عناصر الموضوع

مفهوم السلام

السّلام في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مكانة السلام

السلام الإلهي

سلام الملائكة

السلام شعار المؤمن

السلام مع المخالفين

أثر إفشاء السلام على المجتمع

السلام

مفهوم السلام

أولًا: المعنى اللغوي:

السلام: اسم مصدر من الفعل «سلّم» يقال: سلّم تسليماً مصدر، وسلامًا اسم مصدر.

وأصل مادة «سلم» تفيد معنى السلامة من كل شر، قال ابن فارس: «السين واللام معظم بابه من الصحة والعافية، والشاذ عنه قليل»1.

وقال الراغب: «السّلم والسلامة: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة»2. وقريب منه المعنى المحوري للمادة: «صحة جرم الشيء والتئام ظاهره في ذاته»3.

و(السلام) من أسماء الله الحسنى، لسلامته سبحانه من كل نقص.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

المعنى اللغوي للكلمة الذي ترجع إليه كل معانيها هو السلامة من كل عيب حسي أو معنوي.

ولا يختلف السلام في معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي ويمكننا أن نعرّفه فنقول: السلام اسم من أسماء الله تعالى يدل على معنى التحية والسلامة من كل سوء وشر.

السّلام في الاستعمال القرآني

وردت مادة (سلم) في القرآن الكريم (١٤٠) مرةً، يخص موضوع البحث (٥٠) مرةً4.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [الأنفال:٤٣]

الفعل المضارع

٢

( ) [النور:٢٧]

الفعل الأمر

٢

( ) [النور:٦١]

المصدر

٤٥

( ) [الأعراف:٤٦]

وجاء السّلام في الاستعمال القرآني على خمسة أوجه5:

الأول: هو الله تعالى: ومنه قوله تعالى: (ﯗ ﯘ) [الحشر: ٢٣].

الثاني: الخير: ومنه قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الزخرف: ٨٩] يعني: وقل خيرًا.

الثالث: الثناء الحسن: ومنه قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الصافات: ٧٩].

الرابع: السلامة من الشر: ومنه قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ) [هود: ٤٨] يعني: بسلامة من الشر والغرق.

الخامس: التحية التي يحيّي بها المسلمون بعضهم بعضًا، وهي تحية أهل الجنة: ومنه قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النور: ٦١].

الألفاظ ذات الصلة

التحية:

التحية لغة:

مصدر حييى يحيى، وأصلها تحيية على وزن تفعلة، فأدغمت الياء في الياء، ، والتحية تأتي بمعنى : البقاء، يقال: التحيات لله، الملك والبقاء لله، وتأتي بمعنى : السلام، والتحية في كلام العرب ما يحييى بعضهم بعضًا إذا تلاقوا6.

التحية اصطلاحًا:

لا يختلف معناها الاصطلاحي عن معناه اللغوي.

الصلة بين التحية والسلام:

التحية تشترك مع السلام، وهي أعم، قال العسكري:«التحية أعم من السلام؛ يدخل في التحية حياك الله، ولك البشرى، ولقيت الخير»7.

مكانة السلام

أولًا: السلام اسم من أسماء الله الحسنى:

لقد ورد اسم الله السلام في قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)[الحشر: ٢٣].

وورد في السنة أيضًا؛ فعن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان وفلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه فقال: (إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله)8.

وعن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثًا وقال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام)9.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السلام اسم من اسماء الله تعالى وضعه فأفشوه بينكم) 10.

وفي معنى اسم السلام يقول ابن بطال: ومعناه السالم من النقائص والآفات الدالة على حدوث من وجدت به، متضمن لمعنى السلامة من ذلك كله11.

وقال الزجاج: «السلام هو الذي سلم من عذابه من لايستحقه»12.

وقيل: المسلم أولياءه.

وقيل: المسلم عليهم13.

وقيل: سلم الخلق من ظلمه، بمعنى أنه لا يتصف بالظلم.

وقيل: مسلم عباده من الهلاك.

وقيل: مسلم المؤمنين من العذاب.

وقيل: المسلم على مصطفي عباده بقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)[النمل:٥٩].

وقيل: المسلم على المؤمنين في الجنة لقوله (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[يس:٥٨].

وقيل: لطول بقائه14.

وكلها معان صحيحة يجوز إطلاقها عليه سبحانه ولا تعارض بينها، فهو سبحانه السلام في ذاته وصفاته وأفعاله، «بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار؛ فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه.. فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من الشريك، وإذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضادها؛ فحياته سلام من الموت، وكذلك قيوميته وقدرته»15.

ثانيًا: من أسماء الجنة دار السلام:

أعد الله الجنة دارًا للمؤمنين خالدين فيها أبدًا، وغرس كرامتهم فيها بيده سبحانه؛ فكانت دار سلام وأمن لا فيها أذى ولا نصب، ومن أسمائها دار السلام.

قال تعالى: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)[الأنعام:١٢٧].

وفي الآية وعد حسن من الله للقوم الذين يذّكرون بأن لهم دار السلام، ودار السلام هي الجنة إجماعًا، وفي تقديم()دلالة على اختصاصهم بالجنة، والسلام له معنيان: «أحدهما: ان السلام اسم من أسماء الله عز وجل، فأضاف الدار إليه هي ملكه وخلقه، والثاني أنه المصدر بمعنى السلامة، كما تقول : السلام عليك»16.

والظاهر رجحان المعنى الثاني؛ «فإنه لو كانت الإضافة إلى مالكها لأضيفت إلى اسم من اسمائه غير السلام وكان يقال: دارالرحمن أو دار الله.... وأيضًا فلأن المعهود في القرآن إضافتها إلى صفتها أو إلى أهلها؛ أماالأول فنحو دار القرار، دار الخلد.... وأما الثاني فنحو: دار المتقين ولم تعهد إضافتها إلى اسم من أسماء الله في القرآن، فالأولى حمل الإضافة على المعهود في القرآن»17.

وسميت الجنة دار السلام لسلامتها من كل آفة، وقيل: لأن من دخلها سلم من البلايا والرزايا أجمع، وقيل: لأنها سلمت من دخول أعداء الله، كيلا يتنغص أولياء الله فيها كما ينغص مجاورتهم في الدنيا وقيل: سميت بذلك لأن كل حاله من حالات أهلها مقرونه بالسلام»18.

وهذه دعوة من الله العلي الأعلى لعباده على لسان رسله وملائكته كي ينيبوا إلى ربهم ويفعلون ما يوصلهم إلى دار السلامة والكرامة، وفي الحديث عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان، يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خيرً مما كثر وألهى. وأنزل الله في ذلك قرآناً في سورة يونس (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [يونس:٢٥]19.

وتتعدد مواطن السلامة في الجنة، فالدخول في الجنة بسلام.

قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر:٤٥، ٤٦].

وقال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [ق:٣١- ٣٤].

وفي الآيتين حذف فعل القول، وهو في القرآن كثير، وتقدير المعنى: ويقال لهم: ادخلوها بسلام، والقائل: الله تعالى أو ملائكته الكرام، ومعنى بسلام، بسلامة من النار، أو بسلامة تصحبكم من كل آفة، أو بتحية من الله»20.

ولفظ السلام يشمل كذلك السلامة من الغل والخصام والنزاع بدليل ما بعدها (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[الحجر:٤٧].

والسلامة في الجنة من كل ما ينغص، وفي الحديث: (ينادي مناد : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا)21.

والتحية في الجنة هي : السلام.

قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ)[يونس:١٠].

وقال تعالى: ( ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[إبراهيم:٢٣].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)[الأحزاب:٤٤].

إن التحية بالسلام نوع من الإكرام، وفيها السلامة من كل شر.

قال ابن القيم: «ولما كانت الجنة دار السلامة من كل عيب وشر وآفة، بل قد سلمت من كل ما ينغص العيش والحياة، كانت تحية أهلها فيها سلام، والرب يحييهم فيها بالسلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم»22.

وإذا كانت الآيات السابقة قد أفادت أن التحية في الجنة تكون بالسلام، فقد ورد في القرآن أن السلام في الجنة غير التحية، قال تعالى في ثواب عباد الرحمن: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفرقان: ٧٥].

فعطف التحية على السلام، وفي الفرق بينهما يقول الزمخشري: «والتحية دعاء بالتعمير، والسلام دعاء بالسلامة»23.

