عناصر الموضوع

مفهوم النكاح

النكاح في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الترغيب في النكاح

صور من النكاح المحظور

صور النكاح المرغب فيه

خصوصيات النبي في النكاح

النكاح

مفهوم النكاح

أولًا: المعنى اللغوي:

النون والكاف والحاء أصل واحد، وهو البضاع، نكح ينكح، يقال نكحت: تزوجت، وأنكحت غيري1.

النكاح -بالكسر-: الوطء في الأصل، وقيل: هو العقد له، وهو التزويج؛ لأنه سببٌ للوطء المباح، واستعماله في الوطء والعقد مما وقع فيه الخلاف، قالوا: لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد؛ لأنه في الوطء صريحٌ في الجماع، وفي العقد كنايةٌ عنه2.

نكحتها ونكحت هي، أي: تزوجت، وهي ناكحٌ في بني فلان، أي: هي ذات زوج منهم، ومعنى نكحها وأنكحها أي: زوجها، ورجلٌ نكحةٌ: كثير النكاح، والنكح والنكح لغتان، وهي كلمة كانت العرب تتزوج بها، والاسم النكح والنكح3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

تعددت تعريفات العلماء للنكاح وهي على النحو التالي:

«عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصدًا»4.

وقيل: «إيلاج ذكر في فرج؛ ليصير بذلك كالشيء الواحد»5.

وقيل: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمة6.

وقيل: عقد ينشئ بين الرجل والمرأة حقوقًا شرعية تقوم على المودة والرحمة والمعروف والإحسان7.

ولعل التعريف الأخير تضمن إبرام عقد النكاح، وحدد طرفي العقد وبين الثمرة المرجوة والغاية، وهي المودة والرحمة والمعروف والاحسان والسكن بين المتعاقدين، فهو بذلك أكثر وضوحًا وشمولًا.

النكاح في الاستعمال القرآني

وردت مادة (نكح) في القرآن الكريم(٢٣) مرة8.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢

( ) [النساء:٢٢]

الفعل المضارع

١٣

( ﭿ ) [النور:٣]

فعل الأمر

٣

( ) [النساء:٣]

المصدر

٥

( ) [البقرة:٢٣٥]

وجاء النكاح في القرآن على ستة أوجه9:

الأول: العقد: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢١].يعني: لا تتزوجوهن.

الثاني: الجماع: ومنه قوله تعالى: ( ﯿ ) [البقرة: ٢٣٠]. يعني: حتى تجامع زوجًا غيره، ويجامعها زوجًا غيره.

الثالث: الحلم: ومنه قوله: ( ) [النساء: ٦]. يعني الحلم.

الرابع: العقد والوطء: ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء: ٢٢].

الخامس: المهر: ومنه قوله تعالى: ( ) [النور: ٣٣].

الألفاظ ذات الصلة

الزواج:

الزواج لغةً:

(زوج) الزاء والواو والجيم أصلٌ يدل على مقارنة شيءٍ لشيءٍ، من ذلك الزوج زوج المرأة، والمرأة زوج بعلها، وهو الفصيح، ويقال: لفلانٍ زوجان من الحمام، يعني: ذكرًا وأنثى10.

الزواج اصطلاحًا:

هو عقد يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر وائتناسه به طلبًا للنسل على الوجه المشروع، أو هو عقد يرد على ملك المتعة قصدًا11، أو هو: عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع12.

الصلة بين النكاح والزواج:

النكاح: اشتراك بين الرجل والمرأة في الوطء والجماع والمودة والمحبة، الزواج: اشتراك بين الرجل والمرأة قائم على المحبة والتعاون والرحمة، والظاهر أنهما مترادفتان في المعنى.

الوطء:

الوطء لغةً:

الواو والطاء والهمزة، كلمة تدل على تمهيد شيء وتسهيله، والوطاء: ما توطأت به من فراش13. والوطء: كناية عن الجماع، وطئ امرأته: إذا جامعها ووطئ الرجل امرأته، يطأ فيهما، وسقطت الواو من يطأ، كما سقطت من يسع؛ لتعديهما14.

الوطء اصطلاحًا:

هو جماع بين الرجل والمرأة بهدف المتعة، والانجاب؛ لتكثير النسل.

الصلة بين النكاح والوطء:

النكاح: أعم في معناه ودلالته وآثاره، أما الوطء: فهو يختص بالجماع الحاصل بين الرجل والمرأة.

العقد:

العقد لغةً:

العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها، والجمع أعقاد وعقود، وعقدة النكاح وكل شيء: وجوبه وإبرامه15.

والعقدة -بالضم-: موضع العقد، وهو ما عقد عليه، والعقد -بالكسر-: القلادة16.

العقد اصطلاحًا:

«هو اسم لما يعقد من نكاح ويمين»17.

وقيل: «هو ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعًا»18.

الصلة بين النكاح والعقد:

النكاح: أخص في معناه من العقد؛ لأنه يراد به الجمع بين الرجل والمرأة بكل ثمراتها، أما العقد: فهو في معناه أعم، فقد يراد به البيع والعهد والنكاح والحبل وغيرها.

الترغيب في النكاح

رغب القرآن الكريم في النكاح، وحض عليه، وأخبر أنه آية من آيات الله تعالى، وأنه من سنن المرسلين، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:

أولًا: أنه من سنن المرسلين:

الزواج آية من آيات الله، وسنة من سنن المرسلين، فقد كان لهم أزواج وذرية، كما قال تعالى: ( ) [الرعد: ٣٨].

أي: كما أرسلناك يا محمد رسولًا بشريًا، كذلك قد بعثنا المرسلين قبلك بشرًا، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويأتون الزوجات، ويولد لهم، وجعلنا لهم أزواجًا وذرية19.

أي: جعلناهم بشرًا يقضون ما أحل الله من شهوات الدنيا، وجعلنا لهم النساء والبنين، وما جعلناهم ملائكة، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، وذكر هذا في سياق الامتنان.

وكان هذا كمالًا في حقهم، ولم يكن ذلك قادحًا في صحة رسالتهم، ولا تلك العلاقات كانت شاغلة لهم؛ لأن من اشتغل بالله فكثرة العيال، وتراكم الأشغال، لا تؤثر في حاله، ولا يضره ذلك.

فنجد أن الله تعالى جعل الميل إلى النساء فطري في طبع الذكور؛ لأن في الأنس بهن انتعاش للروح، وتناوله محمودٌ إذا وقع على الوجه المبرأ من الإيقاع في فساد، كما في تناول الطعام والشراب20.

وفي هذه الآية ردٌ على من عاب على الرسول صلى الله عليه وسلم كثرة النساء، وقال: لو كان مرسلًا حقًا لكان مشتغلًا بالزهد، وترك الدنيا والنساء، ولشغلته النبوة عن تزوج النساء، والتماس الولد، فرد الله مقالتهم، وبين أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس ببدعٍ في ذلك، بل هو كمن تقدم من الرسل21. جعل الله لهم أزواجًا وذرية، فقد كان لأكثر الرسل أزواج، ولأكثرهم ذرية، وقد كان لسليمان بن داود عليه السلام مائة امرأة كما جاء في البخاري22. ومثل نوح وإبراهيم ولوط وموسى وسليمان وغير هؤلاء عليهم السلام 23.

وأصحاب الشبهة هؤلاء إما أن يكونوا هم اليهود أو المشركين24.

والصحيح أن القائلين هم المشركون؛ إذ هذه السورة مكية، ولم يكن لليهود حديث مع أهل مكة، ولا كان منهم في مكة أحد، على أنه لا يلزم أن يكون هذا نازلًا على سبب. وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ثم سودة رضي الله عنهما في مكة، فاحتمل أن المشركين قالوا قالة إنكار تعلقًا بأوهن أسباب الطعن في النبوءة، وهذه شبهة لا تعرض إلا للسذج، أو لأصحاب التمويه، وقد يموه بها المبشرون من النصارى على ضعفاء الإيمان، فيفضلون عيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بأن عيسى لم يتزوج النساء وهذا لا يروج على العقلاء؛ لأن تلك بعض الحظوظ المباحة التي لا تقتضي تفضيلًا، وإنما التفاضل في كل عمل بمقادير الكمالات الداخلة في ذلك العمل، ولا يدري أحد الحكمة التي لأجلها لم يتزوج عيسى عليه السلام؛ فلعله لعارض آخر أمره الله به لأجله، وقد كان يحيى عليه السلام حصورًا، فلعل عيسى عليه السلام قد كان مثله25.

وأيضًا قد قيل: إن عيسى عليه السلام سينكح إذا نزل الأرض، ويولد له26.

وأما وصف الله تعالى يحيى عليه السلام بقوله: () [آل عمران: ٣٩].

فليس مقصودًا منه أنه فضيلة، ولكنه أعلم أباه زكريا عليه السلام بأنه لا يكون له نسل؛ ليعلم أن الله أجاب دعوته، فوهب له يحيى عليه السلام كرامة له، ثم قدر أنه لا يكون له نسل27.

والتحقيق -كما قال الشنقيطي- أن معنى قوله: () أنه الذي حصر نفسه عن النساء، مع القدرة على إتيانهن؛ تبتلًا منه، وانقطاعًا لعبادة الله، وكان ذلك جائزًا في شرعه، وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي التزويج، وعدم التبتل28.

