عناصر الموضوع
السحاب
أولًا: المعنى اللغوي:
«السين والحاء والباء أصل صحيح يدل على جر شيء مبسوط ومده، تقول: سحبت ذيلي بالأرض سحبًا، وسمي السحاب سحابًا؛ تشبيهًا له بذلك، كأنه ينسحب في الهواء انسحابًا»1.
والسحاب: جمع سحابة، والسحابة: الغيم، سميت بذلك؛ لانسحابها في جو السماء، أو لجرها الماء، أو لانجرارها في ممرّه، أو لجرّ الرياح لها؛ لأن السّحب الجرّ2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي، وقد عرفه المناوي بأنه: «المتراكم من جهة العلو من جوهر بين الماء والهواء»3.
وردت مادة (سحب) في القرآن الكريم (١١) مرة، يخصّ موضوع البحث منها (٩) مرات4.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
اسم جمع |
٩ |
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:١٦٤] |
وجاء السّحاب في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي الذي هو الغيم المعروف5.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الرعد: ١٢] أي: الغيم.
الغمام:
الغمام لغةً:
جمع غمامة، وهي السحابة، وقد أغمت السماء أي تغيّمت6.
الغمام اصطلاحًا:
«هو أقوى من السحاب ظلمة، فإنه أول ما ينشأ هو النشر، فإذا انسحب في الهواء فهو السحاب، فإذا تغيرت له السماء فهو الغمام»7.
الصلة بين الغمام والسحاب:
الغمام في الاصطلاح خاص بما فيه ظلمة أكثر من السحاب.
المزن:
المزن لغةً:
جمع مزنة وهي السحابة البيضاء8.
المزن اصطلاحًا:
السحاب المضيء شديد البياض9.
الصلة بين المزن والسحاب:
المزن ما كان أبيض من السحاب فإنه يكون مضيئًا.
العارض:
العارض لغةً:
السحابة التي ترى ناحية السماء10.
العارض اصطلاحًا:
الذي يكون محمولًا على السحاب خارجًا عنه11.
الصلة بين العارض والسحاب:
العارض خاص بما يعرض من السحاب دون غيره.
الغيوم:
الغيوم لغةً:
السحاب، وأغيم القوم أصابهم غيمٌ، وغيّم الليل جاء كالغيم12.
الغيوم اصطلاحًا:
شيء يكسو السحاب سوادًا ساعة نزول المطر.
الصلة بين الغيوم والسحاب:
السحاب أعمّ وأشمل من الغيوم؛ إذ الغيوم تختص بالسحابة السوداء ساعة نزول الغيث.
المعصرات:
المعصرات لغةً:
«السّحاب فيها المطر، وقيل: السّحائب تعتصر بالمطر»13.
المعصرات اصطلاحًا:
كل سحاب ملئت بالماء الذي يعتصر فيصبح مطرًا.
الصلة بين المعصرات والسحاب:
المعصرات أخص من السحاب؛ فهي كل سحابة تمتلئ ماءً يعتصر.
المطر:
المطر لغةً:
«الماء المنسكب من السحاب، والمطر: ماء السحاب»14.
المطر اصطلاحًا:
كل ماء ينزل من السحاب، بقدر الله تعالى، سواء أكان للرحمة أو العذاب.
الصلة بين المطر والسحاب:
المطر هو الماء المنسكب من السحاب، ومن ثم فهو أثر من آثار السحاب في ظواهرها الجوية المصاحبة لها.
السحاب من دلائل القدرة الإلهية
إن المتأمل في آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن السحاب، يظهر له جليًّا عظمة الله تعالى، وعظمة قدرته؛ فقد بيّنت تلك الآيات القرآنية عناوين عظيمة لقدرة الله تعالى، ومنها:
١. بيان القدرة على إحياء الخلق بعد مماتهم.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [فاطر:٩].
