عناصر الموضوع

مفهوم الفطرة

الفطرة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الله تعالى فاطر الموجودات

الفطرة والإيمان بالله

الانحراف عن الفطرة

الاستقامة على الفطرة

الفطرة

مفهوم الفطرة

أولًا: المعنى اللغوي:

يدل أصل مادة (فطر) على فتح شيء وإبرازه، من ذلك الفطر من الصوم. يقال: أفطر إفطارًا. وقومٌ فطرٌ أي مفطرون. ومنه الفطر، بفتح الفاء، وهو مصدر فطرت الشاة فطرًا، إذا حلبتها1.

والفطرة: الاستقامة على التوحيد2.

وفطر: اخترع وأنشأ3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الفطرة: «الجبلة المتهيئة لقبول الدين» 4.

وقيل: «الخلقة؛ لأن من معاني الفطرة الخلقة 5، التي خلق الله عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها: على محبة الخير وإيثاره، وكراهية الشر ودفعه، وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله، والتقرب إليه» 6.

قال النبي صلى الله عليه وسلم 7: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الروم: ٣٠])8.

وولادة المولود في سياق هذا الخطاب النبوي يكون معناها «أي على الجبلة القابلة لدين الحق»9.

الفطرة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (فطر) في القرآن الكريم (١٩) مرة، ويخص موضوع البحث منها (١٥) مرة10.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٨

( ) [الأنعام:٧٩]

اسم الفاعل

٦

( ) [الأنعام:١٤]

المصدر

١

( ) [الروم:٣٠]

ووردت الفطرة في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: إيجاده الشيء وإبداعه11. ولم تخرج في الاستعمال القرآني عن معناها اللغوي.

الألفاظ ذات الصلة

النشأة:

النشأة لغة:

أصل مادة (نشأ) يدل على ارتفاعٍ في شيءٍ وسموٍ. ونشأ السحاب: ارتفع. وأنشأه الله: رفعه12، ويقال: «أنشأه الله: خلقه. وأنشأ الله الخلق أي: ابتدأ خلقهم13.

النشأة اصطلاحًا:

الدلالة الاصطلاحية لمصطلح الإنشاء هي (الابتكار).

الصلة بين النشأة والفطرة:

دلالة مصطلح النشأة على الابتكار لها صلة بإحدى معاني الفطرة وهي (الإبداع)؛ لأن الله عز وجل ينشأ الفطرة في الإنسان ويبدعها من العدم.

الغريزة:

الغريزة لغة:

أصل مادة (غرز) على الإدخال والقرب والحبس 14. وأقرب المعاني اللغوية لدلالة لفظة (الغريزة) اصطلاحًا نفسيًا هو معنى (الحبس) فكأن الغريزة محبوسة في الإنسان كحبس اللبن في جسم الناقة فغرز ولم يخرج.

الغريزة اصطلاحًا:

«سجية، فطرة، طبيعة من خير أو شرٍ تصدر عنها صفات ذاتية»انقاد لغريزته- مكافحة الغرائز البهيمية» 15، «هي ملكة تصدر عنها صفات ذاتية» 16 ومن معانيها الطبيعة 17.

الصلة بين الغريزة والفطرة:

الغريزة أخص من الفطرة فبينهما عموم وخصوص، فالغريزة إحدى جوانب الفطرة.

الجبلة:

الجبلة لغة:

الفطرة. جبل الله عز وجل الخلق يجبلهم ويجبلهم. وهذه جبلة فلان أي خليقته التي خلق عليها «18، «وجبلة الوجه: بشرته» 19.

الجبلة اصطلاحًا:

إن الجبلة تعني الخلق 20 و«الجبلة: الطبيعة والخلقة المركوزة في أصل الخلقة» 21.

الصلة بين الجبلة والفطرة:

الجبلة تعطي معنى من معاني الفطرة (الخلقة).

الله تعالى فاطر الموجودات

إن من أهم ركائز الفطرة الصحيحة الإيمان بالله جل وعلا الفاطر أي فاطر الموجودات كيف لا وهو مبدعها صغيرها وكبيرها، ومن أسمائه (الفاطر)، وهو فاطر أعظم شيئين في الكون وهما السموات والأرض، وهو فاطر الخلق؛ لكن بعض الناس جحدوا فطرة الله سبحانه وتعالى وراحوا يؤلفون مناهج أرضية إنسانية قاصرة بحجة أن الله عاجز عن تدبير شؤون خلقه، فحول ملاحدة الشيوعية الشهادة لله بالوحدانية إلى ضلالة.

فبدلوا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بكلمة أخرى وهي (لا إله والكون مادة)، هذا بالنسبة للشيوعية، وأما بالنسبة لمتزعمي الرأسمالية في أمريكا وأوربا فإنهم مشركون ووثنيون: يعتقدون بآلهة ثلاثة: «الأب والإبن و روح القدس»، ويقدسون الصليب، وعبدوا المادة التي خلقها الله فضلوا وأضلوا، سنتناول في جو هذا المبحث المحاور التي ذكرناها وهي (اسم الله الفاطر ودلالته، والله فاطر السموات والأرض، والله فاطر الخلق).

أولًا: اسم الله الفاطر ودلالته:

ودليله قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [فاطر: ١].

وتعني لفظة «الفاطر: الخالق، المنشئ للخلق» 22.

فأغلب مواضع لفظة (فاطر) في القرآن الكريم تعني الخالق 23.

وهي «المخترع المبتدي، وسوق هذه الصفة احتجاج على الشاكين يبين التوبيخ، أي أيشك فيمن هذه صفته؟ فساق الصفة التي هي منصوبة لرفع الشك» 24.

وأما اشتقاقه «فاشتقاقه من الفطر وهو الشق، ويشبه أن يكون معناه هو الإحداث دفعةً» 25.

ودلالة «كونه فاطرًا فهو عبارةٌ عن الإيجاد والابداع، فكونه تعالى خالقًا إشارةٌ إلى صفة العلم، وكونه فاطرًا إشارةٌ إلى صفة القدرة»26.

«فثبت أنه سبحانه هو الفاطر لكل ما سواه من الموجودات» 27.

و«أن لفظ الفاطر قد يظن أنه عبارةٌ عن تكوين الشيء عن العدم المحض بدليل الاشتقاق الذي ذكرناه، إلا أن الحق أنه لا يدل عليه ويدل عليه وجوهٌ:

أحدها: أنه قال: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاطر: ١].

ثم بين تعالى أنه إنما خلقها من الدخان حيث قال: ( ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [فصلت:١١].

فدل على أن لفظ الفاطر لا يفيد أنه أحدث ذلك الشيء من العدم المحض.

وثانيها: أنه قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الروم: ٣٠].

مع أنه تعالى إنما خلق الناس من التراب. قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [طه: ٥٥].

وثالثها: أن الشيء إنما يكون حاصلًا عند حصول مادته وصورته مثل الكوز، فإنه إنما يكون موجودًا إذا صارت المادة المخصوصة موصوفةً بالصفة المخصوصة، فعند عدم الصورة ما كان ذلك المجموع موجودًا، وبإيجاد تلك الصورة صار موجدًا لذلك الكوز فعلمنا أن كونه موجدًا للكون لا يقتضي كونه موجدًا لمادة الكوز، فثبت أن لفظ الفاطر لا يفيد كونه تعالى موجدًا للأجزاء التي منها تركبت السموات والأرض، وإنما صار إلينا كونه تعالى موجدًا لها بحسب الدلائل العقلية لا بحسب لفظ القرآن» 28.

وقال آخرون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) يعني البدأة التي ابتدأهم عليها يريد أنه مولود على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من قبولهم عن آبائهم اعتقادهم. قالوا والفطرة في كلام العرب البداءة والفاطر المبدئ والمبتدئ، فكأنه قال: صلى الله عليه وسلم يولد على ما ابتدأه الله عليه من الشقاء والسعادة وغير ذلك مما يصير إليه وقد فطره عليه واحتجوا بقوله تعالى ( ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [ الأعراف: ٢٩ - ٣٠ ].

وروى بإسناده إلى ابن عباس قال: لم أدر ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي: ابتدأتها 29 «وكونه تعالى هو الفاطر للموجودات يستحق إفراده بالعبادة و (ﮭ ﮮ) توقيفٌ على استحالة الألوهية لغير الفاطر» 30.

وقال تعالى على لسان الرجل الذي جاء من أقصا المدينة يدعوهم: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس: ٢٢].

«أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم؛ لأن الفطرة أثر النعمة فكانت عليه أظهر، وفي الرجوع معنى الزجر فكان بهم أليق» 31.

ثانيًا: الله تعالى فاطر السماء والأرض:

من خلال البحث في القرآن الكريم لغرض معرفة مواضع ورود لفظ () مقترنًا بلفظي (ﮤ ﮥ) نجده في عدة مواضع ترد في سياق بيان القدرة الباهرة لله عز وجل من ذلك قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنعام: ١٤].

وفاطر السماوات أي: «مبتدئهما»32، و«يعني خلقكم خالق السموات والأرض»33.

كذلك نجد موضعًا آخر في سياق سورة يوسف عليه السلام لبيان النعم الإلهية في قوله - جل وعلا: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [يوسف: ١٠١ ].

وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [إبراهيم: ١٠ ].

وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [فاطر: ١ ].

«يعني أنه بدأ خلقها فقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) يعني على تلك البداية التي ابتدأ الله - عز وجل خلقه بها، وأخذ مواثيقهم عليها من الاقرار له بالربوبية، ثم يعرب عنه لسانه بما يلقنه أبواه من الشرائع والأديان، فيعرب بها، وينسب إليها»34.

