عناصر الموضوع

مفهوم القدوة

القدوة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع القدوة

أهمية القدوة وآثارها

نماذج من القدوة في القرآن

القدوة

مفهوم القدوة

أولًا: المعنى اللغوي:

القدو: «أصل البناء الذي ينشعب منه تصريف الاقتداء»1.

والقدوة، بضم القاف وكسرها: بمعنى الأسوة2، وفي المصباح المنير: «الضم أكثر من الكسر»3، وهي اسمٌ من: اقتدى به إذا فعل مثل فعله تأسيًا، وفلانٌ قدوةٌ، أي: يقتدى به، وتقدت به دابته: لزمت سنن الطريق4.

والقدوة أيضا: التقدم. ويقال: فلان لا يقاديه أحدٌ ولا يماديه ولا يباريه ولا يجاريه، وذلك إذا برز في الخلال كلها5.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

القدوة: بالكسر والضم: «الاقتداء بالغير ومتابعته والتأسي به»6.

وعرفها الأصفهاني بأنها: «الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنًا وإن قبيحًا، وإن سارًّا وإن ضارًّا»7 .

وذكر الشنقيطي في أضواء البيان أن الأسوة والقدوة سواء، والمراد بهما: اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة8.

القدوة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (قدو) في القرآن في موضعين9.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الأمر

١

( ) [الأنعام:٩٠]

اسم الفاعل

١

( ) [الزخرف:٢٣]

وجاءت القدوة في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: الأسوة الذي يُقتدى به ويُتَّبَعُ ويُتَّخَذُ مثالًا يُسار على طريقته10.

الألفاظ ذات الصلة

الأسوة:

الأسوة في اللغة:

الأُسوة والإِسوة بكسر الهمزة وضمها: القدوة 11. وهي اسم من (أسا) أو (ائتسى)، بمعنى اقتدى واتبع 12.

قال الأزهري نقلًا عن الليث: «فلان يتأسى بفلانٍ، أي: يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدى به، وكان في مثل حاله»13.

الأسوة في الاصطلاح:

هي: «الاتباع للفعل والاقتداء بالفاعل، وهذا الشيء أسوة هذا الشيء، أي: هو تبع له ومحكوم إلى حكمه» 14.

الصلة بين القدوة والأسوة:

القدوة والأسوة بمعنى واحد، فهي مرادفة لها 15.

الاتباع:

الاتباع في اللغة:

أصل مادة (تبع) تدل على التُّلُوِّ والقُفُوِّ. يقال: تبعت فلانًا إذا تلوته واتبعته. وأتبعته إذا لحقته. والأصل واحدٌ 16.

الاتباع في الاصطلاح:

قال الراغب: «تبعه واتبعه: قفا أثره، وذلك تارة بالجسم، وتارة بالارتسام والائتمار»17.

الصلة بين القدوة والاتباع:

بينهما تلازم، فمن يقتدي بشخص فإنه يتبعه، فإن لم يتبعه فهو غير مقتدٍ به.

أنواع القدوة

إن الإنسان في طبيعة خلقه مجبول على موازنة نفسه وأحواله بغيره من الناس، وبما جرت عليه أحوالهم، فإذا هو استثمر طبيعة نفسه هذه في النظر إلى من فُضِّلَ عليه في المال أو في الخلق عاد عليه بالضرر وكفران ما هو فيه من نعم الله، وربما حسد من رآه أفضل منه وحقد عليه، إلى آخر ما هنالك من مرذول الأخلاق!18، وربما سره أن يكون مثله فسار على دربه وحذا حذوه للوصول إلى ما وصل إليه، مسيئًا كان المتأسى به أو محسنًا، ومن هنا كانت القدوة منقسمة إلى قسمين: إحداهما حسنة، وأخرى سيئة، وبيان ذلك في النقاط الآيتة:

أولًا: القدوة الحسنة:

يمكن القول: إن القدوة الحسنة هي اتباع الإنسان غيره في الخير، ومحاسن الأخلاق في الأقوال والأفعال، فبالقدوة الحسنة يكون المؤمن أسوة لأتباعه يقودهم بالفعل والقول، ويتأثرون بعمله الجميل ولفظه الحسن فيحذون حذوه، فإن كان الصدق مطلوبًا من كل إنسان فإنه في القدوة أكثر طلبًا، وإن كان الجد مطلوبًا من كل مسلم فإنه في القدوة أكثر حاجة؛ لأن الناس مجبولون على عدم الانتفاع بمن خالف قوله فعله، وأول علامة النجاح في القدوة أن يقوم بما يأمر به، وينتهي عما ينهى عنه19.

وإذا تأملنا قول الله ﭨ (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة: ٤٤].

وجدنا أن الإنسان لا يكون مؤثرا في غيره إن هو لم يلتزم ما يأمر به غيره.

قال الشاعر20:

يا أيها الرجل المعلم غيره

هلَّا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى

كيما يصح به وأنت سقيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تُعذر إن وَعظت ويُقتدى

بالقول منك ويُقبل التعليم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

وتتجلى القدوة الحسنة في القرآن الكريم فيما يأتي:

١. الرسل والأنبياء.

الأنبياء والرسل هم صفوة الخلق ودعاة الحق، وقد حث الله تعالى على الاقتداء بهم والسير على نهجهم وتتبع سننهم، والتأسي بأخلاقهم وأفعالهم.

قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب:٢١].

فلا يجوز لمسلم أن يحيد عن درب النبي عليه الصلاة السلام، وكل من خالف ما صح عنه عليه السلام فيما أمر به فقد خالف أمر ربه وباء بذنبه وفقد القدوة والهداية إلى الصراط المستقيم.

قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف: ١٥٨ ].

وقال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤ ].

لقد سطر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- صورًا رائعة في القدوة والأسوة، ولا ينحصر الاقتداء به على جانب دون آخر، بل هي في كل جوانب حياته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يقول ويفعل بأمر ربه لا بهوى نفسه.

وكما أن النبي الكريم أسوة لنا، كذلك هم الأنبياء السابقون قدوة حسنة ومثل أعلى لأقوامهم، وأسوة لنا في كل ما صح عنهم من الأقوال والأفعال: ﭧ ﭨ (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الممتحنة: ٤ ].

وفي سورة الأنعام بعد أن ذكر الله -عز وجل- نحو ثمانية عشر نبيا ورسولًا، أمر الله تعالى رسوله الكريم باقتفاء هديهم فقال:(ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ)[الأنعام: ٩٠ ].

ومما يدل على أهمية القدوة الحسنة، وأنها ركيزة أساسية في اقتناع الأقوام بدعوة أنبيائهم، ما قاله شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [هود: ٨٨ ].

[انظر: الاتباع: اتباع الوحي والأنبياء عليهم السلام]

٢. الصحابة والتابعون.

ممن وصفهم القرآن الكريم بأنهم أهل للقدوة الحسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تتبع سيرتهم وجدها زاخرة بالخيرات ومملوءة بالبركات، وجديرة بالاقتداء في جليل الأعمال، وعظيم الأخلاق، خاصة سيرة المقربين من الرسول الأمين، وآل بيته الطيبين، والعشرة المبشرين، وعموم الأنصار والمهاجرين، ومن لحق بهم واستن بهديهم من التابعين.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [التوبة: ١٠٠ ].

لقد دفعت القدوة الحسنة كثيرًا من الناس للإقبال سريعا على هذا الدين العظيم، فرب صفة واحدة مما يأمر به الدين تترجم حية على يد مسلم صالح يكون لها أثر لا يمكن مقارنته بنتائج الوعظ المباشرة؛ لأن النفوس قد تنفر من الكلام الذي تتصور أن للناطق به مصلحة، وأحسن من تلك الصفات التمسك بالأخلاق الحميدة التي هي أول ما يرى من الإنسان المسلم، ومن خلالها يحكم له أو عليه.

لقد دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة خلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحين، مارسوا سلوكهم الرشيد فكانوا كحامل مصباح يبدد ظلمة الظلم بنور الهداية21

لقد كان الصحابة والتابعون حملة لكتاب الله حفظًا وفهمًا وتطبيقًا.

قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [العنكبوت: ٤٩ ].

«قال ابن كيسان: يعني المهاجرين والأنصار، وهو قول ابن عباس في رواية عطاء»22.

٣. العلماء.

العلماء هم خير من يتأسى بالرسل الكرام؛ لأنهم فقهوا عنهم دينهم وترجموه في حياتهم العملية.

قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ) [آل عمران: ١٨ ].

أي: وشهد أولو العلم بأنه لا إله إلا هو قائمًا بالقسط، أي: بالعدل، واختلفوا في أولي العلم فقيل: هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم أعلم الخلق بالله تعالى، وقيل: هم علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، وقيل: هم علماء مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل: هم علماء جميع المؤمنين23، وهذا القول أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي الذي ذكر أنهم العلماء من الناس24.

وما دامت الآية عامة فهي تشمل العلماء جميعا، فصفة العلم تشمل كل من ذكر.

قال ابن جرير: «المراد من الكلام، الخبر عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدسوه: من ملائكته وعلماء عباده»25.

وقال الرازي: «المراد من أولي العلم في هذه الآية الذين عرفوا وحدانيته بالدلائل القاطعة؛ لأن الشهادة إنما تكون مقبولة، إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم»26.

وفي الآية الكريمة دلالة واضحة صريحة على المكانة العالية الرفيعة التي أولاها الله تعالى للعلماء.

ومن الأحاديث التي تبين أن العلماء صورة في القدوة والأسوة عن الأنبياء، قوله صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا، ولا درهمًا إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ) 27.

ومن الآيات التي تبين شرف العلماء وأنهم أكمل الناس في الأخذ عن ربهم قوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [فاطر: ٢٨ ].

وقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[العنكبوت: ٤٣ ].

وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)[الزمر: ٩ ].

إن التزام العلماء بهذا الدين العظيم يرسخ في نفوس الذين يأخذون عنهم الأسوة الحسنة، ذلك أن إيصال الخير إلى الناس بالقول والعمل أبلغ من إيصاله إليهم بالقول دون العمل؛ لأن الحالة الأولى فيها إشغال لحاستين عند الأتباع هما السمع والبصر، والعبرة بالبصر ربما كانت أبلغ من العبرة بالسمع وحده، فالناس يتأثرون بالأفعال أكثر من تأثرهم بالأقوال، ولا خير في عالم لا يعمل بعلمه.

٤. الصالحون.

أهل الصلاح لايهدون الناس إلا إلى الخير والفلاح، كيف لا وهم الذين جعلوا هدي الأنبياء في قلوبهم، وخضعت جوارحهم وقلوبهم لعلام الغيوب!

ومن هؤلاء الصالحين ما أخبرنا به القرآن الكريم عن ذلك الرجل الصالح.

قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[يس: ٢٠ ].

وقال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص: ٢٠ ].

يلاحظ في الآيتين السابقتين أن الرجل المذكور فيهما جاء داعيا للخير حريصا عليه، يفهم هذا من قوله تعالى في وصف حاله بـ()، ولم يقل: يمشي، وفيه زيادة حرص، فمعنى يسعى: أي يسرع ويجد في مشيه28.

وأكثر المفسرين على أن الرجل المذكور في آية القصص هو مؤمن آل فرعون كما ذكر الرازي29، وإن كان هذا القول لا يقطع به، فتبقى العبرة في أن الرجل جاء إلى موسى عليه السلام على وجه الإشفاق وأسرع إليه ليخوفه بأن الملأ يأتمرون به ليقتلوه، ونصحه بالخروج.

أما الرجل المذكور في آية سورة يس، فإن القوم جحدوا الرسل الذين أرسلوا إليهم وكذبوهم واجتمعت آراء أهل هذه المدينة على قتلهم، فجاء ذلك الرجل يسعى إليهم، وكان منزله أقصى المدينة، وكان مؤمنا30.

لقد جاء ذلك الرجل من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق، وفي كفهم عن البغي، وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين. وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان، ولم يكن في عزوة من قومه أو منعة من عشيرته، ولكنها العقيدة الحية في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها؛ إن الذي يدعو مثل هذه الدعوة وهو لا يطلب أجرًا ولا يبتغي مغنمًا إنه لصادق، وإلا فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبي تكليفا من الله؟ ما الذي يدفعه إلى حمل هم الدعوة؟ ومجابهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة؟ والتعرض لأذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم، وهو لا يجني من ذلك كسبا، ولا يطلب منهم أجرًا؟31.

