عناصر الموضوع
الشفاعة
أولًا: المعنى اللغوي:
يقول ابن فارس رحمه الله: «الشين والفاء والعين أصل صحيح يدل على مقارنة الشيئين، والشفع خلاف الوتر»1.
وهي مشتقة من الشفع الذي هو خلاف الوتر2، يقال: شفع الشيء : ضم مثله إليه فجعل الوتر شفعًا3.
وقال الزبيدي رحمه الله: «الشفاعة وهي: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، وشفع إليه: في معنى طلب إليه، وقال الراغب: الشفع: ضم الشيء إلى مثله، والشفاعة: الانضمام إلى آخر ناصرا له، وسائلا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشفاعة في القيامة، وقال غيره: الشفاعة: التجاوز عن الذنوب والجرائم، وقال ابن القطاع: الشفاعة: المطالبة بوسيلة أو ذمام، والشفعة، بضمتين: لغة في الشفعة في الدار والأرض»4.
فأصل كلمة الشفاعة تدل على ضم الشيء إلى مثله، وهي مشتقة من الشفع الذي هو ضد الوتر. قال القرطبي: «فالشفاعة إذًا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك»5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال ابن الأثير رحمه الله: «هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم»6، والمشفع الذي يقبل الشفاعة، والمشفع الذي تقبل شفاعته7.
ويقول ابن عاشور رحمه الله: «الشفاعة: الوساطة في إيصال خيرٍ أو دفع شرٍ، سواءٌ كانت بطلبٍ من المنتفع أم لا»8.
وقال القرطبي رحمه الله: «فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع، وإيصال المنفعة إلى المشفوع له»9.
فالشفاعة إذا لا تختص بدرء المفاسد فقط، وإنما هي شاملة لدرء المفاسد وجلب المصالح، في الدنيا في الأمور المشروعة، أو أمور الآخرة.
والعلامة ابن عثيمين رحمه الله يعرفها بقوله: الشفاعة في الاصطلاح: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة10.
جلب منفعة مثل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة بدخولها، ودفع مضرة مثل لمن استحق النار أن لا يدخلها11.
ويمكن القول بأن الشفاعة اصطلاحًا هي التجاوز عن الذنوب والجرائم بين طرفين من أجل إيصال الخير، ودفع الشر إظهارًا لمنزلة الشفيع عند المشفع، والله أعلم.
وردت مادة (شفع) في القرآن الكريم (٣١) مرة 12.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٥ |
(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة:٢٥٥] |
المصدر |
١٣ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [سبأ:٢٣] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الشعراء:١٠٠] |
الصفة المشبهة |
١٠ |
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [السجدة:٤] |
اسم |
١ |
(ﭖ ﭗ ﭘ) [الفجر:٣] |
الأصل في الشفع: ضم شيء إلى آخر، ومنه الشفاعة؛ لأن فيها انضمام واحدٍ إلى آخر ناصرًا له ومسائلًا عنه13.
الوساطة:
الوساطة لغة:
مأخوذة من وسط الشيء، أي: ما بين طرفيه، فالوسيط: المتوسط بين المتخاصمين أو المتعاملين، وجمعه وسطاء14.
يظهر لنا جليًا تعريف الشفاعة أنها بمعنى الوساطة، لكنها تكون بمعنى الشفاعة في الدنيا، وتكون بمعنى قول الله تبارك وتعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء: ٨٥].
الوسيط قد يتوسط بأمر محمود فيه إحقاق حق، أو غير ذلك مما هو مشروع، فيكون بمعنى الشفاعة الحسنة ، ويثاب على فعله، وقد يتوسط في أمر محرم ، فهذا الفعل محرم، ويكون بمعنى الشفاعة السيئة.
الوساطة اصطلاحًا:
التوسط بين شخصين لقضاء حاجة، أو دفع مضرة.
الصلة بين الوساطة والشفاعة:
الشفاعة فيها يتوسط الشافع بين المستشفِع والمستشفَع، قال ابن عاشور رحمه الله: «والشفاعة: السعي والوساطة في حصول نفعٍ أو دفع ضرٍ، سواءٌ كانت الوساطة بطلبٍ من المنتفع بها أم كانت بمجرد سعي المتوسط، ويقال لطالب الشفاعة: مُسْتَشْفِعٌ، وهي مشتقةٌ من الشَفْع؛ لأن الطالب أو التائب يأتي وحده ، فإذا لم يجد قبولًا ذهب فأتى بمن يتوسل به، فصار ذلك الثاني شافعًا للأول، أي: مصيره شفعًا»15.
الوسيلة:
الوسيلة لغة:
الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير، والجمع الوسيل، و الوسائل، والتوسيل و التوسل واحد، يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة بالتشديد، و توسل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل16.
الوسيلة اصطلاحًا:
عرفها ابن كثير بقوله: والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود17.
الصلة بين التوسل والشفاعة:
الشفاعة في حقيقتها وسيلة يتوصل بها المستشفِع إلى رضا المستشفَع، فالشفاعة صورة من صور التوسل.
الاستغاثة:
الاستغاثة لغة:
مصدر استغاث، وهو مأخوذ من الغوث بمعنى الإغاثة والنصرة عند الشدة18.
الاستعاثة اصطلاحًا:
طلب الغوث في الشدائد والأزمات19.
الصلة بين الاستغاثة والشفاعة:
الشفاعة والإغاثة يشتركان في أن كليهما معونة للطالب.
وردت الشفاعة في القرآن الكريم في آيات كثيرة بعضها تنص على إثباتها وأخرى بنفيها، فالشفاعة التي أثبتها الله تبارك وتعالى لأهل الإسلام من أهل التوحيد ، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم سؤلًا في غاية الأهمية: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال:لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو من نفسه)20.
فأصل وقوع الشفاعة هو تحقيق التوحيد، ورضى الرب تبارك وتعالى عن الشافع والمشفوع له والمشفوع فيه.
قال الله تبارك وتعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥].
وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [يونس: ٣].
قال ابن القيم رحمه الله: «والشفاعة التي أثبتها الله ورسوله هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحده، والتي نفاها الله هي الشفاعة الشركية، التي في قلوب المشركين، المتخذين من دون الله شفعاء، فيعاملون بنقيض قصدهم من شفعائهم، ويفوز بها الموحدون»21.
