عناصر الموضوع
الفرح
أولًا: المعنى اللغوي
الفرح: مصدر قولهم: فرح يفرح، هو خلاف الحزن يقال: فرح بكذا فهو فرح، ويطلق الفرح أيضًا: على البطر، ويقال: رجل فَرِح وفَرْحَان وامرأة فَرِحة وفَرْحَى1.
والمفراح: الذي يفرح كلما سره الدهر. وهو الكثير الفرح، وقد أفرحه وفرحه.
والفَرْحة: المسرة، والفرحة أيضًا: ما تعطيه المفرح لك أو تثيبه به مكافأة له. وفي حديث التوبة: (لله أشد فَرَحًا بتوبة عبده)2، وصفة الفرح ثابتة لله عز وجل كما يليق بجلاله وكماله3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب الأصفهاني: الفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة، وأكثر ما يكون في اللذات البدنية والدنيوية4.
وقال المناوي: «الفرح: انفتاح القلب بما يلتذ به» 5.
وقال الكفوي: «الفرح ما يورث أشرا أو بطرا، ولذلك كثيرا ما يذم كقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [القصص:٧٦]. ويتولد هذا عن القوة الشهوية. وقيل: شرح الصدر بلذة عاجلة، وقيل: لذة القلب لنيل المشتهى»6.
ورد الجذر (فر ح) في القرآن الكريم (٢٢) مرة 7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٧ |
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [التوبة:٨١] |
الفعل المضارع |
٩ |
(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الروم:٤] |
صفة مشبهة |
٦ |
( ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [هود:١٠]. ( ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الروم:٣٢] |
وجاء الفرح في القرآن على ثلاثة أوجه8:
الأول: البطر: ومنه قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ) [هود:١٠]. يعني: بطر فخور.
الثاني: الرضا: ومنه قوله تعالى: (ﭐﯨ ﯩ ﯪ) [الرعد:٢٦]. يعني: رضوا بها.
الثالث: السرور: ومنه قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [يونس:٢٢]. يعني: سروا بها.
السرور :
السرور لغة:
يقال: سررت برؤية فلانٍ وسرني لقاؤه، وقد سررته أسره أي فرحته، السرور خلاف الحزن؛ تقول: سرني فلانٌ مسرةً، والسرور: ما ينكتم من الفرح 9.
السرور اصطلاحًا:
«حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد وعلم أو ظن لحصول شيء لذيذ»10.
وقيل: هو انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلًا وآجلًا11.
الصلة بين الفرح والسرور:
هناك تقارب في المعنى بين الفرح والسرور إلى حد كبير، بحيث يصعب التفريق بينهما وفرق أبو هلال العسكري بينهما فقال: «الفرق بين السرور والفرح؛ أن السرور لا يكون إلا بما فيه نفع أو لذة على الحقيقة، وقد يكون الفرح بما ليس بنفع أو لذة: كفرح الصبي بالرقص والعدو والسباحة وغير ذلك مما يتعبه ويؤذيه، ولا يسمى ذلك سرورًا»12.
الحبور:
الحبور لغة:
هو السرور. الحبرة: النعمة التامة13.
والحبور من الحبرة وهو الفرح، كما في قوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)[الروم:١٥]14.
الحبور اصطلاحًا:
المبالغة فيما وصف بجميل 15.
الصلة بين الحبور والفرح:
قيل: الفرح: انبساط القلب لنيل محبوب أو توقعه، والحبور: السرور الذي يظهر في الوجه أثره، فهو أشد من الفرح، ولذا خاطب الله تعالى أهل الجنة بقوله (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الزخرف:٧٠].16.
البشرى:
البشرى لغة:
هي الخبر السار وكذلك البشارة، يقال: بشرته فأبشر واستبشر وتبشر وبشر فرح17.
البشرى اصطلاحًا:
اسم لخبر يغير بشرة الوجه مطلقا سارا كان أو محزنا إلا أنه غلب استعماله في الأول وصار اللفظ حقيقة له بحكم العرف حتى لا يفهم منه غيره 18.
الاستبشار في الاصطلاح:
البشارة: هي الخبر الصدق السار الذي ليس عند المخبر به علمه 19 ووجود المبشر به وقت البشارة ليس بلازم بدليل قوله تعالى (ﭿ ﮀ) [الصافات:١١٢].
الصلة بين البشرى والفرح
البشارة إذا كانت في الخير، فإنه تورث الفرح والسرور.
أولًا: صفة الفرح في حق الله تعالى:
من الصفات الثابتة لله تعالى صفة الفرح فهي صفةٌ فعليةٌ خبريةٌ ثابتةٌ بالأحاديث الصحيحة، أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفة من صفات الله تعالى لها معنى وأثرٌ.
جاء في صحيح مسلم عن الحارث بن سويدٍ، قال: دخلت على عبد الله أعوده وهو مريضٌ، فحدثنا بحديثين: حديثًا عن نفسه، وحديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن، من رجلٍ في أرضٍ دويةٍ مهلكةٍ، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده) 20.
فصفة الفرح من الصفات الفعلية الخبرية التي انفردت بها السنة دون الكتاب، وهي ثابتة بالسنة الصحيحة التي تلقاها أهل السنة بالقبول، وعقد إجماعهم استنادًا إليها على إثباتها، وهذه الصفة تدل بالتضمن على لطف الله بعباده ورحمته لهم، حيث يوفق من يشاء من عباده ليتوبوا فإذا تابوا تقبل توبتهم وفرح بها فرحًا شديدًا ولطيفًا في وقت واحد، إذ يرد إليه عباده الشاردين من طاعته لئلا يضيعوا، وهو الذي لا تضره معصيتهم ولا تنفعه طاعتهم21.
ففي هذا الحديث إثباتٌ لصفة الفرح لله تعالى، وشبه النبي صلى الله عليه وسلم فرح الله تعالى بتوبة عبده بفرح الذي ضلت راحلته وعليها طعامه وشرابه في أرض صحراء مهلكة، لا ماء فيها ولا طعام، فأيس منها، فنام وأيقن بالموت والهلاك، فاستيقظ فوجدها قائمة عند رأسه، فالله أشد فرحا من هذا براحلته.
قال ابن القيم: «والفرح صفة كمال، ولهذا يوصف الرب تعالى بأعلى أنواعه وأكملها، كفرحه بتوبة التائب أعظم من فرحة الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة» 22.
قال الهراس: عند شرحه لهذا الحديث «وفي هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عز وجل، والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات، أنه صفة حقيقية لله عز وجل على ما يليق به، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته، فيحدث له هذا المعنى المعبر عنه بالفرح عندما يحدث عبده المثوبة والإنابة إليه، وهو مستلزم لرضاه عن عبده التائب، وقبوله توبته.
وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع، فقد يكون فرح خفة، وسرور، وطرب، وقد يكون فرح أشرٍ وبطر، فالله عز وجل منزه عن ذلك كله، ففرحه لا يشبه فرح أحد من خلقه، لا في ذاته، ولا في أسبابه، ولا في غاياته، فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين» 23.
وأما تفسير الفرح بلازمه، وهو الرضا، وتفسير الرضا بإرادة الثواب، فكل ذلك نفيٌ وتعطيل لفرحه ورضاه سبحانه أوجبه سوء ظن هؤلاء المعطلة بربهم، حيث توهموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق، تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم 24.
قال المناوي: «في الحديث إظهار صفة الكرم والحلم والغفران، ولو لم يوجد لانثلم طرفٌ من صفات الألوهية، والإنسان إنما هو خليفة الله في أرضه، يتجلى له بصفات الجلال والإكرام والقهر واللطف»25.
فمن صفات الله تعالى الفرح والغضب والسخط. وغيرها، واحتجاج أصحاب الفرق الضالة، بأن هذا انفعال وتأثير من العبد، والمخلوق لا يؤثر في الخالق، فلو أغضبه أو فعل ما يفرح به لكان المحدث قد أثر في القديم.
فالله تعالى خالق كل شيء، وربه ومليكه، فهو سبحانه خالق الأسباب التي ترضيه وتغضبه، وتسخطه وتفرحه، فهو سبحانه خالق ذلك كله، والمخلوق أعجز من أن يؤثر فيه26.
فالسلف الصالح لا يؤولون ولا يلحقون صفة بأخرى، وإنما يثبتونها لله تعالى كما هي، وما أثبتها الله تعالى لنفسه، وكما أثبتها له رسوله.
قال البغوي «فهذه ونظائرها صفاتٌ لله تعالى ورد بها السمع، يجب الإيمان بها وإمرارها على ظاهرها، معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات، قال الله سبحانه وتعالى (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى:١١]»27.
فالفرقة الناجية، من أهل السنة والجماعة، يؤمنون به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهؤلاء هم الوسط في فرق الأمة، كما أن الأمة المرحومة هي الوسط في الأمم، فهم وسط الأمة في باب الصفات بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة» 28.
ومن الصفات القريبة لصفة الفرح، البش فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما توطن رجلٌ مسلمٌ المساجد للصلاة والذكر، إلا تبشبش الله له، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم)29.
فقال ابن حبان «العرب إذا أرادت وصف شيئين متباينين على سبيل التشبيه أطلقتهما معا بلفظ أحدهما، وإن كان معناهما في الحقيقة غير سيين. فتبشبش الله جل وعلا لعبده الموطن المكان في المسجد للصلاة والخير؛ إنما هو نظره إليه بالرأفة الرحمة والمحبة لذلك الفعل منه» 30.
والبشبشة؛ معناها يقارب معنى الفرح، والعرب تقول: رأيت لفلان بشاشة وهشاشة وفرحًا، ويقولون: فلان هش بش فرح، إذا كان منطلقًا، فيجوز إطلاق ذلك كما جاز إطلاق الفرح 31.
وقال المباركفوري: «إن هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه، ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته وما يليق بعز جلاله» 32.
وقد فهم معنى أمثال هذه الصفات، الرجل الأعرابي الذي قال حينما سمع أن الله تبارك ينظر إليكم الرب قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب33.
فقال له أبو رزين العقيلي يا رسول الله أو يضحك الرب؟ (قال: نعم قال: لن نعدم من ربٍ يضحك خيرًا)34.
فجعل الأعرابي العاقل - بصحة فطرته - ضحكه دليلًا على إحسانه وإنعامه؛ فدل على أن هذا الوصف مقرونٌ بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذمومٌ بذلك وقد قيل في اليوم الشديد العذاب: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الإنسان:١٠]35.
والمسلم حين يعلم أن من صفات الله تعالى الفرح والبش، والضحك فعليه أن يزداد إيمانا بربه، ويزداد حبا وتقربا إليه، ويكون لسان حاله يقول كما قال الأعرابي «لن نعدم من رب يضحك خيرًا».
ثانيًا: الفرح طبيعة إنسانية.
الفرح هو واحد من تلك العواطف والمشاعر القلبية، ولازم من لوازم الطبيعة الإنسانية فقد اعتنى القرآن ببيان أحواله، واعتنى بتوجيهه وضبط مساره، بل إن القرآن قد ارتقى به إلى مصاف الأعمال القلبية المطلوبة من أهل الإيمان.
فقد وجه القرآن الكريم المشاعر القلبية توجيهًا صحيحًا، ونظمها على أساس من التوازن والفاعلية المثمرة والفرح واحد من عدة انفعالات أساسية للنفس البشرية، وهي: الفرح، والحزن، والحب، والكره، والرغبة، والتعجب36.
والفرح الفطري المعروف، كغيره من الانفعالات التي خلقت مع الإنسان، وجبلت عليها النفس، فما من إنسان إلا وهو يفرح ويحزن37.