إن الصالحين هم خير من يسرع إلى الخير ويبينوه للناس متى لزم الأمر، فهم قدوة الناس إلى الخير والصلاح، وفي هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حث الناس على الصدقة لما رأى فاقة في بعض أصحابه (فجاء رجلٌ من الأنصار بصرةٍ كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مذهبةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنةً حسنةً، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ) 32.

والسنة الحسنة في الحديث هي القدوة الحسنة؛ لأن الناس تابعته في التصدق، وفعلت مثل فعله.

٥. الآباء الصالحون.

الآباء هم قدوة الأبناء، حتى إن هذا الأمر قد درج في الأمثال نحو قولهم: من شابه أباه فما ظلم33، وقد نظموا هذا في الشعر، قال رؤبة بن العجاج34:

بأبه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

يصف الشاعر في هذا البيت عدي بن حاتم، بأنه اقتدى بأبيه، وسلك طريقه في الجود والكرم، فجاء على مثال أبيه.

فالقدوة بالآباء أعظم أساليب التربية في نظر الإسلام الذي يقيم منهجه التربوي على هذا الأساس، فلا بد للطفل من قدوة في والديه وأسرته لتنطبع في نفسه المبادئ والقيم الإسلامية، فإذا وجد الطفل القدوة الحسنة في والديه حذا حذوهم، وأصبح من الميسور تربيته طبقا لشريعة الإسلام. 35

إن الأب هو المعلم الأول، والأم هي المدرسة الأولى منهما ينهل الأبناء وعلى خطاهما يسيرون، فإن أحسنوا تربيتهم على الإيمان جمعهم الله بهم في الجنان.

قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)[الطور: ٢١ ].

أي: أن الأبناء إذا تبعوا آباءهم على الإيمان، وكانت مرتبتهم أدنى من آبائهم، فإنهم يلحقون بالآباء إذا كانت مراتب الآباء في الجنة أعلى من مراتبهم، ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئًا36 .

وقال تعالى عن اقتداء يوسف عليه السلام بآبائه:( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[يوسف: ٣٨ ].

والآباء الذين أشار إليهم يوسف عليه السلام هم أنبياء الله الذين دعوا إلى توحيده الخالص، وبين أسماءهم من الأب الأعلى إلى الأدنى بقوله: (ﭔ ﭕ ﭖ) فلفظ الآباء يشمل الجدود وإن علوا، وبين أساس ملتهم التي اتبعها وراثة وتلقينا فكانت يقينا له ولهم ووجدانا. 37

واتباع يوسف لآبائه من القدوة الحسنة، قال القرطبي: «فلما كان آباؤه عليه وعليهم السلام أنبياء متبعين للوحي، وهو الدين الخالص الذي ارتضاه الله، كان اتباعه آباءه من صفات المدح». 38

وبصلاح الآباء يحفظ الأبناء، فقد حكت لنا سورة الكهف قصة يتيمين حفظ الله تعالى لهما كنزهما بصلاح أبيهما.

قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[الكهف: ٨٢ ].

أراد الله تعالى إبقاء ذلك الكنز على ذينك اليتيمين رعاية لحقهما، ورعاية لحق صلاح أبيهما، فأمر الخضر عليه السلام بإقامة ذلك الجدار رعاية لهذه المصالح، وأضاف الخضر هذه الرعاية لأمر اليتيمين إلى الله تعالى، لأن المتكفل بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى. 39.

٦. الصحبة الصالحة.

الصحبة هي: «الاقتران بالشيء في حالة ما، في زمان ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهي كمال الصحبة»40.

والصحبة لها أثرها في المصاحب، فالصاحب الصالح عون لأخيه على فعل الخيرات والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[الكهف: ٢٨].

وعندما هاجر النبي عليه السلام إلى المدينة أمره ربه أن يتخذ أبا بكر صاحبًا.

قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[التوبة: ٤٠ ].

قال الواحدي: «قال المفسرون: وهذه الصحبة كانت بأمر الله؛ لأن جبريل لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج قال: ومن يخرج معي؟»41.

قال ابن عادل: «وتخصيص الله إياه بهذا التشريف يدل على علو منصبه في الدين»42.

وعلى هذا فإنه يستفاد من ذلك أن المسلم إذا أراد أن يتخذ صاحبا فعليه بصاحب الدين، فإنه أنفع له في دنياه، وأنصح له في دينه.

قال ابن حبان: «والرجل لا يصاحب إلا مثله أو شكله، فإذا لم يجد المرء بدا من صحبة الناس تحرى صحبة من زانه إذا صحبه ولم يشنه إذا عرف به، وإن رأى منه حسنة عدها، وإن رأى منه سيئة سترها، وإن سكت عنه ابتدأه، وإن سأله أعطاه»43.

ثانيًا: القدوة السيئة:

لما كانت القدوة الحسنة هي اتباع الإنسان غيره في الخير، فإن القدوة السيئة هي: اقتداء الإنسان بغيره في الشر والباطل وفعل المنكرات.

ولا يقف الحد عند الاتباع فحسب بل يتعدى ذلك إلى الدفاع عن أهل الباطل وتبرير أفعالهم، والتسويق لكفرهم أو فسقهم وفجورهم، ومن أنواع القدوة السيئة التي ذكرها القرآن الكريم ما يأتي:

١. الشيطان وحزبه.

من أسوء أنواع القدوة أن يتتبع الإنسان سبيل الشيطان وحزبه، وأن يحذو حذوهم متناسيا أمر خالقه سبحانه في وجوب اتخاذه عدوًا.

قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[فاطر: ٦ ].

«أي: عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه فيما يأمركم به من الكفر والمعاصي»44 فإن مصير أتباعه أن يكونوا من أصحاب السعير.

إن الاقتداء بإبليس لا يجدي نفعا، ولا يكشف ضرا، بل يجلب الحسرة والخزي والندامة حين إن إبليس يتبرأ من متبعيه يوم القيامة.

قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[إبراهيم: ٢٢].

يصدر هذا الاعتراف الصريح من إبليس يوم القيامة فيعترف أن الوعد الحق هو وعد الله على ألسنة رسله، وأنه وعد أتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعدًا حقًّا، وخبرا صدقًا، وأما أنا فوعدتكم وأخلفتكم، واعتذر إبليس لنفسه قائلًا: وما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه من دليل ولا حجة على صدق ما وعدتكم به، غير أنكم استجبتم لي بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه، فلا تلوموني اليوم، ولوموا أنفسكم، فإن الذنب لكم، لكونكم خالفتم الحجج واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل45.

«فيا للشيطان! ويا لهم من وليهم الذي هتف بهم إلى الغواية فأطاعوه ودعاهم الرسل إلى الله فكذبوهم وجحدوه!»46.

[انظر الاتباع: اتباع الشيطان]

٢. الكبراء والرؤساء.

إن نظرة كثير من الناس قاصرة، فهم ينظرون إلى عاجل أمرهم دن آجله، ولأجل ذلك ربما قدموا طاعة القادة والزعماء على طاعة الخالق سبحانه، وهذه الطاعة للقادة إما أن تكون خوفا من بطشهم وعقابهم، وإما أن تكون طمعا فيما بين أيديهم من الجاه والمال، وفي المقابل فإن خنوعهم وخضوعهم وتذللهم هذا يزيد القادة بطشا واستكبارا وغرورا، فيتمادوا في الباطل وينساق الاتباع خلفهم، وهذا ماحدث لفرعون حين استخف قومه ونصب من نفسه إلها من دون الله، واتبعه قومه على باطله، فكان بئس القدوة لمن اقتدى به.

قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[هود: ٩٧ - ٩٨ ].

أي: يقودهم، فيمضي بهم إلى النار، حتى يوردهموها، ويصليهم سعيرها، وبئس الورد الذي يردونه 47.

وهذا مصير أي ولاء يكون لغير الله، فإن القادة سيتخلون عن أتباعهم يوم القيامة.

قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)[إبراهيم: ٢١].

والضعفاء هم الضعفاء. هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة. ودانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله. والضعف ليس عذرًا، بل هو الجريمة فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفًا، وهو يدعو الناس كلهم إلى حماه يعتزون به والعزة لله. وما يريد الله لأحد أن ينزل طائعًا عن نصيبه في الحريه -التي هي ميزته ومناط تكريمه- أو أن ينزل كارهًا. والقوة المادية -كائنة ما كانت- لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية، ويستمسك بكرامته الآدمية. فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد، تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه. أما الضمير. أما الروح. أما العقل. فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها، إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال! من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعًا للمستكبرين في العقيدة، وفي التفكير، وفي السلوك؟

من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله هو خالقهم ورازقهم وكافلهم دون سواه؟ لا أحد. لا أحد إلا أنفسهم الضعيفة. فهم ضعفاء لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة، ولا لأنهم أقل جاهًا أو مالًا أو منصبًا أو مقامًا إنما هم ضعفاء؛ لأن الضعف في أرواحهم وفي قلوبهم وفي نخوتهم

فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان! إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء48.

وفي صورة أخرى من صور مخاصمة الأتباع لقادتهم يوم القيامة يوم الخزي والندامة للتابع والمتبوع على طريق الضلال.

قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)[غافر: ٤٧ - ٤٨ ].

يخبر تعالى عن تحاج أهل النار في النار، وتخاصمهم، فيقول الأتباع للقادة والسادة والكبراء:(إنا كنا لكم تبعا) أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، فهل تتحملونه عنا قسطا من العذاب؟. فكان الجواب من السادة: لا نتحمل عنكم شيئا، كفى بنا ما عندنا، وما حملنا من العذاب والنكال. 49.

٣. الآباء الكافرون.

القدوة السيئة بالآباء أخطر ما يهدد إيمان الأسرة وأمنها، فإذا رأى الولد في صغره سلوك أبيه قلده دون أن يدري ماذا يفعل، ويتحمل الأب هنا وزر القدوة السيئة، غير أن الإنسان لا عذر له بالاقتداء بالآباء بعد أن يصبح ناضجا، فعليه أن يعمل عقله، لا أن يلغي تفكيره ويتبع الآباء على ضلالاتهم ويصبح كالأنعام، ينساق خلف قائد القطيع بلا عقل ولا روية، وهذا ما نعاه الله تعالى على المشركين.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٧٠ ].

والملاحظ في هذه الآية أنها جاءت في سياق آيات من سورة البقرة تحذر من القدوة السيئة ومن تبعية السوء، فقبلها بخمس آيات كان الكلام عن اتخاذ الأنداد: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة: ١٦٥ ].

فهؤلاء الناس قدموا محبة الأنداد وطاعتهم على طاعة الله، ثم تلتها براءة التابع والمتبوع من بعضهما (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)[البقرة: ١٦٦].

وبعدها جاء الكلام عن الشيطان وسبل إغوائه للإنسان ليصرفه عن القدوة الصالحة (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ١٦٨ -١٦٩ ].

قال البيضاوي: «(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام» 50.

ثم عاد الكلام ليصرح بتبعية فاسدة أخرى هي تبعية الأبناء للآباء الضالين، واقتدائهم بهم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة: ١٧٠].

وذكر الشيطان في وسط الآيات التي تتكلم عن التبعية والولاء والبراء فيه إشارة إلى أن هذه القدوات الباطلة ما هي إلا اتباع لوساوس الشيطان، وأنها سوء وفحشاء، وأن الاقتداء بالضالين والمفسدين من الآباء وغيرهم فيه تعطيل للعقل والحواس، واقتداء بالشيطان الرجيم.

وجاء اقتران مقولة هؤلاء الكفرة في الاقتداء بالآباء مع ذكر الشيطان في آية أخرى.

قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[لقمان: ٢١].

وهذا يدل على أن الشيطان الرجيم يقف خلف تزيين القدوة السيئة للناس.

ومن الآيات التي نهت عن الاقتداء بالآباء في العبادات وسيء العادات:

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[المائدة: ١٠٤ ].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ )[هود: ١٠٩].

«ومما يروى من نوادر العامة أن رجلا كان له ابن، ولما أسن وعجز عن العمل أخذه ابنه ذاك وذهب به إلى فلاة من الأرض، فطرحه تحت شجرة وتركه هناك حتى هلك. فلما كبر هذا الابن وبلغ مبلغ أبيه كان له ابن له وهو لا يعلم بالقصة، فأخذه أيضًا وذهب به إلى الفلاة وطرحه تحت شجرة كما فعل هو بأبيه. فلما تولى عنه التفت إليه فرآه يبتسم. فتعجب من ذلك ورجع إليه وقال له: مم تضحك، وقد أيقنت بالهلاك؟ فقال له أبوه: والله ما ضحكت إلا إنني تذكرت ما فعلت بأبي، وقص عليه القصة. فقال الولد حينئذ: لئن أنا تركته حتى مات ليفعلن بي عقبي مثل هذا. فأخذه ورده إلى بيته» 51.