وما قيل: من أن يحيى عليه السلام قد تزوج ولم يجامع، وإنما فعل ذلك؛ لنيل الفضل، وإقامة السنة، ولغض البصر29. فالظاهر أن هذا لا يصح.

وقوله في الآية: () امتنان بالأولاد والذرية، وقد ترجم البخاري: «(باب طلب الولد)30 فطلب الولد مطلوب لما يرجوه الإنسان من نفعه في حياته وبعد مماته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث) وذكر منها: (أو ولد صالح يدعو له)»31.

والمقصود أن هذه الآية تدل على أن النكاح سنة قديمة منذ خلق الله آدم، وبقيت في بنيه من الرسل والأنبياء، ومن دونهم، وتدل على الترغيب في النكاح، والحض عليه، وتنهى عن التبتل، وهو ترك النكاح، وقد جاءت السنة بمعناها، قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم)32.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)33.

وقال: (وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)34.

وفي الحديث: (أربع من سنن المرسلين: الحياء35 -ويروى الختان- والتعطر، والسواك، والنكاح)36.

وقوله: (من سنن المرسلين) أي: فعلًا وقولًا، يعني: التي فعلوها وحثوا عليها، وفيه تغليب؛ لأن بعضهم كعيسى ما ظهر منه الفعل في بعض الخصال وهو النكاح. قال المناوي: المراد أن الأربع من سنن غالب الرسل، فنوح لم يختتن، وعيسى لم يتزوج37.

ومما يدل على أهمية النكاح، وأنه من سنن الأنبياء ما ورد في سورة القصص من قصة موسى عليه السلام أنه بقي ثمان سنين أو عشر يعمل لأجل أن يحصل مهر النكاح.

قال تعالى: ( ﯢﯣ ﯨﯩ ﯮﯯ ) [القصص: ٢٧].

ومما يدل على أهميته أيضًا أن الله تعالى مدح أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء، فقال تعالى: ( ) [الفرقان: ٧٤].

وما كان النكاح من سنن المرسلين إلا لمنفعته وآثاره سواء في الدنيا، أو في الآخرة، فله منافع دينية ومنافع دنيوية، ففيه تحصيلٌ لأفضل وخير متاع الدنيا ألا وهي المرأة الصالحة، وفيه إكمال لشطر الدين، وهو سبب لعون الله عز وجل وتوفيقه، وسبب لزيادة عدد الأمة، وله أثر صحي وبدني ونفسي.

ومن فوائده تحصين النفس وحمايتها من الوقوع في الفاحشة، وبه يتيسر للرجل والمرأة أنواع من العبادة والقرب لا تتيسر بغيره، من حسن العشرة، والصحبة بالمعروف، وقضاء حق العيال، والرحمة بهم، والانشغال بمصالحهم، كل ذلك قربة إلى الله عز وجل يحصل عليها المتزوج، ولا يحصل عليها الأيم.

والزواج مع أنه عبادة وقربة فإنه تحصل فيه راحة النفس ولذتها، وقضاء رغبتها، بل إن اللقاء بين الزوجين وتحصيل الشهوة أمر يثابان ويؤجران عليه، وفي الزواج أيضًا إتباع السنة، وابتغاء الولد الصالح، والمعونة على الطاعة، والمحافظة

عن المعصية، إضافة إلى ما يثمره الزواج من ترابط الأسرة، وتوطيد أواصر المحبة.

وفيه إشباع دافع الأمومة والأبوة لكلٍ من الزوجين، والشعور بالنوع، فالزواج يحقق إشباعًا اجتماعيًا يورث توازنًا في الشخصية، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن الآخرين.

والزواج يلائم الفطرة الإنسانية ويوافقها، وينسجم معها، ويحفظ المجتمع من الشرور، وتحلل الأخلاق، وانتشار الرذائل، وفيه بقاء النوع الإنساني على وجه سليم، وتدريب الذات على تحمل المسئولية، والقيام بشئون الطرف الآخر، وشئون الأولاد والرحم، كل هذه وغيرها من ثمار النكاح؛ ولهذا كان من سنن الأنبياء، رغبوا فيه، وحثوا عليه.

ثانيًا: الأمر بالنكاح:

أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالنكاح في عدة آيات، فقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ﮜﮝ ) [النساء: ٣].

وقال: ( ﭗﭘ ﭟﭠ ) [النــور: ٣٢].

وظاهر الأمر في قوله: () الوجوب على كل من قدر عليه؛ لخبر الصحيحين عن ابن مسعود: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)38.

وعورض ظاهر الأمر بقوله تعالى: ( ﯚﯛ) [النساء: ٢٥].

فالصواب: أنه ليس بواجب. حتى على التسليم بالوجوب، فالوجوب بحالة الخوف، فلا يلزم منه الوجوب على الإطلاق39.

ولأن الله تعالى قال: ( ﮋﮌ ) ثم قال: ( ) فخير سبحانه وتعالى بين النكاح والتسري؛ ولو كان النكاح واجبًا لما خير بينه وبين التسري؛ لأنه لا يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب وغيره؛ لأنه يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب، وأن تاركه لا يكون آثمًا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)40.

فمعناه: من رغب عنها إعراضًا عنها، غير معتقد لها على ما هي41.

والذي يبدو أن الزواج يختلف حكمه باختلاف الأحوال، فمن كان-مثلًا- قادرًا على الزواج، ويخشى إذا ترك الزواج أن يقع في الفاحشة، فإن الزواج بالنسبة له يكون واجبًا، بخلاف من أمن الوقوع في الفاحشة، فإن الزواج بالنسبة له يكون مستحبًا.

فالأمر بالنكاح يختلف من شخص إلى شخص، ومن نازلة إلى أخرى، ففي نازلة: يتصور وجوبه، وفي نازلة قد يكون مندوبًا، وغير ذلك، حسبما هو مذكور في كتب الفقه.

ويختلف الحكم في ذلك أيضًا باختلاف حال المؤمن من خوف العنت، ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر، وزوال خشية العنت عنه، فإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا أو فيهما، فالنكاح حتم، وإن لم يخش شيئًا وكانت الحال مطلقة، فالنكاح مستحب.

إلا أنه يبقى أن المبادرة بالزواج أمر مطلوب شرعًا لمن استطاع، ويتأكد هذا الأمر في حق الشباب؛ لقول-في الحديث السابق-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)42.

وعلى من عجز أن يستعفف، وأن يصون نفسه من الوقوع في الفاحشة، وأن يراقب الله -جل جلاله-، ويكبح نفسه الأمارة بالسوء ويمنعها من الطموح إلى كل شهوة، فلا يكون أسيرًا لشهوات نفسه ولذاتها، بل ينتظر الفرج إلى أن يرزقه الله جل جلاله.

وقوله في الآية: (ﮋﮌ) يعني: من النساء؛ وقرئ: (مَنْ طَابَ) على ذكر من يعقل43، و () هنا موصولة، وحكى البعض أن () في هذه الآية ظرفية، أي: ما دمتم تستحسنون النكاح، وفي هذا المنزع ضعف44.

وقال: () ولم يقل: ؛ لأنه لم يرد تعيين من يعقل، وإنما أراد الجنس الذي هو الطيب من جهة التحليل، فكأنه قال: (فانكحوا الطيب)45. مثلما تقول: ما عندك؟ فيقال: رجل أو امرأة، تريد ما ذلك الشيء الذي عندك، أو ما تلك الحقيقة؟

ولأن الإناث من العقلاء تنزل منزلة غير العقلاء، ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء: ٣].

ولأن (ما) و(من) يتعاقبان.

قال تعالى: ( ) [الشمس: ٥].

وقال: ( ﭢﭣ ﭲﭳ ﭷﭸ ) [النور: ٤٥]46.

وقد يكون مرجع (ما) إلى النكاح نفسه لا إلى النساء، ومعناه: فانكحوا نكاحًا طيبًا، وقد يكون معنى قوله: ( ﮋﮌ) الفعل دون أعيان النساء وأشخاصهن، فلذلك قيل: () ولم يقل: ، كما يقال: «خذ من رقيقي أردت» إذا عنيت: خذ منهم إرادتك، ولو أردت: خذ الذي تريد منهم، لقلت: خذ من رقيقي من أردت منهم47. أو أنه جاء بـ ()؛ لأنه نحا بها منحى الصفة، وهو الطيب بلا تعيين ذات، ولو قال: (من) لتبادر إلى إرادة نسوة طيبات معروفات بينهم48.

ومعنى: (ﮋﮌ ) أي: ما حل لكم من النساء؛ لأن فيهن من يحرم نكاحها، وما حرمه الله فليس بطيب، واعترض عليه بأن قوله: () أمر إباحة، فيئول المعنى إلى قوله: أبحت لكم نكاح من هي مباحة لكم، وهذا كلام مكرر، إلا إذا قلنا: إن الآية مجملة؛ لأن أسباب الحل والإباحة غير مذكورة في هذه الآية.