وفطر السموات والارض توسل إلى الله بهذا الوصف في الهداية للفطرة التي ابتدأ الخلق عليها، فذكر كونه فاطر السموات والارض، والمطلوب تعليم الحق والتوفيق له، فذكر علمه سبحانه وتعالى بالغيب والشهادة، وإن من هو بكل شيء عليم جدير أن يطلب منه عبده أن يعلمه ويرشده ويهديه، وهو بمنزلة التوسل إلى الغني بغناه وسعة كرمه أن يعطى عبده شيئا من ماله «35، وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الزمر: ٤٦ ].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى: ١١].

ثالثًا: الله تعالى فاطر الخلق:

إن الإنسان بكل إدراكاته الحسية والعقلية يؤمن بأن له خالقًا عظيمًا بالفطرة، فالله تبارك وتعالى - فاطر الخلق، وقد وردت عدة آيات كريمات بهذا الخصوص تبين بأن الله سبحانه وتعالى هو فاطر الخلق. وهاهنا وضمن هذا السياق يعني مفهوم الفطرة: (البداية)؛ فالله هو الذي يبدئ الأشياء بدلالة قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [يونس: ٣٤ ].

«وهذا مقام تقرير وتعديد الاستدلال، وهو من دواعي التكرير وهو احتجاج عليهم بأن حال آلهتهم على الضد من صفات الله تعالى؛ فبعد أن أقام عليهم الدليل على انفراد الله تعالى بالرزق وخلق الحواس وخلق الأجناس وتدبير جميع الأمور، وأنه المستحق للإلهية بسبب ذلك الانفراد، بين هنا أن آلهتهم مسلوبة من صفات الكمال، وأن الله متصف بها»36؛ فهو قادر على إعادتهم لأنه هو الفاطر المبدع 37.

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الرعد: ١٦].

ونجد بأن «المعنى أنهم لم يجعلوا لله تعالى (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) بسبب ذلك، وقالوا: هؤلاء خلقوا كخلق الله تعالى، واستحقوا بذلك العبادة كما استحقها سبحانه؛ ليكون ذلك منشأ لخطئهم، بل إنما جعلوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق، فضلًا عما يقدر عليه الخالق، والمقصود هو الإنكار والنفي هو والمقيد على ما نص عليه غير واحد من المحققين، وفي الانتصاف أن (ﮟ ﮠ) في سياق الإنكار جيء به للتهكم؛ فإن غير الله تعالى لا يخلق شيئًا ولا مساويًا ولا منحطًا، وقد كان يكفي في الإنكار لولا ذلك أن الآلهة التي اتخذوها لا تخلق.» 38.

ففي ذلك دلالة واضحة جد الوضوح على القدرة الباهرة لله تبارك وتعالى.

وقال تعالى أيضًا: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المؤمنون: ١٧ ].

ففي ذلك انتقال من الاستدلال بخلق الإنسان في قوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المؤمنون: ١٢ ].

إلى الاستدلال بخلق العوالم العلوية؛ لأن أمرها أعجب وأغرب، وإن كان خلق الإنسان إلى نظره أقرب؛ وذلك للتنبيه على أن الذي خلق هذا العالم العلوي ما خلقه إلا لحكمة بالغة، وأن الحكيم لا يهمل ثواب الصالحين على حسناتهم، ولا جزاء المسيئين على سيئاتهم، وأن جعله تلك الطرائق فوقنا بحيث نراها ليدلنا على أن لها صلة بنا؛ لأن عالم الجزاء كائن فيها، ومخلوقاته مستقرة فيها، والمراد بها هنا طرائق سير الكواكب السبعة وهي أفلاكها، أي الخطوط الفرضية التي ضبط الناس بها سموت سير الكواكب 39.

ومن ذلك أيضًا قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النمل: ٦٤ ] (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [العنكبوت: ١٩].

(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [العنكبوت: ٢٠ ](ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الروم: ١١ ].

(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الروم: ٢٧ ].

الفطرة والإيمان بالله

يعالج هذا المحور إحدى القضايا الجوهرية، وهي قضية دور الفطرة وما حققته من مكتسبات في بنية الإنسان؛ فبعد ما آمن الإنسان بأن الله عز وجل فاطر الموجودات وأقر إقرارًا يقينيًا بذلك لا يشوبه غبار الشرك والالحاد، وإن لهذا الفاطر سبحانه حقوقًا وواجبات يؤديها المخلوق، يأتي الإنسان وقد وصل إلى الدرجة القصوى من الإيمان بذلك، فينعكس عليه ويكون موثرًا في بنائه الكلي الحسي والمعنوي، فنجد هاهنا دور الفطرة في الإيمان بالله تبارك وتعالى واقعًا سلوكيًا ملموسًا.

أولًًا: الفطرة والإيمان بالله:

إن صاحب الفطرة السليمة يجب أن يكون مؤمنًا بالله - سبحانه وتعالى بوصفه الخالق لكل شيء؛ لذلك نجد بأن «كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها» 40.

و«أنه إذا ثبت أن في الفطرة قوة تقتضي طلب معرفة الحق وإيثاره على ما سواه فلقد ركز في فطرته الإقرار بالخالق، وهو التوحيد، ومحبة القصاص وهو العدل، وإذا ثبت ذلك ثبت أن الفطرة نفسها مقتضية لمعرفته سبحانه ومحبته وإجلاله وتعظيمه والخضوع له من غير تعليم ولا دعاء إلى ذلك، وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك، بل يحتاج كثير منهم إلى سبب معين للفطرة مقوٍ لها، وقد بينا أن هذا السبب لا يحدث في الفطرة ما لم يكن فيها، بل يعينها ويذكرها ويقويها، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين يدعون العباد إلى موجب هذه الفطرة.

فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة عن مقتضاها استجابت لدعوة الرسل، ولابد بما فيها من المقتضي لذلك، كمن دعا جائعًا أو ظمآنًا إلى شراب أو طعام لذيذ نافع، لا تبعة فيه عليه، ولا يكلفه ثمنه، فإنه ما لم يحصل هناك مانع فإنه يجيبه ولا بد ومن المعلوم إن كل نفس قابلة لمعرفة الحق وإرادة الخير، ومجرد التعليم لا يوجب تلك القابلية، فلولا أن في النفس قوة تقبل ذلك لم يحصل لها القبول، فإن لحصوله في المحل شروطًا مقبولة، وذلك القبول هو كونه مستعدًا مهيئًا له مستعدًا لحصوله فيه»41.

وأما بالنسبة لقضية «دلالة الفطرة على ثبوت صفات الكمال لله؛ فلأن النفوس السليمة مجبولة ومفطورة على محبة الله، وتعظيمه، وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من عرفت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته» 42.

و«الله تعالى فطر الخلق كلهم: العرب، والعجم حتى البهائم على الإيمان به وبعلوه، فما من عبد يتوجه إلى ربه بدعاء أو عبادة إلا وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو، وارتفاع قلبه إلى السماء لا يلتفت إلى غيره يمينًا، ولا شمالًا، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين والأهواء»43.

والإيمان بالله تعالى يتضمن الإيمان بوحدانيته، واستحقاقه للعبادة أيضًا؛ لأن وجوده جل وعلا لا شك فيه ولا ريب، وقد دلت على وجوده سبحانه وتعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس44.

وإن «أمر الدين غاية ما يجتنيه العقل من ثمرات بحثه المستقل فيه، بعد معاونة الفطرة السليمة له، هو أن يعلم أن فوق هذا العالم إلهًا قاهرًا دبره، وأنه لم يخلقه باطلًا، بل وضعه على مقتضى الحكمة والعدالة. فلابد أن يعيده كرة أخرى لينال كل عامل جزاء عمله إن خيرًا وإن شرًا» 45.

وإن «نداء الإيمان محبب إلى قلوب المؤمنين الصادقين العاملين المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نداء الفطرة، ويحمل أعظم رسالة، ويؤدي أفضل وظيفة، إنه الداعي إلى الله تبارك وتعالى وإلى الخير كله، وإلى النور والطمأنينة، والحياة السعيدة في الدنيا، ويبشر بالحياة الكريمة الأبدية في الآخرة»46.

فله جزاء عاجل (دنيوي) وجزاء آجل (أخروي)؛ فالإيمان بالله - سبحانه وتعالى إلهًا يستحق الخضوع أمر ثابت مستقر في النفوس في أصل الفطرة الإنسانية؛ ذلك لأن من الفطرة الإيمان بالله تبارك وتعالى، فالفطرة فطرتان، فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه من الموجودات، وفطرة عملية عبارة عن مجموعة خصال أخلاقية، فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب بالإيمان بالله، والثانية تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها47.

وفي حال استعمل الإنسان عقله وحسه يدرك بأن معرفة الله - جل وعلا - فطرية، والمقصود بهذا أن كل إنسان يولد على صفة تقتضي إقراره بأن له خالقًا مدبرًا، وتستوجب إيمانه المطلق به، وهي صفة في حد ذاتها مغروزة في الإنسان، تقتضي اعتقاده للحق دون الباطل، وإرادته للنافع دون الضار، وفي الوقت الذي يعلم فيه علم اليقين بالبراهين القاطعة أن وجود الخالق هو أعظم الحقائق والتأله له أعظم المنافع، يتعين بذلك أن يكون في الفطرة ما يقتضيه معرفة الصانع والإيمان به48.

