عناصر الموضوع
الوسائل الوقائية من الوقوع في الزنا
أساليب القرآن في النهي عن الزنا
الزّنا
أولًا: المعنى اللغوي:
تطلق مادة (ز ن ي) على معانٍ مختلفة غير متداخلة1.
وأشهر معانيها الفاحشة المعروفة، والزّنا يمدّ ويقصر، يقال: زنى يزني زنًا وزناءً، والنسبة إلى المقصور زِنَوِيٌّ، وإلى الممدود زِنائِيٌّ. والمرأة تزاني مزاناةً وزناء أي:تباغي2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
هو الوطء في قبلٍ خالٍ عن ملكٍ وشبهةٍ3،أو من غير نكاح ولا شبهة نكاح4، أو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعًا محرم قطعًا5.
ويعرّفه القرطبي فيقول: «هو اسم لوطء الرّجل امرأةً في فرجها من غير نكاحٍ ولا شبهة نكاحٍ بمطاوعتها. أو: هو إدخال فرجٍ في فرجٍ مشتهًى طبعًا محرّمٍ شرعًا، فإذا كان ذلك وجب الحد»6.
وردت مادة (زني) في القرآن الكريم (٩) مرات7.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الفرقان:٦٨] |
المصدر |
١ |
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢] |
اسم الفاعل |
٦ |
(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النور:٢] |
وجاء الزنا في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي والشرعي، وهو: وطء المرأة من غير عقدٍ شرعيٍّ وملك يمينٍ8.
البغاء:
البغاء لغةً:
مصدر بغت المرأة بغاء: زنت، والبغاء جمع بغي، ولا يقال بغية، وبغت الأمة: عهرت وزنت، أو فجرت، وقيل: البغيّ: الأمة، فاجرة كانت أو غير فاجرة، وقيل: البغيّ أيضًا: الفاجرة، حرة كانت أو أمة، وقال الأزهريّ: ومعنى البغي قصد الفساد9.
البغاء اصطلاحًا:
«وهو الزنا» 10، أو «هو طلب المرأة للزنا» 11 أو «الفجور»12.
الصلة بين البغاء والزنا:
البغاء وقوع في فاحشة الزنا، والزنا من الفجور13.
العفّة:
العفّة لغةً:
قال ابن منظور(( العفّة: الكفّ عما لا يحلّ ويجمل))14.
العفة اصطلاحًا:
قال الراغب: «العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر»15.
الصلة بين العفّة والزنا:
العفّة عن الزنا: هو ألا يكون قد وطء في عمره وطًا حرامًا، في غير ملك، ولا نكاح أصلًا، ولا في نكاح فاسد فسادًا مجمعًا عليه في عهد السلف16.
الزواج:
الزواج لغةً:
(زوج) الزّاء والواو والجيم أصلٌ يدلّ على مقارنة شيءٍ لشيءٍ، من ذلك الزّوج زوج المرأة، والمرأة زوج بعلها، وهو الفصيح، ويقال: لفلانٍ زوجان من الحمام، يعني ذكرًا وأنثى17.
الزواج اصطلاحًا:
هو عقد يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر وائتناسه به طلبًا للنسل على الوجه المشروع، أو هو عقد يرد على ملك المتعة قصدًا18، أو هو عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع19.
الصلة بين الزنا والزواج:
قال الشافعيّ رحمه الله: (ووجدت اللّه تعالى حرم الزنا)) ، فقال المحاور: أجد جماعًا وجماعًا، فأقيس أحد الجماعين بالآخر، فقال الشافعي: «فقد وجدت جماعًا حلالًا حمدت به، ووجدت جماعًا حرامًا رجمت به»20، فالزواج جماع يحمد الإنسان ويؤجر به، والزنا جماع يجلد أو يرجم به.
حرّم الله الزنى لعظيم ما فيه من المفاسد والشرور، فقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢].
