عناصر الموضوع
الشهادة
أولًا: المعنى اللغوي:
تدل مادة (ش هـ د) على حضورٍ وعلمٍ وإعلامٍ، يقال: شهد يشهد شهادةً. كما يقال: شهد فلانٌ عند القاضي، إذا بين وأعلم لمن الحق وعلى من هو1.
و«الشهادة خبرٌ قاطعٌ تقول منه: شهد الرجل على كذا، وربما قالوا: شهد الرجل بسكون الهاء . فالشهادة: الإخبار بما شاهده. والشاهد: العالم الذي يبين ما يعلمه ويظهره. والمشاهدة المعاينة، وشهده شهودًا: أي حضره، فهو شاهدٌ، وقومٌ شهودٌ: أي حضورٌ»2.
قال الراغب الأصفهاني: «الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة، إما بالبصر أو البصيرة، وقد يقال للحضور مفردًا. قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأنعام:٧٣]. أي: ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدون بهما، ولكن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع المشاهدة أولى»3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الموصلي الشهادة: هي «الإخبار عن أمرٍ حضره الشهود وشاهدوه، إما معاينةً كالأفعال نحو القتل والزنا، أو سماعًا كالعقود والإقرارات»4.
وعرفها الرملي بأنها: «إخبار الشخص بحق على غيره بلفظٍ خاص»5.
وقال البهوتي: «الشهادة: الإخبار بما علمه الشاهد بلفظٍ خاصٍ، كشهدت أو أشهد»6.
فالشهادة إذن إخبارٌ عن علمٍ.
وردت مادة (شهد) في القرآن الكريم (١٦٠) مرة7.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٩ |
(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة:١٨٥] |
الفعل المضارع |
٢٤ |
(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [النساء:١٦٦] |
الفعل الأمر |
١٠ |
(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة:١١١] |
اسم فاعل |
٢١ |
(ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأحقاف:١٠] |
اسم مفعول |
٣ |
(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [هود:١٠٣] |
مصدر |
٢٧ |
(ﮌ ﮍ ﮎ) [الطلاق:٢] (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [مريم:٣٧] |
صيغة مبالغة |
٥٦ |
(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران:٩٨] |
وجاءت الشهادة في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، الذي هو بمعنى: الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة8.
الخير:
الخبر لغة:
قال ابن فارس: الخاء والباء والراء أصلان: فالأول العلم، والثاني يدل على لينٍ ورخاوةٍ وغزرٍ9.
الخبر اصطلاحًا:
هو الكلام المحتمل للصدق والكذب، والخبر: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر، وفي الاصطلاح القرآني: ما يعبر به عن واقعة معينة10.
والخبر يكون من المخبر الأول ومن يليه، ويكون بالصدق والكذب، سارًا كان أو غير سارٍ 11.
الصلة بين الخبر والشهادة:
الخبر إما أن يكون عن خاص أو عام، فالخبر عن خاص منحصر في ثلاثة معاني: الإقرار والبينة والدعوى؛ لأنه إن كان بحق على المخبر فهو الإقرار، أو على غيره فهو الدعوى، أو لغيره فهو الشهادة12.
قال العز بن عبد السلام «إن كان ضارًا لقائله فهو الإقرار، وإن لم يكن ضارًا به، فإما أن يكون نافعًا له، أو لا، والأول هو الدعوى، والثاني الشهادة»13.
العلم:
العلم لغةً:
نقيض الجهل، والمعرفة، واليقين، والعلامة: النسابة، وهو من العلم14، ويقال: «علمت الشيء أعلمه علمًا: عرفته»15.
العلم اصطلاحًا:
عرفه الجرجاني: «العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ونقل عن الحكماء فقال: هو حصول صورة الشيء في العقل» 16.
وأنكر ابن العربي تعريف العلم لوضوحه وقال: «العلم أبين من أن يبين» 17،وأنكر على من تصدى لتعريف العلم.
الصلة بين العلم والشهادة:
العلم والشهادة في الأصل واحد، إلا أن الشهادة اختص بما كان بإخبار صحيح، والعلم اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحدث منه أثر في نفس المتعلم، قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [يوسف:٧٦]18، ولعلاقة العلم بالشهادة فقد ذكرها الله تعالى مقترنة في أكثر من عشرين موضعًا في القرآن العظيم.
الإقرار:
الإقرار لغةً:
«هو الاعتراف. يقال: أقر بالحق: إذا اعترف به، وقرره غيره بالحق حتى أقر به. وأقر الشيء أو الشخص في المكان: أثبته وجعله يستقر فيه»19.
الإقرار اصطلاحًا:
«إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه»20، فيجمع كلًا من الإقرار والشهادة أنها إخبارات.
الصلة بين الشهادة والإقرار:
«أن الإخبار إن كان عن حق سابق على لغيره على غيره فهو الشهادة، وإما أن يكون للمخبر نفع فيه: لأنه إخبار بحق له فهو إقرار بالدعوى» 21.
أكمل الشهادات شهادة الله عز وجل لنفسه أو لغيره، قال الله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران:١٨].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران:٩٨].
وقال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الرعد:٤٣].
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الحج:١٧].
ففي فالآيات السابقة يؤكد الله تعالى أن الشهادة له وحده سبحانه، المحتوية على كل جانب من جوانب الشهادة.
أولًا: الله عالم الغيب والشهادة:
الغيب يطلق على كل ما غاب عن الحواس، و كان مستورًا و محجوبًا عنها، تسمى الغابة غابةً لأنها تغيب ما فيها و تسترها عن الأنظار لكثافة أشجارها. و أغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب زوجها22.
وعن شمر: «يقال: سمعت صوتًا من وراء الغيب، أي، من موضع لا أراه»23.
وقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [يوسف:١٠].
الغيابة: بفتح الغين، أي: في قعره، سمي به لغيبوبته عن أعين الناظرين، و كل شيء غيب عنك، فهو غيابة24.
والغيب في القرآن الكريم ضد الشهود والحضور، وقد تكرر استعمال لفظ «الغيب» وبعض مشتقاته في القرآن الكريم أربعًا وخمسين مرة بالمعنى المذكور.
ومن تلك الآيات قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأنعام:٧٣].
وقوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [التوبة:٩٤].
قال صاحب المنار: «الغيب هو ما حجب الله علمه عن الناس، بعدم تمكينهم من أسباب العلم به، لكونه مما لا تدركه مشاعرهم الظاهرة ولا الباطنة؛ كعالم الآخرة»25.
وعرف ابن عاشور الغيب فقال: «والغيب ما غاب عن علم الناس، بحيث لا سبيل لهم إلى علمه، وذلك يشمل الأعيان المغيبة، كالملائكة والجن، والأعراض الخفية، ومواقيت الأشياء»26.
والشهادة: ما شهدوه وأبصروه وعاينوه، فكل شيء يقع تحت حواسنا الخمس أو تدركه حواسنا فهو عالم مشهود، كالمرئيات، والمسموعات، و المشمومات، والعالم الذي خلقه الله عز وجل ينقسـم إلى عالم الغيب وعالم الشهادة.
وينقسم الغيب إلى ثلاث أقسام:
أولًا: الغيب المطلق:
وهو الذي ليس للإنسان سبيل إلى العلم به عبر وسائل إدراكه أو حواسه، وهو نوعان:
النوع الأول: ما أعلم الله تعالى الناس به، أو ببعضه عن طريق الوحي إلى الرسل الذين يبلغونه إلى الناس.
ومن أمثله ذلك: الشياطين والجن، وما جاء من أخبارهم نحو قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الجن:١-٢]27.
النوع الثاني: ما استأثر الله تعالى بعلمه، فلم يطلع عليه أحد من خلقه، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.
ومن أمثلته العلم بوقت قيام الساعة، والموت من حيث زمانه ومكانه وسببه، وبعض ما سمى الله تعالى به نفسه.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [لقمان:٣٤].
وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الأنعام:٥٩]28.
وقال صلى الله عليه وسلم في بعض دعائه: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)29.
ثانيًا: الغيب المقيد النسبي:
وهو ما كان غائبًا عن البعض مثل الحوادث التاريخية، فإنها غيب بالنسبة لمن لم يعلم بها، لذلك قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر قصة آل عمران: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [آل عمران:٤٤].
ثالثًا: الغيب المقيد غير النسبي:
هو كل ما غاب عن الحس بسبب بعد الزمان (المستقبل) أو المكان أو غير ذلك حتى ينكشف ذلك الحجاب الزماني أو المكاني، كما في قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [سبأ:١٤].
وذلك في موت سيدنا سليمان عليه السلام30.
وذكر العلماء أربعة مراتب اشتمل عليها علم الله تعالى مستنبطة من الآيات القرآنية وهي:
المرتبة الاولى: علمه بالشيء قبل كونه، وهو سر الله في خلقه، اختص الله به عن عباده.
وهذه المرتبة من العلم هي علم التقدير ومفتاح ما سيصير، ومن هم أهل الجنة؟ ومن هم أهل السعير؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل، ومفتاحها عنده وحده، ولم يزل، كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [لقمان:٣٤].
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النمل:٦٥].
المرتبة الثانية: علمه بالشيء، وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته.
فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها كلمات، وتنفيذ ما في اللوح من أحكام تضمنتها الكلمات مرهون بمشيئة الله في تحديد الأوقات التي تناسب أنواع الابتلاء في خلقه، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حساب وتقدير.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحديد:٢٢].
المرتبة الثالثة: علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه، كما قال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الرعد:٨-٩].
وقال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [سبأ:٢].
المرتبة الرابعة: علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه.
فالله عز وجل بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة في قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الأنعام:٥٩].
ذكر بعدها المرتبة الأخيرة فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأنعام:٦٠].
وقال أيضًا: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [التوبة:٧٨]31.
ثانيًا: الشهادة على العباد برهم وفاجرهم:
شهادة الله على العباد برهم وفاجرهم شهادة على صدق الانسان وتقواه، أو كذبه وفسقه، وهذا يجعلنا نزداد مراقبة للذات، ومحاسبة للنفس، والتزامًا بالقيم، كما يجعل القلب يفرق بين الصدق والكذب، وبين الحق والباطل، فيسهم هذا الوعي في معرفة الحقائق.
صور شهادة الله في القرآن الكريم:
أولًا: شهادة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم والعباد.
الله شهيد على أعمال النبي صلى الله عليه وسلم والعباد.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [يونس:٦١].
أخبر الله سبحانه على شهادته على ما يجري في الضمائر، فذكر شهادة على أحوال العباد، وحال الرسول صلى الله عليه وسلم معهم ومجاهدته لهم، وتلاوة القرآن عليهم، وأنه تعالى شاهد على جميع أعمالهم، لا يخفى عليه جل شأنه شيء، ولا يغيب عنه عمل من الأعمال.
فقوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) خطابان للرسول صلى الله عليه وسلم: الأول: عام يشمل شئون الرسول صلى الله عليه وسلم. والثاني: خاص؛ لكنه مندرج تحت عموم الأول. وإنما خص من العموم؛ لأن القرآن الكريم هو أعظم شؤونه عليه الصلاة والسلام.
والمراد: أنه تعالى شاهد على أهل الأرض جميعهم بما كان منهم، وبما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع، يحصي عليهم أعمالهم؛ وكأنه قيل: «وما كنت وتكون في شأن، وما تلوت، وما تتلو فيه من قرآن، وما عملتم، وما تعملون من عمل؛ إذ أفضتم وتفيضون فيه، إلا كنا عليكم شهودًا».