ويقول أبو جعفر الطبري رحمه الله: «من ذا الذي يشفع لمماليكه إن أراد عقوبتهم، إلا أن يخليه، ويأذن له بالشفاعة لهم، وإنما قال ذلك تعالى ذكره؛ لأن المشركين قالوا: ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى! فقال الله تعالى ذكره لهم: لي ما في السموات وما في الأرض مع السموات والأرض ملكا، فلا ينبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم مني زلفى، فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغني عنكم شيئا، ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتخليتي إياه والشفاعة لمن يشفع له، من رسلي وأوليائي وأهل طاعتي»22.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فأما إذا أذن له في أن يشفع فشفع؛ لم يكن مستقلا بالشفاعة بل يكون مطيعا له ، أي: تابعا له في الشفاعة ،وتكون شفاعته مقبولة، ويكون الأمر كله للآمر المسئول، وقد ثبت بنص القرآن في غير آية: أن أحدًا لا يشفع عنده إلا بإذنه، كما قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[سبأ: ٢٣].
وقال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[الأنبياء: ٢٨].
وأمثال ذلك»23.
فأهل السنة والجماعة يثبتون الشفاعة بشروطها ، وهي: إذن الله تبارك وتعالى للشافع أن يشفع، ورضا الله تبارك وتعالى عن المشفوع له أن يشفع فيه، ثم إن الله تبارك وتعالى لا يرضى أن يشفع إلا لأهل التوحيد والسنة.
فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا)24.
فدل هذا الحديث العظيم على إثبات الشفاعة لأهل التوحيد ، وإن كان من أصحاب الذنوب ، ولو كان من أهل الكبائر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ومذهب سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة: إثبات الشفاعة لأهل الكبائر والقول بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأيضا: فالأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة: فيها استشفاع أهل الموقف ليقضى بينهم ، وفيهم المؤمن والكافر ، وهذا فيه نوع شفاعة للكفار»25.
بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع لعمه أبا طالب ، فأخرج إلى ضحضاح من نار ، كما ثبت في الصحيح أنه قال: (نعم، هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)26.
وخالف أهل الحق والسنة طائفة من أهل البدع في إثبات الشفاعة، كالمعتزلة والخوارج والرافضة، واستندوا في نفيهم الشفاعة على بعض الآيات ،فهموها على غير مرادها ، وهي التي تنفي الشفاعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ٤٨].
وبقوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ١٨].
وبقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [المدثر: ٤٨].
وجواب أهل السنة أن هذا يراد به شيئان:
أحدهما: أنها لا تنفع المشركين ،كما قال تعالى في نعتهم: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) إلى قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [المدثر: ٤٢-٤٨].
فهؤلاء نفي عنهم نفع شفاعة الشافعين؛ لأنهم كانوا كفارًا.
والثاني: أنه يراد بذلك نفي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع.
فأنكر الله هذه الشفاعة، فقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥].
وقال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [النجم: ٢٦].
وقال عن الملائكة: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنبياء: ٢٦-٢٨].
وقال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يونس: ١٨].
وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنعام: ٥١]
فهذه الشفاعة التي أثبتها المشركون للملائكة والأنبياء والصالحين حتى صوروا تماثيلهم ، وقالوا: استشفاعنا بتماثيلهم استشفاع بهم ، وكذلك قصدوا قبورهم وقالوا: نحن نستشفع بهم بعد مماتهم ليشفعوا لنا إلى الله ، وصوروا تماثيلهم، فعبدوهم كذلك ، وهذه الشفاعة أبطلها الله ورسوله وذم المشركين عليها وكفرهم بها»27.
وقال البيضاوي رحمه الله في قوله: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٤٨]: «وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر، وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار»28.
ويمكن الرد على نفاة الشفاعة الخوارج والمعتزلة بإيجاز بالآتي:
أولًا: الشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة المتواترة.
ثانيًا: إجماع سلف الأمة على إثبات الشفاعة، وتلقي أخبار الشفاعة بالقبول والإذعان، كما سيأتي في كلام القرطبي رحمه الله لاحقًا.
ثالثًا: أن أهل العلم جمعوا بين الآيات الواردة بإثبات الشفاعة والآيات الواردة بنفي الشفاعة بأن الآيات الواردة بنفي الشفاعة ، والشفيع المراد بالشفاعة للكفار29.
والشفاعة المنفية هي التي تطلب من الأصنام والأنداد والأموات الذين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا.
قال القرطبي رحمه الله: «مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق ، وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب، والأخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين.... فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين ، وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) النفس الكافرة لا كل نفس»30.
ثم إن ظاهر قوله تبارك وتعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٤٨].
وقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ١٢٣] العموم، أي: أن كل نفس يوم القيامة لا تنفعها شفاعة الشافعين، ولكن بالنظر إلى سياق الآيات يتبين أن المراد بالأنفس التي لا تنفعها الشفاعة هي الكافرة، التي أشركت وكفرت بخالقها تبارك وتعالى، والدليل على أن المراد من هذه الآية الكفار ما سبقها من آيات، والتي تبين أن المخاطب بها هم اليهود، قوله تبارك وتعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [البقرة: ٤٠].
قال أبو جرير الطبري رحمه الله: «إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها ؛ لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا، فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه،، عن عثمان بن عفان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة)31.
كما قال الله عز وجل: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنبياء: ٤٧] الآية، فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم، وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم ، لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله، وأن قوله: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل»32.
ومن الآيات ما كان المخاطب بها المؤمنون والنفي فيها عامًا؛ كقوله: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [البقرة: ٢٥٤].
إلا أن هذا العموم مخصوص بأدلة صحيحة صريحة في العصاة أصحاب الكبائر، منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)33.
ويمكن أن يقال: إن الشفاعة المنفية هي الشفاعة التي لا يأذن الله فيها، أما التي يأذن الله بها، فهذه ليست منفية بل مثبتة.
أما قوله سبحانه: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [مريم: ٨٧].
ففيها دليل على إثبات الشفاعة، وأنها ليست منفية بإطلاق، بل هي مشروطة بالإيمان، قال الإمام ابن جرير رحمه الله: «لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدًا الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) في الدنيا (ﮬ) بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به»34.
ومن الآيات ما تثبت الشفاعة وتشترط شرطين هما : إذن الله تبارك وتعالى عن الشافع ، والمشفوع فيه ، كما تقدم في الكلام السابق.
وأخبر الله تبارك وتعالى أن الكفار الذين يعبدون الأوثان والأحجار ويأملون أن يشفعوا لكم، بأن ما يعبدون لا يملكون الشفاعة أصلًا، فقال سبحانه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الزخرف: ٨٦].