وقال في ذلك ابن أبي العز الحنفي في معرض تعليقه على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) «وهذا الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم هو الذي تشهد الأدلة العقلية بصدقه. منها، أن يقال: لا ريب أن الإنسان قد يحصل له من الاعتقادات والإرادات ما يكون حقًا، وتارةً ما يكون باطلًا، وهو حساسٌ متحركٌ بالإرادات، ولا بد له من أحدهما، ولا بد له من مرجحٍ لأحدهما.

ونعلم أنه إذا عرض على كل أحدٍ أن يصدق وينتفع وأن يكذب ويتضرر، مال بفطرته إلى أن يصدق وينتفع، وحينئذٍ فالاعتراف بوجود الصانع الإيمان به هو الحق أو نقيضه، والثاني فاسدٌ قطعًا، فتعين الأول، فوجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع والإيمان به» 49.

وأدلة ذلك كثيرة في الخطاب القرآني منه، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣ ].

«أي: ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم: (ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ) فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل.

ويدل عليه قوله: (ﭺ ﭻ ﭼ) أي كراهة أن تقولوا. (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) لم ننبه عليه بدليل» 50.

لذا فإن «الفطرة هي العهد الذي أخذ عليهم بقوله تعالى: (ﭲ ﭳﭴ ﭵ)، وكلٌ مقرٌ بأن له صانعًا مدبرًا، وإن عبد ما سواه ظنًا منه أنه يقربه إليه، قال الله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الزخرف: ٨٧].

وقالوا: أي الذين اتخذوا من دونه أولياء (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الزمر: ٣].

وكل مولودٍ في العالم على ذلك الإقرار، وهو الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها»51.

فقد قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال: ٢٤ ].

و«المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي، ففيه الحياة الأبدية، والنعمة السرمدية» 52.

وكذلك «الإشهاد على الأنفس يطلق على ما يساوي الإقرار أو الحمل عليه، وهو هنا الحمل على الإقرار، واستعير لحالة مغيبة تتضمن هذا الإقرار يعلمها الله لاستقرار معنى هذا الاعتراف في فطرتهم»53.

وقال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [يونس: ٩٠ ].

أي: صدقت والإيمان لا ينفع حينئذٍ، والتوبة مقبولةٌ قبل رؤية البأس 54.

و«هو أنه إنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة والمحنة الناجزة، فما كان مقصوده من هذه الكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى، والاعتراف بعزة الربوبية وذلة العبودية، وعلى هذا التقدير فما كان ذكر هذه الكلمة مقرونًا بالإخلاص، فلهذا السبب ما كان مقبولًا» 55.

و«أن ذلك الإقرار كان مبنيًا على محض التقليد، ألا ترى أنه قال: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله، إلا أنه سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلهًا، فهو أقر بذلك الإله الذي سمع من بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده، فكان هذا محض التقليد.

فلهذا السبب لم تصر الكلمة مقبولةً منه، ومزيد التحقيق فيه أن فرعون على ما بيناه في سورة طه كان من الدهرية، وكان من المنكرين لوجود الصانع تعالى، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته، إلا بنور الحجج القطعية، والدلائل اليقينية، وأما بالتقليد المحض فهو لا يفيد، لأنه يكون ضمًا لظلمة التقليد إلى ظلمة الجهل السابق» 56.

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الشورى: ٤٧ ].

وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [البقرة: ٢١ ].

فإن «معنى (ﮞ ﮟ): وحدوا ربكم أن معنى العبادة: الخضوع لله بالطاعة»57.

وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [المؤمنون:، ٢٣].

أي: «ذلوا يا قوم لله بالطاعة (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) يقول: ما لكم من معبود يجوز لكم أن تعبدوه غيره، () يقول: أفلا تخشون بعبادتكم غيره عقابه أن يحل بكم»58.

وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ )[ الذاريات: ٥٦].

ويأتي دور الفطرة المركزي في حياة الإنسان ويتضح مدى إيمانه بربه إذا ما نزل به كرب أو حلت به مصيبة، فيلجأ مؤمنًا بالله تبارك وتعالى بقلب منكسر خاشع سائلًا ربه أن ينجيه ويخلصه من هذا الكرب أو تلك المصيبة، بدلالة قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النمل:٦٢ ].

وتعني «أمن يجيب المكروب المجهود الذي مسه الضر فيستجيب دعاءه ويلبي نداءه؟

(ﯝ ﯞ) أي ويكشف عنه الضر والبأساء؟

( ﯠ ﯡ) أي: ويجعلكم سكان الأرض تعمرونها جيلًا بعد جيل، وأمةً بعد أمة.

(ﯣ ﯤ ﯥ)؟ أي: أإله مع الله يفعل ذلك حتى تعبدوه؟

(ﯧ ﯨ ) أي: ما أقل تذكركم واعتباركم فيما تشاهدون؟

(ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)؟

برهان رابع أي أم من يرشدكم إلى مقاصدكم في أسفاركم في الظلام الدامس، في البراري، والقفار، والبحار؟ والبلاد التي تتوجهون إليها بالليل والنهار؟

( ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)؟ أي: ومن الذي يسوق الرياح مبشرةً بنزول المطر الذي هو رحمة للبلاد والعباد؟ (ﯹ ﯺ ﯻ) ؟ أي أإلهٌ مع الله يقدر على شيءٍ من ذلك؟ (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) أي: تعظم وتمجد الله القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق»59.

«فيلمس وجدانهم، وهو يذكرهم بخوالج أنفسهم، وواقع أحوالهم، فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله، يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء، ذلك حين تضيق الحلقة، وتشتد الخنقة، وتتخاذل القوى، وتتهاوى الأسناد، وينظر الإنسان حواليه فيجد نفسه مجردا من وسائل النصرة وأسباب الخلاص لا قوته، ولا قوة في الأرض تنجده. وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه، أو تخلى، وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة، فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله، ولو كان قد نسيه من قبل في ساعات الرخاء، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه.

هو وحده دون سواه يجيبه ويكشف عنه السوء، ويرده إلى الأمن والسلامة، وينجيه من الضيقة الآخذة بالخناق، والناس يغفلون عن هذه الحقيقة في ساعات الرخاء، وفترات الغفلة، يغفلون عنها، فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من قوى الأرض الهزيلة.

فأما حين تلجئهم الشدة، ويضطرهم الكرب، فتزول عن فطرتهم غشاوة الغفلة، ويرجعون إلى ربهم منيبين، مهما يكونوا من قبل غافلين، أو مكابرين، والقرآن يرد المكابرين الجاحدين إلى هذه الحقيقة الكامنة في فطرتهم، ويسوقها لهم في مجال الحقائق الكونية التي ساقها من قبل، حقائق خلق السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات الحدائق البهيجة، وجعل الأرض قرارا، والجبال رواسي، وإجراء الأنهار، والحاجزين البحرين. فالتجاء المضطر إلى الله، واستجابة الله له دون سواه حقيقة كهذه الحقائق. هذه في الآفاق وتلك في الأنفس سواء بسواء»60 .

و«() معناه بشرط إن شاء على المعتقد في الإجابة، لكن المضطر لا يجيبه متى أجيب إلا الله عز وجل، والسوء عام في كل ضر يكشفه الله تعالى عن عباده»61.

وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [يونس: ١٢].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يونس: ٩٨].

وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الزخرف: ٥٠].

لذلك أثبت «في الفطرة حسن العدل والانصاف، والصدق والبر، والاحسان والوفاء بالعهد، والنصيحة للخلق، ورحمة المسكين، ونصر المظلوم، ومواساة اهل الحاجة والفاقة، وأداء الامانات، ومقابلة الاحسان بالإحسان، والاساءة بالعفو والصفح، والصبر في مواطن الصبر، والبذل في مواطن البذل، والانتقام في موضع الانتقام، والحلم في موضع الحلم، والسكينة والوقار، والرأفة والرفق، والتؤدة، وحسن الاخلاق، وجميل المعاشرة مع الاقارب والاباعد، وستر العورات، وإقالة العثرات، والايثار عند الحاجات، واغاثة اللهفات، وتفريج الكربات، والتعاون على انواع الخير والبر، والشجاعة والسماحة، والبصيرة والثبات، والعزيمة، والقوة في الحق، واللين لأهله، والشدة على أهل الباطل والغلظة عليهم، والاصلاح بين الناس، والسعي في إصلاح ذات البين، وتعظيم من يستحق التعظيم، وإهانة من يستحق الاهانة، وتنزيل الناس منازلهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، وأخذ ما سهل عليهم، وطوعت به أنفسهم، من الأعمال والأموال والأخلاق، ولإرشاد ضالهم، وتعليم جاهلهم، واحتمال جفوتهم، واستواء قريبهم وبعيدهم في الحق، فأقربهم إليه أولًاهم بالحق، وإن كان بعيدًا، وأبعدهم عنه أبعدهم من الحق وإن كان حبيبًا قريبًا.

إلى غير ذلك من معرفة العقل الذي وضعه بينهم في المعاملات، والمناكحات، والجنايات، وما اودع في فطرهم من حسن شكره وعبادته وحده لا شريك له وإن نعمه عليهم توجب بذل قدرتهم وطاقتهم في شكره والتقرب إليه وإيثاره على ما سواه واثبت في الفطر علمها بقبيح اضداد ذلك ثم بعث رسله في الأمر بما اثبت في الفطر حسنه وكماله والنهي عما اثبت فيها قبحه وعيبه وذمه فطابقت الشريعة المنزلة للفطرة المكلمة مطابقة التفصيل بجملته، وقامت شواهد دينه في الفطرة تنادي للإيمان» 62.