وهناك خطاب عام للأمة كلها في كل شئونها وأعمالها، بعد خطاب رأسها وسيدها في أخص شئونه وأعلاها، فتذكرك الآية في أخصر الألفاظ وأقصرها بأفضل ما أتاك الله من هداية ونعمة، وتنتقل بك إلى كل عمل تعمله من شكر وكفر وإن كان كمثقال ذرة، فإن مجيء. (عمل) نكرة منفية يفيد العموم، ودخول (من) التبعيضية عليه يؤكد هذا العموم، فيشمل أدق الأعمال وأحقرها.
ومثله قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[الزلزلة:٧-٨].
فكان الله شاهدًا عليهم رقيبًا مطلعًا إذ يفيضون فيه32.
ثانيًا: شهادة الله على أهل الكتاب.
فشهادة الله تعالى يوم القيامة على أهل الكتاب وعلى إيمانهم بالمسيح عليه السلام.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النساء:١٥٩].
قال السعدي: «الضمير في قوله: (ﮧ ﮨ) راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى: وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار»33.
وقال الرازي: «قوله: (ﮧ ﮨ) أي: قبل موت عيسى، والمراد أن أهل الكتاب الذين يكونون موجودين في زمان نزوله لا بد وأن يؤمنوا به. ثم قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) قيل: يشهد على اليهود أنهم كذبوه وطعنوا فيه، وعلى النصارى أنهم أشركوا به، وكذلك كل نبي شاهد على أمته»34.
وجاء مصحف أبي بن كعب (قبل موتهم)، ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي، وقرأ الفياض بن غزوان (وإن من أهل الكتاب) بتشديد «إن» والضمير المستتر في (يكون) هو لعيسى عليه السلام في جل الأقوال35.
ثالثًا: شهادة الله على أهل النفاق.
وفي شهادة الله على أهل النفاق بين الله تعالى علاقة المنافقين مـع الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يدعون الايمان كذبًا.
والله تعالى فضحهم، فقال الله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [المنافقون:١].
وشهد الله على المنافقين أنهم كانوا يحلفون للناس بأنهم إنما أرادوا الحسنى ببناء مسجد الضرار؛ ولكنهم كذبوا، والله شاهد على كذبهم.
قال الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التوبة:١٠٧].
وشهد الله على علاقة المنافقين بالمؤمنين، وكذلك في علاقاتهم مع بعضهم ومع الكفار، فشهد على كذبهم، فقال الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحشر:١١].
وشهادة الله على كذب المنافقين والفاسقين تتجلى في أنه يخذلهم في الدنيا، فلا تصح حساباتهـم التي خدعـوا الناس بها، وخدعـوا أنفسهم، والله يفضحهم عاجلًا وآجلًا، وأن الله يلهم أهل التقوى من المؤمنين كذبهم، ولهم الفضيحة الكبرى يوم الفصل.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنعام:١٣٠]، [الأعراف: ٣٧].
كشف القرآن الكريم ما أخفاه المنافقون في صدورهم تجاه الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى في شأن بعض المنافقين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [التوبة:٩٤].
ثالثًا: الشهادة على الوحي:
الوحي في اللغة هو الإعلام الخفي، وقد يضيف البعض قيدًا إلى ذلك، فيقول: هو الإعلام الخفي السريع36.
واصطلاحًا: إعلام الله تعالى أنبياءه ورسله بشرع ليعملوا به ويبلغوه للناس، فنزلت شريعة التوراة على موسى، ونزل الإنجيل على عيسى، ونزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم 37.
وقد يطلق لفظ الوحي ويراد به المنزل من السماء، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها: (أن الحارث بن هشامٍ سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ قال: (كل ذاك يأتيني الملك، أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فيفصم عني، وقد وعيت ما قال، وهو أشده علي، ويتمثل لي الملك أحيانًا رجلًا، فيكلمني، فأعي ما يقول)38.
وكما في قول عائشة رضي الله عنها: (ولقد رأيته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فينفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقًا)39.
والله تبارك وتعالى يشهد على الوحي بأنه أنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[النساء:١٦٦].
قال الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: إن يكفر بالذي أوحينا إليك يا محمد اليهود الذين سألوك أن تنزل عليهم كتابًا من السماء، وقالوا لك: «ما أنزل الله على بشر من شيء» فكذبوك، فقد كذبوا. ما الأمر كما قالوا: لكن الله يشهد بتنزيله إليك ما أنزل من كتابه ووحيه، أنزل ذلك إليك بعلم منه بأنك خيرته من خلقه، وصفيه من عباده، ويشهد لك بذلك ملائكته، فلا يحزنك تكذيب من كذبك، وخلاف من خالفك ( ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)40.
وعن عطاء بن السائب قال: «أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن، وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال: قد أخذت علم الله، فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل، ثم يقرأ (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ).
وقوله: (ﮙ ﮚ) أي: بصدق ما جاءك وأوحي إليك وأنزل عليك، مع شهادة الله تعالى لك بذلك، وكفى بالله شهيدًا»41.
ومستند جميع الأنبياء والمرسلين هو الوحي الذي نزل به الروح الأمين من رب العالمين.
وهذه شهادة رب العالمين: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النساء:١٦٣].
وقال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشورى:١٣].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء:٢٥].
فلا طريق لمعرفة عالم الغيب والتصديق به إلا عن طريق الخبر الصادق الذي يأتينا عن طريق الوحي، كما يكون عن طريق الآثار التي تدل عليه، والفطرة السليمة تتلقى معرفة ذلك بالتسليم والتصديق42.
رابعًا: الشهادة على وحدانية الله:
شهادة الله تعالى على توحيده عبارة عن أنه خلق الدلائل الدالة على توحيده، وجاءت شهادة الملائكة وأولي العلم عبارة عن إقرارهم بذلك.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [آل عمران:١٨].
فالشاهد الحقيقي على توحيده هو الله تبارك وتعالى، وذلك لأنه تعالى هو الذي خلق الأشياء، وجعلها دلائل على توحيده، ولولا تلك الدلائل لما صحت الشهادة، ثم بعد ذلك جعل تلك الدلائل ووفق العلماء لمعرفة تلك الدلائل، ولولا تلك الدلائل التي جعلها الله تعالى وهدى إليها، لعجزوا عن التوصل بها إلى معرفة التوحيد.
ولهذا قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ) [الأنعام:١٩].
وقرأ ابن عباس (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)بكسر (أنه) ثم قرأ (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران:١٩].
بفتح إن، أي: شهد هو وملائكته وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإسلام. والجمهور قرءوها بالكسر على الخبر، وكلا المعنيين صحيح 43.
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا عبدان بن أحمد، وعلي بن سعيدٍ الرازي، قالا: ثنا عمار بن عمر بن المختار، حدثني أبي، حدثني غالبٌ القطان قال: أتيت الكوفة في تجارةٍ، فنزلت قريبًا من الأعمش، فلما كان ليلةٌ أردت أن أنحدر، قام فتهجد من الليل، فمر بهذه الآية (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)، ثم قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، وهي عند الله وديعةٌ (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران:١٩].
قالها مرارًا، قلت: لقد سمع فيها شيئًا، فغدوت إليه فودعته، ثم قلت: يا أبا محمدٍ، إني سمعتك تردد هذه الآية، قال: أو ما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ شهرٍ لم تحدثني، قال: والله لأحدثنك بها إلى سنةٍ، فأقمت سنةً فكنت على بابه، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمدٍ، قد مضت السنة، قال: حدثني أبو وائلٍ، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله عز وجل: عبدي عهد إلي، وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة)44.
شرعت الحدود؛ زجرًا للنفوس عن ارتكاب المعاصي والتعدي على حرمات الله سبحانه، فتتحقق الطمأنينة في المجتمع ويشيع الأمن بين أفراده، ويسود الاستقرار، ويطيب العيش.
كما أن فيها تطهيرًا للعبد في الدنيا؛ لحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته)45.
والحدود: «عقوبة مقدرة شرعت لصيانة الأنساب والأعراض والعقول والأموال وتأمين السبل»46.
وحدود الله: محارمه التي نهى عن ارتكابها وانتهاكها، قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة:١٨٧].
سميت بذلك؛ لأنها تمنع من الإقدام على الوقوع فيها.
وقد جاء في القرآن والسنة النبوية حدود لجرائم محددة تسمى جرائم الحدود، وهذه الجرائم هي:
الزنا واللواط، والقذف، والسرقة،، والسكر، والحرابة، والردة؛ وفي هذا المبحث سنتكلم - إن شاء الله- على الشهادة على ثلاثة من الحدود:
أولًا: الشهادة على الزنا:
أجمع العلماء على أن جريمة الزنا تثبت بالشهادة أو الإقرار أو الحمل، واتفقوا على أن عدد الشهود في هذه الجريمة المنكرة أربعة شهود عدول، سواء أكان في رجم أم جلد، على حر أو عبد؛ لقول الله تعالى:(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)[النساء:١٥].
ولقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النور:١٣].
وهذا العدد شـرط في قبول الشـهادة على الزناة لقول الله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النور:٤].
ولما جاء عن سعد بن عبادة رضي الله عنه. قال: (يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلًا، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم)47.
ولأن الشهادات تتغلظ بتغليظ المشهود فيه، فلما كان الزنا من أغلظ الفواحش المحظورة وآخرها، كانت الشهادة فيه أغلظ: ليكون أستر للمحارم، وأنفى للمعرة، ولا يجوز أن تسمع فيه شهادة النساء.
ولأن الزنا لا يكون إلا من اثنين، فلزم أن يشهد على كل واحد منهما شاهدان؛ لأنه كالشهادة على فعلين48.
أما الإقرار بالزنا فشرطه شاهدان لا أربعة، كغيره من الإقرارات، يعني: لو أقر شخص بأنه زنا، فإن إقراره هذا لا يثبت عليه عند القاضي إلا بشهادة عدلين عليه49.
ويجب أن يشهد الأربعة ويقولون: رأينا إيلاج الذكر في الفرج كالميل في المكحلة بالتفصيل؛ لأنه لا يكفي الإجمال في هذه الحالة50.
وإن شهد اثنان على رجل بأنه زنى بها في الكوفة، وشهد آخران بأنه زنى بها في البصرة مثلًا، فلا تقبل الشهادة، ولا يقام عليهما الحد بالإجماع، ويحد الشهود حد القذف51.
وإذا رأى الرجل زوجته تزني، ولا يجد أربعة شهداء يشهدون على ذلك، ولا يمكنه إقامة البينة، فقد شرع الله عز وجل اللعان حلًا لمشكلته، وإزالة الحرج عنه؛ لئلا يلحقه العار بزناها، ويفسد فراشه، ويلحقه ولد غيره.
واللعان: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين، مقرونة بلعن من الزوج، وغضب من الزوجة52.
قال الله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النور:٦-٧].
وصفة اللعان: هو أن يأتي بأربعة أيمان، والخامسة اللعنة، كما قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النور:٦].
فيأتي إلى الحاكم فيقذف زوجته فلانة بأنه رأى الفاحشة بعينه، وسمع بأذنه، ولم يكن له شهداء، فإذا لم يكن له شهداء، ولم يشهد بذلك إلا نفسه، ولم ينقل ذلك إلا عن رؤيته وعن سمعه، فهذا يشهد أربع شهادات، والخامسة اللعنة؛ فيقوم مقام الشهداء الأربعة53.
ثم يؤتى بالزوجة المتهمة المقذوفة فتشهد أربع شهادات على زوجها فلانًا قد كذب عليها في اتهامها بالزنا مع فلان، وفي الخامسة تقول: أن غضب الله عليها إن كان صادقًا في تهمته.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النور:٨].
