عناصر الموضوع
القبر
أولًا: المعنى اللغوي
القبر من مادة قبر أي: دفن ووارى بالتراب، والقبر للميت وهو مدفن الإنسان، يقال: قبرت الميت وأقبرته قبرًا أي: دفنته وجعلت له مكانًا يدفن فيه، أو أمرت بأن يقبر وأعنت على دفنه، وقيل: أقبرته أي: صيرت له قبرًا يدفن فيه ويوارى فيه، وفي الآية القرآنية: (ﮣ ﮤ ﮥ)[عبس:٢١].
أي: أُلْهِم كيف يدفن، أو جعله ممن يقبر ولم يجعله يلقى للكلاب أو الطيور، وكأن القبر مما أكرم به بنو آدم. والقبر واحد، والجمع قبور، والمقبرة بفتح الباء وضمها واحد المقابر؛ وهو موضع القبور، يقال: نقلوا من القصور إلى القبور، ومن المنابر إلى المقابر 1.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي
لا يكاد المعنى الاصطلاحي للقبر يخرج عن معناه اللغوي، وقد وردت تعريفات منها: «القبر هو المكان الذي يدفن فيه الميت»2، وهو «مقر الميت»3، وقيل: «القبر هو الحفرة التي يستقر بها الميت، والمقبرة: اسم للمكان المشتمل على الحفرة وما ضمت»4.
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم القبر من الناحية المعنوية فقال: (إن القبر أول منازل الآخرة؛ فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه)5، وهذا وصف لحال الميت في القبر.
وردت مادة (قبر) في القرآن الكريم (٨) مرات6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [عبس:٢١] |
الاسم |
٧ |
(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة:٨٤]. (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الحج:٧] |
وجاء القبر في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو مقر الميت7، ولم تخرج عن معناها اللغوي، قال الله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [فاطر: ٢٢]. يعني: كما لا يسمع ولا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم8.
الأجداث:
الأجداث لغة:
الأجداث جمع جدث، حيث يقال للقبر: جدث وجدف 9.
الأجداث اصطلاحًا:
هي القبور، أماكن دفن الميت 10.
الصلة بين الأجداث والقبور:
مترادفتان.
البرزخ:
البرزخ لغة:
وهو الحائل بين شيئين 11.
البرزخ اصطلاحًا:
هو الفترة الممتدة من موت الإنسان إلى بعثه، حيث يقال للميت هو في البرزخ؛ لأنه بين الدنيا والآخرة 12. والبرزخ نوعان: زماني وهو الفترة الممتدة بين الموت والبعث، ومكاني وهو: القبر 13.
الصلة بين القبر والبرزخ:
قد يأتي البرزخ مرادفًا للقبر من حيث إنهما مكان دفن الميت، ويأتي أحيانًا بمعنى الحياة داخل القبر.
الضريح:
الضريح لغة:
ضرح الضريح للميت يضرحه ضرحًا أي: حفر له ضريحًا، وسمي الضريح في القبر ضريحًا؛ لأنه انضرح عن جالي القبر فصار في وسطه 14.
الضريح اصطلاحًا:
الضريح هو الشق في وسط القبر، وقيل: الضريح القبر كله، وقيل: هو قبر بلا لحد 15.
الصلة بين القبر والضريح:
القبر يطلق على كل مدفن للميت، أما الضريح يطلق على القبر كله والشق وسطه.
اللحد:
اللحد لغة:
من لحد أي: مال عن الاستقامة، يقال: لحد للميت وألحد له أي: حفر له لحدًا في أحد جانبي الجدث16.
اللحد اصطلاحًا:
هو «حفرة مائلة عن الوسط» 17، وهو الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت، وسمي باللحد؛ لأنه أميل عن وسطه إلى جانبه بأن يحفر في عرضه أو جانبه 18.
الصلة بين القبر واللحد:
القبر اسم عام يطلق على كل مدفن للميت، أما اللحد فهو طريقة خاصة بأن يحفر في جانب القبر للميت.
أولًا: القبر تكريم إلهي للإنسان عن باقي المخلوقات:
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، وصان كرامته، وحمى حقوقه، وجعله خليفةً في الأرض، وخصه بخصائص لا مثيل لها تميز بها عن باقي المخلوقات، قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الاسراء:٧٠].
ويستمر حفظه له وعنايته به منذ خلقه حتى بعد الممات بحفظ جسده بعد مماته، بأن جعله يقبر ويدفن فلا يرمى للسباع والحيوانات المفترسة والطيور، وهذا ما علمه الله للإنسان من زمن آدم عليه السلام؛ إكرامًا له وتفضلًا عليه، فجعل في غريزة نوعه وفطرته أن يواري ميته بالتراب19.
لذلك سن الله سبحانه وتعالى القبر للإنسان، وامتن عليه به، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ) [عبس:٢١].
أي: جعله ذا قبر يوارى فيه، وجعل مثواه جوف الأرض كرامة له ورعاية؛ لأن القبر مما أكرم به الإنسان20.
فهذه الآية تدل على وجوب دفن الأموات وإقبارهم؛ إكرامًا لهم، دون إحراقهم كما يفعل الكفار كالمجوس والهندوس، فالواجب على المسلمين احترام موتاهم، ودفنهم كما أراد الله سبحانه وتعالى.
ثانيًا: الدفن في القبر:
لقد شرع الله الدفن للميت تحت التراب، وألا يترك على وجه الأرض، قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ) [التكاثر:٢].
أي: إذا جاء الأجل صرتم إلى المقابر ودفنتم فيها، فالآية فيها كناية عن الموت ودفن الموتى في المقابر، حيث يؤتى بالأموات ويدفنون في المقابر21، وقد حث الإسلام على دفن الميت في القبر؛ لأن فيه تكريمًا للإنسان، فجعل الأرض وعاء للأحياء في المساكن والمنازل، وللأموات يدفنون في بطونها في القبور، قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المرسلات: ٢٥]22.
وهذا ما أجمع عليه المسلمون بأن دفن الميت ومواراة بدنه فرض، فبعد الفراغ من الصلاة على الميت ينبغي أن يدفن الميت في القبر، وهو الحفرة الخاصة ذات الصفات التي تحفظ حرمته، وتصونه من الامتهان، وتجعله في مأمن من تناول السباع وخروج رائحة الجسد، حيث بعد دخوله القبر يوضع على شقه الأيمن ويوجه إلى القبلة، ثم يهال عليه التراب، ويسن أن يعمق القبر، وأن يوسع، وأن يلحد له فيه، وهو: أن يحفر في قاع القبر حفرة في جانبه إلى جهة القبلة، فإن تعذر اللحد فلا بأس بالشق، وهو أن يحفر للميت في وسط القبر، لكن اللحد أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا، والشق لغيرنا) 2324.
ثالثًا: تعليم الإنسان الدفن:
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ) [المائدة ٣١].
