: «قوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: () يا محمد ( ﯕﯖ) يقول: واصطبر على القيام بها، وأدائها بحدودها أنت ( ﯙﯚ) يقول: لا نسألك مالًا، بل نكلفك عملًا ببدنك، نؤتيك عليه أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا يقول: ( ﯜﯝ) نحن نعطيك المال ونُكْسِبَكَهُ، ولا نسألُكَه، وقوله: ( ) يقول: والعاقبة الصالحة -مِن عملِ كلِ عاملٍ- لأهل التقوى والخشية من الله، دون من لا يخاف له عقابًا، ولا يرجو له ثوابًا»63.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: اسْتَنْقِذْهم من عذاب الله؛ بإقام الصلاة، واصطبر أنت على فعلها، كما قال تعالى: ( ) [التحريم: ٦]»64.

وقد ورد الثناء على إسماعيل عليه الصلاة والسلام لأمره أهله بالصلاة، كما في قوله سبحانه: ( ﭤﭥ ) [مريم: ٥٤-٥٥].

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ينذر عشيرته وقرابته، كما في قوله سبحانه: (ﭿ ) [الشعراء: ٢١٤].

وأمر سبحانه بوقاية النفس والأهل من نار جهنم، فقال: ( ) الآية [التحريم: ٦].

قال ابن كثير رحمه الله: «أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة»65.

وقال البغوي رحمه الله: «( ﯕﯖ) أي اصبر على الصلاة؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر»66.

وقال السمرقندي رحمه الله في قوله: «يعني: اصبر على ما أصابك فيها من الشدة»67.

وقد تقدم كلام ابن عاشور رحمه الله على الآية كما في قوله: ( ﭘﭙ) في سورة مريم.

قال ابن سعدي رحمه الله: «( ﯕﯖ) أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك شاق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائمًا، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال: ( ﯜﯝ) أي: رزقك علينا قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق الله عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: () في الدنيا والآخرة () التي هي فعل المأمور، وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى: ( ) [ القصص: ٨٣]»68.

وقال الله تعالى: ( ﰄﰅ ) [الروم: ٦٠].

وقال: (ﮋﮌ ) [غافر: ٥٥].

( ﯻﯼ ﯿ ) [غافر: ٧٧].

قال الطبري رحمه الله: «وقوله: ( ﰄﰅ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد لأمر ربك، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة، وبلِغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك، ونصرة من صدقك وآمن بك، على من كذبك، وأنكر ما جئته به من عند ربك، وإن وعد الله حق لا خلف له، وهو منجز له ( ) يقول: وسله غفران ذنوبك، وعفوه لك عنها، ( ) يقول: وصل بالشكر منك لربك () وذلك من زوال الشمس إلى الليل () وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى، وخروج وقت الضحى، والمعروف عند العرب القول الأول»69.

وقال رحمه الله: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد على ما يجادلك به هؤلاء المشركون في آيات الله التي أنزلناها عليك، وعلى تكذيبهم إياك، فإن الله منجِز لك فيهم ما وعدك من الظفر عليهم، والعلو عليهم، وإحلال العقاب بهم، كسنتنا في موسى بن عمران ومن كذبه ( ﯿ )، يقول جل ثناؤه: فإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين، من العذاب والنقمة أن يحل بهم ( ) قبل أن يَحِلَ ذلك بهم ( ) يقول: فإلينا مصيرك ومصيرهم؛ فنحكم عند ذلك بينك وبينهم بالحق بتخليدنا هم في النار، وأكرمناك بجوارنا في جنات النعيم»70.

وقال ابن كثير رحمه الله: «أي: اصبر على مخالفتهم وعنادهم، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك، وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة»71.

وقال القرطبي رحمه الله في قوله: ( ﰄﰅ): «أي: اصبر على أذاهم فإن الله ينصرك ( ) أي: لا يستفزنك عن دينك، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته يقال: استخف فلان فلانا أي: استجهله حتى حمله على اتباعه في الغي، وهو في موضع جزم بالنهي، أكد بالنون الثقيلة؛ فبني على الفتح، كما يبنى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الآخر»72.

وحذف متعلق الأمر بالصبر لدلالة المقام عليه، أي اصبر على تعنتهم، وجملة ( ﰄﰅ) تعليل للأمر بالصبر، وهو تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم بتحقيق وعد الله من الانتقام من المكذبين ومن نصر الرسول عليه الصلاة والسلام، والحق: مصدر حَقَ يَحِق بمعنى ثبت، فالحق: الثابت الذي لا ريب فيه ولا مبالغة، والاستخفاف: مبالغة في جعله خفيفًا، فالسين والتاء للتقوية مثلها في نحو: استجاب واستمسك، وهو ضد الصبر.

والمعنى: لا يحملنك على ترك الصبر، والخفة مستعارة لحالة الجزع وظهور آثار الغضب»73.

وقال الشوكاني رحمه الله: «ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على الأذى فقال: ( ﰄﰅ) أي: اصبر على أذى المشركين كما صبر من قبلك من الرسل؛ إن وعد الله الذي وعد به رسله حق لا خلف فيه، ولا شك في وقوعه كما في قوله: ( ) [غافر: ٥١].

وقوله: ( ) [الصافات: ١٧١-١٧٣]»74.

وقال الله تعالى: ( ﯯﯰ ) [لقمان: ١٧].

قال الطبري رحمه الله: «( ﯯﯰ) يقول: واصبر على ما أصابك من الناس في ذات الله، إذا أنت أمرتهم بالمعروف، ونهيتهم عن المنكر، ولا يصدنك عن ذلك ما نالك منهم ( ) يقول: إن ذلك مما أمر الله به من الأمور عزما منه»75.

وقال القرطبي رحمه الله في هذه الآية ثلاث مسائل: «الثانية: قوله تعالى: ( ﯯﯰ) يقتضي حضًا على تغيير المنكر -وإن نالك ضرر-، فهو إشعار بأن المغير يؤذى أحيانًا، وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله، وأما على اللزوم، فلا، وقيل: أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل، وهذا قول حسن؛ لأنه يعم، الثالثة: قوله تعالى: ( ) قال ابن عباس: من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره، وقيل: إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من عزم الأمور، أي: مما عزمه الله، وأمر به، قاله ابن جريج، ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، وقول ابن جريج أصوب»76.

وقال البغوي رحمه الله: «( ﯯﯰ) يعني من الأذى، ( ) يريد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى فيهما، من الأمور الواجبة التي أمر الله بها، أو من الأمور التي يُعْزم عليها لوجوبها»77.

وقال الماوردي في قوله تعالى: ( ﯯﯰ): «يحتمل وجهين:

أحدهما: على ما أصابك من الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثاني: على ما أصابك من البلوى في نفسك أو مالك.

( ) فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: ما أمر الله به من الأمور.

الثاني: من ضبط الأمور، قاله المفضل.

الثالث: من قطع الأمور»78.

وقال الله تعالى: (ﭿ ﮆﮇ ) [ص: ٦].

قال البغوي رحمه الله: «أي: انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب، يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على آلهتكم، أي: اثبتوا على عبادة آلهتكم، ( ) أي: لأمر يراد بنا، وذلك أن عمر لما أسلم وحصل للمسلمين قوة بمكانه قالوا: إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لشيء يراد بنا»79.

وقال الماوردي رحمه الله في قوله: ( ﮆﮇ): «فيه وجهان:

أحدهما: اتركوه واعبدوا آلهتكم.

الثاني: امضوا على أمركم في المعاندة، واصبروا على آلهتكم في العبادة، والعرب تقول: امش على هذا الأمر، أي: امض عليه والزمه»80.

وقال القاسمي رحمه الله في هذه الآية: «(ﭿ ) أي: الأشراف من قريش يحضون بعضهم على التمسك بالوثنية، ويتواصون بالصبر على طغيانهم قائلين: ( ) أي: في طريق آبائكم: ( ﮆﮇ) أي: عبادتها مهما سمعتم من تسفيه أحلامنا، وتفنيد مزاعمنا: ( ) تعليل للأمر بالصبر؛ أي: يراد منا إمضاؤه وتفنيده لا محالة؛ أي: يريده محمد من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، لا قول يقال من طرف اللسان، أو المعنى: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد منا، أي: بنا، فلا انفكاك لنا عنه، وما لنا إلا الاعتصام عليه بالصبر»81.

وقال ابن سعدي رحمه الله في قوله: ( ﮆﮇ) «أي: استمروا عليها، وجاهدوا نفوسكم في الصبر عليها وعلى عبادتها، ولا يردكم عنها راد، ولا يصدنكم عن عبادتها صاد»82.

وقال الله تعالى: ( ﭙﭚ ) [ص: ١٧].

وقال في آية أخرى: ( ) [المزمل: ١٠].

قال الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك، ثم جاعلو العلو والرفعة والظَفَر لك على من كذبك وشاقك، سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك، فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا، فاذكره ذا الأيد، ويعني بقوله: ( ﭙﭚ) ذا القوة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته»83.

وقال القرطبي رحمه الله: «قوله تعالى: ( ﭙﭚ) لما ذكر من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم، أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر على أذاهم، وسلاه بكل ما تقدم ذكره، ثم أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء؛ ليتسلى بصبر من صبر منهم، وليعلم أن له في الآخرة أضعاف ما أُعْطَيه داود وغيره من الأنبياء، وقيل: المعنى اصبر على قولهم، واذكر لهم أقاصيص الأنبياء، لتكون برهانًا على صحة نبوتك»84.

أمر الله تبارك وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره بأن يقتدي في الصبر على طاعة الله بداود وذلك تشريف عظيم وإكرام لداود، حيث أمر الله أفضل الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي به في مكارم الأخلاق»85.

وقال الله تعالى: ( ﯳﯴ ﯿﰀ ﰁﰂ ) [الأحقاف: ٣٥].

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما لقيه منهم من أذى، وضرب له المثل بالرسل أولي العزم، ويجوز أن تكون الفاء فصيحة، والتقدير: فإذا علمت ما كان من الأمم السابقة وعلمت كيف انتقمنا منهم وانتصرنا برسلنا فاصبر كما صبروا86.

وقال الخازن رحمه الله: «قوله تعالى: ( ﯳﯴ) يعني اصبر على أذاهم، لا تستعجل بنزول العذاب عليهم؛ فإنه نازل بهم لا محالة كأنه صلى الله عليه وسلم ضجر بعض الضجر؛ فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم، فأمره الله تعالى بالصبر وترك الاستعجال، ثم أخبر بقرب العذاب، فقال تعالى: ( ) يعني من العذاب في الآخرة ( ) يعني يفي الدنيا، ( ﯿﰀ) يعني أنتهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم»87.

والفاء في قوله: () الفصيحة؛ لأنها جواب شرط مقدر، أي: إذا كانت عاقبة الكفار ما ذكر؛ فاصبر على أذاهم، واصبر فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر تقديره أنت، وكما صبر في محل نصب مفعول مطلق، أو حال، وأولو العزم فاعل صبر، ومن الرسل حال88.

وقال الله تعالى: (ﯿ ﰃﰄ ) [الطور: ٤٨].

وقال سبحانه: ( ) [الإنسان: ٢٤].

وقال الله تعالى: (ﭿ ) [القلم: ٤٨].

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن، وهذا الدين، وامض لما أمرك به ربك، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك، وأذاهم لك»89.

وقال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى ممتنًا على رسوله صلى الله عليه وسلم بما نزله عليه من القرآن العظيم تنزيلًا: (ﭿ ) أي: كما أكرمتُكَ بما أنزلتُ عليك، فاصبر على قضائه وقَدَره، واعلم أنه سَيُدَبرك بحسن تدبيره، ( ) أي: لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صَدك عما أنزل إليك، بل بَلِغ ما أنزل إليك من ربك، وتوكل على الله؛ فإن الله يعصمك من الناس، فالآثم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر بقلبه»90.

وقال القرطبي رحمه الله: «قوله تعالى: ( ) أي: لقضاء ربك، والحكم هنا القضاء، وقيل: فاصبر على ما حكم به عليك ربك من تبليغ الرسالة، وقال ابن بحر: فاصبر لنصر ربك، قال قتادة: أي: لا تعجل ولا تغاضب، فلا بد من نصرك، وقيل: إنه منسوخ بآية السيف»91.

وقال الخازن رحمه الله في قوله: ( ): «أي: لعبادته فهي من الحكمة المحضة، وقيل: معناه فاصبر لحكم ربك في تأخير الإذن في القتال، وقيل: هو عام في جميع التكاليف، أي: فاصبر لحكم ربك في كل ما حكم الله به، سواء كان تكليفًا خاصًا كالعبادات والطاعات، أو عامًا متعلقًا بالغير كالتبليغ، وأداء الرسالة وتحمل المشاق وغير ذلك»92.