سبب كون اللعنة على الرجل والغضب على المرأة: لأن الغضب يكون على الجرم والإثم عن علم، وعن نية مبيتة وقصد سابق، فقد غضب الله على اليهود؛ لأنهم ضلوا عن علم ومعرفة سابقة، ومع علمهم بذلك حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وحسدوا العرب أن تكون النبوءة فيهم، فكانوا مغضوبًا عليهم، (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الفاتحة:٧]. بذلك يرتفع الحد عنها وعنه، فهي لا ترجم، وهو لا يجلد، ويفرق بينهما، فهذا حكم الله الواجب الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الشهادة على السرقة:
السرقة كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن كل معصية أوجب الله تعالى فيها حدًا، فهي كبيرة من الكبائر، لذا حرم الله تعالى أكل أموال الناس بغير حق، قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٨٨].
والذي يسرق آكل للمال بالباطل.
فبين سبحانه أنه لا يجوز الاعتداء على حق المرء المسلم، ولذا شرعت الحدود والعقوبات، حتى تكون زاجرًا عن المعصية، والوقيعة فيها.
لذلك أنزل الله تعالى حد السرقة، وبين حد السارق، فقال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [المائدة:٣٨].
ولم يفرق في الحكم بين الشريف والوضيع، كما جاء في قصة المخزومية، خلافًا للعادة الجاهلية في استيفاء الحقوق على الضعفاء والمغلوبين والترك عن الشرفاء والمرموقين.
والسرقة إفساد في الأرض، قال إخوة يـوسـف عليه السلام لما اتهموا بسرقة صواع الملك (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [يوسف:٧٣].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)54.
وقال صلى الله عليه وسلم: في حجة الوداع وهو يخطب الناس: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)55.
والسرقة: أخذ المال على وجه الاختفاء من مالكه، أو نائبه56.
فلو سرق الإنسان دخانًا، فليس هذا سرقة شرعًا؛ لأن هذا الدخان ليس له حرمة، وكذلك لو سرق خمرًا فإنها ليست بسرقة شرعًا؛ لأنه ليس بمال، فالمال هو العين المباحة النفع، وهذه عين محرمة57.
والشهادة على السرقة تكون بشاهدي عدل، أو الإقرار، والعدل هو من استقام دينه، واستقامت مروءته، فهو ذو دين، وذو مروءة لم يفعل ما يخل بالدين، ولم يفعل ما يخل بالشرف والمروءة، فلا بد في الشهادة إذن أن يكون الشاهدان اثنين عدلين58.
ولا تقبل شهادة النساء في السرقة؛ لأن الحدود لا يقبل فيها إلا الرجال، فإن شهد رجل وامرأتان فلا تقطع اليد، أو أربعون امرأة لا تقطع اليد، أو رجل واحد لا تقطع اليد، أو رجل فاسق ورجل عدل لا تقطع اليد، أو رجلان فاسقان لا تقطع اليد؛ لأنه لا بد من رجلين عدلين59.
فلو أقر مرة واحدة، ثبت شهادته على نفسه، وقال: إني سرقت قطعت يده.
والدليل على ذلك أنه جيء بسارق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأقر بأنه سرق فقال: (ما إخالك سرقت؟ قال: بلى يا رسول الله، فأمر بقطعه)60.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم له: (ما إخالك سرقت) أراد بذلك التثبت61.
ثالثًا: الشهادة على رمي المحصنات:
القذف: الرمي بزنى أو لواط، أو شهادة بأحدهما ولم تكمل البينة، أو نفي نسب موجب للحد فيهما.
وقد حرمه الله تعالى في القرآن العظيم، فقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النور:٤].
وجاء مع الأمر بجلد القاذف أمران نصت عليهما الآية، وهي قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) ونصت الآية الكريمة على عدد الجلد، وهو ثمانون جلدة إذا قذف الرجل المحصنة العفيفة، وكذلك إذا قذف رجلًا أيضًا فإنه يجلد كذلك، إلا أن يأتي القاذف ببينة على صحة القذف، أي: يأتي بأربعة شهداء يشهدون على صحة قوله.
والقاذف ملعون في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النور:٢٣].
قال ابن جرير الطبري: «نزلت هذه الآية في شأن عائشة، والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفه الله بها فيها»62. قال الطبري أيضًا: «يقول تعالى ذكره: والذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهن بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول، يشهدون عليهن أنهم رأوهن يفعلن ذلك، فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها» 63.
قال الحافظ ابن كثيرٍ: «هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلًا فكذلك يجلد قاذفه أيضًا، ليس في هذا نزاعٌ بين العلماء. فأما إن أقام القاذف بينةً على صحة ما قاله، رد عنه الحد؛ ولهذا قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النور:٤].
فأوجب على القاذف إذا لم يقم بينةً على صحة ما قاله ثلاثة أحكامٍ: أحدها: أن يجلد ثمانين جلدةً، الثاني: أنه ترد شهادته دائمًا، الثالث: أن يكون فاسقًا ليس بعدلٍ، لا عند الله ولا عند الناس»64.
وعن سعيد بن زيدٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق)65.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس، التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات)66.
قال الإمام النووي: «المحصنات الغافلات، فبكسر الصاد وفتحها قراءتان في السبع، قرأ الكسائي بالكسر والباقون بالفتح، والمراد بالمحصنات هنا العفائف، وبالغافلات الغافلات عن الفواحش وما قذفن به» 67.
والقذف الذي يوجب الحد هو الرمي بالزنا أو اللواط، أو ما يقتضيهما كالتشكيك في الأنساب، والطعن في الأمهات تصريحًا، لا تعريضًا و لا تلميحًا، إلا إن أقر المعرض بأن مراده هو القذف الصريح.
قال الإمام القرطبي «اتفق العلماء على أنه إذا صرح بالزنى كان قذفًا ورميًا موجبًا للحد، فإن عرض ولم يصرح فقال مالكٌ: هو قذفٌ. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يكون قذفًا حتى يقول أردت به القذف»68.
وقال أيضًا: «للقذف شروط عند العلماء تسعة: شرطان في القاذف؛ وهما: العقل والبلوغ؛ لأنهما أصلا التكليف، إذ التكليف ساقط دونهما، وشرطان في الشيء المقذوف به، و هو: أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد، وهو الزنى واللواط، أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي. وخمسة من المقذوف؛ وهي: العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التي رمي بها، كان عفيفًا من غيرها أم لا» 69.
الحق: مفرد جمعه حقوق، وهو خلاف الباطل، والحقوق مجموعة من القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم حياة الناس من حيث الأشخاص والأموال على سبيل الإلزام هو اختصاص يقرره الشرع أو السلطة الحاكمة70.
أولًا: الإشهاد على البيع:
أمر الله تبارك وتعالى بالإشهاد على البيع فقال: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [البقرة:٢٨٢].
والأمر هنا بالإشهاد للندب والإرشاد إلى ما فيه المصلحة والخير، كما قال جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وليس للوجوب، وحمل الأمر على الندب؛ لأن الأمر في قول الله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ)، منسوخ، بقول الله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة:٢٨٣].
وقاله الشعبي والحسن البصري71.
ومما يدلل على الندب حديث سويد بن قيس قال: (جلبت أنا ومخرفة العبدي بزًا من هجر، فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا بسراويل، وعندي وزان يزن بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان: (زن وأرجح)72.
وكذلك بالحديث الذي يرويه عم عمارة بن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابي فرسًا، فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت وورد بعدة صيغ شهادة خزيمة73.
من الملاحظ على هذه الأحاديث أن البيع تم، ولم يكن شهود على هذه العقود، فدل أن الأمر في الآية للندب وليس للوجوب.
قال الجصاص: «ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية، ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئًا منه غير واجب»74.
وقد نقلت الأمة خلفًا عن سلف عقود المداينات والأشرية والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجبًا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به75.
فلما لم ينقل عن الصحابة والتابعين الإشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة، ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديوان والبياعات غير واجبين76.
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة:٢٨٢] «أي: إذا كان البيع بالحاضر يدًا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها»77.
ثانيًا :الإشهاد على الدين:
أمر الله تعالى بتوثيق الديون، والإشهاد على ذلك، جاء ذلك في آية الدين التي هي أكبر آية في القرآن الكريم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [البقرة:٢٨٢].
ذكرت الآية الدعوة إلى الإشهاد على الدين، لحفظ الحقوق ومنع الخلاف، ويجب على الشاهد قبل تحمل الشهادة، أن يعاين المشهود عليه حتى تكون شهادته في موطنها وعلى وجهها، ويلزم أن يكون آخذ الدين حاضرًا حتى يعرف الشاهد أنه قد أخذ الدين وأقر به، لأن آخذ القرض هو الذي يتحمله ويلزمه رده.
وابتدأ الله تعالى بذكر الإيمان فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ) وهذا يعني أن مخالفة هذه الأحكام نقص في الإيمان، كأنه قال: لكمال إيمانكم افعلوا هذا؛ فإن لم تفعلوا فإيمانكم ناقص.
في الآية جواز الدين شرعًا. قال تعالى:(ﭕ ﭖ)سواء كان هذا الدين ثمن مبيع، أو قرضًا، أو أجرة، أو صداقًا، أو عوض خلع، أو أي دين يكون.
وينقسم الدين إلى ثلاثة أقسام78:
القسم الأول: مؤجل بأجل مسمى، قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ).
القسم الثاني: مؤجل بأجل مجهول.
الدين إلى أجل غير مسمى لا يصح؛ وأخذ هذا القسم من قوله تعالى: (ﭙ)مثل أن أقول لك: اشتريت منك هذه السلعة إلى قدوم زيد، وقدومه مجهول؛ لأن فيه غررًا؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيءٍ ففي كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ) 79.
والدين إلى أجل غير مسمى لا يكتب؛ لأنه عقد فاسد، والدين إلى أجل مسمى جائز بنص الآية80.
القسم الثالث: غير مؤجل.
الدين إلى غير أجل جائز شرعًا، مثاله: أن أشتري منك هذه السلعة، ولا أعطيك ثمنها، ولا أعينه لك؛ فهذا دين غير مؤجل؛ وفي هذه الحال لك أن تطالبني بمجرد ما ينتهي العقد.
وذهب الجمهور إلى عدم وجوب كتابة الدين غير المؤجل؛ لقوله تعالى في الآية التي تليها:(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)، وينبغي على هذا القول أن يستثنى من ذلك ما إذا كان الدائن متصرفًا لغيره كولي اليتيم، فإنه يجب عليه أن يكتب الدين الذي له لئلا يضيع حقه81.
وأما الكاتب فيجب عليه أن يكتب بالعدل (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)بحيث لا يجحف مع الدائن، ولا مع المدين.
ومن صفات الشاهد أن يكون عدلًا، لأن الله تعالى يقول: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الطلاق:٢]82.
ولا يجوز للكاتب الامتناع أو المماطلة عن الكتابة وأن يكتب كما علمه الله؛ لقوله تعالى:(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)؛ ولهذا أكد هذا النهي بالأمر بالكتابة في قوله تعالى: (ﭪ) وهذا ظاهر الآية، ويحتمل أن يقال: إن توقف ثبوت الحق على الكتابة كانت الكتابة واجبة على من طلبت منه؛ وإلا لم تجب83.
وأما إن كان الذي له الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يمل يقوم الولي في الإملال؛ لقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:٢٨٢]
ويستحب توثيق الدين حتى لا تكون عرضة للضياع، لكثرة النسيان، ووقوع المغالطات، والاحتراز من الخونة الذين لا يخشون الله تعالى. ويكون بإحدى هذه الطرق الثلاثة: الكتابة، والإشهاد، والرهن، إنما هو على سبيل الاستحباب والأفضل، وليس ذلك بواجب، وذهب بعض العلماء إلى وجوب كتابة الدين، ولكن أكثر العلماء على الاستحباب، وهو الراجح84.