هذه الآية أصل في دفن الميت 25، حيث روي أنه لما قتل قابيل أخاه هابيل، ولم يعرف كيف يصنع به ويواري جثته، وتحير في ذلك؛ لأنه أول ميت مات من بني آدم، بعث الله غرابًا يبحث في الأرض منقبًا في غذائه، أو يثيرها ليدفن غرابًا آخر ميتًا، فحفر حفرة، فرآه قابيل ففطن إلى مثل عمله، ففعل لأخيه مثلها ووارى بدنه فيها؛ لأن بدن الميت عورة، والجثة سوأة لا تطيقها النفوس، وبذلك تعلم الدفن للميت، ووارى سوأة أخيه 26، وفي قوله تعالى: (ﯱ) دليل أنه تعالى ألهم الغراب ذلك ليتعلم ابن آدم منه الدفن، فحين رأى القاتل الغراب يبحث في الأرض، تعلم منه سنة الدفن27.
ويقول القرطبي في تفسير الآية السابقة مبينًا هذا المعنى: «بعث الله الغراب حكمة، ليرى ابن آدم كيفية المواراة، وهو معنى قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ) [عبس:٢١].
فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق، فرضًا على جميع الناس على الكفاية، من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين، وأخص به الأقربون الذين يلونه، ثم الجيرة، ثم سائر المسلمين» 28.
إن في مشهد تعلم الإنسان الدفن من الغراب، والذي صورته الآية الكريمة لعبرة للخلق «فهذا المشهد العظيم هو مشهد أول حضارة في البشر، وهي من قبيل ستر المشاهد المكروهة، وهو أيضًا مشهد أول علم اكتسبه البشر بالتقليد وبالتجربة، وهو أيضًا مشهد أول مظاهر تلقي البشر معارفه من عوالم أضعف منه» 29.
إن عذاب القبر حق، وهو ثابت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله يعذب من استحق العذاب إن شاء، وإن شاء عفى عنه، وقد دلت الآيات القرآنية على عذاب القبر في مواضع كثيرة منها:
قال تعالى: (ﮋ ﮌ[ ﮎ ﮏ ﮐa ﮒ ﮓ ﮔeﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [التكاثر:١-٤].
حيث فسر ابن عباس الوعيد في الآية بما ينزل من العذاب في القبر، ففي الآيات وعيد بعد وعيد، وردع وتنبيه لمن ألهتهم الدنيا عن العمل الصالح والاستعداد للآخرة، بأن ليس الأمر بالتفاخر والتكاثر بالأموال والأولاد، حتى إذا قبرتم عوقبتم بالعذاب، فهذا وعيد من الله بأنهم سوف يعلمون عاقبة فعلهم بعذاب في القبر، وما يحل بعده من عذاب في الآخرة 30.
يقول القرطبي في تفسير سورة التكاثر: «فتضمنت السورة القول في عذاب القبر، وإن الإيمان به واجب، والتصديق به لازم، حسبما أخبر به الصادق، وأن الله سبحانه وتعالى يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه، ويجعل له من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه؛ ليعقل ما يسأل عنه، وما يجيب به، ويفهم ما أتاه من ربه، وما أعد له في قبره من كرامة وهوان، وهذا هو مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة»31.
وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه:١٢٤].
هذه الآية الكريمة من الآيات الدالة على عذاب القبر، فقد فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، وأنه يضيق على المعرض عن الله قبره، ويحصر فيه ويعذب، جزاء إعراضه عن ذكر ربه 32.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن في قبره في روضةٍ، ويرحب له قبره سبعين ذراعًا، وينور له كالقمر ليلة البدر، أترون فيما أنزلت هذه الآية) قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه:١٢٤].
قال: (أتدرون ما المعيشة الضنك؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليهم تسعةٌ وتسعون تنينًا، أتدرون ما التنين؟) قال: (تسعةٌ وتسعون حيةً لكل حيةٍ سبعة رؤوسٍ ينفخون في جسمه ويلسعونه، ويخدشونه إلى يوم القيامة) 33.
وقال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام:٩٣].
هذه الآية خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو ترى يا محمد صلى الله عليه وسلم أولئك الطغاة في ساعة الاحتضار وهم في خضم الشدائد وغمرة السكرات، وحولهم الملائكة الذين كانوا يتعجلون نزولهم، فها هم قد حل الموت بهم وجاءهم العذاب الذي لا رجعة فيه، وغشيتهم سكرات الموت، وحضرتهم ملائكة العذاب، يستعجلون خروج أرواحهم الخبيثة، ولو تراهم وهم على هذه الحال لرأيت أهوالًا عظامًا34.
والملائكة تقول لهم عند قبض أرواحهم: (ﯞ ﯟ) وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصي وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: (ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)35.
وفسر القرطبي بسط الملائكة أيديهم أي: بالعذاب ومطارق الحديد أو لقبض أرواحهم36.
ولقد ذكر بعض العلماء أن هذه الآية تصف حال الكافر عند القبض، وعذاب القبر، وأن هذا الخطاب والعذاب الموجه من الملائكة إليهم، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده37.
ويقول الشيخ الفوزان: «وهذا خطاب لهم عند الموت، وقد أخبر الملائكة -وهم الصادقون- أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون، ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا؛ لما صح أن يقال لهم: (ﯡ ﯢ) فدل على أن المراد به عذاب القبر»38.
و قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [السجدة:٢١].
لقد وعد الله في هذه الآية الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الأدنى، أن يذيقهموه دون العذاب الأكبر، واختلف أهل التأويل في بيان معنى العذاب الأدنى، فقال البعض: هو مصائب الدنيا. وقال آخرون: عذاب القبر. وقيل غير ذلك، وقد فسرها ابن عباس بعذاب القبر39.
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [غافر:٤٦] هذه الآية تدل على عذاب القبر، وقد احتج بعض أهل العلم بهذه الآية في تثبيت عذاب القبر.
ونقل القرطبي أن الجمهور على أن العرض المذكور في الآية في البرزخ؛ لأنه بين ما لهم في الآخرة فقال: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)40.
قال السيوطي: «وفي (العجائب للكرماني): في هذه الآية أدل دليل على عذاب القبر؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه»41.
ويعني قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ) أي: هذا العرض ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة يقال لهم: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وهو عذاب جهنم42.
ويقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: «والنص يلهم أن عرضهم على النار غدوا وعشيا، هو في الفترة من بعد الموت إلى قيام الساعة، وقد يكون هذا هو عذاب القبر، إذ أنه يقول بعد هذا: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) فهو إذن عذاب قبل يوم القيامة، وهو عذاب سيئ، عرض على النار في الصباح وفي المساء، إما للتعذيب برؤيتها وتوقع لذعها وحرها- وهو عذاب شديد- وإما لمزاولتها فعلًا، فكثيرًا ما يستعمل لفظ العرض للمس والمزاولة، وهذه أدهى ثم إذا كان يوم القيامة أدخلوا أشد العذاب»43.
ويدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة) 44.