[انظر: الاتباع: الآباء الكافرون]

٤. الصحبة السيئة.

مضى المثل بقولهم: الصاحب ساحب، وهو كذلك فهو إما أن يسحب صاحبه إلى الجنة وإما أن يسحب صاحبه إلى النار، وعندها تقع الحسرة والندامة للتفريط في الصحبة الصالحة.

قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)[الفرقان: ٢٧ -٢٨ ].

فالواضح من الآية الكريمة أن الصاحب الفاسد هو سبب هلاكه ودخوله النار. وقد يكون الصاحب من غير أهل الإسلام! والنهي في حق هذا أشد، وفيه قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [آل عمران: ١١ ].

أي: بطانة من غيركم من أهل الأديان الأخرى، وبطانة الرجل هم خاصة صحبه الذين يطلعون على داخل أمره52 .

وحتى يتجنب المرء الصحبة الفاسدة عليه أن يتحرى في صاحبه صفات الصاحب الصالح إذ ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلا، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا.

أما العقل فهو رأس المال وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت قال علي رضي الله عنه:

فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه

فكم من جاهلٍ أردى حليمًا حين آخاه

يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه

وللشيء على الشيء مقاييسٌ وأشباه

وأما الفاسق المصر على الفسق فلا فائدة في صحبته؛ لأن من يخاف الله لا يصر على كبيرة؛ ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق بصداقته بل يتغير بتغير الأغراض.

قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨ ].

وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [طه: ١٦ ].

وفي مفهوم ذلك زجر عن الفاسق، وأما المبتدع، ففي صحبته خطر سراية البدعة وتعدي شؤمها إليه، فالمبتدع مستحق للهجر والمقاطعة فكيف تؤثر صحبته، ومما قاله عمر رضي الله عنه في الحث على طلب التدين في الصديق: واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين من القوم، ولا أمين إلا من خشي الله، فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى 53.

كما أن مشاهدة الفسق والفساق تهون أمر المعصية على القلب وتبطل نفرة القلب عنها، وأما الحريص على الدنيا فصحبته سم قاتل؛ لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء؛ بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه، فمجالسة الحريص على الدنيا تحرك الحرص، ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا، فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة54.

ولما أن كان للصحبة أثر كبير في اقتداء كل منهما بصاحبه تعددت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب اختيار الرفيق الصالح، والابتعاد عن رفيق السوء، ومن ذلك: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) 55.

إن الصحبة السيئة تجلب لصاحبها الشقاء السرمدي، فربما كان الإنسان مستقيمًا فيتعثر بصاحب السوء فيقلب له حياته رأسا على عقب، وتنقلب الطاعة إلى معصية، فلا يجد عند صاحب السوء إلا نار الدنيا قبل نار الآخرة، وما أجمل تشبيه النبي عليه الصلاة والسلام لصاحب السوء بكير الحداد الذي هو نار وحر ودخان في الدنيا ووباله في الآخرة كذلك، فعن أبي موسى، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك، أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثةً)56.

أهمية القدوة وآثارها

أولًا: أهمية القدوة:

مما لا شك فيه أن القدوة لها تأثير كبير في المقتدي، والمقتدى به، فالأول متابع للثاني إن أحسن أحسن متبعوه، وإن أساء أساء متبعوه، فهم على دربه سائرون، أما المقتدى به فهو أحد اثنين، إما أن يبهره جاهه بعد أن أصبح مطاعا متبعا مشهورا يحاكى من الآخرين فينتظرون قوله ويترقبون فعله، فإنه وقت إذ ربما يفتن عن دينه وينحرف في أخلاقه، وقد تزهو نفسه فينالها العجب بدلا من التواضع، ويصبح همه الظهور والقشور، وإما أن يزداد تواضعا وخوفا من الله وخشية، ويزيد في شكر الله عز وجل على ما سخر له من أمور الدنيا وقلوب العباد.

للقدوة الحسنة أهمية بالغة، فهي دعوة الصالحين الدائمة في كل صلاة يتوجهون فيها إلى الله عند قراءة أم الكتاب، وذلك حين يردد المؤمن طالبا الهداية من رب العالمين بقوله: (ﭧ ﭨ ﭩ) [الفاتحة: ٦].

إنه يريد طريق الهداية متأسيا ومقتديا فيمن هداهم الله الصراط المستقيم: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [ الفاتحة: ٧].

كلمات تغرس في قلب المؤمن وجوب القدوة الحسنة، مع كل صلاة بل مع كل ركعة يستفتح فيها بفاتحة الكتاب، وهو إذ يطلب من الله تعالى أن يرشده القدوة الحسنة يستعيذ به سبحانه من القدوة السيئة.

١. أهمية القدوة الحسنة57.

إن حاجة الناس إلى القدوة نابعة من غريزة كامنة في النفوس هي التقليد والمحاكاة. فقد فطر الناس على افتقاد القدوة والبحث عن الأسوة، ليكون لهم نبراسا يضيء سبيل الحق، ومثالا حيا يبين لهم كيف يطبقون شريعة الله، لذلك لم يكن لرسالات الله من وسيلة لتحقيقها على الأرض إلا إرسال الرسل، يبينون للناس ما أنزل الله من شريعة.

قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النحل: ٤٣-٤٤].

تعد القدوة الحسنة أفضل أساليب التربية وأقربها إلى النجاح، فالإنسان في طبعه يميل إلى التقليد والمحاكاة، فإذا كان المحاكي قدوة تأصلت في المقتدي الخلال الطيبة والخصال الكريمة والقيم الرفيعة.

إن صاحب القدوة يحقق بأسلوبه وسلوكه كل الأسس والأساليب والأهداف التي يرجى أن يقوم عليها نموذج المجتمع القدوة، لذلك بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم؛ ليكون قدوة حسنة (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)[الأحزاب:٢١].

فكان الرسول الكريم هاديا ومربيا بسلوكه الشخصي بالإضافة إلى الذكر الحكيم والسنة، وكان النبي ترجمة عملية حية لتعاليم وآداب القرآن، كما أن سيرة الصحابة والتابعين تعد نموذجا لتجسيد القدوة الحسنة للمجتمع المسلم.

ولا بد للناس من قدوة في مجتمعهم تجسد لهم شريعة الإسلام السمحة وتقاليده السامية؛ ليحملوا بصدق أمانة تربية الأجيال، ولا بد للمجتمع من قدوة فيمن يتولى أمره تتجسد فيه المبادئ الإسلامية فيتطلع المجتمع إليه ويسير على نهجه.

القدوة الحسنة في الإسلام هي لمن التزم بالمنهج الرباني، فنجاح الأثر التربوي للرسول عليه السلام يتوقف على الإيمان بأنه مؤيد بالوحي والإلهام من عند الله، فلا يقره الله على خطأ في التشريع، وأنه أمين قد بلغ رسالات ربه، فإذا تم هذا الإيمان شعر الإنسان بسعادة عظيمة كلما اقتدى بأمر من أوامر الرسول، أو أسلوب من أساليبه التربوية في الحياة، أما الفلاسفة والزعماء وعلماء التربية، فإنما يتبعون الظن، ويضعون النظريات 58، لذلك كان الأنبياء والرسل في كل عصر قدوة للناس.

أهم ميادين القدوة: الأسرة والمدرسة، لذلك كانت الأسرة محط نظر الإسلام كونها اللبنة الأولى لبناء المجتمع، فلا بد للطفل من قدوة في والديه وأسرته لتنطبع في نفسه المبادئ والقيم الإسلامية. ومما لا شك فيه أنه إذا وجد الطفل القدوة الحسنة في والديه وفي معلمه حذا حذوهم، وأصبح من الميسور تربيته طبقا لشريعة الإسلام، لقد ذكر لنا القرآن الكريم حرص الأبناء البررة على اتباع الآباء المخلصين، قال يوسف عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ) [يوسف: ٣٨].

وفي المقابل ذكر القرآن الكريم حرص الآباء المخلصين على هداية أبنائهم وإرشادهم كما جاء في بعض وصايا لقمان لابنه: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ) [لقمان: ١٧ ].

إن أهم الأسس النفسية لاتخاذ القدوة هو دافع التقليد: والتقليد أمر غريزي يتجلى في الرغبة الملحة التي تدفع الضعيف، والمرؤوس إلى محاكاة سلوك القوي والرئيس، كما تدفع غريزة الانقياد في القطيع جميع أفراده إلى اتباع قائده، واقتفاء أثره، ويرتقي التقليد بارتقاء المجتمع، حتى يبلغ في التربية الإسلامية ذروته من الوعي، والسمو والهدف النبيل، والتقليد يرتكز على ثلاثة عناصر:

أولها: الرغبة في المحاكاة والاقتداء، فالشخص المقلد مدفوع برغبة خفية لا يشعر بها، نحو محاكاة من يعجب به في لهجة الحديث، وأسلوب الحركة والمعاملة والكتابة، ومعظم عادات السلوك، دون أن يقصد، وهذا التقليد غير المقصود لا يقتصر على حسنات السلوك، بل قد يتعداها إلى غيرها، فالشخص المتأثر يتقمص، عن طريق لا شعوري، شخصية المؤثر كلها أو جلها، ولذلك كان من الخطورة بمكان ظهور المساوئ في سلوك القدوة؛ لأنه بذلك يحمل وزر من يقلده فيها. لذلك نبه القرآن الآباء إلى أن الاستمتاع بالأطفال، والحنان والعطف عليهم، يجب ألا يشغلهم عن أن يكونوا قدوة صالحة لهم، فقال في وصف عباد الرحمن: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الفرقان: ٧٤].

فوصف عباد الرحمن بأنهم يرغبون في أن تقر أعينهم بالزواج والولد، كما يرغبون في أن يكونوا قدوة وإماما، كما نبه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم البشرية عمومًا إلى ما يتحمله كل من يؤثر في سلوك الآخرين، من النتائج حين يقلدونه بخير أو شر، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو عمر، وجرير بن عبد الله: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). وقد كان سبب ورود الحديث أنه جاء قوم مجتابي النمار يبدو عليهم الفقر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة ليتصدقوا فلم يتقدم أحد، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة، حتى قال صحابي: فجاء بوسق من تمر، ثم قلده الصحابة، فتتابعوا يجلبون مما عندهم فذكر الحديث.

الثاني: الاستعداد للتقليد: في كل مرحلة من العمر استعدادات، وطاقات محدودة لذلك لم يأمر الإسلام الأطفال بالصلاة قبل سبع سنين، ولا يمنع ذلك من ترك الطفل يقلد أبويه بحركات الصلاة قبل أن يبلغ سبع سنين، ولكن لا يؤمر بكل أذكارها. وعلى العموم يجب أن نحسب حسابا لاستعداد الطفل، وطاقاته عندما نطلب منه تقليد أحد أو الاقتداء به. ومن الظروف التي تهب الناس عموما استعدادا للتقليد، والأزمات والآلام الاجتماعية والكوارث، هناك يخرج المجتمع مهيض الجناح، فيفتقد القائد القدوة ليجد فيه أبا عطوفا، وبطلا منقذا يحاكيه الناس في كل سلوك من حياته النفسية والاجتماعية، وفي آرائه وأفكاره ومن تلك الأسباب: الشعور بالضعف أمام القوة، فالمغلوب يقلد غالبه بعد أن يستكين ويخضع لحكمه، والمرؤوس يقلد رئيسه والطفل يقلد أباه، وقد نبه ابن خلدون على هذا المبدأ في مقدمته، وذكر أدلة ووقائع تاريخية على ذلك، بيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة هذا التقليد إذا كان بغير هدف، وكأنه انكشف له حجب الغيب، فتوقع الضعف الذي سينزل بهذه الأمة، فقال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع).

الثالث: الهدف. لكل تقليد هدف قد يكون معروفا لدى المقلد وقد لا يكون، والهدف الحيوي «الغامض» الأول من غريزة التقليد، والانقياد لدى الأطفال، والجماعات هو غرض دفاعي، إنه الدفاع عن الكيان الفردي وكأنه انضواء في ظل الشخص القوي المرموق، يقلده شخص أضعف منه، لعله يستمد من هذا التقليد قوة وبأسا، من جنس قوة الشخص الذي حاز إعجابه فراح يحاكيه في كل شيء. فإذا ارتقى الوعي عند المقلد، عرف الهدف من التقليد، فأصبح هذا التقليد عملية فكرية، يمزج فيها بين الوعي والانتماء، والمحاكاة والاعتزاز، ويصبح لهذا بصيرة أي: معرفة بالغاية والأسلوب، وفي هذا المعنى يقول الله تبارك وتعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف: ١٠٨].