وعلى كلٍ فيدخل في الطيب: ما أباحه الشرع، وهو ما بقي بعد ما أخرجته آية: المحرمات من النساء، ويدخل في الطيب ما تستلذه الحواس، وما تستلذه النفوس، أو ما طاب حلًا وخلقًا وخلقًا.

وقال بعض المحققين: (ﮋﮌ ) معناه: ما لا تحرج منه؛ لأنه في مقابل المتحرج منه من اليتامى، ولا يخلو عن حسن، وكيفما كان فالتعبير عن الأجنبيات بهذا العنوان فيه من المبالغة في الاستمالة إليهن، والترغيب فيهن ما لا يخفى، والسر في ذلك الاعتناء بصرف المخاطبين عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل؛ رعاية ليتمهن، وجبرًا لانكسارهن؛ ولهذا الاعتناء أوثر الأمر بنكاح الأجنبيات على النهي عن نكاحهن، مع أنه المقصود بالذات، وذلك لما فيه من مزيد اللطف في استنزالهم، فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه49.

ومثنى وثلاث ورباع، أي: فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا ( ) بين هذه الأعداد () فالأمر كله يدور مع العدل، فأينما وجدتموه فعليكم به، ثم قال: ( ﮜﮝ) فسوى في السهولة بين الحرة الواحدة وبين ما شاء من الإماء؛ لأنهن أقل تبعة، وأخف مؤنة من الحرائر، لا على المرء أكثر منهن أو أقل، عدل بينهن في القسم أم لم يعدل، عزل عنهن أم لم يعزل50.

ثالثًا: امتنان الله على خلقه به:

النكاح نعمة من الله امتن بها على عباده؛ إذ يحصل به مصالح دينية ودنيوية، فردية واجتماعية، مما يجعله من الأمور المطلوبة شرعًا، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮖﮗ ) [الروم: ٢١].

وقال: ( ﰏﰐ ) [النحل: ٧٢].

وقال: ( ) [النساء: ١].

وقال: ( ) إلى غير ذلك من الآيات التي تلفت النظر إلى هذه النعمة.

فقوله: ( ) أي: من نعمه تبارك وتعالى التي تستحق الشكر، وتستحق المحافظة عليها (ﮋﮌ ) خلقنا من ذكر وأنثى، فخلق الذكر للأنثى؛ لأنها لا تستقر حياتها من دونه، وخلق الأنثى للذكر لأنه لا يستقر عيشه بدونها.

فهي آية ونعمة اختص بها الإنسان؛ إذ ألهمه الله جعل قرين له، وجبله على نظام محبة وغيرة، لا يسمحان له بإهمال زوجه، كما تهمل العجماوات إناثها، وتنصرف إناثها عن ذكورها، وجعل البنين للإنسان نعمة، وجعل كونهم من زوجة نعمة أخرى؛ لأن بها تحقق كونهم أبناءه بالنسبة للذكر، ودوام اتصالهم به بالنسب، ووجود المشارك له في القيام بتدبير أمرهم في حالة ضعفهم51.

والخطاب بضمير الجماعة المخاطبين في قوله: (جعل لكم) موجه إلى الناس كلهم، وغلب ضمير التذكير52.

وفي النكاح نعمة أخرى؛ إذ جعل قرين الإنسان متكونًا من نوعه، فقال: ( ) ولو لم يجعل له ذلك لاضطر الإنسان إلى طلب التأنس بنوع آخر، فلم يحصل التأنس بذلك للزوجين، وهذه الحالة وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان، فهي نعمة يدركها الإنسان، ولا يدركها غيره من الأنواع، وليس من قوام ماهية النعمة أن ينفرد بها المنعم عليه53.

ومعنى: ( ) أي: جعل هذه الزوجة من نوعكم ومن جنسكم من بني آدم، فجميع الأزواج من نوع الناس، وأما قول تأبط شرًا54:

وتزوجت في الشبيبة غولًا

بغزال وصدقتي زق خمر

فمن تكاذبيهم، وكذلك ما يزعمه المشعوذون من التزوج بالجنيات، وما يزعمه أهل الخرافات والروايات من وجود بنات في البحر، وأنها قد يتزوج بعض الإنس ببعضها55.

ويدل على أن ( ) أي: من جنسكم قوله تعالى: ( )[الروم: ٢١].

لأن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر، أي: لا يثبت نفسه معه، ولا يميل قلبه إليه56.

وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر57. ولو تصورنا أن الله تعالى جعل الزوجين من غير جنس واحد، فلن يشعرا بالسرور واللذة أبدًا، ولكن الله تبارك وتعالى خلقهما من جنس واحد، يميل أحدهما إلى الآخر، ويأنس به، فسبحان الله العليم الحكيم.

ومعنى: ( ) أي: لتميلوا للأزواج، وتألفوهن، فإن الجنس إلى الجنس أسكن، والسكون هنا مستعار للتأنس، وفرح النفس؛ لأن في ذلك زوال اضطراب الوحشة والكمد بالسكون الذي هو زوال اضطراب الجسم، كما قالوا: اطمأن إلى كذا، وانقطع إلى كذا، وضمن () معنى: (لتميلوا) فعدي بحرف (إلى) وإن كان حقه أن يعلق بـ(عند) ونحوها من الظروف58.

والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم، وهذه إحدى الحكم الإلهية من وراء الزواج.

وجعل الله بين الزوجين المودة والرحمة، فقال: ( ) [الروم: ٢١].

أي: جعل بين الزوجين المودة والرحمة، فهما يتوادان ويتراحمان من غير سابقة معرفة، ولا قرابة، ولا سبب يوجب التعاطف، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر، من غير تراحم بينهما، وهذا لا يحصل إلا للزوجين، فالمودة وحدها آصرة عظيمة، وهي آصرة الصداقة والأخوة وتفاريعهما، والرحمة وحدها آصرة منها الأبوة والبنوة، فما ظنكم بآصرة جمعت الأمرين! وكانت بجعل الله تعالى، وما هو بجعل الله فهو في أقصى درجات الإتقان59.

والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله، فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحل والهداية إلى الفطرة، ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة، ولم ينقصها شيء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر.

فلا ألفة أعظم مما بين الزوجين؛ ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه، فقال: ( ) [البقرة: ١٠٢].

فلشدة ارتباط هذه العلاقة بين الزوجين فلا يستطيع أحد التفريق بينهما، إلا أن يكون هذا التفريق باستعمال مفسدات لعقل أحد الزوجين حتى يبغض زوجه، وإما بإلقاء الحيل والتمويهات والنميمة حتى يفرق بينهما؛ ولهذا قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٠٢].

ولعل في قوله: ( ) إشارة إلى أن الزواج الناجح لا بد أن تسوده المودة والرحمة؛ ولهذا يجب المحافظة على هذه المودة حتى في حالة الغضب والصعوبات؛ لتستمر الحياة هادئة وسعيدة، فالمودة هي الأساس في بداية العلاقة الزوجية، فلا زواج ناجح من دون الحب بين الطرفين، ولعل الزوجة هي الأقدر في إظهار هذا الجانب وتفعيله مع الزوج.

ثم قال: ( ) [الروم: ٢١].

الذي ذكر من () جمع، مع أنها-في الحقيقة- آية واحدة، إلا أنها تنطوي على عدة آيات، منها: أن جعل للإنسان ناموس التناسل، وأن جعل تناسله بالتزاوج، ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه، وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه، ولم يجعلها من صنف آخر؛ لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف، وأن جعل في ذلك التزاوج أنسًا بين الزوجين، ولم يجعله تزاوجًا عنيفًا، أو مهلكًا كتزاوج الضفادع، وأن جعل بين كل زوجين مودة ومحبة، فالزوجان يكونان من قبل التزاوج متجاهلين، فيصبحان بعد التزاوج متحابين، وأن جعل بينهما رحمة، فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما، فيصبحان بعد التزاوج متحابين، وأن جعل بينهما رحمة، فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما، فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة؛ ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل، ويتبعه من النعم والدلائل جعلت هذه الآية آيات عدة، في قوله: ( )

وجعلت الآيات لقوم يتفكرون؛ فقال: ( )؛ لأن التفكر والنظر في تلك الدلائل هو الذي يجلي كنهها، ويزيد الناظر بصارة بمنافع أخرى في ضمنها.

ويتفكرون أي: في عظمة الله وقدرته، فهو متعلق بـ () والذين يتفكرون: المؤمنون، وأهل الرأي من المشركين الذين يؤمنون بعد نزول هذه الآية60.

هكذا يصور القرآن العلاقة الزوجية تصويرًا رفافًا شفيفًا، يشع منه التعاطف، وترف فيه الظلال، ويشيع فيه الندى، ويفوح منه العبير: ( ) [الروم: ٢١].

وقال تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٧].

فهي صلة النفس بالنفس، وهي صلة السكن والقرار، وهي صلة المودة والرحمة، وهي صلة الستر والتجمل.

إن الإنسان ليحس في الألفاظ ذاتها حنوًا ورفقًا، ويستروح من خلالها نداوة وظلًا، وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني الرفيق الوثيق؛ ذلك في الوقت الذي يلحظ فيه أغراض ذلك الرباط كلها، بما فيها امتداد الحياة بالنسل، فيمنح هذه الأغراض كلها طابع النظافة والبراءة، ويعترف بطهارتها وجديتها، وينسق بين اتجاهاتها ومقتضياتها؛ ذلك حين يقول: ( ) [البقرة: ٢٢٣].