والذي شهد بالحق هم أهل التوحيد.
وحكى الله تبارك وتعالى قول المشركين وهم في النار خالدون، كيف يتحسرون ويتندمون على ما فرطوا، فلا إيمان ينجيهم، ولا عمل يخلصهم، ولا شافع يشفع لهم، ولا صديق ينقذهم، فتقطعت بهم السبل، وأحاط بهم اليأس، فقال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشعراء: ١٠٠-١٠١].
فالشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وما كان ظاهره النفي فإنه محمول على نفي الشفاعة للكفار والمشركين، وكذلك التي لا تتحقق فيها شروط الشفاعة ، وهي رضى الله للشافع بالشفاعة ورضى الله عن المشفوع له.
الشفاعة في الدنيا على نوعين:
أولًا: شفاعة مباحة:
هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فمثلًا: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن يقضى بينهم ، هذه شفاعة بدفع مضرة، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها بجلب منفعة35.
فهي باختصار: الشفاعة عند الآخرين لتخليص الحقوق أو دفع المظالم ودرئها، أو نحو ذلك من الحاجات المباحة.
وقد ورد في الشرع الحنيف ما يبين إباحة مثل هذا العمل وجوازه؛ كقوله تبارك وتعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء: ٨٥].
قال ابن كثير رحمه الله: «وقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) أي: من سعى في أمر، فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا ، تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)36.
وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض.
وقال الحسن البصري: قال الله تعالى: (ﯦ ﯧ) ولم يقل: من يشفع»37.
وروي عن مجاهد في قوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) قال: «شفاعة بعض الناس لبعض»38.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الشفاعة الحسنة هي الإصلاح بين الناس، والشفاعة السيئة هي المشي بالنميمة بين الناس»39.
وبين الإمام ابن القيم رحمه الله أن كل من أعان غيره على أمر بقول أو فعل فقد صار شفيعًا له ، فقال: «وكل من أعان غيره على أمر بقوله، أو فعله فقد صار شفيعًا له، والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها، فإن الشافع يشفع صاحب الحاجة فيصير له شفعًا في قضائها لعجزه عن الاستقلال بها، فدخل في حكم هذه الآية كل متعاونين على خير أو شر بقول أو عمل»40.
وتستحب الشفاعة عند ولاة الأمور وغيرهم من أصحاب الحقوق المتوفرة فيهم الشروط.
وفي ذلك يقول الإمام النووي رحمه الله: «اعلم أنه تستحب الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من أصحاب الحقوق والمستوفين لها، ما لم تكن شفاعةً في حدٍ، أو شفاعةً في أمرٍ لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظرٍ على طفل أو مجنونٍ أو وقفٍ أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلها شفاعةٌ محرمةٌ تحرم على الشافع، ويحرم على المشفوع إليه قبولها، ويحرم على غيرهما السعي فيها إذا علمها؛ ودلائل جميع ما ذكرته ظاهرةٌ في الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة، قال الله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء: ٨٥]»41.
وقد جاء في السنة المطهرة ما يجوز وما لا يجوز من الشفاعة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع عند بريرة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبدا يقال له : مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: (يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو راجعته)، قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: (إنما أنا أشفع)، قالت: لا حاجة لي فيه)42.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: (اشفعوا فلتؤجروا ، وليقض الله على لسان نبيه ما أحب)43.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: «فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما ، أم إلى واحد من الناس ، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو في تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك»44.
ويقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء)45.
يستفاد منه فوائد ، منها : استشفاع الإمام والعالم والخليفة في حوائج الرعية، والساعي فيه مأجور وإن لم تنقض الحاجة46.
وكذلك تجوز الشفاعة في الحدود مالم تبلغ السلطان ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب)47.
ولما روي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: «اشفعوا في الحدود ما لم تبلغ السلطان ، فإذا بلغت السلطان فلا تشفعوا»48.
فصاحب الشفاعة الحسنة يثاب عليها ولو لم تقبل شفاعته، لأنه قد بذل ما في وسعه.
ثانيًا: شفاعة محرمة:
الشفاعة المحرمة تشمل التوسل إلى الأضرحة والقبور والأصنام والأنداد وجعلهم وساطة بينهم وبين الله تبارك وتعالى، وهي أيضًا كل شفاعة أو وساطة في إبطال حق من الحقوق، أو إقرار باطل أو تعطيل حد من حدود الله تبارك وتعالى.
وقد ورد ما يفيد تحريمها في الشرع الحنيف، في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيدٍ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حدٍ من حدود الله)، ثم قام فاختطب، ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها)49.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي هذا الحديث من الفوائد منع الشفاعة في الحدود، وقد تقدمت في الترجمة الدلالة على تقييد المنع بما إذا انتهى ذلك إلى أولي الأمر، واختلف العلماء في ذلك ، فقال أبو عمر ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته، وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس، ومن لم يعرف ، فقال: لا يشفع للأول مطلقًا سواء بلغ الإمام أم لا، وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام»50.
وقال النووي رحمه الله مبينًا حكم الشفاعة في الحدود: «وأما الشفاعة في الحدود فحرام، وكذا الشفاعة في تتميم باطل، أو إبطال حق ونحو ذلك ، فهي حرام»51.
وقال أيضًا: «وقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام لهذه الأحاديث، وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه، وأما المعاصي التي لا حد فيها وواجبها التعزير فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها سواء بلغت الإمام أم لا؛ لأنها أهون ثم الشفاعة فيها مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه»52.
وورد ما يدل على تحريمها إذا بلغ الحد إلى السلطان حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله)53.
فمما سبق يتبين لنا عدم جواز الشفاعة في الحدود بعد بلوغ السلطان، وكذلك إبطال الحقوق، أو إقرار باطل، والله أعلم.
أولًا: أنواع الشفاعة في الآخرة:
يوم القيامة يوم عصيب يشتد فيه البلاء بالخلق ويطول عليهم الوقوف فيه ، مع ما يحصل لهم من المعاناة من حر وأهوال وكربات، فيتجه الناس للبحث عمن يخلصهم فيأتون إلى أبيهم آدم عليه السلام فيعتذر ، ثم ينتقلون إلى نوح عليه السلام فيعتذر، ثم يأتون إلى إبراهيم عليه السلام فيعتذر، ثم موسى ، ثم عيسى عليهم السلام وكلاهما يعتذر، ثم بعد ذلك ينتقلون إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها ، أنا لها، فيشفع لأهل الموقف لفصل القضاء بينهم ، وذلك هو المقام المحمود الذي وعده ربه تبارك وتعالى في قوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء: ٧٩].