وقال العسكري: «والتحية أعم من السلام، والسلام مخصوص ويدخل في التحية: حياك الله، ولك البشرى، ولقيت كل خير»24.

وقال مقاتل: المراد بالتحية: سلام بعض على بعض، أو سلام الملائكة عليهم، والمراد بالسلام أن الله سلمهم مما يخافون وسلم إليهم أمرهم، وقيل: التحية من الملائكة أو من أهل الجنة والسلام من الله تعالى عليهم، وقيل: التحية من الله تعالى لهم بالهدايا والتحف، والسلام بالقول25.

ومن أوجه السلام في الجنة أن القول فيها سلام؛ قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[مريم: ٦٢].

وقال (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)[الواقعة: ٢٥- ٢٦].

ومن جملة النعيم الذي يحظى به أهل الجنة أنهم يسمعون الكلام الطيب، واستثناء السلام من اللغو في الآية الأولى ومن اللغو والتأثيم في الآية الثانية إنما هو من قبيل الاستثناء المنقطع الذي ليس من جنس المستثنى منه.

والمعنى: أن أهل الجنة لايسمعون أي كلام من اللغو أو الهذر الذي لا فائدة منه.

قال تعالى «(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[النبأ: ٣٥].

وقال (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[الغاشية: ١١].

و() نكرة في سياق النفي أفادت العموم، فلا لغو في الجنة بحال. بل يسمعون الكلام الطيب الذي يسلمون به.

قال الزجاج: «(وسلامًا) اسم جامع للخير متضمن للسلامة، فالمعنى: أن أهل الجنة لا يسمعون إلا ما يسلمهم»26.

ويرى الزمخشري أن الاستثناء في الآية متصل، وتقدير المعنى عنده، أي: إن كان تسليم بعضهم على بعض، وتسليم الملائكة عليهم لغوًا، فلا يسمعون لغواً إلا ذلك27، فهو يعدها من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم.

وفي قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الواقعة: ٢٥- ٢٦].

يقول ابن القيم: «وهذا فيه نفي لسماع اللغو والتأثيم، وإثبات لضده وهو السلام المنافي لهما: فالمقصود به نفي شيء وإثبات ضده»28.

والتسليم من الله تعالى على عباده في الجنة، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[يس:٥٥: ٥٨].

والمعنى«ولهم فيها ما يدعون، وذلك هو سلام من الله عليهم، بمعنى تسليم من الله»29.

والظاهر من سياق الكلام أنه سلام من الله بدون واسطة ملك. وقد روى من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، وذلك قول الله (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[يس:٥٨]. قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم، ماداموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته في ديارهم)30.

وعن عمر بن عبد العزيز، قال: « إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار، أقبل في ظلل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة فيردون عليه السلام». قال القرظي: «وهذا في القرآن (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) 31. وسلام الملائكة ثابت في أكثر من آية وسيأتي.

ومن أوجه السلام على أهل الجنة ما يسلم به عليهم أهل الأعراف، وذلك في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[الأعراف: ٤٦].

والأعراف مشتق من العرف؛ لأن كل مرتفع من الأرض عند العرب أعراف32.

وقد اختلف فيهم على أقوال متعددة؛ قال صديق خان: «وفي هذه الأقوال ما يدل على أن أصحاب الأعراف دون أهل الجنة في الدرجات وإن كانوا يدخلون الجنة برحمة الله تعالى، وفيها ما يدل على أنهم أفضل من أهل الجنة وأعلى منهم منزلةً وليس في الباب ما يقطع به من نص جلي وبرهان نير»33.

وإن كانت دلالة لفظ الأعراف توحي أنهم في منزلة عالية يعرفون أهل الجنة ببياض وجوههم ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وهم يطمعون في موضع الحال من ضمير الجماعة في () ويكون المعنى لم يدخلوها في حال طمع بها، بل في حال يأس وخوف34.

قال القاسمي: «ولا يبعد عندي أن يكون ( ﮍ ﮎ ﮏ)حالًا من (ﮆ ﮇ) أي: نادوهم بالسلام وهم في الموقف على طمع دخول الجنة يبشرونهم بالأمان والفوز من العذاب إشارةً إلى سبق أهل الأعراف على غيرهم في دخول الجنة وعلو منازلهم على سواهم»35.

ومما سبق يتضح لنا أن الجنة دار السلام؛ يسلم فيها الرب جل في علاه على أهل الجنة، وتسلم عليهم الملائكة، ويسلم عليهم أصحاب الأعراف، والسلام تحيتهم فيما بينهم، وهو تحيتهم عند الدخول، وفي داخلها، وهو كلامهم فيما بينهم، فهم في سلام دائم.

ثالثًا: السلام صفة شرع الله ودينه:

إن مادة (الإسلام) ومادة (السلام) ترجعان إلى أصل لغوي واحد هو السلامة والخلوص من كل ما يسوء، وما وحدة الأصل هذه إلا إشارة إلى وشائج قوية وصلة وثيقة بين الإسلام والسلام حتى صارت الجملة مثلًا سائرًا: (الإسلام دين السلام).

قال تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[المائدة: ١٥، ١٦].

فالنور هو القرآن، أو هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعطفه على الكتاب، وهو سبب الهداية لمن اتبع رضوان الله فيهتدي إلى طريق الجنة، قال الطبري:«سبل السلام سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وبعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملًا إلا به، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية»36.

وإذا كان لفظ السبل جاء مجموعًا هنا فهو بمثابة شعب الإيمان الذي يجمعها جامع واحد، فكل هذه السبل للخير، كجداول الماء التي تخرج من النهر، أو كالشجرة التي يخرج منها أطايب الثمار فتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

والتعبير القرآني ( ) يعتبر من الأوصاف الربانية العظيمة الدقيقة لهذا الدين الخالد، يقول سيد قطب:«وما أدق هذا التعبير وأصدقه، إنه (السلام) هو ما يسكبه هذا الدين في الحياة كلها.... سلام الفرد. وسلام الجماعة. وسلام العالم. سلام الضمير، وسلام العقل، وسلام الجوارح، وسلام البيت والأسرة، وسلام المجتمع والأمة، وسلام البشر والإنسانية. السلام مع الحياة والسلام مع الكون. والسلام مع الله رب الكون والحياة. السلام الذي لا تجده البشرية ولم تجده يومًا. إلا في هذا الدين وإلا في منهجه ونظامه وشريعته، ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته»37.

ومن الألفاظ المقاربة التي جاءت بمعنى الإسلام قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)[البقرة: ٢٠٨].

فإن السلم هنا معناه : الإسلام عند جمهور المفسرين38.

وللراغب تأويل لطيف لارتباط معنى السلم هنا بالطاعة فيقول : «عني بالسلم سلم العبد لله عز وجل، وذلك أن الإنسان في كفره وكفران نعمة الله كالمحارب له، وبهذا يسمى الكافر: المحارب، في نحو قوله تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ)[المائدة: ٣٣].

وسلم العبد لله على ثلاث أضرب.... الإسلام الذي سلم به من الله أن يراق دمه...، واثنان بعد الإيمان أحدهما : أن يسلم من سخطه بارتسام أوامره وزواجره... والثاني : أن يكون سليماً من الشيطان وأوليائه وسليماً فيما يجري من قضائه، وبه يحصل دار السلام وهذا غاية ما ينتهي إليه العبد.... وهذا السلم هو المعنى بقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)[آل عمران: ١٩] 39.

وهذا ربط جيد بين معاني لفظة السلام بمشتقاتها، فالمسلم مستسلم لربه، منقاد له بمحبة وإخبات، مسالم لكل ما حوله ومن حوله، سالم من شر الشيطان وشركه، ومصيره إلى دار السلام بسلام، وفي معنى السلام والاستسلام والانقياد تدخل كل مفردات ومشتقات مادة (الإسلام) بصيغها المختلفة.

السلام الإلهي

إن من معاني اسم الله (السلام) أنه تبارك وتعالى هو المسلّم على أوليائه سلام بر وإكرام ولطف وثناء حسن منه تعالى، وأمان منه لهم في كل أمورهم وأحوالهم، وفي القرآن الكريم سلام من الله تعالى على أنبيائه إجمالًا وعلى بعضهم تخصيصًا.

أولًا: سلام الله على أنبيائه ورسله:

فمن الأول قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ)[النمل:٥٩].