فهو اعتداء على أعراض المسلمين، حيث يفسد نساء المسلمين ورجالاتهم، إذ إنه من أعظم الذنوب التي تفسد المجتمعات، وتدمر الأخلاق والقيم، وما فشا في أمّة إلا ذهب حياؤها وسقطت مروءتها، وأصبحت كالبهائم لا ترعى حرمة ولا تحفظ ذمة، كما أنه ترجّح على غيره من الفواحش لما فيه من تضييع حرمة الحقّ، وهتك حرمة الخلق، ثم لما فيه من الإخلال بالنّسب، وإفساد ذات البين من مقتضى الأنفة والغضب21.
وإنّ هذه الأضرار التي تعارف الناس على أن يذكروها عند الكلام عن هذه الجريمة، من اختلاط الأنساب، وإثارة الأحقاد، وتهديد البيوت الآمنة المطمئنة، كل واحد من هذه الأسباب يكفي لتحريم الزنا، ولكنّ السبب الأول وهو دفع النكسة الحيوانية عن الفطرة البشرية، ووقاية الآداب الإنسانية التي تجمعت حول الجنس، والمحافظة على أهداف الحياة العليا من الحياة الزوجية المشتركة القائمة على أساس الدوام والامتداد، هذا السبب هو الأهم، وهو الجامع لكل الأسباب الفرعية الأخرى22.
ويمكن أن نجمل هذه الأسباب بما يلي:
أولها: اختلاط الأنساب واشتباهها فلا يعرف الإنسان أن الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أو من غيره، فلا يقوم بتربيته ولا يستمر في تعهده، وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النسل وخراب العالم23.
وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها بأقوم الطرق وأعدلها، ولذلك لما حرم الزنى أوجب فيه الحد الرادع، وأوجب العدة على النساء عند المفارقة بطلاق أو موت، لئلا يختلط ماء رجل بماء آخر في رحم امرأة محافظة على الأنساب، فقال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النور:٢].
وقال تعالى في إيجاب العدة: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:٢٢٨].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [البقرة:٢٣٤].
ولأجل المحافظة على النسب منع سقي زرع الرجل بماء غيره، فمنع نكاح الحامل حتى تضع، قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الطلاق:٤]24.
ثانيها: إذا لم يوجد سبب شرعي لأجله يكون هذا الرجل أولى بهذه المرأة من غيره لم يبق في حصول ذلك الاختصاص إلا التواثب والتقاتل، وذلك يفضي إلى فتح باب الهرج والمرج والمقاتلة، وكم سمعنا وقوع القتل الذريع بسبب إقدام المرأة الواحدة على الزنا25.
كما أنه إذا انفتح باب الزنا فحينئذ لا يبقى لرجل اختصاص بامرأة، وكل رجل يمكنه التواثب على كل امرأة شاءت وأرادت، وحينئذ لا يبقى بين نوع الإنسان وبين سائر البهائم فرق في هذا الباب26.
ولم يخلق الله الناس لهذا الهدف، بل جعلهم ذكرًا وأنثى ليتعارفوا، فقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الحجرات:١٣].
ثالثها: أن المرأة إذا باشرت الزنا وتمرنت عليه يستقذرها كل طبع سليم، وكل خاطر مستقيم، وحينئذ لا تحصل الألفة والمحبة ولا يتم السكن والازدواج، الذي جعله الله مودة ورحمة بين الناس بقوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[الروم:٢١]27.
لأنه ليس المقصود من المرأة مجرد قضاء الشهوة بل أن تصير شريكة للرجل في ترتيب المنزل وإعداد مهماته من المطعوم والمشروب والملبوس، وأن تكون ربة البيت وحافظة للباب وأن تكون قائمة بأمور الأولاد والعبيد، وهذه المهمات لا تتم إلا إذا كانت مقصورة الهمة على هذا الرجل الواحد منقطعة الطمع عن سائر الرجال، وذلك لا يحصل إلا بتحريم الزنا وسد هذا الباب بالكلية28.
رابعها: موافقة هذا التحريم للعقل والفطرة التي فطر الله الناس عليها: في تسمية الله للزنا بالفاحشة إنما يستفحش في الشرع والعقل، والفطر، لتضمنه التجرؤ على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد29.
