عناصر الموضوع
غزوة أحد
أولًا: تسميتها وزمانها ومكانها:
سميت غزوة أحد بهذا الاسم؛ لوقوعها عند جبل أحد، وأُحُدٌ -بضم أوله وثانيه معًا-: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد، وهو علمٌ مرتجل لهذا الجبل وهو جبل أحمر، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها1.
قيل: إنما «سمي أحدًا؛ لتوحده وانقطاعه عن جبل آخر هناك، أو لِمَا وقع من أهله من نصرة التوحيد، ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد سمى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم تقدمة لما أراده سبحانه وتعالى من مشاكلة اسمه لمعناه؛ إذ أهله -وهم الأنصار- نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد، عنده استقر حيا وميتا، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه إشعارا للأحدية، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه -صلى الله عليه وسلم- ومقاصده في الأسماء، فقد بدل كثيرا من الأسماء؛ استقباحا لها من أسماء البقاع وأسماء الناس؛ لمنافاتها للتوحيد، فاسم هذا الجبل من أوفق الأسماء له، ومع أنه مشتق من الأَحَدِيَّة فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعُلُوِّه، فتعلق الحب من النبي -صلى الله عليه وسلم- به اسمًا ومسمى»2.
وقد وقعت هذه الغزوة يوم السبت للنصف من شوال في السنة الثالثة للهجرة3.
ثانيًا: حكمة ورودها في سورة آل عمران:
ليس في القرآن الكريم ذكر غزوة أحد صراحة، ولكن ورد ذكرها ضمنًا، في سورة آل عمران، فقد نزلت ثمان وخمسون آية من سورة آل عمران، تتحدث عن هذه الغزوة، ابتدأت بذكر أول مرحلة من مراحل الإعداد للمعركة في قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [آل عمران: ١٢١].
وانتهت بالتعليق الجامع على نتائج المعركة، والحِكَمِ التي أرادها الله منها فقال سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [آل عمران: ١٧٩].
لقد وصفت هذه الآيات المعركة وصفًا دقيقًا، وكان فيها تربية للجماعة المسلمة، ودروس لهم في كل زمان ومكان.
روى أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن ابن عوف: يا خال، أخبرني عن قصتكم يوم أحد، قال: اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا، أي من قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [آل عمران: ١٢١]4.
وذكر الطاهر ابن عاشور سبب ورود آيات غزوة أحد في هذه السورة فقال: «ومناسبة ذكر هذه الوقعة عقب ما تقدم أنها من أوضح مظاهر كيد المخالفين في الدين؛ المنافقين، ولمَّا كان شأنُ المنافقين من اليهود وأهل يثرب واحدًا ودخيلتهما سواء، وكانوا يعملون على ما تدبره اليهود، جمع الله مكائد الفريقين بذكر غزوة أحد، وكان نزول هذه السورة عقب غزوة أحد»5.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن المسلمين كانوا يعانون من التكافل بين اليهود والمنافقين، فاليهود يخططون والمنافقون ينفذون، ولذلك كان من منهج القرآن أن يجمع بينهم في التحذير منهم.
وقال الرازي: «اعلم أنه تعالى لما قال: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ١٢٠] أتبعه بما يَدُلُّهم على سنة الله تعالى فيهم في باب النصرة والمعونة ودفع مضار العدو إذا هم صبروا واتقوا، وخلاف ذلك فيهم إذا لم يصبروا فقال: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ١٢١] يعني: أنهم يوم أحد كانوا كثيرين للقتال، فلما خالفوا أمر الرسول انهزموا، ويوم بدر كانوا قليلين غير مستعدين للقتال، فلما أطاعوا أمر الرسول غلبوا واستولوا على خصومهم»6.
فالرازي يرى أنَّ المناسبة هي بيان سبب الهزيمة، وأنها نتيجة حتمية عند التخلي عن الصبر والتقوى.
ويقول أبو حيان عند تفسير قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ١٢١].
إلى قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ) [آل عمران: ١٥٤].
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما نهاهم عن اتخاذ بطانةٍ من الكفار ووعدهم أنهم إن صبروا واتقوا فـ(ﯬ ﯭ ﯮ). ذكرهم بحالة اتفق فيها بَعْضٌ طَواعيةً، واتباعٌ لبعض المنافقين، وهو ما جرى يوم أُحُدٍ لعبد الله بن أُبي بن سلول حين انخذل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعه في الانخذال ثلاثمائة رجل من المنافقين وغيرهم من المؤمنين7.
فيرى أبو حيان أن ذكر هذه الآيات هنا هي للتذكير بما قام به بعض المؤمنين من اتباع المنافقين يوم أحد، وفي ذلك اقتراف لما حذر منه الله سبحانه في قوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [عمران: ١١٨].
والظاهر أن جميع ما ذكر يصلح أن يكون مناسبا لورود آيات غزوة أحد في سورة آل عمران، لكن قول ابن عاشور هو الأرجح -والله أعلم- وذلك؛ لأن الآيات السابقة لقصة أُحُدٍ جاء فيها التحذير الشديد من اليهود، ثم جاءت آيات غزوة أحد وتحدثت عما حصل من المنافقين بقيادة عبد الله بن أُبي بن سلول، ويكون بذكر قصة هذه الغزوة في سورة آل عمران قد اكتمل الحلف بين اليهود والمنافقين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن نزول سورة آل عمران كان بعد سورة الأنفال8، والمتأمل لموضوع السورتين يجد أن كُلًّا منهما جاء فيه الحديث المفصل عن غزوتي بدر وأحد، وكان من ضمن مفاهيم السورتين: مفهوم أسباب النصر وأسباب الهزيمة، ومفهوم النفاق، ومفهوم النعمة والظفر، والابتلاء والتمحيص.
فاكتمل بذلك المشهد بما ورد في سورة آل عمران من ذكر غزوة أحد.
عندما نتحدث عن غزوة أُحُد نجد أن أسباب هذه الغزوة عبارة عن تراكمات كثيرة وسلسلة من الأحداث التي امتدت لفترة طويلة بدأت منذ زمن، فبعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأت قريش في العمل المستمر في الصد عن دين الله تعالى، ومنع الناس من الدخول في الإسلام، والقضاء على المسلمين وعلى دولتهم الإسلامية.
قال سبحانه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الأنفال: ٣٦].
«فغرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصد عن سبيل الحق بمحاربة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجمع الجيوش لذلك، وإنفاق أموالهم عليها، وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب؛ فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز، فقال: (ﮁ)، أي: سيقع منهم هذا الإنفاق ثم تكون عاقبة ذلك أن يكون إنفاقهم حسرة عليهم، وكأن ذات الأموال تنقلب حسرة وتصير ندما، ثم آخر الأمر يغلبون، ثم قال: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ)، أي: استمروا على الكفر؛ لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقا من أسلم وحسن إسلامه»9.
فكان من أهم أسباب غزوة أحد هو الصد عن سبيل الله، واتباع طريق الحق، ومنع الناس من الدخول في الإسلام، ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم والقضاء على الدعوة الإسلامية.
لا سيما وقد حصل للمشركين في غزوة بدر هزيمة كبيرة، وقتل الأشراف من قريش، وقد ذهبت سيادة قريش بعد غزوة بدر، وكانت العرب تُقَيِّمُ للانتصار في الحرب قيمته، وتعتبر الهزيمة مذلة، وتبذل قصارى جهدها في غسلها عنها، فلا بد لقريش من رد اعتبارها والحفاظ على زعامتها مهما كلفها الأمر من جهود ومال وتضحيات.
فلما رجع أبو سفيان بعيرهم فأوقفها بدار الندوة، وكذلك كانوا يصنعون فلم يحركها ولا فرقها، فطابت أنفس أشرافهم أن يجهزوا منها جيشا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية في رجال ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك10.
ومن أسباب خروج قريش في هذه الغزوة: حركة السرايا التي يقوم بها المسلمون التي أثرت على تجارة قريش، وفرضت عليهم حصارا قويا، وكانت تجارة قريش قائمة على رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، ويشير إلى هذا قول صفوان بن أُميَّة: إن محمدًا وأصحابه قد عوروا علينا متاجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل، قد وادعهم، ودخل عامتهم معه؟ فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا ونحن في ديارنا هذه، ما لنا بها بقاء، وإنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى الحبشة11.
وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة -رضي الله عنه- إلى القردة، وكان من حديثها أن قريشًا كانت قد أخفت طريقها التي تسلك إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان، فسلكوا طريق العراق، وخرج منهم تجار، فيهم أبو سفيان بن حرب معه فضة كثيرة، واستأجروا من بني بكر بن وائل رجلًا يقال له: فُرَاتُ بن حَيَّان يدلهم على الطريق، وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة -رضي الله عنه- فلقيهم على ذلك الماء، فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في مستهل جمادى الأولى على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة12، أي: بعد ستة أشهر من غزوة بدر الكبرى.
فهذه السرية كانت خسارة فادحة لقريش قصمت فقار اقتصادها، وزودها من الحزن والهم ما لا يقادر قدره، وحينئذ زادت سرعة قريش في استعدادها للخوض في معركة تفصل بينهم وبين المسلمين، وبذل قصارى جهدها وطاقتها ومحاولة إحكام خطتها في سبيل حشد جيش كبير تقضي به على المسلمين ودعوتهم، وللأخذ بثأر قتلاها يوم بدر، ومحاولة لرد اعتبارها، والحد من قوة المسلمين وسراياهم التي تحكم الحصار من حولهم.
أولًا: إعداد المشركين:
بعد هزيمة بدر اتخذت قريش صورًا عملية مباشرة، فقد نشطوا في الإعداد لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وسعوا جادين إلى تكثير جنودهم بالتأثير على العشائر، وكان من أهم إعداداتهم: أن بدأت قريش عقب غزوة بدر بجمع الأموال الطائلة، وبذلوا جهدهم في إزالة هذا العار الذي نزل بهم.
فلما رجع أبو سفيان بعيرهم أوقفها بدار الندوة، فلم يحركها ولا فرقها، فطابت أنفس أشراف قريش أن يجهزوا منها جيشًا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى عبد الله بن ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية في رجال ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدًا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منها، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك.
فأنزل الله: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الأنفال: ٣٦]13.
يقول الطبري رحمه الله: «إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، فيعطونها أمثالهم من المشركين؛ ليتقووا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به؛ ليصدوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله، فسينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون نفقتهم تلك عليهم حسرة، يقول: تصير ندامة عليهم؛ لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله؛ لأن الله معلي كلمته، وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون، ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم، فيعذبون فيها.
فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أما الحي، فحرب ماله وذهب باطلا في غير درك نفع، ورجع مغلوبًا مقهورًا محروبًا مسلوبًا. وأما الهالك، فقتل وسلب، وعجل به إلى نار الله يخلد فيها، نعوذ بالله من غضبه. وكان الذي تولى النفقة التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذكر، أبا سفيان»14.
وقالوا: يا أبا سفيان، انظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبسها، فقد عرفت أنها أموال أهل مكة ولطيمة قريش، وهم طيبو الأنفس، يجهزون بهذه العير جيشًا إلى محمد، وقد ترى من قتل من آبائنا، وأبنائنا، وعشائرنا. قال أبو سفيان: وقد طابت أنفس قريش بذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فأنا والله الموتور الثائر، قد قتل ابني حنظلة ببدر وأشراف قومي. فلم تزل العير موقوفة حتى تجهزوا للخروج إلى أحد، فباعوها وصارت ذهبا عينا، فوقف عند أبي سفيان.
ويقال: «إنما قالوا: يا أبا سفيان، بع العير ثم اعزل أرباحها. وكانت العير ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، وكانوا يربحون في تجارتهم»15.
وقال مقاتل والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجاج وأبو البخترى بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش، وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزائر.