إن غياب القدوة الحسنة مدعاة لظهور الفساد والانحلال والبعد عن المنهج الحق. إن القدوة ترجمة عملية واقعية للمبادئ والأفكار تستطيع أن تجمع الناس حول المثل الأعلى، ولذا حين تفتقد المثل الأعلى، ويصبح الناس فرقا وجماعات ومذاهب، فيفقدون إرادة الفعل ويغرقون في التناطح، ويتترسون خلف متاريس الفكر، كل يحاول الانتصار لفكرته بالكلام والتراشق بالاتهامات، والتعصب الأعمى القائم على التقليد الأعمى59.

إن مجتمعاتنا تشكو من فقر خلقي وعلمي وحضاري، وما ذلك إلا نتيجة لافتقادها للقدوة الصالحة ولو صحت عزائم الناس والعلماء منهم خاصة لأصبح كل واحد منهم قدوة حسنة في مجاله- فهو يملك مقوماتها- ولتحولت الأفكار والمبادئ إلى فعاليات سلوكية صحيحة، وهذا ما نحتاجه فعلا، ولكن- وللأسف- ما زلنا نعيش مرحلة اجترار المبادئ والأفكار بدون فعالية، فنحن في أمس الحاجة إلى القدوة الصالحة بكافة أشكالها وبشروطها السابقة، ويوم أن توجد تلك القدوة نستطيع أن نمتلك الفعالية، وننتج الحضارة، ويكون لنا مكاننا العالمي عطاء وإبداعا60.

فنحن في هذا الزمان بحاجة ماسة إلى دعاة مخلصين صادقين يغلبون هم الدين على المصالح الشخصية والأهواء. فأمثال هؤلاء الذين يوافق قولهم فعلهم طريقهم سهلة إلى قلوب الناس، وهم على اقتدار أن يحدثوا فيها التغير.

٢. مقومات القدوة الحسنة المؤثرة.

وهي تشمل:

  1. إن القدوة الصالحة تجعل المسلم على اتصال دائم بالخالق عز وجل؛ لأنه يذكره بالطاعة والإخلاص في النية والعمل، وإذا تمكن الإخلاص من القلب أصبح الإنسان يبتغي مرضاة الله ورضوانه في كل عمل يقوم به، ويجعل الله رقيبًا عليه في حركاته وسكناته، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [ق:١٦].
  2. القدوة الصالحة تربي الشخصية المسلمة القوية ذات الشكيمة والإرادة الحديدية؛ لأنها تنشئ في روح الفرد العزة والكرامة ورفض الظلم والاحتلال، فلا تلين له قناة أمام الطغاة والمتجبرين؛ لأنه يعتز بقدوته التي جاءت بكل ما تملك من أجل تحقيق معاني الخير للمجتمع، فقدمت النفس والمال والنفيس في سبيل الله.
  3. تنمي القدوة الحسنة الفضائل والأخلاق الحميدة في نفوس الأفراد، ويتضح ذلك من خلال حديثنا عن صفات القدوة الحسنة حيث وجدناها تتصف بصفات أخلاقية وقيم عليا إذا تحققت في الفرد المسلم أصبح في قمة سامقة ينظر نظرة إنسانية إلى جميع القضايا التي تواجه الناس جميعًا.
  4. القدوة الحسنة تشحن الأفراد بالتقوى ومعرفة الله وتعزز في نفوسهم الثقة والأمل بالمستقل المستمد من نصر الله وثوابه للمؤمنين، فينطلق المؤمن بشحنات إيمانية مستمدة من قادته وقدواته يدفعه إلى فعل الخير والبر والإحسان وبالمقابل محاربة الفساد والمنكر وكل ضارٍّ في المجتمع.
  5. التربية بالقدوة تعمل عملها في تكوين الإنسان الصالح الذي يظهر عليه ملامح التقوى والخشوع والحياء، وهو المؤمن القوي الذي لا يدخل الوهن إلى قلبه، الإنسان الذي يحب لأخيه كما يحب لنفسه الحب الخالص الذي لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا ولا يهدف إلا لكسب الحب في الله سبحانه 62.
  6. الاقتداء بالقدوة الصالحة ينشئ التوازن والاعتدال في سلوك الأفراد وشعوره؛ لأن طاقته في ظل المنهج الرباني كلها تعمل وتأخذ نصيبها من الحياة بحيث يصبح قوة فاعلة في المجتمع، فهو إيجابي واجتماعي حريص على مصلحة مجتمعه 63.
  7. ومن آثار القدوة الصالحة أنه يبصرك بعيوبك ويرشدك إلى الأسلوب الأمثل في التخلص منها، من خلال مقارنة أعمالك وسلوكك بما عليه قدوتك الصالح فتتأسى به وتصلح تلك العيوب.
  8. ومنها أن القدوة الصالح يعلم الإنسان ويرشده إلى فعل الخيرات، فيدلك على أمور واجبة كنت غافلًا عنها أو متكاسلًا عن أدائها، ويشجعك على المشاركة في مشروعات الخير والبر والإحسان.
  9. إن القدوة الصالحة سببٌ في دخول الإنسان ضمن الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون يوم القيامة، وهي ضمانٌ لاستمرار الصحبة، قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الزخرف: ٦٧-٦٨].

    وإذا كانت التربية بالقدوة لها الدور الكبير في إعداد الفرد الصالح، فإن ذلك يؤدي إلى النجاح في تكوين المجتمع الصالح؛ لأن الفرد نواة الأسرة، والأسرة هي نواة المجتمع، وبذلك نستطيع حصر هذه الآثار في الآتي64:

    • إن القدوة الحسنة لا يعيش مشغولًا بذاته بل يمد يديه بالخير والعون ويعطي إلى المجتمع ما يزيده أمنًا وسلامًا؛ لأنه يعرف معنى الإنسانية ويدرك مسئوليات الأخوة في المجتمع، قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة:٢].
    • التربية بالقدوة تعمل على توحيد المجتمع الإسلامي بحيث يعمل أعضاؤه في بوتقة واحدة متضامنة في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا مطلب تربوي. إحياء المنهج الإسلامي من خلال جعل المسلمين جسمًا واحدًا يشعر الجميع بشعور واحد، قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [التوبة:٧١].
    • إن التربية بالقدوة تغرس الروح الجماعية في قلب الفرد المسلم من خلال أن الجميع يقتدون بقدوتهم الذي هو المثال الحي في البذل والعطاء والتضحية والفداء، وعندما أحب الناس القدوة الأول محمد صلى الله عليه وسلم قام المجتمع الإسلامي الفريد، مجتمع البذل والعطاء، مجتمع كل فرد فيه يشكل أمة؛ لأنه تربى على الينبوع الأساسي القرآن الكريم وأخذ منه توجيهاته الربانية.
    • التربية بالقدوة تعمل على تربية الناس خلقيًا وروحيًا وتربطهم بالله رب العالمين، كما أنها تقوي المجتمع من الناحية الإرادية؛ لأن الجميع تربى على الصبر والمصابرة وتحمل الصعاب من أجل المبدأ والفكر الذي آمن به.

      وعند النظر في واقع أمتنا، وفي الآيات التي تحدثت عن الاتباع والقدوة بشقيها، نجد أن أهم عوامل غياب القدوة الحسنة يتجلى في الآتي:

    1. قلة وجود القدوة الحقيقية الصالحة القادرة على كسب قلوب الناس في المجتمع بشكل عام.
    2. الانشغال بلذات الدنيا، ومتاعها الزائل.
    3. طول الأمل وعدم التفكير بالموت وسنن الحياة في مداولة الأيام بين الناس، وأن الدوام لله وحده.
    4. الغفلة عن نعيم الجنة لمن اقتدى بهدي الأنبياء.
    5. الغفلة عن عذاب النار لمن اقتدى بأئمة الكفر والضلال.
    6. غياب الجانب التوعوي في أهمية القدوة الحسنة على الفرد والمجتمع في الدنيا.
    7. عدم إدراك مخاطر القدوة السيئة على الفرد والمجتمع.
    8. غياب الشعور برقابة الله الدائمة على أعمال الإنسان.
    9. غياب الإعلام الإسلامي الهادف الذي يؤسس للقدوة الحسنة.
    10. متابعة الفضائيات والمسلسلات التي تبث القيم الهابطة.
    11. تعلق الناس كثيرا بالمظاهر والنفاق الاجتماعي.
    12. ضعف القدوة في مجالات الحياة المختلفة، الأب على أبنائه، المعلم على طلابه، البائع في تجارته، المدير في دائرته.
    13. انشغال المرء بنفسه، وعدم تنبيه وتبصير الآخرين بعيوبهم.
    14. غياب فكرة وحدة الأمة والجسد الواحد في التآخي والتناصح.
    15. الانبهار بالحضارة الغربية والشعور بالدونية، مما يجعل الاقتداء بالغرب أكثر من التفتيش عن القدوة في مجتمعاتنا.
    16. تولي الرويبضة -الذي ربض عن المعالي وقعد عن طلبها- في قيادة المسلمين وتولي أمورهم في كثير من شؤون حياتهم.
    17. عدم الإلمام بسيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، حتى إنني أسأل طلابي في مدرجات يزيد عدد طلابها عن المائة والخمسين عن أسرة النبي عليه السلام عن أبنائه وبناته فلا يكاد يجيب إلا القليل.
    18. تشويه صورة التاريخ الإسلامي، وصورة الخلفاء وقادة الحروب.

      نماذج من القدوة في القرآن

      إن النماذج التي عرضها القرآن للقدوة الحسنة وللقدوة السيئة كثيرة، وكان عرض الصور الحسنة منها للحث على الاقتداء بها، وفي المقابل كان عرض الصور السيئة للتحذير من الاقتداء بها والسير على طريقها، وسيتم عرض الموضوع في النقاط الآتية:

      أولًا: نماذج من القدوة الحسنة في القرآن الكريم ومعالم الاقتداء بهم:

      ١. إبراهيم عليه السلام.

      قال الله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النحل: ١٢٠ - ١٢٢ ].

      ومعنى «كان أمة»، أي: إمامًا في الخير يقتدى به، ويتبع عليه65.

      قال ابن قتيبة: «أي: إماما يقتدي به الناس، لأنه ومن اتبعه أمة، فسمي أمة لأنه سبب الاجتماع.

      وقد يجوز أن يكون سمي أمة: لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون مثله في أمة. ومن هذا يقال: فلان أمة وحده، أي: هو يقوم مقام أمة» 66.

      والأمة من (أم)، أصلها في جميع تصريفاتها من القصد، يقال: أممت الشيء إذا قصدته، فمعنى الأمة في القرن من الناس: الذين يقصدهم مقصدًا واحدًا، ومعنى الأمة في الدين: إنما هو الشيء الذي يقصده الخلق ويطلبونه؛ ولذلك سميت النعمة أمة، ومعنى الأمة في الرجل: الذي لا نظير له: أن قصده منفرد من قصد سائر الناس67.

      وهو متميز ومنفرد عن غيره، وقد جاز تسمية الواحد باسم الجماعة لاجتماع أخلاق الخير الذي يكون في الجماعة المفرقة فيمن سماه بـ «الأمة»، كما يقال: «فلان أمة وحده»، أي: أنه بمفرده يقوم مقام الأمة68.

      وقد أمر رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بإبراهيم واتباع ملته.

      قال الله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ١٢٣].

      بل إن الدعوة للاقتداء بإبراهيم عليه السلام لم تكن لمحمد عليه السلام وحدة بل كانت للناس جميعا بما فيهم عبدة الأوثان من العرب، قال الرازي عند قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة: ١٣٠].

      «فكأنه تعالى قال للعرب إن كنتم مقلدين لآبائكم على ما هو قولكم: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ) [الزخرف: ٢٣].

      ومعلوم أن أشرف آبائكم وأجلهم قدرا هو إبراهيم عليه السلام فقلدوه في ترك عبادة الأوثان وإن كنتم من المستدلين فانظروا في هذه الدلائل التي ذكرها إبراهيم عليه السلام لتعرفوا فساد عبادة الأوثان وبالجملة فاتبعوا إبراهيم إما تقليدا وإما استدلالا» 69.

      ومجالات القدوة بإبراهيم عليه السلام كثيرة جدا قال الفيروزآبادي: «وقد ذكر الله سبحانه إبراهيم بالتعريض والتصريح في كتابه بخمسين اسمًا»70.