والآية خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن قص عليه إهلاك الأمم المكذبة أمره أن يحمده على هلاك الظالمين، أو هي استفتاح الاعتبار بالحمد لله والسلام.

وقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)يعني أمنةً ثابتةً من الله لعباده المصطفين، وجملة (ﭶ ﭷ ﭸ) من الله تحتمل وجهين: «تحتمل أن تكون داخلة في حيز القول فتكون معطوفةً على الجملة الخبرية وهي الحمد لله، ويكون الأمر بالقول متناولاً للجملتين معًا.

وعلى هذا فيكون الوقف على الجملة الأخيرة ويكون محلها النصب محكية بالقول، ويحتمل أن تكون جملةً مستقلةً معطوفة على جملة الطلب، وعلى هذا فلا محل لها من الإعراب، وهذا التقدير أرجح وعليه يكون السلام من الله عليهم»40.

والمصطفون هم الأنبياء كما ورد عن عبدالرحمن بن زيد41.

وورد عن عبد الله بن عباس والسدي والثوري أنهم الصحابه الكرام رضوان الله عليهم42.

قال ابن كثير: «ولا منافاة؛ فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى». وقال ابن جزي: «واللفظ يعم الملائكة والأنبياء والصحابة والصالحين»43.

وفي ختام سورة الصافات جاء قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)[الصافات: ١٨٠: ١٨٢].

وفي السورة عرض لافتراءات المشركين على الملائكة وعلى الذات الإلهية ورد عليها، ثم تأتي الآية الكريمة في الختام وفيها الرد الإجمالي على كل مكذب، ففيها أولًا تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق، وسلامة رسله الكرام من كل افتراء وكيد ثم تختتم بالثناء الجميل على الله جل في علاه، وقد اقترن السلام على المرسلين بالتسبيح والحمد، وفي الآية السابقة اقترن السلام على المرسلين بالحمد.

وجاء التسبيح في الآية الأولى والحمد في الثانية، إذا التسبيح مقدمة الحمد، ففيه التنزيه وفي الحمد الثناء، وهو بعد التسبيح، فسبحان الله وبحمده؛ قال الماتريدي«في هذه الأحرف الثلاثة جميع ما بينه الله تعالى من الحق على الخلق من التوحيد والثناء الحسن والحمد لنعمه، وجميع ما عليهم من الثناء الحسن والحمد له، وما ألزمهم من الثناء الحسن على جميع المرسلين»44.

وفي الآية تعليم للأمة أن تصلي على جميع المرسلين، وفي الحديث: (صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني)45.

وفي آي القرآن تفصيل للسلام على بعض صفوة الله من خلقه صلوات الله عليهم أجمعين وهم:

١. السلام على نوح عليه السلام.

وذلك في موطنين، أولهما في قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[هود: ٤٨].

وجاءت الآية في ختام قصة نوح بعد إغراق قومه المكذبين في الطوفان ونجاته هو ومن معه من المؤمنين، فجاء النداء الإلهي بالانتشار في الأرض مصاحبًا للسلامة والأمن والتحية من الله له ولمن معه، وهم في أحوج حال إلى السلامة أثناء نزولهم إلى الأرض ليهنأ لهم العيش، وفي حاجة إلى البركة بعد نزولهم ليحدث التكاثر في ذريته وفي من معه من الكائنات. فالسلامة من الله النجاة من آثار الطوفان لنوح ولمن معه ولمن كانوا في صلبه، وإن لكل مؤمن نصيبًا من هذه السلامة، نحن ذرية من كان مع نوح، قال القرطبي: «دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة»46.

وفي استفتاح الزمرة الطيبة من صفوة خلق في سورة الصافات جاء السلام على نوح عليه السلام من الرب الجليل فقال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)[الصافات: ٧٨- ٧٩].

ففي الآيات ثناء على نوح وإبقاء لذلك الذكر الطيب في كل عصر ومصر، فجملة (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) في محل نصب مفعول (تركنا) على الحكاية، كما تقول قرأت من القرآن (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)47.

فجميع العالمين يسلمون على نوح ويدعون له ويذكرونه بالخير، ويصلون عليه، ولم يأت ذكر (ﭞ ﭟ)مع نبي في السورة سواه، وذلك لأنه الأب الثاني للبشر، وأول رسول أرسل إلى الأرض، وهو من أولي العزم الذين صبروا على أذى قومهم وظل يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عامًا فاستحق أن يظل الثناء عليه باقياً في الأرض لا ينقطع.

ويرى الطبرى أن السلام على نوح أمنةً من الله له لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء. وعلى هذا يكون قوله (سلام) مستأنفًا، مسلّم الله عليه ليقتدي بذلك البشر48.

٢. السلام على إبراهيم عليه السلام.

وجاء السلام عليه في قوله تعالى: ( ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)[الصافات: ١٠٩- ١١١].

والسلام على إبراهيم عليه السلام ثابت وحاصل وممتد، فهو الخليل أبو الأنبياء، وهو الأمة الإمام المقتدى به، الذي تتشرف كل الأمم بالانتساب إليه. ومن جملة السلامة له ما حصل له من معجزة أثناء إلقائه في النار حيث نجاه الله تعالى، قال سبحانه: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)[الأنبياء: ٦٩].

فكان السلام حافظاً له أن يؤذيه حرها أو بردها، قال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من شدة بردها49.

٣. السلام على موسى وهارون عليهما السلام.

وثالث سلام في سورة الصافات على موسى وهارون.

قال تعالى: ( ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)[الصافات: ١٢٠- ١٢٢].

وموسى عليه السلام من أولي العزم الذين جاهدوا في الله وتحملوا أذى قومهم، وقد قام بدين الله خير قيام هو ووزيره هارون النبي ، فنصرهما الله وآتاهما التوراة ، وترك لهما في الآخرين الذكر الطيب والصلاة عليهما.

٤.السلام على إلياس عليه السلام.

إن إلياس عليه السلام من الأنبياء الذين أبقى الله لهم ثناءً ودعاءً، و(إل ياسين) على وزن إسماعيل، وهو إلياس على الصحيح أو إلياس وآله الذين آمنو معه واتبعوه50.

وفي التسليم على هؤلاء الأنبياء الكرام تنويه بفضلهم، وإشعار بحسن الثناء عليهم.

وفي تنكير (سلام) دلالة على التعظيم، وفي تقديم السلام على الاسم لفتة؛ ذلك «أن في الدنيا قدموا اسم الدعاء المحبوب الذي تشتهيه النفوس وتطلبه ويلذ السمع لفظه فيبدأ السمع بذكر الاسم المحبوب المطلوب ويبدأ القلب بتصوره فيفتح له القلب والسمع فيبقى السامع كالمنتظر لمن يحصل هذا وعلى من يحل فيأتي باسمه فيقول عليك أو لك فيحصل له من السرور والفرح»51.

٥. السلام على يحيى عليه السلام.

ومن السلام على الأنبياء ما ورد في قصة يحيى عليه السلام في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)[مريم:١٥].

وهذه المواطن هي أشد مواطن على المرء فيحتاج فيها إلى الأمان والسلامة، فيسلم بها نزغة الشيطان المتحتمة لكل مولود ومن فتنة الشيطان عند الموت، ومن كرب وهول المطلع يوم القيامة.

قال سفيان بن عيينة: «أوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن: في يوم ولد فيخرج إلى دار همٍّ، وليلة يبيت مع الموتى فيجاور جيراناً لم ير مثلهم، ويوم يبعث فيشهد مشهدًا لم ير مثله قط، قال الله تعالى ليحيى ابن زكريا في هذه الثلاثة مواطن: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)[مريم: ١٥]52.

والسلام هنا بمعنى الأمان عند الطبري وغيره، قال ابن عطية : «والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة، فهي أشرف وأنبه من الأمان»، ووفق الشنقيطي بين القولين فقال:«ومرجع القولين إلى شيء واحد؛ لأن معنى السلام: التحية والأمان والسلامة مما يكره، وقول من قال هو الأمان، يعني أن ذلك الأمان من الله، والتحية من الله معناها الأمان والسلامة مما يكره»53.

٦. السلام على عيسى عليه السلام.

وقد جاء السلام في حق عيسى عليه السلام في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[مريم: ٣٣].