وقال سعيد بن جبير وابن أبزى: نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم «أحد» ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى من استجاب له من العرب.
وقال الحكم بن عتيبة: أنفق أبو سفيان على المشركين يوم «أحد» أربعين أوقية من الذهب، فنزلت فيه هذه الآية16.
قال ابن كثير رحمه الله: «وعلى كل تقدير، فهي عامة. وإن كان سبب نزولها خاصا، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم؛ ليصدوا عن اتباع طريق الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم»17.
وعبأت جيشها المكون من ثلاثة آلاف مقاتل مصطحبين معهم النساء والعبيد، ومن تبعها من القبائل العربية المجاورة، فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة18.
ولما استكملت قريش قواها في يوم السبت لسبع خلون من شوال من السنة الثالثة من الهجرة19، وخرجوا بالظعن؛ لئلا يفروا، فخرج أبو سفيان، وهو قائد الناس بهند بنت عتبة بن ربيعة، وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة بنت مسعود الثقفية، وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة20.
وكان لهؤلاء النسوة دور بارز خلال المعركة، فكن ينشدن الشعر، ويحمسن الرجال، ويخوفنهم من عار الهزيمة وذل الانكسار، الأمر الذي ظهر أثره في سير القتال يوم أحد.
ودعا جُبيرَ بن مُطعِم غلامًا له حبشيًّا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلَّما يُخطئ لها، فقال: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزةَ عَمَّ محمد بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق21.
وقد أخذ أبو سفيان يحرض رجاله كذلك على الثبات والقتال بوسائل ماكرة، فقال لأصحاب اللواء من بني عبد الدار: يا بني عبد الدار، إنكم قد وُلِّيتُم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهموا به وتواعدوه، وقالوا: نحن نُسَلِّمُ إليك لواءنا، ستعلم غدًا إذا التقينا كيف نصنع! وذلك الذي أراده أبو سفيان22.
وأدى اصطحاب النسوة إلى بعث روح الحماس في جيش قريش، فقد كن يُوَلْوِلْن ويُذَكِّرْنَ بقتلى بدر ويَدُرْنَ على المقاتلين محرضات حتى لا يضعفوا.
فقد قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضنهم على القتال، فقالت هند فيما تقول23:
وَيْهًا بني عبد الدار
وَيْهًا حُمَاةَ الأدبار
ضَرْبًا بكل بتار
وتقول:
إن تُقْبِلوا نعانق ونفرش النمارق
أو تُدْبِروا نفارق فراق غير وامق
و«قبيل نشوب المعركة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين، فقد أرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول لهم: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا إلى قتالكم! ولكن أين هذه المحاولة أمام الإيمان الذي لا تقوم له الجبال، فقد رد عليه الأنصار ردا عنيفا، وأسمعوه ما يكره»24.
واقتربت ساعة الصفر، وتدانت الفئتان، فقامت قريش بمحاولة أخرى؛ لنفس الغرض، فقد خرج إليهم عميل خائن يُسمَّى أبا عامر الفاسق، واسمه عبد عمرو بن صيفي، وكان يسمى الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاسق، وكان رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة، فخرج من المدينة، وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ومالوا معه، فكان أول من خرج إلى المسلمين في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى قومه وتعرف عليهم، وقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق. فقال: لقد أصاب قومي بعدي شَرٌّ وقاتلهم قتالًا شديدًا ورماهم بالحجارة25.
وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية؛ للتفريق بين صفوف أهل الإيمان، مما جعلهم يزدادون خوفًا من المسلمين، ويمتلئون هيبة من لقائهم.
وكان عدد المشركين يوم أحد ثلاثة آلاف مقاتل، وأقبلوا وقد صفوا صفوفهم، واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل. ولهم مجنبتان مائتا فرس، وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية -ويقال: عمرو بن العاص- وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة، وكانوا مائة رام. ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة26.
ثانيًا: إعداد المؤمنين:
لما تأهبت قريش لقتال المسلمين وأعدت العدة للمواجهة، أرسل العباس عَمُّ النبي صلى الله عليه وسلم رسالة مع رجل من بني غفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بما عزم عليه، فَقَدِمَ عليه الرجل وهو في قباء، فقرأه عليه أُبَيُّ بن كعب، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أُبَيٍّ أن يكتم الخبر. وقال له: (لا تُطلع عليه أحدًا).
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس.
فقال: والله إني لأرجو أن يكون في ذلك خير27.
وقدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر، وقد فارقوا قريشا من ذي طوى، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الخبر وانصرفوا28.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنسًا ومؤنسًا ابني فضالة ليلة الخميس عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق، وعادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح فنظر إليهم وعاد، وقد حرز عددهم وما معهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تذكروا من شأنهم حرفا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول وبك أصول)29.
وامتثالًا لمبدأ الشورى الذي أمر الله تعالى به في كتابه، في قوله: (ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران: ١٥٩] شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج لملاقاة العدو أو البقاء في المدينة، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم ألا يخرج من المدينة، ووافقه عبد الله بن أُبَيٍّ والأكابر من الصحابة مهاجرهم وأنصارهم. وقال صلى الله عليه وسلم: (امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام فإن دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، ونرميهم من فوق الصياصي والآطام) وكان هذا هو الرأي وبخاصة أن الصحابة قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية حتى صارت كالحصن. وقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرًا وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا.
وقال حمزة، وسعد بن عبادة والنعمان ابن مالك بن ثعلبة، في طائفة من الأنصار: إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جُبْنًا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفرك الله عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله به، فساقه الله إلينا في ساحتنا30.
وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعامًا حتى أجالدهم بسيفي خارجًا من المدينة.
وتكلم مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وإياس بن أوس بن عتيك ورأوا الخروج للقتال.
فلما رأى صلى الله عليه وسلم ذلك، وأشار الكثيرون بالخروج من المدينة، ولم ينزل وحي محدد في هذا الأمر صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس فوعظهم، وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا، ففرح الناس بالخروج من المدينة لقتال عدوهم، وكره صلى الله عليه وسلم ذلك المخرج إلا أنه وافقهم ونزل على رأيهم ما دام لم ينزل فيه وحي من الله تعالى31.
«وظلت المدينة في حالة استنفار عام لا يفارق رجالها السلاح حتى وَهُم في الصلاة، استعدادًا للطوارئ.
وقامت مفرزة من الأنصار فيهم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة بحراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يبيتون على بابه وعليهم السلاح.
وقامت على مداخل المدينة وأنقابها مفرزات تحرسها؛ خوفًا من أن يُؤخذوا على غِرَّة.
وقامت دوريات من المسلمين؛ لاكتشاف تحركات العدو تتجول حول الطرق التي يحتمل أن يسلكها المشركون للإغارة على المسلمين»32.
ثم لبس النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، ثم خرج عليهم وقد ندم الناس، وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لنا ذلك. فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله: استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل)، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه33.
ثم قسم النبي صلى الله عليه وسلم جيشه إلى ثلاث كتائب:
وكان الجيش متألفا من ألف مقاتل، فيهم مائة دارع وخمسون فارسا، وقيل: لم يكن من الفرسان أحد، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة، وأذن بالرحيل، فتحرك الجيش نحو الشمال، وخرج السعدان أمام النبي صلى الله عليه وسلم يعدوان دارعين34.
وحرض أصحابه على القتال، وحضهم على المصابرة والجلاد عند اللقاء، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه، حتى جرد سيفًا، وقال: (من يأخذ هذا السيف؟) فأخذه قوم فجعلوا ينظرون إليه، فقال: (من يأخذه بحقه؟) فأحجم القوم، فقال أبو دجانة سِمَاك: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق هام المشركين35.
أولًا: موقف المنافقين في الغزوة:
كانت غزوة أحد فرصة للمنافقين ليمكروا بأهل الإيمان، لا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ برأي رأسهم عبد الله بن أبي، فاتخذها عَدُوُّ الله ذريعة لفعلته، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين شاور أصحابه في الخروج من المدينة للقاء عدوهم أو البقاء فيها ومقاتلتهم داخلها، وكان رأي ابنِ أُبَيٍّ هو البقاء في المدينة موافقًا في ذلك رأي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عند رأي الأغلبية، ولو كان ابن أُبَيٍّ مؤمنًا لتابع النبي صلى الله عليه وسلم كما تابعه أصحابه وشعروا بالندم؛ أنهم أكرهوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان له هو وأصحابه موقفان:
الأول: رجوعه إلى المدينة مع أصحابه بعد أن خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ مكانا يقال له الشوط، رجع بثلث الجيش وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم، عند ما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه36.
وبالرغم من خطورة الموقف وحاجة المسلمين لهذا العدد؛ لقلة جيش المسلمين، وكثرة جيش قريش إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركهم وشأنهم ولم يعرهم أي اهتمام، واكتفى بفضح أمرهم أمام الناس.
وقد بين الله تعالى حال المنافقين ودورهم في هذه الغزوة فقال: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [آل عمران: ١٦٧- ١٦٨].
يقول الطبري: «يعني تعالى ذكره بذلك عبد الله بن أُبي بن سلول المنافق وأصحابه، الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، حين سار نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد لقتالهم، فقال لهم المسلمون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا، أو ادفعوا عنا العدو بتكثيركم سوادنا! فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم إليهم، ولكنا معكم عليهم، ولكن لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتالٌ! فأبدوا من نفاق أنفسهم ما كانوا يكتمونه، وأبدوا بألسنتهم بقولهم: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) غير ما كانوا يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به»37.
ثم بين الله حال إيمانهم بقوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) «يعني أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم، فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا، تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر»38.
فهم غير صادقين في احتجاجهم بأنهم يرجعون؛ لأنهم لا يعلمون أن هناك قتالًا سيكون بين المسلمين والمشركين. فلم يكن هذا هو السبب في حقيقة الأمر، وإنما هم: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ) فقد كان في قلوبهم النفاق، الذي لا يجعلها خالصة للعقيدة، وإنما يجعل أشخاصهم واعتباراتها فوق العقيدة واعتباراتها39.
ولما حصل من ما حصل من جراحات وشهداء في صفوف أهل الإيمان، أخذ المنافقون يبرئون أنفسهم من أن يكونوا سببا فيما أصاب المسلمين من آلام، وأن الذين تسببوا في ذلك هم غيرهم، قال تعالى مبينا حال هذه الطائفة: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران: ١٥٤].
ومعنى (ﭟ ﭠ) أي: حدثتهم أنفسهم بما يدخل عليهم الهم، وذلك بعدم رضاهم بقدر الله، وبشدة تلهفهم على ما أصابهم وتحسرهم على ما فاتهم مما يظنونه منجيا لهم لو عملوه أي: من الندم على ما فات، وإذ كانوا كذلك كانت نفوسهم في اضطراب وتحرق يمنعهم من الاطمئنان ومن المنام، وهذا كقوله الآتي: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ١٥٦]40.
«وهؤلاء لم تكتمل في نفوسهم حقيقة الإيمان، ومن هؤلاء كانت تلك الطائفة الأخرى التي يتحدث عنها القرآن في هذا الموضع، طائفة الذين شغلتهم أنفسهم وأهمتهم، فهم في قلق وفي أرجحة، يحسون أنهم مضيعون في أمر غير واضح في تصورهم، ويرون أنهم دفعوا إلى المعركة دفعًا ولا إرادة لهم فيها، وهم مع ذلك يتعرضون للبلاء المرير، ويؤدون الثمن فادحًا من القتل والقرح والألم وهم لا يعرفون الله على حقيقته، فهم يظنون بالله غير الحق، كما تظن الجاهلية. ومن الظن غير الحق بالله: أن يتصوروا أنه سبحانه مضيعهم في هذه المعركة، التي ليس لهم من أمرها شيء، وإنما دفعوا إليها دفعًا؛ ليموتوا ويجرحوا، والله لا ينصرهم ولا ينقذهم إنما يدعهم فريسة لأعدائهم»41.