      ومن الأسماء التي أوردها مع دليلها من القرآن الكريم:

      • المبتلى بقوله: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[البقرة: ١٢٤ ].
      • والإمام بقوله: ( ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)[البقرة: ١٢٤].
      • والمطهر بقوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[الحج: ٢٦].
      • والحنيف والمسلم بقوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[آل عمران: ٦٧].
      • والصالح بقوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)[البقرة: ١٣٠].
      • والحليم، والأواه، والمنيب بقوله: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)[هود: ٧٥ ].

        وكثير مما ذكره الفيروزآبادي يصلح للاقتداء بإبراهيم عليه السلام، أذكر منه أنه عليه الصلاة والسلام كان:

      1. قانتا لله.

        وهي الصفة الأولى التي تلت وصفه بأنه كان أمة، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ). وقانتًا تعني أنه عليه السلام كان مطيعا لله، أوهو القائم بأوامر الله71.

      2. حنيفًا.

        أي: «مائلًا إلى ملة الإسلام ميلًا لا يزول عنه، وقيل حنيفًا: مستقيمًا على دين الإسلام. وقيل: مخلصًا»72.

      3. شاكرًا لأنعم الله.

        قال الله تعالى: (ﭱ ﭲ) يعني: أنه كان شاكرا لله على نعمه العظيمة التي أنعم بها عليه، فقد اجتباه ربه، أي: اختاره لنبوته واصطفاه لخلته وهداه إلى دين الإسلام؛ لأنه الصراط المستقيم والدين القويم73.

      4. أوَّاهًا.

        تعددت أقوال المفسرين في معنى الأواه: فعن ابن مسعودٍ، أن: الأواه: الرحيم، وعن ابن عباسٍ، ومجاهدٍ، أنه الموقن74.

        وأخرج الطبري عن جماعة أن الأواه هو كثير الدعاء75 وأخرج عن ابن عباس قوله: «إن إبراهيم لأواه»، يعني: المؤمن التواب76. وذكر الرازي أنه الخاشع المتضرع، وقال: «واعلم أن اشتقاق الأواه من قول الرجل عند شدة حزنه أوه، والسبب فيه أن عند الحزن يختنق الروح القلبي في داخل القلب ويشتد حرقه، فالإنسان يخرج ذلك النفس المحترق من القلب ليخفف بعض ما به هذا هو الأصل في اشتقاق هذا اللفظ»77.

        ولخص ابن عاشور المعنى بقوله: إن الآية ثناء على إبراهيم. ولأواه يرجع إلى الشفقة إما على النفس فتفيد الضراعة إلى الله والاستغفار، وإما على الناس فتفيد الرحمة بهم والدعاء لهم.78

      5. حليمًا.

        قال الله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ١١٤].

        وقال الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [هود: ٧٥].

        «والحليم: صاحب الحلم. والحلم- بكسر الحاء-: صفة في النفس وهي رجاحة العقل وثباتة ورصانة وتباعد عن العدوان. فهو صفة تقتضي هذه الأمور، ويجمعها عدم القسوة. ولا تنافي الانتصار للحق لكن بدون تجاوز للقدر المشروع في الشرائع أو عند ذوي العقول»79.

        ومن أوائل من اقتدى بحلمه ابنه إسماعيل عليه السلام، وأي حلم يكون أعظم من ولد حين عرض عليه أبوه الذبح (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الصافات: ١٠٢].

        ثم استسلم لذلك، فتبين أن ولده موصوف بالحلم، وأنه قائم مقامه في صفات الشرف والفضيلة80.

        وقد ذكر أهل التفسير في إتباع (لأواه) بوصف (حليم) والعكس، أي التقديم والتأخير بين اللفظين

        أنه لموافقة الفواصل، أو للروي في السورتين81.

      6. كريمًا.

        قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[الحجر:٥١].

        وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الذاريات: ٢٤ ].

        جمعت هذه الآيات آداب وكرم الضيافة التي هي من أعظم وأشرف الآداب، وقد توسع الإمام ابن القيم رحمه الله في الكلام على آداب الضيافة لإبراهيم في هذه الآيات، فذكر لإبراهيم خمس عشرة منقبة في كرم الضيافة، وتابعه ابن كثير في إيراد معظمها، وهي تدل على آداب الضيافة؛ فإنه عليه السلام جاء بطعامه من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولا فقال: «نأتيكم بطعام؟» بل جاء به بسرعة وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتي سمين مشوي، فقربه إليهم، ولم يقربهم إليه، بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال: (ألا تأكلون) على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل اليوم: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق، فافعل82.

      7. صابرًا.

        لقد ابتلي إبراهيم عليه السلام ابتلاءات عظيمة فصبر وشكر.

        قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ١٢٤].

        قال ابن جرير: «وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم، اختبارا بفرائض فرضها عليه، وأمر أمره به. وذلك هو«الكلمات» التي أوحاهن إليه، وكلفه العمل بهن، امتحانا منه له واختبارا»83. وقال الحسن: «ابتلاه بذبح ولده، وبالنار، والكواكب، والشمس والقمر»84.
        وقد كان إبراهيم عليه السلام معلما للصابرين ومنارا للمقتدين، ولأجل ذلك أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالاقتداء به في مجال الصبر، قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[الأحقاف: ٣٥].

      8. متلطفا وبارا بوالده المشرك.

        قص القرآن الكريم تلطف إبراهيم مع أبيه المشرك ومحاولاته المتكررة لهدايته إلى سواء السبيل رغم قسوة قلب أبيه وغلظته، وكان يخاطبه بأسلوب فيه تحبب وشفقة ومحبة: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)[مريم: ٤٣ ].

        ومع إظهار إبراهيم الخوف على أبيه من النار إلا أنه لم يجد من أبيه إلا القسوة والغلظة، فكان جواب والده له: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[مريم: ٤٦ -٤٧].

        وكان إبراهيم عليه السلام يستغفر له ما دام أبوه حيًا، وكان يرجو أن يهديه الله عز وجل، فلما مات كافرًا، ترك الاستغفار له85.

        وكذا شأن المؤمن فعليه أن يقتدي بإبراهيم عليه السلام في الحرص على دعوة أهل بيته وعشيرته الأقربين، فهم أولى الناس بدعوته.

      9. سليم القلب.

        إن صفاء القلب وسلامة السريرة من أهم المعالم في الاقتداء، وكذا كان إبراهيم عليه السلام.

        قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[الصافات: ٨٣ - ٨٤ ].

        الشيعة من معنى المشايعة، يعنى: وإن ممن شايع نوحا على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإبراهيم86.

        وقوله بقلبٍ سليمٍ: أي خالص من الشرك والمعاصي، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين87.

      10. محاورًا ومربيًا لأبنائه.

        ساق القرآن الكريم حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل في أحلك الظروف، إنه يعرض عليه همه بذبحه بأسلوب فيه تلطف: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الصافات: ١٠٢ ].

        أراد إبراهيم أن يشرك ولده معه في تنفيذ أمر الله تعالى، قائلا له: (فانظر ماذا ترى) «لم يشاوره ليرجع إلى رأيه وإنما شاوره ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى وليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ويثبت قدمه ويصبره إن جزع ويراجع نفسه ويوطنها ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله»88.

        وحري بالآباء أن يقتدوا بإبراهيم في محاورة أبنائهم في شؤون حياتهم، وأن تكون العلاقة بينهم وبين أبنائهم قائمة على الحوار البناء.

        قال ثم إن إبراهيم عليه السلام دائم الدعاء لربه أن يحفظ له ذريته من الغواية والضلال.

        قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[البقرة: ١٢٤ ].

        وقال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[إبراهيم: ٣٧].

        ليقيموا الصلاة يعني: وفقهم ليتموا الصلاة، وإنما ذكر الصلاة خاصة؛ لأن الصلاة أولى العبادات وأفضلها89.

        وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [إبراهيم: ٤٠ ].

        وعلى الآباء في هذا المقام أن يتعلموا من إبراهيم دوام الدعاء لأبنائهم في كل فرصة وخلوة.

      11. محاورًا في دعوة الكفار إلى الإله الحق.

        ذكر القرآن الكريم نماذج من حوار إبراهيم عليه السلام مع المشركين من قومه، وفيها دروس وعبر لمن أراد أن يسلك طريق الدعاة في كل عصر وزمان، ومن ذلك: حواره مع قومه بشأن الإله الحق.

        قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[البقرة: ٢٥ ].

        وقال تعالى: (ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ)[الأنعام: ٨٠].

        وحواره معهم بشأن تحطيم الأصنام، قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الأنبياء: ٦٣].

      12. شجاعًا ومفاصلًا في العقيدة.

        لم يكن إبراهيم عليه السلام جبانا ولا خوافا بل اتصف بالشجاعة رغم انعدام النصير من الناس، فقد خذله في دعوته أقرب المقربين إليه، وكان يتحدى بمفرده ويعلن البراء من الشرك وعبادة الأوثان، ويعلنه لقومه بكل صراحة ووضوح: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ)

        [الأنبياء: ٦٧ ].

        وأعلن البراء من الأوثان: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الزخرف: ٢٦ ].

        وتجاوز القول إلى الفعل فكان فردا عن أمة يتهدد ويتوعد أصنامهم: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)[الأنبياء: ٥٧ ].

        إنها دروس في الشجاعة وقول الحق بلا خوف ولا وجل.

        ومعالم الاقتداء بإبراهيم عليه السلام كثيرة جدا، وهي تتجلى بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالاقتداء بأبيه إبراهيم، فكان نعم المقتدي لخير مقتدى، فحاز أخلاق القرآن كلها.

        ٢. ذو القرنين.

        ورد في شأن ذي القرنين روايات إسرائيلية كثيرة، والأصح الذي عليه الأكثرون أنه كان ملكا قويا صالحا عادلا، وأن ملكه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال والجنوب، وهذا هو القدر المعمور من الأرض90.

        قال مجاهد: «ملك الأرض أربعة: اثنان مؤمنان واثنان كافران. أما المؤمنان: فسليمان بن داود وذو القرنين، وأما الكافران: فالنمرود بن كنعان وبختنصر»91.

        إن ذا القرنين مثال للشباب المثابر في الجد والاجتهاد، في الصبر والمصابرة، في الجلد والقوة، في العلم والحكمة، فقد ذكر بعض المفسرين أنه كان في حدود العشرين من عمره92.

        مجالات الاقتداء بذي القرنين كثيرة، منها:

      1. عدم الفتنة بالملك.

        فقد أنعم الله تعالى على ذي القرنين بملك عظيم.

        قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الكهف: ٨٤ - ٨٦].

        فظاهر الآية يشير إلى أن الله تعالى مكن له في الأرض، فأعطاه سلطانا وطيد الدعائم ويسر له أسباب الحكم والفتح. وأسباب البناء والعمران، وأسباب السلطان والمتاع وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة 93. وهو مع ذلك لم يفتتن بملكه ولم يصب بالبطر والغرور وسائر أمراض القلوب، بل ظل متذكرا للآخرة راجيا رحمة ربه.

      2. إقامة العدل بين الناس.

        كان عادلًا بين الناس بما يحقق لهم الأمن والاستقرار.

        قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[الكهف: ٨٧ - ٨٨].

        لقد أعلن أن للمعتدين الظالمين عذابه الدنيوي وعقابه، ثم ذكرهم بعذاب الله الذي لا نظير له فيما يعرفه البشر. أما المؤمنون الصالحون فلهم الجزاء الحسن، والمعاملة الطيبة، والتكريم والمعونة والتيسير94.

        لقد كان ذو القرنين يعامل المحسن بإحسانه والمسيء بقدر إساءته فما حكي نهاية في العدل وغاية الإنصاف95.

        وهذا هو دستور الحكم الصالح. فالمؤمن الصالح ينبغي أن يجد الكرامة والتيسير والجزاء الحسن عند الحاكم.

        والمعتدي الظالم يجب أن يلقى العذاب والإيذاء، وحين يجد المحسن في الجماعة جزاء إحسانه جزاءً حسنًا ومكانًا كريمًا وعونًا وتيسيرًا، ويجد المعتدي جزاء إفساده عقوبة وإهانة وجفوة عندئذ يجد الناس أن عدل الحاكم يحفز الرعية إلى الصلاح والإنتاج. أما حين يضطرب ميزان الحكم فإذا المعتدون المفسدون مقربون إلى الحاكم مقدمون في الدولة، وإذا العاملون الصالحون منبوذون أو محاربون.

        فعندئذ تتحول السلطة في يد الحاكم سوط عذاب وأداة إفساد. ويصير نظام الجماعة إلى الفوضى والفساد96.