وقال الرازي رحمه الله: «ثم إنه تعالى لما بالغ في تزييف طريقة الكفار، وفي زجرهم عما هم عليه قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: ( ) وفيه وجهان: الأول: ( ) في إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم، والثاني: ( ) في أن أوجب عليك التبليغ والوحي، وأداء الرسالة وتحمل ما يحصل بسبب ذلك من الأذى والمحنة»93.

قال ابن سعدي رحمه الله في قوله: ( ): «أي: لما حكم به شرعًا وقدرًا، فالحكم القدري، يصبر على المؤذي منه، ولا يتلقى بالسخط والجزع، والحكم الشرعي، يقابل بالقبول والتسليم، والانقياد التام لأمره»94.

قال الله تعالى: ( ) [القمر: ٢٧].

قال القرطبي رحمه الله في قوله: (): «أي: اصبر على أذاهم، وأصل الطاء في اصطبر تاء؛ فتحولت طاء؛ لتكون موافقة للصاد في الإطباق»95.

وقال ابن كثير رحمه الله: «ثم قال آمرا لعبده ورسوله صالح: ( ) أي: انتظر ما يؤول إليه أمرهم، واصبر عليهم؛ فإن العاقبة لك، والنصر لك في الدنيا والآخرة»96.

وقال ابن القيم رحمه الله: «الاصطبار وهو التلذذ بالبلوى، والاستبشار باختيار المولى، وهذا هو الصبر على الله، وهو صبر العارفين، فيقال: الاصطبار افتعال من الصبر، كالاكتساب والاتخاذ، وهو مُشْعِر بزيادة المعنى على الصبر، كأنه صار سجية وملكة، فإن هذا البناء مؤذن بالاتخاذ والاكتساب.

قال تعالى: ( ) فالاصطبار أبلغ من الصبر، كما أن الاكتساب أبلغ من الكسب؛ ولهذا كان في العمل الذي يكون على صاحبه، والكسب فيما له، قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٨٦] تنبيهًا على أن الثواب يحصل لها بأدنى سعي وكسب، وأن العقاب إنما هو باكتسابها وتصرفها، وما تعانيه، وإذا علم هذا؛ فالتلذذ بالبلوى والاستبشار باختيار الله سبحانه لا يخص الاصطبار، بل يكون مع الصبر، ومع التصبر ولكن لما كان الاصطبار أبلغ من الصبر وأقوى؛ كان بهذا التلذذ والاستبشار أولى والله أعلم»97.

وقال الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «والاصطبار: الصبر القوي، وهو كالارتقاب أيضًا أقوى دلالة من الصبر، أي: اصبر صبرًا لا يعتريه ملل ولا ضجر، أي: اصبر على تكذيبهم ولا تيأس من النصر عليهم، وحذف متعلق () ،ليعم كل حال تستدعي الضجر، والتقديرُ: واصطبر على أذاهم، وعلى ما تجده في نفسك من انتظار النصر»98.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «أي: اصبر على دعوتك إياهم، وارتقب ما يحل بهم، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون؟»99.

وقال الله تعالى: ( ) [المعارج: ٥].

قال الطبري رحمه الله في قوله: ( ): «يعني: صبرًا لا جزع فيه، يقول له: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة»100.

وقال ابن كثير رحمه الله: «قوله: ( ) أي: اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه، كقوله: ( ﭶﭷ ) [الشورى: ١٨]»101.

قوله تعالى: ( ) أي: على أذى قومك، والصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه، ولا شكوى لغير الله، وقيل: هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى من هو، والمعنى متقارب102، وقيل: بأن الأمر بالصبر في الآية قبل أن يؤمر بالقتال»103.

وقال الثعالبي رحمه الله: «والصبرُ الجميلُ الذي لا يَلْحَقُه عَيْبٌ ولا شَكٌ ولا قِلَةُ رِضى، ولا غيرُ ذلك، والأمْرُ بالصبرِ الجميلِ مُحْكَمٌ في كل حالة، أعني: لاَ نَسْخَ فيه»104.

وقال الماوردي رحمه الله: «( ) فيه أربعة تأويلات:

أحدها: أنه الصبر الذي ليس فيه جزع، قاله مجاهد.

الثاني: أنه الصبر الذي لا بثَ فيه ولا شكوى.

الثالث: أنه الانتظار من غير استعجال، قاله ابن بحر.

الرابع: أنه المجاملة في الظاهر، قاله الحسن.

وفيما أُمر بالصبر عليه قولان:

أحدهما: أُمر بالصبر على ما قذفه المشركون من أنه مجنون، وأنه ساحر، وأنه شاعر، قاله الحسن.

الثاني: أنه أُمر بالصبر على كفرهم، وذلك قبل أن يفرض جهادهم، قاله ابن زيد»105.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «وقوله: ( ) أي: اصبر على دعوتك لقومك صبرًا جميلًا لا تَضَجُرَ فيه ولا ملل، بل استمر على أمر الله، وادع عباده إلى توحيده، ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم، وعدم رغبتهم؛ فإن في الصبر على ذلك خيرًا كثيرًا»106.

وقال الله تعالى: ( ) [المدثر: ٧].

قال ابن كثير رحمه الله: «وقوله: ( ) أي: اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل، قاله مجاهد، وقال إبراهيم النخعي: اصبر عطيتك لله تعالى»107.

وقال القرطبي رحمه الله: «أي: ولسيدك ومالكك فاصبر على أداء فرائضه وعبادته، وقال مجاهد: على ما أوذيت، وقال ابن زيد: حملت أمرا عظيمًا، محاربة العرب والعجم؛ فاصبر عليه لله، وقيل: فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله تعالى، وقيل: فاصبر على البلوى؛ لأنه يمتحن أولياءه وأصفياءه، وقيل: على أوامره ونواهيه، وقيل: على فراق الأهل والأوطان»108.

ويقول الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «ويعدى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف «على»، يقال: صبر على الأذى، ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق؛ فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام، ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين، فلا يقال: اصبر على الله، ويقال: اصبر على حكم الله، أو لحكم الله، فيجوز أن تكون اللام في قوله: () لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف، أي اصبر لأمره وتكاليف وحيه، كما قال: (ﯿ ﰃﰄ) [الطور: ٤٨].

وقوله: ( ) [الإنسان: ٢٤].

فيناسب نداءه بـ ( ) [المدثر: ١]؛ لأنه تدثر من شدة وقع رؤية الملك، وترك ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب.

ويجوز أن تكون اللام للتعليل، وحذف متعلق فعل الصبر، أي: اصبر لأجل ربك على كل ما يشق عليك.

وتقديم () على ()، للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة، وجعل بعضهم اللام في () لام التعليل، أي: اصبر على أذاهم لأجله، فيكون في معنى: إنه يصبر توكلًا على أن الله يتولى جزاءهم، وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين»109.

وقال الماوردي رحمه الله في قوله: ( ): «أما قوله: () ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: لأمر ربك.

الثاني: لوعد ربك.

الثالث: لوجه ربك.

وفي قوله: () سبعة تأويلات:

أحدها: () على ما لاقيت من الأذى والمكروه قاله مجاهد.

الثاني: على محاربة العرب ثم العجم، قاله ابن زيد.

الثالث: على الحق، فلا يكن أحد أفضل عندك فيه من أحد، قاله السدي.

الرابع: فاصْبِرْ على عطيتك لله، قاله إبراهيم.

الخامس: فاصْبِرْ على الوعظ لوجه الله، قاله عطاء.

السادس: على انتظام ثواب عملك من الله تعالى، وهو معنى قول ابن شجرة.

السابع: على ما أمرك الله من أداء الرسالة، وتعليم الدين، حكاه ابن عيسى»110.

وقال السمرقندي رحمه الله: «قوله تعالى: ( ) يعني: اصبر على أمر ربك، قال إبراهيم النخعي: اصبر لعظمة ربك، وقال مقاتل: ( ) يعني يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليصبر على أذاهم، ويقال: فاصبر نفسك في عبادة ربك ( ) [المدثر: ٨]. يعني اصبر فعن قريب ينفخ في الصور»111.

وقال الشوكاني رحمه الله في قوله: ( ): «أي: لوجه ربك فاصبر على طاعته وفرائضه، والمعنى: لأجل ربك وثوابه، وقال مقاتل ومجاهد: اصبر على الأذى والتكذيب، وقال ابن زيد: حملت أمرًا عظيمًا، فحاربتك العرب والعجم؛ فاصبر عليه لله، وقيل: اصبر تحت موارده القضاء لله، وقيل: فاصبر على البلوى، وقيل: على الأوامر والنواهي»112.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «( ) أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى؛ فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه؛ فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله من الأصنام وأهلها، والشر وأهله، وله المنة على الناس بعد منة الله، من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورًا، وصبر لله أكمل صبر، فصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله المؤلمة، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين»113.

فالأمر بالصبر في القرآن يأتي بصيغة المفرد و بصيغة الجمع، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، فنصبر لأمر الله لنا، ونصبر لوعد الله لنا، ونصبر مخلصين بصبرنا لله تبارك وتعالى، نصبر على فعل الطاعة وعن اجتناب المعاصي والسيئات، وعلى أقدار الله تبارك وتعالى، وعلى كل بلاء؛ لننال ما وُعد الصابرين من الثواب العظيم.

٢. النهي عن ضد الصبر.

فكما أن الله تبارك وتعالى أمر بالصبر في القرآن فإنه نهى عن ضده، ومن ذلك فإنه تبارك وتعالى نهى عن الجبن عند مواجهة الأعداء، ومقارعتهم في ساحة الوغى، فقال: ( ) [الأنفال: ١٥].

بمعنى: أنكم إذا تقاربتم، فثبتوا واصبروا وإياكم أن تفروا، ثم قال متوعدًا من لم يصبر وفرَ من الزحف بالنار فقال بعدها: ( ﯶﯷ )، وتكفل لهم سبحانه بالنصر والتثبيت قال تعالى: ( ) [محمد: ٧].

وقال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الحج: ٤٠].

ونهى سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستعجال بعد أن أمره بالصبر فقال: ( ) [الأحقاف: ٣٥].

فدل على أن الاستعجال هو ضد الصبر.

ونهى سبحانه وتعالى عن الجزع والهلع عند إصابة الإنسان بالشر كما في قوله: ( ) [المعارج: ٢٠].

وقال ابن منظور رحمه الله مبينًا معنى الجزع: «الجَزُوع ضد الصَبُورِ على الشرِ، والجَزَعُ نَقِيضُ الصَبْرِ، جَزِعَ بالكسر يَجْزَعُ جَزَعًا فهو جازع، وجَزِعٌ وجَزُعٌ وجَزُوعٌ، وقيل: إِذا كثر منه الجَزَعُ فهو جَزُوعٌ وجُزاعٌ»114.

وفي مختار الصحاح: والجَزَعُ ضد الصبر115.

وقال الزبيدي رحمه الله مبينًا معنى الهلوع: «وفي التنزيل قوله تعالى: ( ) [المعارج: ١٩].

واختلف في تفسير الهلوع فقيل: هو من يجزع ويفزع من الشر، وقيل: هو الذي يحرص، ويشح على المال، وقال معمر والحسن: هو الشره، أو الضجور، قاله الفراء، قال: وصفته كما قال الله تعالى: ( ) [المعارج: ٢٠-٢١].

فهذه صفته، وقيل: هو الذي لا يصبر على المصائب، وقال ابن بَرِي: قال أبو العباس المبرد: رجل هلوع: إذا كان لا يصبر على خير ولا شر؛ حتى يفعل في كل واحد منهما غير الحق، وأورد الآية»116.

ومما يضاد الصبر وينافيه الغضب كما في قوله تعالى عن يونس عليه السلام عندما خرج مفارقًا لقومه غاضبًا عليهم: ( ) [الأنبياء: ٨٧].

وقال ناهيًا عن فعل مثل فعله: (ﭿ ) [القلم: ٤٨].

وقال الشنقيطي رحمه الله: «وآية القلم المذكورة تدل على أن نبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عجل بالذهاب، ومغاضبة قومه، ولم يصبر الصبر اللازم بدليل قوله مخاطبًا نبينا صلى الله عليه وسلم فيها: (ﭿ ) الآية، فإن أمره لنبينا صلى الله عليه وسلم بالصبر ونهيه إياه أن يكون كصاحب الحوت دليل على أن صاحب الحوت لم يصبر كما ينبغي»117.