وسلام يحيى من الله عليه، أما عيسى فقد أنطقه الله في المهد بالسلام عليه في نفس المواطن، وجاء سلام عيسى معرفًا بالألف واللام، قيل: لأنه لما جرى ذكر (سلام) قبل هذا الموضع بغير ألف ولام كان الأحسن أن يرد ثانية بالألف واللام54.

فيكون المعنى: السلام الذي سبق على يحيى متوجه إلىه أيضًا، وقيل: إن الأول من الله، والقليل منه كثير ، والثاني من عيسى والكثير منه لا يبلغ معشار سلام الله55.

ثانيًا: سلام الله على أهل الجنة:

وليس السلام الإلهي قاصرًا على الدنيا وأحوالها ولا على الأنبياء وحسب، وإنما يعم السلام جميع أهل الجنة وهم فيها، فالتحية في الجنة من الله بالسلام، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ )[يس: ٥٥: ٥٨].

ولفظ (سلام) جعله بعضهم مرتبطاً بما قبله.

قال الفراء: «ذلك لهم سلام قولًا، أي: لهم ما يدعوه مسلم خالص، أي: هو خالص، يجعله خبرًا لقوله لهم ما يدعون، خالص، ورفع على الاستئناف، يريد ذلك لهم سلام»56.

والأقرب الذي عليه الجمهور أن السلام خبر؛ فيكون المعنى أن السلام من الله عليهم، وهو التحية، والسلام «يجمع جميع النعم»57.

وبذلك يشمل التحية والسلام، قال ابن سعدي: «وإذا سلم عليهم الرب الرحيم، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه وحصلت لهم التحية لا تحية أعلى منها ولا نعيم مثلها، فما ظنك التحية ملك الملوك الرب العظيم الرؤوف الرحيم لأهل دار كرامته»58.

وإذا كان السلام عند جماعة من المفسرين يحتمل أن يكون من الرب الرحيم مباشرة ويحتمل أن يكون من الملائكة فإن الأقرب والأولى بنظم الآية أن يكون من الله تعالى؛ فـ (من) هنا ابتدائية، فالسلام من السلام وهذا غاية الإكرام.

ومن سلام الله على عباده المؤمنين في الجنة قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[الواقعة: ٩٠: ٩١].

وهذه السلامة تصحبهم في احتضارهم، وهم في الجنة، وقيل: المعنى: مسلم لك إنك من أصحاب اليمين59.

ونلاحظ أن السلام هنا تعدى باللام ولم يتعد بـ(على) كما في غيره من المواضع، وفي تأويل ذلك يقول أبوالسعود:«إخبار من جهته تعالى بتسليم بعضهم على بعض، كما يفصح عنه اللام لا حكاية إفشاء سلام بعضهم على بعض، وإلا قيل عليك»60.

ويقول ابن القيم: «(ﮛ ﮜ)، أي: ثبت لك السلام وحصل لك، وعلى هذا فالخطاب لكل من هو من هذا الضرب، فهو خطاب للجنس، أي: فسلام لك يا من هو من أصحاب اليمين، كما تقول: هنيئًا لك يا من هو منهم»61.

وهذا السلام الأقرب أنه بمعنى السلامة وإن كانت اللفظة تشمل كل إكرام وتبعد عن كل سوء وشر.. ويدخل في السلام الإلهي على أهل الجنة ما سبق من قوله تعالى: (ﭽﭾ ﭿ)[يونس:١٠٥].

وقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ)[إبراهيم: ٢٣].

وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)[الأحزاب:٤٤].

وقوله: ()[ق: ٣٤].

وقوله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[الفرقان: ٧٥].

فكل هذا سلام إلهي سواءً كان من الرب الرحيم مباشرةً أو بواسطة الملائكة، فإنهم مبلغون عن الرب ذي الجلال والإكرام والفيض والإنعام على عباده سكان دار السلام.

سلام الملائكة

تتعدد مواقف الملائكة مع المؤمنين، فالملائكة يثبتون المؤمنين، ويدعون لهم، ويستغفرون لهم، ويحفظونهم من الأمر إلى غير ذلك. ومن المواقف الطيبة المباركة للملائكة مع المؤمنين: السلام عليهم وتتعدد مواطن ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: سلام الملائكة على الأنبياء:

وقد ورد في القرآن الكريم سلام الملائكة على إبراهيم عليه السلام وذلك في قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ)[هود: ٦٩].

وقوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحجر: ٥١- ٥٢].

وقوله : (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)[الذاريات: ٢٤- ٢٥].

وخلاصة تفسير هذه الآيات: أن الملائكة نزلوا على إبراهيم متلبسين أو مصاحبين بالبشرى وهي ولادة يعقوب، وقيل: بإهلاك قوم لوط62.

ولا مانع من إرادة كليهما وإن كان الأول أقرب؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)[العنكبوت: ٣١].

قال الشنقيطي: «لأن فيها التصريح بأن إخبارهم بإهلاك قوم لوط بعد مجيئهم بالبشرى، لأنه مرتب عليه بأداة الشرط التي هي لما»63.

وقد حيوه بالسلام، فقالوا: نسلم عليك سلامًا، فرد تحيتهم بأحسن منها، فقال: سلام عليكم. أو يكون التقدير: فأمري سلام.

قال ابن القيم: «فإن تحيتهم باسم منصوب متضمن لجملة فعلية تقديره: سلمنا عليك سلامًا، وتحية إبراهيم لهم باسم مرفوع متضمن لجملة إسمية تقديره: سلام دائم أو ثابت أو مستقر عليكم، ولا ريب أن الجملة الاسمية تقتضي الثبوت واللزوم، والفعلية تقتضي التجدد والحدوث، فكانت تحية إبراهيم أكمل وأحسن»6465.

وللسهيلى في تأويل النصب من قولهم والرفع من قول إبراهيم عليه السلام تأويل لطيف حيث قال: «وحصل من الفرق بين الكلامين في حكاية هذا ورفعه ونصب ذلك، إشارة لطيفة وفائدة شريفة؛ وهو أن السلام من دين الإسلام، والإسلام ملة إبراهيم عليه السلام، وقد أمرنا بالاتباع والاقتداء به، فحكي لنا قوله ولم يحك لنا قول أضيافه، إذ لا فائدة في تعريف كيفيته، وإنما الفائدة في تبيين قول إبراهيم وكيفية تحيته، ليقع الاقتداء به»66.

ومن جملة تحية الملائكة للأنبياء ما ورد في حق يحيى عليه السلام: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [مريم: ١٥].

قال الرازي: «هذا السلام يمكن أن يكون من الله تعالى وأن يكون من الملائكة وعلى التقديرين فدلالة شرفه وفضله لا تختلف، لأن الملائكة لا يسلمون إلا عن أمر الله تعالى»67.

ثانيًا: السلام ساعة الموت:

تمر على المرء لحظات شدة يحتاج فيها إلى البشارة، ومن أشد هذه الأوقات ساعة الاحتضار، ومقاساة شدائد نزع الروح وما في ذلك من كرب وألم وسكرات وغمرات، في وسط هذه الشدائد تنزل الملائكة على المؤمنين تبشرهم بالأمن والأمان.

قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[النحل:٣١- ٣٢].

وقد جاءت الآية بعد الحديث عن وفاة الكفار ظالمي أنفسهم وإخبارهم بدخولهم جهنم خالدين فيها، في مقابل هذا تأتي بشارة الملائكة في لحظة خروج الروح فالملائكة تتوفى المؤمنين وهم طيبون، وكلمة (طيبين) «كلمة مختصرة جامعة للمعاني الكثيرة، وذلك لأنه يدخل فيه إتيانهم بكل ما أمروا به، واجتنابهم عن كل ما نهوا عنه ويدخل فيه كونهم موصوفين بالأخلاق الفاضلة مبرئين عن الأخلاق المذمومة»68.

وقولهم:(سلام عليكم) يحتمل أن يكون بمعنى التحية ويحتمل معنى السلامة والأمن، ولها مانع من إرادة كليهما؛ قال محمد بن كعب القرظي: «إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال: السلام عليك ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ثم نزع بهذه الآية (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)[النحل: ٣٢]69.

وقوله: (ﯝ ﯞ) بشارة لهم بدخول الجنة.

ومن البشارات الطيبة للمؤمنين ساعة الموت قوله تعالى: ( ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الواقعة: ٩٠- ٩١].

وهذا السلام من جملة مقول القول لهم، وتقدير المعنى: وأما إن كان من أصحاب اليمين فيقال: سلام لك من أصحاب اليمين، أي : تقول له الملائكة70.