فيلحظ كذلك معنى الإخصاب والإكثار61.

وأخبر الله تعالى أيضًا في الآية الأخرى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم من أزواجهم أولادًا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، فقال: ( ) [النحل: ٧٢].

والحفدة في كلام العرب: جمع حافد، كما أن الكذبة: جمع كاذب، والفسقة: جمع فاسق، والحافد في كلامهم؛ هو المتخفف في الخدمة والعمل، والحفد: خفة العمل، يقال: مر البعير يحفد حفدانًا: إذا مر يسرع في سيره، ومنه قولهم: (إليك نسعى ونحفد)62 أي: نسرع إلى العمل بطاعتك، يقال منه: حفد له يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا63. ومنه قول الراعي64:

كلفت مجهولها نوقًا يمانيةً

إذا الحداة على أكسائها حفدوا

وعلى هذا فالمراد بالحفدة الأولاد، أو هم الأصهار أختان الرجل على بناته، ومنه قول الشاعر65:

ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت

لها حفدٌ مما يعد كثير

ولكنها نفس علي أبية

عيوفٌ لأصهار اللئام قذور

وقد يكون المراد بهم أولاد الأولاد، أو بنو امرأة الرجل من غيره، أو يكون المراد بهم: الأعوان، أو: الخدم، ومنه قول جميل66:

حفد الولائد حولهم وأسلمت

بأكفهن أزمة الأجمال

وذهب بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: ( ) إلى أن البنين الصغار، والحفدة الكبار67.

وإذا كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنهم المسرعون في خدمة الرجل، المتخففون فيها.

وكان الله تعالى أخبرنا أن مما أنعم به علينا أن جعل لنا حفدة تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلحون للخدمة منا ومن غيرنا وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا إذا كانوا يحفدوننا، فيستحقون اسم حفدة، ولم يكن الله تعالى دل بظاهر تنزيله، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولا بحجة عقل على أنه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوع منهم، وكان قد أنعم بكل ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجه ذلك إلى خاص من الحفدة دون عام، إلا ما اجتمعت الأمة عليه أنه غير داخل فيهم. فكل الأقوال التي ذكرنا لها وجه في الصحة، ومخرج في التأويل68.

وهي أقوال متقاربة؛ لأن اللفظ يحتمل الكل بحسب المعنى المشترك.

وبالجملة فإن الحفدة هم غير البنين؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ( ) فجعل بينهما مغايرة69.

قال الرازي: والأولى دخول الكل فيه؛ لأن اللفظ محتمل للكل بحسب المعنى المشترك70.

وأطلق الحافد على ابن الابن؛ لأنه يكثر أن يخدم جده؛ لضعف الجد بسبب الكبر، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها، وهي كون أبنائه من زوجه، ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع.

وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلًا، ولا يشعر بالبنوة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبة من الإرضاع، والحفدة للإنسان زيادة في مسرة العائلة.

قال تعالى: ( ﯿ ) [هود: ٧١]71.

ثم قال تعالى في الآية الثالثة: ( ) [النساء: ١].

يعني: آدم، وفي ذلك نعمة عليكم؛ لأنه أقرب إلى التعاطف بينكم، ( ) يعني: حواء. وقوله: () أي: من آدم، فالنفس الواحدة: هي آدم، والزوج: حواء، فإن حواء أخرجت من آدم، من ضلعه، كما يقتضيه ظاهر قوله: (). وقال بعضهم: معنى: () من جنسها، واللفظ يتناول المعنيين، أو يكون لحمها وجواهرها من ضلعه، ونفسها من جنس نفسه.

فإن قيل: إنه تعالى قادر على خلق حواء من التراب، فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم؟ والجواب: أن الأمر لو كان كذلك لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة، وهو خلاف النص، وخلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها)7273.

و(من) في قوله: () تبعيضية، ومعنى التبعيض أن حواء خلقت من جزء من آدم، قيل: من بقية الطينة التي خلق منها آدم، وقيل: فصلت قطعة من ضلعه، وهو ظاهر قوله في الحديث: (خلقت من ضلع). ومن قال: إن المعنى: وخلق زوجها من نوعها لم يأت بطائل؛ لأن ذلك لا يختص بنوع الإنسان، فإن أنثى كل نوع هي من نوعه74.

وقد شمل قوله: ( ) العبرة بهذا الخلق العجيب الذي أصله واحد، ويخرج هو مختلف الشكل والخصائص، والمنة على الذكران بخلق النساء لهم، والمنة على النساء بخلق الرجال لهن، ثم من على النوع بنعمة النسل في قوله: ( ﭡﭢ) مع ما في ذلك من الاعتبار بهذا التكوين العجيب.

ومعنى: ( ) البث: النشر والتفريق للأشياء الكثيرة، أي: نشر وأظهر، رجالًا كثيرًا ونساء، كقوله تعالى: ( ) [القارعة: ٤].

أي: المنتشر، يعني: خلق منهما يعني من آدم وحواء، ونشر منهما رجالًا كثيرًا ونساء، وذكر هذا كله لبيان القدرة؛ وإظهار المنة.

وحصره ذريتها إلى نوعين الرجال والنساء في قوله: ( ) مقتضٍ أن الخنثى ليس بنوع مستقل، وأنه وإن فرضناه مشكل في الظاهر فله حقيقة ترده إلى أحد هذين النوعين75. ووصف الرجال وهو جمع بـ(كثير) وهو مفرد؛ لأن كثير يستوي فيه المفرد والجمع، كما في قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٤٦].

واستغنى عن وصف النساء بكثير لدلالة وصف الرجل به ما يقتضيه فعل البث من الكثرة76.

وقد تعرف الله تعالى في هذه الآية إلى العقلاء على كمال القدرة بما ألاح من براهين الربوبية، ودلالات الحكمة حيث خلق جميع هذا الخلق من نسل شخص واحد، على اختلاف هيئتهم، وتفاوت صورهم، وتباين أخلاقهم، وإن اثنين منهم لا يتشابهان، فلكل وجه في الصورة والخلق، والهمة والحالة، فسبحان من لا حد لمقدوراته، ولا غاية لمعلوماته77.

وخلق أشخاص غير محصورة من إنسان واحد مع تغاير أشكالهم، وتباين أمزجتهم، واختلاف أخلاقهم دليل ظاهر، وبرهان باهر على وجود مدبر مختار وحكيم قدير..، فإذا عرفوا ذلك تركوا المفاخرة، وأظهروا التواضع، وحسن الخلق78.

رابعًا: وصفه بالميثاق الغليظ:

وصف الله عقد النكاح بالميثاق الغليظ في سياق النهي عن الرجوع في شيء مما أعطى الأزواج زوجاتهم، ولو كان المعطى قنطارًا، وبين أن أخذه بهتانًا وإثمًا مبينًا، وبين أن السبب المانع من أخذ شيء منه هو أنه أفضى إليها بالجماع، فقال: ( ﭝﭞ ) [النساء: ٢٠-٢١].

والمعنى: فمتى ( ) أي: تطليق زوجة وتزوج أخرى، أي: فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج. ولكن إذا ( ) أي: المفارقة، أو التي تزوجها () أو أقل أو أكثر، أي: من الذهب أو الفضة، مهرًا وصداقًا، والمقصود: مالًا كثيرًا، فلا تأخذوا منه شيئًا. والنهي بعده يدل على عموم ما آتاها، سواء كان مهرًا، أو غيره79. والسبب أنه قد صار بينهما من الاختلاط والامتزاج ما لا يناسب أن يأخذ شيئًا مما آتاها، سواء كان المهر أو غير المهر.

فلا يمتنع أن يكون أول الخطاب عمومًا في جميع ما تضمنه الاسم، ويكون المعطوف عليه بحكم خاص فيه، ولا يوجب ذلك خصوص اللفظ الأول. قال أبو بكر الرازي (الجصاص): ويحتج به -أي بهذه الآية- فيمن أسلف امرأته نفقتها لمدة، ثم ماتت قبل المدة أنه لا يرجع في ميراثها بشيء مما أعطاها لعموم اللفظ؛ لأنه جائز أن يريد أن يتزوج بأخرى بعد موتها مستبدلًا بها مكان الأولى، فظاهر اللفظ قد تناول هذه الحالة80.

وفي الآية دليل على جواز الإصداق بالمال الكثير؛ لأن القنطار: المال الكثير الذي هو أقصى ما يتصور من مهور؛ ولأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح...، وقال قوم: لا تعطى الآية جواز المغالاة في المهور؛ لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد.

فالآية الكريمة وإن كانت تفيد جواز الإصداق بالمال الجزيل إلا أن الأفضل عدم المغالاة في ذلك، مع مراعاة أحوال الناس من حيث الغنى والفقر وغيرهما81.

وقد ينهى عن كثرة الصداق إذا تضمن مفسدة دينية، وعدم مصلحة تقاوم.

وضمير () راجع إلى النساء، وهي المرأة التي يراد طلاقها82.