قال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم54.
روى الإمام الطبري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: المقام المحمود: مقام الشفاعة55، ونقل ابن كثير عن ابن عباس أنه قال: « إن ربك سيبعثك مقاما محمودًا، وهي الشفاعة، وكل «عسى» في القرآن فهي واجبة»56.
وروى الإمام الطبري عن مجاهد والحسن بأن المراد بالمقام المحمود شفاعة محمد يوم القيامة57.
وقال قتادة: «هي الشفاعة، يشفعه الله في أمته»58.
وقال القرطبي رحمه الله: « اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال: الأول -وهو أصحها-: الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. وفي صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم ، فيقولون له : اشفع لذريتك، فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله، فيأتون إبراهيم ، فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيؤتى موسى، فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأوتى فأقول: أنا لها)59 وذكر الحديث.
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه في قوله: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) سئل عنها قال: (هي الشفاعة)60.
إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام، حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم، وهو الخاصة به صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)61»62.
وقال ابن بطال رحمه الله: «والجمهور على أن المراد بالمقام المحمود : الشفاعة، وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع»63، ورجح ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر أقوال أئمة التفسير64.
فالشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي واقعة لمن أذن الله تبارك وتعالى له ورضي عنه وعن المشفوع له، قال الله تبارك وتعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥].
قال القرطبي رحمه الله: «وتقرر في هذه الآية أن الله يأذن لمن يشاء في الشفاعة، وهم الأنبياء والعلماء والمجاهدون والملائكة وغيرهم ممن أكرمهم وشرفهم الله، ثم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، كما قال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأنبياء: ٢٨].
قال ابن عطية: والذي يظهر أن العلماء والصالحين يشفعون فيمن لم يصل إلى النار وهو بين المنزلتين، أو وصل ، ولكن له أعمال صالحة»65.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة: (آتي تحت العرش ، فأخر ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقال: ارفع رأسك ، وقل تسمع ، واشفع تشفع)، قال: (فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة)66»67.
ثم إن العلماء اختلفوا في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقوال متعددة، فذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات، فقال رحمه الله: «أما الشفاعة الأولى؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء؛ آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه، وأما الشفاعة الثانية؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، ويخرج الله من النار أقواما بغير شفاعة؛ بل بفضله ورحمته»68.
وقال القرطبي رحمه الله: «إذا أثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع هذه الشفاعة العامة لأهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ليراحوا من هول موقفهم، فاعلم أن العلماء اختلفوا في شفاعاته وكم هي؟، فقال النقاش: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات: العامة، وشفاعة في السبق إلى الحنة، وشفاعة في أهل الكبائر، وقال ابن عطية في تفسيره: والمشهور أنهما شفاعتان فقط : العامة ، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار ، وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء ، بل يشفعون ويشفع العلماء.
قال القاضي عياض شفاعات نبينا صلى الله عليه و سلم يوم القيامة خمس شفاعات:
الأولى: العامة.
الثانية: إدخال قوم الجنة بغير حساب.
الثالثة: في قوم من أمته استوجبوا النار بذنوبهم ، فيشفعه فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، و من شاء أن يشفع ويدخلون الجنة ، وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة ، وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح.
الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين، فيخرج بشفاعة نبينا وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم من المؤمنين.
الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها و ترفيعها. قال القاضي عياض: وهذه الشفاعة لا تنكرها المعتزلة ، و لا تنكر شفاعة الحشر الأول»69.
وذكر ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية بأن الشفاعة ثمانية أنواع70، ومنها ما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله أن الشفاعة ستة أنواع71، وكذلك الشيخ عمر الأشقر72، فإذا تقرر هذا فإن الشفاعة في الآخرة أنواع:
النوع الأول: الشفاعة العامة.
وهي التي يتدافعها الأنبياء آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، كل واحد يحيل على الآخر إلى أن يصلوا إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم الكلام عليها باختصار في بداية المطلب، وهي المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون.
قال الله تبارك وتعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء: ٧٩].
وثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم ، فيقولون له: اشفع لذريتك، فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام ، فإنه خليل الله، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بموسى عليه السلام ، فإنه كليم الله، فيؤتي موسى فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بعيسى عليه السلام ، فإنه روح الله وكلمته، فيؤتي عيسى فيقول: لست لها ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأوتى، فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي ، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمينه الله ، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك ، وقل يسمع لك، وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق ، فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة، أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها ، فأنطلق فأفعل ، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدًا ، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك ، وقل يسمع لك، وسل تعطه ، واشفع تشفع، فأقول: أمتي أمتي، فيقال لي : فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك ، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار ، فأنطلق فأفعل)73.
قال النووي رحمه الله: «والحكمة في أن الله تعالى ألهمهم سؤال آدم ومن بعده صلوات الله وسلامه عليهم في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي ، والله أعلم - إظهار فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم لو سألوه ابتداء لكان يحتمل أن غيره يقدر على هذا ويحصله، وأما إذا سألوا غيره من رسل الله تعالى وأصفيائه فامتنعوا ، ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإدلال والأنس، وفيه تفضيله صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقين من الرسل والآدميين والملائكة، فإن هذا الأمر العظيم ، وهي الشفاعة العظمى لا يقدر على الإقدام عليه غيره صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، والله أعلم»74.
فالحكمة من جعل الناس يترددون على غير النبي صلى الله عليه وسلم فيه بيان إظهار فضله عليه الصلاة والسلام، كما يقول السفاريني رحمه الله: «وحكمة إلهام الناس التردد إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم قبله، ولم يلهموا المجيء إليه من أول وهلة لإظهار فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم»75.
النوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فيشفع ليدخلوا الجنة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى ، وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة، أرجح الأقوال في أصحاب الأعراف أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم»76.
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلونها»77.
النوع الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في قوم قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها78.
النوع الرابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم79.
ودليل هذا النوع عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)، فضج ناس من أهله، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)، ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)80.
وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ به، ثم رفع يديه فقال: (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر)، ورأيت بياض إبطيه، فقال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس)81.
قال القرطبي رحمه الله: «شفاعته صلى الله عليه وسلم في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها»82.