والإنسان بصفة عامة غير متزن تجاه انفعالاته، وما يعرض له، ويتأثر به، وهذ ما أكده القرآن الكريم فقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [المعارج:١٩-٢٢].
وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الروم:٣٦].
لقد عزى الله تعالى المؤمنين رحمة بهم في مصائبهم وزهدهم في رغائبهم بأن أسفهم على فوت المطلوب لا يعيده، وفرحهم بحصول المحبوب لا يفيده، وبأن ذلك لا مطمع في بقائه إلا بإدخاره عند الله تعالى وذلك بأن يقول: المصيبة قدر الله تعالى وما شاء فعل ويصبر؛ وفي النعمة هكذا قضى وما أدري مآله هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر فلا يزال خائفًا عند النعمة قائلًا في الحالين ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن، وأكمل من هذا أن يكون مسرورًا بذكر ربه في كلتا الحالتين، وقيمة الرجال إنما تعرف بالواردات المغيرة فمن لم يتغير بالمضار ولم يتأثر بالمسار فهو سيد وقته.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرًا وغنيمته شكرًا والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان تتعدى فيهما إلى ما لا يجوز»38.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [يونس:٢٢].
فالله تعالى بقدرته يحملكم في البر على الدواب، وفي البحر على السفن التي تسير على وجه الماء، حتى إذا كنتم في البحر على ظهور هذه السفن وجرين بهم بالريح اللينة الطرية التي تسير السفن فمن فطرتهم فرحوا بها، وفجأة جآءتها ريح عاصف أي: جاءتها الريح الشديدة العاصفة المدمرة (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) أي وأحاطت بهم أمواج البحار من كل جهة (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي أيقنوا بالهلاك رجعوا إلى طبيعتهم فدعوا الله مخلصين له الدين، أي: أخلصوا الدعاء لله وتركوا ما كانوا يعبدون39.
قال القرطبي: «وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد، وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرًا، لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى رب الأرباب، (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) أي: لئن أنقذتنا من هذه الشدائد والأهوال لنكونن من الشاكرين لك على نعمائك، والعاملين بطاعتك ومرضاتك»40.
ومعنى الإخلاص إفراده بالدعاء من غير إشراك أصنام وغيرها وقال الحسن: مخلصين لا إخلاص إيمان ولكن لأجل العلم بأنهم لا ينجيهم من ذلك إلا الله فيكون ذلك جاريًا مجرى الإيمان الاضطراري (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[يونس:٢٣].
أي: فلما خلصهم وأنقذهم إذا هم يعملون في الأرض بالفساد والمعاصي قال ابن عباس: يبغون بالدعاء فيدعون غير الله ويعملون بالمعاصي41.
من طبيعة الناس إظهار الفرحة في المناسبات ومنه إظهار السرور في العيدين فهو من شعار الدين وإعلاء أمره، وفيه دليل أن العيد موضوع للراحات وبسط النفوس إلى ما يحل من الدنيا والأكل والشرب والجماع ألا ترى أنه أباح الغناء من أجل عذر العيد، فيجوز لهم إظهار الفرحة في مثل هذا اليوم 42.
فعن عائشة قالت: (دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين. فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا)43.
فالفرح: انفعال جبل عليه الإنسان وتلبس به، ومن الخذلان بقاء النفس على ما جبلت عليه، فلابد من مقابلة هذا الفرح الفطري بشيء مكتسب؛ ليضبط هذا الانفعال، وهذا متوافر في توجيهات الشرع، وهي تؤدي هذه المهمة خير أداء، هذه المهمة التي أوكلها الفلاسفة وعلماء النفس إلى الإرادة، أو المكابدة، أو قوة التفكير فحرص الإسلام على تهذيب الفرح وتوجيهه؛ لإبراز الجانب الإيجابي منه، ولاستثماره بما يعود على النفس بالخير والسعادة44.
بين القرآن الكريم أنواع الفرح فمنه ما يمدح أو يذم بحسب السياق الذي ورد فيه، وهذا يعني أن للفرح أنواعًا ثلاثة:
النوع الأول: المحمود، وهو ما يتعلق بالدين، وله آثاره الإيجابية.
النوع الثاني: المذموم، وقد تحدث عنه القرآن الكريم، فذكر صورًا منه، صدرت عن اليهود والمنافقين والكافرين والمترفين، وله آثار سلبية كثيرة.
النوع الثالث: الفرح المباح: هذ ينسجم مع طبيعة الإنسان السوية، مع ضرورة الاحتراز منه؛ لكيلا يؤدي التساهل فيه إلى الفرح المذموم.
أولًا: الفرح الممدوح:
إن أسمى درجات الفرح وأفضلها هو الفرح بالإسلام، فأمر الله به وأثاب عليه، ومن أعرض عنه كان له الضنك.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس:٥٧-٥٨].
وعن أبي سعيدٍ الخدري، في تفسير قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، قال: «فضل الله: القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله»45.
قال ابن القيم: «يريد بذلك أمرين؛ الأول: الفضل في نفسه، والثاني: استعداد المحل لقبوله، كالغيث يقع على الأرض القابلة للنبات، فيتم المقصود بالفضل وقبول المحل له.
وهذا الفرح الذي يقتضيه اللفظ؛ هو بفضل الله وهو هداية الناس للقرآن، والرحمة هي التوفيق إلى اتباع السنة التي هي الرحمة في الدنيا والآخرة»46.
قال الرازي في تفسير قوله تعالى (ﮕ ﮖ): «يفيد الحصر؛ فيجب أن لا يفرح الإنسان إلا بذلك،. فثبت أن الفرح باللذات الجسمانية فرح باطل» 47.
فالتعبير في الآية غاية في البلاغة؛ لما فيه من التأكيد والمبالغة في التقرير؛ فإن أصل المعنى بدونهما: قل ليفرحوا بفضل الله وبرحمته، فأخر الأمر وقدم متعلقة؛ لإفادة الاختصاص، كأنه قال: إن كان في الدنيا شيء يستحق أن يفرح به؛ فهو فضل الله ورحمته 48.
والفرح بفضل الله وبرحمته أفضل وأنفع لهم مما يجمعونه من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، وسائر متاع الدنيا مع فقدهما، لا لأنه سبب سعادة الآخرة الباقية المفضلة على الحياة الدنيا الفانية - كما اشتهر فيما خطته الأقلام ولاكته الألسنة - بل لأنه هو الذي يجمع بين سعادة الدارين، كما حصل بالفعل؛ إذ كانت هداية الإسلام بفضل الله وبرحمته سببًا لما ناله المسلمون في العصور الأولى من الملك الواسع، والمال الكثير، مع الصلاح والإصلاح، والعدل والإحسان، والفوز الكبير، فلما صار جمع المال، ومتاع الدنيا، وفرح البطر به هو المقصود لهم بالذات، وتركوا هداية الدين في إنفاقه والشكر عليه؛ ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم49.
إن الآيات هدفت أول ما هدفت إلى التنويه بالقيمة العليا لهذا الدين، الذي أخرج من آمن به من عالم الأموات إلى عالم الأحياء، وجعلهم يدركون أن للحياة معنى أسمى وأعظم مما يتصوره الكافرون الجامعون لمتاعها.
فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان، فبذلك - وحده - فليفرحوا، فهذا هو الذي يستحق الفرح، لا المال، ولا أعراض هذه الحياة، إن ذلك هو الفرح العلوي، الذي يطلق النفس من المطامع الأرضية والأعراض الزائلة، فيجعل هذه الأعراض خادمة لا مخدومة، ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها، لا عبدًا خاضعًا لها» 50.
ومن الفرح الممدوح فرح الصحابة الكرام عندما سمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عن الساعة: (أنت مع من أحببت)، فيقول أنس: «فما رأيت فرح المسلمين بعد الإسلام فرحهم أشد مما فرحوا به»، وفي حديث آخر جاء قوله: «فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت) 51.
وكذلك عندما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أنسًا بفضل انتظاره لصلاة العشاء؛ قال: (فما فرحت بعد الإسلام فرحي به)52.
فالصحابة كانوا يفرحون مما يستحق الفرح - ففرحهم بالإسلام؛ جعلهم يشعرون م بالنقلة التي نقلهم الإسلام إليها حين أخرجهم من الظلمات إلى النور.
وعن عقبة بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، قال: سمعت أيفع بن عبدٍ الكلاعي يقول: لما قدم خراج العراق إلى عمر رضي الله عنه خرج عمر ومولًى له، فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: «الحمد لله تعالى» ويقول مولاه: «هذا والله من فضل الله ورحمته»، فقال عمر: «كذبت، ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس:٥٨]53.
فالفرح بالقرآن، وبالإسلام، وبالرحمة فرحٌ محمود؛ لأن هذه الأمور (ﮘ ﮙ ﮚ)، أي: يجمع الكافرون من متاع وضياع، وهم في غيهم سامدون. فما جمع من مال بين يدي عمر صعب عليه إحصاؤه يستدعي الفرح ولا شك، لكنه رضي الله عنه مهما كان لا يرقى بحال إلى أن يفرح به كفرحه بالإسلام، الذي كان سببًا في هذا الخير.
وفي قوله تعالى (ﮚ)، قرأ رويس بتاء الخطاب (تجمعون)؛ خطابًا للمسلمين، والباقون بياء الغيبة، (يجمعون) والمقصود الكفار، 54 أي: خيرٌ كذلك مما تجمعون أنتم أيها المسلمون، ولعل هذا ما يشير إليه قول عمر رضي الله عنه.
قرئ فلتفرحوا بالتاء، قال الفراء: وقد ذكر عن زيد بن ثابت أنه قرأ بالتاء وقال: معناه فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب محمد هو خير مما يجمع الكفار، قال وقريب من هذه القراءة قراءة أبي فبذلك فافرحوا والأصل في الأمر للمخاطب والغائب اللام نحو لتقم يا زيد وليقم زيد، وذلك لأن حكم الأمر في الصورتين واحد، إلا أن العرب حذفوا اللام من فعل المأمور المخاطب لكثرة استعماله، وحذفوا التاء أيضا وأدخلوا ألف الوصل نحو اضرب واقتل ليقع الابتداء به وكان الكسائي يعيب قولهم فليفرحوا لأنه وجده قليلا فجعله عيبا إلا أن ذلك هو الأصل 55.
إن الفرح بالإسلام يقتضي الفرح بمن أنزله، وتفضل به على خلقه، ولهذا يفرح المسلمون بالله، وتطمئن قلوبهم بذكره وتأنس، ويفرح المسلمون أيضًا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حمل لهم الإسلام من الله، فعن البراء بن عازب في الهجرة، (أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها)56.
قال ابن القيم: «الفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه، ومحبته له، وإيثاره له على غيره، فإن فرح العبد بالشيء - عند حصوله له - على قدر محبته له ورغبته فيه، فمن ليس له رغبة في الشيء، لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواته؛ فالفرح تابع للمحبة والرغبة» 57.
وهنا فرح محمود آخر وهو أهل الكتاب بالإسلام، وقد أشار إليه قول الله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الرعد:٣٦].
فأهل الكتاب من اليهود والنصارى يفرحون بالقرآن والإسلام، وأهل الكتاب هنا من أسلم منهم، كعبدالله بن سلام رضي الله عنه.
قال السعدي: «الشهادة إذا أضيفت إلى طائفة، أو أهل مذهب، أو بلد ونحوهم، فإنها إنما تتناول العدول الصادقين منهم.
وأما من عداهم، فلو كانوا أكثر من غيرهم فلا عبرة فيهم، لأن الشهادة مبنية على العدالة والصدق، وقد حصل ذلك بإيمان كثير من أحبارهم الربانيين، كـ «عبد الله بن سلام» وأصحابه وكثير ممن أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، ومن بعده و «كعب الأحبار» وغيرهما»58.