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) الاستفهام؛ للإنكار بمعنى: النفي، وهم يريدون بهذا القول تبرئة أنفسهم من أن يكونوا سببا فيما أصاب المسلمين من آلام يوم أحد، وأن الذين تسببوا في ذلك هم غيرهم، فأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه، وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله، وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله. وذلك أن عبد الله بن أبي لما استشاره النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الخروج لقتال المشركين في أحد أشار عليه بأن لا يخرج من المدينة، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لقتال المشركين بناء على إلحاح بعض الصحابة فلما أخبر ابن أُبَيٍّ بمن قتل من الخزرج قال: هل لنا من الأمر من شيء؟ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل قوله حين أشار عليه بعدم الخروج من المدينة42.
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد على هؤلاء المنافقين الظانين بالله ظن الجاهلية بقوله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ)، أي: ليس لكم ولا لعدوكم منه شيء، فالنصر بيده والظفر منه43.
وبين الله حال المنافقين أنهم: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) أي: يخفون في أنفسهم ما لا يستطيعون إظهاره أمامك.
وفي الذي أخفوه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه قولهم: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ).
الثاني: أنه إسرارهم الكفر، والشك في أمر الله.
الثالث: الندم على حضورهم مع المسلمين بأحد44.
فهم يريدون تبرئة أنفسهم مما نزل بالمسلمين من ابتلاء في غزوة أحد، وأنهم لو كان لهم رأي مطاع لبقوا في المدينة ولم يخرجوا منها لقتال المشركين.
وأن التبعة في كل ما جرى في هذه الغزوة يتحملها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين كانوا هم السبب وألحوا عليه في الخروج لقتال المشركين، خارج المدينة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لو كانوا على الحق لانتصروا.
فرد الله عليهم بقوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ) أي: لو كنتم قاعدين في بيوتكم لم يكن بد من خروج من كتب عليه القتل إلى هذه المصارع التي صرعوا فيها، فإن قضاء الله لا يرد45.
وقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ) أي: يختبركم بما جرى عليكم، وليميز الخبيث من الطيب، ويظهر أمر المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال، (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) أي: بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر46.
وهكذا افتضح المنافقون في هذه الغزوة، فإنهم قبل أحد لم يفتضحوا، ولم ينكشف نفاقهم بهذه الصورة من قبل، ولو بقي هؤلاء في صف المسلمين، لكانت النكبة بهم أعظم، والمصاب أشد، ولكن أراد الله برحمته تخليص صفوف المؤمنين من هؤلاء قبل المعركة الذين قد يكون بقاؤهم داخل جيش المسلمين عامل من عوامل تحطيمه؛ إذ لا يبعد أن يميلوا على المسلمين ساعة احتدام المعركة، ويعلنوا انضمامهم لجيش المشركين، فمن فضل الله تعالى ورحمته بأوليائه أن كشف نوايا أهل النفاق وهم في منتصف الطريق، فكان رجعوهم بمثابة التصفية للجيش الإسلامي، وتطهيره من عناصر الخذلان والنفاق؛ ليلقى المسلمون عدوهم وهم وحدة متماسكة كالبنيان المرصوص.
ثانيًا: موقف الطائفتين اللتين همتا بالفشل:
في أثناء سير الجيش الإسلامي انسحب زعيم المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول بثلث الجيش، فأثر ذلك في نفسية بعض المسلمين، وراود قلوبهم الفشل والضعف، وبين الله تعالى ذلك بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران: ١٢٢].
قال الطبري رحمه الله: «ولا خلاف بين أهل التأويل أنه عنى بالطائفتين: بنو سلمة وبنو حارثة، ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الذي ذكر الله من أمرهما إنما كان يوم أحد»47.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: (فينا نزلت: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) بنو سلمة وبنو حارثة، وما نحب أنها لم تنزل؛ لقول الله عز وجل: (ﭗ ﭘ))48.
قال ابن حجر رحمه الله: «قوله: نزلت هذه الآية فينا، أي: في قومه بني سلمة، وهم من الخزرج، وفي أقاربهم بني حارثة، وهم من الأوس، قوله: وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول: (ﭗ ﭘ)، أي: إن الآية وإن كان في ظاهرها غض منهم لكن في آخرها غاية الشرف لهم»49.
وكان همهما الذي هما به من الفشل، الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين انصرف عنهم عبد الله بن أُبي بن سلول بمن معه؛ جبنًا منهم، من غير شك منهم في الإسلام ولا نفاق، فعصمهم الله مما هموا به من ذلك، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه الذي مضى له، وتركوا عبد الله بن أُبي بن سلول والمنافقين معه، فأثنى الله عز وجل عليهما بثبوتهما على الحق، وأخبر أنه وليهما وناصرهما على أعدائهما من الكفار، ومعنى قوله: (ﭕ ﭖ)، أي: هما أن يضعفا ويجبنا عن لقاء عدوهما50.
فتولى الله أمرهما، وحفظهما مما كانا قد هما به، وهو الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين يوم أحد، وأن ذلك الهم لم يخرجهما من ولاية الله لهما.
قال الزمخشري: «والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس، وكما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية»51.
قال: (ﭗ ﭘ) أي: بولايته الخاصة، التي هي لطفه بأوليائه، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم، فمن توليه لهما أنهما لما هما بهذه المعصية العظيمة وهي: الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما، لما معهما من الإيمان كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة: ٢٥٧]52.
وهذه الآية تربية لأهل الإيمان، فقد بينت لهم أن الله مطلع على أعمالهم أثناء خروجهم إلى غزوة أحد، كما أرشدهم سبحانه إلى التوكل عليه، فدخول أرض المعركة ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى صبر ومصابرة، وقوة وعزيمة وتوكل على الله سبحانه.
ثالثًا: موقف المؤمنين في الغزوة:
بين الله سبحانه ما حدث للمؤمنين في غزوة أحد، وذكر انتصارهم على عدوهم في بداية المعركة، ثم ذكر إصابتهم بالجراحات بسبب فشلهم وتنازعهم ومعصيتهم لرسولهم صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [آل عمران: ١٥٢].
أي: «ولقد وفى الله لكم، أيها المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما وعدكم من النصر على عدوكم بأحد، حين (ﮁ)، يعني: حين تقتلونهم»53.
وقوله: (ﮂ)، فإنه يعني: بحكمي وقضائي لكم بذلك، وتسليطي إياكم عليهم54.
قال محمد بن كعب القرظي: «لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) الآية إلى قوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) يعني: الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد»55.
ولما تحول الموقف في المعركة فر الكثير من المسلمين من ميدان القتال، وانتحى بعضهم جانبا فجلس دون قتال، في حين آثر آخرون الموت بعد أن شاع خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أنس بن النضر رضي الله عنه، قال: (اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، -يعني المشركين- ثم تقدم)، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: (يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد)، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس: (كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأحزاب: ٢٣] إلى آخر الآية)56.
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الالتفاف حوله، وقد سجل القرآن الكريم ذلك في قوله: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [آل عمران: ١٥٣].
والإصعاد: السير في مستوٍ من الأرض وبطون الأودية والشعاب. والصعود: الارتفاع على الجبال والسطوح والسلاليم والدرج57.
عن السدي قال: لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم، دخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: (إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله!) فذكر الله صعودهم على الجبل، ثم ذكر دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إياهم، فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) 58.
قال سيد سابق رحمه الله: «والعبارة ترسم صورة حركتهم الحسية وحركتهم النفسية في ألفاظ قلائل فهم مصعدون في الجبل هربًا، في اضطراب ورعب ودهش، لا يلتفت أحد منهم إلى أحد! ولا يجيب أحد منهم داعي أحد! والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم؛ ليطمئنهم على حياته بعد ما صاح صائح: إن محمدًا قد قتل، فزلزل ذلك قلوبهم وأقدامهم إنه مشهد كامل في ألفاظ قلائل»59.
وقوله: (ﯖ ﯗ ﯘ) الضمير المستتر في قوله: (ﯖ) ضمير اسم الجلالة، وهذا هو الموافق لقوله بعده: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [آل عمران: ١٥٤].
قال القرطبي رحمه الله: «الغم في اللغة: التغطية. غممت الشيء غطيته. ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين. ومنه غم الهلال: إذا لم ير، وغمني الأمر يغمني. قال مجاهد وقتادة وغيرهما: الغم الأول القتل والجراح، والغم الثاني: الإرجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، إذ صاح به الشيطان. وقيل: الغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة، والثاني: ما أصابهم من القتل والهزيمة. وقيل: الغم الأول الهزيمة، والثاني: إشراف أبي سفيان وخالد عليهم في الجبل، فلما نظر إليهم المسلمون غمهم ذلك، وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم، فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا يعلن علينا). والباء في (ﯘ) بمعنى: على. وقيل: هي على بابها، والمعنى أنهم غموا النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم إياه، فأثابهم بذلك غمهم بمن أصيب منهم»60.
وقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[آل عمران: ١٥٣].
تعليل لقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة: ٥٢]61.
وخلص بعض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، فلما رهقوه، قال: (من يردهم عنا وله الجنة؟)، فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا، فقال: (من يردهم عنا وله الجنة؟)، فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة62.
ثم قاتل عنه طلحة بن عبيد الله، فعن قيس، قال: (رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد)63.
وقاتل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يناوله السهام، ويقول: (ارم فداك أبي وأمي)64.
ودافع أبو طلحة الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان راميا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرف على القتال، فيقول له أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك65.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للرجل معه جعبة السهام: (انثرها لأبي طلحة)66.
وقد خرجت بعض النسوة مع جيش المسلمين إلى أحد، منهن أم سَلِيط، فقد ثبت عنها أنها كانت تحمل قرب الماء لسقاية المسلمين67.
وكانت حمنة بنت جحش الأسدية تسقي العطشى وتداوي الجرحى، عن معاوية بن عبيد الله بن أبي أحمد بن جحش، قال: (رأيت بعيني حمنة بنت جحش يوم أحد تسقي العطشى، وتداوي الجرحى)68.
وصح أن عائشة رضي الله عنها وأم سليم قامتا بسقي الجرحى بعد تراجع المسلمين، عن أنس رضي الله عنه، قال: (لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم)69.
وبهذا الثبات العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه استطاعوا السيطرة على الموقف الحربي تجاه تفوق نسبي للمشركين، فصدوا الهجمات، وأعيدت المعنويات، فيئس المشركون من القضاء على المسلمين، ثم انسحبوا من ساحة المعركة.
فالثبات في ميدان المعركة هو أحد صور الثبات التي يربي الإسلام المسلمين عليها، وذلك أنها صفة تدل على قوة العزيمة والإرادة واليقين بالحق، ولذا عد الفرار من الزحف من كبائر الذنوب.
رابعًا: مشهد النعاس:
امتن الله على عباده المؤمنين يوم أحد بآيات عظيمة، كانت معينة لهم على الثبات، ومقوية لهم في محنتهم، رغم قلتهم وكثرة عدوهم، ولما اشتد على المؤمنين الكرب وعظم خوفهم، ونالهم من التعب ما نالهم، وغشيهم من الكرب ما غشيهم؛ ألقى الله تعالى عليهم النعاس وهو أول النوم70؛ لينسيهم غمهم، ويزيل تعبهم، ويجدد نشاطهم، فكان ذلك كرامة من الله تعالى لهم، وسكينة عليهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [آل عمران: ١٥٤].
ومن شأن النعاس أن يزيل عن الإنسان بعض المتاعب، وصاحبه لا يغيب، ولو كان نومًا ثقيلًا لهاجمهم الكفار.
يقول ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة، وهو النعاس الذي غشيهم وهم مستلئمو السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان، كما قال تعالى في سورة الأنفال، في قصة بدر: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنفال: ١١]»71.