وإن لأهمية الفطرة ودورها الإيماني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح أو أمسى: (أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين)63.

تقريرًا لمكانة الفطرة وأنه لا يمكن لها إذا كانت صحيحة نقية أن تشوبها عوارض الأهواء ونوازع ووساوس الشيطان «فالقلوب مفطورة على حب إلهها وفاطرها وتأليهه. فصرف ذلك التأله والمحبة إلى غيره تغيير للفطرة، ولما تغيرت فطر الناس بعث الله الرسل بصلاحها، وردها إلى حالتها، التي خلقت عليها، فمن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة، ومن لم يستجب لهم استمر على تغيير الفطرة وفسادها» 64.

الانحراف عن الفطرة

عند التأمل في قضية الفطرة الإنسانية التي فطر الله تبارك وتعالى العباد عليها نجدها متكاملة، ترتقي بالإنسان إلى أعلى مراتب الرقي والتقدم؛ ولكن في حال سار عليها، ولم يعكر صفوها بالانحرافات والضلالات الشيطانية، ولهذا الانحراف بالفطرة عن مسارها الإلهي أسباب. وقد وردت هذه الأسباب في الخطاب القرآني في عدة مواضع بشكل أو بآخر، وبعد ذلك يشعر الإنسان بنتائج الانحراف الذي مارسه على الفطرة؛ لذا يكون له آثار جوهرية في حياة الإنسان.

أولًا: أسباب الانحراف عن الفطرة:

إن من أهم أسباب الانحراف عن الفطرة «القلق الناتج عن مخالفة الفطرة بالعصيان لقد خلق الله عباده على فطرة سوية، قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الشمس:٧]65.

قال ابن كثير رحمه الله: «أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة»66.

وفي ذلك إشارة لصفة التسوية في مقادير تكوين الفطرة الإنسانية التي أودعها الله - عز وجل في النفس الإنسانية؛ فعندما يتدخل الإنسان بتغيير هذه الصفة أي: صفة التسوية القويمة، يعصي خالقه ويعرض نفسه لمخاطر غضب الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة. لقد أرشد الله تبارك وتعالى هذه النفس إلى فجورها وتقواها وبين لها ذلك وهداها إلى ما قدر لها 67.

والأصل في الإنسان هو التوحيد «وإذا كان الفقه هو معرفة الرخصة عن دليل فإن التوحيد هو الفطرة من غير تبديل» 68.

ومن أنكر وجحد الله تعالى فإنما أنكره لفساد فطرته بطارئ ما، حال بينها وبين مقتضاها، وقد جاء التصريح بذلك في الخطاب القرآني بأن الكفار في قرارة أنفسهم يعرفون الحق، وإن لم يذعنوا له، كما قال تعالى في شأن فرعون: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ) [الإسراء: ١٠٢].

«والمقصود: أننا آتينا موسى عليه السلام تسع آيات بينات الدلالة على صدقه فلم يهتد فرعون وقومه وزعموا ذلك سحرًا، ففي ذلك مثلٌ للمكابرين كلهم وما قريش إلا منهم. ففي هذا مثل للمعاندين وتسلية للرسول» 69.

وقال في أهل النار: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأنعام: ٢٨].

وقال عن كفار قريش: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ٣٣].

بل إن كلمة (كفر) مأخوذة من الستر والتغطية، وهذا أصل معناها في لسان العرب؛ لأنه يستر ويغطي مقتضيات فطرته بحجب الشبهات والشهوات. ومن أهم أسباب انحراف الفطرة في القرآن الكريم70:

١. الغفلة والنسيان.

وقد بينت النصوص القرآنية ذلك بأن حالتي الغفلة والنسيان من أهم ما يطرأ على الفطرة، حتى يترك العبد الميثاق الأول والآخر بينه وبين ربه بدلالة قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ) (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٧٢].

«أن هناك عهدًا من الله على فطرة البشر أن توحده، وأن حقيقة التوحيد مركوزة في هذه الفطرة، يخرج بها كل مولود إلى الوجود، فلا يميل عنها إلا أن يفسد فطرته عامل خارجي عنها! عامل يستغل الاستعداد البشري للهدى وللضلال. وهو استعداد كذلك كامن تخرجه إلى حيز الوجود ملابسات وظروف. إن حقيقة التوحيد ليست مركوزة في فطرة «الإنسان» وحده ولكنها كذلك مركوزة في فطرة هذا الوجود من حوله- وما الفطرة البشرية إلا قطاع من فطرة الوجود كله، موصولة به غير منقطعة عنه، محكومة بذات الناموس الذي يحكمه- بينما هي تتلقى كذلك أصداءه وإيقاعاته المعبرة عن تأثره واعترافه بتلك الحقيقة الكونية الكبيرة» 71.

ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا: بلى أنت ربنا، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك72.

وقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [طه: ١١٥].

والمعنى: وأقسم قسمًا لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها، وذلك من قبل وجودهم ومن قبل أن نتوعدهم، فخالف إلى ما نهى عنه، وتوعد في ارتكابه مخالفتهم، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون، كأنه يقول: إن أساس أمر بني آدم على ذلك، وعرقهم راسخ فيه. فإن قلت: ما المراد بالنسيان ؟

قلت: يجوز أن يراد النسيان الذي هو نقيض الذكر، وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة، ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس، حتى تولد من ذلك النسيان. وأن يراد الترك وأنه ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها73.

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ١٤].

«فنسوا حظًا مما في التوراة قاله مجاهد. وقيل: أنساهم نصيبًا من الكتاب بسبب معاصيهم، وعن ابن مسعود: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية» 74.

وقال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام:٤٤ ].

وقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأعراف: ٥١].

٢. التربية على العقائد الباطلة.

وقد حكى القرآن الكريم عن ذلك في معرض حديثه عن المشركين بأنهم اتبعوا آثار آبائهم، وأنهم تمسكوا بذلك، واعتبروه دينًا يعبد بلا حجة ولا برهان، واليوم في وقتنا الحاضر اتبعت الشعوب الإسلامية مناهج الملاحدة الوضعية، ومن هذه المناهج (الشيوعية).

«إنها جناية كبرى ارتكبتها الشيوعية في حق الأخلاق والقيم، وخالفوا الفطرة التي جبل عليها البشر على امتداد تاريخهم من حب الخير وبغض الشر، وما يتبعهما من صفات وسلوك فاضل» 75.

و«إن الإنسان حينما يقف عاجزًا عن معرفة سر هذا الكون، ويتفكر في خلق الله والأرض والنجوم وسائر الأفلاك، وتتابع الليل والنهار، والحياة والموت، وسائر ما أوجده الله في هذا الكون، إذا فعل الإنسان ذلك يجد نفسه عاجزًا عن إدراك كل هذا، وحينئذ يعرف بفطرته أن هناك موجد عظيم لهذا الكون هو أقوى منه، يستحق أنه يخضع له، وأن يعبده ويرجو ثوابه ويخاف عقابه، لا أن يعتقد أن المادة خلقته؛ فإن التفكر في كل ذلك يهدي إلى الاعتراف بخالق عظيم قدير حكيم، لا أن للمادة معه مشاركة؛ بل هي مخلوقة له حدثت بعد أن لم تكن، وهذا هو ما اعترف به الملاحدة في أنفسهم، وجحدوه ظاهرًا تعصبًا لنظرياتهم الفاسدة، وقد ذكر الله عز وجل كثيرًا من عجائب هذا الكون، ورغب الناس في التفكر فيه واستخلاص العبر» 76.

ونجد بأن «الفطرة التي فطر الله الناس عليها، تؤمن بوجود الله خالقها ومدبرها، ومن أنكر ذلك فإنما يغالط نفسه ويشقيها، فالشيوعي - مثلًا - يعيش في هذه الحياة تعسًا، ومصيره بعد الموت إلى النار، جزاء تكذيبه بربه الذي خلقه من العدم، ورباه بالنعم إلا إن تاب إلى الله، وآمن به وبدينه ورسوله»77.

لذا «هكذا كانت البشرية الأولى على الفطرة والتوحيد لقرب عهدها بربها تعالى، ثم اختلطت بعد ذلك الينابيع وتضافرت العوامل التي أدت إلى الانحراف عن التوحيد، فكان ظهور الشرك طارئًا بعد ذلك التوحيد، وكان انحرافًا عنه» 78.

«ففي الجانب الديني تجد الناس إما أن ارتدوا عن الدين، أو خرجوا منه، أو لم يدخلوا فيه أصلا، أو وقعوا في تحريف الديانات السماوية وتبديلها، وأما في الجانب التشريعي، فإن الناس نبذوا شريعة الله وراءهم ظهريًا، واخترعوا من عند أنفسهم قوانين وشرائع لم يأذن بها الله، تصطدم مع العقل وتختلف مع الفطرة» 79.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة: ١٧٠].

٣. إتباع سبل الشيطان.

قال تعالى في ذلك: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة: ١٦٨].

«قال ابن عباسٍ: (ﯱ ﯲ) «أعماله» 80، لا تجعلوها تجركم.

«أي: لا تقتدوا بها في اتباع الهوى، فإنه صريحٌ في أن الخطاب للكفرة كيف لا وتحريم الحلال على نفسه تزهدا ليس من باب اتباع خطوات الشيطان، فضلًا عن كونه تقولًا وافتراءً على الله تعالى، وإنما نزل فيهم» 81.

نهي مقصود (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) الضمير للناس لا محالة وهم المشركون المتلبسون بالمنهي عنه دومًا، وأما المؤمنون فحظهم منه التحذير والموعظة» 82.