النوع الخامس: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب83.
ويستدل لهذا النوع بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب)، فقال رجل: يا رسول الله! أدع الله أن يجعلني منهم ، قال: (اللهم اجعله منهم)، ثم قام آخر فقال: يا رسول الله! أدع الله أن يجعلني منهم ، قال: (سبقك بها عكاشة)84.
ووجه الدلالة منه دعاؤه لعكاشة بن محصن أن يجعله من أولئك السبعين ألفًا فدعاؤه صلى الله عليه وسلم شفاعة له85.
النوع السادس: الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه ، كشفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه86.
ودليله ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)87.
قال القرطبي في التذكرة بعد ذكر هذا النوع: «فإن قيل: فقد قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [المدثر: ٤٨].
قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع عصاة الموحدين، الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة»88.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «(لعله تنفعه شفاعتي) ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجي، واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (تنفعه شفاعتي) بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ).
وأجيب بأنه خص ، ولذلك عدوه في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث والمراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتخفيف»89.
وهذه الشفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
النوع السابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أن يؤذن لأهل الجنة في دخولها90.
ومن أدلة هذا النوع ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا)91.
وفي حديث آخر عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (آتي باب الجنة يوم القيامة ، فأستفتح ، فيقول الخازن : من أنت؟ فأقول: محمد ، فيقول: بك أمرت ، لا أفتح لأحد قبلك)92.
وهذه الشفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط، وقفوا على قنطرة فيقتص بعضهم من بعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي يكون في عرصات القيامة، بل هو أخص يطهر الله سبحانه فيه القلوب، ويزيل ما فيها من أحقاد وضغائن، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة وجدوها مغلقة لا تفتح لهم الأبواب حتى يشفع لهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
النوع الثامن: الشفاعة في أهل الكبائر من هذه الأمة ممن دخل النار ، فيخرجون منها، ولكن هذا مقيد بأن يكون سالمًا من الشرك والكفر.
ودليل هذا النوع ما روي عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)93.
وروي عنه رضي الله عنه في حديث الشفاعة الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم أرجع فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة)94.
وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة)95.
والأحاديث في هذا كثيرة جدًا.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: «إن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرت أنها لأهل الكبائر، وأنها لمن قد أدخل النار، من غير أهل النار والذين هم أهلها أهل الخلود فيها، بل لقوم من أهل التوحيد ارتكبوا ذنوبًا وخطايا ، فأدخلوا النار لتصيبهم سفعًا منها»96.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ثبت بالسنة المستفيضة بل المتواترة واتفاق الأمة: أن نبينا صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأنه يشفع في الخلائق يوم القيامة، وأن الناس يستشفعون به، يطلبون منه أن يشفع لهم إلى ربهم، وأنه يشفع لهم. ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر ، وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد»97.
فالشفاعة فضل من الله ومنة على عباده، ولكن عليهم ألا يتكلوا فيقعوا في الذنوب والمعاصي، فرب عمل عملته سخط الله عليك به، ولم يرض عنك، نسأل الله أن يوفقنا لطاعته ورضاه.
ثانيًا: الشافعون في الآخرة:
كما تقدم أن الشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة، والإجماع، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، فكذلك دل القرآن على بعض أنواع الشفاعة، كما في قوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء: ٧٩].
وجمهور المفسرين على أن هذه الشفاعة هي الشفاعة العظمى ، وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهناك شفعاء آخرون دلت على شفاعتهم السنة النبوية ، وهم كالتالي:
١. النبي صلى الله عليه وسلم.
والأدلة على شفاعته صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جدًا، فقد ثبت أيضًا في السنة النبوية أن سكنى المدينة والصبر على لأوائها وشظف العيش فيها سبب في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا)98.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها ، وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، لا يدعها أحد رغبة عنه إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)99.
وفي رواية أن أبا سعيد مولى المهري جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة ، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله ، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما)100.
وثبت أن طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان سبب في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)101.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)102.
والأدلة على شفاعته صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا قد تقدمت في المطالب السابقة فليرجع إليها.
٢. الملائكة.
والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنبياء: ٢٦-٢٨].
عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم-أو قال بخطاياهم-فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل)103.
وعن عطاء بن يزيد، قال: كنت جالسا إلى أبي هريرة، وأبي سعيد ، فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل ، وذكر الصراط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه وأخرج من النار من يريد أن يخرج أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع، فيعرفون بعلاماتهم ، إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم من ماء الجنة ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل)104.
٣. القرآن الكريم.
والدليل على شفاعة القرآن لأصحابه العاملين به ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الملك: ١])105.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القرآن شافع مشفع ، وما حل مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)106.
٤. الشهيد.
والدليل على أن الشهيد يشفع لأقاربه حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)107.
٥. الصيام.
وثبت في السنة أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيام، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه)، قال: (فيشفعان)108.
٦. المصلون على الجنازة إذا كانوا أكثر من أربعين.
ومن فضل الله تبارك وتعالى أنه جعل الصلاة على الجنازة سببًا في شفاعة المصلين للمصلى عليه إن بلغوا الأربعين، وفي بعض الروايات يبلغون مائة.
فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين ، يبلغون مائة ، كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه)109.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب انظر: ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته فقال: تقول : هم أربعون؟ قال: نعم، قال: أخرجوه ، فإني سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه)110.
فهذا بعض ما وقفت عليه مما دلت عليه النصوص في إثبات أنهم يشفعون في الآخرة، وشفاعتهم كلها مقيدة برضى الله تبارك وتعالى لهم بالشفاعة ورضاه عن المشفوع له، نسأل الله تبارك وتعالى رضاه والجنة.
ثالثًا: المشفوع لهم:
لقد ورد في كتاب الله تبارك وتعالى أن الشفاعة لها شروط أساسية ، منها رضا الله تبارك وتعالى لشافع أن يشفع، ومنها رضاه عن المشفوع.
قال الله تبارك وتعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأنبياء: ٢٨].
وقال: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥].
وقال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [النجم: ٢٦].
وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن هناك من يشفع كالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره، كما تقدم في المطلب السابق، وهنا سيكون الحديث حول لمن تكون الشفاعة؟
وقد ثبت أن الشفاعة تكون يوم القيامة تكون لفضل القضاء وتخفيف هول الموقف، وكذلك تكون لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وتكون كذلك لأهل المعاصي الذين دخلوا النار ولكنهم موحدون، فإنه لا يبقى في النار موحد، وإنما هي دار المشركين الكافرين، وتكون أيضًا لمن رضي الله عنه من أهل الكبائر، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أنس رضي الله عنه: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)111.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: إن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرت أنها لأهل الكبائر،، وأنها لمن قد أدخل النار، من غير أهل النار والذين هم أهلها أهل الخلود فيها، بل لقوم من أهل التوحيد ارتكبوا ذنوبًا وخطايا فأدخلوا النار، لتصيبهم سفعًا منها»112.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قومٌ من النار بعد ما مسهم منها سفعٌ، فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين)113.
فالشفاعة هي لأهل الكبائر الذي دخلوا النار أن يخرجوا منها ، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة، فأريد إن شاء الله أن أختبي دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة)114.
وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة، أو الحيا، فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية؟)115.
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال : لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال :لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير)116.
فهذه الأحاديث دليل على خروج أهل الكبائر الموحدين الذين دخلوا النار بعد أن يعذبوا بقدر ذنوبهم، ويكون خروجهم بالشفاعة أو برحمة أرحم الراحمين تبارك وتعالى ، سواءً كانوا من أهل الكبائر أو دون ذلك من الذنوب التي هي دون الشرك، فالذنوب وإن عظمت غير الشرك لا توجب لصاحبها الخلود في النار.
قال ابن القيم رحمه الله في عصاة الموحدين من أهل الكبائر: «هؤلاء هم القسم الذين جاءت فيهم الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم يدخلون النار ، فيكونون فيها على مقدار أعمالهم: فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ويلبثون فيها على قدر أعمالهم، ثم يخرجون منها، فينبتون على أنهار الجنة ، فيفيض عليهم أهل الجنة من الماء حتى تنبت أجسادهم، ثم يدخلون الجنة، وهم الطبقة الذين يخرجون من النار بشفاعة الشافعين، وهم الذين يأمر الله سيد الشفعاء مرارًا أن يخرجهم من النار بما معهم من الإيمان»117.
وقال الطحاوي رحمه الله: «وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون وإن كانوا غير تائبين»118.
وكذلك ورد في الشرع كثير من الأعمال يحصل بسببها الشفاعة لأصحابها، نذكر بعض من ورد النص بالشفاعة له، فمنهم:
رابعًا: المشفوع فيه:
الشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع عند أهل السنة والجماعة ولم يخالفهم في ذلك إلا أهل البدع والضلال، وهي نائلة كل موحد لله تبارك وتعالى، ومن أذن الله له بالشفاعة، ولا يبقى في النار إلا الكفرة وأهل الشرك، فإن من أشرك بالله وكفر به فإنه مخلد في النار لا يخرج منها، بخلاف من كان موحدًا وإن كان من أصحاب الذنوب والمعاصي، فإنه يعذب في النار على قد معاصيه ثم يخرج إلى الجنة.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى أهل الكفر وأنهم مخلدون ، فقال سبحانه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ١٦٧].
قال ابن جرير رحمه الله تعالى: «وفي هذه الآية الدلالة على تكذيب الله الزاعمين أن عذاب الله أهل النار من أهل الكفر منقضٍ، وأنه إلى نهاية، ثم هو بعد ذلك فانٍ؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غير خارجين من النار، بغير استثناء منه وقتًا دون وقت. فذلك إلى غير حد ولا نهاية»119.
وقال القرطبي رحمه الله: «قوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) دليلٌ على خلود الكفار فيها وأنهم لا يخرجون منها، وهذا قول جماعة أهل السنة، لهذه الآية، ولقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[الأعراف: ٤٠]»120.
فهذه الآية دليل على خلود الكفار في النار، وظاهر هذا التركيب يفيد الاختصاص ، كما يقول الشوكاني رحمه الله121.
وقال ابن عادل الدمشقي: «احتج به على أن أصحاب الكبائر من أهل القبلة يخرجون من النار، فقالوا: لأن قوله: (ﯡ ﯢ) تخصيص لهم بعدم الخروج على سبيل الحصر؛ فوجب أن يكون عدم الخروج مخصوصا بهم، وهذه الآية الكريمة تكشف عن المراد بقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الانفطار: ١٤-١٦].
فبين أن المراد بالفجار ها هنا الكفار؛ لدلالة هذه الآية الكريمة عليه ، والله أعلم»122.
قال الشنقيطي رحمه الله: «دل القرآن أن أصحاب النار هم الكفار ، كما قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة: ٣٩].
والخلود لا خروج معه ، كما في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)، إلى قوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ١٦٥-١٦٧].
وكقوله في سورة الهمزة: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الهمزة: ٣-٨] أي: مغلقةٌ عليهم»123.
فظهر بأن الكفرة وأهل الشرك مخلدون في النار أبد الآبدين، قد أغلقت عليهم ، ففيها يتقلبون ، ومن عذابها يتجرعون ويعذبون.
ثم إن للشفاعة أركانًا، فالمشفوع فيه أحد أركانها ، وهو المنتفع بها ، ولا بد من خلوها من الموانع الشرعية تدل بها الشفاعة، حتى تقبل فيه وهذا إن كان في الدنيا فمثل الشفاعة في الحدود إذا لم تبلغ السلطان أو كان في القصاص من القصاص إلى الدية، وإن كان في الآخرة فمثل الشفاعة في الذنوب والمعاصي مع خلو صاحبها عن الشرك والأكبر المحبط للأعمال.
ولا بد من توافر بعض شروط في المشفوع فيه حتى تقع له الشفاعة وينتفع بها وهي:
فإذن الله تبارك وتعالى للشافع أن يشفع وللمشفوع أن يشفع له شرط أساسي في وقوع الشفاعة ، قال رب العزة والجلال: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥].
وقال: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [يونس: ٣].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [سبأ: ٢٣].
قال القرطبي رحمه الله: «أي: أن الشفاعة لا تكون من أحد هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام، إلا أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة ، وهم على غاية الفزع من الله»124.
وقال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنبياء: ٢٨].
فلا يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه، ورضاه سبحانه له بالشفاعة، ولا ينتفع أحد بشفاعة أحد إلا برضا الله تبارك وتعالى عنه.
فهذا شرط أساسي لقبول الشفاعة؛ وذلك لورود الأدلة الصريحة الصحيحة بذلك، فالشفاعة في يوم الآخرة لا تكون إلا لأهل التوحيد المؤمنين، لأن الله تبارك وتعالى لا يرضى عن المشركين الكافرين، فهؤلاء قد أخبر عنهم بأن الشفاعة لا تنفعهم ، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [المدثر: ٤٨].
