عناصر الموضوع

مفهوم الزور

الزور في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مجالات الزور

التحذير من الزور

أحكام متعلقة بشهادة الزور

أثر انتشار الزور على الفرد والمجتمع

الزور

مفهوم الزور

أولًا: المعنى اللغوي:

قال ابن فارس: «(زور) الزاء والواو والراء: أصل واحد يدل على الميل والعدول، من ذلك الزور: الكذب؛ لأنه مائل عن طريقة الحق. ويقال: زور فلان الشيء تزويرًا، إذا: هيأه؛ لأنه يعدل به عن طريقة تكون أقرب إلى قبول السامع»1.

والزور في اللغة هو: الكذب، والباطل، وفعلهما2، يقال: زّور فلان الكتاب والكلام تزويرًا: إذا قواه وشدده، وسواه وحسنه؛ والكلام المزوّر أي: المحسن الذي يبدو حقيقيًا وصوابًا3، ثم يتكلم به؛ ومنه شهادة الزور؛ لأنه يقويها ويشددها ويحسنها ويشبهها بالشهادة الصحيحة حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنها خلاف ما هو عليه4.

والتزوير هو: التزيين والتحسين والتشبيه، وفعل الكذب والباطل، وأصل الزور: الميل والعدول، وبهذا يكون المعنى اللغوي للزور أنه الكذب والباطل، وفعلهما بكل أشكالهما وصورهما5.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يختلف معنى الزور اصطلاحًا عن معناه اللغوي، الدال على الميل والانحراف، الذي يصحبه تحسين للباطل، وإظهاره على غير حقيقته.

الزور في الاستعمال القرآني

وردت مادة (زور) في القرآن الكريم (٤) مرات6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المصدر

٤

( ) [الحج:٣٠]

وجاء الزور في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، الدال على الميل وانحراف، وتحسين للباطل، والذي من صوره ، الشرك، والكذب، وشهادة الزور، وغير ذلك7.

الألفاظ ذات الصلة

الكذب:

الكذب لغة:

نقيض الصدق8، قال ابن فارس: «(كذب) الكاف والذال والباء: أصل صحيح يدل على خلاف الصدق»9.

الكذب اصطلاحًا:

قال الجرجاني: «هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع؛ سواء بالقول، أو بالإشارة، أو بالسكوت»10.

الصلة بين الزور والكذب:

«أن الزور هو الكذب بعينه إلا أنه كذب محسن، مزين يخيل لمن سمعه أو رآه أنه على خلاف ما هو به»11.

البهتان:

البهتان لغة:

مشتقٌ من بهت الرجل يبهته بهتًا وبهتانًا فهو بهّات، أي: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوتٌ، والبهتان: افتراءٌ12.

البهتان اصطلاحًا:

هو الافتراء على الغير، وهو: الخبر المكذوب الذي لا شبهة لكاذبه فيه؛ لأنّه يبهت من ينقل عنه 13.

الصلة بين الزور والبهتان:

أن الزور هو: الكذب الذي قد سوي وحسن في الظاهر؛ ليحسب أنه صدق، وهو من قولك: زورت الشيء: إذا سويته وحسنته، وأما البهتان فهو مواجهة الإنسان بما لم يحبه14، أي: الكذب الذي يواجه الإنسان به صاحبه على جهة المكابرة15.

الافتراء:

الافتراء لغةً:

الفرية: الكذب. فرى كذبًا فريًا وافتراه: اختلقه. ورجلٌ فريٌّ ومفرًى وإنه لقبيح الفرية16.

الافتراء اصطلاحًا:

اختراع قضية لا أصل لها، أو هو: الكذب العظيم عن عمد17.

الصلة بين الزور والافتراء:

أنهما من أسماء الكذب، وأن كلًّا منهما يطلق على الشرك وعلى الكذب.

الإفك:

الإفك لغة:

أفك إفكًا وأفوكًا: كذب، وأفك فلانًا: جعله يكذب، وحرمه مراده18.

الإفك اصطلاحًا:

أعظم الكذب، وكل شيء في القرآن إفك فهو كذب19.

الصلة بين الزور والإفك:

أن كلًّا منهما من أسماء الكذب وأشده وأعظمه، إلا أن الإفك هو أشد الزور وأكذبه.

مجالات الزور

إن مجالات الزور من خلال القرآن الكريم تكون في الأقوال والأفعال، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: الزور في الأقوال:

يمكن تصنيف الأقوال التي وصفها الله تعالى بأنها من قول الزور في النقاط الآتية:

١. أقوال الشرك بجميع أنواعها.

إن من الزور الشرك بالله تعالى بالقول: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].

قال الإمام الواحدي في تفسير قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ) : «يعني: الشرك بالله، وكان أهل الجاهلية يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، ويريدون: الصنم»20.

وكقولهم في الملائكة: قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ) [الإسراء: ٤٠].

وقال سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الصافات: ١٤٩-١٥٣].

وقال عز وجل: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ) [الزخرف: ١٩-٢٠]

ومنه شرك اليهود والنصارى بقولهم: ( ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ) [التوبة: ٣٠].

أي: جميع الأقوال المحرمات التي تدخل في العقيدة، إنها من قول الزور الذي هو الكذب على الله تعالى 21.

٢. التكذيب بالقرآن.

بين الله تعالى أن التكذيب بالقرآن من القول الزور الباطل، ومن وضع الأشياء في غير موضعها، ومن الكذب على الله تعالى.

قال سبحانه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الفرقان: ٤-٦].

يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭴ) أي: كذب افتراه، يعنون: النبي صلى الله عليه وسلم، (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ) أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين، فقال الله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ) [الفرقان: ٤].

أي: فقد افتروا هم قولًا باطلًا، وهم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون.

قال الإمام ابن كثير: «وهذا الكلام لسخافته وكذبه وبهته منهم يعلم كل أحد بطلانه، فإنه قد علم بالتواتر وبالضرورة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعاني شيئًا من الكتابة لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحوًا من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته وبره وأمانته وبعده عن الكذب والفجور وسائر الأخلاق الرذيلة، حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره وإلى أن بعث : الأمين؛ لما يعلمون من صدقه وبره، فلما أكرمه الله بما أكرمه به نصبوا له العداوة ورموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها، وحاروا فيما يقذفونه به، فتارة من إفكهم يقولون: ساحر، وتارة يقولون: شاعر، وتارة يقولون: مجنون، وتارة يقولون: كذاب، وقال الله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ١٨].

وقال تعالى في جواب ما عاندوا هاهنا وافتروا: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الفرقان: ٦] الآية، أي: أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين إخبارًا حقًّا صدقًا مطابقًا للواقع في الخارج، ماضيًا ومستقبلًا الذي يعلم السر، أي: الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر»22.

وقال الإمام الرازي: «إن الله تعالى وصف كلامهم بأنه ظلم وبأنه زور، أما أنه ظلم فلأنهم نسبوا هذا الفعل القبيح إلى من كان مبرأ عنه، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه وذلك هو الظلم، وأما الزور فلأنهم كذبوا فيه، وقال أبو مسلم: الظلم: تكذيبهم الرسول والرد عليه، والزور: كذبهم عليهم»23.