        ولرفع الهمم يذكر ذو القرنين المحسنين بجزاءين: أخروي: (ﮌ ﮍ ﮎ) وهو بذلك يربطهم بالعقيدة. ودنيوي: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) وهو بذلك يقيم فيهم الشريعة، وهذا تمام العدل.

        وقد ذكر المفسرون أن الحسنى: الجنة، والقول اليسر أي: الخير، أو المعروف، أو القول الجميل97.

      3. التواضع وعدم التكبر.

        إن مجرد خطاب الناس له بـ (ﯥ ﯦ) [الكهف: ٩٤ ].

        يشير إلى تواضعه بين الناس، وأنه لا يفرض عليهم ألقابًا يحبها كل من ملك.

        فذو القرنين يعد النموذج الطيب للحاكم الصالح الذي يمكنه الله في الأرض، وييسر له الأسباب فيجتاح الأرض شرقا وغربا ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر، ولا يطغى ولا يتبطر، ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان، ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به، ثم هو بعد ذلك يرجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله، ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته، وأنه راجع إلى الله98.

      4. الاستعفاف عما في أيدي الناس.

        فعندما عرض القوم على ذي القرنين المال مقابل حمايتهم من بطش يأجوج ومأجوج لم يستغل ضعفهم وحاجتهم، بل استغنى بما آتاه الله.

        قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[الكهف: ٩٤ - ٩٥ ].

        أي: ما قواني به ربي خير من جعلكم () يعني: لا أريد منكم المال، بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)أي: سدًّا99.

        قال السعدي: «فلم يكن ذو القرنين ذا طمع، ولا رغبة في الدنيا، ولا تاركًا لإصلاح أحوال الرعية، بل كان قصده الإصلاح؛ فلذلك أجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجرة، وشكر ربه على تمكينه واقتداره»100.

        إن من يستغني عما في أيد الناس يحبه الناس، وحتما سيكونون له عونًا وسندًا.

      5. إشراك الناس معه في القيام بالأعمال.

        قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الكهف:٩٥].

        أي: ما قواني عليه ربي خير من جعلكم، فأعينوني بأبدانكم وقوتكم، أجعل بينكم وبينهم ردما، والقوة التي طلبها منهم: فعلة وصناع يحسنون البناء والعمل101.

        فلم يعمل ذو القرنين لهم ذلك الردم، ولكن علمهم كيف يصنعون الردم، وذلك حتى لا يعيشوا مع الإحساس بالعجز102.

      6. العلم، والقوة، والإصلاح، والإشراف على العمل بنفسه، وعدم الاتكال على الغير.

        تظهر قوته من تمكين الله له في الأرض، ويتجلى إصلاحه بين الناس في إقامة الحق، ومحاربة المفسدين، وبناء السد، وأما العلم فتجليه الآية الكريمة: (ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ)[الكهف: ٩٦ ].

        إن صناعة الفولاذ الذي أشارت إليه عمل فريد أشرف عليه ذو القرنين بنفسه فقد «قال للعملة: انفخوا بالكيران فى زبر الحديد التي وضعت بين الصدفين ففعلوا، ومازالوا كذلك حتى صارت كالنار اشتعالا وتوهجا، فصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه ببعض، وسد الفجوات التي بين الحديد وصار جبلا صلدًا»103.

        «وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في تقوية الحديد فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته. وكان هذا الذي هدى الله إليه ذا القرنين، وسجله في كتابه الخالد سبقا للعلم البشري الحديث بقرون لا يعلم عددها إلا الله»104.

        وتظهر حكمة ذي القرنين في التعامل مع متطلبات المرحلة، فمن العجيب أن القرآن عندما يحكي أمرًا فهو لا يحكيه إلا لهدف، فهم طلبوا من ذي القرنين أن يبني سدًّا، لكنه اقترح أن يجعل لهم ردمًا، وثمة فرق بين الردم والسد، لقد تبين من العلم الحديث أن السد قد تحدث له هزة من أي جانب فينهدم كله، أما الردم فإن حدثت له هزة يزدد تماسكًا105.

      7. الشكر لأنعم الله.

        يعترف ذو القرنين بالفضل لله عز وجل قائلا:(ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)[الكهف: ٩٨ ].

        أي: هذا السد والاقتدار والتمكين من تسويته نعمة من الله ورحمة على عباده106.

        ويتعلم المرء من هذا الشكر لأنعم الله، فبالشكر تدوم النعم، وبالجحود والكفران تنزل النقم.

        ٣. امرأة فرعون.

        ضرب الله تعالى بها مثلا للذين آمنوا، وما ضرب المثل بالصالحين في القرآن الكريم إلا لأخذ العبرة والعظة والتأسي والاقتداء الحسن (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[التحريم:١١].

        وامرأة فرعون هي آسية بنت مزاحم ذكرها الله في مجال القدوة والأسوة لغيرها: «قال يحيى بن سلام: قوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب لهما مثلا بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران؛ ترغيبًا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين»107.

        ومن معالم الاقتداء بها:

      1. الصبر على البلاء، والثبات على المنهج.

        قال المفسرون: كانت تعذب في الله لأجل إيمانها108.

      2. التضرع إلى الله وقت الشدائد.

        فقد وصفها الله بالإيمان والتضرع لربها، وكان سؤالها لربها من أجل المطالب، وهو دخول الجنة، ومجاورة الرب الكريم، وسؤالها أن ينجيها الله من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة، ومن فتنة كل ظالم، فاستجاب الله لها، فعاشت في إيمان كامل، وثبات تام، ونجاة من الفتن109.

        ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران)110. وقولها: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)«قال العلماء: اختارت الجار قبل الدار»111.

      3. إنكار المنكر والتبرؤ من الكفر والضلال.

        إن امرأة فرعون، لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه في قصر فرعون وحدها عن التبرؤ من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتا في الجنة. وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه. وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)112.

        قال ابن كثير: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) «أي: خلصني منه، فإني أبرأ إليك من عمله»113.

      4. الترفع عن متاع الدنيا.

        ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صوره. فقد كان فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ، وكانت امرأته في قصر هو أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي، ولكنها استعلت على هذا بالإيمان. ولم تعرض عن هذا العرض فحسب، بل اعتبرته شرا ودنسا وبلاء تستعيذ بالله منه، وتتفلت من عقابيله، وتطلب النجاة منه114.

      5. قوة شخصية المرأة.

        وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية وهذا فضل آخر عظيم. فالمرأة أشد شعورا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته. ولكن هذه المرأة وحدها في وسط ضغط المجتمع، وضغط القصر، وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي، وهي نموذج عال في التجرد لله من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر، وكل هذه المعوقات، وكل هذه الهواتف. ومن ثم استحقت هذه الإشارة في كتاب الله الخالد. الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى115.

      6. العطف والرحمة.

        (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ) [القصص: ٩].

        عن قتادة (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته116.

      7. الإخلاص والتوقير للزوج.

        ففي قولها لزوجها: ()فخاطبت المفرد بلفظ الجمع تعظيم لزوجها ولمقامه الملكي. ويستفاد إخلاص آسية بنت مزاحم لزوجها من قولها له: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) فهي لم تنظر لمصلحتها فحسب في رعاية الطفل بل نظرت لمصلحة زوجها أيضا، وكان هذا قبل إيمانها وقبل أن تتبرأ من زوجها وعمله.

        وذكر بعض المفسرين117 أن التي قالت: (لا تقتلوه) غير امرأة فرعون التي آمنت بموسى عليه السلام، غير أن الطبري أورد روايات متعددة أن التي أشارت إلى تبنيه هي آسية بنت مزاحم118.

        ثانيًا: نماذج من القدوة السيئة في القرآن الكريم ومعالم الاقتداء بهم:

        ١. فرعون.

        ورد ذكر فرعون في القرآن الكريم أربعا وسبعين مرة، ولم يكن ذكره لمجرد سرد القصص بل كان لأخذ العبرة والعظة والتحذير من السير على طريقه في الظلم والاستبداد والكبر والغرور، وللإشارة إلى أن السير في هذا الدرب مصيره الهلاك والخسران، حتى إن الله تعالى نجى بدنه بعد إهلاكه ليكون عبرة لكل من اقتدى به، ﭧ ﭨ (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يونس: ٩٢ ].

        يعني: عبرة وموعظة، فأظهره الله لهم حتى يشاهدوه وهو ميت فيعتبروا به؛ لأنه كان في غاية العظمة فصار إلى نهاية الخسة والذلة ملقى على الأرض لا يهابه أحد119.

        وذكر بعض المفسرين عند قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) لمن وراءك من الناس علامة، وهم بنو إسرائيل، أو لمن يأتي بعدك من القرون، ومعنى كونه آية أن يظهر للناس عبوديته، وأن ما كان يدعيه من الربوبية محال، وأنه مع ما كان عليه من عظيم الملك آل أمره إلى ما ترون لعصيانه ربه، فما الظن بغيره؟!120.

        قال أبو حيان: «وقرئ: لمن خلفك بفتح اللام أي: من الجبابرة والفراعنة ليتعظوا بذلك، ويحذروا أن يصيبهم ما أصابك إذا فعلوا فعلك»121.

        لقد حذر القرآن الكريم أشد تحذير من اتخاذ فرعون وأمثاله قدوة وأسوة، وبين أن الاقتداء بهم مصيره الوبال والخسران، وكان هذا التحذير صراحة في آيات مخصوصة تحذر من اتباعه، وجاء التحذير من السير وفق منهجه أيضا عقب ذكر قصته: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)، (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)، (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)، وسيأتي عرض هذه الآيات بعد قليل في مجالات القدوة بفرعون.

        ومن الآيات التي جاء التحذير فيها صراحة من الاقتداء بفرعون قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[هود: ٩٦ -٩٩ ].

        قال ابن كثير: «يقول تعالى مخبرا عن إرسال موسى، عليه السلام، بآياته وبيناته، وحججه ودلائله الباهرة القاطعة إلى فرعون لعنه الله، وهو ملك ديار مصر على أمة القبط (ﯺ ﯻ) أي: مسلكه ومنهجه وطريقته في الغي والضلال ( ﯿ ﰀ ﰁ)أي: ليس فيه رشد ولا هدى، وإنما هو جهل وضلال، وكفر وعناد، وكما أنهم اتبعوه في الدنيا، وكان مقدمهم ورئيسهم، كذلك هو يقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم، فأوردهم إياها، وشربوا من حياض رداها، وله في ذلك الحظ الأوفر، من العذاب الأكبر»122.

        أما نماذج القدوة السيئة في شخصية فرعون فكثيرة جدا أذكر منها:

      1. العلو.

        العلو123: ضد السفل، والعلوي والسفلي المنسوب إليهما، والعلو: الارتفاع، وقد علا يعلو علوًا وهو عالٍ، و(علا) يقال في المحمود والمذموم، و (علي) لا يقال إلا في المحمود، والوارد بشأن فرعون هو من الأول، ومنه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [القصص:٤].

        وقوله: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [يونس: ٨٣].

        وقوله: ( ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [المؤمنون:٤٦].

        أي: إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر، وعلا أهلها وقهرهم، حتى أقروا له بالعبودية 124.

        وقال تعالى: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[النازعات: ١٧ - ٢٦ ].

        لقد أعلن فرعون عن نفسه أنه إله من دون الله علوًا واستكبارًا في الأرض، فأهلكه الله (عبرةً لمن يخشى) أي: عظة لمن يريد أن يعتبر، ويسلم125.

        وفيه تبصرة للمقتدين بأمثال فرعون والمتمسكين بعراهم أن هذه القدوة إلى بوار.

      2. الإسراف والغرور.

        «السرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر»126.

        و«الغرور: هو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب»127.

        قال تعالى: (ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الدخان: ٣١ ].

        أي: إن فرعون «مرتفعا على العالم، أو متكبرا مسرفا من المسرفين»128، أي: من المتجاوزين الحق إلى الباطل، وذلك كفره بالله، وتركه الإيمان به، وجحوده وحدانية الله، وادعاؤه لنفسه الألوهة، وسفكه الدماء بغير حلها129.

        وذكر المفسرون: أنه كان مسرفا لأنه كان من أخس العبيد فادعى الإلهية130.

      3. الإفراط والطغيان.

        والإفراط: أن يسرف في التقدم، ومنه (ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨].

        أي: إسرافًا وتضييعًا131.

        طغوت وطغيت طغوانًا وطغيانًا، وأطغاه كذا: حمله على الطغيان، وذلك تجاوز الحد في العصيان132.

        قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النازعات: ١٧].

        وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [طه: ٤٥].

        وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[الفجر: ١١ ].

        وأما الإفراط: «فهو الإسراف والإشطاط والتعدي، يقال منه: أفرطت في قولك: إذا أسرف فيه وتعدى»133.

        ومعنى () هنا: «أن يبادر بعقوبتنا»134 أو «أن يطغى يتكبر ويستعصي علينا»135.

        قال الرازي: «يفرط علينا بأن لا يسمع منا: أو أن يطغى بأن يقتلنا»136.

        وقال سيد قطب: «والفرط هو التسرع بالأذى للوهلة الأولى، والطغيان أشمل من التسرع وأشمل من الأذى. وفرعون الجبار يومئذ لا يتحرج من أحدهما أو كليهما»137.

      4. الاستكبار.

        والتكبر: هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، والاستكبار: طلب ذلك بالتشبع وهو التزين بأكثر ما عنده، وإنما يستعمل الاستكبار حيث لا استخفاف، بخلاف التكبر فإنه قد يكون باستخفاف138.

        والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة. والاستكبار المذموم، أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له،139 وبالنظر في أحوال فرعون فإننا نجده قد تمثل الأنواع الثلاثة.

        قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)[القصص:٣٩-٤١ ].

        وكان استكبار فرعون وجنوده بامتناعهم عن قبول الإيمان ترفعًا وتكبرًا140.

        وكان استكبارهم في أرض مصر بالباطل والظلم، وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون إلى الله بالبعث للجزاء.

        وقد جعلهم الله قدوة وأئمةً وقادة في الكفر يأتم بهم العتاة يدعون إلى النار، لأن من أطاعهم دخلها141.

        إن الاستكبار بالحق لا يكون إلا لله تعالى، وهو المتكبر في الحقيقة أي: المبالغ في كبرياء الشأن، وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق142.

        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحدًا منهما، ألقيته في جهنم)143.

        وفي هذا عظة وعبرة لكل مستكبر قال ابن جرير: «وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به، يدعون الناس إلى أعمال أهل النار»144.

        وقال الرازي: «وإنما جعلهم الله تعالى أئمة في هذا الباب، لأنهم بلغوا في هذا الباب أقص النهايات، ومن كان كذلك استحق أن يكون إماما يقتدى به في ذلك الباب»145.

        ومن الآيات الواردة في ذكر استكبار فرعون قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [يونس: ٧٥ ].

        وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)[المؤمنون: ٤٥ - ٤٦].

      5. الظلم.

        والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، وهو على ثلاثة أنواع:

        الأول: ظلمٌ بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر والشرك.

        والثاني: ظلمٌ بينه وبين الناس.

        والثالث: ظلمٌ بينه وبين نفسه146.

        والملاحظ أن فرعون حاز الأنواع الثلاثة بلا منازع.

        قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القصص: ٣٩ - ٤٣].

        لقد كان فرعون وجنوده قاهرين غيرهم بالظلم147، والاستبداد، فأهلكهم الله وجعلهم بصيرة للناس وعبرة 148.

        والمعنى: «فانظر أيها الإنسان كيف كان عاقبة من ظلم فاحذر أن تفعل مثل فعله»149.

        قال مقاتل: (ﯮ ﯯ) في هلاك الأمم الخالية، بصيرة لبني إسرائيل، وغيرهم، وعلى هذا التقدير: أهلكناهم بصائر للناس؛ ليتبصروا ويعتبروا بهلاكهم150.

        قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النمل: ١٤].

        أي: شركًا وتكبرًا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى عليه السلام151.

      6. الإفساد.

        الفساد: «خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة»152.

        والفساد: أعم من الظلم، لأن الظلم النقص فإن من سرق مال الغير فقد نقص حق الغير، والفساد يقع على ذلك، وعلى الابتداع واللهو واللعب، والفاسد: مأخوذ من (فسد اللحم) إذا أنتن ويمكن الانتفاع به، والباطل: من (بطل اللحم)، إذا دود وسوس وصار بحيث لا يمكن الانتفاع به153.

        قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)[القصص: ٤ ].

        أي: إن القتل ظلمًا إنما هو فعل المفسدين إذ لا طائل تحته صدق الكاهن أو كذب154.

        وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[الأعراف: ١٠٣].

        «يشير له قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) أي لعقائد الخلق، أفسد الله عليهم ملكهم، وآتاه أعداءهم، فأغرقهم عن آخرهم، وبمرأى من موسى وقومه»155.

        ٢. ابني آدم.

        يحدثنا القرآن الكريم عن قصة عظيمة سطرها ابن آدم الأول بيديه، وقصها القرآن الكريم علينا لنأخذ منها العبرة والعظة، فنحذر من جانب الأسوة السيئة المتمثلة فيها، إنها قصة اقتتال ابني آدم، قال ابن حجر: «هو قابيل قاتل أخيه هابيل»156، وكذا توافقت معظم كتب التفسير على تسميتهم، وهي إسرائيليات، فلم أقف على رواية صحيحة مسندة، تدل على هذه التسمية، وذكر ابن حجر: «أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن من ولده بأنثى الآخر، وأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل، فأراد قابيل أن يستأثر بأخته فمنعه آدم، فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانا، فقرب قابيل حزمة من زرع، وكان صاحب زرع، وقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب مواش، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل دون قابيل، وكان ذلك سبب الشر بينهما، وهذا هو المشهور»157.

        وتبقى هذه الروايات لمجرد الاستئناس لأنها لم ترد بروايات مسندة صحيحة، وقد ذكرهما القرآن الكريم ولم يسمهما.

        وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة: ٢٧].

        ومن جمال التناسب والتآخي بين هذه الآية وسابقاتها، أن هذه الآية تتكلم عن أخوين متناحرين، وسابقتها تتكلم عن أخوين تحابا في الله، وتوحدا على طاعته، وتواثقا على الدعوة إليه، إنهما موسى وهارون (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[المائدة: ٢٥].

        تذكر لنا كتب التفسير أن هابيل وقابيل كانا غلامين، وتحدد بعض كتب التفسير سنهما، وفيها:

        «وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة»158، وأضاف ابن حجر أن هابيل قتل وله عشرون سنة ولأخيه القاتل خمس وعشرون سنة 159، ومستند هذه الأقوال روايات إسرائيليه، فلا يؤخذ بها، وعلى الروايات التي اعتمدتها كتب التفسير في سبب الخلاف بينهما أنه الرغبة في الزواج من أخت لهما، فهما بناء على ذلك في مرحلة الشباب، غير أن تقييد هذه المرحلة بسن معينة مسألة تحتاج إلى دليل، ولا يوجد.

        لقد ذكر القرآن الكريم صورة مختصرة للحوار بين الأخوين قبل أن تقع الجريمة النكراء، وكان الكلام فيها لهابيل وهو يخاطب قابيل مذكرا له بالله وعقابه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [المائدة:٢٨-٣٠].

        قال ابن عباس: «خسر دنياه وآخرته، أما دنياه فإسخاط والديه، وبقي بلا أخ، وأما آخرته فأسخط ربه وصار إلى النار»160.

        وقد ترتب على هذه الجريمة أن يحمل القاتل الأول تبعات جريمته مع كل حالة اقتداء به، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ) [المائدة: ٣٢].

        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها، لأنه أول من سن القتل)161.

        والكفل -بكسر الكاف-: الجزء والنصيب. وقيل: هو الضعف، وهذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل مثل عمله إلى يوم القيامة، ومثله من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة162.

        وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي). قال: أفرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده إليَّ ليقتلني؟ قال: (كن كابن آدم). وفي قوله عليه السلام: (كن كابن آدم)، وليس ابني آدم، إشارة لطيفة إلى أن هابيل المقتول المظلوم هو ابن آدم لا قابيل القاتل الظالم163، كما قال تعالى في حق ولد نوح عليه الصلاة والسلام: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [هود: ٤٦ ].

        ومن الأحاديث التي تتوافق في معناها مع الحديث السابق في أجر القدوة الحسنة ووزر القدوة السيئة قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ)164.

        وورد الحديث من غير لفظ: (في الإسلام)، ونصه: (من سن سنةً حسنةً فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن سنةً سيئةً فعمل بها كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئًا)165.

        وفي الحديث دلالة واضحة على اجتناب البدع؛ لأن الذي يحدث البدعة ربما يتهاون بها ويستخف بأمرها في الأول ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده، إذ كان هو الأصل في إحداثها166.

        وذكر السمعاني عن السدى قال: «ما من كافر يدخل النار إلا وهو يلعن إبليس؛ لأنه أول من سن الكفر، وما من عاص يدخل النار إلا ويلعن قابيل؛ لأنه أول من سن المعصية»167.

        يتضح مما سبق أن مجالات القدوة السيئة بابن آدم تتجلى في: المعصية، والظلم، والحسد، وقد توج هذا بالقتل.

        ٣. امرأة لوط وامرأة نوح.

        قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)[التحريم:١٠].

        فالمعنى «ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط، إن الله جعل حالة هاتين المرأتين عظة وتنبيها للذين كفروا، أي: ليذكرهم بأن الله لا يصرفه عن وعيده صارف، فلا يحسبوا أن لهم شفعاء عند الله، ولا أن مكانهم من جوار بيته وعمارة مسجده وسقاية حجيجه تصرف غضب الله عنهم، فإن هم أقلعوا عن هذا الحسبان أقبلوا على التدبر في النجاة من وعيده بالنظر في دلائل دعوة القرآن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان صارف يصرف الله عن غضبه لكان أولى الأشياء بذلك مكانة هاتين المرأتين من زوجيهما رسولي رب العالمين»168.

        ويلاحظ في سورة التحريم أن ضرب المثل جاء بالنساء دون الرجال، فبعد ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط جاء الكلام عن امرأة فرعون، وبعده عن مريم ابنة عمران، وكأن الآيات تتكلم عن صنفين من النساء، فاسق خائن، ومؤمن صابر.

        ولهذا المثل مناسبته وفائدته فهو مرتبط بأول سورة التحريم التي كان الكلام فيها عن أزواج النبي عليه الصلاة السلام، فهو تذكير لزوجات النبي عليه الصلاة السلام أن مجرد الاتصال بالنبي عليه الصلاة والسلام لا يجدي نفعًا إذا لم يقترن معه الإيمان والعمل الصالح، وفيه عبرة وعظة لجميع نساء المؤمنين.

        يبين قتادة مناسبة ورود الآية: أنه تخويف لعائشة وحفصة بتظاهرهما على النبي صلى الله عليه وسلم فإنهما إن عصيا ربهما لم يغن محمد صلى الله عليه وسلم عنهما من الله شيئًا.

        ثم قال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) يعني: المرأة المسلمة التي يتزوجها الكافر، فإن كفر زوجها لم يضرها مع إسلامها شيئا، يقول لعائشة وحفصة رضي الله عنهما: لا تكونا بمنزلة امرأة لوط في المعصية، وكونا بمنزلة امرأت فرعون ومريم في الطاعة169.

        أما عن طبيعة الخيانة التي بدرت منهما فحاصل ما ذكره المفسرون في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط، أن خيانتهما لم تكن في الزنا، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يبتليهم الله في نسائهم بفساد، وإنما كانت الخيانة في الدين، ومما جاء في ذلك:

        عن ابن عباس: «كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وكانت امرأة لوط إذا نزل به الضيف بالليل أوقدت النار حتى يعلم قومه أنه قد نزل به ضيف، وإذا نزل به بالنهار دخنت» 170.

        وروى الضحاك عنه قال: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين، وقال عكرمة: فخانتاهما في الدين 171.

        وروى أن ابن عباس سئل عن قوله: () قال: ليس بالزنا، ولكن كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف 172.

        وقد ذكرت امرأة لوط في آيات أخرى، منها:

        قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأعراف: ٨٢-٨٣].

        «من الغابرين أي: الباقين في عذاب الله، قال ابن عباس وقتادة. غبر الشيء إذا مضى، وغبر إذا بقي. وهو من الأضداد»173.

        وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الحجر:٥٧-٦٠].

        استثنى الله تعالى من آل لوط امرأته وذلك لأنها كانت كافرة فكانت من الغابرين.

        وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ) [الشعراء: ١٧٠-١٧١].

        وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النمل:٥٧].

        وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [العنكبوت:٣٣].

        وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الصافات:١٣٥].

        وقال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الذاريات:٣٢-٣٧].