فالصبر في القرآن الكريم إما أن يأتي بالأمر بالصريح للمفرد أو للجمع، فاصبر أو فاصبروا، أو يأتي بالنهي عن ضد الصبر، كالنهي عن الاستعجال أو الهلع والجزع، ذلك لأن الصبر هو حبس النفس، والاستعجال والهلع والجزع ينافي ذلك، والنهي عند ضد الصبر هو أمر بالصبر.

ثانيًا: الثناء على الصابرين:

إن أي عمل أو خلق لا يخلو صاحبه من أمرين: إما أن يمدح ويثنى عليه، إن كان عمله أو خلقه يستحق الثناء والمدح، وذلك بأن يكون حسنًا، أو يذم ويقبح، وما ذلك إلا لسوء عمله أو سوء خلقه، وخلق الصبر من الأخلاق النبيلة الفاضلة التي يستحق المتخلق بها الثناء عليه ومدحه في الحياة الدنيا بين الناس.

بل وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم في كتابه الكريم ومدحهم في آيات متعددة تتلى إلى يوم القيامة، فمن ذلك:

الثناء عليهم بصبرهم في حال الفقر وحين البأس وحال المرض:

أثنى الله عليهم كما في قوله تعالى: ( ﭿﮀ ﮃﮄ ) [البقرة: ١٧٧].

قال ابن كثير رحمه الله: «وقوله: ( ﭿﮀ) أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء، ( ﭿﮀ) أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومُرة الهمداني، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك، والضحاك، وغيرهم.

وإنما نُصِبَ () على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال؛ لشدته وصعوبته، والله أعلم، وهو المستعان وعليه التكلان، وقوله: ( ﮃﮄ) أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صَدَقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا ( )؛ لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات»118.

وقال الله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٦-١٧].

قال ابن كثير رحمه الله: «() أَيْ: فِي قِيَامِهِمْ بِالطَاعَاتِ، وَتَرْكِهِمُ الْمُحَرَمَاتِ»119.

وقال الماوردي رحمه الله: «قوله عز وجل: () فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: الصابرين عما نهوا عنه من المعاصي.

والثاني: يعني في المصائب.

والثالث: الصائمين.

ويحتمل رابعًا: الصابرين عما زُيِن للناس من حب الشهوات»120.

وقال الله تعالى: ( ) [الحج: ٣٤-٣٥].

يأمر الله تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبشر المخبتين، والمخبتون: هم المطمئنون الراضون بقضاء الله وقدره، والمستسلمون له تعالى 121.

ثم أثنى عليهم بذكر أوصافهم وجعل من صفاتهم أنهم صابرون على ما أصابهم من المصائب والأقدار المؤلمة، وعلى طاعة الله تبارك وتعالى، وعن معصية الله تعالى.

الثناء عليهم بصبرهم على البلاء:

أثنى الله تبارك وتعالى عليهم على الصبر على البلاء، وبشرهم ببشرى فقال: ( ﭩﭪ ) [البقرة: ١٥٥-١٥٦].

ثم قال مبينًا مالهم: ( ﭾﭿ ) [البقرة: ١٥٧].

وأثنى الله تبارك وتعالى على نبيه أيوب عليه السلام على صبره على ما ابتلاه الله تبارك وتعالى كما في قوله سبحانه: ( ﭢﭣ ﭦﭧ ﭩﭪ ) [ص: ٤٤].

الثناء عليهم بصبرهم على الأذى، والشدائد:

قال الله تبارك وتعالى في وصفهم عباده المؤمنين: ( ) [النحل: ٤٢].

قال ابن كثير رحمه الله: «أي: صبروا على الأذى من قومهم، متوكلين على الله الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة»122.

ويقول الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، وآتيناهم الثواب الذي ذكرناه، الذين صيروا في الله على ما نابهم في الدنيا ( ) يقول: وبالله يثقون في أمورهم، و إليه يستندون في نوائب الأمور التي تنوبهم»123.

وقال الخازن: «( ) على الشدائد، ولم يتركوا دينهم لشدةٍ لحقتهم، وقيل: صبروا على الهجرة ومفارقة الأوطان، وعلى أذى المشركين، وعلى المحن والمصائب، وعلى الطاعات، وعن المعاصي، ( ) أي: يعتمدون على الله في جميع أمورهم»124.

ويقول ابن سعدي رحمه الله: «ثم ذكر وصف أوليائه فقال: ( ) على أوامر الله وعن نواهيه، وعلى أقدار الله المؤلمة، وعلى الأذية فيه والمحن ( ) أي: يعتمدون عليه في تنفيذ محابه، لا على أنفسهم، وبذلك تنجح أمورهم، وتستقيم أحوالهم؛ فإن الصبر والتوكل ملاك الأمور كلها، فما فات أحدًا شيء من الخير إلا لعدم صبره، وبذل جهده فيما أريد منه، أو لعدم توكله واعتماده على الله»125.

فعلى الإنسان أن يتحلى بهذا الخلق العظيم؛ ليكون داخلًا في هذا الثناء العظيم من رب كريم، صبر على طاعة الله تبارك وتعالى وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.

ثالثًا: بيان العاقبة الحسنة للصابرين:

إن المتأمل في الكون يلحظ أن لكل شيء نهاية، ولكل شيء عاقبة، والعاقبة قد تكون حسنة مُسرة لصاحبها، وقد تكون سيئة مُحزنة لصاحبها، وفيما يلي سنذكر -بعون الله لنا- العاقبة الحسنة للصابرين، والإنسان في هذه الحياة معَرض للبِلَى والمصائب والمحن، فإن صبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى المكارة والأقدار؛ فإن عاقبة الصبر تكون حسنة، والصبر صعب لا يستطيع الإنسان عليه إلا بمجاهدة نفسه عليه، والطلب من الله تبارك وتعالى التوفيق له والإعانة.

ومن ذلك: قول الله سبحانه وتعالى: ( ﯧﯨ ﯯﯰ ) [آل عمران: ١٢٠].

يخبر الله تبارك وتعالى في هذه الآية بأن من صبر واتقى الله تبارك وتعالى؛ فإن عاقبة ذلك عدم مقدرة عدوهم الإضرار بهم، وأخبرهم بأنه بما يعملون محيط، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب، ونصر وتأييد، وكثروا وعز أنصارهم؛ ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سَنَة -أي: جَدْب-أو أُديل عليهم الأعداء، لما لله في ذلك من الحكمة، كما جرى يوم أُحُد؛ فَرح المنافقون بذلك، قال الله تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين: ( ﯯﯰ ) يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكَيْدِ الفُجار، باستعمال الصبر والتقوى، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم، فلا حول ولا قوة لهم إلا به، وهو الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته، ومن توكل عليه كفاه»126.

ثم قال تبارك وتعالى في آية أخرى: ( ) [آل عمران: ١٨٦].

وقال: ( ﯿ ) [الشورى: ٤٣].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى للمؤمنين عند مَقْدمهم المدينَة قبل وقعة بدر، مسليًا لهم عما نالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين، وآمرًا لهم بالصبر والصفح والعفو؛ حتى يفرج الله، فقال: ( )»127.

وقد قيل: «الصبر مفتاح الفرج».

وأخبر الله أن العُسر يعقبه يُسر كما في قوله: ( ) [الشرح: ٥].

ثم أكد ذلك بأداة التوكيد «إن» فقال: ( ) [الشرح: ٦].

قال الشنقيطي رحمه الله: «ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم، وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين، وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله؛ فإن صبرهم وتقاهم ( )، أي: من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها.

وقد بين في موضع آخر أن من جملة هذا البلاء: الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله: ( )، وذلك الموضع هو قوله تعالى: ( ﭩﭪ ﭾﭿ ) [البقرة: ١٥٥-١٥٧].

وبقوله: ( ﭤﭥ ) [التغابن: ١١].

ويدخل في قوله: ( ) الصبر عند الصدمة الأولى، بل فسره بخصوص ذلك بعض العلماء، ويدل على دخوله فيه قوله قبله: ( ﭤﭥ).

وبين في موضع آخر أن خصلة الصبر لا يعطاها إلا صاحب حظ عظيم، وبخت كبير، وهو قوله: ( ) [فصلت: ٣٥].

وبين في موضع آخر أن جزاء الصبر لا حساب له، وهو قوله: ( ) [الزمر: ١٠]»128.

ومنها: قوله تبارك وتعالى: ( ﯮﯯ ﯳﯴ ) [الأنعام: ٣٤].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمر له بالصبر، كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة؛ ولهذا قال: ( ﯳﯴ) أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين»129.

ومنها: قول الله تعالى: ( ) [هود: ١١].

بيَن الله سبحانه في هذه الآية عاقبة الصابرين في الشدائد والمكاره، والعاملين لصالحات في الرخاء والعافية بأن لهم مغفرة من الله بما يصيبهم من الضراء، ( ) بما أسلفوه في الرخاء130.

وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كما في حديث: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولاسقم ولاحزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته)131.

وحديث: (فصبر كان خيرًا له)132.

ومنها: قوله تعالى: ( ﮚﮛ ﮤﮥ ﮦﮧ ) [هود: ٤٩].

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «إن الخير من عواقب الأمور لمن اتقى الله، فأدَى فرائضه، واجتنب معاصيه، فهم الفائزون بما يؤمِلون من النعيم في الآخرة، والظفر في الدنيا بالطلبة، كما كانت عاقبة نوح إذ صبر لأمر الله، أنْ نجَاه من الهلكة مع من آمن به، وأعطاه في الآخرة ما أعطاه من الكرامة، وغرَق المكذبين به فأهلكهم جميعهم»133.

ومنها: قوله تبارك وتعالى: ( ) [يوسف: ٩٠].

أخبر الله تبارك وتعالى أن من يتق فعل ما حرم الله عليه، ويصبر على المصائب والأقدار والطاعات؛ فإن هذا من الإحسان وأن الله لا يضيع أجر المحسنين.

ومنها: قوله تبارك وتعالى: ( ﮡﮢ ) [الرعد: ٢٤].

قال ابن سعدي رحمه الله: «أي: حلت عليكم السلامة، والتحية من الله، وحصلت لكم، وذلك متضمن لزوال كل مكروه، ومستلزم لحصول كل محبوب، ( ﮡﮢ) أي: صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية، والجنان الغالية، ( )»134.

وأخبر سبحانه أنه تعالى يغفر لمن ابتلاه فصبر، فقال: ( ) [النحل: ١١٠].

قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: «أي: ثم إن ربك الذي ربى عباده المخلصين بلطفه وإحسانه؛ لغفور رحيم لمن هاجر في سبيله، وخلى دياره وأمواله؛ طلبًا لمرضاة الله، وفتن على دينه؛ ليرجع إلى الكفر، فثبت على الإيمان، وتخلص ما معه من اليقين، ثم جاهد أعداء الله؛ ليدخلهم في دين الله بلسانه ويده، وصبر على هذه العبادات الشاقة على أكثر الناس، فهذه أكبر الأسباب التي تنال بها أعظم العطايا وأفضل المواهب، وهي مغفرة الله للذنوب صغارها وكبارها، المتضمن ذلك زوال كل أمر مكروه، ورحمته العظيمة التي بها صلحت أحوالهم، واستقامت أمور دينهم ودنياهم، فلهم الرحمة من الله في يوم القيامة»135.

ومنها: قوله سبحانه وتعالى: ( ﯧﯨ ) [النحل: ١٢٦].

وقال الشنقيطي رحمه الله: «الأمر في قوله: ( ﯧﯨ) للجواز، والله لا يأمر إلا بحسن؛ فدل ذلك على أن الانتقام حسن، ولكن الله بين أن العفو والصبر خير منه وأحسن في قوله: ( ).

وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، كقوله تعالى في إباحة الانتقام: ( ) [الشورى: ٤١].

مع أنه بين أن الصبر والغفران خير منه، في قوله بعده: ( ﯿ ).

وكقوله في جواز الانتقام: ( ) [النساء: ١٤٨].

مع أنه أشار إلى أن العفو خير منه»136.

ومنها: قول الله تبارك وتعالى: ( ﮋﮌ ) [المؤمنون: ١١١].

قال ابن كثير رحمه الله: «أخبر عما جازى به أولياءه، وعباده الصالحين، فقال: ( ﮋﮌ ) أي: على أذاكم لهم واستهزائكم منهم، ( ) أي: جعلتهم هم الفائزين بالسعادة والسلامة والجنة، الناجين من النار»137.

فبسبب صبرهم في هذه الحياة الدنيا على أذى الكفار لهم، وسخريتهم بهم، وبصبرهم على طاعة الله، وامتثال أمره تعالى، واجتناب نهيه؛ جازاهم الله بأن جعلهم في يوم القيامة من الفائزين.