والشهادة على الدين تتحقق بشاهدين مسلمين من الرجال، فلا تصح هنا شهادة غير المسلمين ولا شهادة الصبيان، وكذلك لا تصح شهادة العبيد عند أكثر الفقهاء85، وتكون برجلين مرضيين عند المشهود له، والمشهود عليه؛ أو رجل، وامرأتان؛ والمرأة يغلب عليها العاطفة، فربما تضل وتحيد عن الشهادة فتقوم الأخرى فتذكرها، قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)فلا يرد على ذلك من نبوغ بعض النساء، وغفلة بعض الرجال.
ولا يجوز للشهود الامتناع إذا دعوا للشهادة، ولقوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة:٢٨٣].
حكم التوثيق بالشهادة:
جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: وهو أن الإشهاد على الدين مندوب إليه وليس بواجب؛ لقوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ).
قال الكيا الهراسي: «ومعلوم أن هذا الأمن لا يقع إلا بحسب الظن والتوهم لا على وجه الحقيقة، وذلك يدل على أن الشهادة إنما أمر بها لطمأنينة قلبه لا لحق الشرع، فإنها لو كانت لحق الشرع لما قال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) ولا ثقة بأمن العباد، إنما الاعتماد على ما يراه الشرع مصلحة، والله تعالى جعل توثيق الديون طرقًا منها: الكتاب، والرهن، والإشهاد، ولا خلاف بين علماء الأمصار أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب، فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد» 86.
فإذا لم تكتب الدين ولم تشهد عليه ولم تأخذ رهنًا فلا تأثم بذلك، والآية نفسها تدل على هذا (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)والائتمان يكون بعدم توثيق الدين بالكتابة أو الشهود أو الرهن، ولكن في هذه الحال يحتاج إلى التقوى والخوف من الله، ولهذا أمر الله في هذه الحال من عليه الحق أن يتقي الله ويؤدي أمانته (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)87.
ثالثًا :الإشهاد على دفع مال اليتيم:
اتفق العلماء على الإشهاد على اليتيم إذا بلغ ورشد واراد الولي دفع المال اليه، عملًا بقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [النساء:٦].
الآية الكريمة تدفع بالأولياء، وتهيب بهم أن يلتزموا جانب الحيطة، والتدبير لأنفسهم بالإشهاد وإطلاع الغير على عملية تسليم المال إلى ذوي العلاقة، فرارًا مما قد يقع فيه من محذور الاتهام نتيجة إحسانه وأتعابه عليهم.
قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ).
والآية أمرٌ من الله تعالى لمن يتولى أمر الأيتام، يقتضي الإشهاد عند دفع المال إلى اليتيم الذي علم منه البلوغ والرشد، ويكون الإشهاد بأنهم قبضوها وتسلموها ممن تولى أمرهم، دفعًا للتهمة، وابتعادًا عن الخصومة88.
و اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد، هل هو واجب أم مستحب:
فالمالكية قالوا: الإشهاد واجب عند الدفع للأيتام 89. وأما الحنفية 90، والحنابلة91، قالوا: إن الإشهاد على دفع المال إلى اليتيم مستحب، إذا لم يكن الولي أبًا أو جدًا، فإذا كان كذلك فلا حاجة للإشهاد.
وجرى العرف والقانون في أيامنا أن تتولى المحاكم الشرعية توثيق وتسجيل أملاك المحجور عليهم من أيتام وغيرهم، وهذا في حالة كون من يتولى أمرهم وصيًا أو قاضيًا.
فالأولى والأفضل في هذه الحالة أن يقوم من يتولى أمر اليتيم بالإشهاد عند دفع المال، وأن يقوم تسجيل ذلك لدى المحكمة المختصة، ابتعادًا عن الخصومة والمنازعة، وتبرئة لساحته.
والملاحظ أن فاصلة الآية الكريمة بأمر بضرورة الإشهاد على عملية تسليم أموال اليتامى من قبل الأولياء، أو الأوصياء بقوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ).
بمعنى: رقيبًا على أعمالكم ليحافظ كل فرد على ما هو مقرر في حقه، فكما كان التشريع يقف في جانب اليتيم يحذر الآخرين مغبة التجاوز عليه، ويشوقهم إلى مساعدته، والأخذ بيده، كذلك حذره من التطاول على من رعاه، وكفى به حسيبًا، ورقيبًا في كل صغيرة، وكبيرة، وهو المطلع على السرائر، ولا تخفى عليه خافية سواء من جانب الأولياء، أو بعد ذلك مما قد يتعقب عملية تسليم الأموال من اتهامات يوجهها اليتامى لأوليائهم.
قال البغوي: «هذا أمر إرشاد، ليس بواجب، أمر الولي بالإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعدما بلغ؛ لتزول عنه التهمة وتنقطع الخصومة، وكفى بالله حسيبًا محاسبًا ومجازيًا وشاهدًا»92.
وقال الجصاص: «وفي هذه الآية دلالة على وجوب تسليم أموال اليتامى بعد البلوغ وإيناس الرشد إليهم وإن لم يطالبوا بأدائها؛ لأن الأمر بدفعها مطلق متوعد على تركه غير مشروط فيه مطالبة الأيتام بأدائها، ويدل على أن من له عند غيره مال، فأراد دفعه إليه أنه مندوب على الإشهاد عليه، لقوله تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ)»93.
وزوال الحجر عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين: بالبلوغ والرشد، فالبلوغ يكون بأحد أشياء أربعة، اثنان يشترك فيهما الرجال والنساء، واثنان تختصان بالنساء، فما يشترك فيه الرجال والنساء أحدهما السن، والثاني الاحتلام، أما السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلامًا كان أو جارية، فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز، فقال: هذا فرق بين المقاتلة والذرية، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة سنة في المقاتلة، ومن لم يبلغها في الذرية. وهذا قول أكثر أهل العلم94.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بلوغ الجارية باستكمال سبع عشرة، وبلوغ الغلام باستكمال ثماني عشرة سنة. وأما الاحتلام فنعني به نزول المني سواء كان بالاحتلام أو بالجماع، أو غيرهما، فإذا وجدت ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيهما كان حكم ببلوغه؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النور:٥٩].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في الجزية حين بعثه إلى اليمن: (خذ من كل حالم دينارًا)95.
وأما الإنبات، وهو نبات الشعر الخشن حول الفرج96 فهو بلوغ في أولاد المشركين، لما روي عن عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت ممن لم ينبت97.
رابعًا: الإشهاد على الوصية:
الوصية: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء أكان المملك عينًا أم منفعة98.
قال الخطيب الشربيني: «الإيصاء يعم الوصية والوصاية لغةً، والتفرقة بينهما من اصطلاح الفقهاء، وهي تخصيص الوصية بالتبرع المضاف لما بعد الموت، والوصاية بالعهد إلى من يقوم على من بعده»99.
والإسلام وجهة طرق الوصية التي كانت عند العرب في الجاهلية للتفاخر والمباهاة، ويتركون أقاربهم في الفقر والحاجة، فألزم أصحاب الأموال قبل تشريع الميراث بالوصية للوالدين والأقربين، فكانت الوصية في مبدأ الأمر واجبة بكل المال للوالدين والأقربين بقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة:١٨٠].
قال السايس: «نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض، وهو قوله: (ألا لا وصية لوارث) ولا ناسخ إلا السنة»100.
وقيل: إنها محكمة ولم يدخلها لا نسخ ولا تخصيص، وقال به أبو مسلم الأصفهاني ومحمد رشيد رضا101.
والراجح أنه لما نزلت آيات سورة النساء بتشريع المواريث تفصيلًا، أصبحت الوصية في الأقربين مقيدة بقيدين:
الأول: عدم كون الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة، لقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة عام حجة الوداع: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث)102. وصارت الوصية مندوبة لغير الوارثين.
الثاني: تحديد مقدارها بالثلث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص الذي أراد الإيصاء بثلثي ماله أو بشطره، إذ لا يرثه إلا ابنة له. فقال: (الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)103. أما الزائد عن الثلث فهو من حق الورثة، لا ينفذ تصرف الموصى له إلا بموافقتهم ورضاهم 104.
وذكر الله تعالى الوصية في آيات المواريث وقدمها على الدين؛ حتى لا يتهاون الناس في الوصية، مع أن الدين مقدم على الوصية في النفاذ، لقول علي رضي الله عنه: إنكم تقرؤون هذه الآية: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النساء:١١].
والنبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الدين قبل الوصية 105.
والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذي لا يرثون إذا كانوا فقراء، باتفاق أهل العلم، لقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الإسراء:٢٦].
وقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة:١٧٧]. فبدأ بهم.
ولقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأحزاب:٦] فسر بالوصية.
قال الطبري: «كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولًى فورثه. فأنزل الله:(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصيةً، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت. وذلك هو المعروف»106.
واشترط الشافعية: لإثبات الوصية الكتابة مع الشهادة، هو أن يطلع الموصي الشهود على ما في الكتابة، فإن لم يطلعهم على ما في كتابه، لم تنعقد وصيته107.
وإذا كان العاجز عن النطق عالمًا بالكتابة مثل الأخرس أو معتقل اللسان، فلا تنعقد وصيته إلا بالكتابة؛ لأن دلالتها على المقصود أدق وأحكم108.
وتنعقد الوصية عند المالكية بالإشارة المفهمة حتى لو كان قادرًا على النطق109.
فمن كتب وصية، ولم يشهد عليها، حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها، فتثبت الوصية ويقبل ما فيها بالخط الثابت أنه خط الموصي، بإقرار ورثته، أو ببينة تعرف خطه تشهد أنه خطه، وإن طال الزمن أو تغير حال الموصي، أو بأن عرف خطه وكان مشهور الخط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده) 110.
ولم يذكر أمرًا زائدًا على الكتابة، فدل على الاكتفاء بها111.
روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، أوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:١٣٢]112113.
خامسًا: الإشهاد على الطلاق:
وضع الإسلام الحلول للإشكالات التي تتعرض لها الأسرة المسلمة، ومن ذلك أباح فسخ عقد النكاح بتشريع الطلاق، فمن حكمة الله تعالى أن شرع الإذن للرجل بالانفراد بالطلاق دون المرأة، لما في ذلك من المصلحة الظاهرة، فلو لم يأذن الله بذلك لكان الطلاق باطلًا كله، إلا أن يرضى الطرفان ! كما هو في سائر العقود.
وذهب جمهور أهل العلم إلى عدم اشتراط الإشهاد على الطلاق لوقوعه، بل وينقلون الإجماع على هذا كما فعل الشوكاني، وإن اختلفوا في استحبابه من عدمه.
وقال الشوكاني: «الإجماع على عدم وجوب الاشهاد في الطلاق»114.
وقال القرطبي: «قوله تعالى: (ﯨ) أمرنا بالإشهاد على الطلاق، وقيل: على الرجعة، والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. ثم الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ)، وعند الشافعي واجب في الرجعة»115.
وذهب آخرون منهم ابن عباس وعمران بن حصين وعطاء و الضحاك و السدي وابن حزم ومن المعاصرين العلامة أحمد شاكر وغيرهم من العلماء إلى اشتراط وجوب الإشهاد في الطلاق 116.
وعمدة القائلين بهذا القول هو قول الله عز وجل في سورة الطلاق: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الطلاق ١-٢]
فقالوا: إن الأمر بالإشهاد في هذه الآية عائد على الطلاق والرجعة معًا، وقال غيرهم: بل هو عائد على الأمر بالرجعة، ومن ثم اختلفوا في دلالة هذا الأمر، فمن قائل: إنه للوجوب، أو للندب، أو للإرشاد117.
وقال القنوجي: «(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ): على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وقيل: عليهما قطعًا للتنازع وحسمًا لمادة الخصومة، والأمر للندب كما في قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ) [البقرة:٢٨٢]»118.