ونجد بأن «اتباع الخطوات» معناه: أن يتابع الإنسان غيره في عمله، كمتبع الأثر الذي يتبع أثر البعير، وأثر الدابة، وما أشبهها.

و(ﯱ ﯲ) أي: أعماله التي يعملها، ويخطو إليها؛ وهو شامل للشرك فما دونه؛ فإن الشيطان يأمر بالفحشاء، والمنكر 83.

وقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النساء: ٧٦ ].

والمقصود «أن كيد الشيطان كان ضعيفًا، لأن الله ينصر أولياءه، والشيطان ينصر أولياءه، ولا شك أن نصرة الشيطان، لأوليائه أضعف من نصرة الله لأوليائه، ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر، وإن كانوا حال حياتهم في غاية الفقر والذلة، وأما الملوك والجبابرة فإذا ماتوا انقرض أثرهم، ولا يبقى في الدنيا رسمهم ولا ظلمهم، والكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه يقال: كاده يكيده إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه. وفائدة إدخال كان في قوله: كان ضعيفًا للتأكيد لضعف كيده، يعني أنه منذ كان موصوفا بالضعف والذلة» 84.

«إنه بحسب إيمان العبد يكون جهاده في سبيل الله، وإخلاصه ومتابعته؛ فالجهاد في سبيل الله من آثار الإيمان ومقتضياته ولوازمه، كما أن القتال في سبيل الطاغوت من شعب الكفر ومقتضياته، ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما لا يقوم به غيره، فإذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل، فأهل الحق أولى بذلك» 85.

«ذكر مقصد الفريقين أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشيطان ثم شجعهم بقوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) أي إن كيده للمؤمنين بالإضافة إلى كيد الله سبحانه وتعالى للكافرين، ضعيف لا يؤبه به، فلا تخافوا أولياءه، فإن اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه» 86.

وقال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف: ٢٧].

خطاب مباشر «(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ) لا يمحننكم بأن يمنعكم دخول الجنة بإغوائكم. (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها، والنهي في اللفظ للشيطان، والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتتان به. (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)» 87.

«تحذير من فتنته، بأنه بمنزلة العدو المداجي يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون» 88.

وقال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ) [الأعراف:٣٠ ].

«تعليلٌ لخذلانه أو تحقيقٌ لضلالتهم (ﰆ ﰇ ﰈ) فيه دلالةٌ على أن الكافر المخطىء والمعاند سواءٌ في استحقاق الذم وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر» 89.

«والفريق الذي هداه الله هم المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه، والفريق الذي حقت عليه الضلالة: هم الكفار. قوله: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) تعليلٌ لقوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) أي: ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين في معصية الله، ومع هذا فإنهم يحسبون أنهم مهتدون، ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة، وهذا أشد في تمردهم وعنادهم» 90

ثانيًا: نماذج قرآنية في الانحراف عن الفطرة:

١. عبادة الشيطان.

قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [مريم: ٤٤].

«أي: لا تطعه، فإن عبادة الأصنام هي من طاعة الشيطان، ثم علل ذلك بقوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) حين ترك ما أمره به من السجود لآدم، ومن أطاع من هو عاصٍ لله سبحانه فهو عاصٍ لله، والعاصي حقيقٌ بأن تسلب عنه النعم، وتحل به النقم.

قال الكسائي: العصي والعاصي بمعنًى واحدٍ. ثم بين له الباعث على هذه النصائح فقال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) قال الفراء: معنى أخاف هنا أعلم.

وقال الأكثرون: إن الخوف هنا محمولٌ على ظاهره لأن إبراهيم غير جازمٍ بموت أبيه على الكفر، إذ لو كان جازمًا بذلك لم يشتغل بنصحه، ومعنى الخوف على الغير: هو أن يظن وصول الضرر إلى ذلك الغير.

(ﮢ ﮣ ﮤ) أي: إنك إذا أطعت الشيطان كنت معه في النار واللعنة، فتكون بهذا السبب مواليًا، أو تكون بسبب موالاته في العذاب معه، وليس هناك ولاية حقيقية» 91.

ونجد بأن «المراد بعبادة الشيطان عبادة الأصنام؛ عبر عنها بعبادة الشيطان إفصاحًا عن فسادها وضلالها، فإن نسبة الضلال والفساد إلى الشيطان مقررة في نفوس البشر، ولكن الذين يتبعونه لا يفطنون إلى حالهم ويتبعون وساوسه تحت ستار التمويه، ففي الكلام إيجاز لأن معناه: لا تعبد الأصنام لأن اتخاذها من تسويل الشيطان للذين اتخذوها ووضعوها للناس، وعبادتها من وساوس الشيطان للذين سنوا سنن عبادتها، ومن وساوسه للناس الذين أطاعوهم في عبادتها، فمن عبد الأصنام فقد عبد الشيطان وكفى بذلك ضلالًا معلومًا» 92.

وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [يس: ٦٠].

ويكون علاج هذا الانحراف بالرجوع إلى الصراط المستقيم بدلالة قوله تعالى: ( ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ١٥٣].

«فدخل فيه كل ما بينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من دين الإسلام وهو المنهج القويم والصراط المستقيم فاتبعوا جملته وتفصيله، ولا تعدلوا عنه فتقعوا في الضلالات» 93.

و«هو تعقيب على تلك النواهي والأوامر التي أمر الله سبحانه النبى الكريم أن يتلوها على الناس. فهذه المأمورات وتلك المنهيات هي شريعة لله، وهى الصراط المستقيم الذي دعا لله عباده إلى الاستقامة عليه، فمن اجتنب المنهيات، وأتى المأمورات، فهو على صراط الله، وعلى شريعة الله، ومن انحرف عن هذا الصراط، فقد ضل وغوى، وكان من الهالكين وفى قوله تعالى: () أمر بإتيان الأوامر وفى قوله تعالى: (ﮀ ﮁ) نهى عن إتيان المنهيات وفى التعبير عن سبيل الله «بالصراط» والتعبير عن الطرق الخارجة عنه بالسبل- إشارة إلى أن طريق الله «صراط» أي طريق معد ومهيأ للسالكين، تقوم عليه منارات هدى، وإشارات هداية أما هذه السبل التي لا تستقيم على هذا الصراط، فهي طرق لا معلم فيها، ولا شارة عليها، يركبها الراكب فيتخبط، ويتعثر، ويضل ولهذا جاء التعبير عن صراط الله بلفظ المفرد، لأنه واحد لا غير، إذ الحق حق وجهه واحد، وطريقه واحدة، وأما الباطل، فهو أباطيل متعدد الوجوه، مختلف السبل» 94.

٢. الغلو في الدين.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٧١].

نلحظ أن «الغلو في الدين أن يظهر المتدين ما يفوت الحد الذي حدد له الدين. ونهاهم عن الغلو لأنه أصل لكثير من ضلالهم وتكذيبهم للرسل الصادقين. وغلو أهل الكتاب تجاوزهم الحد الذي طلبه دينهم منهم: فاليهود طولبوا باتباع التوراة ومحبة رسولهم، فتجاوزوه إلى بغضة الرسل كعيسى ومحمد عليهما السلام، والنصارى طولبوا باتباع المسيح فتجاوزوا فيه الحد إلى دعوى إلهيته أو كونه ابن الله، مع الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم» 95.

و«إنما معناه في الدين الذي أنتم مطلوبون به فكأنه اسم جنس وأضافه إليهم بيانا أنهم مأخوذون به، وليست الإشارة إلى دينهم المضلل، ولا أمروا بالثبوت عليه دون غلو وإنما أمروا بترك الغلو في دين الله على الإطلاق، وأن يوحدوا، ولا يقولوا على الله إلا الحق، وإذا سلكوا ما أمروا به فذلك سائقهم إلى الإسلام، ثم بين تعالى أمر المسيح وأنه «رسول الله وكلمته» 96.

٣. المبالغة في طلب الرزق.

قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الشورى: ٢٧].

«معناه: وسع. وبسط الشيء نشره. وبالصاد أيضًا (ﮭ ﮮ ﮯ) طغوا وعصوا» 97.

«(ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) لتكبروا وأفسدوا فيها بطرًا، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء، وهذا على الغالب، وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية. ولكن ينزل بقدرٍ بتقدير، ما يشاء كما اقتضته مشيئته. إنه بعباده خبيرٌ بصيرٌ يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم؛ فيقدر لهم ما يناسب شأنهم» 98.

٤. التمسك بالدنيا.

قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ) [آل عمران: ١٤].

لقد «زين للناس حب الشهوات أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء على أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها» 99.

«حب الشهوات: يعني المشتهيات لأن الشهوة توقان النفس إلى الشيء المشتهى من النساء.

إنما بدأ بذكر النساء لأن الالتذاذ بهن أكثر، والاستئناس بهن أتم، ولأنهن حبائل الشيطان، وأقرب إلى الافتتان، وقوله: () إنما خص البنين بالذكر لأن حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى، ووجه حبه ظاهر لأنه يتكثر به، ويعضده، ويقوم مقامه. وقد جعل الله تعالى في قلب الإنسان حب الزوجة والولد لحكمة بالغة وهي بقاء التوالد، ولو زالت تلك المحبة لما حصل ذلك.