ثم رد الله سبحانه عليهم فقال: (ﭶ ﭷ ﭸ) ، أي: فقد قالوا ظلمًا هائلًا عظيمًا وكذبًا ظاهرًا، وانتصاب (ظلمًا) بـ(جاءوا)، فإن جاء: قد يستعمل استعمال أتى، ويعدى تعديته، وقال الزجاج: إنه منصوب بنزع الخافض، والأصل: جاءوا بظلم. وقيل: هو منتصب على الحال، وإنما كان ذلك منهم ظلما؛ لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه، وهذا هو الظلم، وأما كون ذلك منهم زورا فظاهر؛ لأنهم قد كذبوا في هذه المقالة24.

أي: فقد وضعوا الأشياء في غير مواضعها، وكذبوا على ربهم؛ إذ جعلوا القرآن -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- إفكًا مفترى من قبل البشر، وكيف يتقولون ذلك على الرسول وقد تحداهم أن يأتوا بمثله، وهم ذوو اللسن والفصاحة والغاية في البلاغة، فعجزوا أن يأتوا بمثله، ولو كان ذلك في مكنتهم ما ادخروا وسعًا في معارضته، وقد ركبوا الصعب والذلول؛ ليدحضوا حجته، ويبطلوا دعوته، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم قد استعان في ذلك بغيره لأمكنهم أيضًا أن يستعينوا هم بغيرهم، فما مثله في اللغة إلا مثلهم.

قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يونس: ٣٨].

وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [هود: ١٣-١٤].

وقال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الفرقان: ٤-٦].

وقال جل شأنه: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ) [الأحقاف: ٧-٨]25.

٣. تحريم ما أحل الله.

كما أن من الزور بالقول تحريم ما أحل الله تعالى، وقيل أيضًا: شهادة الزور. وهذا كله جائز.

قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].

والآية تدل على أنهم نهوا أن يحرموا ما حرم أصحاب الأوثان نحو قولهم: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، ونحو: نحرهم البحيرة والسائبة، فأعلمهم الله أن الأنعام محللة إلا ما حرم الله منها، ونهاهم الله عن قول الزور أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام؛ ليفتروا على الله كذبًا26.

وقد وصف الله تعالى هذا القول الزور بأنه افتراء وكذب على الله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النحل: ١١٦]27.

٤. جميع الأقوال المحرمة.

كما أن من الزور بالقول: الكذب وشهادة الزور، وجميع الأقوال المحرمة، قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].

أي: جميع الأقوال المحرمات، فإنها من قول الزور الذي هو الكذب، ومن ذلك شهادة الزور28.

والآية تدل على أن الله نهى عن الكذب وقول الزور، وشهادة الزور، والنفاق، وكل قول محرم؛ لأنه باطل، وهذا ما قال به أكثر المفسرين29.

٥. الظهار من الزوجة من القول الزور.

قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المجادلة: ٢].

أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور: هو الكذب، وإنما جعله كذبًا؛ لأن المظاهر يصيّر امرأته كأمّه، وهي لا تصير كذلك أبدًا؛ لأن قوله: أنت علي كظهر أمي، إما أن يجعله إخبارًا أو إنشاء، وعلى التقدير الأول أنه كذب؛ لأن الزوجة محللة والأم محرمة، وتشبيه المحللة بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب، وإن جعلناه إنشاء كان ذلك أيضًا كذبًا؛ لأن كونه إنشاء معناه: أن الشرع جعله سببًا في حصول الحرمة، فلما لم يرد الشرع بهذا التشبيه، كان جعله إنشاء في وقوع هذا الحكم يكون كذبًا وزورًا، وقال بعضهم: إنه تعالى إنما وصفه بكونه: منكرًا من القول وزورًا؛ لأن الأم محرمة تحريمًا مؤبدًا، والزوجة لا تحرم عليه بهذا القول تحريمًا مؤبدًا، فلا جرم كان ذلك منكرًا من القول وزورًا، وهذا الوجه ضعيف؛ لأن تشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي وقوع المشابهة بينهما من كل الوجوه، فلا يلزم من تشبيه الزوجة بالأم في الحرمة تشبيهها بها في كون الحرمة مؤبدة، لأن مسمى الحرمة أعم من الحرمة المؤبدة والمؤقتة30.

وهذا تشبيه باطل؛ لتباين الحالين إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هن الوالدات وغيرهن ملحقات بهن؛ لدخولهن في حكمهن، فالمرضعات أمهات31.

ثم زاد الأمر إيضاحًا وبالغ في الاستهجان؛ توبيخًا لهم على صنيعهم فقال: ( ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) أي: وإنهم ليقولون قولًا منكرًا لا يجيزه شرع، ولا يرضى به عقل، ولا يوافق عليه ذو طبع سليم، فكيف تشبه من يسكن إليها وتسكن إليه وجعل الله بينه وبينها مودة ورحمة، وصلة خاصة لا تكون لأم ولا لأخت، بمن جعل صلتها بابنها صلة الكرامة والحنو والإجلال والتعظيم؟ إلا أن الرجل قوام على المرأة له حق تأديبها إذا اعوجت، وهجرانها في المضاجع إذا جمحت ولم يعط ذلك لابن ليعامل به أمه، فهذا زور وبهتان عظيم32.

وأما حكم الظهار فإنه معصية ومحرم لا يجوز إيقاعه؛ لقوله بعده: (ﮯ ﮰ ﮱ) [المجادلة: ٤].

فإيقاع الظهار معصية، وبكونه معصية فسر ابن عطية قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) بالحرام، وبذلك أيضًا فسر القرطبي قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ) وقال ابن الفرس: ((هو حرام لا يحل إيقاعه. ودل على تحريمه ثلاثة أشياء:

أحدها: تكذيب الله تعالى من فعل ذلك.

الثاني: أنه سماه منكرًا وزورًا، والزور الكذب، وهو محرم بإجماع.

الثالث: إخباره تعالى عنه بأنه يعفو عنه ويغفر، ولا يعفي ويغفر إلا على المذنبين)).

وأقوال فقهاء الحنفية تدل على أن الظهار معصية، ولم يصفه أحد من المالكية ولا الحنفية بأنه كبيرة، ولا حجة في وصفه في الآية بزور؛ لأن الكذب لا يكون كبيرة إلا إذا أفضى إلى مضرة33.

وكعادة القرآن الكريم في قرن الترهيب بالترغيب، حتى لا تيأس النفوس من رحمة الله، ختمت الآية الكريمة بما يدل على فضله تعالى.

فقال: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) أي: وإن الله تعالى لكثير العفو والمغفرة، لمن تاب إليه سبحانه وأناب وأقلع عن تلك الأقوال والأفعال التي يبغضها سبحانه 34.

ثانيًا: الزور في الأفعال:

وصف سبحانه عباد الرحمن: (ﮎ ﮏ ﮐ ) [الفرقان: ٧٢].