ظاهر سياق الآيات أن الأمر عائد على الطلاق و الرجعة معًا، بل إن السورة بأكملها باسم الطلاق، فهي بيان لأحكامه و مسائله، ومن الممكن أن يكون الأمر بالإشهاد عائد على الأمرين معًا.
قال ابن عاشور: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) ظاهر وقوع هذا الأمر بعد ذكر الإمساك أو الفراق، أنه راجع إلى كليهما؛ لأن الإشهاد جعل تتمة للمأمور به في معنى الشرط للإمساك أو الفراق؛ لأن هذا العطف يشبه القيد وإن لم يكن قيدًا وشأن الشروط الواردة بعد جمل أن تعود إلى جميعها»119.
و اختار كثير من المفسرين القول بأن الأمر بالإشهاد عائد على الطلاق و الرجعة120.
فظهر بهذا أن الأمر بالإشهاد عائد على الطلاق والرجعة معًا، والأمر يقتضي الوجوب إلا إذا أتت قرينة تصرفه عن ظاهره إلى غيره.
قال الشيخ أحمد شاكر: «الظاهر من سياق الآيتين أن قوله تعالى: (ﯨ)راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معًا، والأمر للوجوب؛ لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلى غير الوجوب - كالندب- إلا بقرينة، ولا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب. بل القرائن هنا تؤيد حمله على الوجوب؛ لأن الطلاق عمل استثنائي يقوم به الرجل -وهو أحد طرفي العقد- وحده. سواء أوافقته المرأة أم لا، كما أوضحنا ذلك مرارًا، وتترتب عليه حقوق للرجل قبل المرأة، وحقوق للمرأة قبل الرجل، وكذلك الرجعة، ويخشى فيهما الإنكار من أحدهما، فإشهاد الشهود يرفع احتمال الجحد، ويثبت لكل منهما حقه قبل الآخر. فمن أشهد على طلاقه فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به، ومن أشهد على الرجعة فكذلك، ومن لم يفعل فقد تعدى حد الله الذي حده له فوقع عمله باطلًا لا يترتب عليه أي أثر من آثاره»121.
واستدل القائلون بوجوب الإشهاد أيضًا بقول موقوف على عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته، ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد)122.
والراجح قول من يقول: لا يقع أي طلاق إلا إذا كان بحضرة شاهدي عدل سامعين فاهمين تطبيقًا لقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ) ظاهر في الوجوب كسائر الأوامر الواردة في الشرع، ولا يعدل عنه إلى غيره إلا بدليل.
أعد الله تعالى شهودًا على ابن ادم يوم الدين، ليشهدوا على كل صغيرة وكبيرة فعلها، فيشهد رب العزة، وتشهد الرسل، والملائكة، وتشهد نفس ابن آدم وأعضاؤه، وتشهد الأرض وما عليها، فلا يملك عصاة الجن والإنس يوم القيامة أمام هذه الشهادات المتوالية إلا الاستسلام والاعتراف، هذه بعض الشهادات.
أولًا :الشهادة على النفس:
أشهد الله تعالى الناس على أنفسهم منذ عالم الذر، وأخذ عليهم الميثاق بتوحيده، وأخذ منهم ميثاقًا غليظًا باجتناب الشرك، فقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف:١٧٢].
يخبر الله تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الروم:٣٠] وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولودٍ يولد على الفطرة -وفي روايةٍ: على هذه الملة- فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)123.
وعن عياض بن حمارٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم، عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم)124.
والشهادة على النفس في هذه الآية هو إقرار، والإقرار سيد الأدلة؛ لأنك حين تشهد إنسانًا على غيره؛ فقد يغير الشاهد شهادته، ولكن الأمر هنا أن الخلق شهدوا على أنفسهم وأخذ الله عليهم عهد الفطرة حتى لا يقولوا يوم القيامة: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف:١٧٢] فحين يأتي يوم الحساب، لا داعي أن يقول: إني كنت غافلًا125.
ويأتي على الناس لحظات يشهدون الحق ويعترفون به، فمن أنكره بعد ذلك اتباعًا لهواه فقد تمت عليه الحجة، فيضلله الله على علم ولا يهديه، قال الله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران:٨٦].
وأهل الكتاب يشهدون على أنفسهم مع ذلك يصدون عن سبيل الله مع علمهم بصدق الرسول؛ فكانت شهادتهم حجة عليهم.
قال الله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران:٩٩].
والمشركون يشهدون على أنفسهم بالكفر؛ لذلك منعهم الله من عمارة المساجد.
قال الله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [التوبة:١٧].
والانسان بطبعه كفور وهو شاهد على ذلك ويعترف به.
قال الله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [العاديات:٦-٧].
قال محمد بن كعبٍ القرظي: «ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان، فيكون تقديره: وإن الإنسان على كونه كنودًا لشهيدٌ، أي: بلسان حاله، أي: ظاهرٌ ذلك عليه في أقواله وأفعاله، كما قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة:١٧]126.
وأقرب شيء إلى البشر جوارحه، فهي شاهدة عليه يوم القيامة؛ فيده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها وجلوده التي يلتذ بها، كلها ستشهد عليه يوم القيامة، فعلى الإنسان العاقل أن يعي مسؤوليته الكبيرة، ولا يكون طائشًا في تصرفاته، والله شهيد عليه، وكفى به شهيدًا.
قال الله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [النور:٢٤].
لذلك استحقوا العذاب العظيم، ويكون كل شيء شاهدًا على ما أجرموا، وقد صور الله تعالى ذلك بأن ألسنتهم تشهد عليهم بما اخترصوا فيه، وأرجلهم تشهد بما سعوا فيه بالباطل، وأفسدوا به الناس، وأيديهم تشهد بما بطشوا، وما فعلوا من آثام، وشهادتهم منصبة على ما كانوا يعملون127.
والله يختم على أفواه المبررين، فلا ينطقون بما شاءوا، وانما تنطق ألسنتهم بالحق بغير إرادة منهم أو أنها لا تنطق، إلا بعد أن يأذن لها الله أن تنطق، وبدل الأفواه تنطق الأرجل والأيدي، قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يس:٦٥].
وحين ينطق أقرب الجوارح، فكيف يتهرب البشر من ذاته ومن أقرب الأعضاء إليه؟
قال الله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [فصلت:٢٢].
وهناك يرتاعون من شدة المفاجأة حيث طفقت مواضع الشهوة في أجسادهم تشهد عليهم فإذا بهم يخاطبونها، وهي لم تعد تأتمر بأوامرهم، لم نطقتم بمثل هذا ؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ. قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت:٢١].
قال ابن عباسٍ: «إنهم -يعني: المشركين- إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة، قالوا: تعالوا حتى نجحد. فيجحدون فيختم الله على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون الله حديثًا»128.
وقال ابن جريرٍ الطبري: «إذا كان يوم القيامة، عرف الكافر بعمله، فيجحد ويخاصم، فيقال له: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك. فيقول: كذبوا. فيقول: أهلك وعشيرتك. فيقول: كذبوا، فيقول: احلفوا. فيحلفون، ثم يصمتهم الله، فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم، ثم يدخلهم النار»129.
ثانيًا: شهادة الرسول والمؤمنين على الأمم:
الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته.
قال الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأحزاب:٤٥].
وقال الله تعالى لنبيه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الفتح:٨].
قال الشنقيطي: «بين تعالى أنه يبعثه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شاهدًا على أمته، وأنه مبشر للمؤمنين ومنذر للكافرين. قال تعالى في شهادته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على أمته: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:٤١]»130.
فالرسول يشهد عليهم عند ربه، ويقبل الله شهادته وشفاعته، وعليهم أن يحترموه وأن يحذروا مخالفة أمره، فهو مبلغ اليهم رسالات الله، وأن عصيانه يقتضي عذابًا أليمًا في الدنيا، كما يقتضي عذابًا في يوم القيامة.
قال الله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المزمل:١٥-١٦].
«وتتجلى شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حيث يشهد لمن أطاعه فيرضى عنهم الله جل جلاله، ويشهد على من عصوه فيعذبون، قال الله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:٤١].
يقول تعالى مخبرًا عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه: فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين يجيء من كل أمة بشهيد، يعني: الأنبياء عليهم السلام؟
كما قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الزمر:٦٩]131.
وقال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل:٨٩].
والفرق بين الشاهد والشهيد، الشاهد: هو القائد القائم عليهم، والشهيد: هو المسؤول دومًا عنهم، وهكذا كان عيسى عليه السلام شهيدًا على بني إسرائيل مادام بينهم، وقال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [المائدة:١١٧].
وقيل: الشاهد بمعنى الحدوث. والشهيد بمعنى الثبوت. فإذا تحمل الشهادة فهو شاهد باعتبار حدوث تحمله، فإذا ثبت تحمله لها زمانين أو أكثر فهو شهيد132.
والله جعل في كل أمة نبيًا شهيدًا، يبعث يوم القيامة ليشهد عليهم ولا يحق للمشهـود عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ولا يقبل عتابهم.
وقال الله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [النحل:٨٤].
والشهداء بعد الأنبياء هم علماء الأمة في كل جيل، فعلى الناس اتباعهم والأخذ بمنهجهم بما يوافق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن رفضوا أو اتبعوا الجبارين والطغاة والسلاطين الظلمة، فمصيرهم يوم القيامة بأن شهد عليهم العلماء بأنهم أشركوا بالله واتبعوا الطاغوت، قال الله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [القصص:٧٤-٧٥].
والأمم لما تكذب رسلها وتقول كل أمة: ما جاءنا من نذير، فتأتي هذه الأمة: أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد للرسل عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه، تشهد لهم بالبلاغ كما قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة:١٤٣].
وعن أبي سعيدٍ الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمته، فتشهدون أنه قد بلغ: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة:١٤٣]. فذلك قوله جل ذكره: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة:١٤٣])133.
قال الخازن في تفسير قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأعراف:٦]: «يعني: نسأل الأمم الذين أرسلنا إليهم الرسل ماذا عملتم فيما جاءتكم به الرسل، (ﮍ ﮎ) يعني: ولنسألن الرسل الذي أرسلناهم إلى الأمم: هل بلغتم رسالاتنا وأديتم إلى الأمم ما أمرتم بتأديته إليهم أم قصرتم في ذلك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى هذه الآية: يسأل الله تعالى الناس عما أجابوا به المرسلين ويسأل المرسلين عما بلغوا، وعنه أنه قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.
وقال السدي: يسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرسل، ويسأل الرسل هل بلغوا ما أرسلوا به.
فإن قلت: قد أخبر عنهم في الآية الأولى بأنهم اعترفوا على أنفسهم بالظلم في قوله (ﮅ ﮆ ﮇ)فما فائدة هذا السؤال مع اعترافهم على أنفسهم بذلك؟
قلت: لما اعترفوا بأنهم كانوا ظالمين مقصرين سئلوا بعد ذلك عن سبب هذا الظلم والتقصير، والمقصود من هذا التقريع والتوبيخ للكفار.
فإن قلت: فما الفائدة في سؤال الرسل مع العلم بأنهم قد بلغوا رسالات ربهم إلى من أرسلوا إليهم من الأمم؟
قلت: إذا كان يوم القيامة أنكر الكفار تبليغ الرسالة من الرسل، فقالوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فكان مسألة الرسل على وجه الاستشهاد بهم على من أرسلوا إليهم من الأمم أنهم قد بلغوا رسالات ربهم إلى من أرسلوا إليه من الأمم، فتكون هذه المسألة كالتقريع والتوبيخ للكفار أيضًا؛ لأنهم أنكروا تبليغ الرسل، فيزداد بذلك خزيهم وهوانهم وعذابهم»134.