ومنها: قوله تبارك وتعالى: ( ) [الفرقان: ٧٥].

اسم الاسم الإشارة في () عائد إلى عباد الله المؤمنين، أصحاب الصفات المتقدمة، وأخبر أنهم سيجزون الغرفة، وهي الجنة؛ بسبب صبرهم في هذه الحياة على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله ويبتدرون فيها بالتحية والسلام والإكرام، من قِبل ملائكة الرحمن ( ﮡﮢ ) [الرعد: ٢٣-٢٤].

ومنها: قوله تعالى: ( ) [القصص: ٥٤].

أخبر الله في هذه الآية بأنه تعالى يُعطي الصابرين يوم القيامة أجرهم مرتين، وهذه الآية في أهل الكتاب، فهم يؤتون أجرهم بإيمانهم بالرسول الأول، وإيمانهم بالرسول الثاني، وما ذلك إلا بسبب صبرهم على اتباع الحق، ثم إن الله تبارك وتعالى تفضل على المؤمنين من هذه الأمة مثل ذلك كما في قوله: ( ) [الحديد: ٢٨].

وزادهم على ذلك بقوله: ( ﯝﯞ ).

رابعًا: من خلال عرض القصص القرآني:

إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم واجهوا في سبيل دعوتهم ألوان الأذى، تكذيبًا واستهزاءً وسخريةً، أوذوا بالقول والفعل، قال الله سبحانه: ( ) [الأنعام: ٣٤].

أي: أن الأنبياء قبلك أوذوا؛ فصبروا حتى أتاهم نصر الله عز وجل الذي وعدهم، ثم أمره بالصبر كما في قوله: ( ) [الأحقاف: ٣٥].

وقد صبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أذى قومه وتكذيبهم، فاتهمه كفار قريش بالتكذيب ( ) [ص: ٤].

وقال عنهم: ( ﭳﭴ ) [الفرقان: ٤].

وتقول أمنا عائشة رضي الله عنها كما في البخاري للنبي صلى الله عليه وسلم: «هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد، قال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت؛ فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب138 فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت؛ فإذا فيها جبريل؛ فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال؛ لتأمره بما شئت فيهم؛ فناداني ملك الجبال؛ فسلم عليَ، ثم قال: يا محمد، فقال، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين139؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا)»140.

ووضع سلا الجزور141 على ظهره وهو ساجد بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك فصبر على كل ما لاقى حتى مكنه الله سبحانه وتعالى.

ولقد ضرب الله تبارك وتعالى لنا في كتابه الكريم نماذج رائعة جدًا تجسدت فيها حقيقة الصبر، ذكروا بصبرهم في القرآن؛ ليقتدي بهم الصابرون، النموذج الأول عن لون من ألوان الصبر وهو الصبر على طاعة الله عز وجل، ومن ذلك صبر إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله حتى أنه صبر صبرًا قويًا، وعانى من التكذيب والرفض والضرب والإبعاد، فهُدد بالإلقاء في النار؛ حتى قذف فيها، فقال الله مخبرًا عن ذلك: ( ) [الأنبياء: ٦٨-٦٩].

فما كان منه إلا أن قال: حسبنا الله ونعم الوكيل كما روى ذلك البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: «( ) [آل عمران: ١٧٣].

قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ( ﯿ )»142.

ومن ذلك صبره على ترك زوجته هاجر وولده إسماعيل عليه السلام في مكة، وهي أرض لا أنيس فيها، ولا ماء فيها، ولا صديق ولا قريب، ويرجع من عندهم ويقول حاكيًا ذلك: ( ﮋﮌ ) [إبراهيم: ٣٧].

وعن سعيد بن جبير قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أَوَلَ مَا اتَخَذَ النِسَاءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِ إِسْمَاعِيلَ، اتَخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَ قَفَى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَهُ الَذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِعُنَا، ثُمَ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَنِيَةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ)143.

وفعلًا لم يضيعهم رب العالمين تبارك وتعالى، رغم أنه تركهم في وادٍ لا زرع فيه، ولا ماء، ولا مرعى، ولا أكل.

ثم بعد ذلك رأى في منامه أنه يذبح ولده إسماعيل عليه السلام ورؤيا الأنبياء حق وصدق كما في قول رب العزة والجلال: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ﭜﭝ ) [الصافات: ٩٩-١١١].

ثم إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بدأ بتنفيذ ما رأى، وعرض ذلك على ولده إسماعيل عليه السلام؛ فلم يقابل ذلك بالرفض، وإنما قابل ذلك بالتسليم والاستسلام لأبيه -عليهما الصلاة والسلام-، ولأمر الله طواعية واختيارًا، وكان إسماعيل عليه السلام هو الابن الوحيد لإبراهيم عليه السلام حينئذ، ولم يأته إلا بعد أن طال عمره، ثم إن تعلق الأب بابنه لا يوصف، لكن تعلقه بالله تبارك وتعالى أعظم، وطاعته لله فوق كل ذلك، فلم يتأول إبراهيم عليه السلام الرؤيا لصالحه، ولكن بادر بالامتثال، وعرض على ابنه ما رأى عرضًا في غاية الإيجاز والسهولة.

ومع ذلك يتضمن هذا العرض أمرًا في غاية الخطورة، وكانت الإجابة من هذا الابن الصابر على هذا البلاء قوية جدًا دالة على قوة إيمانه وامتثاله لربه تبارك وتعالى فقال مخاطبًا أباه بجملتين حسم بهما الموفق، الجملة الأولى: أمر أباه بامتثال أمر الله له بالذبح، والجملة الثانية: وعد أباه بالصبر على تنفيذ ما يريد أباه، فقال كما أخبر الله عنه: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ).

قال ابن كثير رحمه الله: «وإنما أعلم ابنه بذلك؛ ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه ( ﰍﰎ) أي: امض لما أمرك الله من ذبحي، ( ) أي: سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل، وصدق صلوات الله وسلامه عليه- فيما وعد؛ ولهذا قال الله تعالى: ( ﭤﭥ ) [مريم: ٥٤-٥٥].

وقال تعالى: ( ) أي: فلما تشهدا وذكرا الله تعالى إبراهيم على الذبح، والولد شهادة الموت، وقيل: أسلما يعني استسلمًا وانقادًا، إبراهيم امتثل أمر الله تعالى، وإسماعيل طاعة لله ولأبيه»144.

وقال رحمه الله: «المقصود من شرعه أولًا -أي: من الذبح- إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك ولهذا قال تعالى: ( ) أي: الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلمًا لأمر الله تعالى منقادًا لطاعته، ولهذا قال تعالى: ( ) [النجم: ٣٧]»145.

وقال ابن عاشور في قوله: ( ): «والمراد: أنه صدق ما رآه، إلى حدِ إمرار السكين على رقبة ابنه، فلما ناداه جبريل بأن لا يذبحه؛ كان ذلك الخطابُ نسخًا لما في الرؤيا من إيقاع الذبح، وذلك جاء من قِبل الله، لا من تقصير إبراهيم، فإبراهيم صدَق الرؤيا إلى أن نهاه الله عن إكمال مِثالها، فأُطلق على تصديقه أكثرَها أنه صدَقها، وجُعِل ذبح الكبش تأويلًا لذبح الولد الواقع في الرؤيا، وجملة: ( ) إن تعليل لجملة: ()؛ لأن نداء الله إياه ترفيع لشأنه؛ فكان ذلك النداء جزاء على إحسانه»146.

والنموذج الثاني من أبرز الأمثلة وأشدها وضوحًا على الصبر عن معصية الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم صبر نبي الله يوسف عليه الصلاة السلام على مراودة امرأة العزيز، لقد كان الصبر شعارًا ودثارًا له عليه السلام في محنته التي ابتلي بها اضطرارًا واختيارًا، كشف عن هذا حين عثر إخوته عليه، فقال الله سبحانه على لسانه: ( ﮒﮓ ﮗﮘ ) [يوسف: ٩٠].

فأعرض عن كل هذه الفتن والإغراءات وخرج من الفتنة بإيمانه وصبره، قال ابن القيم رحمه الله: «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب، وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضًا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة.

فإنه كان شابًا، وداعية الشباب إليها قوية، وعزبًا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبًا، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا، والمملوك أيضًا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب، وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارًا وإيثارًا لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه؟، وكان يقول: الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المحرمات وأفضل، فإن مصلحة فعل الطاعة أحب إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية»147.

فضحى عليه الصلاة والسلام بدنياه من أجل دينه، وبحريته من أجل عقيدته، وفضل السجن على ما دُعي إليه، فقال كما أخبر الله عنه: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ) [يوسف: ٣٣].

وحين أفرج عنه عليه السلام وخرج من السجن واستدعي لمقابلة الملك، طلب منه التحقيق في قضيته حتى تظهر براءته على الملأ كما في قوله: ( ﮬﮭ ﯜﯝ ) [يوسف: ٥٠].

وحدث ذلك فعلًا واعترفت امرأة العزيز فـ( ﯪﯫ ﯳﯴ ﯿ ) [يوسف: ٥١].

فازداد إعجاب الملك به، فقال: ( ﭩﭪ ) [يوسف: ٥٤].

وحين عرفه أخوته قال لهم: ( )[يوسف: ٩٠].

وبعد ذلك أُتي بأبيه إلى مصر فكان ذلك عاقبة الصبر، أخرج من السجن، وظهرت براءته، وأُتي بأبيه إلى مصر.

النموذج الثالث من أبرز الأمثلة وأشدها وضوحًا على الصبر على أقدار الله المؤلمة صبر نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام، حين أُصيب بضر عظيم في بدنه وأهله وماله فصبر، فخلد الله ذكره في القرآن، فقال: ( ﭱﭲ ) [الأنبياء: ٨٣-٨٤].

وقال: (ﯿ ﰌﰍ ﭢﭣ ﭦﭧ ﭩﭪ ) [ص: ٤١-٤٤].

يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام، وما أصابه من البلاء العظيم، في ماله وولده وجسده، فصبر على هذا البلاء العظيم، حتى أن الله أثنى عليه فقال: ( ﭦﭧ ﭩﭪ )، ثم إن الله يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل148.

فذكر الله سبحانه وتعالى له من ألوان التكريم وأوسمة الشرف؛ لعظيم صبره:

أولًا: تكريمه عليه الصلاة والسلام بتخليد ذكره ومباهاة الله به عند رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: تكريمه بقوله: () حيث أضاف إليه العبودية، وهي من أشرف أوصاف الإنسان التي يتحلى بها.

ثالثًا: عندما استجاب الله تبارك وتعالى نداءه وكشف ضره وهب له أهله ومثلهم معهم، قال الحسن وقتادة في قوله: ( ): «أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم»149.

رابعًا: جعل الله سبحانه له عليه الصلاة والسلام مخرجًا من مأزق الحنث من يمين حلفه على امرأته.

قال ابن كثير رحمه الله: «وقوله: ( ) أي: به على صبره وثباته، وإنابته وتواضعه واستكانته ( ) أي: لذوي العقول؛ ليعلموا أن عاقبةَ الصبر الفرجُ والمخرجُ والراحة»150.

وقد ذكر الله تعالى صبره في مواطن متعددة كما في الآيات المتقدمة، وكان نداء أيوب عليه السلام في ضرائه في غاية اللطف والأدب، حيث قال سبحانه: ( )، فكانت الإجابة في آية التمام والكمال، فنادى ربه، ولم يسأله شيئًا بعينه من الأهل والعافية، فذكر ربه بما هو أهله، وبما اتصف به؛ فاستجاب له دعاءه؛ فكشف عنه الضر، ورد عليه الأهل، ومثلهم معهم، وجعله ذكرى للعابدين، وإماما من الصابرين.

ومكث أيوب عليه الصلاة والسلام صابرًا مدة طويلة من الزمان، لم يدع ربه في كشف ما به، حتى شمت به قوم؛ فتألم لذلك، ودعا ربه حينئذ، واختلف في المدة التي صبر فيها على البلاء على أقوال متعددة أصحها، كما قال القرطبي رحمه الله بعد أن ذكر عدة أقوال: «وأصح من هذا -والله أعلم- ثماني عشرة سنة، رواه ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم»151.