ثم قال: ( ) بل أدوه أي: مباهتين وآثمين، أو بالبهتان والإثم الظاهر، والبهتان: الكذب الذي يبهت المكذوب عليه، فالبهتان كالشكران والغفران مصدر بهته كمنعه، إذا قال عليه ما لم يفعل83.

والاستفهام في () إنكاري، وانتصب () على الحال من الفاعل في (تأخذونه) بتأويله باسم الفاعل، أي: مباهتين، وإنما جعل هذا الأخذ بهتانًا؛ لأنهم كان من عادتهم إذا كرهوا المرأة، وأرادوا طلاقها رموها بسوء المعاشرة، واختلفوا عليها ما ليس فيها؛ لكي تخشى سوء السمعة، فتبذل للزوج مالًا فداء ليطلقها. فصار أخذ المال من المرأة عند الطلاق مظنة بأنها أتت ما لا يرضي الزوج، فقد يصد ذلك الراغبين في التزوج عن خطبتها.

وأما وصفه الإثم بكونه () لأنه قد صار معلومًا للمخاطبين من قوله: ( ) أو من آية البقرة: ( ﯞﯟ ) أو مما تقرر عندهم من أن حكم الشريعة في الأموال أن لا تحل إلا عن طيب نفس84.

ثم استعظم ذلك فقال: ( ) استفهام تعجبي بعد الإنكار، أي: ليس من المروءة أن تطمعوا في أخذ عوض عن الفراق بعد معاشرة امتزاج، وعهد متين85.

فالمقصود أنه علل النهي من الأخذ بعلتين:

الأولى: الإفضاء وخلوص كل زوج لنفس صاحبه، حتى صارا كأنهما نفس واحدة.

والثانية: الميثاق الغليظ الذي أخذ على الرجال بأن يعاملوا النساء معاملة كريمة.

فقوله: ( ) الواو هنا: للحال، والجملة بعدها: في محل نصب، وأتى بـ(قد)؛ ليقرب الماضي من الحال86.

وأصل أفضى: ذهب إلى فضاه أي: ناحية سعته، يقال: أفضى فلان إلى فلان أي: وصل إليه، وأصله أنه صار في فضائه وفرجته، وقيل: أصل الإفضاء الوصول إلى الشيء من غير واسطة، والمعنى: خلص الزوج إلى عورة زوجته، والزوجة كذلك.

وهذا الإفضاء يحتمل أنه: كناية عن الجماع، وعلى هذا فالزوج إذا طلق قبل المسيس فله أن يرجع في نصف المهر وإن خلا بها، أو يكون الإفضاء هو الخلوة وإن لم يجامعها، بأن يكون معها في لحاف واحد جامعها أو لم يجامعها؛ لأن الخلوة في الأنكحة الصحيحة تقرر المهر87.

وقيل: إذا طال مكثه معها السنة ونحوها، واتفقا على ألا مسيس، وطلبت المهر كله كان لها، والظاهر أن المراد بالإفضاء الجماع لوجوهٍ:

أحدها: ما تقدم من المعنى اللغوي للإفضاء: أنه يصير في فرجته وفضائه، وهذا المعنى إنما يحصل في الحقيقة عند الجماع، أما في غير وقت الجماع فهذا غير حاصل.

وثانيها: أنه تعالى ذكر في معرض التعجب، فقال: ( ) والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببًا قويًا في حصول الألفة والمحبة؛ وذلك لا يحصل بمجرد الخلوة، وإنما يحصل بالجماع، فيحمل عليه.

وثالثها: أن الإفضاء إليها لا بد وأن يكون مفسرًا بفعل منه ينتهي إليه؛ لأن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية، ومجرد الخلوة ليس كذلك؛ لأن عند الخلوة المحضة لم يصل كل واحد منهما إلى الآخر، فامتنع تفسير قوله: ( ) بمجرد الخلوة88.

ورابعها: أن المهر قبل الخلوة ما كان متقررًا، وقد علق الشرع تقريره على إفضاء البعض إلى البعض، وقد اشتبه في المراد بهذا الإفضاء هل هو الخلوة أو الجماع؟ وإذا وقع الشك وجب بقاء ما كان على ما كان، والأصل براءة الذمة89.

ومما يرجح أن الإفضاء هنا المراد به الجماع: أن الكلام كناية بلا شبهة، والعرب إنما تستعملها فيما يستحى من ذكره كالجماع، والخلوة لا يستحى من ذكرها فلا تحتاج إلى الكناية، و أيضًا في تعدية الإفضاء بـ(إلى) ما يدل على معنى الوصول والاتصال، وذلك أنسب بالجماع، ومن ذهب إلى الثاني قال: إنما سميت الخلوة إفضاءً لوصول الرجل بها إلى مكان الوطء، ولا يسلم أن الخلوة لا يستحى من ذكرها90.

والآية تنهى عن أخذ شيء من الزوجة بعد هذا الإفضاء، أي: على أي حال أو في أي حال تأخذونه، والحال أنه قد جرى بينكم وبينهن أحوال منافية له من الخلوة، وتقرر المهر، وثبوت حق خدمتهن لكم وغير ذلك91.

والمقصود أن المراد بالميثاق الغليظ في قوله: ( ) [النساء: ٢٠-٢١].

هو عقد النكاح، وأطلق عليه ذلك لأنه عهد مؤكد، وقد سماه الله في آية أخرى بعقدة النكاح، في قوله: ( ﮋﮌ ) [البقرة: ٢٣٥].

يعني: ولا تعقدوا العقد بالنكاح حتى تنقضي العدة.

أو يكون الميثاق الغليظ هو كلمة النكاح التي يستحل بها الفروج، وهي قول الولي عند العقد: زوجتكها على ما أخذ للنساء على الرجال من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. مأخوذ من قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢٩].

وكان يقال للناكح في صدر الإسلام: عليكم لتمسكن بمعروف، أو لتسرحن بإحسان. وقد أشار إليه في حديث: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)92 وقيل: كلمة الله هي التشهد في الخطبة93.

أو يكون: المراد بالميثاق الغليظ هو: إفضاء بعضهم إلى بعض، وصفه بالغلظة لعظمة ما يحدث بين الزوجين من الاتحاد والألفة والامتزاج94.

وقال قوم: الميثاق الولد؛ إذ به تتأكد أسباب الحرمة، وتقوى دواعي الألفة، أو هو: ما شرط في العقد من أن على كل واحد منهما تقوى الله، وحسن الصحبة، والمعاشرة بالمعروف، وما جرى مجرى ذلك95.

ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه، فقد قالوا: صحبة عشرين يومًا قرابة، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟!96.

والغليظ: صفة مشبهة من (غلظ) -بضم اللام- إذا صلب، والغلظة في الحقيقة صلابة الذوات، ثم استعيرت إلى صعوبة المعاني وشدتها في أنواعها.

قال تعالى: ( ﭛﭜ) [التوبة: ١٢٣]97.

والضمير في قوله: () للنساء، والآخذ في الحقيقة إنما هو الله تعالى، إلا أنه سبحانه نسبه إليهن؛ للمبالغة في المحافظة على حقوقهن، حتى جعلن كأنهن الآخذات له، قال بعضهم: وهذا الإسناد مجاز عقلي؛ أي: وقد أخذ الله عليكم العهد لأجلهن وبسبيهن، فهو مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب98.

وفي هذه الآية فوائد، منها:

  1. أن المحبة التي في قلب العبد لغير زوجته ومملوكته ومحارمه إذا لم يقترن بها محذور لا يأثم عليها العبد، ولو اقترن بذلك أمنيته أن لو طلقها زوجها لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما، أو يتسبب بأي سبب كان؛ لأن الله أخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخفى ذلك في نفسه.
  2. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، فلم يدع شيئًا مما أوحي إليه إلا وبلغه، حتى هذا الأمر الذي فيه عتابه، وهذا يدل على أنه رسول الله، ولا يقول إلا ما أوحي إليه، ولا يريد تعظيم نفسه.
    • وأن من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجته أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال، فهو أحسن من الفرقة.
    • وأنه يتعين أن يقدم العبد خشية الله على خشية الناس، وأنها أحق منها وأولى.
    • وفيها فضيلة زينب رضي الله عنها أم المؤمنين، حيث تولى الله تزويجها من رسوله صلى الله عليه وسلم، من دون خطبة ولا شهود.
    • وأن المرأة إذا كانت ذات زوج لا يجوز نكاحها، ولا السعي فيه وفي أسبابه، حتى يقضي زوجها وطره منها، ولا يقضي وطره حتى تنقضي عدتها؛ لأنها قبل انقضاء عدتها هي في عصمته، أو في حقه الذي له وطر إليها، ولو من بعض الوجوه269.

      ثالثًا: إباحة الزواج له بأكثر من أربع:

      من خصائصه صلى الله عليه وسلم إباحة الزواج بأكثر من أربع؛ لقوله تعالى: ( ) [الأحزاب: ٥٠].

      وكن أكثر من أربع، فهذا لا شركة لأحد معه فيه270.