(ﮧ ﮨ) جمع قنطار وسمي قنطارا من الإحكام والعقد يقال: قنطرته إذا أحكمته، ومنه القنطرة المحكمة الطاق، واختلفوا في القنطار هل محدود أو غير محدود؟ على قولين:

أحدهما: أنه محدود، ثم اختلفوا في حده، فروي عن معاذ بن جبل أن القنطار ألف ومائتا أوقية. وقال ابن عباس: ألف ومائتا مثقال وعنه أنه اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار دية أحدكم، وبه قال الحسن، وقال سعيد بن جبير: هو مائة ألف ومائة من ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم. ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا، وقال سعيد بن المسيب وقتادة: هو ثمانون ألفا وقال مجاهد: سبعون ألفا. وقال السدي: هو أربعة آلاف مثقال.

والقول الثاني: إن القنطار ليس بمحدود. وقال الربيع بن أنس: القنطار مال الكثير بعضه على بعض، وروي عن أبي عبيدة أنه حكي عن العرب أن القنطار وزن لا يحد، وهو اختيار ابن جرير الطبري وغيره.

وقال الحاكم القنطار ما بين السماء والأرض من مال.

وقال أبو نصرة: القنطار ملء مسك ثور ذهبًا أو فضة، وقال القنطار من المال ما فيه عبور الحياة تشبيها بعبور القنطرة المقنطرة أي المجموعة.

وقيل: المضاعفة لأن القناطير جمع وأقله ثلاثة، والمقنطرة المضاعفة أن تكون ستة أو تسعة، وقيل المقنطرة المسكوكة المنقوشة من الذهب والفضة. إنما بدأ بهما من بين سائر أصناف الأموال لأنهما قيم الأشياء، وإنما كانا محبوبين لأن المالك لهما مالك قادر على ما يريده، وهي صفة كمال وهي محبوبة.

وقيل: سمي الذهب ذهبًا لأنه يذهب ولا يبقى، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق.

(ﮬ ﮭ) الخيل جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط، سميت الأفراس خيلا لاختيالها في مشيتها، وقيل: لأن الخيل لا يركبها أحد إلا وجد في نفسه مخيلة عجبًا.

(ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) أي: المرجع، فيه إشارة إلى التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة.

وقيل: فيه إشارة إلى أن من أتاه الله الدنيا كان الواجب عليه أن يصرفها فيما يكون فيه صلاحه في الآخرة لأنها السعادة القصوى»100.

الاستقامة على الفطرة

في هذا المبحث نجد بأن المفاهيم تغيرت عن مفاهيم المبحث السابق بخصوص الفطرة، فهناك تناولنا الانحراف عن الفطرة: أسبابها، ونماذجها، وأثرها في القرآن الكريم، أما هنا فنعالج وسائل الاستقامة والمحافظة على الفطرة الإلهية نقية طاهرة من الأدران، وأثر هذه الاستقامة في بناء الإنسان مع بيان نماذج من وجوه الاستقامة على الفطرة في العباد.

أولًا: وسائل الاستقامة على الفطرة:

على المسلم أن يحسن الظن بالناس، ولا يستغرب وجود الاستقامة على الفطرة فيهم؛ لأن «الفطرة السلامة والاستقامة» 101.

وكذلك فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى يوجب سلامة الفطرة الإنسانية وحسن قصدها؛ ولكن هناك عدة وسائل للاستقامة على الفطرة السليمة، تبدأ:

١. التربية الصالحة.

إن التربية الصالحة تنطلق من حسن اختيار الزوجة الصالحة؛ لأن الزوجة الصالحة تعد تربة طيبة لبذور صالحة، فإذا وضعنا هذه البذور الصالحة في تربة صالحة، نضمن بإذن الله تبارك وتعالى وجود ذرية صالحة؛ ولذا لا نعجب من تركيز الإسلام ممثلًا بخطابه القرآني على اختيار الزوجة بدلالة قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٢١].

ونجد استمرار الحث على حسن اختيار الزوجة في الخطاب النبوي الشريف؛ فقد ورد ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربعٍ: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك)102.

فهو يخاطب النفس الإنسانية بحسب ما تفكر به، فالنفس ترغب بالمال والحسب والجمال، وآخر شيء تفكر فيه الدين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الدين هو المعيار في الاختيار، وإن تأخر، فجعل الظفر لا يكون إلا به بأسلوب التشكيل الاستعاري في قوله: (تربت يداك) أي افتقرت، ثم بعد ذلك يأتي دور التربية ابتداء من سن الطفولة التي يقول علماء النفس وعلماء الاجتماع عنها: إن السن السابعة هي السن المناسبة لتربية الأطفال في البيت وفي المسجد أيضًا.

ويؤيد ذلك الحديث النبوي الشريف عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)103.

ثم لا يزال يلزم الأب أن يتعاهد الذرية تربية وإعدادًا وتجهيزًا وإصلاحًا حتى يأتي سن العاشرة، فلابد من أن يزيد في أمره لأولاده بالصلاة حتى يعيشوا مع الصالحين في المساجد وإذا بلغ احدهم الحلم فلابد أن يكون جاهزًا ليميز المعيار الواضح بين الكفر والإيمان.

فالأب مسؤول عن تربية أولاده، وإدامة الفطرة السليمة فيهم بدلالة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الروم: ٣٠]104.

فلا تترك الفطرة عرضة لهوى النفس، فتضبط حاجاتها وغرائزها من الآباء «فأخبر أن أصل ولادتهم ونشأتهم على الفطرة، وأن التهويد والتنصير والتمجيس طارئٌ طرأ على الفطرة وعارضٌ عرض لها، واقتضى هذا العارض الذي عرض للفطرة أمورًا استلزمت ترتيب آثارها عليها بحسب قوتها وضعفها، فالآلام المترتبة على ذلك من جنس الآلام والعقوبات المترتبة على خروج البدن عن صحته، وهو إنما خلق على الصحة والاعتدال، فإذا استمر على ذلك لم يعرض له ألمٌ.

وكذلك القلب فطر على الفطرة الصحيحة، فلما عرض له الفساد ترتب على ذلك العارض أثره من الآلام والعقوبات، ولا ريب أن ذلك العارض ليس في أصل الفطرة بحيث يستحيل زواله، بل هو ممكن الزوال، والناس في زواله، فحين عاد إلى موجب الفطرة أجاب الداعي من غير توقفٍ.

ومنهم من توقف لقوة العارض فاحتاج مع الدعوة إلى موعظةٍ تتضمن ترهيبه وترغيبه.

ومنهم من غلبت عليه المادة الفاسدة فاحتاج مع ذلك إلى المجادلة.

ومنهم من كان العارض أشد من ذلك فعدل معه إلى الجلاد والمحاربة ونوعٍ من العقوبة، فأزال ذلك تلك المادة وأعاد الفطر إلى صحتها.

ومنهم من كان فساد فطرته قد استحكم وتمكن، فصار له بمنزلة الصفة الثابتة، ولم يكن بدٌ من أن يحتمي عنه ليزول ذلك الخبث ويتخلص منه، ويعود على ما خلق عليه أولًا؛ ولهذا لما خرج خبث الموحدين من أهل الكبائر بسرعةٍ؛ تعجل خروجهم من النار، وعاد إلى ما خلقوا عليه أولًا من كمال النشأة وزوال موجب هذا العذاب، فلم يبق لهم مصلحةٌ في التعذيب بعد ذلك.

وأما المشركون: فلما كان العارض استحكم فيهم، وصار كالهيئة والصفة استمروا في النار، تحمى عليهم أشد الحمو لقوة ذلك الخبث» 105.

٢. التمسك بالقرآن والسنة.

إن التمسك بالوحي هو أول أسباب المحافظة على الفطرة «فإن الفطرة -وهي طريق صحيح ومصدر معتبر في ذلك- قد يطرأ عليها ما يغشيها ويحرفها عن صوابها، فتحتاج إلى ما يجلوها، ويصحح مسارها، ويمنعها من الانحراف، وذلك هو الوحي»القرآن والسنة» الذي تكفل الله تعالى بإنزاله هداية للناس ورحمة بهم»106.

من ذلك قول الله سبحانه وتعالى بعد أن أمر آدم وحواء وإبليس بالهبوط إلى الأرض بعد أن وسوس الشيطان لهما فأكلا من الشجرة: (ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة: ٣٨ ].

أي: أي وقت وزمان جاءكم مني - يا معشر الثقلين - هدى، أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني، ويدنيكم مني، ويدنيكم من رضائي، وفي موضع آخر نجد قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [طه: ١٢٣].

وقد رتب على هداه عدة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن، وإن كان منتظرًا، أحدث الخوف، فنفاهما عمن أتبع هداه، وإذا انتفيا حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.

أما من ضل وكفر فتوعده الله بالعذاب في قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة: ٣٩].

و(أصحاب النار) أي: الملازمون لها، ملازمة الصاحب لصاحبه، والغريم لغريمه، لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب، ولا هم ينصرون 107.

ويطالعنا حديث نبوي شريف في السياق نفسه فيه دلالة قاطعة على وجوب التمسك بالله - عز وجل والخضوع له قول الرسول صلى الله عليه وسلم: عن البراء بن عازبٍ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به). قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: (لا، ونبيك الذي أرسلت)108.

إن من عواصم الفطرة من التغير والانتكاسة لزوم شريعة الإسلام، وعدم الحيدة عنها قليلًا كان ذلك الحيد أو كثيرًا؛ فإن طريق النجاة في لزومها علمًا وعملًا، ونظرية وتطبيقًا في الأمن والخوف، والسلم والحرب، فالشريعة موضوعة لسير الناس عليها بوصفها منهج حياة، وهي مستقيمة لا تنحرف وواسعة لا تضيق، بدلالة قوله تبارك وتعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الجاثية: ١٨- ١٩].

وقال الله سبحانه وتعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [المائدة: ٤٨].