وقد دل على هذا ما رواه الإمام البزار في مسنده من طريق ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث في بلائه ثماني عشرة سنة؛ فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: قد أصابه منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما رأى حاله لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له فقال أيوب: لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم مني أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله تبارك وتعالى فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهة أن يذكران الله إلا في حق، وكان يخرج إلى الحاجة فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما ذات يوم أبطأت عليه وأوحي إلى أيوب في مكانه أن ( ﰌﰍ ) قال: فاستبطأته؛ فتلقته تنظر، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم هذا المبتلى، والله على ذلك ما رأيت أحدًا أشبه به منك إذا كان صحيحًا قال: فإني أنا هو قال: وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير فبعث الله تبارك وتعالى سحابتين، فلما كانت أحدهما على أندر القمح؛ أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض)152.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (بينما أيوب يغتسل عريانًا، خرَ عليه رجل جراد من ذهب؛ فجعل يحثي في ثوبه؛ فناداه ربه: يا أيوب: ألم أكن أغنيتك عما ترى، قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك)153.

الصبر ليس كلمة تقال، أو شعورًا عابرًا يطرق قلب المسلم، فلا يستقر فيه، بل إن الصبر سلوك يربي المرء، وينقله من مرتبة السخط إلى منزلة الرضا، ومن السخط من البلاء إلى الرضا بالقضاء، ومن مرتبة الجزع إلى منزلة الاطمئنان، فلا يختلف الباطن عن الظاهر، والصبر مكانه القلب، وترجمانه اللسان، ومرآته الجوارح، والصبر الذي لا يقر في القلب ليس صبرًا حقيقيًا، والصبر الذي لا يترجمه اللسان بالحمد، والشكر لله في جميع الأحوال ليس صبرًا حقيقيًا، والصبر الذي لا يظهر صافيًا من خلال الجوارح كلها لا يعدو أن يكون صبرًا مزيفًا.

وقد تطرقنا في هذا المبحث لشيء من قصص الصبر الواردة في القرآن الكريم؛ لنسير على ما كانوا عليه، فقد صبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وضربوا أروع الأمثلة، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( ) [الأحقاف: ٣٥].

وقد امتثل نبينا صلى الله عليه وسلم فهو سيد الصابرين، وقال الله لنا: ( ﯿ) [الأحزاب: ٢١].

فعلى كل مسلم أن يكون مقتديًا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

مجالات الصبر ومظاهره

أولًا: الصبر على طاعة الله:

إن الصبر على طاعة الله تبارك وتعالى من أعظم مجالات الصبر؛ لذلك هو أشد أنواع الصبر على النفوس، وجاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها، فقال تعالى: ( ﭘﭙ ) [مريم: ٦٥].

وقال جل ثناؤه: ( ﯕﯖ ﯙﯚ ﯜﯝ ) [طه: ١٣٢].

فجاء بصيغة الافتعال «اصْطَبِرْ» الدالة على المبالغة في الفعل، والعلماء يقولون: بأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وما ذاك إلا لمشقة مجاهدة النفوس على القيام بحق العبودية في كل الأحوال، عن سفيانَ الثَوريِ، قال: «ما عالجتُ شيئًا أشدَ عليَ من نيَتي؛ لأنَها تتقلَبُ عليَ»154.

ثم إن الصبر صبران كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: صبر على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثوابًا؛ لأنه المقصود، كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الصبر في بابين، الصبر لله بما أحب، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره -وإن نازعت إليه الأهواء-، فمن كان هكذا؛ فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم-إن شاء الله-، وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل، وهو مُتَجَلد لا يرى منه إلا الصبر155.

والصبر على الطاعة له ثلاثة أحوال:

الأول: قبل الطاعة:

وذلك بتصحيح النية والصبر على شوائب الرياء، وعقد العزم على الوفاء وذلك يظهر في سر تقديم الصبر على العمل الصالح في قوله تعالى: ( ) [هود: ١١].

قال الإمام الرازي رحمه الله: «قوله: ( ) المراد منه: أن يكون عند البلاء من الصابرين، وقوله: ( ) المراد منه: أن يكون عند الراحة والخير من الشاكرين، ثم بين حالهم فقال: ( ) فجمع لهم بين هذين المطلوبين.

أحدهما: زوال العقاب والخلاص منه، وهو المراد من قوله: ( )

والثاني: الفوز بالثواب وهو المراد من قوله: ( )»156، ومن الأدلة على ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات الحديث)157.

الثاني: وقت أداء الطاعة:

بأن لا يغفل عن الله تبارك وتعالى فيها، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابها وسننها، كما في قول الله تعالى: ( ) [العنكبوت: ٥٩]. صبروا إلى تمام العمل.

قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: «( ) على عبادة الله ( ) في ذلك، فصبرهم على عبادة الله؛ يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك، والمحاربة العظيمة للشيطان، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك، وتوكلهم، يقتضي شدة اعتمادهم على الله، وحسن ظنهم به، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال ويكملها، ونص على التوكل- وإن كان داخلًا في الصبر-؛ لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به، ولا يتم إلا به»158.

الثالث: بعد إكمالها:

بأن يصبر على عدم إفشائها وإظهارها والإعجاب بها، وترك ما يبطلها.

قال الله تبارك وتعالى: ( ) [البقرة: ٢٦٤].

وقال تعالى: ( ) [محمد: ٣٣].

قال عطاء: بالشك والنفاق، وقال الكلبي: بالرياء والسمعة، وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر159.

قال الله سبحانه: ( ﯕﯖ ﯙﯚ ﯜﯝ ) [محمد: ٣٣].

فيقوم للصلوات الخمس، ويقوم لصلاة الفجر، ويترك النوم، ويقوم لصلاة الليل، ويترك النوم، والزكاة والصدقات تحتاج إلى صبر، وتعويد لها على البذل والإنفاق، وعدم المن على الفقراء، أو الأذى لهم، والحج يحتاج إلى صبر في تحمل المشاق، وإنفاق الأموال، وصبر وتحمل لما يلقاه الإنسان من الأذى في الزحام، والصيام يحتاج إلى صبر في تحمل الجوع والعطش كل ذلك تعبدًا لله تبارك وتعالى، وقد سمي شهر رمضان بشهر الصبر، لما يحتاج إليه من الصبر، ثم إن الذي يسلك في طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإنه يأتي الناس بما لا يشتهون ولا يألفونه؛ فلذلك يقاومون الدعوة والدعاة بكل ما أوتوا من قوة، وقد يوصلون الأذى بالداعية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، فإعراضهم عن الدعوة يحتاج إلى صبر.

وهذا نوح عليه الصلاة والسلام مكث يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوا قومه ليلًا كما حكى ذلك رب العزة والجلال: ( ) [نوح: ٥-٧].

ثم ما يحيكه المغرضون من مؤامرات الكيد التي تؤذي الداعية في أهله ونفسه وماله تحتاج إلى صبر على ذلك، كما قال الله سبحانه مؤكدًا: ( ﯪﯫ ) [آل عمران: ١٨٦].

وقد أجمع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على رد أذى أقوامهم بالصبر كما حكى الله عنهم: ( ﭹﭺ ﭾﭿ ) [إبراهيم: ١٢].

وسحرة فرعون لما وقر الإيمان في قلوبهم قابلوا تهديد فرعون لهم بالقتل والصلب بقولهم: ( ﭿ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [الأعراف: ١٢٥-١٢٦].

ثم إن الدعاة والعلماء هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين يقومون بتبليغ دعوة الأنبياء للناس، وتبيين دين الله تبارك وتعالى، ومن قام بهذا؛ فسيتعرض للابتلاء والأذى والسخرية، فعليه أن يصبر، ويكون مقتديًا بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ثم إن الجهاد في سبيل الله يحتاج إلى صبر ومصابرة فيصبر على الجراح وعلى الآلام وعلى ملاقاة الأعداء والتحام الصفوف، فالصبر ثم شرط للنصر، والفرار كبيرة.

وقد أثنى الله تعالى على الصابرين في ساعة القتال، فقال في آية البر: ( ) [البقرة: ١٧٧]. أي: الفقر، () أي: المرض، ( ﭿﮀ ﮃﮄ ).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية؛ فإذا لقيتموهم؛ فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)، ثم قال: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم)160.

قال الإمام النووي رحمه الله: «فهذا حث على الصبر في القتال، وهو آكد أركانه، وقد جمع الله سبحانه آداب القتال في قوله تعالى: ( ﭘﭙ ﭚﭛ ﭭﭮ ) [الأنفال: ٤٥-٤٧].

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)، فمعناه ثواب الله، والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله، ومشي المجاهدين في سبيل الله؛ فاحضروا فيه بصدق واثبتوا»161.

وعندما تضطرب أمور المعركة، وتتطاير الرؤوس، ويسمع دوي الانفجارات، تكون الحاجة إلى الصبر أعظم وأشد، فالجنة تحت ظلال السيوف، والفرار من الزحف من أكبر الكبائر ( ﯶﯷ ) [الأنفال: ١٥-١٦].

والله مع الصابرين، ويحب الصابرين، فإن للمجاهد في سبيل الله إحدى الحسنيين، إما أن ينصره الله على العدو، ويرجع بالأجر والغنيمة، أو الشهادة في سبيل الله وثواب ذلك الجنة، وأعظم بها من منزلة ورفعة.

ثانيًا: الصبر عن معصية الله:

فمن المعلوم أن النفس البشرية قد جُبلت على حب الراحة والشهوات، والتفلت من القيود، والجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، وقد هذب الله تبارك وتعالى النفس البشرية، وما خلق فيها من الغريزة الإنسانية، بهذا الدين الحنيف، فالإنسان عندما يتجنب ما حرم الله تبارك وتعالى عنه، والنفس تنازعه، وتميل إلى الشهوات المحرَمة، فهو يصبر على حبسها عن المحرمات، ويمسكها عنها، فالنفس أمارة بالسوء قال الله: ( ) [يوسف: ٥٣].

وشياطين الإنس والجن يدعون الإنسان إلى الشهوات والمحرمات ويرغِبونه ويحسنون له القبائح، فيحبس نفسه عن محارم الله، والصبر عن معصية الله كقصة يوسف عليه الصلاة والسلام مع امرأة العزيز؛ حيث دعته إلى نفسها ومع ذلك صبر وحبس نفسه عن معصية الله، ولجأ إلى الله عندما هددته بالحبس والسجن، فقال: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ) [يوسف: ٣٣].

وقد تقدم الإشارة إلى هذا في ما سبق: من خلال عرض القصص القرآني.

وهذا النوع من أنواع الصبر من أشدها؛ فالإنسان قد يصبر على الضراء والبلاء، لكن هذا النوع لا يصبر عنه إلا القليل، والصبرُ على الطاعات وعنِ المحرَماتِ أفضلُ من الصَبرِ على الأقدار المؤلمة، صرح بذلك السَلفُ، منهم: سعيدُ بنُ جبير، وميمون بن مهران كما قال ابن رجب رحمه الله 162.

والمؤمن مطالب بأن لا يطلق لنفسه العنان في الجري وراء شهواتها؛ لئلا يخرجه ذلك إلى البطر والطغيان وإهمال حق الله تبارك وتعالى فيما آتاه وبسط له حتى في الأمور المباحة إذا تسببت في التقصير.

قال تعالى: ( ﮧﮨ ) [المنافقون: ٩].

ويمكن للإنسان إذا أخذ بهذه الأمور أن تكون عونًا له على هذا النوع من أنواع الصبر وهي:

أولًا: أن يعلم أن الله تبارك وتعالى أوجده في هذه الحياة، واستخلفه فيها؛ ليقوم بعبادته، وابتلاه بالخير والشر، وأنه إليه راجع، فعليه أن يصبر والحياة قصيرة قال الله: (ﯿ ﰂﰃ ) [الأنبياء: ٣٥].

ثانيًا: أن لا يركن إليها، ولا يغتر بها، فالجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات.

ثالثًا: أن لا يتطلع إلى ما عند الآخرين من متاع الدينا، وأن يعلم أن ما عند الله خير وأبقى قال الله: ( ﮩﮪ ) [طه: ١٣١].

وقال: ( ﯴﯵ ) [المؤمنون: ٥٥-٥٦].

وعلى الإنسان أن يعلم أنما هم فيه من الدنيا ظل زائل، وعارية مستردة، ولا يبالي بالمظاهر التي يتبجح بها الطغاة، والأثرياء، لقد قال الذين يريدون الحياة الدنيا لما رأوا قارون خرج على قومه في زينته: ( ﭿ ) [القصص: ٧٩].

فقال أهل العلم والإيمان فقالوا: ( ﮋﮌ ) [القصص: ٨٠].

قال الطبري رحمه الله: «( ) يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا، وآثروا ما عند الله من جزيل ثوابه على صالحات الأعمال على لذات الدنيا وشهواتها؛ فجدوا في طاعة الله، ورفضوا الحياة الدنيا»163.