وهذه بعض صور من الفرح المحمود:
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الروم:٢-٥].
احتربت الروم وفارس بين أذرعات59 وبصرى60، فغلبت فارس الروم، فبلغ الخبر مكة فشق على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل الكتاب، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا:أنتم والنصارى أهل الكتاب، ونحن وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرن نحن عليكم، فنزلت فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: لا يقرر الله أعينكم، فوالله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبي بن خلف: كذبت يا أبا فصيل، اجعل بيننا أجلًا أناحبك عليه. والمناحبة: المراهنة فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر وماده في الأجل، فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين، ظهرت الروم على فارس، وذلك عند رأس سبع سنين، وقد ورد أن هذا النصر تزامن مع غزوة بدر؛ فتكون الإشارة إلى فرح المسلمين بالانتصار على كفار مكة، وهي بشرى بفرح آجل، وقد تحقق، وهذا يجعل فرح المسلمين مضاعفًا، حين فرحوا بانتصارهم على كفار مكة، ثم فرحوا بانتصار الروم على الفرس61.
فأنزل الله تعالى هذه الآيات مشيرةً إلى هزيمة الروم وأن الفرس سيهزمون في معركتهم القادمة مع الروم، وسيكون هذا بعد بضع سنين، (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)، وقد تحقق وعد الله.
قوله تعالى: (غلبت) قرئت بالفتح على البناء للمعلوم، والروم فاعل، وقرئت (سيغلبون) بالمبني للمجهول، أي: سيغلبهم المسلمون فيما بعد، ويفرحون بهذا النصر»62.
فالمسلم مأمور بأن يفرح، حين ينتصر الحق على الباطل، في أيٍ من ميادين الصراع، وهو فرح محمود يثاب عليه.
لقد ذكر القرآن الكريم فرح الشهداء، أولئك الذين فرحوا بالإسلام في الدنيا؛ فهانت عليهم أرواحهم في سبيله؛ فماتوا من أجله؛ فامتد فرحهم في الآخرة؛ يقول الله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:١٦٩-١٧٠].
وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن (أرواح الشهداء عند الله يوم القيامة في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديلها فيشرف عليهم ربهم فيقول ألكم حاجة تريدون شيئا فيقولون لا إلا ان نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى)63.
قال ابن القيم: «حين يلقى المؤمن أهله وأصحابه، فيفرحون به ويفرح بهم، فرح الغائب يقدم على أهله، وهذا كله قبل الفرح الأكبر، يوم حشر الأجساد، بجلوسه في ظل العرش، وشربه من الحوض» 64.
إن فرح المؤمن بلقاء الله عندما يقال له: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الفجر:٢٧-٣٠].
فلو لم يكن له إلا هذه الفرحة وحدها، لكان العقل يأمر بإيثارها، فكيف ومن بعدها؛ أنواعٌ من الفرح؟ ويظهر هذا على الناجي يوم القيامة فيأخذ كتابه بيمينه، وهو يدعو الخلائق كلها لتقرأ كتابه في رنة الفرح والغبطة (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الحاقة:١٩-٢٠]65.
وآخر فرح هو الفرح برؤية وجه الله تبارك وتعالى، فعن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ يقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس:٢٦]66.
إن الفرح المحمود الطيب بآثاره، والمثاب صاحبه عليه - له حلاوة لمن تذوقها فلا يلقي بالًا لغيرها، وهذا الفرح المحمود من أسمى أقسام الفرح وأكملها، وتخلو صوره كلها من المكدرات والشوائب، ومن المزاحمات، فلا شحناء ولا تحاسد67.
ثانيًا: الفرح المذموم:
عرض القرآن الكريم الفرح المذموم، فذكر منه صورًا، أسندها إلى طوائف من الناس صدر عنهم هذا الفرح، وكان هذا الفرح المذموم له أسبابه، ودوافعه، آثاره.
والمتأمل في الآيات القرآنية - التي تحدثت عن هذا الفرح المذموم، نجد أن أكثرها في اليهود والمنافقين والكافرين والمترفين.
وهذه بعض صور الفرح المذموم من خلال الآتي:
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [آل عمران:١٨٨].
قال مروان لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس وقل له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب، لنعذبن أجمعين، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذا، إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه، ثم قرأ ابن عباس (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران:١٨٧]68.
التبس على مروان بن الحكم معنى هذه الآية، وكان قد غفل عن سبب نزولها، ورأى أن فيها وعيدًا وتهديدًا لمن يفرح ويحب الثناء، وعلى هذا لن ينجو أحد من العذاب؛ فكل الناس يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
فكان اليهود يخالطون الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة أحيانًا، وحدث أن سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم سؤال اختبارٍ وكشف نياتٍ، فكذبوا عليه، ثم فرحوا بهذا الكذب، ثم أشعروا الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم يستحقون منه المدح والثناء على تجاوبهم.
قال الضحاك: «كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الارض كلها إن محمدا ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم وأجمعوا كلمتكم على ذلك، فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، ففرحوا بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله، فلذلك قول الله تعالى يفرحون بما أتوا - بما فعلوا - ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا - يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة» 69.
وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يكذب؛ من أجل أن يضحك الناس، ويدخل الفرح إلى قلوبهم70، فالكاذب يفرح؛ لأنه استطاع أن يضحك الناس، وهم يضحكون ويفرحون بما يسمعون.
إن الصلة وثيقة بين المنافقين واليهود؛ فإن اليهود احتضنوا بذرة النفاق ورعوها، وكان منهم منافقون.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحشر:١١].
فالكذب أبرز صفة في المنافقين، وهو الذي يميزهم عن أهل الكفر الصريح، فهو عندهم منهج حياة؛ فكان أول وعيدٍ للمنافقين على كذبهم: بقوله تعالى (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة:١٠].
وعن أبي سعيد الخدري: (أن رجالًا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو، تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران:١٨٨]71.
وهناك آياتٌ صريحةٌ في الحديث عن فرح المنافقين المذموم، والذي ظهر منهم في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [التوبة:٨١].
فقول الله تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه، (ﭳ ﭴ ﭵ) معه (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) أي: بعضهم لبعضٍ: وقالوا(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر، عند طيب الظلال والثمار، فلهذا قالوا (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) قال الله تعالى لرسوله: قل لهم: (ﮂ ﮃ) التي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم (ﮄ ﮅ) مما فررتم منه من الحر، بل أشد حرًا من النار72.
فتخلف المنافقون عن مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في الخروج للغزو، ثم جاؤوا يعتذرون، فعذرهم الرسولإهمالًا لهم، وتقليلًا من شأنهم، ففرحوا حينئذٍ بعدم الخروج، وفرحوا بإعذار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [التوبة:٩٤].
كشف هذا الفرح عن كذب المنافقين، وكشف كذلك عن كراهيتهم لهذا الدين؛ إذ لو كان في قلوبهم إيمان، لبكوا بسبب تخلفهم عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما حصل مع فقراء المسلمين.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:٩٢].
إن البكاء من هؤلاء بسبب عدم الخروج علامة صدق وإيمان، كما كان الفرح من أولئك للسبب نفسه - وهو عدم الخروج - علامة كفر ونفاق، وقد توعدهم الله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [التوبة:٨٢].
والضحك هنا كناية عن الفرح، أو أريد ضحكهم فرحًا؛ لاعتقادهم ترويج حيلتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم رد تعالى الملامة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء، وأنبهم في رضاهم بأن يكونوا مع النساء الخوالف في الرحال 73.
وكذلك يفرح المنافقون، إذا مس المسلمين قرح، أو نزلت بهم نكسة، وتبدو عليهم مظاهر الإعجاب؛ قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة:٥٠].
وقد أظهر إخوانهم اليهود من قبل الفرح بمصائب المسلمين، حيث ذكر القرآن الكريم في سياق الحديث عن قبائح أهل الكتاب، فقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [آل عمران:١٢٠].
فالطائفتان تفرحان بمصاب المسلمين، وكذلك فرح كفار قريش بانتصار الفرس على الروم، مع أنه لم تكن هناك مودة أو تعاون بينهما، فالتشابه في المشاعر بين اليهود والمنافقين والكفار ليس بمستغرب؛ فالكفر ملة واحدة، والقواسم المشتركة في عداوة الجميع لهذا الدين وأهله، لذا حريٌ بالمسلمين أن يجمعهم الفرح المحمود وميادينه، كما جمع الفرح المذموم أعداءهم74.
ذكر القرآن الكريم فرح الكافرين في أكثر من آية، منها قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [هود:٩-١٠].
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الروم:٣٦].
وقوله تعالى أيضًا: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الشورى:٤٨].
وتشير الآيات إلى الإنسان الكافر باعتبار أنه جبل على عدم الاتزان، فالكافر أبرز أفراد النوع الإنساني في هذا المجال؛ لأن هذا الخلق هو عدم التوازن 75 لا يزيله إلا الإسلام؛ فالذين لم يسلموا باقون عليه76.
إذا أذاق الله تعالى الإنسان رحمة فرح بها أي: إذا أعطاه رخاء وصحة وغنى فرح بها بطرًا، ولهذا قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النساء:٧٨]أي: بلاء وشدة ومرض بما قدمت أيديهم من الذنوب فإن الإنسان كفور أي: كثير الكفر لما أنعم به عليه من نعمه، غير شكور له عليها، وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان77.
لقد كان لعدم توازن الكافر في انفعالاته مظاهر وآثار منها: أن فرحه محصور في الدنيا، ولا يلتفت إلى الآخرة، يقول الله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الرعد:٢٦].
إن في الدنيا أشياء مفرحة تغري بالإنسان، ويبش لها؛ ولكنها قليلة زائلة، يخالطها الكدر والشوائب، وهي لا شيء إذا ما قيست بما في الآخرة من نعيم مقيم يفرح، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن كتب الله الخلود على أهل الجنة، لماتوا فرحًا)78.
إن فرح الكافر مذموم، حين حصره في الدنيا على حساب الآخرة، وما نعيم الدنيا إلا مجرد ذوق، كما أشارت الآيتان السابقتان(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)79.
وفي قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ، نموذجان لفرح المؤمن وفرح الكافر: لقد فرح أهل سبأ بهديتهم التي حملت إلى سليمان، وهي شيء تافه إذا ما قيست حتى بنعيم الدنيا، وقد ظنوا أن نبي الله سليمان سيفرح بالهدية كما فرحوا: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النمل:٣٥-٣٦].
أجابهم سليمان عليه السلام: أنتم وحدكم الذين تفرحون بمثل هذه الأشياء، أما نحن، فإنا نفرح بما آتانا الله من إيمان؛ فهو مصدر الفرح الحق.
فالفرح بالرحمة مأمور به، وفرحوا برحمة الله، وهو كما أن الملك لو حط عند أمير رغيفا على السماط أو أمر الغلمان بأن يحطوا عنده زبدية طعام يفرح ذلك الأمير به، ولو أعطى الملك فقيرا غير ملتفت إليه رغيفًا أو زبدية طعام أيضًا يفرح لكن فرح الأمير بكون ذلك من الملك وفرح الفقير بكون ذلك رغيفًا وزبدية 80.
إن الفرق ظاهر بين حال الكافر في فرحه وحال المؤمن، فارتباط فرح الكافر بالنعمة ذاتها يفسر عدم توازنه؛ لأنه يفرح بها فرح البطر إذا أقبلت، ويحزن حزنًا شديدًا إذا فقدها؛ لافتقاره للضابط المكتسب، الذي يكبح انفعالاته.