وإن من الأدلة على ثبوت عذاب القبر من السنة النبوية، ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم الصحابة رضي الله عنهم الاستعاذة من عذاب القبر، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء، كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: (قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)45.
إن أهل السنة يصدقون بأن الله سبحانه وتعالى يعذب هذا في قبره، أو ينعم هذا في قبره، كما وردت في ذلك أدلة مجملة ومفصلة، ولكن الكيفية محجوبة عنا، حتى ولو لم ندرك ذلك فقد أدركه الأنبياء، ولو كشفنا عن الميت ورأيناه كما وضع فإنا لا ننفي أنه يعذب أو ينعم، أو يضيق عليه قبره أو يوسع عليه؛ وذلك لأن هذا من علم الآخرة، وأهل الدنيا ليسوا مطلعين على أمور الآخرة، وقد أنكر الملاحدة والزنادقة عذاب القبر ونعيمه اعتمادًا على عقولهم وحواسهم؛ لأنهم لا يشاهدون شيئا من ذلك، ونرد عليهم بأن عذاب القبر من علم الغيب الذي يعتمد على النصوص الصحيحة، وليس للعقل ولا الفكر دخل فيه، وأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وعدم إدراك الإنسان للشيء لا يدل على عدم وجوده، والله أعلم 46.
ولابن القيم في إثبات عذاب القبر كلام نفيس، فقد ذكر بأن الله تعالى قد جعل الدور ثلاثًا، وهي دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الآخرة، وجعل الله لكل دار أحكامًا تختص بها، فجعل الله الأحكام في دار الدنيا تسري على الأبدان والأرواح تبع لها، وجعل الأحكام في دار البرزخ تسري على الأرواح والأبدان تبع لها، وجعل الأحكام في دار القرار تسري على الأرواح والأبدان معًا، ثم بين أن سعة القبر وضيقه ونوره وناره ليس من جنس المعهود للناس في عالم الدنيا 47.
إن أسباب عذاب القبر كثيرة:
١. الكفر.
فللكافر نصيبٌ من العذاب، ومبدأ ذلك حاصلٌ في القبر، قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأنفال:٥٠].
٢. النفاق.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة:١٠١].
وأغلب ما ورد من أقوال المفسرين أن إحدى المرتين هو عذابهم في البرزخ قبل الآخرة.
٣. الأعمال السيئة، وسائر المعاصي والذنوب.
وقد ذكر بعضها في أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، كالذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) 48.
وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: (هل رأى أحد منكم من رؤيا؟) قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: (إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى) قال: (قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟) قال: (قالا لي: انطلق انطلق) قال: (فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه -قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق-).
قال: (ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى) قال: (قلت: سبحان الله ما هذان؟) قال: (قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور - قال: فأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات) قال: (فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) قال: (قلت لهما: ما هؤلاء؟) قال: (قالا لي: انطلق انطلق).
قال: (فانطلقنا، فأتينا على نهر -حسبت أنه كان يقول- أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرًا) قال: (قلت لهما: ما هذان؟) قال: (قالا لي: انطلق انطلق) قال: (فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها) قال: (قلت لهما: ما هذا؟) قال: (قالا لي: انطلق انطلق).
فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط) قال: (قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟) قال: (قالا لي: انطلق انطلق).
قال: (فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن) قال: (قالا لي: ارق فيها) قال: (فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء) قال: (قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر) قال: (وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة) قال: (قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك) قال: (فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء) قال: (قالا لي: هذاك منزلك) قال: (قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله).
قال: (قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟) قال: (قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني.
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر قبيحا، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم)49.
وقد ذكر الإمام ابن القيم والعلامة السفاريني الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور على قسمين: مجمل ومفصل:
أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وعدم إطاعتهم لأمره، وارتكابهم معاصيه، فلا يعذب الله روحًا عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، ولا بدنًا كانت فيه أبدًا، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار بارتكاب مناهيه ولم يتب ومات على ذلك؛ كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل، ومستكثر، ومصدق، ومكذب.
وأما المفصل: ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما؛ لأن أحدهما كان يمشي بالنميمة بين الناس، والآخر كان لا يستتر من البول، فهذا ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس، وهذا ترك الطهارة الواجبة، وعمن يعذب لكونه مر على مظلوم فلم ينصره، ومن يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وتعذيب الزناة والزواني وأكلة الربا، والذين تتثاقل رؤوسهم عن صلاة الفجر، وأهل الغلول، وتعذيب الذين يمنعون الزكاة، والذين يوقدون الفتنة بين الناس، والجبارين، والمتكبرين، والمرائين، والهمازين، واللمازين 50.
«فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله: فالنمام، والكذاب، والمغتاب، وشاهد الزور، وقاذف المحصن، والموضع في الفتنة، والداعي إلى البدعة، والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به، والمجازف في كلامه، وآكل الربا، وآكل أموال اليتامى، وآكل السحت من الرشوة وغيرها، وأكل مال أخيه المسلم بغير حق، أو مال المعاهد، وشارب المسكر، والزاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر، والمخادع، والماكر، وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له، والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه، ومؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم، والحاكم بغير ما أنزل الله، والمفتي بغير ما شرع الله، والمعين على الإثم والعدوان، وقاتل النفس التي حرم الله، والملحد في حرم الله، والمعطل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحد فيها، والمقدم رأيه وذوقه وسياسته على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والنائحة والمستمع إليها، ونواحو جهنم، وهم المغنون الغناء الذي حرمه الله ورسوله والمستمع إليهم؛ والذين يبنون المساجد على القبور، ويوقدون عليها القناديل والسرج، والمطففون في استيفاء مالهم إذا أخذوه، وهضم ما عليهم إذا بذلوه، والجبارون، والمتكبرون، والمراؤون، والهمازون واللمازون، والطاعنون على السلف، والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم، وأعوان الظلمة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، والذي خوفته بالله وذكرته به فلم يرعو ولم ينزجر، فإذا خوفته بمخلوق مثله خاف وارعوى وكف عما هو فيه، والذي يهدى بكلام الله ورسوله فلا يهتدي، ولا يرفع به رأسًا، فإذا بلغه عما يحسن به الظن ممن يصيب ويخطىء عض عليه بالنواجذ ولم يخالفه.
والذي يقرأ القرآن فلا يؤثر فيه، وربما اشتغل به، فإذا استمع قراءة الشيطان ورقية الزنا ومادة النفاق طاب سره وتواجد وهاج من قلبه دواعي الطرب، وود أن المغني لا يسكت، والذي يحلف بالله ويكذب، فإذا حلف بالولي أو برأس شيخه أو أبيه أو حياة من يحبه ويعظمه من المخلوقين لم يكذب ولو هدد وعوقب، والذي يفتخر بالمعصية ويتكثر بها بين أقرانه، وهو المجاهر، والذي لا تأمنه على مالك وحرمتك، والفاحش اللسان الذي تركه الخلق إتقاء شره وفحشه، والذي يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وينقرها ولا يذكر الله فيها إلا قليلًا، ولا يؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه، ولا يحج مع قدرته على الحج، ولا يؤدي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها.