وقال السدي: «وما يلقى الجنة إلا الصابرون»164.

وقال مقاتل: «لا يؤتاها، يعني الأعمال الصالحة، وقال الكلبي: لا يعطاها في الآخرة، وقيل: لا يؤتى هذه الكلمة، وهي قوله: ( ﮋﮌ ) إلا الصابرون على طاعة الله، وعن زينة الدنيا»165.

رابعًا: أن يصبر على أداء حق الله تبارك وتعالى فيها، وذلك بحبس نفسه عن المحرمات، ولا يمكن نفسه من كل ما تريده؛ فإنها قد توقعه في الحرام، فإن احترز كل الاحتراز؛ أوقعته في المكروه.

والصبر عن المعاصي التي انتشرت وعمت؛ حتى أصبح التحرز منها أمرًا صعبًا، فالمعاصي في البيوت والأسواق، والمدارس، والعمل، وفي الهواتف والشاشات، والجرائد والكتب، ولربما بعض المساجد لا تخلو من المنكرات، فيحتاج الإنسان إلى أن يتحلى بالصبر على هذه المعاصي؛ لينال رضا الله تبارك وتعالى، ويتذكر عظم الأجر الذي أعده الله تبارك وتعالى للصابرين.

ثالثًا: الصبر على الشدائد والبلاء:

إن العيش في الحياة الدنيا لا يخلو من كدر ومنغصات، وشدائد ومكاره ومصائب، فلا أحد يخلو من هذا، فما من راحة إلا ويعقبها تعب، وما من لذة إلا ويتبعها منغص، وما من فرحة إلا ويتبعها حزن، والإنسان يمر في هذه الحياة للشدائد والمكاره والمحن، لكن عليه أن يلجأ إلى الله ويصبر، وإن الله مع الصابرين بنصره وتأييده، وقد تعرض السحرة الذين سجدوا لله تبارك وتعالى عندما جمعهم فرعون، وألقوا عصيهم، وألقى موسى عليه الصلاة والسلام عصاه؛ فتحولت حية تسعى؛ فالتقمت ما صنعوا، وتهددهم فرعون، وتوعدهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ فصبروا على هذا البلاء، وطلبوا العون من الله، وقالوا كما أخبر عنهم ربهم تبارك وتعالى: ( ﭡﭢ ﭫﭬ ﭿ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [الأعراف: ١٢٣-١٢٦].

قال أبو حيان رحمه الله: «لما أوعدهم بالقطع والصلب؛ سألوا الله تعالى أن يرزقهم الصبر على ما يحل بهم -إن حل-، وليس في هذا السؤال ما يدل على وقوع هذا الموعد بهم، خلافًا لمن قال يدل على ذلك، ولا في قوله:( ) دليل على أنه لم يحلَ بهم الموعود خلافًا لمن قال يدل على ذلك؛ لأنهم سألوا الله أن يكون توفيهم من جهته، لا بهذا القطع والقتل وتقدم الكلام على جملة ( ﮋﮌ ) سألوا الموت على الإسلام، وهو الانقياد إلى دين الله وما أمر به»166.

وقال الخازن رحمه الله: «( ﮋﮌ ) أي: اصبب علينا صبرًا كاملًا تامًا؛ ولهذا أتى بلفظ التنكير، يعني: صبرًا وأي صبر عظيم ( ) يعني: واقبضنا على دين الإسلام، وهو دين خليلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء»167.

عن مجاهد: ( ﮋﮌ )، قال: كانوا أول النهار سحرة، وآخره شهداء»168.

وقال موسى عليه السلام لقومه آمرًا لهم أن يستعينوا بالله وتعالى ويصبروا على أذى فرعون لهم: ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

يخبر الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام حث قومه على الاستعانة على فرعون وقومه بالله العظيم، والصبر على أذى فرعون وقومه لبني إسرائيل؛ لأنه لا سبيل لهم مع فرعون وجنوده وقوته وكبريائه إلا الصبر والاستعانة بالله، ووعدهم أن العاقبة العظيمة التي يرضاها الله هي للمتقين.

وقال سبحانه حاكيًا عن رسله عليهم الصلاة والسلام حين صبروا على تكذيب قومهم لهم وأذيتهم لهم: ( ﭹﭺ ﭾﭿ ) [إبراهيم: ١٢].

قال ابن سعدي رحمه الله: «أي: ولنستمِرنَ على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم، ولا نبالي بما يأتينا منكم من الأذى؛ فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى؛ احتسابا للأجر ونصحًا لكم؛ لعل الله أن يهديكم مع كثرة التذكير»169.

وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله قومه له: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ) [طه: ١٣٠].

وقال الله سبحانه: ( ) [المزمل: ١٠].

قال ابن كثير رحمه الله: «أي: من تكذيبهم لك، ( ﮋﮌ ) يعني: صلاة الفجر، ( ﮑﮒ) يعني: صلاة العصر»170.

أمرُ الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار فيه دليل على أن التسبيح يعينه الله به على الصبر المأمور به، والصلاة داخلة في التسبيح المذكور171.

قال ابن سعدي رحمه الله: «( ) من الذم لك والتكذيب بما جئت به، واشتغل عنهم والْهَ بطاعة ربك وتسبيحه، أول النهار وآخره، وفي أوقات الليل، وأدبار الصلوات، فإن ذكر الله تعالى، مُسَلٍ للنفس، مؤنس لها، مهون للصبر»172.

وقال الله تبارك وتعالى: ( ﮐﮑ ) [الحج: ٣٤-٣٥].

قال ابن كثير رحمه الله: «( ): قال مجاهد: المطمئنين، وقال الضحاك، وقتادة: المتواضعين، وقال السدي: الوجلين، وقال عمرو بن أوس: المخبتون: الذين لا يَظلمون، وإذا ظُلموا لم ينتصروا، وقال الثوري: المطمئنين الراضين بقضاء الله، المستسلمين له»173.

وقال الشنقيطي رحمه الله: «أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر المخبتين أي: المتواضعين لله المطمئنين الذين من صفتهم: أنهم إذا سمعوا ذكر الله، وجلت قلوبهم أي: خافت من الله جل وعلا، وأن يبشر الصابرين على ما أصابهم من الأذى، ومتعلق التبشير محذوف؛ لدلالة المقام عليه أي: بشرهم بثواب الله وجنته»174.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «( ) بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده، ثم ذكر صفات المخبتين فقال: ( ) أي: خوفًا وتعظيمًا، فتركوا لذلك المحرمات؛ لخوفهم ووجلهم من الله وحده، ( ) من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجر»175.

وأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأمره بالصبر على ما يصيبه من أذى: ( ﯯﯰ ) [لقمان: ١٧].

قال الإمام ابن جرير رحمه الله: «يقول: واصبر على ما أصابك من الناس في ذات الله، إذا أنت أمرتهم بالمعروف، ونهيتهم عن المنكر، ولا يصدنك عن ذلك ما نالك منهم ( ) يقول: إن ذلك مما أمر الله به من الأمور عزما منه»176.

وقال ابن كثير رحمه الله: «علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى؛ فأمره بالصبر، وقوله: ( ) أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور»177.

وقال الماوردي رحمه الله: «قوله تعالى: ( ﯯﯰ) يحتمل وجهين:

أحدهما: على ما أصابك من الأذى في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

الثاني: على ما أصابك من البلوى في نفسك أو مالك»178.

فأبشر أيها الصابر المحتسب بالأجر العظيم من الله، واعلم أن بعد العسر يسرًا، وبعد الشدة يأتي الفرج ( ﭩﭪ ) [البقرة: ١٥٥].

فالله تبارك وتعالى يبتلي عباده في هذه الدار بأنواع البلايا والمحن، فتارة يبتليه بالمرض، وتارة يبتليه بالغنى، وتارة يبتليه بموت قريب أو حبيب، قال الله تعالى: ( ﯪﯫ ) [آل عمران: ١٨٦].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أخبر تعالى أنه يبتلي عباده المؤمنين أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: ( ) [محمد: ٣١].

فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، كما قال تعالى: ( ) [النحل: ١١٢].

فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه؛ ولهذا قال: لباس الجوع والخوف، وقال هاهنا: ( ) أي: بقليل من ذلك ( ) أي: ذهاب بعضها () كموت الأصحاب والأقارب والأحباب (ﭩﭪ) أي: لا تُغِل الحدائق والمزارع كعادتها»179.

فعلى الإنسان إن أصابه مرض أو أصابته مصيبة في ماله أو ولده أو في قريبه؛ فإنه يصبر ولا يجزع ويسلم لأمر الله تبارك وتعالى، فإن رضي بذلك؛ فإنه ينال أعظم الأجر عند الله تعالى، وإن تسخط ولم يصبر؛ فاته الأجر العظيم، فعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كله خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إنْ أصابتْه سرَاء شكر، فكانَ خيرًا لهُ، وإنْ أصابتْه ضرَاء صبَرَ، فكانَ خيرًا له)180.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يزالُ البلاء بالمؤمن والمؤمنةِ في نفسه وولدِهِ ومَالهِ حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئةٌ)181.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَ الله تعالى إذا أحبَ قومًا ابتلاهُم، فمنْ رضي؛ فلهُ الرَضى، ومنْ سخط؛ فلهُ السَخط)182.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر؛ عوضته منهما الجنة)، يريد عينيه»183.

قال ابن بطال رحمه الله: «هذا الحديث أيضًا حجة في أن الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد -وإن كانت من أجل الله تعالى- فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا؛ لنفاذ مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا، وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة، فمن ابتلى من المؤمنين بذهاب بصره في الدنيا فلم يفعل ذلك به لسخط منه عليه، وإنما أراد تعالى الإحسان إليه إما بدفع مكروه عنه يكون سببه نظر عينيه لا صبر له على عقابه في الآخرة، أو ليكفر عنه ذنوبًا سلفت لا يكفرها عنه إلا بأخذ أعظم جوارحه في الدنيا؛ ليلقى ربه طاهرًا من ذنوبه، أو ليبلغ به من الأجر إلى درجة لم يكن يبلغها بعمله، وكذلك جميع أنواع البلاء، فقد أخبر عليه السلام أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه184»185.

قال ابن القيم رحمه الله: «فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن أظهر معاني الصبر: حبس النفس على المكرمة وأنه من أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبة، وإنما كان صعبًا على العامة؛ لأن العامي مبتدئ في الطريق، وليس له دربة في السلوك، وليس له تهذيب المرتاض بقطع المنازل، فإذا أصابته المحن؛ أدركه الجزع، وصعب عليه احتمال البلاء، وعز عليه وجدان الصبر؛ لأنه ليس في أهل الرياضة؛ فيكون مستوطنًا للصبر، ولا من أهل المحبة؛ فيلتذ بالبلاء في رضا محبوبه»186.

وأثنى الله تبارك وتعالى على الصابرين على ما ابتلاهم به من السراء والضراء، وحين البأس، وأخبر بأن من كان كذلك فهو من الصادقين كما في قول رب العزة والجلال: ( ﭿﮀ ﮃﮄ ) [البقرة: ١٧٧].

وقال سبحانه: ( ﯪﯫ ) [آل عمران: ١٨٦].

وقال ربنا تبارك وتعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم مسليًا له واعدًا له بالنصر والعاقبة الحسنة: ( ﯮﯯ ﯳﯴ ) [الأنعام: ٣٤].

ونبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم حين ألقوا بأخيهم في الجُب وأتوا أباهم يبكون ويزعمون الذئب أكل يوسف عليه السلام قال كما أخبر الله عنه: ( ﮈﮉ ﮋﮌ ) [يوسف: ١٨].

المراد به: الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى187.

وقال ابن جريج عن مجاهد: «أي: لا أشكو ذلك إلى أحد»188.

وقال مجاهد أيضًا: «الصبر الجميل: الذي لا جزع فيه»189.

وقال أبو حيان رحمه الله: «أتجمل لكم في صبري؛ فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم، وقال الثوري: من الصبر أنْ لا تحدث بما يوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تبكي نفسك»190.

وقال ابن القيم رحمه الله: «سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: « الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه»191.

وقال ابن القيم رحمه الله: «وقيل: الصبر لله غناء، وبالله تعالى بقاء، وفي الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء، والصبر على الطلب عنوان الظفر، وفي المحن عنوان الفرج»192.

فيا من ابتليت فأبشر، فقد قال رب العزة والجلال: ( )، والبشرى من الله، نسأل الله من فضله.