أما المؤمن، فإنه حين ترتبط النعمة عنده بالله تعالى؛ فإنه يفرح بها فرح المقر بفضل الله الوهاب لها، فلا يبطر؛ لأن المعطي فوقه يرقب فعله، وإن نزعت منه النعمة، أو فاته الحصول عليها يصبر؛ لاعتقاده أن ما حصل كان بقضاء الله وقدره، وقد تعود إليه، ويظفر بها مرة أخرى ما دام أمرها بيد الله تعالى.
هذا التوازن هو الذي يفتقر إليه الكافر؛ إعجابًا منه بما هو عليه، وتجاهلًا لأي صوت آخر؛ ولهذا كان فرحه فيما لا ينبغي، وعلى الوجه الذي لا ينبغي.
إن هذا المسلك الذي ارتضاه الكافرون أغرى بهم، فجعلهم يعرضون عن دعوة الرسل فرحًا بما عندهم وقناعةً به، وزهدًا بما وراءه، (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [غافر:٨٣].
وقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المؤمنون: ٥٣].
ويلحظ في الآية قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ)، وفي الآية الثانية (ﯟ ﯠ ﯡ)، فهذا الذي يفرحون به من بدعهم هم، أو مما توارثوه واعتادوا عليه، وهو لا يغني من الحق شيئا، أما المؤمنون فإنهم يفرحون بما جاءهم من عند الله؛ فهو الرحمة والشفاء.
ناسب أن يأتي بعد قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [المؤمنون:٥٤].
وذلك تمثيل لحال اشتغالهم بما هم فيه من الازدهار وترف العيش، عن التدبر فيما يدعوهم إليه الرسول لينجيهم من العقاب بحال قوم غمرهم الماء، فأوشكوا على الغرق، وهم يحسبون أنهم يسبحون81.
فأبواب التيه والخسران في الدنيا والآخرة فتحت على الكافرين، وكان سببها الفرح الباطل المذموم.
إن فرح المترفين أمثال قارون ومن على شاكلته، جعله نموذجًا لكل المترفين أمثاله، الذين صدر منهم الفرح المذموم؛ فقارون من اليهود الذين عرف عنهم حب المال وعبادته، وتقديم الفرح به على كل شيء.
فعن قتادة قوله: «كنا نحدث أنه كان ابن عم موسى، وكان يسمى المنور لحسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي لكثرة ماله»82.
وفي القرآن الكريم إشارة إلى كفر قارون، منها قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [غافر:٢٣-٢٤].
فكفر قارون ظاهرٌ، لا إشكال فيه.
يبدو من خلال المحاورة بين قارون وقومه أنه كان مؤمنًا، كقولهم له: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص:٧٧].
فقارون تنقل بسبب فرحه ومرحه من حالة إلى أخرى أسوأ منها، وهذا من آثار الفرح المذموم، الذي يستدرج صاحبه، ويغري به حتى يورده النار.
إن ترف قارون ومرحه جعله أنموذجًا لكل أصناف الفرح المذموم؛ فقارون عرف عنه حب المال وعبادته، وتقديم الفرح به على كل شيء. وقد كان من بني إسرائيل، قوم موسى، فآتاه الله تعالى مالًا كثيرًا، فرح به فرحًا جعله يتجاوز الحد، فتطاول على قومه، وأعرض عن الاعتراف بفضل الله، وتجاهل الحقوق الواجبة عليه، فاستحق بذلك ما استحق83.
فقارون بغى على قومه، وانحاز إلى فرعون، فاستدرجه الله تعالى بأن آتاه مالًا كثيرًا، فلما فتن به وفرح، أهلكه الله.
فالفرح أمر قد وقع، فالمعنى: لا يظهر عليهم بركته، ولا يعمهم رحمته. ولما نهوه عن الفرح المطغى، أمروه بأن يطلب، فيما آتاه الله من الكنوز وسعة الرزق، ثواب الدار الآخرة، بأن يفعل فيه أفعال البر، وتجعله زادك إلى الآخرة84.
ونقل الطبري عن ابن عباس: الفرحين: المرحين، وعن مجاهد: المتبذخين، الأشرين، البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم 85.
إن أصحاب الفرح الباطل فتنةٌ لغيرهم من الناس، بخاصة أولئك الذين تعلقت نفوسهم بالدنيا ومتاعها، فكانوا بحاجة إلى تقريع يعيد لهم صوابهم، وهو ما قامت به الفئة المؤمنة، التي تستحق الوصف بالوصف المتقدم، قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [القصص:٨٠].
كان هلاك قارون مؤذنًا بأن الترف لا ينجي من عذاب الله تعالى، وكان في هلاكه وعيد شديد، لمن هم على شاكلته من المترفين المنحرفين، وتسلية للمؤمنين.
فالفرح المذموم له آثارٌ سلبية، فهو يجعل صاحبه يسيء الظن بالله؛ لأنه يخشى أن ينزع الله منه الأشياء المفرحة، والفرح المذموم - الذي لا ضابط له - يؤدي إلى حزن مذموم لا ضوابط له عند فوات نعمة، أو حصول نقمة، وهذا الشعور يفضي إلى التسخط، وعدم الرضا بالقضاء والقدر؛ وهذا هو الخسران بعينه.
والفرح المذموم يلهي عن شكر المنعم؛ لانشغال صاحبه بالفرح وآثاره المتمثلة بالمرح بأنواعه، ولاعتقاده بأن لا فضل لأحد عليه، ولقد قالها قارون من قبل حين دعي إلى الشكر: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)[القصص:٧٨].
إن عدم الشكر سبب مباشر لنزع النعم، ولعذاب الله (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم:٧].
ومن آثار الفرح المذموم الركون إلى الدنيا، والرضا بها، والحرص عليها؛ خشية أن يفوته بعض ما فيها من وسائل الفرح ودواعيه، وهذا يشغله - ولا شك - عن الآخرة والعمل لها.
يورث الفرح المذموم صاحبه العجب؛ بسبب حصوله على ما يفرح، والعجب مدعاة للاستهزاء بالآخرين، والبغي عليهم، كما فعل قارون.
ثالثًا: الفرح المباح:
الفرح لا تكاد تخلو منه نفس بشرية؛ فإنها تفرح، وتبدي سرورها ورضاها، حين تباشر ما من شأنه أن يفرحها في العادة، على اختلاف في الأشياء المفرحة بين إنسان وآخر، فقد يطير إنسان ما فرحًا بشيء، لا يحرك هذا الشيء نفسه ساكنًا عند آخر، ولا عجب، فإن المفرحات أشياء مكتسبة، بخلاف الفرح نفسه، هذا مع الإقرار بوجود أشياء يفرح عامة الناس بها؛ كالمال، والنجاح، والحياة، والتميز، وما شابه ذلك.
إن الفرح مباح، معفو عنه؛ كونه انفعالًا، ما لم يطرأ عليه مؤثر خارجي يحيله إلى فرح محمود، أو مذموم، ومن هنا وجه الشرع عنايته إلى تهذيب الفرح وضبطه.
إن المسلم أولى الناس بهذا الفرح؛ فإن فيه إظهارًا لنعمة الله تعالى عليه، وانسجامًا مع طبيعة النفس السوية.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضحك ضحك الفرح عندما يرى ما يسره، وكان يضحك مما يضحك الناس، وكان يتعجب مما يتعجب من مثله، ويستغرب وقوعه 86.
فلما قدم جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه من الحبشة إلى المدينة، يوم أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم خيبر، فتلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل جبهته، وقال: (والله ما أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر)87.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يفرح، ويسعى؛ ليفرح أصحابه معه، فقد جاء في حديث الدجال قوله صلى الله عليه وسلم: (لكن تميمًا أتاني، فأخبرني خبرًا منعني القيلولة؛ من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم)88.
وكان الصحابة الكرام إذا رأوا الغيم، فرحوا89؛ استبشارًا بنزول المطر وإنبات الأرض، وما يتبع ذلك من خيرات تتمناها النفس، وتفرح بها.
إن توبيخ الله تعالى للكافرين بقوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [غافر:٧٥]- دليلٌ على أن الفرح بالحق ممكن أن يكون محمودًا أو مباحًا جائزًا.
فالفرح المباح قد يشتد، فيوقع صاحبه في أخطاء غير مقصودة، في أثناء تعبيره عن هذا الفرح، أي: تجاوز الصواب، وهو قول العبد الذي أضل راحلته: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)90؛ فلما اشتد عليه الفرح منع صاحبه من إدراك البديهيات، فضلًا عن غيرها.
راعي الإسلام طبيعة الفطرة الإنسانية: فنجد أن هناك فرحًا مشروعًا شاملًا لجميع حاجات ودوافع الإنسان التي تتطلبها جوانبه المختلفة مثل (الروح، والعقل، والجسد) مما يدل على أن من خصائصه العموم والشمول ومراعاة الفطرة.
لقد خلق الله الإنسان من طين، ونفخ فيه من روحه، وجعل لكل من الجسد والروح مطالبه (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك:١٤].
والإنسان نفس ومزاج وأعصاب وإحساس، وهي وإن لم تكن ظاهرة إلا أن لها الدور الأعظم في صحة الجسد، وانتشاله من كثير من الأمراض، ولو تأمل الإنسان القرآن العظيم الذي ما فرط في شيء، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النحل:٨٩].
فالقرآن ذكر أمورًا وأشياء تدخل السعادة على النفس، إضافة إلى أمور أخرى تنبع من داخل النفس والذات الإنسانية.
وهذه الدوافع على أنواع نتناولها في النقاط الآتية:
أولًا: دوافع فكرية:
الفرح من الانفعالات الإنسانية الفطرية التي لابد أن تنتاب كل أحد منا في فترة من الفترات، قال تعالى: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [النجم:٤٣].
لقد بين لنا القرآن الكريم المنهج السليم الذي يجب أن يقوم عليه الفرح لدى الفرد، فالفرح أمر نسبي يتوقف على أهداف الإنسان في الحياة، فمن كان هدفه الحصول على شيء من متاع الدنيا فقط وهذا حال الكثيرين ومنهم الكفار، كان نجاحه في تحقيق أهدافه باعثا على فرحه وسروره قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الرعد:٢٦].
وهذا النوع لا ينعم في الواقع بالحياة السعيدة المطمئنة المستقرة، فإذا أنعم الله عليه بنعمة الصحة وسعة الرزق ووفرة المال شعر بالفرح والسعادة، وإذا ما أصابه ضرر أو بلاء وفقد بعض النعم التي كان يتمتع بها أو عجز عن تحقيق هدف يأمل به تملكه الاكتئاب واليأس والاضطراب وجحد بالنعم الأخرى 91.
والدوافع الفكرية تنقسم إلى قسمين:
وهذا ما سيتم الحديث عنه في النقاط الآتية:
١. دوافع فكرية حسية.
الدوافع الفكرية الحسية الخارجية للفرح، مثل: النظر في الألوان.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [البقرة:١٨٧].
وقال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [فاطر:٢٧]].
وقال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه:١٠٢]وقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس:٨٠].
وقال سبحانه (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [البقرة:٦٩].
من دوافع الفرح الفكرية النظر إلى الألوان لما لها التأثير على فرح لإنسان، فهي تعالج النفس، وتعدل الطبع والمزاج، وتسمو بالأرواح، وتغذي الأعصاب وتفيد الإحساس بالراحة 92.
وتأثير اللون في حياة البشر اليومية لا يخفى على أحد، فهناك ألوان تبعث السرور في النفس، وتشيع السعادة في حياة الفرد، ومنها ما ينفر منه المرء، وتشعره بالكآبة والملل والاضطراب النفسي، وهناك ألوان ترفع معنويات الفرد، وأخرى تثبطها، ومنها ما يوحي بدفء المشاعر، ومنها ما يوحي ببرودها وجمودها.