حيث إن هذه الآية تبين أنّ الله تعالى قدّر إرسال الرياح، فترفع السحاب وتهيّجه للحياة، ومن ثم الغيث؛ فيساق بأمر الله تعالى إلى بلدٍ مجدب الأهل، محل الأرض، داثر لا نبت فيه ولا زرع، فبعد ذلك أخصب الله تعالى بغيث ذلك السحاب الأرض التي سيق الغيث إليها بعد ما كانت جدباء، ونبت فيها الزرع بعد المحل، وتأتي الفاصلة القرآنية في هذه الآية الكريمة؛ لتبين أنه كما أحيا الله تعالى الأرض الجدباء بعد مماتها فهو قادرٌ عل أن ينشر الموتى بعد فنائهم في قبورهم؛ فيحييهم من بعد ممات15، فما أعظم قدرة الله تعالى!!! وما أحكم آياته!!!.
٢. بيان رحمة الله تعالى بخلقه.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ)[النور:٤٣].
فالله تعالى برحمته وتفضّله على خلقه يسوق السحاب، ثم يضم بعضه إلى بعض، فيجعل القطع المتفرقة قطعةً واحدة، ثم يجعل بعض السحاب فوق بعض، فيرى ذلك المخلوق المطر شديده وهيّنه يخرج من خلاله، وينزّل الله تعالى من السماء من الجبال التي في السماء المخلوقة من البرد؛ فيصيب الله تعالى بعدله من يشاء فيضرّه في زرعه وثمره، ويصرفه عمّن يشاء من عباده برحمته وفضله؛ حيث إن هذا السحاب يكاد ضوء برقه يذهب بالأبصار فيعميها16.
وفي هذه الآية الكريمة تتجلى رحمة الله تعالى مع قدرته؛ فإن من كمال الرحمة أن يصاب المخلوق بها مع علمه بأن الله تعالى قادرٌ على عقابه وحسابه.
٣. القدرة على بسط السحاب كيف يشاء الله تعالى.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[الرعد:١٢].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يري الناس جميعًا ذلك البرق الذي هو عبارةٌ عن مخاريق بأيدي الملائكة من نارٍ يسوقون بها السحاب إلى حيث يشاء الله تعالى؛ فالبرق له دلالتان: الأولى أنه نذير خوف من صاعقةٍ أو مطرٍ في غير موعده النفعي أو غير ذلك من أنواع الخوف، والأخرى أنه بشير طمعٍ في نفع المطر، ثم ينشئ الله تعالى السحاب الثقال من حمل المياه17، ومما لا شكّ فيه أن ذلك آية دالة على القدرة الإلهية.
٤. مراحل تكوين السحاب.
حيث يكون السحاب عبارة عن قزع، قطعة هنا وقطعة هناك، فيأتي هواء خفيف فيدفع هذه السحب شيئًا فشيئًا، وهو معنى قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)[النور:٤٣].
ويتكون السحاب الركامي حين تجتمع سحابتان، أو تنمو سحابة سريعة، عندها يتكون تيار هوائي تلقائي في داخلها، وهذا التيار الهوائي الذي بداخلها يصعد إلى أعلى، وحين يصعد إلى أعلى يعمل مثل الشفاطة التي تشفط الهواء من الجنب، وتقوم بسحب السحب بالشفط، بعدما تكونت على هذا النحو وأصبح لها قوة سحب وجذب للسحب المجاورة وهذا هو التأليف، فإذا تباعدت السحب الأخرى يتوقف الشفط، ويحدث شيء قوي جدًّا، وهو نموٌّ رأسيٌّ إلى أعلى، وبهذا النمو الرأسي إلى أعلى يركم السحاب بعضه فوق بعض، فيصير ركامًا ؛ ولذلك قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ)، وتعلو السحابة فوق، وتعلو بعضها فوق بعض، فترى المطر عندها يتوقف الركم ويضعف، فإذا ضعف فإن المطر ينزل على ذلك الأثر، ولذلك قال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[النور:٤٣].
ورد السحاب في الاستعمال القرآني بأوصاف عديدة ظاهرة، ومنها:
١. التسخير.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة:١٦٤].
حيث إن الآية السابقة دعت إلى توحيد الله تعالى في ألوهيته، وبيّنت صفتين من صفات المولى الكريم جل جلاله، وهما الرحمن الرحيم، وبذلك يتضح أن المقام هو الحديث عن أمورٍ غيبية في التوحيد المطلق لله تعالى، ولما كان هذا المقام لا يصح إلا بتمام العلم وكمال القدرة نصب الأدلة على ذلك في هذه الآية18.