      وهذا لا تناقض فيه ولا عيب، فالذي شرع للمسلمين أربع زوجات، شرع لنبيهم أكثر من أربع، فمنزل التشريع في الحالتين واحد، فلا انتهاك للشرع، ولا مخالفة بحمد الله، كما أن الذي شرع للأخت في الميراث نصيبًا هو نفسه الذي شرع لأخيها نصيبين، ولم ير أحدٌ أن الأخ قد انتهك شرع الله عندما أخذ ضعف نصيب أخته، فطالما صاحب التشريع واحد وهو الله تبارك وتعالى فلا إشكال ولا شبهة، ويبقى بعد هذا النظر في وجوه الحكمة من وراء هذه الخصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

      ومن الحكمة في ذلك: أنه معصوم من الجور الذي قد يقع فيه غيره في جانب النساء، إضافةً لما في ذلك من مصالح عامة دعت إليها الحاجة، واقتضتها ظروف الدعوة، وفي ظلها تحققت الكثير من الأهداف النبيلة، والتي كان منها:

      نشر الدعوة الإسلامية، ونقل جوانب حياته الخاصة داخل إطار بيته إلى الأمة من بعده، وبيان بطلان الحقوق المقررة للتبني -من خلال زواجه بزينب بنت جحش رضي الله عنها، والارتباط بعدد من القبائل ورجالها بالمصاهرة، مما يعطي الدعوة قوة ومنعة. فما تزوج صلى الله عليه وسلم زوجةً إلا بأمر من الله، بل هو الذي زوجه زينب بنت جحش كما سبق.

      وسببٌ آخر هامٌ جدًا: ألا وهو تربية وتخريج مرشدات داعيات للنساء، فهو صلى الله عليه وسلم المدرسة التي خرجت المرشدين الداعين للإسلام بالطريق القويم الصحيح، وكذا المرشدات (زوجاته الطاهرات العليات) فعلى يديه صلى الله عليه وسلم تخرجت نساؤه المرشدات لنساء العالم، واللواتي بدورهن غدين مرشدات لتخريج النساء بكل الأصقاع والبقاع في العالم.

      ولم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع لدافع الشهوة؛ بل كان للحكم السابق ذكرها؛ ولهذا لم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم في مرحلة الشباب، بل في سن متأخر، فلو كان تعدد نسائه لشهوة كان أولى به أن يعدد في قوة شبابه، لو كان كما يزعمون، وإنما هو الدين والعبودية والنبوة.

      ونعلم أن معظم زوجات النبي كن كبيرات في السن، وبعضهن كن لا إربة لهن في مسألة الرجل، لكنهن يحرصن على شرف الانتساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى شرف كونهن أمهات المؤمنين؛ لذلك كانت الواحدة منهن تتنازل عن قسمها في البيتوتة لضرتها مكتفية بهذا الشرف.

      ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بدعًا من الرسل في زواجه من النساء بأكثر من أربع، بل إن من الأنبياء من تزوج بأكثر من ذلك؛ ولهذا قال: ( ) والسنة الطريقة المعتادة، أي: ليس على الأنبياء حرج فيما أحل الله لهم كما أحل لداود مثل هذا في نكاح من شاء271.

      ومما يدل على اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالزواج بأكثر من أربع قوله تعالى: ( ) أي: أن جميع الأحكام السابقة المذكورة في الآية، ومنها: الزيادة على الأربع مزية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لأن سائر المؤمنين قصروا على أربع نسوة، وأبيح له عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك272. وهذا إجماع أن أحدًا من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة إلا النبي صلى الله عليه وسلم 273.

      رابعًا: حرمة زواج نسائه من بعده:

      وكان مما خص الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم حرمة زواج نسائه من بعده قال تعالى: ( ) [الأحزاب: ٥٣].

      فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحد غيره صلى الله عليه وسلم 274.

      والسبب أنهن أمهات المؤمنين.

      قال تعالى: ( ﯜﯝ ) [الأحزاب: ٦].

      فقوله: ( ) أي: منزلات منازلهن في وجوب التعظيم والاحترام، وتحريم النكاح، كما قال تعالى: ( ) وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن، والخلوة بهن، والمسافرة معهن، والميراث، فهن كالأجنبيات، فلا يحل رؤيتهن، كما قال تعالى: ( )275؛ لأن الإنسان لا يسأل أمه الحقيقية من وراء حجاب، ومعلوم أنهن رضي الله عنهن لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم. ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: (لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم)276 تعني: أنهن إنما كن أمهات الرجال، لكونهن محرمات عليهم كتحريم أمهاتهم، والدليل على ذلك: أن هذا التحريم لم يتعد إلى بناتهن.

      ودلت جملة: ( ) [الأحزاب: ٥٣].

      على الحظر المؤكد؛ لأن ( ) نفي للاستحقاق الذي دلت عليه اللام، وإقحام فعل () لتأكيد انتفاء الإذن، وهذه الصيغة من صيغ شدة التحريم.

      وذكر أن هذه الآية نزلت في رجل قال: لئن مات محمد لأتزوجن امرأة من نسائه سماها، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: ( ).

      والمعنى: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله، وما يصلح ذلك لكم ( ) يقول: وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا لأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه، فإنهن محرمات على الرجال تحريم الأمهات تحريمًا مؤبدًا لا يحل بحال.

      ويقال: إنما نهى عن ذلك لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة. وروي عن حذيفة أنه قال لامرأته: «إن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها؛ ولذلك حرم الله تعالى على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجن بعده»277.

      فتضمنت هذه الآية: تحريم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بقوله تعالى: ( ) وهو تقرير لحكم أمومة أزواجه للمؤمنين السالف في قوله: ( ) [الأحزاب: ٦].

      وإنما شرعت الآية أن حكم أمومة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين حكم دائم في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، أو من بعده؛ ولذلك اقتصر هنا على التصريح بأنه حكم ثابت من بعد؛ لأن ثبوت ذلك في حياته قد علم من قوله: ( )[الأحزاب: ٦]278. فأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن لا يحل لأحدٍ نكاحهن، ومن استحل ذلك كان كافرًا.

      ومعنى: ( ) من بعد وفاته، أو فراقه279.

      والإشارة بقوله: ( ) إلى ما ذكر من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوج أزواجه، أي: ذلكم المذكور. والعظم هنا في الإثم والجريمة بقرينة المقام. وتقييد العظيم بكونه عند الله للتهويل والتخويف؛ لأنه عظيم في الشناعة، وعلة كون تزوج أحد المسلمين إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم إثمًا عظيمًا عند الله أن الله جعل نساء النبي عليه الصلاة والسلام أمهات للمؤمنين، فاقتضى ذلك أن تزوج أحد المسلمين إحداهن له حكم تزوج المرء أمه، وذلك إثم عظيم280.

      ومعنى: ( ﯿ) أي: في حكمه وقضائه وشرعه ذنبًا عظيمًا، لا يقادر قدره، ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله تعالى.

      وفي الآية: تعظيم من الله لرسوله، وإيجاب لحرمته حيًا وميتًا؛ ولذلك بالغ في الوعيد عليه.

      واعلم أنه لم يتبين هل التحريم الذي في الآية يختص بالنساء اللاتي بنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هو يعم كل امرأة عقد عليها مثل الكندية التي استعاذت منه، فقال لها: (الحقي بأهلك)281 فتزوجها الأشعث بن قيس في زمن عمر بن الخطاب، ومثل قتيلة بنت قيس الكلبية التي زوجها أخوها الأشعث بن قيس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حملها معه إلى حضرموت، فتوفي رسول الله قبل قفولهما، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، وأن أبا بكر هم بعقابه، فقال له عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها، على أنه يظهر أن الإضافة في قوله: () بمعنى: لام العهد، أي: الأزواج اللائي جاءت في شأنهن هذه الآيات من قوله: ( ﭿ) [الأحزاب: ٥٢].

      فهن اللائي ثبت لهن حكم الأمهات، والبحث في هذه المسألة مجرد تفقه، لا يبنى عليه عمل282.

      ومن طريف ما أفاده صاحب روح البيان عند الكلام على هذه الآية أنه قال: ثم إن حرمة نكاحهن من احترام النبي عليه السلام، واحترامه واجب، وكذا احترام ورثته الكمل؛ ولذا قال بعض الكبار: لا ينكح المريد امرأة شيخه إن طلقها، أو مات عنها، وقس عليه حال كل معلم مع تلميذه، وهذا لأنه ليس في هذا النكاح يمن أصلًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وان كان رخصة في الفتوى، ولكن التقوى فوق أمر الفتوى، فاعرف هذا283.

      وهل نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنات كما أنهن أمهات للمؤمنين؟ قيل: هن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعًا، وقيل: هن أمهات المؤمنين دون النساء.

      والذي يظهر أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيمًا لحقهن على الرجال والنساء، ويدل عليه صدر الآية: ( ) وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة، فيكون قوله: ( ) عائدًا إلى الجميع، ثم إن في مصحف أبي بن كعب: ( ) وهو أب لهم فنبقي على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم.