ثمرات الصبر

أولًا: ثمرات الصبر في الدنيا:

إن الصبر خلق عظيم؛ لذا جعل الله تبارك وتعالى ثمرات في الدنيا والآخرة لمن تخلق بهذا الخلق النبيل، وفيما يلي نعرض لبعض من ثماره في الدنيا فمنها:

١. محبة الله تبارك وتعالى ومحبة الناس.

وأخبر سبحانه في كتابه بأنه يحب الصابرين كما في قوله: ( ﯟﯠ ) [آل عمران: ١٤٦].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانًا فأحبه؛ فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض)193.

فالصبر بجميع أنواعه من أهم الأسباب التي ينال بها العبد محبة الله تبارك وتعالى ومحبة الناس.

٢. معية الله تبارك وتعالى.

وأخبر سبحانه في كتابه أنه مع الصابرين، وهي معية نصر وتأييد وتوفيق، كما في قوله: ( ﯵﯶ ) [البقرة: ١٥٣].

وقال: ( ﭨﭩ ﭮﭯ ﭼﭽ ﭿ ﮋﮌﮍ ) [ البقرة: ٢٤٩].

وقال ( ﭘﭙ ﭚﭛ ) [الأنفال: ٤٦].

وقال: ( ﮣﮤ ﮫﮬ ﯕﯖ ) [الأنفال: ٦٦].

وابن القيم رحمه الله يقول: «فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمه الباطنة والظاهرة، وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين، فقال تعالى، وبقوله اهتدى المهتدون: ( ﭿ ﮀﮁ )»194.

ومن كان الله معه؛ فلا يضره شيء، ولا يناله أذى، من كان الله معه؛ كفاه ما أهمه، ونصره على عدوه، وسدده ووفقه لطاعته، ولا نجاح في الدنيا ولا نصر ولا تمكين إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة ولا فوز ولا نجاة إلا بالصبر.

٣. الصبر شرط أساسي في الإمامة في الدين والتمكين في الأرض.

أخبر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، وبين أن الإمامة في الدين متعلقة بالصبر واليقين، كما في قوله: ( ﭿ ﮀﮁ ) [السجدة: ٢٤].

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله بأنه سمع ذلك من شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: «إنما تنال الإمامة في الدين بالصبر واليقين»195.

٤. النصر على الأعداء.

فقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه بأن النصر والمدد معلق على الصبر وعلى تقوى الله جل وعلا، فقال سبحانه: (ﭹﭺ ﭿ ) [آل عمران: ١٢٥].

ومن الأدلة التي تؤكد أن النصر مع الصبر كثرة الآيات والأحاديث التي تأمر بالصبر عند لقاء العدو، منها: قوله تعالى: ( ) [الأنفال: ٤٥].

وقوله: ( ﮫﮬ ﯕﯖ ) [الأنفال: ٦٦].

والصبر والتقوى سبب في المدد بالملائكة من عند الله، كما في قوله: (ﭹﭺ ﭿ ) [آل عمران: ١٢٥].

وجَعلَ سبحانه وتعالى الإمَامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين، كما في قوله: ( ﭿ ﮀﮁ ) [السجدة: ٢٤].

ومن الأمثلة على ذلك أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حينما امتحن المحنة العظيمة في فتنة القول بخلق القرآن؛ فصبر على ذلك البلاء، وصابر، وثبت على الحق؛ فأورثه الله الإمامة في الدين، وأصبح إمامًا لأهل السنة والجماعة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟)، فقلت: بلى، فقال: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدة، وإذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنت؛ فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء، لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)196.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «فقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَ النصر مع الصبر) يشمل النصرَ في الجهادين: جهادُ العدوِ الظاهر، وجهادُ العدوِ الباطن، فمن صبرَ فيهما؛ نُصِرَ وظفر بعدوِه، ومن لم يصبر فيهما وجَزِعَ؛ قُهِرَ وصار أسيرًا لعدوه، أو قتيلًا له»197.

٥. الانتفاع بآيات الله والاتعاظ بها.

وأخبر سبحانه بأن الذين ينتفعون بآيات الله ويتعظون بها هم أهل الصبر، كما في قوله سبحانه: ( ﯚﯛ ) [إبراهيم: ٥].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وقوله: ( ) أي: إن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين، لعبرة لكل صَبَار، أي: في الضراء، شكور، أي: في السراء، كما قال قتادة: نعم العبد، عبد إذا ابتُلِي صَبَر، وإذا أعطي شكر»198.

وقال رحمه الله: «وقوله تعالى: ( ) أي: إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب، وتبديل النعمة وتحويل العافية، -عقوبةً على ما ارتكبوه من الكفر والآثام-، لعبرةً وَدَلالةً لكل عبد صبار على المصائب، شكور على النعم»199.

وقال البغوي رحمه الله: «الصبار: الكثير الصبر، والشكور: الكثير الشكر، وأراد: لكل مؤمن، لأن الصبر والشكر من خصال المؤمنين»200.

قال ابن سعدي رحمه الله: «( ) أي: في أيام الله على العباد ( ) أي: صبار في الضراء والعسر والضيق، شكور على السراء والنعمة»201.

ثانيًا: ثمرات الصبر في الآخرة:

لعظم فضل خلق الصبر جعل الله تبارك وتعالى له ثمرات متعددة في الدنيا والآخرة، وقد تقدم ثماره في الدنيا، ومن ثماره في الآخرة ما يلي:

١. صلاة الله ورحمته وبركاته على الصابرين.

أخبر الله سبحانه في كتابه الكريم بأنه سيبتلي عباده بأنواع من البلاء، فسيبتليهم بالخوف والجوع والنقص من الأموال والأنفس والثمرات، والناس أمام هذا البلاء قسمين: منهم من تذمر وتململ وتضجر من هذا البلاء؛ فهذا سيحرم خيرًا كثيرًا، ومنهم من صبر على هذا البلاء، وقابل ذلك بالشكر لله والاسترجاع فينال برضوان الله تبارك وتعالى وينال ثوابه سبحانه، ولا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله، أو نفسه، أو ولده، أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء.

وقد قال تبارك وتعالى: ( ﭩﭪ ﭾﭿ ) [البقرة: ١٥٥-١٥٧].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أخبر تعالى أنه يبتلي عباده المؤمنين أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: ( ) [محمد: ٣١].

فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، كما قال تعالى: ( ) [النحل: ١١٢].

فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه؛ ولهذا قال: لباس الجوع والخوف، وقال هاهنا: ( ) أي: بقليل من ذلك ( ) أي: ذهاب بعضها () كموت الأصحاب والأقارب والأحباب (ﭩﭪ) أي: لا تُغِل الحدائق والمزارع كعادتها، كما قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه الله ومن قنط أحل الله به عقابه، ولهذا قال: ( )، وقد حكى بعضُ المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا: خوف الله، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد، وفي هذا نظر، والله أعلم.

ثم بيَنَ تعالى مَنِ الصابرون الذين شكرهم، قال: ( ) أي: تسلَوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنَهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَة يوم القيامة؛ فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة، ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: ( ﭾﭿ) أي: ثناء من الله عليهم ورحمة»202.

٢. يوفيهم الله أجرهم بغير حساب.

من المعلوم أن الله تبارك وتعالى يضاعف الأجور والحسنات الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، وهذا يشمل الصبر، ولكن الصبر يزيد على ذلك بأن الله تبارك وتعالى أخبر في كتابه الكريم أن الصابرين يوفيهم أجرهم بغير حساب، كما في قوله: ( ) [الزمر: ١٠].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفًا.

وقال ابن جريج: بلغني أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط، ولكن يزادون على ذلك.

وقال السدي: ( ) يعني: في الجنة»203.

وقال الماوردي رحمه الله بأن في هذه الآية أربعة أوجه:

أحدها: يعني بغير مَنٍ عليهم ولا متابعة، قاله السدي.

الثاني: لا يحسب لهم ثواب عملهم فقط ولكن يزدادون على ذلك، قاله ابن جريج.

الثالث: لا يعطونه مقدرًا لكن جزافًا.

الرابع: واسعًا بغير تضييق.

وحكي عن علي كرم الله وجهه قال: كل أجر يكال كيلًا ويوزن وزنًا إلا أجر الصابرين فإنه يحثى حثوًا»204.

وقال الشوكاني رحمه الله: «أي يوفيهم الله أجرهم في مقابلة صبرهم بغير حساب: أي بما لا يقدر على حصره حاصر، ولا يستطيع حسبانه حاسب، قال عطاء: بما لا يهتدي إليه عقل ولا وصف، وقال مقاتل: أجرهم الجنة وأرزاقهم فيها بغير حساب، والحاصل أن الآية تدل على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له؛ لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو مُتَنَاهٍ، وما كان لا يدخل تحت الحساب فهو غير متناه، وهذه فضيلة عظيمة، ومثوبة جليلة تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله، وطامع فيما عنده من الخير أن يتوفر على الصبر، ويزم نفسه بزمامه، ويقيدها بقيده فإن الجزع لا يرد قضاء، قد نزل ولا يجلب خيرًا قد سلب، ولا يدفع مكروهًا قد وقع، وإذا تصور العاقل هذا حق تصوره وتعقله حق تعقله علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم، وغير الصابر قد نزل به القضاء، شاء أم أبى، ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقدر قدره ولا يبلغ مداه، فضم إلى مصيبته مصيبة أخرى، ولم يظفر بغير الجزع»205.

وأخبر سبحانه بأن المؤمنين يؤتون أجرهم مرتين جزاء صبرهم، كما في قوله: ( ) [القصص: ٥٤].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول، ثم بالثاني يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الأول ثم بالثاني؛ ولهذا قال: ( ) أي: على اتباع الحق؛ فإنَ تجشُم مثل هذا شديد على النفوس»206.

وهذا عام في جميع أنواع الصبر كما قال ابن سعدي رحمه الله: «هذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند الله، وأنه معين على كل الأمور»207.

٣. الفوز بالجنة والنجاة من النار.

لقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم بأن عاقبة الصبر في الآخرة الفوز بالجنة، التي هي مطلب كل مسلم، وغاية كل مؤمن بالله في آيات متعددة ومن ذلك قوله سبحانه: ( ) [فصلت: ٣٥].

ففي هذه الآية يبين الله تبارك وتعالى أنه لا يُوفق للأعمال الصالحة إلا الذين صبروا، الذين هم أصحاب الحظ العظيم الذي هو الجنة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: «الذين أعد الله لهم الجنة»208.

وقال قتادة: «الحظ العظيم»: الجنة، أي: ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة»209.

وقال ابن سعدي رحمه الله: «( ) أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة ( ) نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، وهان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له، ( ) لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق»210.

وأخبر سبحانه بأن الصابرين يفوزون بالجنة في يوم القيامة جزاء صبرهم، كما في قوله: ( ﮋﮌ ) [المؤمنون: ١١١].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أخبر عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين، فقال: ( ﮋﮌ ) أي: على أذاكم لهم واستهزائكم منهم، ( ) أي: جعلتهم هم الفائزين بالسعادة والسلامة والجنة، الناجين من النار»211.

وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: «قوله: ( )، أي: بسبب صبرهم في دار الدنيا، على أذى الكفار الذين اتخذوهم سخريا، وعلى غير ذلك من امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن أولئك المستضعفين الذين كان الكفار يستهزئون بهم، جزاهم الله يوم القيامة الفوز بجنته، ورضوانه، جاء مبينًا في مواضع أخر مع بيان أنهم يوم القيامة يهزؤون بالكفار، ويضحكون منهم، والكفار في النار، والعياذ بالله، كقوله تعالى: ( ) [المطففين: ٣٤-٣٦]»212.

وقال الله تعالى مبينًا أن الجنة ينالها الصابرون جزاء صبرهم: ( ) [الإنسان: ١٢].

وقال قتادة: «وجزاهم بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته ومحارمه، جنةً وحريرًا»213.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله: ( ) أي: بسبب صبرهم أعطاهم ونَولهم وبوأهم ( ) أي: منزلًا رحبًا، وعيشًا رَغَدًا، ولباسًا حَسَنًا، وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الدارَاني قال: قرئ على أبي سليمان الداراني سورة: ( ) فلما بلغ القارئ إلى قوله: ( ) قال: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا»214.

وقال البغوي رحمه الله: ( ) على طاعة الله واجتناب معصيته، وقال الضحاك: تاب على الفقر، وقال عطاء: على الجوع، ( ) قال الحسن: أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير»215.

٤. دخول الملائكة عليهم في الجنة والسلام عليهم.

وأخبر سبحانه وتعالى أن الملائكة تدخل عليهم؛ فتهنئهم بدخول الجنة جزاء صبرهم في هذه الحياة كما في قوله: ( ﮡﮢ ) [الرعد: ٢٣-٢٤].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: وتدخل عليهم الملائكة من هاهنا، وهاهنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها؛ تفد عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام، والإقامة في دار السلام، في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام»216.