وهذا النعاس «ظاهرة عجيبة تشي برحمة الله التي تحف بعباده المؤمنين، فالنعاس حين يلم بالمجهدين المرهقين المفزعين، ولو لحظة واحدة، يفعل في كيانهم فعل السحر، ويردهم خلقًا جديدًا، ويسكب في قلوبهم الطمأنينة، كما يسكب في كيانهم الراحة. بطريقة مجهولة الكنه والكيف»72.
يقول الفخر الرازي: «واعلم أن ذلك النعاس فيه فوائد:
أحدها: أنه وقع على كافة المؤمنين لا على الحد المعتاد، فكان ذلك معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المؤمنين متى شاهدوا تلك المعجزة الجديدة ازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ومتى صاروا كذلك ازداد جدهم في محاربة العدو ووثوقهم بأن الله منجز وعده.
وثانيها: أن الأرق والسهر يوجبان الضعف والكلال، والنوم يفيد عود القوة والنشاط واشتداد القوة والقدرة.
وثالثها: أن الكفار لما اشتغلوا بقتل المسلمين ألقى الله النوم على عين من بقي منهم؛ لئلا يشاهدوا قتل أعزتهم، فيشتد الخوف والجبن في قلوبهم.
ورابعها: أن الأعداء كانوا في غاية الحرص على قتلهم، فبقاؤهم في النوم مع السلامة في مثل تلك المعركة من أدل الدلائل على أن حفظ الله وعصمته معهم، وذلك مما يزيل الخوف عن قلوبهم ويورثهم مزيد الوثوق بوعد الله تعالى 73.
قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: (لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره).
وقال أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه: (غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه)74.
وفي رواية قال أبو طلحـة: (رفعت رأسـي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ من أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس؛ فذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [آل عمران: ١٥٤])75.
وعن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: (كنت ممن يعتريه النعاس يوم أحد، فلا أنسى أنه أسمع صوت معتب بن قشيرٍ كالحلم)76.
خامسًا: تنزل الملائكة:
من الآيات التي أيد الله بها عباده المؤمنين يوم أحد: أن الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان من حديث سعد رضي الله عنه قال: (رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام)77.
وهذا «فيه بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه. وبيان أن الملائكة تقاتل وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه به فهذا صريح في الرد عليه»78.
فكانت الملائكة حاضرة في غزوة أحد؛ لحراسة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وعد الله المؤمنين إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة معلمين بعلامات يعرفونهم بها، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الرماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منازلهم رفع الله عنهم مدد الملائكة.
قال سبحانه: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [آل عمران: ١٢٣- ١٢٥].
فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط: الصبر، والتقوى، وإتيان المشركين من فورهم هذا79.
ومن أعمال الملائكة في أحد: أنهم غسلوا من كان جنبًا من الصحابة رضي الله عنهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن حنظلة بن أبي عامر: (إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته)، فقالت: (إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لذلك غسلته الملائكة)80.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت الملائكة تغسلهما)81.
ومن أعمال الملائكة إظلالها لبعض الصحابة، فقد أظلت عبد الله بن حرام رضي الله عنه، كما روى ابنه جابر رضي الله عنه قال: (لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وينهونني عنه وهو لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبكين أو لا تبكين، فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه)82.
سادسًا: موقف الرماة:
جعل النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، وأمرهم أن لا يبرحوا أماكنهم حتى وإن ظهر المسلمون.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، يحدث قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد الله بن جبير، فقال: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)، فهزموهم، قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن، رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبدالله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس، فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين83.
يقول سبحانه، مبينا حقيقة ما حصل: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [آل عمران: ١٥٢].
قال محمد بن كعب القرظي: «لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) الآية إلى قوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) يعني: الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد84.
ومعنى تحسونهم أي: تقتلونهم وتستأصلونهم85.
والمعنى: ولقد حقق الله تعالى لكم أيها المؤمنون ما وعدكم به من النصر على أعدائكم؛ إذ أيدكم في أول معركة أحد بعونه وتأييده، فصرتم تقتلون المشركين قتلا ذريعا شديدا بإذنه وتيسيره ورعايته.
(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ) [آل عمران: ١٥٢].
«أي: حتى إذا جبنتم وضعفتم (ﮇ ﮈ ﮉ)، أي: واختلفتم في أمر الله، وعصيتم وخالفتم نبيكم، فتركتم أمره وما عهد إليكم. وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلى الله عليه وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشعب بأحد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين»86.
(ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ)، أي: من بعد الذي أراكم الله، أيها المؤمنون بمحمد، من النصر والظفر بالمشركين، وذلك هو الهزيمة التي كانوا هزموهم عن نسائهم وأموالهم قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعدهم فيها، وقبل خروج خيل المشركين على المؤمنين من ورائهم87.
قال الفخر الرازي: «ما الفائدة في قوله: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ)؟
والجواب عنه: أن المقصود منه التنبيه على عظم المعصية؛ لأنهم لما شاهدوا أن الله تعالى أكرمهم بإنجاز الوعد كان من حقهم أن يمتنعوا عن المعصية، فلما أقدموا عليها لا جرم سلبهم الله ذلك الإكرام، وأذاقهم وبال أمرهم»88.
«وألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم، ووجه التوبيخ لهم أنهم رأوا مبادئ النصر، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات لا في الانهزام»89.
ثم قال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «ما كنت أظن أن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا يحب الدنيا حتى نزلت: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)»90.
ثم قال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [آل عمران: ١٥٢].
يقول ابن عاشور: «وإنما قال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)؛ ليدل على أن ذلك الصرف بإذن الله وتقديره، كما كان القتل بإذن الله وأن حكمته الابتلاء؛ ليظهر للرسول وللناس من ثبت على الإيمان من غيره، ولأن في الابتلاء أسرارا عظيمة في المحاسبة بين العبد وربه سبحانه وقد أجمل هذا الابتلاء هنا وسيبينه.
وعقب هذا الملام بقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ) تسكينًا لخواطرهم، وفي ذلك تلطف معهم على عادة القرآن في تقريع المؤمنين.
وفي تذييله بقوله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) تأكيد ما اقتضاه قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ) والظاهر أنه عفو لأجل التأويل، فلا يحتاج إلى التوبة، ويجوز أن يكون عفوا بعد ما ظهر منهم من الندم والتوبة»91.
وقوله: (ﮜ) يدل على أن ما حدث في أحد لم يكن هزيمة، وإن لم يكن نصرا أيضًا؛ لأن الهزيمة تقتضي أن يولي المسلمون الأدبار، وأن يأسر بعضهم أعداؤهم، ويسبي نساءهم، ويتحكم فيهم، وما حدث في أحد لم يكن كذلك.
عن عبيد الله بن عتبة، عن ابن عباس، أنه قال: ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نصر يوم أحد قال: فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله عز وجل إن الله عز وجل يقول في يوم أحد: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [آل عمران: ١٥٢].
يقول ابن عباس: والحس: القتل، (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [آل عمران: ١٥٢].
وإنما عنى بهذا: الرماة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال: (احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل، فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا، فلا تشركونا)، فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين، انكشف الرماة، فدخلوا في العسكر ينتهبون، وقد التقت صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهم هكذا، وشبك بين أصابع يديه، والتبسوا فلما أخل الرماة تلك الخلة، التي كانوا فيها، دخل الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير 92.
ونستفيد من هذا الحدث الطريقة المثلى لمعالجة الخطأ وتوجيه المخطئ، فقد ترفق القرآن وهو يعقب على ما أصاب المسلمين في غزوة أحد، فقال سبحانه: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)[آل عمران: ١٥٢].
على عكس ما نزل في بدر من آيات في شأن أسرى بدر، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الأنفال: ٦٧- ٦٨].
فكان أسلوب القرآن الكريم في محاسبة المنتصر على أخطائه أشد من حساب المنكسر، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه المربي الناصح لأمته.
ونستفيد أيضًا من هذا الموقف: أهمية مبدأ الطاعة في الإسلام، بل يعد في غاية الأهمية في الأمور الحربية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يؤكد على الرماة أهمية الأمر بالأمر الصريح المباشر بقوله: (احموا ظهورنا)، وألا يقوموا بغير هذا الدور أيا كان مسار المعركة، (وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا).
«ولعل ما ترتب على عصيان الأوامر في هذه الموقعة درس عميق يتعلم منه المسلمون قيمة الطاعة، فالجماعة التي لا يحكمها أمر واحد، أو التي تغلب على أفرادها وطوائفها النزعات الفردية النافرة لا تنجح في صدام، بل لا تشرف نفسها في حرب أو سلام.
والأمم كلها -مؤمنها وكافرها- تعرف هذه الحقيقة، ولذلك قامت الجندية على الطاعة التامة، وعند ما تشتبك أمة في حرب، تجعل أحزابها جبهة واحدة، وأهواءها رغبة واحدة، وتخمد كل تمرد أو شذوذ ينجم في صفوفها، وإحسان الجندية كإحسان القيادة، فكما أن إصدار الأوامر يحتاج إلى حكمة، فإن إنفاذها يحتاج إلى كبح وكبت، ولكن عقبى الطاعة في هذه الشئون تعود على الجماعة بالخير الجزيل»93.
سابعًا: مشهد إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم:
لما للحرب النفسية من أثر عظيم في كسر إرادة الإنسان، فقد مارسها المشركون في أثناء هذه الغزوة، وذلك أن ابن قمئة المجرم، قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لشبهه به، فانصرف ابن قمئة إلى المشركين، إن محمدًا قد قتل94.
وصرخ الشيطان عند جبل عينين وقد تصور في صورة جعال بن سراقة رضي الله عنه: «إن محمدًا قد قتل» ثلاث صرخات، ولم يشك فيه أنه حق وكان جعال إلى جنب أبي بردة يقاتل أشد القتال، فقال جماعة من المسلمين لما سمعوا ذلك: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم، وعلى ما كان عليه نبيكم، حتى تلقوا الله تعالى شهداء؟! وقال جماعة: ليت لنا رسولًا إلى عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدًا قد قتل فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، واختلط المسلمون، فصاروا يقتلون على غير شعار، ويضرب بعضهم بعضًا، من العجلة والدهش وما يدري95.
وذكر الله سبحانه المؤمنين بما كان منهم عندما أشيع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فنزلت آيات تقرر هذه الحقيقة الثابتة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، وأنه سيموت كما يموت سائر البشر، وليس له صفة تميزه عن غيره من البشر سوى الرسالة التي منحها الله إياه، فقال الله سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ) [آل عمران: ١٤٤- ١٤٥].
قال الطبري مبينًا المعنى الإجمالي للآيات: «يعني تعالى ذكره بذلك: وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه، داعيًا إلى الله وإلى طاعته، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه.
يقول جل ثناؤه: فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانعٌ من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوا قبله، وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم.
ثم قال لأصحاب محمد -معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحد: إن محمدًا قتل، ومقبحًا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم-: أفئن مات محمد، أيها القوم، لانقضاء مدة أجله، أو قتله عدو (ﮁ ﮂ ﮃ)، يعني: ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدًا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارًا بالله بعد الإيمان به، وبعد ما قد وضحت لكم صحة ما دعاكم محمد إليه، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربه (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)، يعني بذلك: ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرًا بعد إيمانه»96.
قال ابن كثير: «لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان: ألا إن محمدًا قد قتل، ورجع ابن قمئة إلى المشركين فقال لهم: قتلت محمدًا. وإنما قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشجه في رأسه. فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فحصل ضعف ووهن وتأخر بين المسلمين عن القتال. ففي ذلك أنزل الله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) ﭼ الآية»97.