      قال ابن العربي المالكي في تفسيره: ( ) اختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء أم هن أمهات الرجال خاصة؟ على قولين، فقيل: ذلك عام في الرجال والنساء، وقيل: هو خاص للرجال؛ لأن المقصود بذلك إنزالهن منزلة أمهاتهم في الحرمة حيث يتوقع الحل والحل غير متوقع بين النساء، فلا يحجب بينهن بحرمة، وقد روي أن امرأة قالت لعائشة: يا أماه، فقالت: (لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم)284 قال ابن العربي «وهو الصحيح»285.

      ومن وطئهن النبي صلى الله عليه وسلم بملك اليمين لسن من أمهات المؤمنين، حيث تذكر كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له جاريتان يتسرى بهن، أي: يطؤهن بملك اليمين، وهاتان الجاريتان هما مارية القبطية، وريحانة بنت شمعون، أما مارية فقد كانت مهداة من المقوقس صاحب الإسكندرية (عظيم مصر) إلى رسول الله فنكحها الرسول بملك اليمين، فولدت له إبراهيم، فأصبحت أم ولد، وكانت قد أسلمت رضي الله عنها، توفيت سنة ١٦ هـ، أما ريحانة فقد كانت من بني قريظة، وقعت في السبي فأسلمت، وكانت من سراري النبي صلى الله عليه وسلم، وهاتان الجاريتان ليستا من أمهات المؤمنين، فأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لسن من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، بل من السراري، وهؤلاء وطئهن النبي صلى الله عليه وسلم بملك اليمين، وهؤلاء وطئهن النبي صلى الله عليه وسلم بعقد زواج.

      فيكون تعريف أم المؤمنين: أنها كل امرأة عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل بها، وإن طلقها بعد ذلك على الراجح، فإن طلقت قبل الدخول لا يطلق عليها لقب أم المؤمنين كالكلبية التي قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: (لقد استعذت بمعاذ الحقي بأهلك)286 فقيل: أنه تزوجها عكرمة بن أبي جهل في خلافة الصديق، أو خلافة عمر، فهم برجمها، فقيل له: أنه لم يدخل بها: فخلى عنها.

      وهل من خصوصياته في النكاح الزواج بالصغيرة؟

      حكى ابن حزم عن ابن شبرمة أن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه287 والأصل عدم الخصوصية، ومن أدعى الخصوصية، فعليه بالدليل.


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٧٥، مجمل اللغة، ابن فارس ١/٨٨٤.

2 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٧/١٩٥.

3 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٤١٣، لسان العرب، ابن منظور ٢/٦٢٦.

4 التعريفات، الجرجاني ص٢٤٦.

5 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٢٠.

6 مغني المحتاج، الشربيني ٣/١٢٣.

7 من قضايا الأسرة في التشريع الإسلامي، محمد دسوقي ص ١٥.

8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٧١٨.

9 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٤٣٦، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٥٩١-٥٩٢.

10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٣٥.

11 انظر: كنز الدقائق، النسفي ٢/١٧٤ مع شرحه النهر الفائق.

12 انظر: الأحوال الشخصية، أبو زهرة، ص١٧.

13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٢٢.

14 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٨١، شمس العلوم، نشوان الحميرى ١١/٧٠٢٩.

15 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٨٦.

16 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٥١٠.

17 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٤٤، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٧٧.

18 التعريفات، الجرجاني ص١٥٣.

19 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٦٨.

20 انظر: التحرير والتنوير ٢٩/٤٠٧.

21 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٣٢٧.

22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من طلب الولد للجهاد، رقم ٢٨١٩.

23 انظر: التحرير والتنوير ١٣/١٦٢.

24 المصدر السابق ١/٢٥٤.

25 التحرير والتنوير ١/٢٥٤.

26 البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٣٦.

27 التحرير والتنوير ١/٢٢٥.

28 أضواء البيان ٧/٥٠.

29 البحر المديد ٣/٣٦.

30 انظر: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب طلب الولد ٥/٢٠٠.

31 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم ٤٣١٠.

32 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل النكاح، رقم ١٨٤٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٨٠٧.

33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، رقم ٤٧٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم ٣٤٦٤.

34 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم ٥٠٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم ١٤٠١.

35 في رواية: الحناء بالحاء المهملة والنون المشددة وهذه الرواية غير صحيحة ولعلها تصحيف، لأنه يحرم على الرجال خضاب اليد والرجل تشبهًا بالنساء، وأما خضاب الشعر به فلم يكن قبل نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يصح إسناده إلى المرسلين. انتهى ما في المرقاة. ‏

36 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٨/٥٥٤، رقم ٢٣٥٨١، والترمذي في سننه، أبواب النكاح، باب ما جاء في فضل التزويج، رقم ١٠٨٠.

وحسنه الألباني في تعليقه مشكاة المصابيح، ١/١٢٢ ، رقم ٣٨٢.

37 التيسير بشرح الجامع الصغير، المناوي ١/٢٧٥.

38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) رقم ٤٧٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم ٣٤٦٤.

39 غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٣٤٥.

40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم ٥٠٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم ١٤٠١.

41 انظر: شرح صحيح مسلم، النووي ٩/١٧٣.

42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، رقم ٤٧٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم ٣٤٦٤.

43 هذه قراءة ابن أبي عبلة، انظر: المحرر الوجيز ٢/٧٠.

44 المحرر الوجيز ٢/٧١.

45 المصدر السابق.

46 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٣٤٥.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٥٤٢.

48 التحرير والتنوير ١/٨٨٦.

49 انظر: روح المعاني، الألوسي ٣/٤١١.

50 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٣٤٦.

51 نظر: التحرير والتنوير ١٤/٢١٨.

52 المصدر السابق.

53 المصدر السابق.

54 البيت منسوبة للبهراني في شرح نهج البلاغة ١٩/٤١٦. وأثبتنا ما كتبه صاحب الأصل، قال الجاحظ: أصدقها الخمر لطيب ريحها، والغزال، لأنه من مراكب الجن.

55 التحرير والتنوير ٢١/٧٢.

56 اللباب في علوم الكتاب ١٥/٣٩٦.

57 مدارك التنزيل، النسفي ٢/٦٩٥.

58 التحرير والتنوير ٢١/٧٢.

59 انظر: المصدر السابق ١/٦٤٤.

60 التحرير والتنوير ٢١/٧٢.

61 في ظلال القرآن ٦/٣٥٩٥.

62 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ٢/٦١، من دعاء عمر.

وصححه الألباني في إرواء الغليل ٢/١٧٠.

63 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٥٨.

64 ديوان الراعي النميري ١/٥٢.

65 انظر: أخبار أبي القاسم الزجاجي ١/٣ ، نثر الدر ٣/٣٠.

66 انظر: أمالي المرزوقي ١/٦٥، الجليس الصالح والأنيس الناصح ١/٣٧١.

67 النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٠٢.

68 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٥٨.

69 لباب التأويل، الخازن ٣/٨٩.

70 مفاتيح الغيب، ٢٠/٢٤٥.

71 التحرير والتنوير ١٤/٢١٨.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم، ٤/١٣٣، رقم ٣٣٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم ٣٧١٩.

73 غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٣٤٠.

74 التحرير والتنوير ٤/٢١٥.

75 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤.

76 التحرير والتنوير ٤/٢١٧.

77 لطائف الإشارات، القشيري ١/٣١٢.

78 غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٣٣٩.

79 البحر المحيط ٤/٧٧.

80 أحكام القرآن، الجصاص ٣/٤٨.

81 الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٩٠٠.

82 التحرير والتنوير ١/٩١٩.

83 المصدر السابق.

84 المصدر السابق.

85 انظر: المصدر السابق.

86 اللباب في علوم الكتاب ٥/٩١.

87 انظر: تفسير السمرقندي ١/٣٧١.

88 روح المعاني، الألوسي ٣/٤٨٦.

89 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/٩٢.

90 انظر: روح المعاني، الألوسي ٣/٤٨٦.

91 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٥٩.

92 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ٣٠٠٩.

93 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٤٥.

94 اللباب في علوم الكتاب ٥/٩٢.

95 البحر المحيط ٤/٧٨.

96 المصدر السابق.

97 التحرير والتنوير ١/٩١٩.

98 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ١/٨٩٩.

99 انظر: السابق ١/٩٠١.

100 أضواء البيان ٥/٢٠.

وانظر: الإجماع، ابن المنذر ص٢٢.

101 التحرير والتنوير ١/٩٢٠.

102 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٠٣.

103 أضواء البيان ٣/٢٨٣.

104 الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ٥/١٠٦.

105 التحرير والتنوير ١/٩٢١.

106 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٤٣.

107 الإجماع، ابن المنذر ص٢٢.

108 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الأحكام، باب فيمن تزوج امرأة أبيه، رقم ١٣٦٢، وابن ماجه في سننه، كتاب الحدود، باب من تزوج امرأة أبيه من بعده، رقم ٢٦٠٧.

وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم ٢٦٠٧، والإرواء، رقم ٢٣٥١.

109 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٠/٩٢.

110 انظر: التحرير والتنوير ١/٩٢١.

111 الكشاف ١/٣٩٤.

112 اللباب في علوم الكتاب ٥/١٠٣.

113 المصدر السابق ٥/١٠٤.

114 المصدر السابق.

115 المصدر السابق.

116 التحرير والتنوير ١/٩٢١.