وقد ورد عن السلف في تفسير الآية ما يدل على هذا القول، فقال قتادة: سلام من عند الله وسلمت عليه ملائكة الله71.

وقال الضحاك: عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت72.

وهذا السلام جاء متعدياً بحرف اللام الذي يفيد الاختصاص، فالسلام مختص به، واصلٌ أثره إليه، فيه الأمن والسلامة وفيه التحية والبشارة.

ومما ورد في ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)[فصلت: ٣٠- ٣١].

قال مجاهد: ذاك عند الموت73.

وقال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)[إبراهيم: ٢٧].

قال ابن عباس في تفسيرها: إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة، فسلموا عليه وبشروه بالجنة، فإذا مات مشوا في جنازته...»74.

ومن الأحاديث في ذلك ما ورد عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها)75.

ثالثًا: السلام في الجنة:

تتعدد وجوه النعيم والإكرام لأهل الجنة؛ ومن ذلك تسليم الملائكة عليهم؛ فان تحية الملائكة لهم تكون بالسلام.

قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[يونس: ٩، ١٠].

ففي الآية الكريمة بيان لتحية أهل الجنة، والتحية تحتمل أن تكون بين المؤمنين وبعضهم البعض أو من الله لهم أو من الملائكة؛ قال الألوسي: في تفسير الآية: «والفاعل إما الله سبحانه؛ أي: تحية الله تعالى إياهم ذلك، ويرشد إليه قوله عز وجل:(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [يس: ٥٨].

أو الملائكة عليهم السلام، ويرشد إليه قوله سبحانه: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الرعد:٢٣].

يجوز أن تكون الإضافة إلى الفاعل بتقدير مضاف ، أي : تحية بعضهم بعض آخر ذلك»76.

ونظير ذلك قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[إبراهيم: ٢٣].

قال ابن جريج:«الملائكة يسلمون عليهم في الجنة»77.

وقوله تعالى(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ )[الأحزاب: ٤٤].

قال الماتريدي: «جائز أن تكون تحية الملائكة عليهم سلام.... أوتحية بعضهم على بعض سلام»78.

وإذا كانت الآيات السابقة تحتمل أن تكون التحية لهم من الله تعالى أو من الملائكة أو من المؤمنين، فإن هناك آيات نصت صراحةً على أن الملائكة يسلمون على أهل الجنة؛ ومن ذلك قوله تعالى في جزاء أولي الألباب: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)[الرعد: ٢٣- ٢٤].

فإن هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات الحميدة لهم جنات إقامة هم ومن آمن واستقام من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم. وهذه تهنئة الدخول، تدخل الملائكة عليهم بالتهنئة بدخول الجنة، قائلين: سلام عليكم.

قال ابن عاشور: «وهذا من كرامتهم والتنويه بهم، فإن تردد رسل الله عليهم مظهر من مظاهر إكرامه، وذكر (ﮚ ﮛ ﮜ) كنايةً عن كثرة غشيان الملائكة إياهم بحيث لا يخلو باب من أبواب بيوتهم لاتدخل منه الملائكة. ذلك أن هذا الدخول لما كان مجلبة مسره كان كثيراً في الأمكنة، ويفهم منه أن ذلك كثير في الأمكنة فهو متكرر، لأنهم ما دخلوا من كل باب إلا لأن كل باب مشغول بطائفة منهم، فكأنه قيل: من كل باب في كل آن»79.

ومن الأحاديث الواردة في تحية الملائكة لهؤلاء المؤمنين الصالحين ما ورد عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟) قالو: الله ورسوله أعلم، قال: (أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون، الذين تسد بهم الثغور ويتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره، لا يستطيع لها قضاء فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عباداً يعبدوني، لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور، ويتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم، وحاجته في صدره، لا يستطيع لها قضاء قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب): ( ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الرعد: ٢٤])80.

ومن تحية الملائكة للعباد المتقين قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[الزمر: ٧٣].

وهذا تكريم مضاعف؛ فالملائكة تتلقى أولئك المتقين وهم يدخلون الجنة أفواجاً وجماعات، حتى إذا جاءوها والأبواب معدة مفتوحة لهم قبل وصولهم، عندئد قال لهم خزنتها من الملائك : سلام عليكم تطهرتم من دنس المعاصي ومن كل خبث، والسلام يحتمل التحية ويحتمل السلامة والأمان، والآية جمعت بين وصفهم بأنهم طيبون وبين حلول السلام عليهم. وبهما معا تكمل الفرحة والنعيم، فالملائكة تتوفاهم طيبين بالسلام ويدخلون الجنة طيبين بالسلام.

السلام شعار المؤمن

إن السلام شعار المؤمن في كل حياته، فهو تحيته التي اختارها الله له، ولذلك فإن من صفات غير المسلمين أنهم لا يحيون بهذه التحية.

قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[المجادلة: ٨].

وقد حملها جمع من المفسرين على اليهود81.

عن عبد الله بن عمرو أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سام عليكم، ثم يقولون في أنفسهم: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)[المجادلة: ٨] فنزلت هذه الآية82.

وذهب كثير من المفسرين إلى أنها تشمل اليهود والمنافقين83، وهذا هو الأقرب.

وآيات السورة تتحدث عن الطائفتين وتبين موالاة المنافقين لليهود (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)[المجادلة: ١٤].

وقد كان المنافقون إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم يخفتون لفظ ( السلام عليكم ) لأنه شعار الإسلام ولما فيه من جمع معنى السلامة، يعدلون عن ذلك، ويقولون: أنعم صباحًا، وهي تحية العرب في الجاهلية لأنهم لا يحبون أن يتركوا عوائد الجاهلية84.

بل جعل الله هذه التحية أمارةً على الإسلام، وذلك في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[النساء: ٩٤].

وورد في سبب نزولها عن عبد الله ابن عباس قال: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)85.

والمفسرون يحملون اللفظ هنا على ظاهره فيقولون: السلام بمعنى التسليم86.

«أي: من خاطبكم بتحية الإسلام علامة على أنه مسلم»87.

وحملها جماعة على معنى الاستسلام والانقياد، والجمع بينهما ممكن.

قال ابن عطية: «لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده»88.

وهذا دليل واضح على أن السلام شعار يتميز به المؤمن عن غيره، بل يعصم دمه وماله، وما ذاك إلا لأنه دليل على المسالمة الذي هي الإسلام.

والتسليم لأمر الله وحكمه علامة الانقياد والاستسلام.

قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)[النساء: ٦٥].

قال الزجاج: «أي يسلّمون فيما يأتي من حكمك، لا يعارضونه بشيء، و( ) مصدر مؤكد، والمصادر المؤكدة بمنزلة ذكر الفعل ثانيًا، كأنك إذا قلت: سلّمت تسليماً فقد قلت: سلّمت سلّمت»89.

ومن الرسول للمؤمنين سلام، ومنهم له في كل عصر ومصر سلام، أما سلامه على المؤمنين ففي قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[الأنعام: ٥٤].

والآية حملها قوم على من جاء النهي عن طردهم من ضعفاء المؤمنين قبل هذه الآية90.

وحملها آخرون على المذنبين من المؤمنين؛ لأن الكلام انتهى عن القوم السابقين91.

والراجح أن لفظ الآية عام يشمل كل مؤمن.

قال الرازي: «والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها، فكل من آمن بالله دخل تحت هذا التشريف»92.

وفي الآية أمر من الله لرسوله أن يبتدأهم بالسلام أو يبلغهم سلام ربهم، وفيه التحية، وفيه السلامة من أثر الذنوب؛ فمن أسرف على نفسه وجهل قدر ربه ووقع في الذنب ثم تاب وأصلح فهو في دائرة السلامة والعفو من رب عفو رحيم.

ومن المؤمنين لرسولهم في كل وقت سلام؛ قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ)[الأحزاب:٥٦].

لقد بدأ الله بالصلاة على رسوله، وثنّت الملائكة، ثم بعد ذلك جاء الأمر للمؤمنين بالصلاة والتسليم على النبي الكريم، وقد علّم النبي أصحابه كيف يصلون عليه، وفي الصلاة والسلام على سيد الأنام فضل عظيم وخير عميم، فبها تفرج الهموم وتغفر الذنوب، وترفع الدرجات وتزيد الحسنات، ويصلي الرب الجليل عشراً على من صلى على نبيه صلاةً واحدةً. ومن ترك الصلاة على النبي فهو من أبخل البخلاء.