الشهادة أمر عظيم، وباب خطير، ولها جملة من الأحكام تتعلق بأدائها، ومن تلك الأحكام:
أولًا: شروط أداء الشهادة:
الشهادة تحملًا وأداءً يشترط لها شروط تتعلق بالشاهد وشروط تخص بعض الشهادات دون بعض، وهي كالتالي:
أولًا: شروط تتعلق بالشاهد. وهي:
من شروط الشاهد التكليف هو عندما يصبح الإنسان مكلفًا بتطبيق الأحكام الشرعية، ويراد بذلك: العقل، والبلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي والمجنون.
واشتراط الشرع العقل ليتمكن الشاهد من فهم الحادثة وضبطها، والعقل آلة ذلك، والبلوغ من شروط الأداء لا من شروط التحمل135.
والبلوغ من الشروط التي هي محل إجماع، فلا تقبل شهادة غير البالغ136.
قال النيسابوري: «أجمعت الأمة على أنه لا بد فيه من العقل والبلوغ، فلا حد على مجنون ولا على صبي؛ لأنهما ليسا من أهل التكليف»137.
فلا تقبل شهادة الكافر على المسلم. وكذا على غير المسلم.
فقد اتفق جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية، والحنابلة على أن الإسلام شرط لقبول الشهادة، فلا تقبل شهادة الكافر على المسلم. وكذا على غير المسلم138. وأما الحنفية فقالوا: شهادة أهل الكفر بعضهم على بعض مقبولة إن كانوا من أهل الذمة139.
فلا تقبل شهادة العبد.
فقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على عدم قبول شهادة العبد، وأما الحنابلة يقبلون شهادة العبد، وكذا شهادة الأمة فيما تجوز فيه شهادة النساء، وسواء كان العبد رقيق الكل أو مبعضًا140.
وهي محل اتفاق بين العلماء، فلا تقبل شهادة الفاسق، ومن لا مروءة له141.
فلا تقبل شهادة الأخرس.
قال الحنفية والحنابلة142: لا تقبل شهادة الأخرس، ذلك أن الشهادة تختص بلفظ الشهادة، وهذا لا يمكن تحققه مع الأخرس أما المالكية والشافعية143، فقالوا: إن فهمت إشارته جاز144.
فلا تقبل شهادة الأعمى.
لا تقبل شهادة الأعمى عند الحنفية145، وأما عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة فقد أجازوا شهادته في الأقوال دون الأفعال، وأما أبو حنيفة ومحمد فلا يجيزان شهادة الأعمى بحال146.
وحسن السماع، والفهم: فلا تقبل شهادة المغفل، والمعروف بكثرة الغلط والنسيان147.
ثانيًا: شروط تخص بعض الشهادات دون بعض:
ثالثًا: كيفية أداء الشهادة:
يشترط في كيفية أداء الشهادة على الوجه الصحيح أربعة شروط:
الشرط الأول: اللفظ.
يعتبر في أداء الشهادة الإتيان بلفظها فيقول: أشهد بكذا، فإن قال: أعلم وأتيقن أو أحق ونحوه لم يعتد به؛ لأنها مشتقة من اللفظ، وإذا شهد بأرض أو دار، فلا بد من ذكر حدودها؛ لأنها لا تعلم إلا بذلك، وإن شهد بنكاح اشترط ذكر شروطه من الولي والشهود والإيجاب والقبول؛ لأن الناس يختلفون فيها، وإن شهد بالرضاع احتاج إلى وصفه وأنه ارتضع من ثديها أو من لبن حلب منه، وذكر عدد الرضعات وأنه في الحولين، ولو شهد أنه ابنها من الرضاع لم يكف؛ لاختلاف الناس فيما يصير به ابنًا149.
قال ابن عادل في تفسير قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة:١٤٣].
«اختص هذا اللفظ في عرف الشرع بمن يخبر عن حقوق الناس بألفاظ مخصوصة على جهات مخصوصة»150.
الشرط الثاني: حسن الأداء للشهادة.
فلو قال الشاهد: معي شهادة أو عندي شهادة أن فلانًا فعل كذا أو أقر بكذا لم يكن ذلك أداء صحيحًا.
فلا يجوز لأحد أن يشهد على الآخر، إلا إذا كان حسن الأداء بالشهادة، حتى لو رأى الخط، إلا أن يكون ذاكرًا لما يشهد به، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة:٢٨٢].
فدل ذلك على أن الكتاب إنما أمر به ليتذكر به كيفية الشهادة، وأنها لا تقام إلا بعد حفظها وإتقانها.
وفيه الدلالة على أن الشاهد إذا قال: لا أذكر، ثم تذكر، يجوز له إقامة الشهادة151.
الشرط الثالث: العدالة في الشهود.
وإن غلب في ظن الحاكم عدالتهم لا تصح شهادتهم وإن رضي الخصم بشهادة من ليس بعدل لا تقبل شهادته إلا أن يقول الخصم: صدق، فتؤخذ شهادته من باب الإقرار.
ونقل الشنقيطي عن ابن فرحون مراتب العدالة التي شملت أنواع الشهود قوة وضعفًا، وفيما تقبل شهاداتهم وفيما لا تقبل، وقال: إنها إحدى عشرة مرتبةً، وهي:
الأولى: الشاهد المبرز في العدالة العالم بما تصح به الشهادة، فتجوز شهادته في كل شيء، وتجريحه ولا يسأل عن كيفية علمه بما شهد به من ذلك كله إذا أبهمه، ولا يقبل فيه التجريح إلا بالعداوة.
الثانية: المبرز في العدالة غير العالم بما تصح به الشهادة، فحكمه كالأول، إلا أنه يسأل عن كيفية علمه بما شهد به إذا أبهم ذلك.
الثالثة: الشاهد المعروف بالعدالة العالم بما تصح به الشهادة، فتجوز شهادته إلا في ستة مواضع على اختلاف في بعضها، وهي التزكية، شهادته لأخيه ولمولاه ولصديقه الملاطف ولشريكه في غير التجارة، وإذا زاد في شهادته أو نقص فيها، ويقبل فيها التجريح بالعداوة وغيرها، ولا يسأل عن كيفية علمه بما شهد به إذا أبهم ذلك.
الرابعة: المعروف بالعدالة غير العالم بما تصح به الشهادة، حكمه كذلك إلا أنه يسأل عن كيفية علمه بما شهد به إذا أبهم ذلك.
الخامسة: الشاهد المعروف بالعدالة إذا قذف قبل أن يحد فاختلف في قبول شهادته.
السادسة: الذي يتوسم فيه العدالة تجوز دون تزكية فيما يقع بين المسافرين في السفر من المعاملات، وفيما عدا ذلك لا بد من تزكيته، لأنه هو المعروف بمجهول الحال، والصحيح أن مثله لا بد من التحري عنه حتى ينكشف أمره.
السابعة: الذي لا يتوسم فيه العدالة ولا الجرحة فلا تجوز شهادته في موضع من المواضع دون تزكية، إلا أن شهادته تكون شبيهة في بعض المواضع عند بعض العلماء، فتوجب اليمين وتوجب الحميل وتوقيف الشيء على المدعى عليه.
الثامنة: الذي يستوسم فيه الجرحة فلا تجوز شهادته دون تزكية، ولا تكون شهادته شبهة توجب حكمًا.
التاسعة: الشاهد الذي ثبت عليه جرحة قديمة أو يعلمها الحاكم فيه، فلا تجوز شهادته دون تزكية، ولا تقبل فيه التزكية على الإطلاق، وإنما تقبل ممن علم بجرحته إذا شهد على توبته منها، ونزوعه منها، والمحدود في القذف بمنزلته على مذهب مالك؛ لأن تزكيته لا تجوز على الإطلاق، وإنما تجوز بمعرفة تزيده في الخير.
العاشرة: المقيم على الجرحة المشهود بها، فلا تجوز شهادته ولا تقبل التزكية فيه، وإن زكى، وإنما تقبل تزكيته فيما يستقبل إذا تاب.
الحادية عشر: شاهد الزور، فلا تصح شهادته وإن تاب وحسنت حاله، وفي رواية أبي زيد: إذا جاء تائبًا مقرًا على نفسه بشهادة الزور قبل أن تظهر عليه، وهو الأظهر»152.
الشرط الرابع: حضور الخصم المدعى عليه عند أداء الشهادة أو حضور نائبه.
وإن لم يكن حاضرًا هو أو نائبه لم يصح أداؤها، ويجوز للقاضي تحليفهم وتفريقهم.
والأصوب في الشهادة هو الوقوف أمام القاضي، ويذكروا له كيفية الواقعة، كما حدث مع أخوة يوسف، فقال الأخ المحتبس بمصر لإخوته: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [يوسف:٨١]153.
قال الشربيني في تفسير قوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [فصلت:٢٠].
أي: النار التي كانوا بها يكذبون، فما زائدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور»154.
رابعًا: موانع قبول الشهادة:
يمنع من الشهادة عدة أشخاص وهم:
كتمان شهادة الحق من العلامات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي ستكون بين يدي الساعة، ففي حديث عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق)171.
وشهادة الزور هي الكذب المتعمد في الشهادة لإبطال الحق، وكذلك كتمان الشهادة لإبطال الحق، وهذه من العلامات التي تكون بين يدي الساعة التي وقعت الآن بمثل ما أخبر به الصادق المصدوق.
أولًا: عقوبة كتم الشهادة:
قال تعالى في كتمان شهادة الحق: (ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة:٢٨٣].
فإذا دعي المريء إلى الشهادة فلابد أن يشهد بالحق الذي رآه بعينه والذي سمعه بأذنيه، ولا يشهد على غبش، ولا يقل: بلغني كذا أو سمعت عن فلان كذا وكذا172.
وعن سعيد بن جبيرٍ في قول الله: (ﭨ ﭩ ﭪ) يعني: عند الحكام، يقول: من أشهد على حقٍ، فليقمها على وجهها، كيف كانت»173.
وعن الربيع: «فلا يحل لأحدٍ أن يكتم شهادةً هي عنده، وإن كانت على نفسه أو الوالدين أو الأقربين»174.
وكتمان الشهادة ظلم، وبخاصة عندما تكون الشهادة المفروضة حق الله، مثل: الشهادة بأركان الإيمان أو الإسلام.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة:١٤٠].
وكذلك كل من يكتم الشهادة على حقوق الناس المفروضة فهم آثم.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [البقرة:٢٨٣].
والخطاب في قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ) إلى الشهود يعني: إذا دعيتم إلى إقامتها وأدائها، وذلك لأن الشاهد متى امتنع عن إقامة الشهادة وكتمها فقد أبطل بذلك حق صاحب الحق؛ فلهذا نهى الله تعالى عن كتمان الشهادة وبالغ في الوعيد عليه فقال تعالى: (ﭬ ﭭ)يعني: الشهادة فإنه آثم قلبه، أي: فاجر قلبه والآثم الفاجر، وإنما أضيف الإثم إلى القلب لأن الأفعال من الدواعي والصوارف إنما تحدث في القلب، فلما كان الأمر كذلك أضيف الإثم إلى القلب، قيل: ما أوعد الله على شيء كإيعاده عن كتمان الشهادة فإنه تعالى قال (ﭮ ﭯ ﭰ)أراد به مسخ القلب (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)يعني: من بيان الشهادة وكتمانها، ففيه وعيد وتحذير لمن كتم ولم يظهرها.
ويدخل في كتمان الشهادة ألا يقول ما عاين، بأن يمتنع عن الذهاب إلى مجلس القضاء مطلقًا، أو يذهب ويقول: لا أعلم؛ فإن ذلك فوق أنه كتمان كذب، أو يقول بعض ما يعلم. والأداء أن يقول كل ما يعلم حيث طلب إليه أن يقول، ولا يترك شيئًا مما يعلمه متصلًا بموضوع الشهادة175.