حيث إن هذه الآية الكريمة تحثّ على التفكّر فيما خلق الله تعالى بدءًا من خلق السماوات والأرض وعظيم ما فيهما من شواهد دالة على قدرته تعالى، ومرورًا باختلاف الليل والنهار وما ينتج عن ذلك من ظواهر كونية عظيمة، وكذلك السفينة المدوّرة التي تمخر في عباب البحر بما تقدّمه من منافع للناس من ركوبة أو صيد أو غير ذلك، وما أنزل الله تعالى من السماء من غيث يحيي الأرض وينبت الزرع، وبثّ فيها من كل دابّة، وتصريف الله تعالى الرياح، ومما يستحق التعقّل والاعتبار هو ذلك السحاب المسخّر المذلّل المقهور على فعل ما يريده الله تعالى، ومن المعلوم أن صفة التسخير المصاحبة للسحاب أبلغ من أية صفة في مقام التدبّر بآيات الله تعالى الكونية؛ لأن التسخير يعني حمل تلك السحاب على القيام بوظائفها عمومًا دون إرادةٍ منها19.
ومما يدلل على تسخير السحاب صلاة الاستسقاء التي شرعت في طلب المطر عند القحط أو عند الجفاف، وما يتبعه من هلاك الحياة، واستجابة الله الفورية، وإنزال المطر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم والريح، عرف ذلك في وجهه، فأقبل وأدبر، فإذا أمطر سري عنه، وذهب عنه ذلك، وكان يخشى أن يكون فيه العذاب20.
ويلاحظ في هذه الآية أن الله تعالى قد بيّن أن السحاب المسخّر هو ما وقع بين السماء والأرض، ويترتب على ذلك حقائق، أهمها:
٢. الثقل.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الرعد:١٢].
فعندما خوّف الله تعالى عباده بإنزال ما لا مردّ له من العذاب أتبع هذه الآية وما بعدها، وهي تشتمل على أمور ثلاثة، وهي:
وعلى هذا فإن الله تعالى بيّن أن من دلائل قدرته جل جلاله وحكمته رؤية البرق خوفًا من العذاب وطمعًا في الرحمة؛ فحدوث البرق دليلٌ عجيبٌ على قدرة اللّه تعالى، وبيانه : أنّ السّحاب لا شكّ أنّه جسمٌ مركب في أجزاءٍ رطبةٍ مائيّةٍ، ومن أجزاءٍ هوائيّةٍ وناريّةٍ، ولا شكّ أنّ الغالب عليه الأجزاء المائيّة والماء جسم بارد رطب، والنار جسم حار يابسٌ، وظهور الضّدّ من الضّدّ التّامّ على خلاف العقل؛ فلا بدّ من صانعٍ مختارٍ يظهر الضّدّ من الضّدّ23.
وإن ظهور النار الضعيفة بلونها في ظل أجزاء السحاب الثقال من كثرة ما تحمل من ماء خالص لهو دليلٌ عملي على قدرة الله تعالى وحكمته، وأنه يخوّف عباده بالعذاب، ويجعلهم يطمعون في رحمته24.
وإنشاء السحاب إبداؤه25، وفي ذلك ظهور عظمة قدرة الرب سبحانه وتعالى بجعل السحاب مثقلة بالمياه في جو السماء، ثم سوقها وإزجاؤها حيث يشاء رحمة منه بعباده.
٣. التراكم.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الطور:٤٤].
والمركوم هو: المجتمع الكثيف، فالله يزجي السحاب، فيسوقه، ثم يجمعه، ثم يجعله مجتمعًا كثيفًا26.
وقال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)[النور:٤٣].
ففي جعل الله تعالى السماء ركامًا دليلٌ عظيمٌ على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء لم يعرفوا بأن عملية الركم الناتجة عن عملية الرفع عقبها نزول المطر مباشرة إلا عن طريق الدراسة باستخدام الأجهزة العلمية المتطورة التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف قال سبحانه: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)، أي: ينزل المطر بعد الركم مباشرة كما كشف العلم الحديث، فسبحان الله العظيم27.
وردت كلمة الرياح في القرآن الكريم عشر مرات، وفي كل مواضع ورودها كانت مرتبطةً بالسحاب سواء من خلال بيان لفظتها، أو من خلال إظهار آثارها، وتوضيح ذلك فيما يأتي:
١. ارتباط السحاب بتصريف الرياح.