والسلام شعار المسلم في كل وقت، يحيى به أهل بيته ويحيى به إخوته، قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[النور:٢٧].

والمعنى: يا من تحليتم بحلية الإيمان، ليس لكم أن تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم التي تسكنوها حتى تستأنسوا من الاستئناس، بمعنى: الأنس ،أي الاطمئنان، فلا بد لصاحب المنزل أن يأنس بدخولكم عليه احتراماً لخصوصيته، ولكي يتهيأ للقاء زائريه، والسلام أفضل مدخل يدخل به الإنسان إلى قلوب الناس وإلى بيوتهم.

وقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[النور:٦١].

والمقصود بأنفسكم هنا أهل هذه البيوت كما ورد المعنى بذلك عن عبد الله بن عباس93.

والتعبير بالأنفس عن أصحاب البيوت تنزيل لهم منزلة النفس، وهذا يبين شدة الاتصال وقوة الارتباط بين المسلمين وبعضهم البعض، فالمسلّم على أخيه إنما يسلم على نفسه بتحية من عند الله مباركةً طيبةً ويالها من منزلة عظيمة للسلام في دين السلام.

ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخلتم بيوتاً ليس فيها غيركم فسلموا على أنفسكم. استجلابًا للسلامة والبركة واستشعاراً للأنس. وهذا الشعار الإيماني العظيم لا يكون من طرف واحد، بل يشترك فيه البادىء بالسلام ومن توجه إليه السلام، فإنه ينبغي عليه أن يرد بخير من التحية أو مثلها اتباعًا للأمر القرآني (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)[النساء: ٨٦].

قال القرطبي: «والصحيح أن التحية ها هنا السلام»94.

فأرشدت الآية أولًا إلى الأكمل وهو الرد بأحسن من السلام، فإن لم يكن فلا أقل من رد السلام بلا نقصان، وهذا تعليم وتوجيه رباني لحسن الأدب وحسن الرد.

وللسلام في الإسلام منزلة عظيمة، وقد رغبت فيه الآيات القرآنية، ووردت في شأنه الأحاديث النبوية، التي تبين فضله، حتى أفرد له المحدثون فصولاً وأبواباً في كتبهم المسندة تجمع أحكامه وآدابه، وورد في فضله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطّعام، وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف)95.

والإسلام لا بطلب من أتباعه أن يسلم بعضهم على بعض وحسب، وإنما يطلب منهم في نصوص صريحة أن يفشوا السلام ويكثر حتى يصير سمةً بارزةً وشعاراً للمجتمع المسلم، ولا يقتصر على الأحياء وإنما يشمل السلام الأموات أيضاً فتعمهم السلامة وتغشاهم الرحمة، وقد علم النبي أصحابه ان يقولوا عند زيارة القبور:(السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون)96. لتكون التحية والسلامة واصلةً للجميع فيسلموا ويغنموا.

السلام مع المخالفين

إن السلام شعار المسلم، فهو في سلام مع نفسه، ومع كل من حوله، فهو في سلام مع الحيوانات لا يؤذيها ومع النباتات لا يقتلعها عبثًا، ومن أوجه السلام: السلام مع المخالفين، نتحدث عنها في النقاط الآتية:

أولًا: السلام مع المخالفين في الدين:

ورد في القرآن موقفان فيهما السلام على المشركين، وكلاهما من قصص الأنبياء السابقين، وورد أمر من الله لنبيه بقول السلام لغير المؤمنين؛ أما الموقف الأول فهو بين نبي الله إبراهيم وأبيه آزر97.

وذلك في المحاورة التي انتهت بقول إبراهيم: (ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[مريم: ٤٧].

وقد جاء هذا السلام في نهاية حوار إبراهيم معه، فحملها جمع من المفسرين على أنها تحية مفارقة ومتاركة، وعلى هذا القول فإنه يجوز تحية الكافر بها، وهو مذهب سفيان بن عيينه.

قال القرطبي: الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة98.

وقال السيوطي:استدل بها من أجاز ابتداء الكافر بالسلام99.

وذهب جماعة إلى أن لفظ السلام من إبراهيم عليه السلام بمعنى السلامة، قال الطبري: أمنة مني لك100.

وقيل: على الإضمار والتقدير: سلام عليك إذا أسلمت101.

والآية الثانية أمر من الله تعالى لنبيه موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون لدعوته بالقول اللين ويطلبوا منه أن يرسل معهما بني إسرائيل فقال سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[طه: ٤٧].

والسلام هنا بمعنى المسالمة والأمن، قال الزجاج:«ليس يعني به التحية، وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه، والدليل على أنه ليس بسلام أنه ليس ابتداء لقاء وخطاب»102.

ويحتمل أن يكون السلام هنا بمعنى التحية، قال أبو حيان:«فالسلام بمعنى التحية رغباً به عنه، وجرياً على العادة في التسليم عند الفراغ من القول»103.

وهذا الوجه يقويه أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يبدأ كتبه للملوك والأمراء بهذه الصيغة، فقد كتب هرقل عظيم الروم: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى أما بعد...)104.

والآية الثالثة في السلام على المخالفين في الدين ما ورد خطابًا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ)[الزخرف: ٨٨- ٨٩].

المعنى أن الله تعالى عنده علم الساعة وعلم قوله صلى الله عليه وسلم شاكياً قومه إن هؤلاء الذين أرسلت إليهم لا يؤمنون، ثم يلتفت الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم آمرًا إياه أن يصفح عنهم وأن يقول قولًا فيه المسالمة والمتاركة لهم.

قال ابن كثير: «() أي : لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلًا وقولًا»105.

وحملها بعضهم على معنى التسليم، قال الرازي: «احتج قوم بهذه الآية على أنه يجوز السلام على الكافر»106.

وفي المسألة خلاف بين أهل العلم؛ فجمهور الفقهاء على عدم الجواز لحديث أبي هريرة مرفوعًا: (لا تبدءو اليهود والنصارى بالسلام)107.

وذهب آخرون إلى جواز ذلك ابتداءً، وروى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز، وذهب آخرون إلى جوازه ابتدائه للضرورة أو لحاجة أو لحقٍّ وسبب، ويروي ذلك عن علقمة وإبراهيم، وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون108.

ثانيًا: السلام مع الجاهلين:

يأتي لفظ: (جهل) في القرآن ويراد السفاهة وسوء الخلق غالبًا، ومن الشواهد اللغوية على ذلك ما ذكره الزمخشري في مادة جهل: «فلان جهول، وقد جهل بالأمر، وجهل حق فلان، وهو يجهل على قومه يتسافه عليهم، قال109:

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ولو كان المقصود بالجهل في الاستعمال القرآني عدم العلم لأمرنا الله أن نعلمهم لا أن نعرض عنهم.

وفي القرآن الكريم آيتان كريمتان تذكران نماذج طيبة للمؤمنين الصادقين المتخلقين بأحسن الأخلاق الذين يواجهون الجهال السفهاء بالمسالمة والسلام.

قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)[القصص:٥٥].

تتحدث الآيات عند طائفة من أهل الكتاب آمنو بالإسلام وبما قرئ عليهم من القرآن فأيقنوا أنه الحق من عند ربهم، فكان جزاؤهم أن يؤتوا أجرهم مرتين بما صبروا، فإذا سمعوا كلاما يؤذيهم أعرضوا عن اللغو وقالوا لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم سلام عليكم، لا نريد محاورة أهل الجهل والسفاهة. قال مجاهد:«كان ناس من أهل الكتاب أسلموا، فكان المشركون يؤذونهم، فكانوا يصفحون عنهم، يقولون (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)[القصص: ٥٥]110.

ويقال: إنها نزلت في نصارى قدموا على رسول الله فآمنوا به وصدقوه، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم111.

وجمهور المفسرين على أن السلام هنا سلام مفارقة ومتاركة 112.

وهذا من حسن الأدب وترك الجدال.

قال السخاوي: «المراد بالجاهلين السفهاء، وهذه صفة محمودة باقية إلى يوم القيامة، وما زال الإغضاء عن السفهاء، والترفع عن مقابلة ما قالوه بمثله من أخلاق الفضلاء، وبذلك يقضي الورع والشرع، والأدب والمروءه»113.