قال الزمخشري في هذا المعنى: «كتمان الشهادة هو أن يضمرها، ولا يتكلم بها، فلما كان إثمًا مقترنًا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ؛ ألا تراك إذا أردت التوكيد تقول: هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته أذني، ومما عرفه قلبي؛ ولأن القلب رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله؛ فكأنه قيل: فقد تمكن الإثم في أصل نفسه، وملك أشرف مكان فيه، ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان، وليعلم أن القلب أصل متعلقه، ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه؛ ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح، وهي لها كالأصول التي تشع منها، ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر، وهما من أفعال القلوب؛ فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب، فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب»176.
(ﭮ ﭯ ﭰ) مرفوع بالفاعلية أو الابتداء، أي: يأثم قلبه أو قلبه آثم، وأسند الإثم إلى القلب لأن الكتمان فعل القلب، ففي الإسناد إليه تأكيد ومبالغة، كما يقال، رأيته بعيني وسمعته بأذني وحفظته بقلبي أو لأنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغةً: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) 177 178.
وعن ابن عباسٍ قال: «ومن الكبائر: كتمان الشهادة؛ لأن الله يقول: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)»179.
وعن سعيد بن جبيرٍ في قول الله:(ﭬ ﭭ): «يعني: الشهادة، لا يشهد بها إذا دعي لها، فإنه آثمٌ قلبه» 180.
وعن السدي في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ)يقول: فاجرٌ قلبه 181.
وختمت الآية بقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) يعني: من كتمان الشهادة، وإقامتها عليهم عليمٌ وتهديد هذه الآية دليل على أن كتمان الشهادة حرام وأداؤها فريضة وإن لم يسأله المشهود له، وإذا كان المشهود له لا يعلم بشهادة الشاهد يجب على الشاهد أن يعلمه بأنه شاهد.
وقال آخرون: الشهادة من قبل أن يستشهد مذمومه؛ لحديث عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم أن بعدهم قومًا يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) 182183.
ثم جاء قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) فالآية خاصة متصلة بالآية التي قبلها، وإنما نزلت في كتمان الشهادة، ومعنى الآية (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)أيها الشهود من كتمان الشهادة أو تخفوه، أي: تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله184.
ثانيًا :عقوبة شهادة الزور:
شهادة الزور من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، فهي سبب في أكل أموال الناس بالباطل، وسبب لإضاعة الحقوق، وسبب لإضلال الحكام والقضاة ليحكموا بغير الحق، فيجب اجتنابها.
والزور في اللغة: الكذب والباطل، وقيل: هو شهادة الباطل، يقال: رجلٌ زور، وقوم زور؛ أي: مموهٌ بكذب185.
وشهادة الزور شرعًا: الشهادة بالكذب؛ ليتوصل بها إلى الباطل، من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام، أو تحريم حلال، وقيل: أن يشهد المرء بما لا يعلم عامدًا ولو طابق الواقع. وقيل: هي الشهادة بالكذب186.
وتعتبر شهادة الزور من أبشع الرذائل، وأشنع المعاصي، وأفحش الآثام، وأعظم الموبقات، وأكبر الكبائر. ويكفي للدلالة على فظاعتها وخطورتها أن رب العزة سبحانه قرن النهي عنها بالنهي عن عبادة الأوثان في محكم القرآن187.
قال الله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج:٣٠].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر). ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين-وجلس وكان متكئًا، فقال- ألا وقول الزور). قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت188.
فجلوسه عليه الصلاة والسلام بعد اتكائه يشعر باهتمامه الكبير بهذه الآفة الخطيرة، ويفيد تأكيد حرمتها، وعظم قبحها. وسبب اهتمامه عليه الصلاة والسلام المتزايد بها، هو: كونها أسهل وقوعًا على الناس، والتهاون بها أكثر، والحوامل عليها كثيرة، كالعداوة والحسد وغير ذلك189.
وشاهد الزور خوان أثيم، وله عند الله العذاب الأليم.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:١٠٧].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمـانة له). 190
وشاهد الزور غشاش مكار كذاب، شاهد الزور إذا مات ولم يتب يعذب في النار بقدر جرمه وكذبه.
ونبينـا صلى الله عليه وسلم يقول: (من غشنا فليـس منا)191.
وعن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابًا)192.
وشاهد الزور يجني على نفسه أولًا، فيلبسها لباس الخزي والعار والذل والاحتقار، ويعرضها لعقاب الجبار.
ثانيًا: يجني على المشهود عليه بإلحاق الضرر به، وقهره وغلبته بالباطل، وحرمانه من حقه، وإيغار صدره عليه، والله تعالى يقول: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة:٨]
ثالثًا: يجني على المشهود له بإعانته على الباطل والجور والعصيان، وربنـا جل وعـلا يقـول (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة:٢].
رابعًا: يجني أيضًا على المجتمع برمته، بحيث يسهم في إفساده وتخريبه وتهديد كيانه وإسقاطه من بين المجتمعات الراقية، ذلك أن أي مجتمع تنتشر وتتفشى فيه هذه الآفة الخطيرة وهذه الجريمة الشنيعة يكون عرضة للانحدار والسقوط193.
وإذا أقر الإنسان أنه شهد زورًا عند القاضي فهو فاسق ترد شهادته، يفعل القاضي به ما يحقق المصلحة، بحسب الناس، وحجم القضية. فله أن يعزره بما يردعه بالضرب مثلًا، أو الحبس، أو التوبيخ، أو يشهر به في الأسواق أو بين قومه، ليعرفه الناس ويحذروه.
وأما إذا تسبب في القتل بشهادته، فقد ذهب الحنفية، والمالكية إلى أن الواجب هو الدية لا القصاص؛ لأن القتل بشهادة الزور قتلٌ بالسبب، والقتل تسببًا لا يساوي القتل مباشرة؛ فوجبت به الدية لا القصاص194.
وجاء عن الإمام مالك: «قلت: أرأيت القاضي إذا أخذ شاهد زور كيف يصنع به وما يصنع به؟ قال: قال مالك: يضربه، ويطوف به في المجالس»195.
وقال ابن جزي: «إذا عثر على شاهد الزور عوقب بالسجن والضرب، ويطاف به في المجالس»196.
وقال ابن العربي: «يسود وجهه، ولا تقبل شهادته؛ لأنه لا تعرف له توبة»197.
وعند الشافعية والحنابلة: يجب حد القذف على الشهودٍ إذا شهدوا بالزنا، ويقام عليهم الحد، سواء تبين كذبهم قبل الاستيفاء أم بعده، ويحدون في الشهادة بالزنا حد القذف أولًا، ثم يقتلون إذا تبين كذبهم بعد استيفاء الحد بالرجم 198.
ثالثًا: حكم توبة شاهد الزور:
ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة وأبو ثور199، إلى أنه إذا تاب شاهد الزور، وأتت على ذلك مدة، فظهر فيها توبته، وتبين صدقه فيها وعدالته قبلت شهادته؛ لقوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [آل عمران:٨٩].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)200. ولأنه تائب من ذنبه، فقبلت توبته كسائر التائبين.
ومدة ظهور التوبة عندهم سنة؛ لأنه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة، فكان أولى المدد بالتقدير سنة؛ لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التي تهيج فيها الطبائع، وتتغير فيها الأحوال201.
وقال البابرتي: «مدة ظهور التوبة عند بعض الحنفية ستة أشهر، ثم قال: والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضي»202.
وقال المالكية: إن كان ظاهر الصلاح حين شهد بالزور، لا تقبل له شهادة بعد ذلك؛ لاحتمال بقائه على الحالة التي كان عليها، وإن كان غير مظهر للصلاح حين الشهادة، ثم ظهر فيه الصلاح تقبل توبته203.
موضوعات ذات صلة: |
الدَين، الزور، العدل |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ص ٥٣٩.
2 لسان العرب، ابن منظور ٣/٢٣٩.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٨.
4 الاختيار لتعليل المختار، الموصلي ٢/٤١٣.
5 نهاية المحتاج، الرملي ٨/٢٩٢.
6 شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/٥٧٥.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٣٨٨ - ٣٩٠.
8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٦٧-٢٦٨.
9 مقاييس اللغة ٢/٢٣٩.
10 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٢٧٣، التعريفات، الجرجاني ص٩٦.
11 انظر: شأن الدعاء، الخطابي ص٦٣.
12 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٢/١١٦.
13 المنثور في القواعد، الزركشي ٢/١١٦.
14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٠٨٣، تهذيب اللغة، الأزهري ٢/٤١٨
15 الصحاح، الجوهري ٥/١٩٩٠.
16 التعريفات ص ١٩١.
17 فتح الباري، ابن حجر ١/١٤١.
18 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١٠٩، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٤٤.
19 مختار الصحاح، الرازي ص ٣٤٩.
20 انظر: فتح القدير، ابن الهمام ٦/٢٨٠، الشرح الصغير ٣/٥٢٥، كشاف القناع، البهوتي ٦/٣٦٧.
21 انظر: المغني، ابن قدامة ١٢/٤، الشرح الكبير، ابن قدامة ١٢/٣.
22 انظر: العين، الفراهيدي ٤/٤٥٤.
23 لسان العرب، ابن منظور ١/٦٥٤.
24 انظر: المصدر السابق.
25 المنار، محمد رشيد رضا ٧/٤٢٢.
26 التحرير والتنوير ٦/٢٧٠.
27 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٦/١١٠.
28 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٧/٤٢٢.
29 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/٢٤٧، رقم ٣٧١٢.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٣٨٣، رقم ١٩٩.
30 انظر: أركان الإيمان، علي بن نايف الشحود ص١٢.
31 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ١/١٠٧.
32 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١١/٣٣٩، لباب التأويل، الخازن ٣/٤٠٨.
33 تيسير الكريم الرحمن ص٢١٣.
34 مفاتيح الغيب ١١/٢٦٣.
35 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٣٤، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٧/١١٩.
36 انظر: المصباح المنير، الفيومي ص ٦٥١، فتح الباري، ابن حجر ١/٩.
37 انظر: الوحي والإنسان، الجليند ص ٤٩.
38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ٤/١١٢، رقم ٣٢١٥.
39 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب القرآن، باب ما جاء في القرآن ١/٢٠٢.
40 جامع البيان ٩/٤٠٩.
41 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٧٦.
42 مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان جمعة ضميرية ص ٣٨٧.
43 انظر: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية، الشوكاني ١/٢٠٩.
44 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ١٠/١٩٩، رقم ١٠٤٥٣.
45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب الحدود كفاراتٌ لأهلها، ٣/١٣٣٣، رقم ١٧٠٩.
46 الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة، سعود ابن عبد العالي بن البارودي، رقم ١٤٢.
47 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، ٢/١١٣٥، رقم ١٤٩٨.
48 انظر: مغني المحتاج، الشربيني ٤/٤٤١.
49 انظر: نهاية المحتاج، الرملي ٨/٣١٠.
50 انظر: تحفة المحتاج، الهيتمي ١٠/٣٤٦.
51 انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ٥/٣٩.
52 انظر: كشف القناع، البهوتي ٥/٣٩٠.
53 انظر: تفسير المراغي ١٦/٧٦، صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٢٩٩.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه، رقم٢٤٧٥، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
55 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء، رقم ١٦٧٩، عن أبي بكرة رضي الله عنه.
56 انظر: حاشية اللبدي على نيل المآرب ٢/٤٠٢.
57 انظر: المعونة، القاضي عبدالوهاب ٣/١٥٥١، روضة الطالبين، النووي ٨/٢٢٥.
58 انظر: المهذب، الشيرازي ٣/٤٥٠، الإجماع، ابن المنذر ص٨٧.
59 انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/٢٠٨، الإنصاف، المرداوي ٢/٧٨.