وروى الطبري بسنده في قصة غزوة أحد: وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: «ليت لنا رسولًا إلى عبد الله بن أُبي، فيأخذ لنا أمنةً من أبي سفيان!! يا قوم، إن محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم». قال أنس بن النضر: «يا قوم، إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء!» ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل98.
«وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه، فقد رئيس ولو عظم، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه، إذا فقد أحدهم قام به غيره، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم»99.
ورجعت طائفة من الجيش إلى المدينة يوم أحد لما أشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تحدث الله سبحانه عن هذه الطائفة وأخبر بأنه عفا عنها، فقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [آل عمران: ١٥٥].
قال ابن الجوزي: ذكر في سبب فرارهم يومئذ أنهم سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فترخصوا في الفرار، قاله ابن عباس100.
ومعنى قوله: (ﮭ ﮮ)، أي: دعاهم إلى الزلة وحملهم عليها101، وهذه الآية إعلام من الله تعالى أنه قد غفر لهم انهزام يوم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم102.
وهي «في عمومها تصوير لحالة النفس البشرية حين ترتكب الخطيئة، فتفقد ثقتها في قوتها، ويضعف بالله ارتباطها، ويختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوساوس والهواجس، بسبب تخلخل صلتها بالله وثقتها من رضاه! وعندئذ يجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس، فيقودها إلى الزلة بعد الزلة، وهي بعيدة عن الحمى الآمن، والركن الركين»103.
ولما شاع الخبر في معسكر الإيمان بمقتل النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى أنس بن النضر رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل. ووجد بأنس بن النضر يومئذ سبعون ضربة ما عرفته إلا أخته، عرفت بنانه.
وكان أول من عرف بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حي هو كعب بن مالك رضي الله عنه، فنادى في المسلمين يبشرهم فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالسكوت؛ لئلا يفطن له المشركون104.
وفي قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران: ١٤٤ ].
دليل واضح يبين ضرورة الارتباط بالرسالة والتمسك بالمنهج السليم، والحذر من الارتباط بالأشخاص، قال القرطبي: «فأعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبدا، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل، وإن فقد الرسول بموت أو قتل فهذه الآية من تتمة العتاب مع المنهزمين، أي: لم يكن لهم الانهزام وإن قتل محمد، والنبوة لا تدرأ الموت، والأديان لا تزول بموت الأنبياء»105.
ثامنًا: نهاية الغزوة:
لما يئس المشركون من إنهاء المعركة بنصر حاسم، وتعبوا من طولها ومن جلادة المسلمين، فكفوا عن مقاتلة المسلمين في شعاب أحد، أشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: (لا تجيبوه)، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: (لا تجيبوه)، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: اعل هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه) قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا: الله أعلى وأجل) قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه) قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم) قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة، لم آمر بها ولم تسؤني106.
ثم انسحب المشركون مكتفين بما نالوا من المسلمين، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه رضي الله عنهم على رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه محددا لهم الهدف من خروجهم: (اخرج في أثر القوم فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وان ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم) فخرج علي رضي الله عنه في أثرهم، فوجدهم قد جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة107.
فلما رجع علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بتوجه قريش إلى مكة، وكانت غزوة أحد يوم السبت للنصف من شهر شوال، فلما كان الغد يوم الأحد السادس عشر من شوال أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، فقال: من يذهب في أثرهم، فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال صلى الله عليه وسلم: لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له108.
وكان خروجه إرهابا للعدو، وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم، ثم ندب النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا فيهم كبار الصحابة رضوان الله عليهم؛ لتعقب جيش المشركين، فاستجابوا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه مادحا لهم: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران: ١٧٢].
ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) الآية ثم ساق بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت لعروة: (يا ابن أختي كان أبواك منهم -الزبير وأبو بكر- لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: (من يذهب في أثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلًا قال: كان فيهم أبو بكر والزبير)109.
وأخرج ابن جرير الطبري بإسناده إلى ابن عباس أن منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا والزبير وسعدًا وطلحة وعبد الرحمن ابن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبا عبيدة بن الجراح110.
وذكر القرطبي: «أنه نهض مع النبي صلى الله عليه وسلم مائتا رجل من المؤمنين»111.
قال ابن جرير رحمه الله: «وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب العدو -أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم عن أحد- وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أحد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره حتى بلغ حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة؛ ليرى الناس أن به وأصحابه قوةً على عدوهم»112.
ومر بأبي سفيان ركب من عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة؟
قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه؛ لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل)113.
قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [آل عمران: ١٧٣].
وهذا التصرف يبين لنا أن على المسلمين أن ينظروا بعين ثاقبة إلى مخططات أعدائهم؛ ليعرفوا منتهى خططهم، وما الذي يهدفون إليه، بل عليهم أن يقفوا لهم بالمرصاد؛ لصد هجماتهم، مبينين لهم أن لديهم القدرة -بإذن الله- على القضاء على مخططاتهم ومكرهم.
وفي نهاية هذه الغزوة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء، وكانوا سبعين شهيدا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قتل من الأنصار يوم أحد سبعون114، ويؤيد هذا قوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [آل عمران: ١٦٥].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذا للقرآن)، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة)، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم)115.
ولم يؤسر أحد من المسلمين، أما قريش فقد قتل منهم اثنان وعشرون رجلا116 وأسر منهم أبو عزة الشاعر، فقتل صبرا؛ لأنه أخلف وعده للنبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يقاتل ضده عندما من عليه ببدر، وأطلقه فعاد فقاتل بأحد117.
و«تسمية ما أصاب المسلمين هزيمة ليست تسمية تنطبق على الواقع تمام الانطباق، إنما تكون الهزيمة إذا كان جيش الإيمان قد فر فرارا، والآخر قد تبعه في فراره، حتى داهم المدينة المنورة، وكان ما يكون بعد ذلك.
إنما الذي أنهى القتال هم المهاجمون، وكأنما اكتفوا بأن أصابوا مقتلة من المسلمين، ورضوا بذلك؛ لأنهم لا طاقة لهم فيما وراء ذلك، وقد رأوا السيوف الإسلامية تبرق، وذاقوها مرتين، ولذا تتبعهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
وإذا كان ما في أحد لا يسمى هزيمة، فإنه لا يسمى نصرا أيضًا لأحد الفريقين. وقد يسمى جراحا للمسلمين، كما سماها القرآن الكريم؛ إذ سماها قرحًا، وسماها إصابة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران: ١٤٠]»118.
التوجيهات القرآنية بعد نهاية الغزوة
أولًا: تحريم الغلول:
الغلول هو: السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة119، وهو محرم إجماعًا، بل هو من الكبائر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك)120.
وفي سورة آل عمران نفى الله تعالى عن نبيه الغلول، فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [آل عمران: ١٦١].
أي: «ما كان له، فهو ليس من شأنه أصلًا ولا من طبعه ولا من خلقه، فالنفي هنا نفي لإمكان وقوع الفعل، وليس نفيًا لحله أو جوازه، فطبيعة النبي الأمينة العادلة العفيفة لا يتأتى أن يقع منها الغلول ابتداء»121.
(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) أي: «يأت به حاملًا له على ظهره، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر، وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملًا له قبل أن يحاسب وافيًا من خير وشر، وهذه الآية تعم كل من كسب خيرًا أو شرًّا ويدخل تحتها الغال دخولًا أوليًّا لكون السياق فيه»122.
قال ابن الجوزي رحمه الله: في سبب نزول هذه الآية سبعة أقوال:
أحدها: أن قطيفة من المغنم فقدت يوم بدر، فقال ناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أن رجلًا غل من غنائم هوازن يوم حنين، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أن قومًا من أشراف الناس طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصهم بشيء من الغنائم، فنزلت هذه الآية، نقل عن ابن عباس أيضًا.
والرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث طلائع، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة، ولم يقسم للطلائع، فقالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك.
والخامس: أن قومًا غلوا يوم بدر، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والسادس: أنها نزلت في الذين تركوا مركزهم يوم أحد طلبًا للغنيمة، وقالوا: «نخاف أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئا، فهو له، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ألم أعهد إليكم ألا تبرحوا؟! أظننتم أنا نغل؟!)» فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والسابع: أنها نزلت في غلول الوحي، قاله القرظي، وابن إسحاق123.
فالسبب السادس يذكر أنها نزلت في أحد، وقد وردت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن غزوة أحد.
يقول محمد رشيد رضا في تفسيره: «نزلت هذه الآية في شأن النبي صلى الله عليه وسلم من سياق الحكم والأحكام المتعلقة بغزوة أحد، لكن أخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء، افتقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) 124.
وقد ضعف هذه الرواية بعض المفسرين -وإن حسنها الترمذي-؛ لأن السياق كله في وقعة أحد، ورجحوا عليها ما روي عن الكلبي ومقاتل: «إن هذه الآية نزلت حين ترك الرماة المركز الذي وضعهم فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد؛ طلبا للغنيمة، وقالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئا من مغنم فهو له، وألا يقسم الغنائم، كما لم يقسمها يوم بدر، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (ألم أعهد إليكم ألا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟) فقالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفًا، فقال لهم: (بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم)، والصواب أن هذه الآية من متعلقات هذه الوقعة كالآيات التي قبلها وكثير مما يأتي بعدها»125.
ويقول الألوسي: «والمراد تنزيه ساحة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أبلغ وجه عما ظن به الرماة يوم أحد.
فقد حكى الواحدي عن الكلبي، ومقاتل أن الرماة حين تركوا المركز يومئذ طلبا للغنيمة قالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم) ولهذا نزلت الآية، أو تنزيهه صلى الله تعالى عليه وسلم عما اتهمه به بعض المنافقين يوم بدر، فقد أخرج أبو داود والترمذي وابن جرير وحسناه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أخذها، والرواية الأولى أوفق بالمقام، وارتباط الآية بما قبلها عليها أتم؛ لأن القصة أحدية»126.
ثانيًا: فضل الشهادة:
أثنى الله تبارك وتعالى ثناء حسنًا على الشهداء والذين لحقوا بالرفيق الأعلى يوم أحد، وهم مقاتلون في سبيل الله تعالى؛ وفاء منهم بصدق ما عاهدوا الله تعالى عليه وقد جاء الثناء عليهم بالذكر الحسن في آيات من الكتاب العزيز فقال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران: ١٦٩-١٧١].
وقد جاء في سبب نزول هذه الآيات أحاديث منها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا، أنا أحياء في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم)، قال: فأنزل الله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [آل عمران: ١٦٩] إلى آخر الآية)127.
وعن مسروق، قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ١٦٩].
قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)128.
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصبنا من الخير كي يزدادوا رغبة، فقال الله: أنا أبلغ عنكم فنزلت: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) إلى قوله: (ﯣ) [آل عمران: ١٧١]129.
وعن جابر بن عبد الله، قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (يا جابر ما لي أراك منكسرا؟) قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا ودينا، قال: (أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟) قال: بلى يا رسول الله. قال: (ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا. فقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون) قال: وأنزلت هذه الآية: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ١٦٩]130.
وهذه الآية تضمنت النهي عن ظن الموت بالشهداء فدلت على أنهم أحياء عند ربهم يرزقون والخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ولا تحسبنهم، يا محمد، أمواتًا، لا يحسون شيئًا، ولا يلتذُّون ولا يتنعمون، فإنهم أحياء عندي، متنعمون في رزقي، فرحون مسرورون بما آتيتهم من كرامتي وفضلي، وحبوتهم به من جزيل ثوابي وعطائي131.
وقد جاءت آية في سورة الأحزاب ذكر المفسرون أنها نزلت في بعض شهداء أحد وهي قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحزاب: ٢٣].
وجاءت روايات في سبب نزول هذه الآية، منها:
١. نزلت في أنس بن النضر، فعن أنس رضي الله عنه، قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: «يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع»، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: «اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني: أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين-، ثم تقدم»، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: «يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد»، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: «كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ) [الأحزاب: ٢٣] إلى آخر الآية»132.