ولا يتورع من لحظه ونظره ولا من لفظه ولا أكله ولا خطوه، ولا يبالي بما حصل من المال من حلال أو حرام، ولا يصل رحمه، ولا يرحم المسكين ولا الأرملة ولا اليتيم، ولا يرحم الحيوان البهيم، بل يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، ويرائي للعالمين، ويمنع الماعون، ويشتغل بعيوب الناس عن عيبه، وبذنوبهم عن ذنبه، فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم، بحسب كثرتها وقلتها، وصغرها وكبرها، ما لم يغفر الله لهم ويتجاوز عنهم بتوبة أو رحمة منه تعالى» 51.
أولًا: الصلاة على المؤمنين:
إن الصلاة على المؤمنين فرض كفاية، وهي من خصائص هذه الأمة، وقد صلى الصحابة رضي الله عنهم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما رغب النبي صلى الله عليه وسلم بل أمر بذلك فقال: (صلوا على صاحبكم)52 فهذا أمر، والأمر يدل على الوجوب 53، ودل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يوم موت النجاشي: (إن أخًا لكم قد مات، فقوموا، فصلوا عليه)54.
وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الصلاة على الكافرين والمنافقين؛ لأنهم كفروا وماتوا على الفسق.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [التوبة:٨٤].
وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في المؤمنين، فإن تقييد النهي بالمنافقين يدل على أنه قد كان متقررًا في المؤمنين 55.
وقد استدل البعض بهذه الآية على وجوب الصلاة على المؤمنين، بدليل أن النهي عن الشيء أمر بضده فالنهي عن الصلاة على المنافقين للتحريم فضده وهو الأمر بالصلاة على المؤمنين للوجوب، واعتبرها البعض دليل فقط على المشروعية وعدم تحريم الصلاة على المؤمنين، وأنه مما يستفاد من الآية الصلاة على المؤمنين وليس الأمر بالوجوب 56.
قال القرطبي: «قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) نص في الامتناع من الصلاة على الكفار، واختلفوا هل يؤخذ من مفهومه وجوب الصلاة على المؤمنين؟ فقيل: يؤخذ؛ لأنه علل المنع من الصلاة على الكفار لكفرهم لقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) فإذا زال وجبت الصلاة، ويكون هذا نحو قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المطففين: ١٥].
يعني: الكفار، فدل على أن غير الكفار يرونه وهم المؤمنون، وقيل: إنما تؤخذ الصلاة من دليلٍ خارجعن الآية، وهي الأحاديث الواردة في الباب، والإجماع»57.
والخلاصة أن الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، سواء بالوجوب أو الاستحباب، وقد أكدت الأحاديث على الوجوب وكذلك الإجماع.
وذكر الرازي في تفسيره الحكمة من النهي عن الصلاة على الكفار والمنافقين، حيث أشار إلى أن السبب في منع الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يصلي على من مات منهم؛ هو إذلالهم وتخذيلهم وإهانتهم58.
«وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميت هي رحمة له، وغفران لذنوبه؛ لأن الصلاة على الميت أن تطلب له الرحمة والمغفرة، وأن تطلب له من الله أن يلحقه بالصالحين، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، ودعا بهذا الدعاء، فإن دعوة رسول الله مستجابة من الله، وهكذا حرمهم الله سبحانه وتعالى من رحمة يكون الإنسان في أشد الحاجة إليها حين ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ»59.
ثانيًا: الوقوف على قبورهم والدعاء لهم:
لقد شرع الله للمسلمين الوقوف عند قبور المؤمنين والدعاء لهم، كما نهى عن الوقوف على قبور الكفار والمنافقين والدعاء لهم.
يقول تعالى مخاطبًا للنبي صلى الله عليه وسلم: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [التوبة:٨٤].
في هذه الآية نهي من الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على من مات من الكفار والمنافقين، وألا يتول دفنهم وتقبيرهم، وألا يدعو لهم أو يستغفر لهم، أو يقف على قبورهم للزيارة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت، وقف على قبره ودعا له بالتثبيت فنهي عن ذلك في حق المنافقين، والعلة في ذلك أنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا، والحال أنهم فاسقون خارجون عن دائرة الإسلام 60.
يقول الطاهر ابن عاشور: «ومعنى ولا تقم على قبره، لا تقف عليه عند دفنه؛ لأن المشاركة في دفن المسلم حق على المسلم على الكفاية، كالصلاة عليه، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليهم وحضور دفنهم، إعلان بكفر من ترك ذلك له»61.
قال السيوطي: إن في الآية السابقة تحريم للصلاة على الكافر، والوقوف على قبره، ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه، ومشروعية الوقوف على قبره، والدعاء له، والاستغفار62.
إن الوقوف على قبر المؤمن سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ودعا إليها ففي الحديث عن عثمان بن عفان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: (استغفروا لأخيكم، وسلوا له بالتثبيت، فإنه الآن يسأل)63.
أولًا: بناء القبور:
إن ديننا الحنيف شرع للمسلمين دفن موتاهم في المقابر وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هديه صلى الله عليه وسلم حفر القبور لا بناؤها، فقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء القبور ففي الحديث عن أبي الزبير أنه سمع جابرًا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن يقعد على القبر، وأن يقصص ويبنى عليه) 64.
وفي رواية عند مسلم (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) 65.
فلا يجوز بناء القبور، ولكن يحفر في الأرض ويجعل فيه لحد من جهة القبلة بقدر الميت، ويكون القبر عميقا بقدر نصف الرجل؛ حتى يكون بعيدا عن السباع والكلاب، ويكون أبعد عن الروائح الكريهة التي قد تخرج من القبر، وإذا دعت الضرورة إلى البناء، بأن كانت الأرض صلبة ولا يستطيعون الحفر فلا مانع من جعله بين أحجار، يبنى أحجار ويجمع بينها، ثم يوضع فوقها ألواح وغيرها حتى تستره عن السباع وعن الكلاب ونحو ذلك، ويوضع عليها أحجار تستره عن ذلك حسب الطاقة من دون حاجة إلى بناء إلا عند الضرورة 66.
يقول ابن القيم: «ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبن ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم، وكانت قبور أصحابه لا مشرفة، ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم، وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا، ولعن زورات القبور، وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ، وألا يجلس عليها، ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها، وتتخذ أعيادا وأوثانا»67.
ثانيًا: زيارة القبور:
يشرع للإنسان أن يزور القبور على سبيل الاتعاظ والتذكر بما أمامه، والإحسان إلى المقبور نفسه كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر مطلوب؛ لأنه جاء في الحديث عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)68.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال صلى الله عليه وسلم: (استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) 69.
إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور أكمل الهدي وأحسنه.