إن إتباع شرع الله تعالى والتقيد بالمنهاج الرباني، وترك ما سواه من السبل والمناهج الجاهلية الإلحادية الخارجة عن الفطرة السليمة التي أنكرت وجود إله قادر على تدبير شئون عباده، أو أشركت معه غيره، وقامت على مناهج عقلية وفلسفية قاصرة؛ لأن الكمال لله، وزعموا الاستغناء عن خالقهم ومدبر شؤونهم فاستغنى الله عنهم.

فجعلت الشيوعية شعارها (لا إله والكون مادة)، ونفت بالكلية وجود الإله، وتعتنق معظم الشعوب الرأسمالية عقيدة التثليث والإيمان بثلاثة آلهة (الأب والابن وروح القدس)، وتتخذ العلمانية منهج حياة، أي تقر بوجود إله خالق للعباد ولكنه عاجز عن تدبير شؤون عباده - حاشا لله، وللأسف الشديد نجد كثيرًا من المجتمعات الإسلامية التي تدعي الإسلام ادعاء تمارس هذه المناهج وتتخذها منهج حياة.

لقد شرع الله عز وجل أفضل الشرائع، وهدى الناس لأقوم السبل بدلالة قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ١٥٣ ].

ولا شك بأن الشريعة الإسلامية هي وحدها الكفيلة بإصلاح الدين والدنيا، وإسعاد الإنسان في الآخرة والأولى، وذلك لما تنفرد به من العقيدة الصحيحة والشعائر الجليلة والشريعة العادلة.

ونجد أن من أعرض عن هذه الشرعة والمنهاج توعده الله بالعقوبة قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [طه: ١٢٤-١٢٧].

ومن فطرة الإنسان أن يتبع ما يهديه للحق، ويجلب له المصلحة، فمتى أبصر طريقًا أيقن أو ظن بأنها موصلة إلى مقصود لم يتركها إلى غيره، وقد أدرك السلف الصالح بأن من الفطرة أن يلزم المسلم شرع الله تعالى، ولا ينحرف عنه قيد أنملة، سواء أكان ذلك الانحراف بسبب الجهل أم بداعي التقصير، فمثلًا أداء الصلاة في وقتها من الفطرة السليمة، والعقيدة الإسلامية تقضي بأن توقيت العبادات من حقوق الله تعالى.

فجميع العبادات الزمانية والمكانية كلها لله عز وجل والتقيد بوقتها مظهر من مظاهر الفطرة. ويمكننا قياس ذلك على بقية الشرائع التي جاء بها الإسلام، كالحدود والمعاملات والمرافعات وغيرها، وهي تنفع الناس، والله يعلم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

ودليل ذلك نجده في قوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك: ١٤].

«فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه ؟» 109.

٤. جهاد الشيطان.

إن الشيطان يلقي في القلوب من الوساوس والخواطر الفاسدة ما لا يعلم خطورتها إلا الله تعالى، والمؤمن الموقن هو من يدفع تلك الوساوس والوسائل (الشيطانية) ويصون قلبه أن يدخله شيء من تلك الوساوس والخواطر. وجهاد الشيطان مرتبتان: إحداهما: الجهاد من خلال دفع ما يلقى إلى العابد من الشبهات والريب القادحة بالإيمان، والثانية: الجهاد المتمثل في دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فإن الجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر 110.

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأنبياء: ٧٣ ].

(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [السجدة: ٢٤].

ثانيًا: نماذج قرآنية في الاستقامة على الفطرة

١. التوحيد والاستقامة:.

قال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الأحقاف: ١٣ ].

، «اعلم أنه تعالى لما قرر دلائل التوحيد والنبوة، وذكر شبهات المنكرين، وأجاب عنها، ذكر بعد ذلك طريقة المحقين والمحققين، فقال: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ) وقد ذكرنا تفسير هذه الكلمة في سورة السجدة، والفرق بين الموضعين أن في سورة السجدة ذكر أن الملائكة ينزلون ويقولون (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [فصلت: ٣٠].

وهاهنا رفع الواسطة من البين، وذكر أنه (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) فإذا جمعنا بين الآيتين حصل من مجموعهما أن الملائكة يبلغون إليهم هذه البشارة، وأن الحق سبحانه يسمعهم هذه البشارة أيضًا من غير واسطةٍ، واعلم أن هذه الآيات دالةٌ على أن من آمن بالله وعمل صالحا فإنهم بعد الحشر لا ينالهم خوفٌ ولا حزنٌ، ولهذا قال أهل التحقيق إنهم يوم القيامة آمنون من الأهوال» 111.

و«(ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل، وثم للدلالة على تأخر رتبة العمل، وتوقف اعتباره على التوحيد. فلا خوفٌ عليهم من لحوق مكروه. ولا هم يحزنون على فوات محبوب، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط (ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الأحقاف:١٤]. من اكتساب الفضائل العلمية والعملية»112.

٢. الإيمان والعمل الصالح.

إن للإيمان والعمل الصالح أثر في الاستقامة على الفطرة في الخطاب القرآني؛ لذلك نجد اقترانهما في أغلب المواضع القرآنية.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٥ ].

و«مناسبة الآية لما قبلها أن الله لما ذكر وعيد الكافرين المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم ذكر وعد المؤمنين به، فقال تعالى: () الآية، و«البشارة» هي الإخبار بما يسر؛ وسميت بذلك لتغير بشرة المخاطب بالسرور؛ لأن الإنسان إذا أخبر بما يسره استنار وجهه، وطابت نفسه، وانشرح صدره؛ وقد تستعمل «البشارة» في الإخبار بما يسوء، كقوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران: ٢١].

إما تهكمًا بهم؛ وإما لأنهم يحصل لهم من الإخبار بهذا ما تتغير به بشرتهم، وتسود به وجوههم، وتظلم، كقوله تعالى في عذابهم يوم القيامة: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الدخان: ٤٨- ٤٩].

والخطاب في قوله تعالى: () إما للرسول صلى الله عليه وسلم؛ أو لكل من يتوجه إليه الخطاب. يعني بشر أيها النبي؛ أو بشر أيها المخاطب من اتصفوا بهذه الصفات بأن لهم جنات قوله تعالى: (ﭒ ﭓ) أي: بما يجب الإيمان به مما أخبر الله به، ورسوله.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أصول الإيمان بأنها الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره؛ لكن ليس الإيمان بهذه الأشياء مجرد التصديق بها؛ بل لا بد من قبول، وإذعان؛ وإلا لما صح الإيمان قوله تعالى: (ﭔ ﭕ) أي عملوا الأعمال الصالحات. وهي الصادرة عن محبة، وتعظيم لله - عز وجل المتضمنة للإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله؛ فما لا إخلاص فيه فهو فاسد» 113.

وقال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ٢٦ ].

(ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ٨٢].

(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ) [البقرة: ٢٧٧ ].

(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [آل عمران: ٥٧].

٣. الإيمان والابتعاد عن سبل الضلالة.

قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [المائدة: ١٠٥].

«إن هؤلاء الجهال مع ما تقدم من أنواع المبالغة في الإعذار والإنذار والترغيب والترهيب لم ينتفعوا بشيءٍ منه بل بقوا مصرين على جهلهم مجدين على جهالاتهم وضلالتهم، فلا تبالوا أيها المؤمنون بجهالتهم وضلالتهم، بل كونوا منقادين لتكاليف الله مطيعين لأوامره ونواهيه، فلا يضركم ضلالتهم وجهالتهم.

فلهذا قال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) قوله (ﭮ ﭯ) أي احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب» 114.

٤. تلبية دعوة الله والرسول.

قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال: ٢٤ ].

أن «(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) على هذا المعنى كان هذا جاريًا مجرى إيضاح الواضحات وأنه عبثٌ، فوجب حمله على فائدةٍ زائدةٍ، وهي الوجوب صونًا لهذا النص عن التعطيل، ويتأكد هذا بأن قوله تعالى بعد ذلك (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) جارٍ مجرى التهديد والوعيد، وذلك لا يليق إلا بالإيجاب»115، و«المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي، ففيه الحياة الأبدية، والنعمة السرمدية»116.

٥. اقامة الصلاة والإنفاق.

وقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [إبراهيم: ٣١ ].

«أي إن أهل مكة بدلوا نعمة الله بالكفر، فقل لمن آمن وحقق عبوديته أن (ﮨ ﮩ) يعني الصلوات الخمس، أي قل لهم أقيموا، والأمر معه شرطٌ مقدرٌ، تقول: أطع الله يدخلك الجنة، أي إن أطعته يدخلك الجنة، هذا قول الفراء» 117.

و«يقول تعالى آمرا عباده بطاعته والقيام بحقه والإحسان إلى خلقه بأن يقيموا الصلاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإن ينفقوا مما رزقهم الله بأداء الزكوات والنفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب، والمراد بإقامتها هو المحافظة على وقتها وحدودها وركوعها وخشوعها وسجودها، وأمر تعالى بالإنفاق مما رزق في السر أي في الخفية والعلانية وهي الجهر، وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم من قبل أن يأتي يومٌ وهو يوم القيامة لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ أي ولا يقبل من أحدٍ فديةٌ بأن تباع نفسه» 118.

٦. التقوى والقول السديد.

لقد قال تعالى في ذلك: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأحزاب: ٧٠] «يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولًا سديدًا أي مستقيمًا، لا اعوجاج فيه ولا انحراف، ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم أي يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم الذنوب الماضية، وما قد يقع منهم في المستقبل يلهمهم التوبة منها، ثم قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)[الأحزاب:٧١].