وذكر القرآن الكريم في مواضع عديدة الألوان وهي: الأبيض والأخضر والأصفر والأحمر والأسود واللون الأزرق.
فاللون الأبيض، ذكر للصفاء، والقلوب الطيبة التي لا تخفى أضغانًا، كالمرآة تعكس ما يقع عليها، لذا كان علامة على وجوه أهل السعادة يوم القيامة، وهو لون شرابهم وكؤوسهم وأنهارهم، ولون نسائهم، هو اللون العاكس لحال السعداء.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الصافات: ٤٥-٤٦].
قوله: (ﯴ) مثل قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الإنسان:١٦]أي: قوارير كأنها في بياضها من فضة، فهن إضاءات صافيات الغلائل فيها أنها في طيب الرائحة وسطوعها، وأرجها كأرج المسك والكافور93.
قال قتادة في تفسير قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) «أي خمر جارية (ﯴ ﯵ ﯶ) قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن» 94.
وأما اللون الأسود: ورد ذكره في القرآن الكريم في جزاء الفرح المذموم، و حال الكفار في عرصات يوم القيامة.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل عمران:١٠٦].
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر:٦٠].
فللون الأسود في تلك الآيات الكريمة، لون الحزن والهم والغم والكآبة في الدنيا، وكذلك هو لون جهنم، كما في حديث أبي هريرة قال: (أوقد على النار ألف سنةٍ حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنةٍ حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنةٍ حتى اسودت فهي سوداء مظلمةٌ)95.
وأما اللون الأزرق: قال تعالى (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه:١٠٢].
يقول أبوالسعود: «يحشر المجرمون زرقًا أي: حال كونهم زرق العيون وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أعدى عدوهم زرقٌ ولذلك قالوا في صفة العدو أسود الكبد وأصهب السبال وأزرق العين أو عميًا لأن حدقة الأعمى تزرق»96.
يأتي اللون الأخضر في الجمال في المرتبة الثانية فقبله الأبيض ثم الأخضر، قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأنعام:٩٩].
وقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس:٨٠].
وعند العرب الأخضر يطلق على كل جميل فيقال: الأخاضر للذهب واللحم ويكنى عن المرأة السوداء بالخضراء تفائلًا، وكذا عن الحسناء.
واللون الأخضر لون النباتات والزروع التي نشاهدها يوميًا والتي تدخل على النفس كثيرًا من البهجة والسرور، ولون الخضرة يقوي النظر ويزيد في حاسة البصر، وسبب ذلك فيما يقوله أهل الطب أن الأخضر يجمع الروح الباصر جمعًا رفيقًا مستلذًا غير عنيف.
يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [النمل:٦٠]: «حدائق بهيجة ناضرة حية جميلة مفرحة، ومنظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيوية، وتأمل هذه البهجة والجمال الناضر والحي الذي يبعثها كفيل بإحياء القلوب، وتدبر آثار الإبداع في الحدائق كفيل بتمجيد الصانع الذي أبدع هذا الجمال العجيب، وأن تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنه أعظم رجال الفنون من البشر، وأن تموج الألوان، وتداخل الخطوط، وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث، فضلًا عن معجزة الحياة النامية في الشجر وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر» 97.
وأما اللون الأصفر: قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [البقرة:٦٩].
طلبوا من موسى عليه السلام زيادة في التعنت وكثرة السؤلات وصفًا آخر لهذه البقرة التي أمروا بذبحها، فقالوا: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) فأجابهم الله تعالى على لسان موسى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) أي صفراء اللون: وهذا أجمل لون؛ كشعاع الشمس الذهبي عند الغروب.
قال ابن عباس: (ﰁ ﰂ) شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض وقوله: (ﰃ ﰄ): أي: تعجبهم من حسن منظرها وجمال لونها 98.
قال ابن عباس: «من لبس نعلًا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها، وذلك قوله تعالى: (ﰃ ﰄ)»99.
يقول الكسائي: فقع لونها إذا خلصت صفرته وعن كون اللون الأصفر باعثًا للسرور 100.
قيل: (ﰁ ﰂ) شديد الصفرة تكاد من صفرتها تبيض، وقيل: صافية اللون، وهي تسر الناظرين، لأنك إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها 101.
وأما الدافع الفكري الثاني للفرح هو الحلي والأحجار الكريمة.
فقد تعددت الآيات الكريمة التي تحدثت عن تحلي المؤمنين يوم القيامة بألوان الحلي المختلفة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، إضافةً إلى الآيات التي أكدت على كون الذهب والفضة من شهوات الحياة الدنيا المحببة إلى النفس، والتي تدخل الفرح في من اقتناها. قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [آل عمران:١٤].
الذهب مؤنث، ولذلك يصغر على ذهيبة، ويجمع على أذهاب وذهوب، واشتقاقه من الذهاب، ويقال: رجل ذهب بكسر الهاء-رأى معدن الذهب فدهش و «الفضة» تجمع على فضض، واشتقاقها من انفض إذا تفرق102.
قال القرطبي: «والذهب مكيالٌ لأهل اليمن، قال: واشتقاق الذهب والفضة، يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود»103.
والذهب والفضة: إنما كانا محبوبين يبعثان على الفرح لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكها كالمالك لجميع الأشياء104.
وأما الأحجار الكريمة فقد ذكرت في أكثر من موضع في القرآن الكريم، على سبيل وصفها مصدرًا للجمال، ومصدرًا للفرح، وعلى أنها باعثة على البهجة والانشراح والمتعة.
قال تعالى واصفًا الحور العين في الجنة: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الرحمن: ٥٨].
أي: كأنهن يشبهن الياقوت والمرجان في صفائهن وحمرتهن قال قتادة: كأنهن في صفاء الياقوت وحمرة المرجان، لو أدخلت في الياقوت سلكًا ثم نظرت إليه لرأيته من ورائه105.
وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الواقعة:٢٣].
(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فاطر:٣٣].
الأساور: جمع أسورة التي هي جمع سوار فالأساور جمع الجمع، وهي حلية تلبسها النساء الآن في معاصمها، ولؤلؤًا هو ما يستخرج من البحر من جوف الصدف106.
ترتبط الأحجار الكريمة في أذهان الناس بالفرح والجمال، ويعتقد البعض أن لها أثرًا علاجيًا في العديد من الأمراض الجسدية والنفسية.
٢. دوافع فكرية غير حسية.
الدوافع الفكرية غير الحسية للفرح، مثل: الفرح بما عند الإنسان الجاهل من العلم.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [غافر:٨٣].
أخبر الله تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل، وماذا حل بهم من العذاب الشديد، مع شدة قواهم، وما أثروه في الأرض، وجمعوه من الأموال، فما أغنى عنهم ذلك شيئا، ولا رد عنهم ذرة من بأس الله؛ وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات، لم يلتفتوا إليهم، ولا أقبلوا عليهم، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل.
قال السدي: فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم، فأتاهم من بأس الله ما لا قبل لهم به107.
فحين جاءتهم الرسل إلى هؤلاء الجاهلين، فرحوا بما لديهم من العلوم الدنيوية كالتجارة والزراعة، واغتروا بتلك القشور التي كانوا يسمعونها ممن كانوا يزعمون أنهم على شيء من العلم الديني، واستهزءوا بما جاءهم به الرسل من علوم تهدى إلى الرشد، وتدعو إلى إخلاص العبادة لله، واعتقدوا- لغبائهم- وانطماس بصائرهم- أنه لا علم أنفع من علومهم ففرحوا بها 108.
ذكر الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) قال فيه وجوه:
الأول: أنه أراد العلم الوارد على سبيل التهكم في قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النمل:٦٦].
وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون لا نبعث ولا نعذب.
والثاني: أن يريد علم الفلاسفة والدهريين عن بنى يونان، وكانوا إذا سمعوا بوحي الله: دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم.
والثالث: فرحوا بعلمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الروم:٧].
فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات، لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزءوا بها، واعتقدوا أنه لا أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به109.
ثانيًا: دوافع نفسية:
لقد بين القرآن أن الفرح والسرور والسعادة الحقة ذلك الذي يكون نتاج العمل الصالح. وأن تمسك الإنسان بالإيمان والتقوى والعمل الصالح هو السبيل للحصول على السعادة في الحياة الآخرة والأمن والطمأنينة والسرور والفرح الدائم.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل:٩٧].
وقال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس:٥٧-٥٨].
كثيرًا ما نسمع من يقول عن شخص ما: نكدي، وآخر مرح، فلو ملك الأول المال والعقار وحصل الوضع الاجتماعي المناسب. هل يتغير طبعه، ولو تعرض الثاني لمتاعب الزمان هل يتغير طبعه؟ أم الفرح يورث كالمال تمامًا!
فالقرآن الكريم وضح أن الفرح والشقاوة تورث كالصفات والأخلاق والأحاسيس والتدين والكفر كما تورث الصفات الحسية من طول أو قصر أو لون بشرة أو لون شعر؛ لنرى.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [نوح:٢٦-٢٧].
لو تأملنا في قوله تعالى الآية الكريمة (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) نجدها تشير إلى أن الكفار يضلون غيرهم من عباد الله، إضافة إلى أنهم يلدون الفجار الكفار أمثالهم. فقد أشارت الآية أن مواليدهم الخارجة من بطون أمهاتهم فجارًا كفارًا، فجرهم وكفرهم معهم مصاحبًا لهم، موروثًا عن آبائهم وأجدادهم يسري في عروقهم لا ينفك عنهم، بل هو من أصل خلقتهم كلون بشرتهم، أو عيونهم أو هيئة شعرهم لذلك لا خير فيهم، ولا يستحقون البقاء الذي لا ينتج إلا أمثالهم، فلا بد من استئصال بذور الشر التي فقدت الغاية من سبب وجودها على هذه الأرض.
وجاء في الأمثال «تكاد المرأة أن تلد أخاها» دليلٌ على توارث الصفات الخلقية. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: للرجل الذي سأل عن غلامه الذي ولد أسودًا، فقال له: (هل لك من إبل. قال: نعم، قال: ما ألوانها. قال: حمر، قال: هل فيها من أورق قال: نعم، قال: فأنى ذلك. قال: لعله نزعه عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعة)110.
وعن مريم عليها السلام نجد القرآن الكريم يصفها بحسن المنبت قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [آل عمران:٣٧].
وفي هذا يقول الإمام علي: «إذا كرم أصل الرجل كرم مغيبه ومحضره» 111 أي: من كان ينتمي إلى نسب عريق في الفضائل.
فالفرح: يشمل كل ألوان الخير والراحة والرفاه والبركة.
والشقاء: يشمل جميع صنوف القلق والضيق والشدة.
وجينات يرثها الإنسان بتقدير الله وإرادته مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا أو أربعين ليلةً ثم يكون علقةً مثله ثم يكون مضغةً مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلماتٍ فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقيٌ أم سعيدٌ ثم ينفخ فيه الروح فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها)112.
وعن سعد ابن أبي وقاصٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: الجار السوء والمرأة السوء والمركب السوء والمسكن الضيق)113.
مما سبق يتبين أن الصفات التي لها قابلية الانتقال من الآباء إلى الأبناء عديدة مثل لون البشرة والعين والشعر، وكذلك السجايا الخلقية والصفات الحميدة كالشجاعة والكرم والبشاشة والتفاؤل، أو الرذيلة كالكفر والفجور والكآبة والشقاء والتشاؤم.