أي: لا يشهدون الشهادة الكاذبة، أو لا يحضرون الزور، وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين، قال الزجاج: الزور في اللغة الكذب ولا كذب فوق (الشرك) بالله، قال الواحدي: ((أكثر المفسرين على أن الزور هاهنا: بمعنى الشرك، والحاصل: أن يشهدون إن كان من الشهادة، ففي الكلام مضاف محذوف، أي: لا يشهدون شهادة الزور، وإن كان من الشهود والحضور -كما ذهب إليه الجمهور- فقد اختلفوا في معناه، فقال قتادة: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، وقال محمد بن الحنفية: لا يحضرون اللهو والغناء، وقال ابن جريج: الكذب. وروي عن مجاهد أيضًا، والأولى عدم التخصيص بنوع من أنواع الزور، بل المراد: الذين لا يحضرون ما يصدق عليه اسم الزور كائنًا ما كان، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) أي: معرضين عنه غير ملتفتين إليه، واللغو: كل ساقط من قول أو فعل. قال الحسن: اللغو: المعاصي كلها))35.

قال ابن جرير: «فإذا كان ذلك كذلك، فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال: والذين لا يشهدون شيئًا من الباطل لا شركًا، ولا غناء، ولا كذبًا ولا غيره، وكل ما لزمه اسم الزور؛ لأن الله عم في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر أو عقل»36.

فمعنى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: لا يحضرون الباطل في أي لون من ألوانه قولًا أو فعلًا أو إقرارًا، وكل ما خالف الحق.

لذلك يقول الحق سبحانه في موضع آخر: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [القصص: ٥٥].

ويقول سبحانه: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [الأنعام: ٦٨].

وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النساء: ١٤٠]37.

أي: لا يحضرون الكذب والباطل ولا يشاهدونه. والزور: كل باطل زوّر وزخرف، وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد. وبه فسر الضحاك وابن زيد وابن عباس، وفي رواية عن ابن عباس أنه أعياد المشركين. وعن عكرمة: اللعب38.

(ﮎ ﮏ ﮐ) أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه.

وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية.

(ﮒ ﮓ ﮔ) وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم (ﮕ ﮖ) أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا أن الخوض فيه -وإن كان لا إثم فيه- فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة، فربئوا بأنفسهم عنه39.

وهذه أيضًا من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، قيل: هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل: الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل، وقال محمد ابن الحنفية: هو اللغو والغناء. وقال أبو العالية وطاووس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هي أعياد المشركين.. وقال عمرو بن قيس: هي مجالس السوء والخنا، وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه، كما جاء في الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)40.

والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه، ولهذا قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا قال: (ﮕ ﮖ)41.

المعنى: على الاحتمال الأول: والذين لا يحضرون مشاهدة الباطل والإثم في كل مجلس تتعدى فيه الحدود، أو تنتهك فيه الحرمات، أو يحكم فيه بالجور أو تعظم فيه الطواغيت، أو يدعى فيه بدعوى الجاهلية، أو تحيى فيه معالم الوثنية، أو تطمس فيه السنة النبوية، أو يدعى فيه أحد مع الله، أو يضرع إلى سواه.

وعلى الاحتمال الثاني: والذين لا يشهدون شهادة الزور ولا يخبرون إلاّ بالحق الواقع. ترجيع وترجيح:

يلزم من أنهم لا يشهدون مشاهدة الباطل أنهم لا يشهدون بالزور؛ لوجهين:

الأول: لأنهم إذا كانوا لا يحضرون مجالس الباطل فبالأحرى أنهم لا يقولونه.

والثاني: أن مشهد شهادة الزور من مشاهد الباطل التي لا يحضرونها؛ فيكون الوجه الأول أولى؛ لأنه أشمل.

(ﮓ ﮔ) وهو الكلام الذي لا فائدة فيه، دينية ولا دنيوية، ككلام السفهاء ونحوهم، (ﮕ ﮖ) أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوه سفها منافيا لمكارم الأخلاق.

وفي قوله: (ﮒ ﮓ ﮔ) إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره، ولا سماعه، ولكن يحصل ذلك بغير قصد، فيكرمون أنفسهم عنه42.

التحذير من الزور

هناك أساليب ذكرها القرآن الكريم في التحذير من الزور، وهي الأمر بالاجتناب، والتشنيع بأهله، والثناء على تاركيه، ويمكن بيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: الأمر بالاجتناب:

إن من الأساليب التي ذكرها القرآن الكريم في التحذير من الزور بكل صوره وأشكاله الأمر بالاجتناب، عما هو أقصى المحرمات قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].

فقوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ) تعميم بعد تخصيص، فإن عبادة الأوثان رأس الزور لما فيها من ادعاء الاستحقاق، كأنه تعالى لما حث على تعظيم الحرمات أتبع ذلك بما فيه رد لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب ونحوهما، والافتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك، ولم يعطف قول الزور على الرجس، بل أعاد العامل؛ لمزيد الاعتناء، والمراد من الزور: مطلق الكذب، وهو من الزور بمعنى: الانحراف، فإن الكذب منحرف عن الواقع، والإضافة بيانية.

وقيل: هو أمر باجتناب شهادة الزور؛ لما أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني وغيرهم عن ابن مسعود: أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فلما انصرف قائمًا قال: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالى) ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية4344.

والزور: الباطل والكذب. وسمي زورًا؛ لأنه أميل عن الحق، ومنه: (ﭪ ﭫ ﭬ) [الكهف: ١٧].

ومدينة زوراء، أي: مائلة، وكل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور، وهذه الآية تضمنت الوعيد على الشهادة بالزور، وينبغي للحاكم إذا عثر على الشاهد بالزور أن يعززه وينادي عليه؛ ليعرف؛ لئلا يغتر بشهادته أحد، ويختلف الحكم في شهادته إذا تاب، فإن كان من أهل العدالة المشهور بها المبرز فيها لم تقبل؛ لأنه لا سبيل إلى علم حاله في التوبة؛ إذ لا يستطيع أن يفعل من القربات أكثر مما هو عليه، وإن كان دون ذلك فشمر في العبادة وزادت حاله في التقى قبلت شهادته.

وفي الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)، وكان متكئًا فجلس فقال:( ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور) فما زال يقولها، حتى قلت: لا يسكت)45.

وجمع بين الشرك وقول الزور أي: الكذب والبهتان أو شهادة الزور، وهو من الزور، وهو الانحراف؛ لأن الشرك من باب الزور؛ إذ المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة46.

قال محمد رشيد رضا: «إنه جعل الأمر بتركهما من مادة الاجتناب وهو أبلغ من الترك؛ لأنه يفيد الأمر بالترك مع البعد عن المتروك بأن يكون التارك في جانب بعيد عن جانب المتروك -كما تقدم-، ولذلك نرى القرآن لم يعبر بالاجتناب إلا عن ترك الشرك والطاغوت الذي يشمل الشرك والأوثان وسائر مصادر الطغيان، وترك الكبائر عامة، وقول الزور الذي هو من أكبرها، قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].

وقال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٣٦].