وذلك أنه يجار من نار الجحيم ويصير إلى النعيم المقيم» 119.

و«(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) في ارتكاب ما يكرهه فضلًا عما يؤذي رسوله. (ﮪ ﮫ ﮬ) قاصدًا إلى الحق من سد يسد سدادًا، والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد (ﮮ ﮯ ﮰ) يوفقكم للأعمال الصالحة، أو يصلحها بالقبول والإثابة عليها. (ﯓ ﯔ) ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل. ومن يطع الله ورسوله في الأوامر والنواهي. فقد فاز فوزًا عظيمًا يعيش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدا»120.

ثالثًا: أثر الاستقامة على الفطرة:

إن التربية الإسلامية تسعى إلى تحقيق غاية عظمى، تتمثل في استقامة النفس الإنسانية على نهج الإيمان الواضح الصحيح الذي لا تشوبه شائبة؛ وذلك أمر لا يمكن تحقيقه إلا بممارسة شرائع الإسلام وإتباع تعاليمه، والانقياد لأوامره، والابتعاد عن نواهيه؛ فالاستقامة إذن مرحلة ثانية بعد الإيمان؛ لأنها أثر من آثاره، ونتيجة من نتائجه، فهي بمثابة التربية النقية الضابطة لكل متعلقات فطرة الله سبحانه وتعالى تؤدي في المحصلة النهائية إلى تطهير القلب والنية لترسم السلوك الإنساني.

فطهارة الخارج تدعو أولًا إلى طهارة الداخل، وطهارة الإنسان الفرد مدعاة لطهارة المجتمع عمومًا؛ لأنه صورة مصغرة لهذا المجتمع، فالاستقامة على الفطرة تبني إنسانًا مثاليًا كما أراده الله، وبخلافه نجد إنسانًا تعلوه المعاصي وأوهام الدنيا وزينتها الخداعة؛ لأنها زائلة ومتاعها غرور.

قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ١٤].

وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [آل عمران: ١٨٥].

وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ١٢٥].

فقد «قال قتادة: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان» 121.

وقد ورد عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك - وفي حديث أبي أسامة غيرك - قال: (قل: آمنت بالله، فاستقم) 122.

فهذه الاستقامة الإيمانية لا تتحقق إلا من خلال التفقه بالدين ومعرفة أموره، والاحاطة بتعاليمه، ورعاية الأخلاق وتطبيقها في الواقع، ليصبح بذلك قدوة صالحة وأسوة حسنة، ومن يتمتع بكل ما ذكرنا يحصل على السعادة وعدم الحزن والبشرى بالجنة بدلالة قوله مسلم تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت: ٣٠ ].

يقول تعالى في هذا السياق (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) أي: أخلصوا العمل لله وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله من شريعة لهم ولم يشركوا به شيئًا123.

موضوعات ذات صلة:

الأسرة، الإسلام، الألوهية، التوحيد


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٥١٠.

2 فتح القدير، الشوكاني ٦/٢٥٤.

3 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١٩٥.

4 التعريفات، علي بن محمد الجرجاني ص ١٦٨.

5 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، د.أحمد مختار ٣/٤٦.

6 بهجة قلوب الأبرار، السعدي ص ٥٩.

7 شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٣/٣١٠.

8 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، ٢/٩٤، رقم ١٣٥٨.

9 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٢٠٠.

10 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الفاء، ص٨٨٠-٨٨١.

11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٦٤٠.

12 انظر: قاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٢٨ - ٤٢٩.

13 لسان العرب، ابن منظور ١/١٧٠.

14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤١٦.

15 معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ٢/١٦٠٧.

16 الكليات، الكفوي ص ٦٧١.

17 انظر: شمس العلوم، الحميرى ٨/٤٩٣١.

18 جمهرة اللغة، ابن دريد ١/٢٦٩.

19 العين، الفراهيدي ٦/١٣٦.

20 انظر: الكليات، الكفوي ص ٣٥٨.

21 معجم لغة الفقهاء، قلعجي وقنيبي ١/١٦٠.

22 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٩١.

23 انظر: الكليات، الكفوي ص ٦٧٤.

24 المحرر الوجيز ٣/٣٢٧.

25 مفاتيح الغيب، الرازي ١/١٢٧.

26 المصدر السابق ١٢/٤٧٤.

27 المصدر السابق ١٢/٤٩٢.

28 المصدر السابق ١٨/٥١٥.

29 درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ٨/٣٨٦ - ٣٨٧.

30 البحر المحيط، أبو حيان ٦/١٦٦.

31 السراج المنير، الشربيني ٣/٣٤٥.

32 غريب القرآن، ابن قتيبة ص١٥١.

33 التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، الملطي ص ٧٣.

34 الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، ابن بطة العكبري ٢/٧٢.

35 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/٨٤.

36 التحرير والتنوير ١١/١٦٠ - ١٦١.

37 انظر: فتح القدير ٦/٤٦٠.

38 روح المعاني، الألوسي ٧/١٢٢.

39 انظر: التحرير والتنوير ١٨/٢٦ - ٢٧.

40 شرح ثلاثة الأصول، ابن عثيمين ص٨٠.

41 الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، الجربوع ٢/٣٢٣ - ٣٢٤.

42 فتح رب البرية، ابن عثيمين ص٢٦.

43 المصدر السابق ٤٢.

44 انظر: الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه، عبدالله الأثري ١/١١٤.

45 النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز ص٤٠.

46 المصدر السابق ص١٧٦.

47 تحفة المودود، ابن القيم ص١٦١.

48 درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ٨/٤٥٨.

49 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز ١/٣٤.

50 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٤١.

51 شرح السنة، البغوي ١/١٥٨.

52 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٨٩.

53 التحرير والتنوير ٩/١٦٧.

54 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٨/٣٧٧.

55 مفاتيح الغيب ١٧/٢٩٦.

56 المصدر السابق ١١ /١٣٨.

57 جامع البيان، الطبري ١/٣٦٢.

58 المصدر السابق ١٩/٢٥.

59 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٣٨٠ - ٣٨١.

60 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥ /٢٦٥٨.

61 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣١٧.

62 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/٢٨١.

63 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٤/٧٧، رقم ١٥٣٦٠، والنسائي في الكبرى، ٩/٥، رقم ٩٧٤٣.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٧/١٩٠.

64 إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/١٥٨.

65 انظر: أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية، الجربوع ٢/٤٥٩.

66 تفسير القرآن العظيم ٨/٣٩٩.

67 انظر: المصدر السابق ٨/٣٩٩.

68 معارج القبول، الحكمي ١/٧.

69 التحرير والتنوير ١٥/٢٢٥.

70 انظر: إعجاز القرآن في دلالة الفطرة على الإيمان، الشهراني ص ٢٥ - ٢٧.

71 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣ /١٣٩٤.

72 الكشاف، الزمخشري ٢/١٦٦.

73 المصدر السابق ٣/٩١.

74 البحر المحيط، أبو حيان ٣/٤٦٢.

75 المذاهب الفكرية المعاصرة، غالب عواجي ٢/١١١٨.

76 المصدر السابق ٢ /١١٨٣.

77 دين الحق، عبد الرحمن آل عمر ص١٠.

78 مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، د.عثمان جمعة ضميرية ١/٢٢٠.

79 السيرة النبوية، عرض وقائع وتحليل أحداث: ١/١٦.

80 الجامع لأحكام القرآن ٢/٢٠٨.

81 إرشاد العقل السليم،أبو السعود ١/١٨٧.

82 التحرير والتنوير ٢/١٠٢.

83 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، سورتي الفاتحة والبقرة ٢/٢٣٣.

84 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١٤٢.

85 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٨٧.

86 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٨٣ - ٨٤.

87 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٠.

88 الكشاف، الزمخشري ٢/٩٤.

89 إرشاد العقل السليم،أبو السعود ٣/٢٢٤.

90 فتح القدير ٢/٢٢٧.

91 المصدر السابق ٣/٣٩٦.

92 التحرير والتنوير ١٦/١١٦.

93 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/١٨٥.

94 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٤/٣٤٨.

95 التحرير والتنوير ٦/٥١.

96 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٦٣.

97 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٧.

98 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٨١.

99 المصدر السابق ٢ /٨.

100 لباب التأويل ١/٢٣١.

101 التمهيد، ابن عبد البر ١٨/٧٠.

102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب باب الأكفاء في الدين، ٧/٧، رقم ٥٠٩٠.

103 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، ١/١٣٣، رقم ٤٩٤. وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٢١، رقم ٥٨٦٧.

104 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، ٢/٩٤، رقم ١٣٥٨.

105 مختصر الصواعق المرسلة ١/٢٥٧.

106 مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، د.عثمان جمعة ضميرية: ١/١٦٠.

107 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥.

108 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب باب فضل من بات على الوضوء، ١/٥٨، رقم ٢٤٧.

109 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٧٦.

110 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٠.

111 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/١٣.

112 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١١٣.

113 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، سورتي الفاتحة والبقرة، ١/٩٠.

114 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٤٨.

115 المصدر السابق ١٥/٤٧١.

116 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٨٩٣.

117 المصدر السابق ٩/٣٦٦.

118 تفسير القرآن العظيم ابن كثير ٤/٤٣٨.

119 المصدر السابق ٦/٤٣٠.

120 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٤٠.

121 تفسير القرآن العظيم ابن كثير ٢/٣٦٩.

122 اخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، ١/٦٥، رقم ٣٨.

123 انظر: تفسير القرآن العظيم ابن كثير ٧/١٦١.