ومما يدل على قبحه عند العقل السليم والطبع القويم قبل ورود النهي عنه، ما روي عن عثمان بن عفان أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل دم امرىء مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل زنى وهو محصن فرجم أو رجل قتل نفسًا بغير نفس، أو رجل ارتد بعد إسلامه)، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت نفسًا مسلمة، ولا ارتددت منذ أسلمت30.
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الخيل له من طريق الأوزاعي أن مهرًا أنزي على أمه فامتنع فأدخلت في بيت وجللت بكساء وانزي عليها فنزى فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله31.
فإذا المهر غار على عرضه، واستقبح الزنا فأولى بالإنسان أن يغار على عرضه32.
خامسها: وقاية الإنسان من أمراض خطيرة سببها الاتصال الجنسي غير المنظم، ويؤكد هذا ما ظهر أخيرًا من انتشار مرض فقد المناعة المعروف بالإيدز، ويلتقي مع الحديث الشريف حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)33.
سادسها: إن الأرواح الإنسانية كريمة الجوهرة لأنها من عالم النور؛ فقد خلقت من نفخ الملك، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيح: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح)34.
ولذا أضافها الله تعالى إلى نفسه في معرض الامتنان، في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [السجدة:٩].
وما يطرأ عليها بعد اتصالها بالبدن من تزكية ترقى بها في معارج الكمال، أو تدسية تنحط بها إلى أسفل سافلين، حيث يتكون هذا المخلوق العظيم العجيب المسمى بالإنسان الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض ليعمرها، ويستثمرها ويعبرها إلى دار الكمال الحق، والحياة الدائمة الأبدية، هذه النفوس البشرية جاءت الشرائع السماوية كلها بإيجاب حفظها، فكان حفظها أصلًا قطعيا، وكلية عامة في الدين، وفي الزنا إراقة للنطفة، وسفح لها في غير محلها، فلو كان منها ولد لكان مقطوع النسب، مقطوع الصلة، ساقط الحق، فمن تسبب في وجوده على هذه الحالة فكأنه قتله، ولهذا بعدما نهى عن قتلهم نهى عن الزنا الذي هو كقتلهم، لأنه سبب غير مشروع لوجودهم35.
لذلك كله نجد أن الله تعالى وصف الزنا بصفتين: الأولى أنه فاحشة، والثانية أنه ساء سبيلًا، أما كونه فاحشة فهو إشارة إلى اشتماله على فساد الأنساب الموجبة لخراب العالم واشتماله على التقاتل والتواثب على الفروج وهو أيضًايوجب خراب العالم، وأما أنه ساء سبيلًا، فهو أنه لا يبقى فرق بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكران بالإناث، وأيضًا يبقى ذل هذا العمل وعيبه وعاره على المرأة من غير أن يصير مجبورًا بشيء من المنافع36.
ولهذا لما نهى الله عنها ساقها مع النهي عن الشرك بالله و النهي عن قتل النفس بغير حق فقال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الفرقان:٦٨-٧٠].
وجعل جزاء ذلك: الخلود في النار في العذاب المضاعف المهين، ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة، والإيمان، والعمل الصالح، وقال الإمام أحمد: «ولا أعلم بعد قتل النفس شيئًا أعظم من الزنا».
ومما ينبغي ملاحظته أن كل الأديان حرّمته لخطورة آثاره، حتى القوانين الوضعية لم تبحه على إطلاقه، ولذلك جاءت عقوبته قاسية، وقد وردت الآيات الدالة على تحريم الزنا مطلقة من غير تخصيص على تحريم الزنا بالمسلمات فقط، أو تحريمه في مكان دون آخر، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله : «الإسلام ملزم للمسلم حيثما كان، بوجوب تطبيق أحكامه وأداء فرائضه من عبادات وواجبات، وهي لا تسقط إذا كان في بلاد الكفار أو غيرها من الديار، ما دام حيًا عاقلًا مختارًا» 37.
لما قال الله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢]كان النهي أبلغ من قوله : لا تزنوا، ذلك أن النهي عن الاقتراب يقتضي النهي عن أسبابه ومقدماته ودواعيه.
الأسباب و المقدمات لجريمة الزنا:
١. إطلاق النظر.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور:٣٠-٣١].