والآية الثانية وردت في مدح عباد الرحمن؛ قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)[الفرقان: ٦٣].

تصف هذه الآية أقوامًا صالحين انتسبوا إلى ربهم بأعظم وأشرف نسبة، وهي نسبة العبادة، فهم أصحاب العبودية الخاصة للرحمن، وأول أوصافهم أن يمشون مشيةً هينةً سهلةً لا كبر فيها ولا خيلاء، فهم أهل تواضع، ثم ذكر صفةً مناسبةً للتواضع وهي الحلم، فهم لا يتسافهون مع السفهاء ولا يجهلون مع الجاهلين، فإذا ما تعرض لهم جاهل بالأذى خاطبوه بقول لا إثم فيه ولا رد للاعتداء بل يقولون قولًا سلامًا، فسلامًا هنا صفه لمصدر محذوف والمعنى: سدادًا من القول114.

وهذا خلق الأتقياء الذين لا تزيدهم شدة الجهل إلا حلمًا، ولا يجزون السيئة بالسيئة، بل يحلمون إذا جهل عليهم، ويصبرون على ما يصيبهم من أذى السفهاء ويدرؤون بالحسنة سيئة الجهال فاستحقوا بذلك عقبى الدار؛ عن النعمان بن مقرن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وسب رجل رجلًا عنده، فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم (أما إن ملكاً بينكما يذب عنك كلما يشتمك هذا، قال له: بل أنت وأنت أحق به، وإذا قاله: عليك السلام قال: لا بل لك أنت، أنت أحق به)115.

أثر إفشاء السلام على المجتمع

ليس السلام مجرد كلمة تنطق بها الألسنة فقط، بل هو منهج تعامل واستفتاح بالمسالمة وضمان حفظ الدم والمال والعرض، وفيه - مع هذا - الدعاء بالسلامة في كل أمور الدين والدنيا. وإن لإفشاء السلام آثارًا طيبةً على المجتمع كله نوجزها فيما يأتي:

١. أنه مدخل المحبة بين أفراد المجتمع المسلم.

فبالسلام تسود المحبة؛ وهذا نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولًا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)116.

قال ابن عبد البر: «وفي ذلك دليل على فضل السلام، لما فيه من رفع التباغض وتوريث الود، ولقد أحسن القائل: قد يمكث الناس دهرًا ليس بينهم ود فيزرعه التسليم واللطف»117.

وقال النووي: «والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض»118.

٢. أنه إشعار بالأمان في الأرض.

فالسلام مع كونه يورث المحبة، فإنه كذلك يضفي على المجتمع إحساسًا بالسلم والأمان، فالسلام يتضمن اسماً من أسماء الجمال لله تعالى كما يتضمن الدعاء بالسلامة من كل ما يضر، مع زيادة حصول الخير بالرحمة وحصول دوامه وزيادته بالبركة، وهذا إشعار بالمسالمة ودوام الخيرية، ويصدق هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام تسلموا)119، فإفشاء السلام يورث المجتمع الأمن والسلام.

٣. إفشاء السلام سبب للرفعة والعلو.

أكد القرآن الكريم أن التنازع سبب لذهاب قوة المجتمعات.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[الأنفال: ٤٦].

وفي المقابل فإن السلام باللسان مقدمة لتصافح القلوب ليكونوا عباد الله إخوانًا، فتقوى شوكتهم ويعلو أمرهم، عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفشوا السلام كي تعلوا)120.

قال المناوي: «فإنكم إذا افشيتموه تحاببتم، فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه»121.

٤. في السلام قهر وإغاظة للعدو.

إذ هو مظهر من مظاهر تآلف وتراحم المجتمع، ويعكس قوة ترابطه وشيوع الرحمة بين أفراده وذلك مما يغيظ أعداء المسلمين الذين يسعون إلى أن نظل متفرقين متنافرين، لذا فهم يحسدون المسلمين على أي رابطة جامعة بينهم، وفي الحديث: (ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين)122.

٥. إفشاء السلام دليل على الأخلاق الحسنة في المجتمع.

وإفشاء السلام يعكس وجود أخلاق طيبة بين أفراده؛ فالسلام يدل على وجود خلق الكرم النفسي، وفي الحديث: (أبخل الناس من بخل بالسلام)123.

ويدل على خلق التواضع وخفض الجناح للمؤمنين، وفي الصحيح عن عمار ابن ياسر: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من إقتار)124.

والعالَم بفتح اللام125. وهذا أمارة على تحقق خلق التواضع ولين الجانب لجميع المؤمنين.

قال أبو الزناد: «جمع عمار في هذه الألفاظ الثلاث الخير كله»126.

٦. إفشاء السلام دليل على وجود الخيرية في المجتمع.

لأن المجتمع الذي يفشو فيه السلام مجتمع تحوطه الرحمة والبركة، ولذلك فإن من علامات الساعة أن يكون السلام على من يعرفه المرء فقط، قال رسول الله: (إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل، لا يسلم عليه إلا للمعرفة)127.

وهذا دلالة على انشغال كلٍ بأمر نفسه، وعلى تفتت رابطة الإسلام الجامعة بين القلوب والأرواح، وهذا نذير شؤم، وإيذان بقرب حلول الساعة.

٧. في السلام تعاون على البر.

فالذي يلقى السلام مأجور، والذي يرد السلام مأجور أيضًا، والباديء بالسلام يقوم بدعوة عملية بين الناس للتذكير بسنّة عظيمة الأجر وفي الحديث عن أبي أمامة مرفوعًا (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)128.


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٩٠.

2 المفردات ص ٤٢١.

3 المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، محمد حسن جبل ٢/١٠٦٣.

4 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، ص٦٣١-٦٣٤.

5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٦٣-٢٦٤، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٣٥٦-٣٥٨.

6 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٨٧، المفردات، الراغب ص ٢٦٩، لسان العرب ١٤/٢١٧.

7 الفروق اللغوية ص ٥٩.

8 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، ٨/٥١، رقم ٦٢٣٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، ١/٣٠١، رقم ٤٠٢.

9 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، ١/٤١٤، رقم ٥٩١.

10 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب السلام اسم من أسماء الله، ص٥٥٢، رقم ٩٨٩.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/٢٥٠: إسناده جيد.

11 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ١٠/٤٠٩.

12 تفسير أسماء الله الحسنى، الزجاج ص ٣١.

13 شرح النووي على صحيح مسلم ٤/١١٦.

14 شرح سنن أبي داود، بدر الدين العيني ٥/٤٢٢- ٤٢٣.

15 انظر بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/١٣٥.

16 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٤٤.

17 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/١٣٤.

18 الكشف والبيان، الثعلبي ٤/١٩٠.

19 أخرجه ابن حبان في صحيحه، ٨/١٢١ رقم ٣٣٢٩، والبيهقي في شعب الإيمان، ٥/٩٠، رقم ٣١٣٩، والطبري في التفسير ١٢/١٥٤.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٨٠٤، ٤٤٣.

20 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/١٦١، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٣٥.

21 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفه نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، رقم ٢٨٣٧.

22 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/١٤٥.

23 الكشاف ٣/٢٩٧.

24 الوجوه والنظائر، العسكري ص ٢٥٨.

25 انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل، زين الدين الرازي ص ٣٦٧.

26 الكشاف ٣/٢٧.

27 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٣٣٧.

28 بدائع الفوائد ٣/٦٩.

29 جامع البيان، الطبري ١٩/٤٦٧.

30 أخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، ١/٦٥، رقم ٢١٨٤.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة ١/٢٦: هذا إسناد ضعيف، لضعف الفضل بن عيسى ابن إيان الرقاشي.

31 تفسير القرآن، ابن وهب ٦/٥٨٤، جامع البيان، الطبري ١٩/٤٦٨، الرد على الجهمية، الدارمي ص رقم ١٤٦.

32 مجاز القرآن، أبو عبيدة ١/٢١٥.

33 فتح البيان، القنوجي ٤/٣٦٥.

34 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤٠٥.

35 محاسن التأويل ٥/٦٢.

36 جامع البيان ٨/٢٦٥.

37 في ظلال القرآن ٢/٨٦٢.