يقول ابن القيم: «كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته، وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) 70.
وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتها، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت، من الدعاء والترحم والاستغفار، فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تبين له الفرق بين الأمرين» 71.
فزيارة القبور شرعت لشيئين:
ولهذا قسم العلماء زيارة القبور على وجهين:
فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر الدعاء للميت؛ كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له، حيث الصلاة على الموتى من المؤمنين والقيام على قبورهم من السنة المتواترة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على موتى المسلمين وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دفن الرجل من أمته يقوم على قبره، فهذه الزيارة لقبور المؤمنين مقصودها الدعاء لهم، وكذلك الزيارة التي تنفع في تذكير الموت تشرع ولو كان المقبور كافرًا، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين.
وأما الزيارة البدعية: فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك72.
إن من البلايا التي وقع الناس فيها اليوم، تعظيم القبور، بالبناء عليها وتجصيصها، أو اتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، أو الطواف بها، وإضاءتها وإيقاد السرج عليها، وتعليتها ورفعها، واتخاذها عيدًا، والاستغاثة بأهلها، فكل هذا من المنكرات التي يجب الحذر منها والتحذير منها.
إن من الأساليب القرآنية التي استعملها القرآن الكريم لتقريب المعنى ضرب الأمثلة، ولقد مثل القرآن بالقبر والأموات المقبورين بأمثلة من أروع ما ضرب من الأمثال القرآنية دقة بيان وروعة أسلوب ووضوح معنى وهي:
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [فاطر:٢٢].
يضرب الله سبحانه وتعالى مثل المؤمن والكافر بالحي والميت، لا يستويان، فكما لا يتساوى الأحياء والأموات، لا يتساوى المؤمنون أحياء القلوب والنفوس والمشاعر، والكافرون أموات القلوب والحواس، لا يستوي أحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله ومعرفة تنزيل الله، وأموات القلوب لغلبة الكفر عليها؛ حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال، لا يستوي من شرح الله صدره للإسلام، ومن أقام على الكفر والضلال، فالإيمان حياة القلوب ونور البصائر، وانشراح للصدور وبهجة للنفوس، وجلاء الأفهام وربيع الأكوان، أما الكفر فإنه ظلمة في القلب، ووحشة في النفس، وموت للروح، وغشاوة على البصيرة، وحيرة للعقول، وضيق في الصدور، نعم إن الكفر موت، موت في الضمير وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل، وانفصال عن الطريق الواصل 73.
وفي الآية تمثيل لحال الكفار بالنسبة إلى سماعهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم والوحي النازل عليه، فكما لا يقدر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده، عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه، فالكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع74.
«ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم وأنى لهم أن يسمعوا وقد قبروا وهم أحياء في غياهب الشرك ولحود الضلال، فلا سبيل إلى سماعهم وقد جعلوا بينهم وبين الحق برزخًا وحاجزًا من المكابرة والجحود والتقليد الأعمى والتعصب للأهواء»75.
فالله يهدي من يشاء إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها، يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته، وكما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم بالهداية والدعوة إليها، كذلك الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم لا ينتفعون، فالكفار بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه 76.
وهذا ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات، وإشباع في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم 77.
يقول الطاهر ابن عاشور: «لما كان أعظم حرمان نشأ عن الكفر هو حرمان الانتفاع بأبلغ كلام وأصدقه، وهو القرآن، كان حال الكافر الشبيه بالموت أوضح شبهًا في عدم انتفاعه بالقرآن وإعراضه عن سماعه» 78.
و قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الممتحنة:١٣].
في هذه الآية ينهي الله المؤمنين من موالاة اليهود، هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم، قد يئسوا من ثواب الله في الآخرة، وأن يبعثوا، كما يئس الكفار الأحياء من أمواتهم الذين هم في القبور أن يرجعوا إليهم، فمثل يأس الكافر من ثواب الله في الآخرة كمثل يأس الكافر الحي من عودة الميت من قبره، وقال آخرون: بل معنى ذلك: قد يئسوا من الآخرة أن يرحمهم الله فيها، ويغفر لهم، كما يئس الكفار الذين هم أصحاب قبور قد ماتوا وصاروا إلى القبور من رحمة الله وعفوه عنهم في الآخرة؛ لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله لهم.
وقد رجح الطبري قول من قال: قد يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من اليهود من ثواب الله لهم في الآخرة وكرامته؛ لكفرهم وتكذيبهم رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم على علم منهم بأنه لله نبي، كما يئس الكفار منهم الذين مضوا قبلهم فهلكوا، فصاروا أصحاب القبور، وعلل ترجيحه لهذا القول بأنه أولى القولين بتأويل الآية؛ لأن الأموات قد يئسوا من رجوعهم إلى الدنيا، أو أن يبعثوا قبل قيام الساعة -المؤمنون والكفار- فلا وجه لأن يخص بذلك الخبر عن الكفار، وقد شركهم في الإياس من ذلك المؤمنون79.
لقد ضرب الله مثل يأس هؤلاء الكفار من الآخرة ومن ثواب الله فيها، حتى أصبحوا لا يوقنون بالبعث بسبب كفرهم وعنادهم، فانقطع رجاؤهم ويئسوا من نعيم الآخرة كمثل يأس الكفار من بعث موتاهم المقبورين أو من رحمة الله بهم لتيقنهم بعذاب الله لهم80.
وقد ذكر الطاهر ابن عاشور صور التشبيه المحتملة من التعبير القرآني في الآية فقال: إذا كان اليهود لا ينكرون الآخرة كان معنى يأسهم من الآخرة محتملًا أن يراد به الإعراض عن العمل للآخرة، وتشبيه إعراضهم هذا بيأس الكفار من أصحاب القبور وجهه شدة الإعراض وعدم التفكر في الأمر، فشبه إعراضهم عن العمل لنفع الآخرة بيأس الكفار من حياة الموتى والبعث وفيه تشنيع المشبه، ومن أصحاب القبور على هذا الوجه متعلق بيئسوا.
ويجوز أن يكون من أصحاب القبور بيانًا للكفار، أي: الكفار الذين هلكوا ورأوا أن لا حظ لهم في خير الآخرة، فشبه إعراض اليهود عن الآخرة بيأس الكفار من نعيم الآخرة، ووجه الشبه تحقق عدم الانتفاع بالآخرة، والمعنى كيأس الكفار الأموات، والمشبه به معلوم للمسلمين بالاعتقاد، فالكلام من تشبيه المحسوس بالمعقول، وفي استعارة اليأس للإعراض ضرب من المشاكلة أيضًا.