        ويلاحظ هنا أن الله تعالى قال: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ) دون أن يقول: فأخرجنا لوطا وأهل بيته قصدا للتنويه بشأن الإيمان والإسلام، أي أن الله نجاهم من العذاب لأجل إيمانهم بما جاء به رسولهم لا لأجل أنهم أهل لوط، والمؤمن: هو المصدق بما يجب التصديق به. والمسلم المنقاد إلى مقتضى الإيمان، ولا نجاة إلا بمجموع الأمرين، فحصل في الكلام مع التفنن في الألفاظ الإشارة إلى التنويه بكليهما وإلى أن النجاة باجتماعهما.

        والآية تشير إلى أن امرأة لوط كانت تظهر الانقياد لزوجها وتضمر الكفر وممالأة أهل القرية على فسادهم، فإن بيت لوط كان كله من المسلمين، ولم يكن كله من المؤمنين، فلذلك لم ينج منهم إلا الذين اتصفوا بالإيمان والإسلام معًا174.

        ومما يلاحظ أيضا في معظم القصص التي فيها ذكر للقوم الخاسرين أن خاتمة الآيات تتحدث عن وجوب أخذ العبرة والعظة وعدم الاقتداء بهم، فقال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الذاريات:٣٧].

        وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف:٨٤].

        فالقرية بقيت فيها معالم الخراب تحذيرا لمن خاف عقاب الله وعذابه.

        وقال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الحجر:٧٤-٧٥].

        وقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الشعراء:١٧٤].

        وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [العنكبوت:٣٥].

        وقال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الصافات: ١٣٧-١٣٨].

        أما قصة امرأة نوح فلم تذكر في القرآن في غير سورة التحريم، والذي يظهر أن نوحا لم يعلم بخونها؛ لأن الله سمى عملها خيانة175.

        وفي الختام: فإن الآيات واضحة في هلاك من اقتدى بهاتين المرأتين في الكفر، والخيانة، والفساد، والضلال، وأن الانحراف عن دعوة الأنبياء مصيره الخسران والبوار.

        موضوعات ذات صلة:

        الاتباع، التربية، التقليد


1 تهذيب اللغة، الأزهري ٩/١٩١.

2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٥، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/٢٧٦.

3 المصباح المنير ٢/٤٩٤.

4 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٦/٥٣٤، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٩٤.

5 تهذيب اللغة، الأزهري ٩/١٩٢.

6 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٦٩.

7 المفردات، الأصفهاني ص ٧٦.

8 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٨٥.

9 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥١٨-٥١٩، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الفاء ص٨٧٦-٨٧٧.

10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٥/١٧١-١٧٢، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٦٦-٦٧.

11 انظر: مجمع بحار الأنوار، الكجراتي ١/٥٩، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٨/٦٣٥، مختار الصحاح، الرازي ص ١٨.

12 انظر: المغرب في ترتيب المعرب، ابن المطرز ص ٢٦، و مجمع بحار الأنوار، الكجراتي ١/٥٩.

13 تهذيب اللغة، الأزهري ١٣/٩٥.

14 تفسير غريب ما في الصحيحين، الحميدي ص ٤٣.

15 الفائق في غريب الحديث، الزمخشري ١/٤١.

16 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٦٢.

17 المفردات، الأصفهاني ص ١٦٢.

18 انظر: الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها، الرحيلي ص ٥٣.

19 انظر: موسوعة الأخلاق، الخراز ص ٤٢٤.

20 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ٣٤، ولطائف المعارف، ابن رجب ص ١٨، ولم يعزواه لأحد.

21 انظر: موسوعة الأخلاق، للخراز ص ٤٢- ٤٣.

22 التفسير البسيط، الواحدي ٥/١١٢.

23 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٢٣٤.

24 تفسير ابن أبي حاتم ٢/٦١٧.

25 جامع البيان، الطبري ٦/٢٧٢.

26 مفاتيح الغيب، الرازي ٧/١٦٩.

27 أورده البخاري في ترجمة باب العلم قبل القول والعمل، من كتاب العلم، صحيح البخاري ١/٢٤، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب باب الحث على طلب العلم، رقم ٣٦٤١، ٣/٣١٧، وابن ماجه في سننه، في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم ٢٢٣، ١/٨١.

وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم ٢١٢، ١/٧٤.

28 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٣٦١.

29 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٨٧.

30 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٤٥.

31 في ظلال القرآن، قطب ٥/٢٩٦٣.

32 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرةٍ، أو كلمةٍ طيبةٍ وأنها حجابٌ من النار، رقم ١٠١٧، ٢/٧٠٥.

33 انظر: الأمثال، القاسم بن سلام ص ١٤٥، الأمثال، الهاشمي ١/٢٤٠، المستقصى في أمثال العرب، الزمخشري ٢/٣٥٢، وقال: هو من قول كعب بن زهير.

34 شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ١/٥٠، شرح الأشمونى لألفية ابن مالك ١/٥٠، حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك ١/١٠٥.

35 انظر: التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها، السيد ص ٥٤.

36 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٢٠/٤٩٠.

37 تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ١٢/٢٥٢.

38 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢١٣.

39 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٩٢- ٤٩٣.

40 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١/٥٨٧.

41 التفسير البسيط، الواحدي ١٠/٤٣٩، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم، ٦/١٧٩٩.

42 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/٩٦

43 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان ص ١١٠

44 لباب التأويل، الخازن ٣/٤٥٣.

45 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٨٩.

46 في ظلال القرآن ٤/٢٠٩٨.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٤٦٦.

48 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٠٩٦.

49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٤٩.

50 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١١٨.

51 زهر الأكم في الأمثال والحكم، اليوسي ١/٢٤٤.

52 التيسير في أحاديث التفسير، الناصري ١/٢٥٨.

53 إحياء علوم الدين، الغزالي ٢/١٧١-١٧٢.

54 المصدر السابق ٢/١٧٣.

55 أخرجه أحمد في مسنده ١٤/١٤٢.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٦٤، رقم ٣٥٤٥.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، بابٌ في العطار وبيع المسك رقم ٢١٠١، ٣/٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء، رقم ٢٦٢٨، ٤/٢٠٢٦.

57 انظر: التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها، عاطف السيد ص ٥٣-٥٤.أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، النحلاوي ص ٢٠٥-٢٠٨.

58 أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، النحلاوي ص ٨١.

59 نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ١/١٤٩.

60 المصدر السابق ١/١٤٩.

61 انظر: القدوة الصالحة وأثرها على الفرد والمجتمع، عصام العبد زهد، ص ١١-١٢.

62 منهج التربية الإسلامية، محمد قطب ١/٢٢٨.

63 القدوة الصالحة وأثرها على الفرد والمجتمع، عصام العبد ص١٢.

64 المصدر السابق ص ١٣-١٤.

65 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٧٦.

66 تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص ٢٤٩.

67 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٣/٣٢٠.

68 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٧٧.

69 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٤٢.

70 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٦/٣٣.

71 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/١٠٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦١١.

72 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٢/١٨٣.

73 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/١٠٥.

74 انظر: تفسير عبد الرزاق ٢/١٦٩.

75 جامع البيان، الطبري ١٤/٥٢٩.

وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٢٦.

76 المصدر السابق.

77 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٥٩.

78 انظر: التحرير والتنوير ١١/٤٦.

79 المصدر السابق.

80 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٤٥.

81 انظر: أسرار التكرار في القرآن، الكرماني ص ١٤٦، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ١/٢٥١.

82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٢١، جلاء الأفهام، ابن القيم ص ٢٧٣.

83 جامع البيان، الطبري ٢/٧.

84 تفسير عبد الرزاق ١/٢٨٩.

85 تفسير السمرقندي ٢/٣٧٦.

86 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٤٨.

87 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٣٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٣.

88 لباب التأويل، الخازن ٤/٢٣.

89 تفسير السمرقندي ٢/٢٤٦.

90 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/١٧٥.

91 تفسير السمرقندي ٢/٣٦٠.

92 تفسير القاسمي ٧/٦٨.

93 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٢٩٠.

94 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٢٩١.

95 انظر: تفسير القاسمي ٧/٦٨.

96 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٢٩١.

97 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٦٠٠، التفسير البسيط، الواحدي ١٤/١٣٧.

98 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٢٩٣.

99 لباب التأويل، الخازن ٣/١٧٨.

100 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٨٦.

101 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١١٢، معالم التنزيل، البغوي ٣/٢١٧.

102 انظر: تفسير الشعراوي ٥/٣١١٨.

103 تفسير المراغي ١٦/١٩.

104 في ظلال القرآن ٤/٢٢٩٣.

105 تفسير الشعراوي ٥/٣١١٨.

106 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/١٧٨، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٣٢٠.

107 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢٠٢.

108 التفسير البسيط، الواحدي ٢٢/٢٩.

109 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٧٥.

110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون)، رقم ٣٤١١، ٤/١٥٨.

111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٧٢.

112 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٦٢١.

113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٧٢.

114 انظر: في ظلال القرآن ٦/٣٦٢٢.

115 انظر: المصدر السابق ٦/٣٦٢٢.

116 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٢٥.

117 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٣٧٦.

118 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٢٥.

119 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٤٦٣.

120 انظر: البحر المحيط ٦/١٠٤، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٣٩-٤٠.

121 البحر المحيط ٦/١٠٤.

122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٤٨.

123 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٥٨٢-٥٨٣.

124 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥١٦.

125 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥٤٣، تفسير السمعاني ٦/١٥٠.

126 المفردات، الأصفهاني ص ٤٠٧.

127 الكليات، الكفوي ص ٦٧٢.

128 البحر المحيط، أبو حيان ٩/٤٠٤.

129 جامع البيان، الطبري ١٥/١٦٧.

130 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ١١/٢٨٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢٨٩.

131 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٦٣١.

132 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٥٢٠، التعريفات، الجرجاني ص ١٤١، الكليات، الكفوي ص ٥٨٤.

133 جامع البيان، الطبري ١٨/٣١٤.

134 تفسير السمرقندي ٢/٤٠١.

135 الكشف والبيان، الثعلبي ٦/٢٤٦.

136 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/٥٤.

137 في ظلال القرآن ٤/٢٣٣٦.

138 الكليات، الكفوي ص ٢٨

139 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٦٩٧

140 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢٧٢، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٧٠.

141 زاد المسير ٣/٣٨٥.

142 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٦٠٠، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٦٤٤.

143 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع، رقم ٤١٧٤، ٢/١٣٩٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٩٥، رقم ٤٣١١.

144 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٨٣.

145 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٦٠١.

146 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٥٣٧-٥٣٨.

147 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢٧٢.

148 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٦١٠.

149 لباب التأويل، الخازن ٢/٤٤٤.

150 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٤٦، التفسير البسيط، الواحدي ١٧/٤٠٤.

151 لباب التأويل، الخازن ٣/٣٣٩، معالم التنزيل، البغوي ٣/٤٩٢.

152 المفردات، الأصفهاني ص ٦٣٦.

153 الكليات، الكفوي ص ٦٩٢.

154 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٦٢٨.

155 محاسن التأويل، القاسمي ٥/١٦٢.

156 فتح الباري، ابن حجر ١/٢٩٦.

157 المصدر السابق ٦/٣٦٩.

وانظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٢٠٤، لباب التأويل، الخازن ٢/٣٢.

158 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٤/٥١، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٣٤١، وغرائب القرآن، النيسابوري ٢/٥٨٠، لباب التأويل، الخازن ٢/٣٤.

159 فتح الباري، ابن حجر ١٢/١٩٣.

160 لباب التأويل، الخازن ٢/٣٤.

161 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، رقم ٣٣٣٥، ٤/١٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب بيان إثم من سن القتل،رقم، ١٦٧٧، ٣/١٣٠٣.

162 انظر: شرح النووي على مسلم ١١/١٦٦.

163 انظر: عون المعبود وحاشية ابن القيم، العظيم آبادي ١١/٢٢٥.

164 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرةٍ، أو كلمةٍ طيبةٍ، وأنها حجابٌ من النار، رقم ١٠١٧، ٢/٧٠٥.

165 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٩٢٠٠، ٣١/٥٣٦، وابن ماجه في سننه، المقدمة، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، رقم ٢٠٣، ١/٧٤.

166 إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني ١٠/٣٢٩.

167 تفسير السمعاني ٥/٤٩.

168 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٣٧٤

169 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٣٧٩.

170 التفسير البسيط، الواحدي ٢٢/٢٧.

171 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٩٨، التفسير البسيط، الواحدي ٢٢/٢٨.

172 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٩٧، والتفسير البسيط، الواحدي ٢٢/٢٨.

173 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٤٦.

174 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٨.

175 انظر: المصدر السابق ٢٨/٣٧٤.