كما قال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الزمر: ١٧].

وقال: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النجم: ٣٢]»47.

قال الشنقيطي: «وفي هذه الآية الكريمة الأمر باجتناب عبادة الأوثان، ويدخل في حكمها، ومعناها عبادة كل معبود من دون الله كائنًا من كان، وهذا الأمر باجتناب عبادة غير الله المذكور هنا، جاء مبينًا في آيات كقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٣٦].

وبين تعالى أن ذلك شرط في صحة إيمانه بالله في قوله: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [البقرة: ٢٥٦].

وأثنى الله على مجتنبي عبادة الطاغوت المنيبين لله، وبين أن لهم البشرى، وهي ما يسرهم عند ربهم في قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الزمر: ١٧].

وقد سأل إبراهيم ربه أن يرزقه اجتناب عبادة الطاغوت، في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [إبراهيم: ٣٥].

والأصنام تدخل في الطاغوت دخولًا أوليًّا»48.

وقال في موضع آخر: «وإذا علمت ذلك فاعلم أنه هنا قال: واجتنبوا قول الزور بصيغة عامة، ثم بين في بعض المواضع بعض أفراد قول الزور المنهي عنه كقوله تعالى في الكفار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم: ( ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الفرقان: ٤].

فصرح بأن قولهم هذا من الظلم والزور، وقال في الذين يظاهرون من نسائهم، ويقول الواحد منهم لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المجادلة: ٢].

فصرح بأن قولهم ذلك منكر وزور، وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وكان متكئًا فجلس فقال: (ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت49.

وقد جمع تعالى هنا بين قول الزور والإشراك به تعالى في قوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الحج: ٣٠، ٣١].

وكما أنه جمع بينهما هنا، فقد جمع بينهما أيضًا في غير هذا الموضع كقوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأعراف: ٣٣]؛ لأن قوله: ( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) هو قول الزور، وقد أتى مقرونًا بقوله: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) وذلك يدل على عظمة قول الزور؛ لأن الإشراك بالله قد يدخل في قول الزور، كادعائهم الشركاء، والأولاد لله، وكتكذيبه صلى الله عليه وسلم فكل ذلك الزور فيه أعظم الكفر والإشراك بالله، نعوذ بالله من كل سوء»50.

وعموم الأمر باجتناب قول الزور وجيهة، حتى ولو صحّ أن الجملة من الوجهة الزمنية ومقام ورودها قد عنت تلك الصيغة، ويوجب على المسلم أن يتجنب الزور وقول الزور وشهادة الزور في كل ظرف ومكان؛ لما في ذلك من عظيم البغي والضرر والشرّ، حتى استحقّ وصف الرسول الأعظم له بأنه من أكبر الكبائر وبأنه يعدل الشرك51.

والتعبير بقوله تعالى: () أبلغ من التعبير بلفظ حرم؛ لأنه يفيد التحريم وزيادة، وهو التنفير والابتعاد عنه بالكلية52.

كما تفيد الآية وجوب التباعد عن قول الزور كما يجب أن يتباعد عن الشرك53.

ثانيًا: التشنيع بأهله:

شنع الله تعالى على القائل بالزور بأن رفع الذكر بالقبيح الذي قالوه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الفرقان: ٤].

أي: إن الله تعالى شنع على هؤلاء العصاة الذين لم يستجيبوا لدعوة النبي إلى الإسلام، وإنما افتروا على الله الكذب بوصف المعجزات بأنها سحر، ثم ذكر غرضهم من الافتراء، وهو محاولة إبطال دين الله وإطفاء نوره وشرعه، والحال أن الله متم نوره، ومظهر دينه على الأديان كلها54.

كما شنع سبحانه على المظاهرين من نسائهم: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المجادلة: ٢].

فقد وصف الله تعالى قولهم: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) ،أي: وإن هؤلاء المظاهرين ليقولون بهذا قولًا منكرًا، أي :فظيعًا ينكره الشرع ويقبحه ولا يجيزه، كما لا يقره عقل، ()، أي: كذبًا، وإن الله كثير العفو والمغفرة؛ إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم عن هذا المنكر، كما أن الله غفور لمن أذنب وتاب، وغفور من غير توبة لمن يشاء، كما قال: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٨].

يتبين منه أن الله وصف الظهار بأنه منكر وزور؛ لتشبيه الزوجة بالأم، فهو خبر زور كذب، وإنشاء منكر ينكره الشرع ولا يعرفه، وهو يدل على أن الظهار محرم، وهو أيضًا عند الشافعية معصية كبيرة؛ لأن فيه الإقدام على إحالة حكم الله تعالى وتبديله بدون إذنه سبحانه، ولأن المقدم على ذلك كاذب معاند للشرع55.

ثالثًا: الثناء على تاركيه:

أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين لا يشهدون الزور.

قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ) [الفرقان: ٧٢].

ثم بين ثوابهم فقال عز وجل: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفرقان: ٧٥].

يعني: غرف الجنة كقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الزمر: ٢٠].

(ﯕ ﯖ) يعني: صبروا على أمر الله تعالى في الدنيا، وعلى الطاعة (ﯗ ﯘ) يعني: في الجنة () يعني: التسليم () يعني: سلام56.

«والزور: هو الكذب والباطل، ولا يشاهدونه وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين، قال الزجاج: الزور في اللغة الكذب ، ولا كذب فوق الشرك بالله، قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن الزور هاهنا: بمعنى الشرك، والحاصل أن () إن كان من الشهادة، ففي الكلام مضاف محذوف، أي: (ﮏ ﮐ) شهادة الزور وإن كان من الشهود والحضور، كما ذهب إليه الجمهور فقد اختلفوا في معناه، فقال قتادة: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، وقال محمد بن الحنفية: لا يحضرون اللهو والغناء، وقال ابن جريج: الكذب. وروي عن مجاهد أيضًا، والأولى عدم التخصيص بنوع من أنواع الزور، بل المراد الذين لا يحضرون ما يصدق عليه اسم الزور كائنًا ما كان، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) أي: معرضين عنه غير ملتفتين إليه، واللغو: كل ساقط من قول أو فعل، قال الحسن: اللغو: المعاصي كلها، وقيل: المراد مروا بذوي اللغو، يقال: فلان يكرم عما يشينه، أي: يتنزه ويكرم نفسه عن الدخول في اللغو والاختلاط بأهله، (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: بالقرآن، أو بما فيه موعظة وعبرة (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) أي: لم يقعوا عليها حال كونهم صما وعميانا، ولكنهم أكبّوا عليها سامعين مبصرين، وانتفعوا بها، قال ابن قتيبة: المعنى لم يتغافلوا عنها، كأنهم صم لم يسمعوها، وعمي لم يبصروها»57.

كما جاء في الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)58.

لا يحضرون من المشاهدة، والزور: الشرك والصنم أو الكذب أو آلة الغناء أو أعياد النصارى59.