أساليب القرآن في الحديث عن الفرح
أولًا: الحديث عن الفرح الممدوح:
القرآن الكريم سيبقى المعجزة الخالدة الدائمة في اللفظ والمضمون والأسلوب، فقد كانت معجزات الأنبياء السابقين متفوقةً عاليةً على تحديات عصورهم وأممهم. أما القرآن فهو معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين، الخالدة الباقية على البشرية وعلى العالمين على مر العصور والدهور.
فأساليب القرآن الكريم في عرض الفرح، تعد عنايةً فائقةً بتنوع أساليب النصوص القرآنية وتدبرها وتأملها، واستنباط الأسلوب الذي يسري في نسقها، وجوانب الجمال الذي تتسم به.
١. الأسلوب القصصي.
فأشار القرآن الكريم إلى أن القصص القرآنية وسيلةٌ من الوسائل الكثيرة إلى تحقيق الهدف الأصيل، والعناصر في القصة القرآنية تابعةٌ للهدف منها، وللعبرة التي سيقت من أجلها.
وقصة فرح قريش بنصر فارس على الروم وفرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الروم:١-٥].
٢. الأسلوب المباشر والأسلوب غير المباشر.
عرض القرآن الكريم الفرح بالأساليب المباشرة وغير مباشرة فمن الأساليب المباشرة فرح المؤمنين بما من الله عليهم من الهداية ومعرفة الحق.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس:٥٨].
ومن الأساليب غير مباشرة فرح مؤمني أهل الكتاب، كعبدالله بن سلام بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه وتعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الرعد:٣٦].
فقد ذكر الله تعالى فرح الذين آتيناهم الكتاب ولم يذكر من هم بالأسلوب المباشر إنما كنى عنهم.
والأسلوب غير المباشر هو ذكر الشيء بذكر لوازمه، للتعبير عن المعنى، وهي باب من أبواب المجاز، وقد استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أبي الجهم حين استشارته فاطمه بنت قيس في خطبة أبي الجهم لها؟
فقال صلى الله عليه وسلم عنه: (أما أبو جهمٍ، فلا يضع عصاه عن عاتقه)114، كناية عن كثرة ضربه للنساء.
٣. أسلوب الوعد.
وهو فرح المؤمنين في الجنة بما أكرمهم الله به من الرضوان والنعيم المقيم.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:١٧٠].
وقال سبحانه: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الزخرف:٧٠].
وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الروم:١٥].
٤. أسلوب الترغيب.
القرآن الكريم ربى الأمة الإسلامية من خلال الترغيب في ثواب الله وجنته ورضوانه، رباهم على التخلص من الشح، وأن ينفقوا في سبيل الله، ويؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن خلال الترهيب من غضب الله وعذابه، رباهم على التخلص من شهواتهم، وقد سلك في آياته أساليب متعددةً لتحقيق أهدافه، واتخذ وسائل متنوعةً للوصول إلى غاياته.
ومن اساليب الترغيب، قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس:٥٨].
ففضل الله ورحمته: القرآن والإيمان، من فرح به فقد فرح بأعظم مفروحٍ به، ومن فرح بغيره فقد ظلم نفسه، ووضع الفرح في غير موضعه 115.
والفرح الإيماني هو فرح أهل الإيمان بما بعث الله به رسوله من الهدى والحق، كما قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الرعد:٣٦].
وهذا الفرح يعد من أعمال القلوب المطلوبة، ومن أعظم مقامات الإيمان.
يقول ابن تيمية: «أرفع درجات القلوب فرحها التام بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وابتهاجها وسرورها، كما قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الرعد:٣٦]» 116.
ومما يدخل في هذا الفرح فرح المؤمن بالطاعة إذا عملها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن)117.
والمتأمل في الشريعة يرى أنها ربطت الفرح بالطاعات، فكان عيد الفطر بعد الفراغ من صيام رمضان وقيامه، وكان عيد الأضحى عقب أداء مناسك الحج.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنةٌ، وللصائم فرحتان: فرحةٌ حين يفطر، وفرحةٌ حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)118.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن هذا الفرح: «وهذا فرح محمود غير مذموم، قال الله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس:٥٨].
ففضله: الإسلام والإيمان، ورحمته: العلم والقرآن، وهو يحب من عبده أن يفرح بذلك ويسر به، بل يحب من عبده أن يفرح بالحسنة إذا عملها، وأن يسر بها، وهو في الحقيقة فرح بفضل الله حيث وفقه الله لها، وأعانه عليها، ويسرها له، ففي الحقيقة إنما يفرح العبد بفضل الله وبرحمته.
ومن أعظم مقامات الإيمان الفرح بالله، والسرور به، فيفرح به إذ هو عبده ومحبه، ويفرح به سبحانه ربًا وإلهًا ومنعمًا ومربيًا»119.
ثانيًا: الحديث عن الفرح المذموم:
١. الأسلوب القصصي.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [القصص:٧٦].
هذه هي قصة المال والغرور بالعلم وكيف كان مآلهما بعد قصة الملك والسلطان وكيف كانت نهايتهما.
قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم مع أنه منهم، وعاش معهم ولكنه لم يرع لذلك كله حرمة أو جوارا، وبغى عليهم حتى جمع ذلك المال الوفير، وبغى عليهم بتكبره وطغيانه وظلمه لهم.
وآتاه الله من الأموال المنقولة والثابتة ما إن علمه والإحاطة به والمحافظة عليه لتنوء به العصبة من أولى العلم والقوة وكان قارون من قوم موسى، وكان ذا مال وفير، فقال له الصالحون من قومه لا تفرح وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض.
لا تفرح بدنياك فرحا مصحوبا بالبطر والأشر، والفتنة والغرور فالدنيا عرض زائل، وعارية مستردة يربح فيها من عرفها، ويخسر من اغتر بها لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم. إن الله لا يحب الفرحين.
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة نعم فالدنيا طريق الآخرة، هي المزرعة للباقية من زرع فيها الخير حصد، ومن أضاع عمره فيما لا يرضى ربه ندم والعاقل من طلب بدنياه آخرته، ومن ابتغى فيما آتاه الله الدار الآخرة والله سبحانه لا يطالبك بأن تعطى مالك كله، بل إن تنفق القليل طلبا لرضا الرب الجليل، ترجع بالخير الكثير والجزاء الجزيل.
ولا تنس نصيبك من الدنيا نعم فهذا هو الطريق الوسط والرأي الرشد، أن تعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وتعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، فليس من الدين الزهد في الدنيا حتى تتركها وتعيش عالة على غيرك، بل الدين يطالبك بالعمل والجد والغنى من طريق الحلال، فإذا جمعت المال فأعط حق الله فيه، ولا تنس نصيبك من الدنيا، أي: تمتع ببعضه بلا إسراف ولا تقتير، انظر إلى هذا النظام المحكم الدقيق الذي وضعه الحكيم البصير! وأحسن كما أحسن الله إليك والإحسان هو الإتقان في العمل، وهو يقتضى إعطاء كل ذي حق حقه.
ولا تبغ الفساد في الأرض بالظلم أو العسف أو الكبر أو الإضرار بالناس فكل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها، إن الله لا يحب المفسدين بأي شكل كان.
انظر إلى قارون وقد أبى أن يقبل هذا النصح- لأنه غير موفق- بل زاد عليه بقوله: قال: إنما أوتيته على علم عندي!! بمعنى أنه أوتى هذا المال لفضل علمه وكمال استحقاقه له، أو المعنى أنه أوتيه على علم عنده بوجوه الكسب وطرق الزيادة، وإنماء المال، كأنه قال إنما أوتيت هذا المال لفضل علمي وتمام مجهودي وتجاربي، فليس لأحد حق له في هذا المال، وكأنه ينكر إنعام الله عليه بتلك الأموال لاستحقاقه لها عن جدارة فهو حر التصرف.
ولقد رد الله عليه أبلغ رد حيث بين له حقيقة الأمر.
أعنده مثل هذا العلم الذي افتخر به وتعاظم، ورأى نفسه مستوجبة لكل نعمة، ولم يعمل به حتى يقي به نفسه مصارع السوء التي أهلك الله بها الطغاة المتجبرين الذين هم أشد منه قوة، وأكثر مالا وعددا، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون، وهكذا يجب على الإنسان ألا يغتر بماله، وأولاده وجموعه مهما كانت، فإن الله إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، وليعلم المسلم أن الأيام دول، وأن الدهر قلب، وليعتبر بما حصل في الماضي، وليحصن ماله بالإنفاق.
هذا حال قارون مع ماله، وموقفه ممن وعظه، وغروره بنفسه واستمع إلى الناس، وقد انقسموا إلى فريقين: فريق ينظر نظرة سطحية، فتعميه الدنيا وزخارفها عن الوضع السليم والطريق المستقيم وآخر قد نور الله بصيرته فهو ينظر إلى الدنيا بعين العبرة والعظة، عين الرجل الفاهم للحقائق الذي لا تخدعه المظاهر الخلابة.
وقد جاءت نهاية قارون مؤيدة لما ذهب إليه أهل العلم والبصر بالدنيا والآخرة فخسف الله بقارون وبداره وبماله وبجموعه الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، ويمنعون عنه بأس الله وبطشه، حيث لم يعمل عملا صالحا يقربه إلى ربه، ولم يحصن ماله بالصدقة والزكاة، ولم يتقرب إلى الله وإلى الناس بترك الكبر والغرور والغطرسة، ولهذا كله كانت النتيجة أن ضاعت دنياه، وخسف الله به الأرض، والله على كل شيء قدير، وبعباده خبير بصير120.
٢. الأسلوب المباشر والأسلوب غير المباشر.
من الأسلوب المباشر قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الروم:٣٦].
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحديد:٢٢-٢٣].
من الأسلوب غير المباشر قوله تعالى وقال سبحانه: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الرعد:٢٦].
وإذا رسخ في قلب المسلم الاعتقاد الذي تقرره هذه الآية الكريمة والآيات الأخرى التي في معناها فلن يفرح فرح أشر وبطر بحصول النعمة ولكن فرح شكر وامتنان واعتراف بالفضل لمن أسداها وهو المولى سبحانه وتعالى، ولن يأسى على فوات أو زوال النعمة أسىً يذهب به كل مذهب، ويجعل الدنيا تضيق عليه بما رحبت، ولكنه سوف يسلم لله ويرضى بما قضاه، ولنفسه العزاء الأكبر.
٣. أسلوب الوعيد.
توعد الله الذين يفرحون بالباطل، فقال سبحانه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [آل عمران:١٨٨].
وهناك نوع آخر من الفرح المذموم، وهو أحد العلامات الدالة على النفاق، قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [التوبة:٨١].
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجالًا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ))121.
٤. أسلوب الترهيب.
استخدم القرآن الكريم اسلوب الترهيب للدلالة على الفرح المذموم، وأهله أولئك المعاندون للرسل عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا النوع من الفرح.
يقول تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [غافر:٨٣].
ويقول سبحانه: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المؤمنون:٥٣].
ويقول سبحانه: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الروم:٣١-٣٢].
وفي هذه الآيات يخبر المولى عز وجل عن المعاندين لرسله، وكيف أنهم أعرضوا عما جاءت به الرسل من الحق فرحين بما عندهم من العلم الذي هو في حقيقته جهل، وبما لديهم من شبهات وأباطيل يعارضون بها دعوة الحق التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 122.
٥. الإخبار بحال الكافرين والمنافقين.
أخبر القرآن الكريم عن فرح الكافرين والمنافقين بما يصيب المؤمنين من مصائب الدنيا.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [آل عمران:١٢٠].
وقال سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة:٥٠].