فإطلاق النظر هو النافذة الكبيرة والخطوة الرئيسة في الزنا، فعن بعض السّلف قال: «إن النّظر يزرع الشّهوة في القلب، ورب شهوة أورثت حزنا طويلًا». وعن خالد بن أبي عمران أنه قال: «إن الرجل لينظر نظرة فينغل قلبه، كما ينغل الأديم، فيفسد قلبه حتّى لا ينتفع به»38.
والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسّ إليه، وبحسب ذلك كثر السّقوط من جهته، ووجب التّحذير منه، وغضّه واجبٌ عن جميع المحرّمات، وكلّ ما يخشى الفتنة من أجله.
وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إيّاكم والجلوس بالطّرقات) فقالوا: يا رسول اللّه، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدّث فيها، فقال: (إذا أبيتم إلّا المجلس، فأعطوا الطّريق حقّه) قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول اللّه؟ قال: (غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر)39.
وقال صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: (لا تتبع النّظرة النّظرة فإنّما لك الأولى وليست لك الثّانية)40.
كما أن من مضار إطلاق البصر أنه يفسد القلب والخلق ، ويحدث لوعة القلب ، وهياج الشّوق فيجرّ إلى الحرام، كما أنه يورث قلّة الحياء وفقد الحشمة41.
٢. التبرج ونزع الحجاب.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النور:٣١].
إذا نزعت المرأة حجابها، وعرضت مفاتنها، وهتكت عرض زوجها وأهلها، ثم خرجت تبيع الفتنة بلا ثمن، أوقعت في حبائلها المنخدعين والشهوانيين ممن لا يخافون الله، فتنتشر جريمة الزنا، فنهى الله المرأة أن تبدي من زينتها ومحاسنها ما يجب عليها ستره، مما تستدعي به شهوة الرجل42.
كما أنه أمرهن أن يضربن بخمرهن على جيبوهن (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة سدلنها من وراء الظهر، كما يصنع النبط فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك فأمر الله تعالى بضرب الخمار على الجيوب وهيئة ذلك يستر جميع ما ذكر43.
٣. الخضوع بالقول.
يقول تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)[الأحزاب:٣٢].
أي: فلا ترفقن بالقول عند الرجال فيطمع في الخيانة الذي في قلبه مرض، أي: شهوة الزنا، وقلن قولًا معروفًا، أي: حسنًا مع كونه خشنًا، فينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع اللين الذي يثير شهوات الرجال، ويطمع مرضى القلوب44.
وقيل: وصفهم بذلك لأنهم يشتهون إتيان الفواحش، لضعف إيمانهم، أو نفاقهم، فهو يستخف بحدود الله، و يتهاون بإتيان الفواحش45.
٤. عدم التلبس بلباس التقوى.
يقول الله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأعراف:٢٦].
(ﭾ ﭿ): الإيمان، (ﮀ ﮁ)، يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم46.
والتقوى جلباب ورداء ستر عليه خيمة تحترز بها من كل معصية، فإذا خرج الإنسان من هذا الرداء أو من هذا اللباس، وقع وسقط، قال عبد الرحمن بن أسلم: «يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى».
فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة وبين التقوى، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وعن شعور التقوى لله، ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة 47.
٥. إلغاء العقوبة الشرعية.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور:٢].
إن العقوبة الشرعية المقررة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني والزانية رادعة وزاجرة للزاني نفسه ، ولكل من تسول له نفسه القيام بهذه الفعلة النكراء، وبيان ذلك في المباحث القادمة، وفي كثيرٍ من بلاد المسلمين أسقطت هذه العقوبة فاعتبر الموضوع بسيطًا، فكان مدعاة لانتشار هذه الجريمة، ومما يجدر ذكره أن العالم الغربي يحارب الإسلام في نظام عقوباته، فيدعي أن هذه العقوبات قاسية ويحارب تطبيقها، ومن يتزعم هذه الحملات غالبًا هم اليهود، مع أن التوراة نفسها شرعت على هذه الجريمة عقوبات جسدية كالقتل والتحريق والرجم بالحجارة، إضافة إلى عقوبات معنوية وهي أن الزانية تعتبر ذليلة ورذيلة وخارجة من جماعة الرب48.