ويحتمل أن يكون يأسهم من الآخرة أطلق على حرمانهم من نعيم الحياة الآخرة، وذكر أن من المفسرين الأولين من جعل يأسهم من الآخرة هو إنكارهم البعث، وجعل تشبيه يأسهم من الآخرة بيأس الكفار من أصحاب القبور أن يأس الكفار الأحياء كيأس الأموات من الكفار، أي: كيأس أسلافهم الذين هم في القبور إذ كانوا في مدة حياتهم آيسين من الآخرة فتكون (ﮅ) بيانيةً صفةً للكفار، وليست متعلقة بفعل يئس فليس في لفظ الكفار إظهار في مقام الإضمار وإلا لزم أن يشبه الشيء بنفسه كما قد توهم 81.
وعلى جميع الأقوال وأيًا كان وجه التشبيه، فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة قوم غضب الله عليهم، بأبلغ أسلوب، وأحكم بيان، وهو ضرب المثل، حيث وصفت هؤلاء القوم بأنهم قد أحاط بهم غضب الله؛ بسبب فسوقهم عن أمره، وإعراضهم عن طاعته، وإنكارهم للدار الآخرة وما فيها من جزاء.
إن خروج الموتى للحساب والجزاء يكون من القبر، فبدء الحياة الآخرة للإنسان تكون بانتهاء حياة البرزخ، وقد جاءت الآيات القرآنية تتحدث عن البعث من القبور إلى دار الحساب والجزاء، وذلك في سياق إثبات البعث، والحديث عن أهوال القيامة.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الحج:٧].
يؤكد سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن القيامة التي وعد أن يبعث فيها الموتى من قبورهم آتية لا محالة، فالله سيبعث من في القبور من الأموات أحياء إلى موقف الحساب ولا شك في ذلك ولا مراء 82.
فالله سبحانه الذي أوجد الإنسان والنبات والمخلوقات بأطوار مختلفة قادر على إعادة إحياء الموتى بعد موتهم وبعثهم وإخراجهم من القبور للحساب، فهو سبحانه الذي بدأ الخلق وهو يعيده، إنه على كل شيء قدير، «فلما أقام سبحانه وتعالى الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة، وأنه سبحانه وتعالى قادر على كل الممكنات وجب القطع بكونه قادرًا على الإعادة وإذا ثبت الإمكان والصادق أخبر عن وقوعه، فلا بد من القطع بوقوعه»83.
فإذا تأملنا في خلق الحيوان والنبات أمكننا أن نستدل بذلك على وجود الخالق وقدرته على إحياء الموتى، وعلى غيرها من الممكنات، وأن الساعة آتية لا شك فيها، وأنه يبعث من فى القبور للحساب والجزاء، ولولا ذلك ما أوجد هذا العالم؛ لأن أفعاله سبحانه وتعالى مبنية على الحكم الباهرة، والغايات السامية 84.
وقد جاءت الآيات تتحدث عن خروج أهل القبور في سياق الحديث عن أهوال يوم القيامة، ففي سورة الانفطار تصور الآيات مشهد الاضطراب والزلزال الذي يصيب الكون، فالسماء تنفطر وتنشق، والكواكب تنتثر، والبحار تنفجر، والقبور تتبعثر، قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ) [الانفطار:٤].
فالقبور يصير باطنها ظاهرها، والتراب الذي كان فيها يبعثر ويزال، ويخرج الموتى منها مسرعين للحساب والجزاء، «وبعثرة القبور إما أن تكون بسبب من هذه الأحداث السابقة، وإما أن تكون حادثا بذاته يقع في ذلك اليوم الطويل، الكثير المشاهد والأحداث، فتخرج منها الأجساد التي أعاد الله إنشاءها- كما أنشأها أول مرة- لتتلقى حسابها وجزاءها» 85.
وفي سياق الوعيد لمن أنكر البعث، وللكافر الذي لا يعمل للآخرة، وأنكر نعم الله عليه، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [العاديات:٩].
أي: ألا يعلم هذا الإنسان أن القبور ستبعثر، وأن الموتى سيخرجون منها لملاقاة الله، وللحساب والجزاء، وأن الله أعد ثوابًا وجنةً للمؤمن، وعقابًا ونارًا للكافر، أفلا يعتبر ويعد العدة ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويملأ صحيفته بالعبادة، ففي الآية «تهديدٌ ووعيدٌ، والهمزة للإنكار، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي: أيفعل ما يفعل من القبائح؟ أو ألا يلاحظ فلا يعلم حاله إذا بعث من في القبور من الموتى؟!»86.
«فالمعنى: لو علم الإنسان الكافر ما له في ذلك اليوم لزهد في الكفر، وبادر إلى الإسلام» 87.
إن الإنسان بغير إيمان حقير صغير، حقير المطامع، صغير الاهتمامات، ومهما كبرت أطماعه، واشتد طموحه، وتعالت أهدافه، فإنه يظل مرتكسًا في حمأة الأرض، مقيدًا بحدود العمر، سجينًا في سجن الذات، لا يطلقه ولا يرفعه إلا الاتصال بعالم أكبر من الأرض، وأبعد من الحياة الدنيا، وأعظم من الذات، عالم يصدر عن الله الأزلي، ويعود إلى الله الأبدي، وتتصل فيه الدنيا بالآخرة إلى غير انتهاء فاللفتة في الآية الكريمة لعلاج الكنود والجحود والأثرة والشح؛ لتحطيم قيد النفس وإطلاقها منه، مع عرض مشهد البعث والحشر في صورة تنسي حب المال والدنيا، وتوقظ من غفلة البطر؛ لقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) إنه مشهد اضطراب الكون، وهو مشهد عنيف مثير، بعثرة لما في القبور، بعثرة بهذا اللفظ العنيف المثير، وتحصيل لأسرار الصدور التي خبأتها بعيدا عن العيون، تحصيل بهذا اللفظ العنيف القاسي، فالجو كله عنف وشدة وتعفير أفلا يعلم إذا كان هذا؟ ولا يذكر ماذا يعلم؟ لأن علمه بهذا وحده يكفي لهز المشاعر 88.
إن السلامة من عذاب القبر والنجاة منه، باتباع سبل وأسباب النجاة -أسأل الله لنا ولكم النجاة- وإن من أعظم سبل النجاة من عذاب القبر هو تحقيق التوحيد والاستقامة على طاعة الله واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [فصلت:٣٠].
وقد جاء في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم إذا سئل في القبر: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) فذلك قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ) [إبراهيم: ٢٧]89.
ومن أنفع الأسباب كذلك للنجاة من عذاب القبر ما ذكره الإمام ابن القيم أن من أنفعها أن يتفكر الإنسان قبل نومه ساعة يحاسب فيها نفسه على ما خسره وما ربحه في يومه ويذكرها بعمله، فإن كان مقصرًا زاد في عمله، وإن كان عاصيًا تاب إلى الله، وليجدد له توبة قبل نومه بينه وبين الله فينام على تلك التوبة، ويعزم على أن لا يعود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلًا للعمل مسرورًا بتأخير أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته، وفي ذلك نجاة من عذاب القبر، ومن عذاب النار90.