قال سيد قطب: «وبعد هذا البيان المعترض يعود إلى سمات عباد الرحمن: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ).. وعدم شهادة الزور قد تكون على ظاهر اللفظ ومعناه القريب، أنهم لا يؤدون شهادة زور، لما في ذلك من تضييع الحقوق، والإعانة على الظلم. وقد يكون معناها الفرار من مجرد الوجود في مجلس أو مجال يقع فيه الزور بكل صنوفه وألوانه؛ ترفعًا منهم عن شهود مثل هذه المجالس والمجالات. وهو أبلغ وأوقع. وهم كذلك يصونون أنفسهم واهتماماتهم عن اللغو والهذر: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) لا يشغلون أنفسهم به، ولا يلوثونها بسماعه إنما يكرمونها عن ملابسته ورؤيته بله المشاركة فيه! فللمؤمن ما يشغله عن اللغو والهذر، وليس لديه من الفراغ والبطالة ما يدفعه إلى الشغل باللغو الفارغ، وهو من عقيدته ومن دعوته ومن تكاليفها في نفسه وفي الحياة كلها في شغل شاغل»60.

أحكام متعلقة بشهادة الزور

هناك أحكام متعلقة بشهادة الزور تدل على مدى اهتمام الشريعة الإسلامية بهذه الشهادة، وهذه الأحكام يمكن ذكرها باختصار كما يأتي:

أولًا: حكم شهادة الزور:

لا خلاف بين الفقهاء بأن شهادة الزور من أكبر الكبائر، وأنها محرمة شرعًا، وقد نهى الله تعالى عنها في كتابه مع نهيه عن الأوثان، فقال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠]61.

ونهى عنها رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا: بلى يا رسول الله، قال ثلاثا: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) -وكان متكئًا- فقال: (ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور) فما زال يقولها حتى قلنا: ليته سكت62.

وبما رواه خريم بن فاتك الأسدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح فلما انصرف قام قائمًا، فقال: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله)، ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠])63.

وشهادة الزور جريمة خلقية شائنة تتنافى مع النظام العمراني، وتفضي إلى الفوضى في كل نواحي الحياة، فهي شر مستطير، يجب على الناس أن ينزهوا أنفسهم عنها تنزيهًا تامًا64.

كما أن شهادة الزور شهادة باطلة لا يجوز الحكم بها؛ لأن الغاية من التزوير إبطال الحق وتفويته على صاحبه والقضاء بالحق لغير صاحبه، وذلك كله من الباطل والمحرم في الشريعة65.

ثانيًا: ثبوت شهادة الزور:

تثبت شهادة الزور بأحد ثلاثة أوجه:

أحدها: الإقرار، وذلك بأن يقر الشاهد أنه شاهد زور: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن شهادة الزور لا تثبت إلا بالإقرار؛ لأنه لا تتمكن تهمة الكذب في إقراره على نفسه، ولا تثبت عندهم بالبينة؛ لأنها نفي لشهادته، والبينة حجة للإثبات دون النفي، وقد تعارضت البينتان، فلا يعزر في تعارض البينتين، أو ظهور فسقه أو غلطه في الشهادة؛ لأن الفسق لا يمنع الصدق، والتعارض لا يعلم به كذب إحدى البينتين بعينها، والغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده فيعفى عنه66.

وقد قال الله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأحزاب: ٣].

الثاني: تثبت من جهة الواقع، وذلك بأن يشهد بما يقطع بكذبه: كأن يشهد على رجل بفعل في الشام في وقت، ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت في الحجاز، أو يشهد بقتل رجل وهو حي، أو أن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام، وسنها أقل من ذلك، أو يشهد على رجل أنه فعل شيئًا في وقت وقد مات قبل ذلك، أو لم يولد إلا بعده، وأشباه هذا، مما يتيقن بكذبه ويعلم تعمده لذلك، وإذا ثبت ذلك بالبينة فعليه العقوبة، سواء أكان ذلك قبل الحكم أم بعده.

الثالث: أن تقوم عليه البينة أنه شاهد زور، ذهب إلى ذلك الإمام ابن فرحون من المالكية والشيرازي من الشافعية67.

ثالثًا: عقوبة شاهد الزور:

اتفق الفقهاء على أن عقوبة شاهد الزور عقوبة تعزيرية، فمتى ثبت عند القاضي عن رجل أنه شهد بزور عمدًا عزره باتفاق الفقهاء؛ لأن الشريعة لم تقدر عقوبة محددة لشاهد الزور68، لكن اختلف الفقهاء في تفصيلات هذه العقوبة التعزيرية على أقوال:

القول الأول: قال الشافعية والحنابلة وبعض المالكية: «تأديب شاهد الزور مفوض إلى رأي الحاكم، إن رأى تعزيره بالجلد جلده، وإن رأى أن يحبسه، أو كشف رأسه وإهانته وتوبيخه فعل ذلك ولا يزيد في جلده على عشر جلدات»، وقال الشافعي: «لا يبلغ بالتعزير أربعين سوطًا»69.

القول الثاني: قال الإمام أبو يوسف، ومحمد بن الحسن وبعض المالكية: «إذا ثبت عند القاضي أو الحاكم عن رجل أنه شهد بالزور، عوقب بالسجن والضرب، ويطاف به في المجالس؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب شاهد زور أربعين سوطًا وسخم وجهه، والتسخيم هو: التسويد، وسخم وجهه: سوده وطلاه بالسخام، وهو سواد القدر والفحم، ويكون ذلك في التعزير عقوبة شاهد الزور»70.

ولما روي عن عمر رضي الله عنه أيضًا أنه كتب إلى عماله بالشام: «إذا أخذتم شاهد الزور فاجلدوه بضرب أربعين سوطًا وسخموا وجهه وطوفوا به حتى يعرفه الناس ويحلق رأسه ويطال حبسه؛ لأنه أتى كبيرة من الكبائر، يتعدى ضررها إلى العباد بإتلاف أنفسهم وأعراضهم وأموالهم»71.

قال الإمام ابن العربي: «ومن الوسم الصحيح في الوجه ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور علامة على قبح المعصية، وتشديدًا لمن يتعاطاها لغيره ممن يرجى تجنبه بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته. وقد كان عزيزًا بقول الحق، وقد صار مهينًا بالمعصية؛ وأعظم الإهانة إهانة الوجه، وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببًا لحياة الأبد، والتحريم له على النار؛ فإن الله قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، حسبما ثبت في الصحيح72»73.

القول الثالث: قال أبو حنيفة: «إذا أقر الشاهد أنه شهد زورًا: يشهر به في الأسواق إن كان سوقيًّا، أو بين قومه إن كان غير سوقي، وذلك بعد صلاة العصر في مكان تجمع الناس، ويقول المرسل معه: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه، وحذروه الناس، ولا يعزر بالضرب أو الحبس؛ لأن القاضي شريح كان يشهر شاهد الزور ولا يعزره، وكانت قضاياه لا تخفى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر؛ ولأن المقصود هو التوصل إلى الانزجار؛ وهو يحصل بالتشهير بل ربما يكون أعظم عند الناس من الضرب، فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر لكنه يقع مانعًا عن الرجوع فوجب التخفيف في ذلك؛ نظرًا إلى هذا الوجه»74.