وردت كلمة السحاب مرتبطة بتصريف الرياح في آيتين، إحداهما مكية، وهي قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الجاثية:٥].
والأخرى مدنية، وهي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)[البقرة:١٦٤].
والتصريف : هو صرف الشيء من وجه إلى وجه آخر28، قال الطبري رحمه الله تعالى: «وتصريف الله إياها أن يرسلها مرة لواقح، ومرة يجعلها عقيمًا، ويبعثها عذابًا تدمر كل شيء بأمر ربها»29، وقال أيضًا: «وفي تصريفه الرياح لكم شمالًا مرة، وجنوبًا أخرى، وصبًّا أحيانًا، وزبورًا أخرى لمنافعكم، وقد قيل: عنى بتصريفها بالرحمة مرة، وبالعذاب أخرى30.
قال أبو الحسن الحرالي: «لما ذكر تعالى الأعلى والأسفل، ومطلع الليل والنهار من الجانبين وإنزال الماء إهواءً ذكر ما يملأ ما بين ذلك من الريح والسحاب الذي هو ما بين حركة هوائية إلى استنارة مائية، إلى ما يلزم ذلك من بوادي نيرانه ، من نحو صواعقه وجملة أحداثه، فكان في هذا الخطاب اكتفاءً بأصول من مبادئ الاعتبار، فذكر السماء والأرض والآفاق وما بينهما من الرياح والسحب والماء المنزل الذي جملته قوام الخلق في عاجل دنياهم؛ ليجعل ذلك آية على علو أمر من وراءه، ويكون كل وجه منه آية على أمر من أمر الله فيكون آيات»31.
ويلاحظ أن الآيتين المكية والمدنية قد جاءت فاصلتهما بقوله: (ﭹ ﭺ ﭻ)، (ﭼ ﭽ ﭾ)، وهذا يعني ضرورة إعمال العقل في التفكر والتأمل في آيات الله تعالى الكونية الدالة على عظيم قدرته جل جلاله، وهذا يشمل العهدين: المكي والمدني، إلا أن الآية المدنية ذكرت السحاب باعتباره مذلّلًا من الله تعالى لهذه الوظيفة، أما الآية المكية فقد ذكرت السماء التي هي أعم من السحاب؛ لأن المقام في مكة هو توجيههم للتوحيد والتخلص من الشرك، وليس إظهار دقائق الأمور، وهذه العبرة ينبغي أن يتعلمها الدعاة في مخاطبة الناس؛ فالأصل هو إيصال الناس إلى الهدف الأسمى ، وهو: إخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وبذلك لا يشتغلوا بتفاصيل الدعوة إلا بعد تغلغل الأصول في قلوب المدعوّين إلى الله تعالى.
ويلاحظ أيضًا أن تصريف الرياح من وجهة إلى أخرى للسحاب المكلف بإنزال الماء عذابًا أو رحمة؛ للدلالة على قدرة الله تعالى في إمهال الناس دون الغفلة عنهم، أو عن عقابهم جزاء أفعالهم.
٢. إرسال الرياح للسحاب بشرى ورحمة من الله عز وجل.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)[الأعراف:٥٧].
وإرسال الرياح هنا، أي: بسطها بين يدي المطر، وهذا لأجل الرحمة بالعباد والبشرى لهم بالغيث الذي يحيي الأرض التي لا نبات فيها من بعد ممات32، ومثل معنى هذه الآية ورد في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[الفرقان:٤٨].
قال السدي في تفسيرها: «إن الله عز وجل يرسل الرّياح ، فتأتي بالسّحاب من بين الخافقين طرفا السّماء والأرض ، حيث يلتقيان فيخرجه من ثمّ، ثمّ ينشره فيبسطه في السّماء كيف يشاء ، ثمّ يفتح أبواب السّماء ليسيل الماء على السّحاب ، ثمّ تمطر السّحاب بعد ذلك»33.
ومن مظاهر رحمة الله تعالى وبشراه لخلقه أن الرياح لواقح للنباتات، فإذا نزل الغيث وانسكب الماء عليه بالسقاية كانت الرحمة بالعباد بإخراج ما لذّ وطاب ونفع من الثمرات، قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[الحجر:٢٢].