هذا أسلوب من نوع آخر من كيد المنافقين ومن خبث بواطنهم للإسلام والمسلمين، والمعنى: إن تصبك في بعض الغزوات حسنة سواء كان ظفرا، أو كان غنيمة، أو كان انقيادا من بعض ملوك الأطراف لك، يسؤهم ذلك، وإن تصبك مصيبة من نكبة وشدة ومصيبة ومكروه يفرحوا به، ويقولوا قد أخذنا أمرنا الذي نحن مشهورون به، وهو الحذر والتيقظ والعمل بالحزم، من قبل أي قبل ما وقع وتولوا عن مقام التحدث بذلك، والاجتماع له إلى أهاليهم، وهم فرحون مسرورون 123.
الأصل في الفرح الإباحة: لقوله صلى الله عليه وسلم (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم، فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيًا، ثم قرأ هذه الآية (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [مريم:٦٤])124.
فالأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم 125.
وأما الضوابط الشرعية في الفرح:
أولًا: ألا يكون الفرح فيه استهزاء بالدين:
الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ويجعله مرتدًا عن الإسلام 126.
قال الله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [التوبة: ٦٥-٦٦].
فبعض المسلمين يطلقون نكتة أو نادرة فيها استهزاء ببعض شعائر الإسلام وفرائضه، أو يتمازح وهو في معصية دون أن يعلم أن ذلك جرمٌ عظيمٌ قد يؤدي به إلى الكفر والعياذ بالله، مثل الاستهزاء ببعض السنن على سبيل المزح، وببعض الأحكام الشرعية كتقصير الثوب وإعفاء اللحية أو الصلاة والصوم وغيرها.
يقول ابن عـبـاس رضي الله عنهما: «من أذنـب ذنـبــًا وهــو يضحـك دخل النار وهو يبكي»127.
ثانيًا: أن يكون صادقًا في إفراح الناس ولا يكذب عليهم:
اعتاد بعض الناس ذكر الطرائف الكاذبة بقصد إضحاك الناس. قال رسول صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له)128.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا)129.
ولا شك أنهم وقـعوا في ذلك بسبب الفراغ وضعف الإيمان والبعد عن ذكر الله تعالى، ومصاحبتهم لجلساء السوء الذين يزينون لهم بعض المحرمات.
عن جابر بن سمرة كنت أجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا، وكان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام، فكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم130.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم عبادة الله تعالى على الفرح كما ظهر من الحديث.
ثالثًا: ألا يكون في فرحه سخرية واستهزاء بالناس:
السخرية والاستهزاء بالناس من الكبائر، يقول تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [الحجرات:١١].
قال ابن كثير: «المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين»131.
ويقول الطبري: «اللمز باليد والعين واللسان والإشارة، والهمز لا يكون إلا باللسان» 132.
وعن الحسن: (إن المستهزئين بالناس ليفتح لأحدهم باب الجنة فيقال: هلم، فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه)133.
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السخرية بالمسلمين فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ، دمه، وماله، وعرضه)134.
رابعًا: أن لا يكون في فرحه ترويع للمسلمين:
قال ابن أبي ليلى: «حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)135.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا)136.
لقوله: صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)137.
والقاعدة الشرعية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام138.
خامسًا: ألا يكثر من الفرح المباح:
ينبغي ألا يداوم على الفرح؛ لأن الجد سمات المؤمنين، وما الفرح إلا رخصة وفسحة لاستمرار النفس في أداء واجبها، فبعض الناس لا يفرق بين وقت الجد واللعب. فمن الغلط العظيم أن يتخذ الفرح حرفة»139.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النجم:٦٠].
والمذموم من الضحك ما كان مصحوبًا بصوت ويسمى القهقهة، وذلك لما يترتب عليه من آثار سيئة، كموت القلب وذهاب الهيبة وضياع الوقت.
قال الماوردي: «وأما الضحك فإن اعتياده شاغل عن النظر في الأمور المهمة، مذهل عن الفكر في النوائب الملمة وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار، ولا لمن وصم به خطر ولا مقدار» 140.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثر ضحكه قلت هيبته. وقال علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: إذا ضحك العالم ضحكةً مج من العلم مجةً 141.
وعن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: مال هذا الكتاب (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الكهف:٤٩].
«إن الصغيرة الضحك» 142.
سادسًا: ألا يكون الفرح فيه غيبة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الغيبة (ذكرك أخاك بما يكره)143.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الحجرات:١٢].
وما أروع هذا التمثيل حيث يقول الله: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) وحقا من ولغ في العرض فكأنه أكل اللحم من أخيه وهو ميت لا يقدر على رده، وكذلك المغتاب في غيبة أخيه ينهش من عرضه وهو لا يستطيع رده، فهذا أسلوب غاية في التنفير من الغيبة، ثم أتبع ذلك ربنا جل جلاله بقوله: فكرهتموه فقد صور المغتاب بصورة من يحب شيئا، حقه أن يكون في غاية الكراهية وهو أكل لحم الأخ، وزاده أن صوره بصورة الميت، وحقه أن يكون منه أنفر 144.
فالغيبة عادة مرذولة، وصفة مستهجنة، كثيرا ما أودت بالصلات، وأثارت الأحقاد، وشتتت من جمع، وفرقت من شمل، وهي مع هذا عذابها شديد وعقابها أليم، وهي بالفساق أولى فاتقوا الله واجتنبوها وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم 145.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)146.
«الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أسباب فهو سماها غيبة يقول: تباح، لكن في الحقيقة هي ليست غيبة هذه: نصيحة، لكن لما كان بعض الناس يرى أنها غيبة تسامح في إطلاق الغيبة عليها وعلى فرض أنها غيبة فإنها مباحة بل واجبة.
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوىء التي فيه بنية النصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه. وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا، أو مغفلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس؛ وجباية الأموال ظلما وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به؛ ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفهم بغير ذلك كان أولى»147.
سابعًا: ألا يكون الفرح في تبذير للمال:
قال تعالى (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الإسراء:٢٦-٢٧].
وهذا في أمر واجب وهو الإنفاق على ذي القربى والمسكين وابن السبيل فكيف الحال في الأفراح التي ينفق فيها المال على المنكرات.
ثامنًا: ألا يكون الفرح في اختلاط بين الرجال والنساء:
وهذا يفضي إلى من النظر المحرم، والخلوة المحرمة، بالإضافة إلى أنه قد يكون ذريعة لمخالفات شرعية أكبر، والله تعالى قد نهى عن مجرد قرب الزنا ولم يقتصر على تحريم الزنا، بل القربان فقد قال تعالى (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢].
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور:٣٠-٣١].
وكذلك يجب على أفراحنا أن تخلو من المعازف لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوامٌ، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوامٌ إلى جنب علمٍ، يروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجةٍ فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردةً وخنازير إلى يوم القيامة)148.
تاسعًا: ألا يكون الفرح في الميسر:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المائدة:٩٠].
قال صلى الله عليه وسلم (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)149.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير)150.
الفرح انفعال فطري محله القلب، يمدح ويذم بحسب تعلقه، لذا اهتم الإسلام به؛ ليجعله فرحًا محمودًا.
إن مفهوم الفرح لم يستطع أحد من علماء النفس، أن يقدموا له تعريفًا جامعًا مانعًا، فعبروا عنه أحيانًا بأنها ضد الشقاوة، أو ضد التعاسة، أو قالوا ضد النحوسة، ولكن اتفقوا بما فيهم فلاسفة المسلمين على أن الفرح هو جنة الأحلام التي ينشدها كل بشر، وزاد المسلمون على أنها تتحقق من خلال اتباع منهج الإسلام الذي يأمر بالسيطرة على الشهوات البدنية ومجاهدة النفس.
وأما علماء النفس من المسلمين:
قال ابن سينا اعتقد أن السعيد في الدنيا سيكون سعيدًا في الآخرة، لأن سعادة الدنيا وإن كانت أدنى من الآخرة إلا أنها توصل إليها وتتكون سعادة الإنسان في الدنيا من نوعين من اللذات: لذات حسية مرتبطة بشهوات البدن، ولذات معنوية مرتبطة بحاجات النفس وهي أفضل وأرقى، وعرف الفرح: بأنها البقاء السرمدي في الغبطة الخالدة في جوار من له الخلق والأمر تبارك وتعالى 152.
دعا الكندي إلى الرضا في كل الأحوال من أجل الفرح، والسرور، والقناعة بأخذ القدر الذي يحتاجه الإنسان من مطالب البدن دون ألم على ما فاته 153.
رأى ابن مسكويه أن الفرح تتحقق في تحصيل اللذات المادية والمعنوية معًا، وبصحة النفس وصحة الجسم معًا، وقسم الفرح إلى نوعين: أهمهما الفرح الأخلاقية، ويحصل عليها الإنسان عندما يعيش في خير دائم مطلق 154.
وعرف ابن مسكويه الفرح فقال: هي تمام الخيرات وغاياتها، والتمام: هو الذي إذا بلغنا إليه لم نحتج معه إلى شيء آخر 155.
وقسم أبو حامد الغزالي: الفرح إلى قسمين:
وخلاصة القول في الفرح عند علماء النفس أنه ليس بالأمر الهين، أن نعثر على الفرح فهو أمر داخلي يتأثر بما يدور حوله في الخارج.
فالفرح: هو ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة، هذا الشعور يأتي نتيجة الإيمان بالله والرضا عن الله وقضائه وقدره بقناعة وصبر في شعارنا الدائم«إنا لله وإنا إليه راجعون» وبذلك يكون الإنسان في حالة صلح مع خالقه ومع نفسه، ثم مع الناس في طهر ونور وخير وأمل وحلم. لقوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [طه:١٢٤].
وأما في القرآن الكريم فقد ذكر السبب الأول في جلب الفرح الحقيقي للإنسان في الدنيا والآخرة.
فقد قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [هود:١٠٥-١٠٨].
وقال الألوسي نقلًا عن الراغب: في الفرح هو «معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضادها الشقاوة، وفسر الشقاوة بنكد العيش وسوئه، فالشقي والسعيد هما المتصفان بما ذكر وفسر غير واحد الأول: بمن استحق النار بمقتضى الوعيد، والثاني: من استحق الجنة بموجب الوعد، وهذا هو المتعارف بين الشرعيين، وتقديم الشقي على السعيد لأن المقام مقام الإنذار والتحذير» 157.
فالشقاوة قوة أسباب البلاء، والفرح: «قوة أسباب النعم، ومعنى الآية ها هنا عند أهل السنة، فمنهم شقي سبقت له الشقاوة، ومنهم سعيد سبقت له الفرح، وقال بعضهم: إن الفرح والشقاء ها هنا في الرزق والحرمان وفسر بعضهم: الشقاوة بالعمل السيء والفرح بالعمل الحسن والمأثور الصحيح هو الأول 158.
قال لبيد159:
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
ومنهم شقي بالمعيشة قانع
قال سيد قطب «ونشهد الذين سعدوا، نشهدهم في الجنة لهم فيها عطاء دائم غير مقطوع ولا ممنوع»160.
ويقول السعدي في تفسير قوله تعالى (ﯜ ﯝ ﯞ) «والأشقياء هم الذين كفروا بالله وكذبوا رسله وعصوا أمره، والسعداء هم المؤمنون المتقون» 161.
وأما الشعراوي فقال في تفسير قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ): جاء بالاسم المحدد لكل من القسمين شقي وسعيد، لأن الاسم يدل على الثبوت، فالشقاء ثابت لمن نعت بالشقي، والفرح ثابتة لمن نعت بالسعيد162.