٦. تحديد الزواج بواحدة.
يقول الله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء:٤].
يروج أعداء الإسلام، ويشنون حربًا ضروسًا على تعدد الزوجات، وهم بهذا يريدون أن يضيقوا واسعًا، وأن يعرضوا العديد من الفتيات اللائي بالإمكان أن يستوعبوهن عن طريق التعدد للفساد والفتن، وقد تصاب المرأة بالبرود الجنسي ولا سيما عقب بلوغ سن اليأس أو قبله بسبب مرض، وقد يكون الرجل ذا قدرة جنسية زائدة، فلا يكتفي بامرأة واحدة، فيكون اللجوء للتزوج بثانية، حاجزًا له عن الوقوع في الزنى الذي يضيّع الدّين والمال والصّحة، ويسيء إلى السّمعة 49.
٧. تأخير الزواج، ووضع العراقيل أمامه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور:٣٢].
إن تعقيد الشباب من الزواج المبكر، ووضع العراقيل أمامهم من غلاء المهور وزيادة التبعات، من أهم أسباب شيوع هذه الفاحشة، والله عز وجل أمر بعون الأيامى على الزواج واعتبر ذلك من واجبات ولي الأمر كما في الآية، وكما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج)50.
٨. خروج المرأة من بيتها لغير حاجة.
من التدابير أيضًا التي شرعها الله للنساء القرار في البيوت، وقد قال الله عز وجل: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأحزاب:٣٣].
قرئ بكسر القاف، من الوقار أو القرار في الموضع، وأما القراءة بالفتح51، فمن القرار في الموضع، وهو الأرجح، لأن سودة رضي الله عنها قيل لها : لم لا تخرجين؟ فقالت: «أمرنا الله بأن نقرّ في بيوتنا»52.
وهو أمرٌ لهنّ من الوقار والقرار جميعًا53، أي: لا تتكسّرن ولا تتغنّجن.
ويحتمل أن يكون المراد لا تظهرن زينتكن54.
وعن قتادة :(( إذا خرجتن من بيوتكن، قال:كانت لهن مشية وتكسر وتغنج وتبختر، يعني بذلك الجاهلية الأولى، فنهاهن الله عن ذلك)).
وقيل التبرج: هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنها للرجال55، أو أنها تلقي الخمار عن رأسها ولا تشده فيرى قرطها وقلائدها، والجاهلية الأولى: قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم.
أمرهن أيضًا بالعفة، وأمر بضرب الحجاب عليهن، (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأحزاب:٣٣].
يعني الإثم الذي نهاهن عنه في هذه الآيات.
الوسائل الوقائية من الوقوع في الزنا
حدّ الله عز وجل حدودًا وشرع عقابًا رادعًا وزاجرًا لكل جريمة، يتناسب مع طبيعة هذه الجريمة كمًا وكيفًا
، ذلك أن الله عز وجل حفظ على المسلم نفسه وماله وعرضه، فما كان فيه تعد على أيٍّ منها كانت العقوبة، وإن العظمة في التشريع الإسلامي أنه وضع العلاجات الوقائية للجريمة المانعة من وقوعها، قبل أن تقع، ولذلك لما حرم الله هذه الجريمة النكراء الزنا ، فقال تعالى : (ﮊ ﮋ ﮌ) [الإسراء:٣٢]. نهى عن مقدماتها وكل ما يؤدي إلى الوقوع فيها56.
وفيما يلي أمور وقائية لعلاج هذه الجريمة:
١. إقامة حد الزنا.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور:٢].
إن الحد عقوبة تجمع بين الإيلام الخفيف والاستصلاح، أما الإيلام فلقوله تعالى: (ﭲ ﭳ) فسميت العقوبة عذابًا، ويراد من هذه العقوبة أيضًا الزجر والإصلاح لأنه يمكن أن يراد من العذاب: ما يمنع المعاودة كالنكال، فيكون الغرض منه الاستصلاح57.