فالذي ينجي المرء من عذاب القبر أن يكون الإنسان مستعدًا للموت، حتى إذا فاجأه الموت لم يعض أصبع الندم، ومن الاستعداد للموت الإسراع في التوبة، وقضاء الحقوق، والحذر من المعاصي، والإكثار من الأعمال الصالحة، فإن الإيمان والطاعات من الصلاة والصوم والزكاة والصدقة والحج والجهاد وبر الوالدين وصلة الأرحام وذكر الله عز وجل، وحضور مجالس العلم التي ضيعها الناس وانشغلوا عنها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من صالح الأعمال تحفظ العبد المؤمن، وتثبته في القبر، وبها يجعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا91.
ففي الحديث الذي رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصوم عن يمينه، وكانت الزكاة عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخلٌ، ويؤتى من عن يمينه، فيقول الصوم ما قبلي مدخلٌ، ويؤتى من عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخلٌ، ويؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات: ما قبلي مدخلٌ.
فيقال له: اقعد فيقعد، وتمثل له الشمس قد دنت للغروب فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم، وما تشهد به؟ فيقول: دعوني أصلي، فيقولون: إنك ستفعل ولكن أخبرنا عما نسألك عنه قال: وعم تسألوني عنه؟ فيقولون: أخبرنا عما نسألك عنه، فيقول: دعوني أصلي. فيقولون: إنك ستفعل ولكن أخبرنا عما نسألك عنه، قال: وعم تسألوني؟ فيقولون: أخبرنا ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم وما تشهد به عليه؟ فيقول: محمدًا، أشهد أنه عبد الله، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله.
ثم يفتح له بابٌ من قبل النار فيقال له: انظر إلى منزلك وإلى ما أعد الله لك، لو عصيت فيزداد غبطةً وسرورًا، ثم يفتح له بابٌ من قبل الجنة فيقال له: انظر إلى منزلك، وإلى ما أعد الله لك فيزداد غبطةً وسرورًا)، وذلك قول الله تبارك وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ) [إبراهيم: ٢٧])92.
ومن المنجيات من عذاب القبر الرباط والشهادة في سبيل الله، ففي حديث فضالة ابن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله إلا الذى مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر)93.
وكذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المقدام بن معدي كرب خصال الشهيد، ومنها: أنه يجار من عذاب القبر حيث قال صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصالٍ: يغفر له في أول دفعةٍ، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)94.
اللهم اجعلنا من أهل الرباط والشهادة في سبيلك.
وإن في المحافظة على قراءة سورة الملك لنجاة أيضًا من عذاب القبر، فقد ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب القبر) 95.
إن نعيم القبر للمؤمن ثابت كما أن عذاب القبر ثابت بالكتاب والسنة، فالقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، يقول ابن القيم: «مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين» 96.
وإن أول نعيم يلقاه المؤمن في قبره أن الله سبحانه وتعالى يثبته عند سؤال الملكين.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ) [إبراهيم: ٢٧].
فالله سبحانه وتعالى يثبت المؤمنين بالقول الثابت الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم في الحياة الدنيا فلا يزلون إذا افتتنوا في دينهم، فيجعلهم متمسكين بالحق، ثابتين عليه لا يصرفهم عنه صارف، وعند الموت يثبتهم على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة، وبعد الموت في القبر الذي هو منزل من منازل الآخرة، فلا يتلعثمون، ولا يضطربون إذا سألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم، فيجيبون بالصواب عن معتقداتهم، وفي مواقف القيامة يثبتهم الله فلا تدهشهم أحوال القيامة الغريبة عنهم97.
وتحدث القرآن الكريم عن مقام الشهداء ونعيمهم في مرحلة البرزخ.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [البقرة: ١٥٤].
وقال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ١٦٩].
فالآيات تنهى عن القول للشهداء أنهم أموات، بل هم أحياء في قبورهم حياة ذات معالم خاصة، يرزقون فيها على كيفية، الله أعلم بها، وفي هذا إشارة إلى أن المؤمن الذي يضحي بنفسه في سبيل نصر دينه ودعوة ربه هو من الشهداء الأبرار الذين يظفرون بجنان الخلد، وهم أحياء، أرواحهم في حواصل طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت 98.
كما ثبت في الحديث عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: (أرواحهم في جوف طيرٍ خضرٍ، لها قناديل معلقةٌ بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً) فقال: (هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيءٍ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مراتٍ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجةٌ تركوا) 99.
«إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك، وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدًا غيرهم في برزخه قبل بعثه، فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها من غيرهم، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم» 100.
فهل هناك أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله سبحانه وتعالى، وتمتعهم برزقه، والفرح، والاستبشار، وزوال كل خوف وحزن، إنه نعيم القبر، حياة برزخية أكمل من الحياة الدنيا 101.
إن حياة البرزخ إما حياة نعيم ينعم فيها المطيعون، أو حياة عذاب يعذب فيها العاصون، من موتهم إلى يوم يبعثون، قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [المؤمنون: ١٠٠]102.
فهنيئًا لمن عد عدته، وأخذ أهبته، ليحظى بأكمل نعيم، فقد روي عن البراء بن عازب قال:(خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض، فرفع رأسه، فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين، أو ثلاثًا).
ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكةٌ من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحنوطٌ من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوانٍ). قال: (فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عينٍ حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسكٍ وجدت على وجه الأرض) قال: (فيصعدون بها، فلا يمرون، يعني بها، على ملإٍ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟
فيقولون: فلان بن فلانٍ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم فيشيعه من كل سماءٍ مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارةً أخرى).
قال: (فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة).
قال: (فيأتيه من روحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره). قال: (ويأتيه رجلٌ حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي، ومالي)103.
موضوعات ذات صلة: |
الثبات، الجزاء، العذاب، الموت، النجاة، اليوم الآخر |
1 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٧٨٤، مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٧٤٠، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٤٧، لسان العرب، ابن منظور، ٥/٦٨.
2 القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب، ١/٢٩٣.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٦٥١.
4 المتواري على تراجم أبواب البخاري، أبو العباس الجذامي، ١/٨٥.
5 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، رقم ٤٢٦٧، ٢/١٤٢٦.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٧، رقم ١٦٨٤.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٢٩.
7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٣٩٠.
8 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٤٣.
9 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ١٠/٣٣٤، مجمل اللغة، ابن فارس، ١/١٨٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ١/١٠٩.
10 انظر: الكليات، الكفوي، ١/٥٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/١٣٠.
11 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد، ٢/١١١٦.
12 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٧/٢٧١، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، الباوردي، ١/٣٨٣، التبيان في تفسير غريب القرآن، ابن الهائم، ١/٢٤٣.
13 انظر: مفاهيم إسلامية، مجموعة من علماء أوقاف مصر، ١/٦٩.
14 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٤/١٢٢، جمهرة اللغة، ابن دريد ١/١٥٦.
15 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، ٣/١٢٧، اللطائف في اللغة، اللبابيدي، ١/٢٩٠.
16 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٣٠٨، المغرب في ترتيب المعرب، لأبي المكارم بن علي ١/٤٢٢.