والذي يظهر أن عقوبة شاهد الزور عقوبة تعزيرية مفوضة إلى رأي الحاكم، فله أن يحبسه طويلًا بحسب ما يراه الحاكم ويضربه، ولا يسخم وجهه؛ لأنه مثلة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة75، ولا يركبه مقلوبًا، ولا يكلف الشاهد أن ينادي على نفسه، وفي الجملة ليس في ذلك تقدير شرعي فللحاكم أن يفعل ما يراه ما لم يخرج إلى مخالفة نص أو معنى نص76.

ففي الآية وعيد على شهادة الزور، ولكن ليس في الآية ما يدل على تعزير شاهد الزور؛ لأنها اقتصرت على تحريم شهادة الزور. وإنما يعزر من قبيل المصلحة والسياسة الشرعية، التي للحاكم أن يسير على نهجها لحفظ الحقوق العامة، وردع أهل الفساد. وهذا رأي المالكية وأبي يوسف ومحمد77.

رابعًا: تضمين شهود الزور:

اتفق الفقهاء على تضمين شهود الزور، إن كان المحكوم به مالًا أو حقًّا لم يفت، وكذلك إن كان إتلافًا؛ لأن القاضي متى علم أن الشهود شهدوا بالزور: تبين أن الحكم كان باطلًا، ولزم نقضه وبطلان ما حكم به، ويضمن شهود الزور ما ترتب على شهادتهم، فإن كان المحكوم به مالًا أو حقًّا رده إلى صاحبه، وإن كان إتلافًا: فعلى الشهود ضمانه؛ لأنهم سبب إتلافه78، واختلفوا إن كان المحكوم به حدًّا أو قصاصًا على قولين هما:

القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة: إلى وجوب القصاص على شهود الزور إذا شهدوا على رجل بما يوجب قتله، كأن شهدوا عليه بقتل عمد عدوان أو بردة أو بزنى وهو محصن، فقتل الرجل بشهادتهما، ثم رجعا وأقرا بتعمد قتله، وقالا: تعمدنا الشهادة عليه بالزور؛ ليقتل أو يقطع: فيجب القصاص عليهما؛ لتعمد القتل بتزوير الشهادة، لما روى الشعبي: «أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطعه ثم عادا فقالا: أخطأنا، ليس هذا هو السارق، فقال علي: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما»، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة فيكون إجماعًا، وإنهما تسببا إلى قتله أو قطعه بما يفضي إليه غالبًا فلزمهما كالمكره79.

وكذلك الحكم إذا شهدوا زورًا بما يوجب القطع قصاصًا، فقطع أو في سرقة لزمهما القطع وإذا سرى أثر القطع إلى النفس فعليهما القصاص في النفس80.

القول الثاني: ذهب الحنفية والمالكية: إلى أن الواجب هو الدية لا القصاص؛ لأن القتل بشهادة الزور قتل بالسبب، والقتل تسببًا لا يساوي القتل مباشرة، ولذا قصر أثره، فوجبت به الدية لا القصاص عندهم81.

خامسًا: توبة شاهد الزور:

اختلف الفقهاء في قبول شهادة شاهد الزور بعد توبته على أقوال:

القول الأول: ذهب الحنفية إلى أنه إذا تاب شاهد الزور، وأتت على ذلك مدة، قيل: سنة، وقيل: ستة أشهر، والصحيح أنها مفوضة لرأي القاضي.

فإن كان فاسقًا تقبل شهادته؛ لأن الحامل له على الزور فسقه، وقد زال بالتوبة، وإن كان مستورًا لا يقبل أصلًا، وكذا إذا كان عدلًا، على رواية بشر عن أبي يوسف، لأن الحامل له على ذلك غير معلوم، فكان الحال قبل التوبة وبعدها سواء، وروى أبو جعفر أنها تقبل، قالوا: وعليه الفتوى.

القول الثاني: ذهب الشافعي وأحمد: تقبل شهادته إذا أتت على ذلك مدة تظهر فيها توبته، ويتبين فيها صدقه، وعدالته.

القول الثالث: قال مالك: «لا تقبل شهادته أبدًا؛ لأنه لا يؤمن على قول الصدق»82.

سادسًا: حكم التزوير في الوثائق:

الأصل في التزوير أنه محرم شرعًا بكل صوره ومعانيه، سواء أكان في الشهادة؛ لإبطال حق أو إثبات باطل، أو في المستندات والوثائق التقليدية أو الإلكترونية، والدليل على حرمته:

من الكتاب قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].

ومن السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين)، وجلس وكان متكئًا، ثم قال: (ألا وقول الزور). فما يزال يكررها حتى قلنا: ليته سكت83 84.

ولأن التزوير أساسه الكذب، والكذب محرم في الإسلام، والتزوير في مدلوله يعني: تغيير الحقيقة أيًّا كانت وسيلته، بالقول أم بالكتابة، فهو في جوهره كذب وفي مرماه اغتيال لعقيدة الغير؛ لأنه تحريف مفتعل للحقيقة في الواقع والبيانات التي يراد إثباتها بصكّ أو مخطوط يحتج بها، قد ينجم عنها ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي85.

أثر انتشار الزور على الفرد والمجتمع

إن لانتشار الزور بمفهومه العام آثارًا على الفرد والمجتمع، وهذه الآثار يمكن بيانها من خلال المحاور الرئيسة لمعنى الزور بمفهومه العام:

أولًا: انتشار الزور الذي بمعنى الشرك:

إن انتشار الزور الذي هو بمعنى الشرك بالله تعالى بكل صوره وأشكاله يؤدي إلى انتهاك حرمات الله تعالى، وأن ذلك يجعل الفرد مضطرب الفكر والعقل والجسم، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ) [الحج: ٣٠].

وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج: ٣١].

والمعنى: أي: اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان، وقول الشرك، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصًا دون الأوثان والأصنام، غير مشركين به شيئًا من دونه، فإنه من يشرك بالله شيئًا من دونه، فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه، مثل من خرّ من السماء فخطفته الطير فهلك، أو هوت به الريح في مكان سحيق، يعني: من بعيد86.

فقد ضرب للمشرك مثلًا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى، فقال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) ، أي: سقط منها (ﭞ ﭟ) أي: تقطعه الطيور في الهواء ( ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) أي: بعيد مهلك لمن هوى فيه87.

أي: إن المشرك يعيش في اضطراب عقدي ونفسي وجسمي، وهذا أثر بارز لانتشار الزور قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١١٦].

وقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].

ثانيًا: آثار انتشار الزور الذي بمعنى الكذب والافتراء على الله تعالى:

قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].

والآية تدل على أن عدم الهداية للخير والصواب والدين الحق من ثمار انتشار الزور، أي: إن الله لا يوفق للحق من هو متعد إلى فعل ما ليس له فعله، كذاب عليه يكذب، ويقول عليه الباطل وغير الحق، وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإسراف الذي ذكره المؤمن في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به الشرك، وأراد: إن الله لا يهدي من هو مشرك به مفتر عليه88.