60 أخرجه أحمد في مسنده، ٥/٢٩٣، عن أبي أمية المخزومي.
وصححه ابن القطان، كما في تلخيص الحبير، ابن حجر ٤/١٢٥.
61 انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/٢٠٨، الإنصاف، المرداوي ٢/٧٨.
62 جامع البيان، ١٩/١٤٠.
63 المصدر السابق ١٩/١٠٢.
64 تفسير القرآن العظيم ٦/١٤.
65 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم ٤٨٧٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٣٩، رقم ٢٢٠٣.
66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ٨٩.
67 شرح النووي على صحيح مسلم ٢/٨٤.
68 الجامع لأحكام القرآن ١٢/١٧٣.
69 المصدر السابق ١٢/١٧٤.
70 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٦٧.
71 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧٢٥.
72 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البيوع، باب ما جاء في الرجحان في الوزن ٣/٥٩٨، رقم ١٣٠٥.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٦٨، رقم ٣٥٧٤.
73 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، ٣/٤٦٠، رقم ٣٦٠٨.
وصححه، الألباني في الإرواء، ٥/١٢٧، رقم ١٢٨٦.
74 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٢٠٦.
75 انظر: فقه السنة، سيد سابق ٣/٧٤.
76 المصدر السابق.
77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧٢٦.
78 انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ١/٥٤٧.
79 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، رقم٢١٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب السلم، رقم ١٦٠٤.
80 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين ٥/٣٢٣.
81 انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ١/٥٤٧.
82 انظر: معين الحكام، الطرابلسي ص ١٢٥.
83 انظر: أدب القاضي، الماوردي ٢/٩٨.
84 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٨٣.
85 انظر: كشف الأسرار، علاء الدين البخاري ٣/٥٢، معين الحكام، الطرابلسي ص ١٢٥.
86 أحكام القرآن، الكيا الهراسي ١/٢٣٨.
وانظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢٦٢، أحكام القرآن، الجصاص ١/٤٨٢.
87 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٦٨.
88 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/٢٩٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٤٦.
89 انظر: أسهل المدارك، الكشناوي ٢/٣.
90 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/٢٩٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٤٦.
91 انظر: كشاف القناع، البهوتي ٣/٤٤٣.
92 معالم التنزيل ٢/١٦٩.
93 أحكام القرآن ٢/٦٤.
94 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/١٦٥.
95 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٤/٤٨٠، معالم التنزيل البغوي ٢/١٦٦.
96 انظر: تحفة الإخوان، الشيخ عبدالعزيز بن باز ص١٦٠.
97 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في الغلام يصيب الحد، رقم ٤٤٠٤.
98 انظر: الدر المختار، ابن عابدين ٥/٤٥٧، حاشية الصاوي ٤/٥٧٩، مغني المحتاج، الشربيني ٣/٣٨.
99 مغني المحتاج، الشربيني ٣/٣٩.
100 تفسير آيات الأحكام، السايس ١/٤١.
101 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٢/١١٠.
102 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث ٤/٤٣٣، رقم ٢١٢٠.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في الإرواء، ٦/٨٧، رقم ١٦٥٥.
103 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ٥/٦٨، رقم ٣٩٣٦.
104 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٦٣، مناهل العرفان، الزرقاني ٢/١٨٤.
105 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الوصايا، باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية، ٤/٤٣٥ رقم ٢١٢٢.
وحسنه الألباني في الإرواء، ٦/١٠٧، رقم ١٦٦٧.
106 جامع البيان، الطبري ٨/٢٧٥.
107 انظر: مغني المحتاج، الشربيني ٣/٣٩.
108 انظر: الفتاوى الهندية، نظام الدين البلخي وآخرون ٢/٣٤٧، رد المحتار، ابن عابدين ٣/٤٤٣.
109 انظر: الشرح الصغير، الصاوي ٤/٦٠١.
110 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، ٣/١٢٤٩، رقم ١٦٢٧.
111 انظر: المغني، ابن قدامة ٦٩/٦.
112 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٤٣/٢٨٢.
113 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الوصايا، باب كيف تكتب الوصية، ٩/٥٣، رقم ١٦٣١٩.
وصححه الالباني في إرواء الغليل، ٦/٨٤.
114 السيل الجرار، الشوكاني ص ٤٣٩.
115 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٧.
116 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٤٥، الدر المنثور، السيوطي ٦/٢٣٢، المحلى، ابن حزم ١٠/٢٥١، نظام الطلاق في الإسلام، أحمد شاكر ص٨٠.
117 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٥/٤٦١.
118 نيل المرام، القنوجي ص٤٥١.
119 التحرير و التنوير ٢٨/٣٠٩.
120 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/٣٣٥، معالم التنزيل، البغوي ٨/١٥٠، الكشاف، الزمخشري ٤/٥٥٥، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٩٧، نظم الدرر، البقاعي ٢٠/١٤٨، الدر المنثور، السيوطي ٨/١٩٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٢٦١، روح المعاني، الألوسي ١٤/٣٣٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٩.
121 نظام الطلاق في الإسلام ص٨٠.
122 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب الرجل يراجع ولا يشهد، ٣/٥١٠، رقم ٢١٨٦.
وصححه الألباني في الإرواء ٦/٢٩٩.
123 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، ٢/٩٤، رقم ١٣٥٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ٤/٢٠٤٧، رقم ٢٦٥٨.
124 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، ٤/٢١٩٧، رقم ٢٨٦٥.
125 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٥٠٠.
126 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١٠/٥٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٦٧.
127 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ١٠/٥١٧١.
128 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٣.
129 جامع البيان، الطبري ١٨/١٠٥.
130 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٣٩٥.
131 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٠٦.
132 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١٢٩، ١٣٥.
133 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)، ٦/٢١، رقم ٤٤٨٧.
134 لباب التأويل، الخازن ٢/٢١٠.
135 انظر: تفسير الشعراوي ٦/٣٤٧٨.
136 انظر: الأم، الشافعي ٢/٢٥٥٢، بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٦٦، تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/٢١٢، المغني، ابن قدامة ١٢/٢٨، الإنصاف، المرداوي ١٢/٣٧.
137 غرائب القرآن ٥/١٤٦.
138 انظر: بلغة السالك، الصاوي ٢/٣٢٣، روضة الطالبين، النووي ٨/١٩٩، الشرح الكبير، ابن قدامة ١٢/٣٤.
139 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٦٦.
140 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٤/٣٠٥، اختلاف الفقهاء، الرازي ٣/٣٣٥.
141 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٣٣٤، بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٦٦، الكافي، ابن عبدالبر ص٤٦١، الوجيز الغزالي ٢/٢٤٨، شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/٥٨٩.
142 انظر: المبسوط، السرخسي ١٦/١٣٠، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/١٨٥.
143 انظر: مختصر اختلاف العلماء، الرازي ٣/٣٦٩، الكافي، ابن عبدالبر ص٤٦٤، الوجيز، الغزالي ٢/٢٥١، روضة الطالبين، النووي ٨/٢٣١.
144 انظر: التفسير المنير، الزحيلى ١٦/٨٦، روضة الطالبين، النووي ٨/٢٣١.
145 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٧/٢١٦، مختصر اختلاف العلماء، الرازي ٣/٣٣٦.
146 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٧/٢١٦،: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٩٠، مغني المحتاج، الشربيني ٤/٤٤٦، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/١٨٥.
147 انظر: المبسوط، السرخسي ١٦/١١٣، المعونة، القاضي عبدالوهاب ٣/١٥٢٧، روضة الطالبين، النووي ٨/٢١٦، المبدع، ابن مفلح ٨/٣٠٤.
148 المهذب، الشيرازي ٣/٥٠، المبدع، ابن مفلح ٨/٣٣٠، الإجماع، ابن المنذر ص٨٧.
149 انظر: الهداية: المرغيناني ٣/١٢٩، الكافي، ابن قدامة ٤/٢٨٧.
150 اللباب في علوم الكتاب ٣/١٨.
151 انظر: أحكام القرآن، الكيا هراسي ١/٢٥٦.
152 انظر: أضواء البيان ٨/٣٠٢.
153 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/١٨٣.
154 السراج المنير ٣/٥١٢.
155 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٥/١٤٦.
156 انظر: المغني، ابن قدامة ١٠/٨٣٧٨.
157 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٦/٨٦، روضة الطالبين، النووي ٨/٢٣١.
158 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/٢٥٦.
159 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١٠/١٢٤.
160 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٣٣٤، الكافي، ابن عبدالبر ص٤٦١، الوجيز، الغزالي ٢/٢٤٨.
161 ذي غمر أي: حقد وضغن.قال الخطابي: «ذو الغمر فهو الذي بينه وبين المشهود عليه عداوة ظاهرة، فرد شهادته للتهمة»، معالم السنن، الخطابي ٤/١٦٩.
162 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب من ترد شهادته، ٥/٤٥٣، رقم ٣٦٠١.
وقوى إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/١٩٨.
163 تيسير الكريم الرحمن ص٣١٩.
164 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٧/٣٧، رقم ٥٢٣٠.
165 السراج المنير ٢/٢٩٥.
166 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٥٢.
167 مصنف عبد الرزاق، كتاب اللقطة، باب الخيانة، ١٠/٢١٠، رقم ١٨٨٦٦.
168 انظر: العدة شرح العمدة، أبو محمد المقدسي، ص ٦٨٩.
169 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٥٢.
170 انظر: الفتح الرباني، الجيلاني ٥/٢٢٠.
171 أخرجه أحمد في مسنده ١/٤٠٧.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٦٤٧.
172 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣١٠.
173 تفسير ابن أبي حاتم ٢/٥٧١.
174 جامع البيان، الطبري ٥/١٣٠.
175 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٢/١٠٨٠.
176 الكشاف ١/٣٢٩.
177 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ١/٢٠، رقم ٥٢.
178 انظر: التفسير المظهري ١/٤٣٦.
179 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/١٣٠، تفسير ابن أبي حاتم ٢/٥٧١.
180 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/١٣٠.
181 تفسير ابن أبي حاتم ٢/٥٧١.
182 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، بابٌ لا يشهد على شهادة جورٍ إذا أشهد، ٣/١٧١، رقم٢٦٥١.
183 انظر: التفسير المظهري ١/٤٣٦.
184 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣١٠.
185 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٨٦.
186 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٥٥، حاشية الطحاوي ٣/٢٦٠، فتح الباري، ابن حجر ١٠/٤١٢.
187 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/٢٤١.
188 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم ٢٥١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، رقم ٨٧.
189 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٥/٢٦٣.
190 أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فرض الإيمان، رقم ١٩٤.
وصححه الألباني في تعليقه على الإيمان لابن تيمية ص٢١.
191 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، رقم ١٠٢.
192 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب قبح الكذب، رقم ٢٦٠٧.
193 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/٤١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٥٥.
194 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٨٥، الشرح الصغير، الدردير ٤/٢٩٥.
195 المدونة ٤/٧٤.
196 القوانين الفقهية، ابن جزي ص ٢٢٧.
197 أحكام القرآن، ابن العربي ٦/٩.
198 انظر: نهاية المحتاج، الرملي ٨/٢١١، المهذب، الشيرازي ص ٣٤١، المغني، ابن قدامة ٩/٢٤٥.
199 انظر: العناية، البابرتي ٦/٨٤، روضة الطالبين، النووي ١١/٢٤٥، كشاف القناع، البهوتي ٦/٤٤٣.
200 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، ٢/١٤٢٠، رقم ٤٢٥٠.
وحسنه ابن حجر، كما في المقاصد الحسنة، السخاوي ص ٢٤٩.
201 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٢٠٢.
202 العناية، البابرتي ٦/٨٤.
203 انظر: الشرح الصغير، الدردير ٤/٢٦، الكافي، ابن عبد البر ٦/٢١٠.