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) أي: ليكون عليهم أشدّ، وليكون تخويفًا لمتعاطي ذلك الفعل، ثم من حقّ الذين يشهدون ذلك الموضع أن يتذكروا عظيم نعمة الله عليهم أنهم لم يفعلوا مثله، وكيف عصمهم من ذلك، وإن جرى منهم شيء من ذلك يذكروا عظيم نعمة الله عليهم كيف ستر عليهم ولم يفضحهم، ولم يقمهم في الموضع الذي أقام فيه هذا المبتلى به58.
كان حد الزانيين في أول الإسلام ما جاء في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النساء:١٥-١٦].
فكان حد المرأة الحبس في البيت والأذى بالتعيير، وكان حد الرجل الأذى بالتعيير، إلى أن جعل الله لهن سبيلًا، فأصبح الجلد هو حد البكر من الرجال والنساء، وهو الذي لم يحصن بالزواج، ويوقع عليه متى كان مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا، وأما المحصن وهو من سبق له الوطء في نكاح صحيح وهو مسلم حر بالغ فحده الرجم، وقد ثبت الرجم بالسنة، وثبت الجلد بالقرآن، ولما كان النص القرآني مجملًا وعامًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم الزانيين المحصنين.
فقد تبين من هذا أن الجلد خاص بغير المحصن، وحديث عبادة بن الصامت: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب جلد مائة ورجمها بالحجارة)59.
وهناك خلاف فقهي حول الجمع بين الجلد والرجم للمحصن، والجمهور على أنه لا يجمع بين الجلد والرجم، كما أن هناك خلافًا فقهيًا حول تغريب الزاني غير المحصن مع جلده، وحول حد الزاني غير الحر، وهو خلاف طويل لا ندخل في تفصيله هنا، يطلب في موضعه من كتب الفقه، إنما نمضي نحن مع حكمة هذا التشريع، فنرى أن عقوبة المحصن هي الرجم، ذلك أنه قد عرف الطريق الصحيح النظيف وجرّبه، فعدوله عنه إلى الزنا يشي بفساد فطرته وانحرافها، فهو جدير بتشديد العقوبة، بخلاف البكر الغفل، الذي قد يندفع تحت ضغط الميل وهو غرير، كما أن هناك فارق آخر في طبيعة الفعل، فالمحصن ذو تجربة فيه تجعله يتذوقه ويستجيب له بدرجة أعمق مما يتذوقه البكر، فهو حري بعقوبة أشد، والقرآن حين يذكر حد البكر يشدد في الأخذ به، دون تسامح ولا هوادة60.
وإن تقديم الزانية على الزاني: لأن الزنى في الأغلب يكون بتعرض المرأة للرجل وعرض نفسها عليه بأساليب متنوعة، كما أن مفسدة الزنى وعاره يصيبها أكثر من الرجل، فهي المادة الأصلية في الزنى61.
٢. المنع من إنكاح الزاني، ونكاح الزانية.
يقول الله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النور:٣].
عن عبد الله بن عمرو قال: كانت امرأة يقال لها أم مهزول (أو أم مهدون) وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فأنزل الله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) 62.
ومما ذكره الواحدي في سبب نزولها: «أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه، كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي، يقال لها عناق، وكانت صديقته، قال: فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النور:٣].
فقرأ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تنكحها)»63.
وقد تكون الآية نزلت في مرثد المذكور، أو في جماعة من فقراء المهاجرين، استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في التزوج ببغايا من الكتابيات والإماء اللائي كن بالمدينة، فأنزل الله فيهم هذه الآية64.
وظاهر الآية وهذه الروايات تفيد تحريم العفيفة على الزاني، والزانية على العفيف ونكاح المؤمن للزانية ما لم تتب، ونكاح المؤمنة للزاني كذلك65.
وعن الشّعبيّ، قال: «من زوّج كريمته من فاسقٍ فقد قطع رحمها»66.
والمسألة خلافية تطلب في كتب الفقه، وعلى أية حال فهي فعلة تعزل فاعلها عن الجماعة المسلمة وتقطع ما بينه وبينها من روابط، وهذه وحدها عقوبة اجتماعية أليمة كعقوبة الجلد أو أشد وقعًا67.