٢. نزلت في طلحة بن عبيد الله، فعن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة، (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أين السائل عمن قضى نحبه؟) قال الأعرابي: أنا يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا ممن قضى نحبه)133.
٣. نزلت في مصعب بن عمير وأصحابه يوم أحد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له، ثم قرأ هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحزاب: ٢٣].
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه)134.
والظاهر أن هذه الآية تصدق على كل من قتل في سبيل الله، بعد أن جاهد بإخلاص وثبات؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والله تعالى أعلم.
ثالثًا: توجيهات عامة للمؤمنين:
بعد غزوة أحد وجه الله عباده المؤمنين إلى توجيهات عديدة، فمن ذلك:
١. النهي عن التشبه بالمنافقين.
نهى الله عباده المؤمنين عن الاتصاف بصفات الكافرين، ومن ذلك قول الكافرين لإخوانهم في الكفر -إذا هم ضربوا في الأرض لتجارة أو لغزو فمات من مات منهم، أو قتل من قتل بقضاء الله وقدره-: لو كانوا عندنا، أي: ما فارقونا وبقوا في ديارنا، ما ماتوا وما قتلوا، وحسب سنة الله تعالى فإن هذا القول منهم يتولد لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية تمزقهم، وقد تودي بحياتهم، وما درى أولئك الكفرة الجهال أن الله يحيي ويميت، فلا السفر ولا القتال يميتان، ولا القعود في البيت جبنًا وخورًا يحيي.
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [آل عمران: ١٥٦].
يقول الطبري: يعني بذلك -جل ثناؤه-: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاء به محمد من عند الله، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله، فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لإخوانه من أهل الكفر (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) فخرجوا من بلادهم سفرًا في تجارة، أو خرجوا من بلادهم غزاةً فهلكوا فماتوا في سفرهم، أو قتلوا في غزوهم: لو لم يكونوا خرجوا من عندنا، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا، وقد قيل: إن الذين نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتشبهوا بهم فيما نهاهم عنه من سوء اليقين بالله، هم عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه135.
قال سيد: «وظاهر من مناسبة هذه الآيات في سياق المعركة، أن هذه كانت أقوال المنافقين الذين رجعوا قبل المعركة، والمشركين من أهل المدينة الذين لم يدخلوا في الإسلام ولكن ما تزال بين المسلمين وبينهم علاقات وقرابات.
وأنهم اتخذوا من مقاتل الشهداء في أحد، مادة لإثارة الحسرة في قلوب أهليهم، واستجاشة الأسى على فقدهم في المعركة -نتيجة لخروجهم-، ومما لا شك فيه أن مثل هذه الفتنة والمواجع دامية، مما يترك في الصف المسلم الخلخلة والبلبلة. ومن ثم جاء هذا البيان القرآني؛ لتصحيح القيم والتصورات، ورد هذا الكيد إلى نحور كائديه، والله في تربيته للجماعة المسلمة وفي ظلال غزوة أحد وما نال المسلمين فيها يحذرهم أن يكونوا كالذين كفروا، أولئك الذين تصيبهم الحسرات، كلما مات لهم قريب وهو يضرب في الأرض ابتغاء الرزق أو قتل في ثنايا المعركة وهو يجاهد»136.
٢. نهي المؤمنين عن إطاعة الكفار.
قال الله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٤٩ - ١٥١].
أي: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله في وعد الله ووعيده وأمره ونهيه إن تطيعوا الذين جحدوا نبوة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى فيما يأمرونكم به وفيما ينهونكم عنه، فتقبلوا رأيهم في ذلك وتنتصحوهم فيما يزعمون أنهم لكم فيه ناصحون، فيحملونكم على الردة بعد الإيمان، والكفر بالله وآياته وبرسوله بعد الإسلام، فترجعوا عن إيمانكم ودينكم الذي هداكم الله له هالكين، قد خسرتم أنفسكم، وضللتم عن دينكم، وذهبت دنياكم وآخرتكم137.
وهذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين، فإنهم إن أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر، وهم قصدهم ردهم إلى الكفر الذي عاقبته الخيبة والخسران.
ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم، ففيه إخبار لهم بذلك، وبشارة بأنه سيتولى أمورهم بلطفه، ويعصمهم من أنواع الشرور138.
وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليًا وناصرًا من دون كل أحد، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم، وقد فعل تعالى.
ومن مظاهر الرعب التي ألقاها الله تعالى في قلوب المشركين، أنهم بعد أن انتصروا على المسلمين في غزوة أحد كان في قدرتهم أن يوغلوا في مهاجمتهم وقتالهم، إلا أن الرعب صدهم عن ذلك.
٣. الترغيب في الشهادة في سبيل الله.
رغب الله سبحانه في الشهادة في سبيله، وبين أنها سبب للمغفرة والرحمة، فقال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [آل عمران: ١٥٧ -١٥٨].
أي: لا تكونوا، أيها المؤمنون، في شك من أن الأمور كلها بيد الله، وأن إليه الإحياء والإماتة، كما شك المنافقون في ذلك، ولكن جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله، على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته، ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة، وأخبرهم أن موتًا في سبيل الله وقتلا في الله، خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها ورغيد عيشها الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله، ويتأخرون عن لقاء العدو139.
٤. الأمر بالأخذ بالشورى.
شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في البقاء في المدينة والتحصن فيها، أو الخروج لملاقاة المشركين.
وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، وقال: أنا في جنة حصينة، وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن رجالا من المسلمين ممن كان فاته بدر، قالوا بالخروج لملاقاة العدو.
قال ابن كثير رحمه الله: «وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو ولم يتناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيه، ولو رضوا بالذي أمرهم كان ذلك، ولكن غلب القضاء والقدر، وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرا، قد علموا الذي سبق لأصحاب بدر من الفضيلة»140.
قال تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم بالأخذ بمبدأ الشورى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
قال الطبري: «إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها؛ ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله. فأما النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك. وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك، على تصادقٍ وتوخٍ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم»141.
وهذا من أعظم الدروس العملية من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إن رأيه صلى الله عليه وسلم كان البقاء في المدينة وقتال المشركين فيها وفي الطرقات، ومن فوق الدور، لكن لما كان رأي الأغلبية، مخالفا لرأيه صلى الله عليه وسلم وكان الأمر محل اجتهاد، نزل صلى الله عليه وسلم عن رأيه لرأي الأغلبية، وكان ذلك تطبيقا رائعا رفيع المستوى منه صلى الله عليه وسلم لمبدأ الشورى.
٥. تنبيه أهل الإيمان أن النصر بيد الله.
عندما يكتب الله تعالى للمؤمنين النصر، فلن تستطيع قوى الأرض كلها الحيلولة دونه، وحين يكتب الهزيمة، فلن تستطيع قوى الأرض أن تحول بينه وبين الأمة.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ١٦٠].
أي: إن يمددكم الله بنصره ومعونته (ﭿ ﮀ ﮁ) فلو اجتمع عليكم من في أقطارها وما عندهم من العدد والعدة؛ لأن الله لا مغالب له، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه.
(ﮃ ﮄ) ويكلكم إلى أنفسكم (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق142.
٦. أمر المؤمنين بالصبر اقتداء بأتباع الرسل من قبل.
في نهاية المعركة ذكر الله حال كثير من الأنبياء السابقين الذين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم، فما ضعفوا لما نزل بهم من جروح أو قتل؛ لأن ذلك كان في سبيل ربهم، وما عجزوا، ولا خضعوا لعدوهم، بل إنما صبروا على ما أصابهم.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [آل عمران: ١٤٦ - ١٤٨].
قال ابن كثير: «عاتب بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد، وتركوا القتال أو سمعوا الصائح يصيح: إن محمدا قد قتل، فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال»143.
تجلت القيادة النبوية في غزوة أحد في أمور عدة منها:
١. جمع المعلومات عن العدو.
حصل النبي صلى الله عليه وسلم في وقت مبكر على المعلومات الكافية عن استعداد قريش لغزو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين قبل تحركها، فأرسل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضمنها جميع تفاصيل الجيش.
وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة، وجد في السير حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة في ثلاثة أيام، وسلم الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد قباء.
وقرأ الرسالة على النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، فأمره بالكتمان، وعاد مسرعا إلى المدينة، وتبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار144.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح إلى القوم، فدخل فيهم، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ما رأيت؟ قال: رأيت يا رسول الله عددا ثم حزرتهم ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، والخيل مائتي فرس، ورأيت دروعا ظاهرة حزرتها سبعمائة درع145.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له: أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظفريين، ليلة الخميس لخمس مضت من شوال، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، وأنهم قد حلوا إبلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء146.
وهذا يدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بجمع معلومات كافية عن العدو، فقد استطاع معرفة قوة جيش عدوه وعدده.
٢. الأخذ بمبدأ الشورى.
كان النبي صلى الله عليه سلم يقول لأصحابه لما علم بخروج قريش لحربه: (أشيروا علي أيها الناس)147، حتى يصل إلى قرار نهائي سليم، ورأي سديد، وهو بذلك يطيب خواطر أصحابه، ويعرف تفكيرهم وعقولهم، ويجعلهم يتحمسون للقتال؛ لأنهم يعرفون أنهم شاركوا في اتخاذ القرار.
٣. أمان المدينة.
في غزوة أحد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم عدة تدابير أمنية لحماية المدينة فمن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم148.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقال: (اخرج في آثار القوم، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم) قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة149.
ومن هنا يظهر لنا أهمية عناية القائد واهتمامه بسلامة وتأمين نفسه من الداخل، حتى لا يؤتى من حيث لا يحتسب.
٤. اختيار الموقع المناسب.
لما نزل من جبل أحد وصل إلى عدوة الوادي، فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه مستقبلًا المدينة، وجعل ظهره إلى هضاب جبل أحد، فصار جيش العدو فاصلًا بين المسلمين وبين المدينة، وقد كان لهذا الترتيب فائدةٌ عظيمة، وهي حماية ظهر الجيش150.
٥. الاستعداد للقتال وترتيب الصفوف وتجهيز الجيش للمعركة.
اختار رسول الله خمسين من الرماة تحت إمرة عبد الله بن جبير وأصدر أوامره إليهم: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم، هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم).
وقال: (الزموا مكانكم لا تبرحوا منه، فإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا وارشقوهم بالنبل؛ فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنا لن نزال غالبين ما مكثتم مكانكم، اللهم إني أشهدك عليهم)151.
وبذلك يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سيطر على المرتفعات المجاورة للمعركة.
وبين الله سبحانه كيف كانت قيادة النبي صلى الله عليه وسلم من بداية الغزوة فقال: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [آل عمران: ١٢١].
أي: تبين لهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم152، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه يسوي تلك الصفوف، ويبوئ أصحابه للقتال يقول: تقدم يا فلان! وتأخر يا فلان! حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره، فهو يقومهم كأنما يقوم بهم القداح153.
والغدو: الخروج وقت الغداة، وهو أول النهار، وعبر عن الخروج بالغدو الذي هو الخروج غدوة، مع كونه صلى الله عليه وسلم خرج بعد صلاة الجمعة -كما سيأتي-؛ لأنه قد يعبر بالغدو والرواح عن الخروج والدخول من غير اعتبار أصل معناهما، كما يقال: أضحى، وإن لم يكن في وقت الضحى154.
وفي هذه الآية أعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه وشجاعته الكاملة -صلوات الله وسلامه عليه-155.
٦. تنظيم الحراسة الليلية واختيار خمسين من أصحابه لحراسة المعسكر.