وقد اختلف المفسرون في لواقح الرياح، والذي يظهر من كلام ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، أن الله تعالى يبعث الرياح؛ «لتلقح السّحاب ، فتحمل الماء وتمجّه في السّحاب، ثمّ إنّه يعصر السّحاب ويدرّه كما تدرّ اللّقحة ، فهذا هو تفسير إلقاحها للسّحاب»34، والرياح إذا ذكرت في القرآن الكريم في اليابسة تكون رحمة، وإذا ذكرت في البحر فهي للعذاب، وإذا ذكرت الريح في البحر تكون رحمة، وإذا ذكرت في اليابسة تكون للعذاب.
٣. تفريق الرياح للسحاب المحمل بالماء؛ لبيان العظة المستفادة.
ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ)[الكهف:٤٥].
حيث مثّل القرآن الكريم هذه الحياة الدنيا بالماء الذي أنزله الله تعالى من السماء فاختلط نبات الأرض بهذا الماء حتى استوى وأينعت ثماره، فإذا به يصبح متكسرًا متفتتًا تفرّقه الرياح وتطيّره، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لبيان أن الله تعالى مقتدر على كل شيء35، والسحاب منه الموجب والسالب، وعندما يزجي بين السحاب يحدث تجاذب بين نوعيه فيحدث تفريغ هوائي ينتج عنه البرق والرعد (الصوت) ، وفي ذلك دلالة على الوحي والنبوة.
وما أجمل ما نقله القرطبي رحمه الله عن قول لبعض الحكماء في بيان الحكمة من تمثيل الدنيا بالماء، وذلك أنهم قالوا: «إنما شبه تعالى الدنيا بالماء؛ لأن الماء لا يستقر في موضع، كذلك الدنيا لا تبقي على واحد، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل ، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعًا منبتًا، وإذا جاوز المقدار كان ضارًّا مهلكًا، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع وفضولها يضر»36.
٤. إرسال الرياح مع البشرى للخلق؛ لأجل دعوتهم إلى التوحيد الخالص لله تعالى.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)[النمل:٦٣].
فالله تعالى هو الهادي للعباد في ظلمات البر والبحر عند سفرهم وترحالهم، وهو الذي يرسل الرياح في مقدمة الغيث؛ ليبشر الناس بالرحمات المترتبة على ذلك الغيث الذي حمله السحاب37، ثم تأتي الفاصلة القرآنية، وذلك بصيغة الاستفهام التعجبية الإنكارية لأفعالهم؛ إذ كيف يعبدون إلهًا غير الله تعالى، أو يتوجهون إلى مخلوق مهما علت مرتبته ومناقبه، فالله تعالى وتنزّه عن كل صفات النقص التي تنسب إليه ظلمًا وبهتانًا من أولئك الذين تغمرهم نعم الله تعالى.
إن الآيات القرآنية التي أوردت السحاب قد بيّنت في أكثر من موضع أنّ منه ما هو مثقلٌ بما يحمله من ماء تصرفه الرياح حيث يشاء الله تعالى؛ لمنافع عديدة، منها:
١. إخراج النبات والحبوب الزراعية، وإزهار الجنات والحدائق الملتفّة بالأغصان والزروع، وسقاية الخلق جميعًا.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆWﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓd)[الحجر: ٢١-٢٢].
حيث إنه لما بيّن الله تعالى في الآية السابقة أنه أنبت في الأرض من كل شيءٍ موزون، وجعل فيها معايش أتبعه بذكر السبب، وهو أن كلّ المخلوقات عند الله تعالى خزائنهم ومتطلباتهم؛ لكن لا ينزل إلا بقدرٍ معلومٍ؛ فالماء مثلًا يرسل بتقدير الله تعالى وعلمه بعد تلقيح النبات؛ فقد يأتي مباشرةً على كل النباتات، وقد يصرف إلى نباتات دون الأخرى، وقد ينزل على البحر معظم كميته؛ فالقدر عند الله تعالى معلوم، إلا أن تقسيمه هو شأن الذات الإلهية38.
وقد وضّحت آيات سورة النبأ سبب إنزال الماء الثجّاج، وذلك بقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈY ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ^ ﮏ ﮐa)[النبأ:١٤-١٦].