والكذب هو: مخالفة القول للواقع، وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط، لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، وتوعّدتهم في الكتاب والسنة: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الجاثية: ٧]، وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النحل: ١٠٥].

والمعنى: إن الذين لا يؤمنون بحجج الله وأدلته، فيصدقون بما دلت عليه (ﭩ ﭪ ﭫ) [النحل: ١٠٤].

أي: لا يوفقهم الله لإصابة الحق، ولا يهديهم لسبيل الرشد في الدنيا، ولهم في الآخرة وعند الله إذا وردوا عليه يوم القيامة عذاب مؤلم موجع89.

والكذب باعث على سوء السمعة، وسقوط الكرامة، وانعدام الوثاقة، فلا يصدق الكذاب وإن نطق بالصدق، ولا تقبل شهادته، ولا يوثق بمواعيده وعهوده، ويضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، ويشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر.

والكذب هو الذي يؤثر سلبا في بنية المجتمع الأخلاقية والإنسانية، ويؤدي إلى تفكك أواصر العلاقات السليمة، ويلحق الأضرار الجسيمة والبالغة بالأفراد والمجتمع على حد سواء؛ منها ما يسبب إراقة وهدر الدماء ،وإزهاق النفوس، وهتك الأعراض ،وغمط الحقوق، وتدنيس الشرف، وانتهاك الحرمات، وأكل المال العام والخاص دون مبالاة أو اكتراث أو شعور بالمسئولية ،أو وخز الضمير بعد موته بالذنوب والآثام ،وأعظمها خطرًا الخلل والميلان بالميزان الاجتماعي واستقراره على قواعده الصحيحة.

ثالثًا: الزور الذي هو بمعنى شهادة الزور:

إن شهادة الزور جريمة خطيرة، وظلم سافر هدّام، تبعث على غمط الحقوق، واستلاب الأموال، وإشاعة الفوضى في المجتمع، بمساندة المجرمين على جرائم التدليس والابتزاز.

إن مقترف شهادة الزور، يسيء إلى نفسه إساءة كبرى بتعريضها إلى سخط اللّه تعالى، وعقوباته التي صورتها النصوص السالفة، ويسيء كذلك إلى من سانده ومالأه، بالحلف كذبًا، وبالشهادة زورًا، حيث شجّعه على بخس حقوق الناس، وابتزاز أموالهم، وهدر كراماتهم.

ويسيء كذلك إلى من اختلق عليه الشهادة المزورة، بخذلانه وإضاعة حقوقه، وإسقاط معنوياته، ويسيء إلى المجتمع عامة بإشاعة الفوضى والفساد فيه، وتحطيم قيمه الدينية والأخلاقية.

ويسيء إلى الشريعة الاسلامية بتحدّيها، ومخالفة دستورها المقدس، الذي يجب اتباعه وتطبيقه على كل مسلم، وأضرار شهادة الزور على الفرد والمجتمع يمكن تلخيصها فيما يأتي:

«أولًا: إن شهادة الزور من أكبر الكبائر وأعظم المصائب، حيث إن شاهد الزور يقف أمام القاضي بدون خجل ولا حياء، ويتهم بريئًا لم يقترف ذنبًا؛ لتوقع به العقوبة إثر شهادات مزيفة وأقوال مزورة. وهذا عمل يغضب الرب ويستحق صاحبه أن يعجل الله له العقوبة، فضلًا عن كونه عملًا منقصًا لإيمان عامله.

ثانيًا: إن شهادة الزور تتسبب في ضياع حقوق الناس زورًا وكذبًا، فالشاهد للزور أضاع حق المشهود عليه، وأثبت للمشهود له حقًّا ليس له بسبب شهادته الكاذبة.

ثالثًا: ما ينشأ عن شهادة الزور وقوله من فقدان العدالة؛ إذ سيترتب على ذلك ضياع الحقوق، وهنا ستطمس معالم العدالة، فكيف تكون هناك عدالة والحقوق مضيعة ومعطاة لغير أهلها.

رابعًا: قلب الحياة بشهادة الزور إلى شقاء وبلاء؛ إذ لا سعادة وهناء في مجتمع تضاع فيه الحقوق وينصر الظالم ويخذل المظلوم.

خامسًا: ما يترتب على شهادة الزور أو قوله أو فعله من جرائم لا تطاق ومظالم لا تحتمل كالقتل، والقطع، والجلد، وأخذ المال بالباطل.

سادسًا: تضليل القضاة والحكام والمسئولين، فيحكمون بخلاف الحق بسبب الشهادة الباطلة أو التزوير المكذوب.

سابعًا: ولو لم يكن في شهادة الزور إلا ما فيها من قلب للحقائق والموازين لكفى.

والتزوير والزور ليس مقصورًا على شهادة يدلي بها شاهد أمام قاض ونحوه فقط، بل هي أشمل وأعم؛ إذ يدخل فيها كل ما حمل معناها، فالتزوير في الأوراق والمعاملات الرسمية محرم، وهو من أعظم المصائب. وذلك كتزوير الأختام الرسمية لإحدى المصالح الحكومية أو المؤسسات أو الأفراد ،وكالتزوير الذي يرتكبه موظف أو غيره في المحاضر أو الوثائق أو السجلات أو السندات أو الأوراق الرسمية، سواء ، أكان ذلك بوضع توقيعات وأختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو التوقيعات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أشخاص آخرين كل هذه الأمور من المعاصي المحرمة شرعًا»90.

كما أن في شهادة الزور تعاونًا على الإثم والعدوان؛ لأنه تعاون على الباطل، والباطل في معاني الزور كما قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الفرقان: ٤].

ومن ذلك الإعانة على إقامة المنكر وما هو باطل أو التهيئة له، ومنه تكثير سواد أهل الباطل، فقد مدح الله عباد الرحمن فقال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الفرقان: ٧٢].

فالمفروض أن المؤمن يعرف خطورة إثم الزور قولًا وفعلًا وشهادةً، وضرر إشاعة الفاحشة بين المسلمين، ويعرف أن مصلحة المجتمع الإسلامي هي مصلحته، فلا يقدم على شهادة من هذا النوع في حق أخيه المسلم إلّا إذا كان على يقين منها، بحيث يعتقد أنه مؤاخذ عند الله إذا كتمها، في حين أن هذا لا يكون مؤكدًا من غير المسلم في حق المسلم91.


1 مقاييس اللغة ٣/٣٦.

2 انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس، الأنباري ١/٤٨٧.

3 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٣١٨، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٣٧، تاج العروس، الزبيدي ١١/٤٦٩.

4 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٧١١.

5 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٨٦، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٦٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٤٠٦.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٣٣٤.

7 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/١٤٧.

8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٧٠٤، المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٢٨.

9 مقاييس اللغة ٥/١٦٧.

10 التعريفات ص٧٤.

11 جامع البيان ١٩/٣١٤.

12 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٠٠٠.

13 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٤٨.

14 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٧.

15 انظر: تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٢٤٨.

16 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٥/١٥٤.

17 انظر: مقاليد العلوم، السيوطي ص ٢٠٧، الكليات، الكفوي ص ١٥٤، دستور العلماء، القاضي الأحمد نكري ١/٩٩.