38 مجاز القرآن، أبو عبيدة ١/٧١، معاني القرآني، الأخفش ١/١٨٠، جامع البيان، الطبري ٣/٥٩٥، تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/١٠٢، معالم التنزيل، البغوي ١/٢٤٠، محاسن التأويل، القاسمي ٢/٨٥.

39 تفسير الراغب ١/٤٣٢.

40 طريق الهجرتين، ابن القيم ص ٣٤٩.

وفي كتاب بدائع الفوائد ٢/١٧٢ له قال: «الآية تتضمن الأمرين جميعاً....فإن الرسول هو المبلغ عن الله كلامه....والكلام كلام الرب تبارك وتعالى، فهو الذي حمد نفسه وسلم على عباده وأمر رسوله بتبليغ ذلك....فهو سلام من الله ابتداءً ومن المبلغ بلاغاً ومن العباد اقتداءً وطاعة».

41 واختاره الطبري في تفسيره ١٨/٩٨.

42 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٢١٨، معالم التنزيل، البغوي ٦/١٧١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٢٠.

43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٠١، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٠٥.

44 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٨/٥٩٦.

45 أخرجه عبد الرزاق في المصنف، ٢/٢١٦، رقم ٣١١٨، والبيهقي في شعب الإيمان، ١/٢٧٧، رقم ١٣٠، عن أبي هريرة .

قال ابن حجر في المطالب العالية ١٣/٨١٣: سنده حسن.

46 جامع البيان، الطبري ١٢/٤٣٨

47 معاني القرآن، الفراء ٢/٣٨٨، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٩/٦١١١، الكشاف، الزمخشري ٤/٤٨.

48 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٦٢.

49 جامع البيان، الطبري ١٦/٣٠٦.

50 انظر: معاني القرآن، الفراء ٢/٣٩١، مجاز القرآن، أبو عبيدة ٢/١٧٢.

51 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/١٧٤.

52 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٤٨٢.

53 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٤٨١، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٨، أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٣٨١.

54 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٣٢٩.

55 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٤/٤٨٣.

56 معاني القرآن، الفراء ٢/٣٨١.

57 نظم الدرر، البقاعي ١٦/١٤٩.

58 تيسير الكريم الرحمن ص ٦٩٧.

59 معاني القرآن، الفراء ٣/١٣١. وهو اختيار البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الواقعة، ٦/١٤٦.

60 إرشاد العقل السليم، ٨/٢٠٢.

61 بدائع الفوائد ٢/١٤٧.

62 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٣٨٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٨٧.

63 الرسالة التبوكية ص ٦٦.

64 أضواء البيان ٢/.١٨٥

65 الرسالة التبوكية ص ٦٦.

66 نتائج الفكر، السهيلى ص٣١٩.

67 مفاتيح الغيب ٢١/٥١٨.

68 المصدر السابق ٢٠/٢٠٢.

69 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٢١٣.

70 التحرير والتنوير ٢٧/٣٤٩.

71 جامع البيان، الطبري ٢٣/١٦٢

72 النكت والعيون، الماوردي ٥/٤٦٧

73 تفسير مجاهد ص ٥٨٦.

74 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٦٦٤، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٤٥.

75 أخرجه مطولاً أحمد في مسنده، ٣٠/٥٠٣، والبيهقي في شعب الإيمان ١/٦١٠.

76 روح المعاني، الألوسي ٦/٧٢.

77 جامع البيان، الطبري ١٣/٦٣٤.

78 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٨/٣٩٧.

79 التحرير والتنوير، ابن عاشور١٣/١٣٢.

80 أخرجه أحمد في مسنده، ١١/١٣٢، وابن حبان في صحيحه ١٦/٤٢٩، رقم ٧٤١٤.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/١٢٥، رقم ٢٥٥٩.

81 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٦٩، أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣١٤، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٧٦، محاسن التأويل، القاسمي ٩/١٦٨.

82 أخرجه أحمد في مسنده، ١١/١٦٠.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/١٢٢: إسناده جيد.

وبنحوه عند مسلم عن عائشة، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، ٤/١٧٠٧، رقم ٢١٦٥.

83 انظر: معاني القرآن، الفراء ٣/١٤٠، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧٣٦٢، الكشاف، الزمخشري ٤/٤٩١، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٤٥.

84 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٧٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٣١٣.

85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن باب (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، ٦/٤٧، رقم ٤٥٩١، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، رقم ٣٠٢٥ ٤/٢٣١٩.

86 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٢/١٤٣٣، الوجيز، الواحدي ص ٢٨٢، معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٦٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٩١.

87 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٦٧.

88 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٩٦.

89 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/٧١.

90 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/١٤٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٦/٤٥٣.

91 جامع البيان، الطبري ٩/٢٧٢.

92 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/٥.

93 انظر:شعب الإيمان، البيهقي ١١/٢٢٧.

94 الجامع لأحكام القرآن ٥/٢٩٨.

95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام، ١/١٥، رقم ٢٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، ١/٦٥، رقم ٣٩.

96 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند القبور والدعاء لأهلها، ٢/٦٦٩، رقم٩٧٤.

97 يوجد خلاف بين المفسرين هل كان آزر أباه أم عمه؟ والذي عليه جمهورهم أنه أبوه حقيقة. والله أعلم.

وانظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/٣١، روح المعاني، الألوسي ٤/١٨٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣١٠.

98 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١١٢.

99 الإكليل في استنباط التنزيل، السيوطي ص ١٧٤.

100 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٠٧.

101 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٧/٢٤٠.

102 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٣٥٨.

وقال بهذا القول جمع من المفسرين، انظر:الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٧/٤٦٤٧، معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٧٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٦٠.

103 البحر المحيط، أبو حيان ٧/٣٣٩.

104 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب، ٨/٥٨، رقم ٦٢٦٠، عن عبد الله بن عباس.

105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٤٤.

106 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٦٥٠.

107 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، ٤/١٧٠٧، رقم ٢١٦٧.

108 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١١٢، إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض ٧/٥٣.

109 أساس البلاغة، الزمخشري ١/١٥٣.

والبيت لعمر وبن كلثوم في ديوانه ص ٧٨.

110 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٢٨١، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٩/٢٩٩٢، رقم ١٦٩٩٢.

111 انظر: سيرة ابن إساحق ١/٢١٨، دلائل النبوة، البيهقي ٢/٣٠٦.

112 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢١٦، أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٥١٢ أحكام القرآن، الكيا الهراسي ٤/٣٣٥.

113 جمال القراء، السخاوي ص ٤٤١.

114 قاله مجاهد.جامع البيان، الطبري ١٧/٤٩٤.

115 أخرجه أحمد في مسنده ٣٩/١٥٤.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/٧٥: رجاله رجال الصحيح غير أبي خالد الوالبي وهو ثقة.

116 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، رقم ٩٣، ١/٥٣، عن أبي هريرة.

117 التمهيد ٦/١٢٨.

والبيت غير منسوب في ربيع الأبرار للزمخشري ٢/٤٢٤، وبهجة المجالس لابن عبد البر ١/٥٧.

118 شرح النووي على صحيح مسلم ٢/٣٦.

119 أخرجه أحمد في مسنده، ٣/٤٩٤، والبخاري في الأدب المفرد، باب الغناء واللهو، رقم ٧٨٧ ١/٤٢١.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٤٦، رقم ١٠٨٧.

120 أخرجه الطبراني كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/٣٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٤٦، رقم ١٠٨٨.

121 التيسير بشرح الجامع الصغير، المناوي ١/١٨٠.

122 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب فضل السلام، ص ٣٤٢، رقم ٩٨٨، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب الجهر بآمين ١/٢٧٨.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٠١، رقم ١٩٩٧.

123 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم ١٠١٥، ص ٣٥١.

قال ابن حجر في فتح الباري ٩/٥٦٥: هذا موقوف صحيح على أبي هريرة.

124 أخرجه البخاري معلقًا في كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام، ١/١٥.

وصححه ابن حجر في تغليق التعليق ٢/٣٦ موقوفًا.

125 إرشاد الساري، القسطلاني ١/١١٣.

126 شرح صحيح البخارى، ابن بطال ١/٨٤.

127 أخرجه أحمد فى مسنده، ٦/٣٩٨ عن عبدالله ابن مسعود.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٢٤٨، رقم ٦٤٨.

128 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب أبواب النوم، باب في فضل من بدأ بالسلام، ٤/٣٥١، رقم ٥١٩٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٠٣، رقم ٢٠١١.