17 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي،١/٢٨٨.
18 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٣/٣٨٨، الفروق اللغوية، العسكري، ١/٢٢٨.
19 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي، ٢/١٣٧١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٩/٢١٩، تفسير المراغي، ٣٠/٤٥.
20 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٤/٧٠٣، مفاتيح الغيب، الرازي، ٣١/٥٨، في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦/٣٨٣١.
21 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٤٧٣، التفسير الحديث، دروزة عزت، ٢/١٥.
22 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٤/١٣٣.
23 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الجنائز، باب ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: اللحد لنا، ٣/٣٥٤، رقم ١٠٤٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٦٤، رقم ٥٤٨٩.
24 انظر: تحفة الفقهاء، السمرقندي، ١/٢٥٥، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، مجموعة من المؤلفين، ١/١١٨.
25 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٤/١١٢.
26 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ١/٥٠٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٢٨، في ظلال القرآن، سيد قطب، ٢/٨٧٧.
27 انظر: تفسير المراغي، ٦/١٠١.
28 الجامع لأحكام القرآن، ٦/١٤٣.
29 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٦/١٧٤.
30 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢٠/١٧٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٩/١٩٤، التفسير المنير، الزحيلي، ٣٠/٣٨٨.
31 الجامع لأحكام القرآن، ٢٠/١٧٣.
32 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥١.
33 أخرجه أبو يعلى في مسنده، مسند أبي هريرة، ١١/٥٢١، رقم ٦٦٤٤.
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٣/٢١٧.
34 انظر: التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٢/٥٠٨.
35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٣٠٢.
36 انظر: الجامع لأحكام القرآن، ٧/٤١.
37 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٤/٤٣٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٦٤.
38 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، ص ٢٧٥.
39 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/١٩١، تفسير ابن عباس، الفيروزآبادي، ١/٣٤٩.
40 انظر: الجامع لأحكام القرآن، ١٥/٣١٩، زاد المسير، الجوزي، ٤/٤٠، لباب التأويل، الخازن،٤/٨٥.
41 الإكليل في استنباط التنزيل، ص ٢٢٦.
42 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٨/٣١٢.
43 في ظلال القرآن، ٥/٣٠٨٤.
44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده، رقم ١٣٧٩، ٢/٩٩.
45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، رقم ١٣٤، ١/٤١٣.
46 انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، الفوزان، ص ٢٨٣.
47 انظر: الروح، ١/٦٣.
48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول، رقم ٢١٨، ١/٥٣.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، رقم ٧٠٤٧، ٩/٤٤.
50 انظر: الروح، ابن القيم، ص٧٧، لوامع الأنوار البهية، السفاريني، ٢/١٩.
51 الروح، ابن القيم، ص٧٨.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب من ترك مالا، رقم ١٦١٩، ٣/١٢٣٧.
53 انظر: فقه السنة، سيد سابق، ١/٥٢١، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، مجموعة من المؤلفين، ١/١١٤.
54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب في التكبير على الجنازة، رقم ٩٥٢، ٢/٦٥٧.
55 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٤٧.
56 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة، ٢/٤١٣، تفسير ابن عرفة، ابن عرفة، ٢/٦٣٥، الفروق، القرافي، ٢/٥١.
57 الجامع لأحكام القرآن، ٨/٢٢١.
58 انظر: مفاتيح الغيب، ١٦/١١٥.
59 تفسير الشعراوي، ٩/٥٣٨٩.
60 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٤/٤٠٥، زاد المسير، ابن الجوزي، ٢/٢٨٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/٢٢٣، البحر المديد، ابن عجيبة، ٢/٤١٣.
61 التحرير والتنوير، ١٠/٢٨٥.
62 انظر: الإكليل، السيوطي، ١/١٤٣، محاسن التأويل، القاسمي، ٥/٤٧٢.
63 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف، رقم ٣٢٢١، ٣/٢١٥.
64 أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في البناء على القبور، رقم ٣٢٢٥، ٣/٢١٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٥٥، رقم ٦٨٤١.
65 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب النهي عن تجصيص القبور والبناء عليها، رقم ٩٤، ٢/٦٦٧.
66 انظر: فتاوى نور على الدرب، ابن باز، ١٤/٩٥.
67 زاد المعاد، ١/٥٠٤.
68 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه، رقم ١٠٦، ٢/٦٧٢.
69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه، رقم ١٠٨، ٢/٦٧١.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب ما يقال عند دخول القبور، رقم ١٠٤، ٢/٦٧١.
71 زاد المعاد، ١/٥٠٧.
72 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، ١/١٦٥.
73 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٤٥٧، التفسير المنير، الزحيلي، ٢٢/٢٥٥، في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٩٣٩، التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٦/٢٦٤.
74 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٤٥٨.
75 التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٦/٢٦٤.
76 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي١٤/٣٤٠، لباب التأويل، الخازن، ٣/٤٥٦، التفسير المنير، الزحيلي،٢٢/٢٥٥.
77 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي،٤/٢٥٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/١٥٠، محاسن التأويل، القاسمي، ٨/١٦٥.
78 التحرير والتنوير، ٢٢/٢٩٥.
79 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٣/٣٤٦.
80 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،٨/١٠٣، التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٨/١٢٠.
81 انظر: التحرير والتنوير، ٢٨/١٦٩، باختصار.
82 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/٥٧٢.
83 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٤/٢٦.
84 انظر: تفسير المراغي، ١٧/٩٠.
85 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦/٣٨٧٤.
86 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٩/١٩١.
87 زاد المسير، ابن الجوزي، ٤/٤٨٢.
88 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦/٣٩٥٧، بتصرف.
89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)، رقم ٤٦٩٩، ٦/٨٠.
90 انظر: الروح، ١/٧٩.
91 انظر: القيامة الصغرى، عمر الأشقر، ١/٦٨.
92 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الجنائز، رقم ١٤٠٣ ١/٥٣٥.
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم ٣٥٦١، ٣/٢١٩.
93 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من مات مرابطا، رقم ١٦٢١، ٤/١٦٥.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ١٢١٨، ٢/٣١.
94 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد، باب في ثواب الشهيد، رقم ١٦٦٣، ٤/١٨٧.
قال الترمذي: حديث صحيح غريب.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ١٣٧٥، ٢/٦٧.
95 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب التفسير، رقم ٣٨٣٩، ٢/٥٤٠، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١١٤٠.
96 الروح، ص ٥٢.
97 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ٢/٢٦٠، التفسير المنير، الزحيلي، ١٣/٢٤٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٢٥.
98 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢/٤٠.
99 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، رقم ١٢١، ٣/١٥٠٢.
100 جامع البيان، الطبري،٣/٢١٦.
101 انظر: تفسير المراغي، ٢/٢٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧٥.
102 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٥٩.
103 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٠/٤٩٩، رقم ١٨٥٣٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٤، رقم ١٦٧٦.