والفرح حقيقة نفسية في القلوب الصافية، وهو فرح الالتقاء على الحق، وزيادة اليقين بصحة ما لديهم، ومؤازرة الكتاب الكريم له.
موضوعات ذات صلة: |
البشرى، البكاء، الحزن، الرضا، السعادة، الغم |
1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٢٤١.
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، ٤/٢١٠٣، رقم ٢٧٤٤.
3 انظر: تهذيب اللغة ٥/٢٠، الصحاح، الجوهري ١/ ٣٩٠، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/ ٤٩٩، لسان العرب، ابن منظور ٢/٥٤١.
4 المفردات، ص ٣٧٥، الذريعة في مكارم الشريعة، الراغب الأصفهانى ص ٣٣٩.
5 التوقيف على مهمات التعريف ص ٢٥٨.
6 الكليات، الكفوي ص ٥٠٨.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٥١٤.
8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٥٩-٣٦٠.
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٦١.
10 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٩٣.
11 انظر: المفردات، الأصفهاني ص ٦٢٨.
12 انظر: الفروق اللغوية ص ٢١٩.
13 الصحاح، الجوهري ٢/١٨٣، تاج العروس، مرتضى، الزبيدي ١٠/٥٠٦.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٢٧.
15 المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٣/٣١٦.
16 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٩٧.
17 انظر: المحكم والمحيط، ابن سيده ٨/٥٩، المصباح المنير، الفيومي ص ٣١
18 انظر: الكليات، الكفوي ص ٢٣٩
19 انظر: المصدر السابق.
20 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، ٤/٢١٠٣، رقم ٢٧٤٤.
21 انظر: الصفات الإلهية في الكتاب، محمد أمان بن علي جامي علي ص٢٩٧.
22 مدارج السالكين، ابن القيم ٣/١٥٨.
23 شرح العقيدة الواسطية ص ١٦٦
24 انظر: عقيدة السلف أصحاب الحديث، الصابوني ص ٥.
25 فيض القدير شرح الجامع الصغير ٥/٣٠٥.
26 انظر: الصواعق المرسلة ٤/١٤٦٣
27 معالم التنزيل، البغوي ١/١٨.
28 شرح العقيدة الواسطية، هراس ص١٨٢
29 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة، ٢/٩٩، رقم ٨٠٠.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٨١، رقم ٥٦٠٤.
30 صحيح ابن حبان ٤/٤٨٥.
31 انظر: صفات الله عز وجل، علوي السقاف ص٨٦.
32 مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن المباركفوري ٨/٦.
33 انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، عبد الله بن محمد الغنيمان ٢/٩٠.
34 أخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله، باب فيما أنكرت الجهمية ١/١٨٣ رقم ١٧٩. وحسنه ابن تيمية، كما في مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/١٣٩.
35 انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٦/١٢١.
36 انظر: انفعالات النفس، ديكارت ص٥١.
37 انظر: المدخل إلى عالم النفس الإسلامي، سبيعي ٢/٣٤.
38 انظر: السراج المنير، الشربيني ٤/٢٢٣.
39 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ١/٥٤٠.
40 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٣٢٥.
41 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٦/٣٤.
42 انظر: الكواكب الدراري، الكرماني ٢/٦٢، حاشية السندي على سنن ابن ماجه ١/٥٨٧.
43 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، ٢/٦٠٧، رقم ٨٩٢.
44 انظر: الضوء المنير، ابن القيم ٣/٤٧٩.
45 المعجم الأوسط، الطبراني ٥/٣٤٧، رقم ٥٥١٢.
46 الضوء المنير، ابن القيم ٣/٤٥٤.
47 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/١٢٣-١٢٤.
48 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ١١/٤٠٦.
49 انظر: المصدر السابق ١١/٤٠٦.
50 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٨٠.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب علامة حب الله عز وجل، ٨/٤٠، رقم ٦١٧١.
52 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة، ١/٢٢٨، رقم ٥٨٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣١١، رقم ١٤٨٣.
53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٧٥.
54 انظر: البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة، القاضي ص ١٤٩، البحر المحيط، أبو حيان ٥/١٧٠.
55 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢٨٥، مفاتيح الغيب ١٧/٢٧٠.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (لتركبن طبقًا عن طبقٍ)، ٦/١٦٨، رقم ٤٩٤١.
57 الضوء المنير، ابن القيم ٣/٤٥٥-٤٥٦.
58 تيسير الكريم الرحمن ص٣٧٣.
59 بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمان، ينسب اليه الخمر.معجم البلدان، ياقوت الحموي ١/١٣٠.
60 من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران.معجم البلدان، ياقوت الحموي ١/٤٤١.
61 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٤٦٦.
62 البحر المحيط، أبو حيان ٧/١٦١.
63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، ٣/١٥٠٢، رقم ١٨٨٧.
64 الروح، ابن القيم ص٣٩٩.
65 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٦٧٦.
66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى ١/ ١٦٣ رقم ١٨١.
67 انظر: مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة ص ٢١٣.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ٦/٤٠، رقم ٤٥٦٨.
69 انظر: أسباب نزول القرآن، الواحدي ص٩٢
70 انظر: سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس ٤/ ٥٥٦.
71 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، ٤/٢١٤٣، رقم ٢٧٧٧.
72 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٨٩.
73 انظر: المصدر السابق ٤/٢٠٠.
74 انظر:في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٥٧.
75 انظر: السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية، العامري ٢٥/١٣٥.
76 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٢١.
77 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٢٣.
78 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب، ومن سورة مريم، ٥/٣١٥، رقم ٣١٥٦.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٢٥، رقم ٧٩٩٨.
79 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢٢/١٥
80 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٠١.
81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٧٣.
82 انظر: فسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥٣.
83 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب ١٠/٣٨٣.
84 انظر: البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٨/٣٢٥،
85 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٦٢٣.
86 انظر: زاد المعاد في هدى خير العباد، ابن القيم ١/١٧٥.
87 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ٢/٦٨١، رقم ٤٢٤٩.
88 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب فتنة الدجال، وخروج عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج، ومأجوج ٢/١٣٥٤ رقم ٤٠٧٤. وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩١، رقم ٢٥٠٨.
89 أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم)، ٦/١٣٣، رقم ٤٨٢٨.
90 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، بابٌ في الحض على التوبة والفرح بها، ٤/٢١٠٤، رقم ٢٧٤٧.
91 انظر: القرآن وعلم النفس، نجاتي ص٨٦.
92 انظر: مجلة العلم عدد ٢٨١، فبراير ٢٠٠٠، ص ٢٢.
93 انظر: الحجة للقراء السبعة، أبو علي الفارسي ١/٢٩٣.
94 معاني القرآن، أبو جعفر النحاس ٦/٢٤.
95 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة جهنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٤/٧١٠، رقم ٢٥٩١.
وصحح الترمذي وقفه على أبي هريرة.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ٣/٤٧٠، رقم ١٣٠٥.
96 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٤١.
97 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٥٦.
98 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١١٤.
99 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١/١٣٨.
100 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢/١٦٤.
101 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/١١٥.
102 انظر:اللباب في علوم الكتاب، بن عادل ٥/٧٦.
103 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٣٢
104 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/٧٦.
105 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٢٨٣.
106 انظر: التفسير الواضح، الحجازي ٢/٥٦٧.
107 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٦٠.
108 التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي ١٢/٣١٧.
109 الكشاف ٤/١٨٢.
110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب إذا عرض بنفي الولد، ٧/٥٣، رقم ٥٣٠٥.
111 انظر: غرر الحكم و درر الكلم، الآمدي ص ١٤٤
112 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين)، ٩/١٣٥، رقم ٧٤٥٤.
113 أخرجه ابن حبان في صحيحه، ٩/٣٤٠، رقم ٤٠٣٢.
وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٨٢.
114 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، ٢/١١١٤، رقم ١٤٨٠.
115 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٦/٤٩.
116 المصدر السابق.
117 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٦/٤٧٩، ٢٢١٦٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/١٦٤، رقم ٦٠٠.
118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، ٩/١٤٣، رقم ٧٤٩٢.
119 مدارج السالكين، ابن القيم ٣/١١١.
120 انظر: التفسير الواضح، الحجازي ٢/٨٤٨.
121 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسيرالقرآن، باب (لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا)، ٦/٤٠، رقم ٤٥٦٧، ومسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين، ٤/٢١٤٢، رقم ٢٧٧٧.
122 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣١٣، ٧/١٥٩.
123 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/٦٦، الموسوعة القرآنية، الإبيارى ١٠/٢٣
124 أخرجه الدارقطني في سننه، ٢/١٣٧، والحاكم في المستدرك، ٢/ ٣٧٥.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يتعقبه الذهبي.
125 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١/٢٢١.
126 انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٧/٢٧٣..
127 انظر: الحلية، أبو نعيم ٤/٩٦.
128 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب فى التشديد في الكذب، ٤/٤٥٤، رقم ٤٩٩٢.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٩٩، رقم ٧١٣٦.
129 أخرجه أحمد في مسنده، ١٥/١٢٠، رقم ٩٢٢٠.
وحسه الألباني في التعليقات الحسان ٨/٢٢٣.
130 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، ١/ ٤٦٣، رقم ٦٧٠.
131 تفسير القرآن العظيم ٧/٣٧٦.
132 جامع البيان ٢٤/٥٩٧.
133 انظر: شعب الإيمان، البيهقي ٥/٣١٠، رقم ٦٧٥٧.
134 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، ٤/١٩٨٦، رقم ٢٥٦٤.
135 أخرجه أبو داود في سننه،كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح، ٤/٤٥٨، رقم ٥٠٠٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٦٨، رقم ٧٦٥٨.
136 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح، ٤/٤٥٨، رقم ٥٠٠٥.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٥٧، رقم ٧٥٧٨.
137 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧/٤٣٨، رقم ٢٢٧٧٨.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٤٩٨.
138 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/١١٩.
139 إحياء علوم الدي، الغزالي ٣/١٢٩.
140 أدب الدنيا والدين ص ٣١٣
141 المصدر السابق.
142 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٢١.
143 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، ٤/٢٠٠١، رقم ٢٥٨٩.
144 انظر: التفسير الواضح، الحجازي ٣/٥١٠.
145 المصدر السابق.
146 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء في حفظ اللسان، ٤/٦٠٨، رقم ٢٤٠٧.
وحسنه الالباني في صحيح الجامع، ١/١٢٤، رقم ٣٥١.
147 رياض الصالحين، النووي ص٤٣٢.
148 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، ٧/١٠٦، رقم ٥٥٩٠.
149 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب اللعب بالنرد، ٢/١٢٣٧، رقم ٣٧٦٢.
وحسنه الالباني في صحيح الجامع، ٢/١١١٣، رقم ٦٥٢٩.
150 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الشعر، باب تحريم اللعب بالنردشير، ٤/١٧٧٠، رقم ٢٢٦٠.
151 انظر: تحصيل السعادات، الفارابي ص٤٩.
152 انظر: السعادة وتنمية الصحة النفسية، كمال مرسي ١/٢٥-٢٧.
153 المصدر السابق.
154 انظر: المصدر السابق.
155 الموسوعة الفلسفية العربية والاصطلاحات والمفاهيم، د.معن زيادة ٢/٤٧٨.
156 انظر: المصدر السابق ١/٩٧٨-٩٧٩.
157 روح المعاني، الألوسي ٦/٣٣٥.
158 انظر: تفسير السمعاني ٢ /٤٥٨-٤٥٩.
159 روح المعاني، الألوسي ٩/١٥٠.
160 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/١٩٢٩.
161 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٦
162 انظر: تفسير الشعراوي ١١/٦٦٨٢.