حيث وردت هذه الآيات في سياق الحديث الرباني عن بعض نعمه، ومنها: إنزال الماء السيّال المجتمع المنصبّ الكبير من السحاب التي تعصر بذلك الماء، وهذا لأجل إخراج الحبوب الكثيرة للناس، والنبات للدواب من العشب والكلأ، وأيضًايخرج بسبب إنزال الماء بعد تقدير الله تعالى الجنات والحدائق الملتف بعضها في بعض39.
ومن المعلوم أن الماء حينما ينزل فإن الخلق جميعًا يشربونه؛ كسبب رئيس للحياة.
٢. التطهير وإذهاب النجس بأنواعه.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الأنفال:١١].
حيث إن هذه الآية تبين بعضًا من مظاهر امتنان الله تعالى على عباده المؤمنين مع رسول الخلق وحبيب الحق أنه أراهم آيات البشرى بالانتصار والتأييد قبل غزوة بدر الكبرى، ومن هذه البشريات : أنه أنزل عليهم ماءً مباركًا؛ ليطهرهم من الحدثين الأكبر والأصغر، ويذهب عنهم نجاسات الشيطان القلبية وما يترتب عليها، وليزيل رعب القلوب؛ حتى تثبت أقدامهم في المعركة الفاصلة بين الحق والباطل40.
٣. إقامة الحجة على الناس؛ حتى يوحدوا الله تعالى.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ¤ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ´)[الواقعة:٦٨-٧٠].
حيث وردت هذه الآيات في سياق مخاطبة الله تعالى للضالين المكذبين؛ فبعد أن عرضت تلك الآيات كثيرًا من الحجج الدالة على وحدانية الله تعالى، تستأنف هذه الآيات ذكر حججٍ أخرى، ومنها الماء الصالح للشرب الذي يراه الناس جميعًا، فهل أنزل هؤلاء المكذبون الضالون ذلك الماء من السحاب إلى قرار الأرض؟ أم إن الله تعالى هو الذي أنزله بتقديره وعلمه؟!
ثم إنّ الله تعالى قادرٌ - إن شاء- أن يجعل الماء مرًّا مالحًا لا يستطيع أن يتجرّعه أحدٌ، أو أن ينتفع به في الزروع والكروم، وتأتي الفاصلة القرآنية في الآية السبعين بأسلوب التحريض لغرض الشكر لله تعالى على إنعامه على الخلق من نعمٍ موجبةٍ لذلك الثناء41.
٤. بيان حال الكافرين وضياعهم.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)[النور:٤٠].
إن الله تعالى قد جعل من آياته الكونية عظيم امتنان على عباده؛ إذ لو شاء لجعل من كل رحمة عذابًا، أو من كل عذاب رحمة؛ فكلّ ما خلق الله تعالى هو مسيّرٌ لأمره وتقديره وعلمه.
وإن هذا المبحث يركز على إحصاء آيات السحاب التي تأتي للرحمة، وآيات السحاب التي تأتي للعذاب، ومن ثم التعرف على عظيم حب الله تعالى لخلقه، والله الموفق والمستعان.
أولًا: سحاب الرحمة:
إن آيات السحاب هي في معظمها تدل على الرحمة الكبيرة من الله تعالى، وتدعو بأسلوب التفضل النعم كلّ الناس أن يشكروا ربهم جل جلاله، ويمكن تلخيص دلالات الرحمة في السحاب في القرآن الكريم من خلال ما يأتي:
١. إرسال الرياح؛ للقح السحاب، وإحلال الخير.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)[الروم:٤٨].
فقوله (الرياح) قد قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي على الإفراد، وقرأها الباقون على الجمع، وقد اشتهر عند المفسرين أن الرياح إذا كانت جمعًا فهي رحمة، وإذا كانت مفردة فهي عذاب42.
وبعد المتابعة لوحظ أن كلامهم ينسحب على السياق القرآني في قراءات معينة، وليس كل القراءات المتواترة؛ فمثلًا: هذه الآية قرئت جمعًا وقرئت مفردةً، والسياق في ظاهره يعني الرحمة والفرح والاستبشار؛ فبتحريك الريح أو الرياح -على اختلاف القراءات- للسحاب وبسطه في السماء، ثم جعله في طبقات فوق بعضها البعض ينزل المطر المحمّل بالاستبشار والبهجة والسرور.