وقال: «لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من هذه الصفات الجميلة، والأفعال والأقوال الجليلة قال بعد ذلك كله: () أي: المتصفون بهذه () أي: يوم القيامة () وهي الجنة، قال أبو جعفر الباقر، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسُدِي: سميت بذلك لارتفاعها.

( ) أي: على القيام بذلك ( ) أي: في الجنة ( ) أي: يُبْتَدرُون فيها بالتحية والإكرام، ويلقون فيها التوقير والاحترام، فلهم السلام، وعليهم السلام، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار»217.

ويقول الشنقيطي رحمه الله: «والبشارة عند الموت، وعند دخول الجنة من باب واحد؛ لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة»218.

ويقول الماوردي رحمه الله: «قوله عز وجل: ( ﮡﮢ) فيه ستة تأويلات:

أحدها: معناه بما صبرتم على أمر الله تعالى، قاله سعيد بن جبير.

الثاني: بما صبرتم على الفقر في الدنيا، قاله أبو عمران الجوني.

الثالث: بما صبرتم على الجهاد في سبيل الله، وهو مأثور عن عبد الله بن عمر.

الرابع: بما صبرتم عن فضول الدنيا، قاله الحسن، وهو معنى قول الفضيل بن عياض.

السادس: بما صبرتم عما تحبونه حين فقدتموه، قاله ابن زيد.

ويحتمل سابعًا: بما صبرتم على عدم اتباع الشهوات.

( ) فيه وجهان:

أحدهما: فنعم عقبى الجنة عن الدنيا، قاله أبو عمران الجوني.

الثاني: فنعم عقبى الجنة من النار، وهو مأثور»219.

فيفوزون بالمطلوب المحبوب لدى كل مؤمن بالله، وهو كما قال الله سبحانه: ( ﮡﮢ ﮧﮨ ﮰﮱ ) [آل عمران: ١٨٥].

وإذا فاز بهذا المطلوب فقد نجا من المرهوب وهو أنه زحزح عن النار، ودخل الجنة دار الأبرار 220.


1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٤٣٧.

2 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٢٩.

3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٦٥.

4 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٦٥.

5 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٥٦.

6 التعريفات، الجرجاني ص١٧٢.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٩٩-٤٠١.

8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٠١.

9 لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٤٦.

10 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٣.

11 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٠٠.

12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٠٦.

13 التعريفات، الجرجاني ص١٢.

14 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٠٠.

15 مقاييس اللغة، ابن فارس١/٤٥٣.

16 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٠١.

17 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٠٠.

18 لسان العرب، ابن منظور ٧/٣١٣.

19 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٢.

20 الفروق اللغوية، العسكري ص٣٨٦.

21 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٩٥.

22 البحر المحيط ٣/١٥٦ بتصرف يسير.

23 معالم التنزيل ٢/١٥٦.

24 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الدمشقي الحنبلي ٦/١٣٥.

25 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٥٧.

26 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٤٥٥.

وانظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٤٨، محاسن التأويل، القاسمي ٥/١٤٨.

27 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الدمشقي الحنبلي ٩/٢١٤.

28 فتح القدير، الشوكاني ٢/٣٢٧.

29 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٣٦٧.

30 تفسير التستري، ١/٦٧.

31 النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٤٩.

32 جامع البيان، الطبري ١٣/٥٧٥، بتصرف يسير.

33 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٤، بتصرف يسير.

34 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٠.

35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، رقم ٢٨٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء، رقم ١٧٤٢.

36 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٢.

37 انظر: المصدر السابق ٤/٣٠١.

38 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٣٨٩، بتصرف يسير.

39 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٦٣.

40 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٢٨.

41 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١٩٤.

42 جامع البيان، الطبري ١٥/٥٢٦.

43 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٥١.

44 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٩١.

45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦١٥.

46 معالم التنزيل، البغوي ٥/٥٤.

47 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٢٤٥، البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٩٦.

48 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٥٢.

49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٢.

50 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٢٦٣.

51 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٢٦.

52 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١٣٠.

53 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم ٦٥١.

54 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٦٤.

55 تفسير السمرقندي، ٢/٣٨٢.

56 معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٤٤.

57 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٣/١٥.

58 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٩٨.

59 جامع البيان، الطبري ١٨/٤٠٠.

وقال رحمه الله في موضع آخر ٢٢/٣٧٦: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فَاصْبِرْ) يا محمد على ما يقول هؤلاء اليهود، وما يفترون على الله، ويكذبون عليه، فإن الله لهم بالمِرصاد».

60 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٤، بتصرف يسير.

61 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٦/٢١٢.

62 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥١٦.

63 جامع البيان، الطبري ١٨/٤٠٥.

64 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٢٧.

65 المصدر السابق ٥/٢٤٠.

66 معالم التنزيل، البغوي ٥/٣٠٤.

67 تفسير السمرقندي، ٢/٤١٨.

68 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥١٧.

69 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٠٣.

70 المصدر السابق ٢١/٤١٨.

71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٢٨.

72 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٤٩، بتصرف.

73 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٨٤، بتصرف يسير.

74 فتح القدير، الشوكاني ٤/٧٠٨.

75 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٤٢.

76 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٦٨-٦٩، بتصرف يسير.

77 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٨٩.

78 النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣٨.

79 معالم التنزيل، البغوي ٧/٧٢.

وانظر: لباب التأويل، الخازن ٦/٤٢.

80 النكت والعيون، الماوردي ٥/٧٩.

81 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٢٤٠.

82 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٧٠٩.

83 جامع البيان، الطبري ٢١/١٦٦.

84 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/١٥٨.

85 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/١٦١.

86 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٥٦.

87 لباب التأويل، الخازن٦/١٧١.

88 إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين درويش ٩/١٩٤.

89 جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٦٢.

90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/٢٩٤.

91 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢٥٣.

92 لباب التأويل، الخازن ٧/١٩٤.

93 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٨٦.

94 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٨١.

95 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١٤٠.

96 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/٤٧٩.

97 طريق الهجرتين، ابن القيم ص٤٠٧.

98 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢٠٠.

99 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٢٦.

100 جامع البيان، الطبري ٢٣/٦٠٣.

101 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٢٤.

102 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢٨٤.

103 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٢١، لباب التأويل، الخازن ٧/١٥٠.

104 الجواهر الحسان، الثعالبي ٥/٤٨٣.

105 النكت والعيون، الماوردي ٦/٩١.

106 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٨٥.

107 تفسير القرآن العظيم، بن كثير ٨/٢٦٤.

108 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٦٩.

109 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٩٩-٣٠٠.

110 النكت والعيون، الماوردي ٦/١٣٨.

111 تفسير السمرقندي، ٣/٤٩٢.

112 فتح القدير، الشوكاني٥/٤٥٦.

113 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٩٥.

114 لسان العرب، ابن منظور ٨/٤٧.

وانظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١/٢٢١.

115 مختار الصحاح، الرازي ص١١٩.

116 تاج العروس، الزَبيدي ٢٢/٤٠٥-٤٠٦، وانظر: لسان العرب، ابن منظور ٨/٣٧٤.

117 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٢٤٣.

118 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٨٨.

119 المصدر السابق ٢/٢٣.

120 النكت والعيون، الماوردي ١/٣٧٧.

121 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٢٤.

122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٧٣.

123 جامع البيان، ١٧/٢٠٧.

124 لباب التأويل، الخازن ٥/١٩٨.

125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٤٠.

126 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٠٩.

127 المصدر السابق ٢/١٧٩.

128 أضواء البيان، الشنقيطي ١/٢١٨.

129 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٣/٢٥٢.

130 انظر: المصدر السابق ٤/٣٠٩.

131 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، ٤/١٩٩٢،رقم ٣٥٧٣.

132 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، ٤/٢٢٩٥، رقم ٢٩٩٩.

133 جامع البيان، الطبري ١٥/٣٥٦

134 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤١٦.

135 المصدر السابق ص٤٥٠.

136 أضواء البيان، ٦/٣٥٧.

137 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٩٩.

138 قال القاضي عياض: «قرن الثعالب هو قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكة وأصل القرن كل جبل صغير ينقطع من جبل»، شرح النووي على صحيح مسلم ١٢/١٥٥.

139 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: الأخشبين هما جبلا مَكَة قعيقعان»، فتح الباري، ابن حجر ١/٧٦.

140 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، رقم ٣٠٥٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، رقم ١٧٩٥.

141 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قَوْله: الْجَزُور بِفَتْح أَوله هُوَ مَا يجزر من الْإِبِل أَي يذبح وَالْجمع جزائر وجزر» فتح الباري، ابن حجر ١/٩٨.

وقال النووي رحمه الله: «قال العلماء: الجزور بفتح الجيم وهي البعير، قال القاضي: وفرق هنا بين البدنة والجزور، لأن البدنة والهدي ما ابتدي إهداؤه عند الإحرام، والجزور ما اشتري بعد ذلك لينحر مكانها»، شرح النووي على صحيح مسلم ٩/٦٨.

142 أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة آل عمران، رقم ٤٢٨٧.

143 أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، ٤/١٤٢، رقم ٣٣٦٤.

144 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٠.

145 المصدر السابق ٤/٢٢.

146 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١٥٤.

147 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٥٦.

148 أخرجه أحمد في المسند، ٤٥/١٠، رقم ٢٧٠٧٩.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٣٠، رقم ٩٩٢.

149 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٧٥.

150 المصدر السابق.

151 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٢٧.

152 أخرجه البزار في مسنده رقم ٦٣٣٣، وأبو يعلى في مسنده، رقم ٣٦١٧، وابن حبان في صحيحه، رقم ٣٨٩٨.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٧.

153 أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب الغسل، باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، ١/٦٤، رقم ٢٧٩.

154 انظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي١/٣١٧.

155 تفسير القرآن العظيم، ١/٤٤٦، بتصرف.

156 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/١٥٤.

157 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ١، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية، رقم ١٩٠٧.

158 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٣٤.

159 معالم التنزيل، البغوي ٧/٢٩٠.

160 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، رقم ٢٨٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء، رقم ١٧٤٢.

161 شرح النووي على صحيح مسلم، ١٢/٤٦.

162 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ص٢١٩.

163 جامع البيان، الطبري ١٩/٦٢٩.

164 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥٥.

165 معالم التنزيل، البغوي ٦/٢٢٣.

166 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٤/٢٩٦.

167 لباب التأويل، الخازن ٢/٢٧٣.

168 جامع البيان، الطبري ١٣/٣٦.

169 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢٢.

170 تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير ٥/٣٢٥.

171 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٤٣٢.

172 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٠٧.

173 تفسير القرآن العظيم، بن كثير ٥/٤٢٤، بتصرف يسير.

174 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٢٥٨.

175 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٣٨.

176 جامع البيان، الطبري٢٠/١٤٢.

177 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٣٨.

178 النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣٨.

179 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٦٧.

180 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، رقم ٢٩٩٩.

181 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الصبر على البلاء، رقم ٢٣٩٩، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٢٨٠.

182 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الصبر على البلاء، رقم ٢٣٩٦.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢١١٠.

183 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره، رقم ٥٣٢٩.

184 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٤٨١.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٨١٥.

185 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٩/٣٧٧.

186 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٦١.

187 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٥٢.

188 المصدر السابق ٩/٢٤٧.

189 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٧٥.

190 البحر المحيط، أبو حيان ٥/٢٩٠.

191 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٦٠.

192 المصدر السابق .

193 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٠٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده، رقم ٢٦٣٧.

194 عدة الصابرين، ابن القيم ص ٣.

195 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٥٤.

196 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٨٠٣، والترمذي في سننه، رقم ٢٥١٦.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٧٩٥٧.

197 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ص١٩٦.

198 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٧٨.

199 المصدر السابق ٦/٥١٢.

200 معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٣٦.

201 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢١.

202 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٦٧.

203 المصدر السابق ٧/٨٩.

204 النكت والعيون، الماوردي ٥/١١٩، بتصرف يسير.

205 فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٤٥.

206 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٤٤.

207 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٢٠.

208 جامع البيان، ٢١/٤٧٣.

209 معالم التنزيل، البغوي ٧/١٧٥.

210 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٩.

211 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٩٩.

212 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٦١.

213 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/١٠١.

214 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٩٠.

215 معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٥.

216 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٥١.

217 المصدر السابق ٦/١٣٣.

218 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣٧٣.

219 النكت والعيون، الماوردي٣/١٠٩.

220 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٦٨.