وكذلك الآيات التي تبين أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله ورضاه ، فالله سبحانه لا يرضى عن المشركين والكافرين ، ولا يأذن بالشفاعة لهم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه؛ لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا ، فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة، خالدا فيها»125.
وقال القرطبي رحمه الله: «هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة، فأخرجوا من النار، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم»126.
فهنا الشفاعة منفية عن الكافرين الذين لم يكونوا من أهل التوحيد، ولم يكونوا من أهل الأعمال الصالحة.
فالأصل في وقوع الشفاعة وتحققها هو التوحيد، ومخالفة المشركين، وهذه الشفاعة من أهم الأمور التي يتميز بها أهل التوحيد عن غيرهم، والله تبارك وتعالى لا يرضى عن المشركين ، وإنما رضاه لمن استقام على كتابه وسنة نبيه ووحده وأفرده بالعبادة وحده دون سواه.
خامسًا: آثار الشفاعة في الآخرة:
لا خلاف بين أهل السنة والجماعة على ثبوت الشفاعة في الآخرة، بل ووجوب الإيمان بها، وذلك لما تقدم من الآيات والأحاديث الواردة في إثبات ذلك، وبناء على ذلك فإن للشفاعة آثارًا وفوائد في الآخرة منها:
ويدل على ذلك إذنه لمن شاء من خلقه بالشفاعة : النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والمؤمنون والشهداء وغيرهم، وشفاعته هو سبحانه، كقوله: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ٢٥٥].
وكما ثبت في الصحيحين في الحديث الطويل وفيه: (فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضةً من النار ، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط ، قد عادوا حممًا ، فيلقيهم في نهرٍ في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة ، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل)127.
إن كثيرًا من عصاة المؤمنين يغفر لهم قبل إدخالهم النار ، إما بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما برحمة الله عزوجل على عباده المسلمين، فيخرج طائفة كثيرة من عصاة الموحدين لا يعلم عدتهم إلا الله تبارك وتعالى ، وذلك برحمته لا بشفاعة الشافعين.
وقد ثبت عند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة)128.
في يوم القيام تظهر شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته ورحمته بهم، وذلك عندما يرى الناس في ذلك اليوم العصيب حين يموج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتي الناس إلى آدم ، فيقولون له: اشفع لذريتك، ثم يأتون إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، ثم يوتى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، فيستأذن على ربه فيؤذن له، فيقوم بين يديه ويحمده بمحامد يلهمه الله ، ثم يخر ساجدًا تحت العرش ويناجي ربه ، فيقال له كما ثبت في الصحيحين: (يا محمد ارفع رأسك ، وقل يسمع لك، وسل تعطه ، واشفع تشفع، فيقول: رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق ، فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة، أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها ، فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدًا فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع، فأقول: أمتي أمتي، فيقال: لي فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود إلى ربي، فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار ، فأنطلق فأفعل)129.
وفي هذا الحديث كذلك تتجلى أيضًا رحمة أرحم الراحمين تبارك وتعالى، وكمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، فيخرج الله تبارك وتعالى من النار من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان، ثم يخرج من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ثم يخرج من كان في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان، فلا يبقى في النار إلا من كان مشركًا بالله عز وجل، وذلك فضل الله.
ومن آثار الشفاعة في الآخرة أن بعض أهل الجنة ترتفع منازلهم، ودرجاتهم في الجنة، ذكرها ابن أبي العز في شرح الطحاوية كما تقدم.
هذه الشفاعة يشفعها النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله تبارك وتعالى من المؤمنين.
وتقدم قول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلونها»130.
وأنه لا يبقى في النار موحد، وإنما هي دار الكفار والمشركين بالله عز وجل، كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة)131.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ويخرج الله من النار أقواما بغير شفاعة؛ بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواما فيدخلهم الجنة»132.
هذه آثار الشفاعة في الآخرة، وكلها من فضل الله وإكرامه على الخلق، وكلها بإذنه وتصرفه سبحانه، فهو رب كل شيء وخالقه، وكل شيء تحت تصرفه، إذا قال للشيء ، كن، كان كما أرد.
نسأل الله الإخلاص في القول والعمل وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، ونسأله أن يمن علينا برحمته ويكرمنا بفضله وواسع مغفرة، والحمد لله رب العالمين.
موضوعات ذات صلة: |
الإيمان، التوحيد، محمد، الملائكة، النبوة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٠١.
2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٩٤٧.
3 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٤٨٧.
4 تاج العروس، الزبيدي ٢١/٢٨٧.
5 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٢٩٥.
6 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/١١٨٤، لسان العرب، ابن منظور ٨/١٨٣.
7 لسان العرب، ابن منظور ٨/١٨٣.
8 التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور ٥/١٤٣.
9 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٢٩٥.
10 انظر: شرح العقيدة الواسطية، ابن عثيمين ص ١٦٩.
11 القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ١/٣٣٠.
12 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٣٣-٥٣٦، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب القاف ص٩٢٢-٩٢٥.
13 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٢٧٨-٢٧٩، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٨٩، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٣٢٨-٣٢٩.
14 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/١٠٣١.
15 التحرير والتنوير ١/٤٨٦.
16 مختار الصحاح، ابن منظور ١/٧٤٠.
17 تفسير القرآن العظيم ٣/١٠٣.
18 انظر: الصحاح ١/ ٢٨٩، مقاييس اللغة ٤/ ٤٠٠، لسان العرب ٦/ ٣٣١٢.
19 انظر: الكليات، الكفوي ص١٥٩.
20 أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، رقم ٩٩.
21 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٣٤٩.
22 جامع البيان ٥/٣٩٥.
23 مجموع فتاوى ابن تيمية ١/١١٨.
24 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته، رقم ١٩٩.
25 مجموع فتاوى ابن تيمية ١/١١٦.
26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم ٣٨٨٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، رقم ٢٠٩.
27 مجموع فتاوى ابن تيمية ١/١٤٩-١٥١.
28 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٧٩.
29 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١/١٤٩، المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ٣/٣٥، فتح الباري، ابن حجر ١١/٤٢٦.
30 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٣٧٨-٣٧٩.
31 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٨٢، بلفظ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء).
32 جامع البيان، الطبري ١/٦٣٦.