والسنة النبوية ملئت بالأحاديث التي تدلُّ على أن الريح منها ما هو رحمة ومنها ما يكون عذابًا، إلا أنه إذا أطلقت كلمة الرياح فإنها لا تعني إلا الرحمة، ومنها حديث أبي هريرة، حيث قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الريح من روح الله) قال سلمة: « فروح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب؛ فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها»43.
وأما الحديث المشهور (اللهم اجعلها رياحًا لا ريحًا)، فهو حديث ضعيف جدًّا موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما44.
٢. من الرياح ما يكون مبشّرًا باقتراب نزول الغيث من السحاب.
وما يترتب عليه من: إحياء الأرض وإنبات الزرع بعد أن كانت الأرض كلها ميتة.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)[الأعراف:٥٧].
وقد قرأ عاصم بالباء الموحّدة وضمها وإسكان الشين (بشرًا)؛ فيكون إرسال الرياح مبشّرًا بنزول المطر بعد بسط السحاب المحمّل بالماء في السماء، وقرأ ابن عامر بالنون وضمها وإسكان الشين (نشرًا)؛ فيكون إرسال الرياح من نشر السحاب في السماء؛ تهيئةً لنزول المطر ، فهي بشارةٌ كبيرة لكل الخلق، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون وفتحها (نشرًا)؛ فيكون إرسال الرياح التي تهبّ من كل جهة؛ لجمع السحاب الممطرة، وقرأ الباقون بالنون وضمها وضم الشين (نشرًا)؛ فيكون إرسال الرياح تهيئة لنزول المطر تمامًا كلغة (نشرًا) السابق ذكرها45.
٣. إذاقة الرحمة للبشر جميعًا.
قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الروم:٤٦].
حيث تبين هذه الآية أن من رحمة الله تعالى في إرسال الرياح للسحاب وتسييرها بأن السبب إذاقة الخلق «بها الغيث والخصب، أو نعمته من المياه العذبة، والأشجار الرطبة ، وصحة الأبدان، وما يتبع ذلك من أمور لا يحصيها إلا الله»46، حيث كانت الرحمة الناتجة عن إرسال الرياح مبشرات عبارة عن ثوب يكسي أبدان أهل القرية فيشعر جميعهم بطعم هذه الرحمة الناتجة عن الغيث المنبت للزرع والمحي للأرض.
ثانيًا: سحاب العذاب:
سبقت الإشارة إلى أن آيات السحاب معظمها للرحمة؛ لكن منها ما يتوعّد الله تعالى بها خلقه من المشركين، ويمكن تلخيص دلالات الرحمة في السحاب في القرآن الكريم من خلال ما يأتي:
١. تهديد للذين يأمنون عقاب الله تعالى.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)[الـملك:١٧].
فهل أمنتم من في السماء عذابه وعقابه وهو الله تعالى، أن يرسل عليكم سحابًا محمّلة بالحجارة؛ لتنالوا العقاب، فستعلمون حينها كيف نذير الله تعالى بالعقاب والوعيد47.
٢. إنزال بعض المؤشرات المنذرة بالعقاب من السماء.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الطور:٤٤].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن الكفار بلغ من فرط عنادهم وشدة كفرهم أنهم طلبوا كسفًا من السماء؛ ليتبين لهم صدق دعوى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الكسف، وهو قطعة من السماء منذرة بالعذاب، فلما رأوا تلك الكسف استمروا في كذبهم، وقالوا هذا سحاب متراكم بعضه فوق بعض48.
٣. إصابة السحاب لأجل العذاب والعقاب.
قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ)[النور:٤٣].
فإن هذه الآية تبين أن الله تعالى ينزل من السماء من خلال السحاب بردًا ومطرًا وصقيعًا، وقد يكون هذا رحمةً وهو الغالب، وقد يكون نقمةً؛ لأجل العذاب والانتقام، كما يحدث بين الفترة والأخرى في بعض بلاد العالم، فإن من يصاب بهذا من الناس فهو بتقدير الله تعالى، ومن يصرف عنه فهو برحمته وعلمه وقدرته؛ فإن من السحاب ما يحمل نارًا حارقة يرى في البرق شدة لمعانها وكذلك الصواعق، وغيرها49.
ضرب الله تعالى مثلًا لظلمة قلب الكافر، فقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النور:٤٠].