117 المحرر الوجيز ٢/٩٨.

118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام، رقم ٣٥١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام، رقم ٦٤٦١.

119 اللباب في علوم الكتاب ٥/١٠٤.

120 انظر: التحرير والتنوير ١/٩٢١.

121 انظر: المصدر السابق ١/٩٢٢.

122 الوسيط، سيد طنطاوي ١/٩٠٤.

123 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٧٨.

124 في المجموع ١٦/٢٢٢ أن مذهب الشافعي الكراهة.

125 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣٢/١٣٧.

126 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٤٨.

127 لباب التأويل، الخازن ٢/٦٠.

128 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٦٥.

129 لباب التأويل، الخازن ٢/٦٠.

130 تفسير الجلالين ١/١٠٢.

131 لباب التأويل، الخازن ٢/٦٠.

132 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، رقم ٣١٠٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، رقم ١٤٤٤.

133 البحر المديد ١/٤١١.

134 لباب التأويل، الخازن ٢/٦٠.

135 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، رقم ٢٥٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة، رقم ١٤٥٥.

136 التحرير والتنوير ١/٩٢١.

137 أحكام القرآن، الكيا الهراسي ٢/٨٦.

138 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات، رقم ٣٦٧٠.

139 أيسر التفاسير ١/٤٥٦.

140 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٦٥.

141 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٤٩.

142 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النفقات، باب المراضع من المواليات وغيرهن، رقم ٥٠٥٧.

143 المحرر الوجيز ٢/٩٨.

144 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/١٢٩.

145 الفقه الإسلامي وأدلته ٩/١٢٣.

146 التحرير والتنوير ١/٩٢٤.

147 انظر: المصدر السابق.

148 المصدر السابق.

149 البحر المديد ١/٤١١.

150 التحرير والتنوير ١/٩٢٤.

151 انظر: المصدر السابق ١/٩٢٥.

152 المصدر السابق.

153 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، رقم ٤٨٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، رقم ١٤٠٨.

154 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، رقم ٣١٠٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، رقم ١٤٤٤.

155 أحكام القرآن، الكيا الهراسي ٢/٨٦.

156 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة النور، ٥/٣٢٨، ٣١٧٧.

وصححه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام ٢٢٣.

157 التحرير والتنوير ١/٢٨٦٨.

158 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٤٠.

159 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٩.

160 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٧٣.

161 فتح القدير ٤/٨.

162 الفتاوى الكبرى ٣/١٧٦.

163 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٩.

164 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب إذا طلقها ثلاثًا ثم تزوجت بعد العدة زوجًا غيره فلم يمسها، رقم ٥٠١١، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجًا، رقم ٣٥٩٩.

165 الصحاح، الجوهري ٢/٤٣٦.

166 إغاثة اللهفان ١/٦٥.

167 انظر: أضواء البيان ٢/١١٨ بتصرف.

168 المصدر السابق.

169 انظر: التحرير والتنوير ١/٦١٨.

170 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٢٥٥.

171 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٨٢.

172 الكشاف، الزمخشري ١/٢٦٤.

173 النكت والعيون، الماوردي ١/٢٨١.

174 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين ٥/٥٩.

175 التحرير والتنوير ١/٦١٩.

176 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٢٩٥.

177 انظر: التحرير والتنوير ١/٦٢٠.

178 المصدر السابق ١/٦١٩.

179 الجامع لأحكام القرآن ٣/٦٩.

180 تفسير الراغب الأصفهاني ١/٤٥٤.

181 الكشاف ١/١٩٥.

182 انظر: التحرير والتنوير ١/٦٢٠.

183 البحر المحيط ٢/٤١٩.

184 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص٩٩.

185 التحرير والتنوير ١/٦٢٠.

186 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين ٥/٥٩.

187 انظر: في ظلال القرآن ٢/٩١.

188 اللباب في علوم الكتاب ٥/١٢٩.

189 في ظلال القرآن ٢/٩١.

190 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/١٢٧.

191 البحر المديد ١/٤١٤.

192 التحرير والتنوير ١/٩٢٩.

193 اللباب في علوم الكتاب ٥/١٢٨.

194 روح البيان، حقي ٢/٤٤١.

195 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، رقم ٥٧٨٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، رقم ٧٦٩٠.

196 التحرير والتنوير ١/٩٢٩.

197 روح البيان، حقي ٢/٤٤١.

198 أضواء البيان ٥/٣٥.

199 المصدر السابق.

200 زاد المعاد ٥/١١٨.

201 البيت في خريدة القصر وجريدة العصر ٣/٣٤ غير منسوبة لقائل.

202 روح البيان، حقي ٢/٤٤١.

203 البحر المحيط ٤/٩٦.

204 انظر: التحرير والتنوير ١/٩٣٠.

205 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، رقم ٢٤١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، رقم ٦٠١٤.

206 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس، رقم ٢٤٢٤، ومسلم في صحيحه، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، رقم ٣٨٥٢.

207 التحرير والتنوير ١/٩٣٠.

208 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب تزويج العبد بغير إذن سيده، ١/٦٠٣، رقم ١٩٦٠.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٣٠، رقم ٢٧٣٤.

209 المدونة ٥/٤٠٢.

210 التحرير والتنوير ١/٩٣١.

211 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار، رقم ١٨، ومسلم في الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها، رقم ١٧٠٩.

212 النكت والعيون، الماوردي ٤/٩٨.

213 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٨٠.

214 البيت في الجليس الصالح والأنيس الناصح ١/٤١٨ غير منسوب لقائل.

215 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٣٩.

216 التحرير والتنوير ١٨/٢١٧.

217 البحر المحيط ٨/٣٧.

218 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٣٦٨.

219 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد والناكح والمكتاب، ٤/١٨٤، رقم ١٦٥٥.

قال الترمذي: حديث حسن.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٨٥، رقم ٣٠٥٠.

220 في ظلال القرآن ٤/٢٥١٥.

221 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٣٨١.

222 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٨٠.

223 التحرير والتنوير ١٨/٢١٧.

224 تفسير المراغي ١٨/١٠٣.

225 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٥٢٠.

226 البحر المديد ٦/٣٠٥.

227 انظر: تتمة أضواء البيان، عطية محمد سالم ٨/١٣٨.

228 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٥٢٣.

229 انظر: تفسير السمعاني ٥/٤١٨ بتصرف.

230 صفوة التفاسير ٣/٣٤٤.

231 التحرير والتنوير ٢٨/١٥٦.

232 انظر: المصدر السابق ٢٨/١٥٥ بتصرف.

233 اللباب في علوم الكتاب ١٥/٢٣٩.

234 التحرير والتنوير ٢٨/١٥٨.

235 تفسير المراغي ٢٨/٧٣.

236 أضواء البيان ٨/١٠١.

237 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٣٤٠.

238 تيسير الكريم الرحمن ص ٨٥٧.

239 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٣٨٠.

240 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ١/٣٤٦ بتصرف.

241 التحرير والتنوير ١/٣٧٨.

242 المصدر السابق.

243 المصدر السابق.

244 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٤٢.

245 انظر: التحرير والتنوير ٤/٢٤١.

246 ديوان النابغة الذبياني ١/٤٥.

247 التحرير والتنوير ١/٣٧٨.

248 الكشف والبيان، الثعلبي ١١/١٥٩.

249 التحرير والتنوير ١/٣٣٧٨.

250 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٣٧٢.

251 غرائب التفسير وعجائب التأويل ٢/٩٢٠.

252 التحرير والتنوير ١/٣٣٧.

253 المصدر السابق ١/٣٣٦.

254 تيسير الكريم الرحمن ص٦٦٥.

255 المصدر السابق.

256 روح المعاني، الألوسي ١٦/١٢٨.

257 السراج المنير ١/٣٣٨٢.

258 تفسير السمرقندي ٣/٤١٠.

259 في ظلال القرآن ٦/٨٨.

260 التحرير والتنوير ١/٣٦٣.

261 البحر المحيط ٩/١٥٦.

262 معالم التنزيل، البغوي ٦/٣٥٦.

263 الكشف والبيان، الثعلبي ١١/١٥٠.

264 التحرير والتنوير ١/٣٣٦.

265 أضواء البيان ٣٦/١٠٧.

266 التحرير والتنوير ١/٣٣٦.

267 المصدر السابق.

268 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٥٥.

269 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص٦٦٥.

270 أضواء البيان ٨/٣٩.

271 النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٠٨.

272 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٥٥.

273 مراتب الإجماع ص ٦٣.

274 تفسير الإمام الشافعي ٣/١٢١٤.

275 روح البيان ٧/١٣٩.

276 أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، رقم ١٣٢٠٠.

277 تفسير السمرقندي ٣/٧١.

278 التحرير والتنوير ٢٢/٩٥.

279 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٣٧.

280 التحرير والتنوير ٢٢/٩٥.

281 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، رقم ٤٩٥٥.

282 التحرير والتنوير ٢٢/٩٥.

283 روح البيان ٧/١٣٩.

284 أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، رقم ١٣٢٠٠.

285 أحكام القرآن، ابن العربي ٦/٣١١.

286 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، رقم ٤٩٥٥.

287 المحلى ٩/٤٥٩.