18 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٩٣١.

19 انظر: الكليات، الكفوي ص ١٥٣.

20 انظر: التفسير الوسيط ٣/٢٧٠.

21 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٣٧.

22 تفسير القرآن العظيم ٦/٨٥.

23 مفاتيح الغيب ٢٤/٤٣٣.

24 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٧٢، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٤/٤٧٧.

25 تفسير المراغي ١٨/١٥٠.

26 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٢٥.

27 الكشاف، الزمخشري ٢/٧٢.

28 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٣٧.

29 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٢٥، النكت والعيون، الماوردي ٤/٢٢، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٧٠.

30 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤٨١.

31 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٤٨٥.

32 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٢٨، النكت والعيون، الماوردي ٥/٤٨٩، تفسير القرآن، السمعاني ٥/٣٨٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٧٠، تفسير المراغي ٢٨/٦.

33 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٣.

34 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٢٨، النكت والعيون، الماوردي ٥/٤٨٩، تفسير القرآن، السمعاني ٥/٣٨٣، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٢٤٧.

35 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/١٠٣.

36 جامع البيان ١٩/٣١٤.

37 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٧٧، تفسير الشعراوي ١٧/١٠٥١٧.

38 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٢٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٧٩.

39 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٧.

40 أخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم ٦٧٠٨، ٦/٢٥٧، والحاكم في المستدرك رقم ٧٧٧٩، ٤/٣٢٠.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٥٠٦، ٢/١١٠٩.

41 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١١٨.

42 انظر: تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٦٦.

43 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور، ٣/٣٠٥، رقم ٣٥٩٩، والترمذي في سننه، أبواب الشهادات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في شهادة الزور، ٤/٥٤٧، رقم ٢٢٩٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام، باب شهادة الزور، ٢/٧٩٤، رقم ٢٣٧٢.

ضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/٤٦٠، والألباني في الجامع الصغير وزيادته، رقم ٦٣٨٧.

44 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٢٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٥٥.

45 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، رقم ٥٩٧٦، ٨/٤.

46 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٣٩.

47 المنار، محمد رشيد رضا ٧/٥٤.

48 انظر: أضواء البيان ٥/٢٥٥.

49 سبق تخريجه قريبًا.

50 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٢٥٦.

51 التفسير الحديث ، محمد دروزة ٦/٤٦.

52 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/٣٤.

53 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٣٩٩.

54 انظر: الفائق في غريب الحديث، الزمخشري ٢/٢٦٤.

55 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٨/١٣.

56 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٤٧، البحر المحيط، أبو حيان ٨/١٣٢.

57 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٨٩.

58 أخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم ٦٧٠٨، ٦/٢٥٧، والحاكم في المستدرك رقم ٧٧٧٩، ٤/٣٢٠.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٥٠٦، ٢/١١٠٩.

59 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١١٨.

60 في ظلال القرآن ٥/٢٥٨٠.

61 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٢٤٨، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٢٥

62 أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، ٣/١٧١، رقم ٢٦٥٤.

63 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور، ٣/٣٠٥، رقم ٣٥٩٩، والترمذي في سننه، أبواب الشهادات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في شهادة الزور، ٤/٥٤٧، رقم ٢٢٩٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام، باب شهادة الزور، ٢/٧٩٤، رقم ٢٣٧٢.

ضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/٤٦٠، والألباني في الجامع الصغير وزيادته، رقم ٦٣٨٧.

64 انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ٥/٣٩١.

65 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٦٠٣، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/١١٢.

66 انظر: المبسوط، السرخسي ١٦/١٤٥، مواهب الجليل، الحطاب ٦/١٢٢، روضة الطالبين، النووي ١١/١٤٥، المغني، ابن قدامة ١٠/٢٣٣.

67 انظر: تبصرة الحكام ، ابن فرحون ٢/٣٠٥، المهذب في فقه الإمام الشافعي ، الشيرازي ٣/٤٤٤.

68 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٨٩، مواهب الجليل، الحطاب ٦/١٢٢، نهاية المطلب، الجويني ١٨/٥٨٠، روضة الطالبين، النووي ١١/١٤٥، المغني، ابن قدامة ١٠/٢٣٢.

69 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/١٥١، معالم التنزيل، البغوي ٣/٤٥٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٥٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٨٠، مواهب الجليل، الحطاب ٦/١٢٢، روضة الطالبين، النووي ١١/١٤٥.

70 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٨٣، تاج العروس، الزبيدي٣٢/٣٥٥، معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي ص١٣٠.

71 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٨٩، البحر الرائق، ابن نجيم ٧/١٢٧، القوانين الفقهية، ابن جزي ص٢٠٣، الشرح الكبير، الدردير وحاشية الدسوقي ٤/١٤١.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الصراط جسر جهنم، رقم ٦٥٧٣، ٨/١١٧.

73 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٣٠٧.

74 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٥/٧٧، بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٨٩.

75 أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب قصة عكل وعرينة، ٥/١٢٩، رقم ٤١٩٢.

76 انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/٢٤٢، مواهب الجليل، الحطاب ٦/١٢٢، تبصرة الحكام، ابن فرحون ٢/٢٩١، المغني، ابن قدامة ١٠/٢٣٣.

77 التفسير المنير، الزحيلي ١٧/٢١٢.

78 انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/٢٤٥، حاشية ابن عابدين رد المحتار على الدر المختار ٥/٥٠٤، البيان والتحصيل، ابن رشد ١٠/٧، القوانين الفقهية، ابن جزي ص٢٠٦، تحفة المحتاج، ابن حجر الهيتمي ١٠/٢٨١، شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/٦٠٧.

79 انظر: نهاية المطلب، الجويني ١٦/١٦٩، كشاف القناع، البهوتي ٦/٨٦.

80 انظر: روضة الطالبين، النووي١١/٩٩ كشاف القناع، البهوتي ٦/٤٤٣.

81 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٦/٢٨٥، البحر الرائق، ابن نجيم ٧/١٢٨

82 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٤/١٢١، أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٠١، ا البيان والتحصيل، ابن رشد١٠/٢٢٤، تحفة المحتاج، ابن حجر الهيتمي ١٠/٢٤١.

83 أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، ٣/١٧١، رقم ٢٦٥٤.

84 انظر: المغني، ابن قدامة ١٠/٢٣١.

85 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ١٠/٢٠٣.

86 جامع البيان، الطبري ١٨/٦٢٠.

87 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٦٩.

88 جامع البيان، الطبري ٢٠/٣١٣.

89 المصدر السابق ١٧/٣٠٢.

90 انظر: مقال: التزوير مضاره وآثاره السيئة، د.عقيل بن عبدالرحمن العقيل، منشور في: جريدة الرياض الإلكترونية العدد ١٣٨٣٦ بتاريخ الجمعة ١٤ ربيع الآخر ١٤٢٧هـ-١٢ مايو ٢٠٠٦م.

91 انظر: التفسير الحديث، محمد عزت دروزة ٨/٥٣.