فقد شبّهت الآية الكريمة الظلمات الكثيفة على قلب الكافر بظلمات في بحرٍ لجّيٍّ، أي: عميق كثير الماء، ولجة البحر: معظمه، يغشاه أي: يعلوه موج من فوق، موج، أي: متراكم من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، وذلك أن البحر اللجي يكون قعره مظلماً جدًّا بسبب غمورة الماء، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة فإذا كانت فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة غايتها50.
وقد صور القرآن الكريم في هذا المثل ظلمات قلب الكافر، وهي معنوية في صورة حسية، هي: ظلمات الموج المتراكم، ومن فوق السحاب؛ وذلك لتوضيح المعنى وتقريبه إلى الأذهان، والله أعلم.
إن الوجه المعجز الوحيد في القرآن الكريم هو الوجه البياني المتضمن للفظ والمعنى والنظم.
يقول الله تبارك وتعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [النور:٤٣].
وعند تأمل هذه الآية نجد أنها أشارت إلى بعض الجوانب العلمية التي اكتشفت في العصر الحديث، ومنها 51:
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، الأرض، الرياح، السماء، الماء |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ص٥٠٩.
2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٩٦، مختار الصحاح، الرازي ص١٦٥، المصباح المنير، الفيومي ص١٦٢.
3 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٩١.
4 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، ص٥٩٣.
5 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/١٩٥-١٩٦.
6 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٢٣٠، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤٤٤.
7 الكليات، الكفوي ص٦٧١.
8 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٠٣، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣١٨.
9 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٠٤.
10 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١/٢٩٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٢٧٨.
11 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٤٥، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٣٣.
12 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١١٤٤.
13 لسان العرب، ابن منظور ٤/٥٧٧.
14 المصدر السابق ٥/١٧٨.
15 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٤٢، تفسير السمرقندي ٣/١٠١.
16 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٣٠١.
17 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٨٣.
18 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٢/٢٨٧.
19 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٥٩.
20 انظر: السحاب في القرآن، حسني حمدان الدسوقي حمامة، موقع الألوكة الثقافية.
21 انظر: المصدر السابق.
22 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب الصدقة في المساكين ٤/٢٢٨٨، رقم ٢٩٨٤.
23 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٢٠.
24 انظر: المصدر السابق ١٩/٢١.
25 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٩.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٥٣٥، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٤/٢٨٢١، التفسير البسيط، الواحدي ١٦/٣٢٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٨٨.
27 انظر: الإعجاز العلمي في القرآن، جامعة المدينة العالمية ص٣١٤.
28 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٦٠، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٣٨٩.
29 جامع البيان، الطبري ٣/٢٧٥.
30 المصدر السابق ٢١/٧٤.
31 تراث الحرالي ١/٣٠٣.
32 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/١٢٧.
33 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٨/٢٧٠٤.
34 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٤١٢.
35 مفاتيح الغيب الرازي ١٩/١٣٤.
36 المصدر السابق.
37 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٥١١.
38 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٣٣.
39 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥٣٧.
40 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٣٣٢.
41 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧٢٨٦.
42 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٦٥.
43 أخرجه أحمد في مسنده، ١٣/٦٩، رقم ٧٦٣١، وأبو داود في سننه، كتاب، باب ما يقول إذا هاجت الريح، ٤/٣٢٦، رقم ٥٠٩٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، /٦٦٦، رقم ٣٥٦٤.
44 انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة، الألباني ٩/٢٢٨، رقم ٤٢١٧.
45 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢٦٩، ٢٧٠، المبسوط في القراءات العشر، ابن مهران ص٢٠٩، معاني القراءات، الأزهري ١/٤٠٩، الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه ص١٥٧.
46 فتح البيان، القنوجي ١٠/٢٦٠.
47 انظر: فتح البيان القنوجي ١٤/٢٤١.
48 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/٣٠٣.
49 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٣/٢٩٢.
50 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٩٨، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٨/٥١٢٤، النكت والعيون، الماوردي ٤/١١١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٨٥.
51 انظر: أنواع السحب رؤية قرآنية، عادل الصعدي، موقع جامعة الإيمان اليمنية الالكتروني.
52 انظر: إعجاز القرآن الكريم في وصف أنواع الرياح والسحاب والمطر، من بحوث المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مجموعة من الباحثين.