لما أدرك النبي صلى الله عليه وسلم الليل في المكان الذي استعرض فيه الجيش، بات هناك، واختار خمسين رجلًا لحراسة المعسكر، وجعل قائدهم محمد بن سلمة، وكان هؤلاء يتجولون حول المعسكر، وتولى ذكوان بن عبد قيس حراسة النبي صلى الله عليه وسلم156.
٧. رد الصغار الذين لا يطيقون القتال من بين الجيش.
عندما وصل الجيش إلى مكان يقال له: (الشيخان)، استعرض الجيش ورد الذين لا يطيقون القتال من الصغار، وكان منهم عبدالله بن عمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وزيد بن حارثة الأنصاري، وسعد بن حبتة، وأجاز رافع بن خديج، وسمرة بن جندب على صغر سنهما، وذلك أن رافع بن خديج كان ماهرًا في رماية النبل، وسمرة كان أقوى من رافع؛ لأنهما تصارعا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فصرع سمرة رافعًا، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم157.
قال ابن إسحاق: «ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل»158.
٨. اختيار خمسين من الرماة وجعلهم على جبل الرماة.
انتخب النبي صلى الله عليه وسلم من الجيش خمسين من الرماة الماهرين، وأعطى قيادتهم لعبدالله بن جبير بن النعمان الأنصاري، وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي قناة جنوب شرق المعسكر، على بعد حوالي مائة وخمسين مترًا من مقر الجيش الإسلامي، عرف هذا الجبل بعد ذلك بجبل الرماة159.
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة بعدة وصايا، وذلك تأكيدًا عليهم بألا يغادروا أماكنهم، فقال لقائد الرماة: (انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك)160.
٩. الانسحاب التكتيكي.
لما خالف الرماة أمر رسول الله وطوق جيش المسلمين تجمع حول النبي صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من الصحابة؛ فيهم أبو بكر وعمر وعلي، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والحارث بن الصمة، ورهط من المسلمين161، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بعملية الانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، فشق طريقًا بين المشركين المهاجمين لبقية الجيش، حتى ينسحبوا إلى الجبل، ويتخلصوا من عملية التطويق التي حلت بهم، وبهذه الطريقة انسحب الجيش، وفشلت عملية التطويق التي كان يراد منها القضاء على ذلك الجيش162.
١٠. اتخاذ القرار.
اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم قراره بالخروج لملاقاة عدوه، واتخذ قرارات أخرى في المعركة وبعدها.
ومن ذلك: قتل أسير المشركين، أبا عزة الجمحي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره ببدر، ثم من عليه، فقال: يا رسول الله، أقلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمدًا مرتين، اضرب عنقه يا زبير). فضرب عنقه. قال ابن هشام: وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت، فضرب عنقه)163.
وحين أمر صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى حمراء الأسد في صبيحة اليوم التالي لغزوة أحد أصدر قراره بألا يخرج إلا من شهد معه القتال يوم أحد فاستأذنه جابر بن عبد الله أن يفسح له في الخروج معه، ففسح له في ذلك164.
١١. عدم تعنيف أصحابه.
لما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وخيرهم بين الخروج للقاء العدو والبقاء في المدينة، واختار الغالبية الخروج، لم يعنفهم مع ما حصل لهم من الآلام والجراح، «لقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة، أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة! ولكن الإسلام كان ينشئ أمة، ويربيها، ويعدها لقيادة البشرية. وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة، أن تربى بالشورى وأن تدرب على حمل التبعة، وأن تخطئ -مهما يكن الخطأ جسيمًا وذا نتائج مريرة-؛ لتعرف كيف تصحح خطأها، وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها. فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ، والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة»165.
١٢. كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لأصحابه في الصبر.
فقد أوذي صلى الله عليه وسلم إيذاء شديدا في بدنه حيث سقط في حفرة حفرها أبو عامر الفاسق وشج وجهه الشريف ودخلت حلقتا المغفر في وجنته الشريفة، وأوذي صلى الله عليه وسلم أذًى شديدا، بفقد عمه وأخيه من الرضاعة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومع هذا كله صبر صلى الله عليه وسلم على كل هذا الأذى.
وصف الله غزوة أحد وصفا دقيقا، وبين سبحانه خفايا النفوس، ودخائل القلوب، وذكر سبحانه دروسا عظيمة يستفيد منها المسلم في سيره إلى ربه -تبارك وتعالى-، فمن تلك الدروس ما يلي:
أولًا: المعصية والتنازع سبب لتخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، واختلافهم حول الغنائم ذهب النصر عن الأمة بعد أن لاحت بوادره.
قال سبحانه وتعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [آل عمران: ١٥٢].
ونلحظ من خلال أحداث غزوة أحد: أن المسلمين انتصروا في أول الأمر حينما امتثلوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم انهزموا لما خالفوا أمره ونزل الرماة من الجبل لجمع الغنائم مع بقية الصحابة رضي الله عنهم.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [آل عمران: ١٥٣].
وقال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [آل عمران: ١٦٥].
وختم الآية الأولى بقوله: (ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) بعد قوله: (ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)؛ إعلامًا لهم بعموم قدرته مع عدله، وأنه عادل قادر.
وفي ذكر قدرته هاهنا نكتة لطيفة، وهي أن هذا الأمر بيده وتحت قدرته، وأنه هو الذي لو شاء لصرفه عنكم، فلا تطلبوا كشف أمثاله من غيره، ولا تتكلوا على سواه، وكشف هذا المعنى وأوضحه كل الإيضاح بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [آل عمران: ١٦٦].
ثم أخبر عن حكمة هذا التقدير، وهي أن يعلم المؤمنين من المنافقين علم عيان ورؤية يتميز فيه أحد الفريقين من الآخر تمييزًا ظاهرًا، وكان من حكمة هذا التقدير تكلم المنافقين بما في نفوسهم فسمعه المؤمنون، وسمعوا رد الله عليهم وجوابه لهم فلله كم من حكمة في ضمن هذه القصة بالغة ونعمة على المؤمنين سابغة، وكم فيها من تحذير وتخويف وإرشاد وتنبيه وتعريف بأسباب الخير والشر، ومآلهما وعاقبتهما!166.
ثانيًا: حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح، وربما خفي عليهم ذلك، فقد وصف الله حال المؤمنين لما شاهدوا الغنيمة بقوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ) والقرآن يسلط الأضواء على خفايا القلوب، التي ما كان المسلمون أنفسهم يعرفون وجودها في قلوبهم.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنت أرى أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا، حتى نزل فينا يوم أحد: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)167.
وبذلك يضع قلوبهم أمامهم مكشوفة بما فيها ويعرفهم من أين جاءتهم الهزيمة ليتقوها168.
ثالثًا: ويتخذ منكم شهداء.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ١٤٠].
و«هو تعبير عجيب عن معنى عميق، إن الشهداء لمختارون، يختارهم الله من بين المجاهدين، ويتخذهم لنفسه سبحانه، فما هي رزية إذن ولا خسارة أن يستشهد في سبيل الله من يستشهد، إنما هو اختيار وانتقاء، وتكريم واختصاص، إن هؤلاء هم الذين اختصهم الله ورزقهم الشهادة؛ ليستخلصهم لنفسه سبحانه ويخصهم بقربه»169.
رابعًا: الجنة غالية عزيزة لا تنال إلا على جسر المتاعب والمشاق والصبر على البلاء، قال سبحانه: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران: ١٤٢].
و«صيغة السؤال الاستنكارية يقصد بها إلى التنبيه بشدة إلى خطأ هذا التصور، تصور أنه يكفي الإنسان أن يقولها كلمة باللسان: أسلمت وأنا على استعداد للموت. فيبلغ بهذه الكلمة أن يؤدي تكاليف الإيمان، وأن ينتهي إلى الجنة والرضوان! إنما هي التجربة الواقعية، والامتحان العملي، وإنما هو الجهاد وملاقاة البلاء، ثم الصبر على تكاليف الجهاد، وعلى معاناة البلاء»170.
خامسًا: تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، ومحق الكافرين باستحقاقهم غضب الله وعقابه، وقد جمع الله ذلك كله في قوله: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [ آل عمران: ١٣٩- ١٤١].
وميز الله المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أنزل على عباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخبوآتهم، وعاد تلويحهم تصريحا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم، وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم.
قال الله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [آل عمران: ١٧٩]171.
سادسًا: أهمية الأخذ بالأسباب، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بجميع الأسباب المادية المعينة له على النصر بعد الله سبحانه، وما ذلك إلا ليعلم أمته، فقد دخل صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر، فعمماه وألبساه، فتدجج بسلاحه وظاهر بين درعين، وتقلد السيف، ثم خرج على الناس172.
فلما خرج قال له الذين ألحوا عليه بالخروج: يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما شئت، إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لأمته173 أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه)174.
سابعًا: تذكير المؤمنين بمصير الأمم السابقة التي كذبت بدعوة الله تعالى، وكيف جرت فيهم سنته على حسب عادته، وهي الإهلاك والدمار بسبب كفرهم وظلمهم وفسوقهم على أمره.
قال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [آل عمران: ١٣٧].
ثامنًا: تسلية المؤمنين، وتعزيتهم على ما أصابهم من القتل والجراح يوم أحد، قال سبحانه: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ) [آل عمران: ١٣٩].
قال أبو جعفر الطبري: «وهذا من الله تعالى ذكره تعزيةٌ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد.
أي: ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد، من القتل والقروح عن جهاد عدوكم وحربهم، ولا تأسوا فتجزعوا على ما أصابكم من المصيبة يومئذ، فإنكم أنتم الأعلون، الظاهرون عليهم، ولكم العقبى في الظفر والنصرة عليهم، إن كنتم مصدقي نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يعدكم، وفيما ينبئكم من الخبر عما يئول إليه أمركم وأمرهم175.
وقال سبحانه مسليا عباده المؤمنين: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ١٤٠].
ومن تسلية الله لعباده المؤمنين في هذه الغزوة قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [آل عمران: ١٤٦-١٤٨].
قال السعدي رحمه الله: «هذا تسلية للمؤمنين، وحث على الاقتداء بهم، والفعل كفعلهم، وأن هذا أمر قد كان متقدما، لم تزل سنة الله جارية بذلك، فقال: (ﮭ ﮮ ﮯ) أي: وكم من نبي (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) أي: جماعات كثيرون من أتباعهم، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك.
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) ﯠ أي: ما ضعفت قلوبهم، ولا وهنت أبدانهم، ولا استكانوا، أي: ذلوا لعدوهم، بل صبروا وثبتوا، وشجعوا أنفسهم، ولهذا قال: (ﯡ ﯢ ﯣ)»176.
تاسعًا: بيان أن الموت مكتوب على كل أحد وأن الرسول ميت كغيره لا محالة؛ لأن كل نفس ذائقة الموت، ومهمة الرسول تبليغ ما أرسل به، وقد فعل، وليس من لوازم رسالته البقاء دائما مع قومه، فلا خلود لأحد في هذه الدنيا.
قال ابن القيم رحمه الله: «وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصا بين يدي موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثبتهم ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتل، بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ويموتوا عليه أو يقتلوا، فإنهم إنما يعبدون رب محمد، وهو حي لا يموت، فلو مات محمد أو قتل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به، فكل نفس ذائقة الموت، وما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليخلد لا هو ولا هم، بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد، فإن الموت لا بد منه سواء مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بقي، ولهذا وبخهم على رجوع من رجع منهم عن دينه، لما صرخ الشيطان إن محمدا قد قتل، فقال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران: ١٤٤].
والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة، فثبتوا عليها حتى ماتوا أو قتلوا، فظهر أثر هذا العتاب، وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد على عقبيه، وثبت الشاكرون على دينهم، فنصرهم الله وأعزهم، وظفرهم بأعدائهم، وجعل العاقبة لهم»177.
موضوعات ذات صلة: |
غزوة الأحزاب، غزوة بدر، غزوة تبوك، غزوات الرسول مع اليهود |
1 انظر: معجم البلدان، الحموي، ١/١٠٩.