33 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الشفاعة، رقم ٤٧٣٩، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الشفاعة، رقم ٢٤٣٥، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، رقم ٤٣١٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٧١٤.
34 جامع البيان، الطبري ١٥/٦٣٣.
35 انظر: شرح العقيدة الواسطية، ابن عثيمين ص ١٦٩.
36 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا، رقم ٦٠٢٦.
37 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٦٨.
38 جامع البيان، الطبري ٨/٥٨١.
39 معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٥٦.
40 روضة المحبين، ابن القيم ص ٣٧٧.
41 الأذكار، النووي، ص ٥٢١.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة، رقم ٥٢٨٣.
43 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام، رقم ٢٦٢٧.
44 شرح النووي على صحيح مسلم، النووي ١٦/١٧٧.
45 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، رقم ١٤٣٢.
46 انظر: عمدة القاري، العينى ٢٠/٢٦٩.
47 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان، رقم ٤٣٧٦، والنسائي في سننه، كتاب قطع السارق، باب ما يكون حرزا وما لا يكون، رقم ٤٨٨٥.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٩٥٤.
48 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، رقم ١٧٣٩٧.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، رقم ٣٤٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود، رقم ١٦٨٨.
50 فتح الباري، ابن حجر ١٢/٩٥.
51 شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/١٧٨
52 المصدر السابق ١١/١٨٦.
53 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها، رقم ٣٥٩٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦١٩٦.
54 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٤٣
55 المصدر السابق ١٥/٤٤.
56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٢١.
57 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٤٥.
58 انظر: المصدر السابق ١٥/٤٦.
59 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، رقم ٧٥١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها، رقم ١٩٣.
60 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة بني إسرائيل، رقم ٣١٣٧.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٦٣٩.
61 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، رقم ٤٣٠٨.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٥٧١.
62 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٠٩-٣١٠.
63 نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ١١/٤٢٦.
64 انظر: المصدر السابق ١١/٤٢٧
65 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢٧٣
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قول الله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)، رقم ٤٤٧٦.
67 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٧٩.
68 شرح العقيدة الواسطية، محمد خليل هراس ص ٢١٥.
69 التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي ص ٦٠٦-٦٠٧.
70 شرح العقدية الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ص ١٣٢-٢٣٣.
71 أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة ص ٧٥.
72 القيامة الكبرى، عمر الأشقر ص ١٨٩.
73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، رقم ٧٥١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها، رقم ١٩٣.
74 شرح النووي على صحيح مسلم ٣/٥٦.
75 لوامع الأنوار البهية، السفاريني ٢/٢٠٨.
76 فتح الباري، ابن حجر ١١/٤٢٨.
77 شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٢٩.
78 انظر: المصدر السابق ص ٢٨٨، القيامة الكبرى، عمر الأشقر ص ١٨٩.
79 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص٢٢٩.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، رقم ٩٢٠.
81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الوضوء، رقم ٦٣٨٣.
82 التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي ص ٦٠٨.
83 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص٢٣٢، شرح العقيدة الواسطية، سعيد بن وهف القحطاني ص ٤٤.
84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، رقم ٦٥٤٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم ٢١٦.
85 مباحث العقيدة في سورة الزمر، ناصر الشيخ ص ٣٠٧.
86 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص٢٣٣.
87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم ٣٨٨٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، رقم ٢١٠.
88 التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي ص ٦٠٨.
89 فتح الباري، ابن حجر ١١/٤٣١.
90 مباحث العقيدة في سورة الزمر، ناصر الشيخ ص ٣٠٨.
91 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول الناس يشفع في الجنة ،وأنا أكثر الأنبياء تبعا، رقم ١٩٦.
92 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا، رقم ١٩٧.
93 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الشفاعة، رقم ٤٧٣٩، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الشفاعة، رقم ٢٤٣٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٧١٤.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ( ﯢ ﯣ ﯤ)، رقم ٧٤١٠.
95 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم ١٩٣.
96 التوحيد، ٢/٦٥٩.
97 مجموع فتاوى ابن تيمية ١/١٠٨.
98 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب الترغيب في سكن المدينة والصبر على لأوائها، رقم ١٣٧٨.
99 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها، رقم ١٣٦٣.
100 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب الترغيب في سكن المدينة والصبر على لأوائها، رقم ١٣٧٤.
101 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء، رقم ٦١٤.
102 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة، رقم ٣٨٤.
103 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، رقم ١٨٥.
104 أخرجه النسائي في سننه، كتاب التطبيق، باب موضع السجود، رقم ١١٤٠.
105 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في عدد الآي، رقم ١٤٠٠.
وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، رقم ١٢٦٥.
106 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، رقم ١٠٤٥٠.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٠١٩.
107 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ثواب الشهيد، رقم ١٦٦٣، وابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله، رقم ٢٧٩٩.
وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، رقم ٣٨٣٤.
108 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٦٦٢٦، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ١٨٣٩.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٩٨٤.
109 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه مائة شفعا فيه، رقم ٩٤٧.
110 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، رقم ٩٤٨.
111 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الشفاعة، رقم ٤٧٣٩، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الشفاعة، رقم ٢٤٣٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٧١٤.
112 التوحيد ٢/٦٥٩.
113 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم ٦٥٥٩.
114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة: وما تشاءون إلا أن يشاء الله، رقم ٧٤٧٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته، رقم ١٩٨.
115 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، رقم ١٨٤.
116 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، رقم ٤٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم ١٩٣.
117 طريق الهجرتين وباب السعادتين، ابن القيم ص ٣٨٥.
118 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي ٢/٥٢٤.
119 جامع البيان، الطبري ٣/٢٩٩.
120 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٠٧.
121 فتح القدير ١/٢٥٦.
122 اللباب في علوم الكتاب ٣/١٥٠.
123 أضواء البيان ٨/٦٠.
124 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٢٩٥.
125 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٧٣.
126 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٨٨.
127 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل السجود، رقم ٨٠٦، عن أبي هريرة رضي الله عنه،.
وأخرجه مسلم في صحيحه، في حديث الشفاعة الطويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم ١٨٣، واللفظ له.
128 أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم ٢٧٥٢.
129 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، رقم ٧٥١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها، رقم ١٩٣.
130 شرح العقيدة الطحاوية ص٢٢٩.
131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، رقم ٤٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم ١٩٣.
132 شرح العقيدة الواسطية، الهراس ص٢١٥.