2 سبل الهدى والرشاد، الصالحي، ٤/٢٤٣.
3 مغازي الواقدي، ١/١٩٩.
4 سبل الهدى والرشاد، الصالحي ٤/٢٣١ .
5 التحرير والتنوير ٤/٦٩.
6 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/١٧٨-١٧٩.
7 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٣/٣٢٦.
8 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٦/٣١٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣/١٤٤.
9 فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣٥٠.
10 انظر: مغازي الواقدي ١/٢٠١- ٢٠٢، سبل الهدى والرشاد، الصالحي٤/١٨٢ .
11 مغازي الواقدي ١/١٩٧.
12 البداية والنهاية، ابن كثير ٤/٦.
13 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٦٠.
14 جامع البيان ١٣/٥٢٩.
15 مغازي الواقدي ١/١٩٩-٢٠٠ .
16 أسباب نزول القرآن، الواحدي، ص ٢٣٦-٢٣٧.
17 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣.
18 السير والمغازي، محمد بن إسحاق ص ٣٢٣.
19 دلائل النبوة، البيهقي ٣/٣٩٧.
20 السير والمغازي، محمد بن إسحاق ص ٣٢٣.
21 السيرة النبوية، ابن هشام، ٢/٦١ .
22 المصدر السابق ٢/٦٧ .
23 المصدر السابق ٢/٦٧- ٦٨ .
24 الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري ص ٢٣٣.
25 السير والمغازي، محمد بن إسحاق، ص ٣٢٧.
26 مغازي الواقدي ١/٢٢٠، دلائل النبوة، البيهقي ٣/٢٢٠.
27 مغازي الواقدي ١/٢٠٤.
28 إمتاع الأسماع، المقريزي ١/١٣٢.
29 إمتاع الأسماع، المقريزي، ١/١٣٢ .
30 مغازي الواقدي ١/٢١٠ .
31 إمتاع الأسماع، المقريزي، ١/١٣٤ .
32 الرحيق المختوم، المباركفوري، ص ٢٢٦ .
33 السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٦٣ .
34 الرحيق المختوم، المباركفوري، ص ٢٢٨ .
35 السير والمغازي، ابن إسحاق، ص ٣٢٦، وأخرجه أحمد ١٩/٢٦٥، رقم ١٢٢٣٥.
36 السيرة النبوية، ابن هشام ٤/١٠ .
37 جامع البيان، الطبري ٧/٣٧٨ .
38 الكشاف، الزمخشري ١/٤٣٧.
39 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥١٥.
40 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٣٤.
41 في ظلال القرآن، ١/٤٩٦ .
42 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٩/٣٩٥، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/٦١٦.
43 فتح القدير، الشوكاني ١/٤٤٩.
44 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٣٨.
45 فتح القدير، الشوكاني ١/٤٤٩ .
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/١٤٦ .
47 جامع البيان، الطبري ٧/١٦١.
48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)، ٦/٣٨، رقم ٤٥٥٨، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل الأنصار رضي الله تعالى عنهم ٤/١٩٤٨، رقم ٢٥٠٥ .
49 فتح الباري، ابن حجر ٧/٣٥٧.
50 جامع البيان، الطبري، ٧/١٦٨.
51 الكشاف، الزمخشري، ١/٤٠٩- ٤١٠.
52 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٤٥.
53 جامع البيان، الطبري ٧/٢٨٧ .
54 المصدر السابق ٧/٢٨٨.
55 أسباب نزول القرآن، الواحدي، ص ١٢٦ .
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)، ٤/١٩، رقم ٢٨٠٥.
57 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٣٩.
58 جامع البيان، الطبري ٧/٣٠١ .
59 في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٤٩٥ .
60 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٤٠ .
61 المصدر السابق ٤/٢٤١.
62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد ٣/١٤١٥، رقم ١٧٨٩ .
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)، ٥/٩٧، رقم ٤٠٦٣.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)، ٥/٩٧، رقم ٤٠٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ٤/١٨٧٦، رقم ٢٤١١.
65 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب مناقب أبي طلحة رضي الله عنه ٥/٣٧، رقم ٣٨١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة النساء مع الرجال ٣/١٤٤٣، رقم ١٨١١ .
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)، ٥/٩٧، رقم ٤٠٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة النساء مع الرجال ٣/١٤٤٣، رقم ١٨١١ .
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو ٤/٣٣، رقم ٢٨٨١.
68 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٤/٢١٦، رقم ٥٤٩، قال الهيثمي: إسناده حسن.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٩/٢٦٢ .
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال ٤/٣٣، رقم ٢٨٨٠ .
70 المصباح المنير، الفيومي ٢/٦١٣.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٤٤ .
72 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٩٥.
73 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٣٩٣-٣٩٤.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (أمنة نعاسًا)، ٦/٣٨، رقم ٤٥٦٢.
75 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة آل عمران ٥/٢٢٩، رقم ٣٠٠٧ .
76 أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه، ٣/٦٠، رقم ٨٦٤، والبزار في مسنده ٣/١٨٩.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)،٥/٩٦، رقم ٤٠٥٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ٤/١٨٠٢، رقم ٢٣٠٦، واللفظ لمسلم.
78 شرح صحيح مسلم، النووي، ١٥/٦٦.
79 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٤٦ .
80 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣/٢٢٥، والبيهقي في السنن الكبرى ٤/٢٢، رقم ٦٨١٤.
وصححه الألباني.في إرواء الغليل ٣/١٦٧
81 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١١/٣٩١.
وحسنه الألباني في أحكام الجنائز ١/٥٦.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه ٢/٧٢، رقم ١٢٤٤، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهما ٤/١٩١٨، رقم ٢٤٧١ .
83 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه ٤/٦٥، رقم ٣٠٣٩ .
84 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص ١٢٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢٣٣ .
85 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢٣٥ .
86 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/١٢٨.
87 جامع البيان، الطبري، ٧/٢٨٩.
88 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٣٨٨ .
89 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٣٧ .
90 أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ١/٢٨٤، رقم ٤٣٠ .
91 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/١٣٠ .
92 أخرجه أحمد ٤/٣٦٨، رقم ٢٦٠٩، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ٢/٣٢٤، رقم ٣١٦٣، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
93 فقه السيرة، محمد الغزالي ص ٢٧١-٢٧٢.
94 دلائل النبوة، البيهقي ٣/٢٥٥ .
95 سبل الهدى والرشاد، الصالحي ٤/١٩٦ .
96 جامع البيان، الطبري ٧/٢٥١ .
97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٢٨ .
98 جامع البيان، الطبري ٧/٢٥٥ .
99 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٥١ .
100 زاد المسير، ابن الجوزي، ١/٣٣٨ .
101 مدارك التنزيل، النسفي ١/٣٠٤.
102 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٢/١١٥٨.
103 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٩٧ .
104 السير والمغازي، محمد بن إسحاق، ص ٣٣٠ .
105 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢٢٢ .
106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة أحد ٥/٩٤، رقم ٤٠٤٣ .
107 السير والمغازي، محمد بن إسحاق، ص ٣٣٤ .
108 جوامع السيرة النبوية، ابن حزم الأندلسي ص ١٤٠.
109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (الذين استجابوا لله والرسول)، ٥/١٠٢، رقم ٤٠٧٧.
110 جامع البيان، الطبري، ٧/٤٠٢.
111 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٧٧.
112 جامع البيان، الطبري ٧/٣٩٩.
113 السيرة النبوية، ابن هشام ٢/١٠٣.
114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب من قتل من مسلمين يوم أحد ٤/١٤٩٧، رقم ٣٨٥٠.
115 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد ٢/٩١، رقم ١٣٤٣.
116 السيرة النبوية، ابن كثير ٣/٩٢.
117 المصدر السابق ٢/٤٨٥.
118 خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، أبو زهرة، ٢/٦٢٤.
119 القاموس الفقهي، سعدي، ١/٢٧٧.
120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الغلول ٣/١١١٨، رقم ٢٩٠٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب غلظ تحريم الغلول ٣/١٤٦١، رقم ١٨٣١.
121 في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٤٨١.
122 فتح القدير، الشوكاني، ١/٥٩٤.
123 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٤١-٣٤٢ .
124 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحروف والقراءات ٤/٣١، رقم ٣٩٧١، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة آل عمران ٥/٢٣٠، رقم ٣٠٠٩.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/٦٨٢.
125 تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ٤/١٧٦.
126 روح المعاني، الألوسي ٢/٣٢١.
127 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في فضل الشهادة ٣/١٥، رقم ٢٥٢٠.
وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ٧/٢٧٩.
128 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ٣/١٥٠٢، رقم ١٨٨٧.
129 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ٤/٢١٦، رقم ١٩٤٣٦.
130 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة آل عمران ٥/٢٣٠، رقم ٣٠١٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ٢/١٣٠٩.
131 جامع البيان، الطبري ٧/٣٨٤.
132 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)، ٤/١٩، رقم ٢٨٠٥.
133 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة الأحزاب ٥/٣٥٠، رقم ٣٢٠٣.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٢٤٧.
134 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ٢/٢٧١، رقم ٢٩٧٧.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ١١/٣٦٥.
135 جامع البيان، الطبري ٧/٣٣٠.
136 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٩٨.
137 جامع البيان، الطبري ٧/٢٧٦
138 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥١.
139 جامع البيان، الطبري ٧/٣٣٧.
140 البداية والنهاية، ابن كثير ٤/١٥.
141 جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٥- ٣٤٦ .
142 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٥٤.
143 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٣٠.
144 الرحيق المختوم، المباركفوري ص ١٨٣.
145 مغازي الواقدي ١/٢٠٧.
146 عيون الأثر، ابن سيده ٢/١٣ .
147 مغازي الواقدي ١/٢٠٩ .
148 غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، السيد الجميلى، ص ٦٠.
149 السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٩٤ .
150 الرحيق المختوم، المباركفوري ص ٢٣٠ .
151 السيرة الحلبية، علي الحلبي ٢/٣٠٣.
152 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١١٠.
153 مغازي الواقدي ١/٢٢١ .
154 فتح القدير، الشوكاني ١/٤٣٢ .
155 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٤٥ .
156 الرحيق المختوم، المباركفوري ص ٢٢٩ .
157 مغازي الواقدي ١/٢١٦، سبل الهدى والرشاد، الصالحي ٤/١٨٧ .
158 السير والمغازي، محمد بن إسحاق، ص ٣٢٥.
159 الرحيق المختوم، المباركفوري، ص ٢٣١.
160 السير والمغازي، محمد بن إسحاق ص ٣٢٦، دلائل النبوة، البيهقي ٣/٢٢٧ .
161 دلائل النبوة، البيهقي ٣/٣٥٥ .
162 الرحيق المختوم، المباركفوري، ص ٢٤٠ .
163 السيرة النبوية، ابن هشام ٢/١٠٤ .
164 جوامع السيرة، ابن حزم الأندلسي، ص ١٤٠.
165 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٠١- ٥٠٢.
166 زاد المعاد، ابن القيم ٣/٢١٤-٢١٥.
167 أخرجه أحمد في مسنده، ٧/٤١٨، رقم ٤٤١٤، وابن أبي شيبة في المصنف ١/٢٨٤، رقم ٤٣٠.
168 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٩٤.
169 المصدر السابق ١/٤٨١ .
170 المصدر السابق ١/٤٨٣.
171 زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٩٧.
172 عيون الأثر، ابن سيده ١/٤١٢.
173 اللأمة آلة الحرب من درع وسيف وترس.
174 أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/١٤١، رقم ٢٥٨٨، البيهقي في السنن الكبرى ٢/٤٥٢.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
175 جامع البيان، الطبري ٧/٢٣٤ .
176 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٥١ .
177 زاد المعاد، ابن القيم ٣/٢٠١ .