والمعنى: أن غالب الزناة لا يرغب إلا في الزواج بزانية مثله، وغالب الزواني لا يرغبن إلا في الزواج بزان مثلهن، والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا، وسبب النزول يشهد له68.
ويقول الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النور:٢٦].
«أكثر المفسرين على أن الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات، وكذا الطيبات من القول للطيبين من الناس، وقال الزجاج: ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء»69.
وذكر أكثر من مفسر أن: النساء الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون للخبيثات، وكذا الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، وهو الظاهر70.
والطّيّبات من الأشخاص هن: المبرّءات من التعريج في أوطان الشهوات، والطيبون من الرجال: الذين هم قائمون بحقّ الحقّ لا يصحبون الخلق إلا للتعفّف، دون استجلاب الشهوات71.
وقيل: الخبيث من الرجال عبد الله بن أبي بن سلول كلامه في عائشة، والخبيثات من النساء أهل بيته، والطيبات هي عائشة من النساء وأمثالها، والطيبون النبي وقومه72.
٣. إقامة حد القذف.
يقول الله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النور:٤-٥].
الرّمي بالزّنا73، أو قذفهن بالزنى74.
ويقول تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النور:٢٣].
والمحصنات يراد بهن هنا : العفائف، والعفة أعلى معاني الإحصان إذ في طيه الإسلام75.
وخصهن بالذكر لأن قذفهن أكثر وأشنع من قذف الرجال، ودخل الرجال في ذلك بالمعنى إذ لا فرق بينهم، وأجمع العلماء على أن حكم الرجال والنساء هنا واحد76.
«إنّ ترك الألسنة تلقي التهم على المحصنات بدون دليل قاطع، يترك المجال فسيحًا لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئًا بتلك التهمة النكراء ثم يمضي آمنًا! فتصبح الجماعة وتمسي، وإذ أعراضها مجرحة، وسمعتها ملوثة وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام، وإذا كل زوج فيها شاك في زوجه، وكل رجل فيها شاك في أصله، وكل بيت فيها مهدد بالانهيار، وهي حالة من الشك والقلق والريبة لا تطاق، ذلك إلى أن اطراد سماع التهم يوحي إلى النفوس المتحرجة من ارتكاب الفعلة أن جو الجماعة كله ملوث وأن الفعلة فيها شائعة فيقدم عليها من كان يتحرج منها، وتهون في حسه بشاعتها بكثرة تردادها، وشعوره بأن كثيرين غيره يأتونها!
ومن ثم لا تجدي عقوبة الزنا في منع وقوعه، والجماعة تمسي وتصبح وهي تتنفس في ذلك الجو الملوث الموحي بارتكاب الفحشاء، لهذا وصيانة للأعراض من التهجم، وحماية لأصحابها من الآلام الفظيعة التي تصب عليهم، شدد القرآن الكريم في عقوبة القذف، فجعلها قريبة من عقوبة الزنا ثمانين جلدة، مع إسقاط الشهادة، والوصم بالفسق، والعقوبة الأولى جسدية، والثانية أدبية في وسط الجماعة، ويكفي أن يهدر قول القاذف فلا يؤخذ له بشهادة، وأن يسقط اعتباره بين الناس ويمشي بينهم متهمًا لا يوثق له بكلام! والثالثة دينية فهو منحرف عن الإيمان خارج عن طريقه المستقيم، فيوصف بالفسق، ذلك إلا أن يأتي القاذف بأربعة يشهدون برؤية الفعل، أو بثلاثة معه إن كان قد رآه. فيكون قوله إذن صحيحًا، ويوقع حد الزنا على صاحب الفعلة» 77.
٤. مشروعية الاستئذان.
يقول الله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٢٧].
بعد بيان حكم قذف المحصنات وقصة أهل الإفك، ذكر الله تعالى ما يليق بذلك، وهو آداب الدخول إلى البيوت من الاستئذان والسلام، منعًا من الوقوع في التهمة، باقتحام البيوت دون إذن والتسلل إليها، أو حدوث الخلوة التي هي مظنة التهمة أو طريق التهمة التي تذرع بها أهل الإفك للوصول إلى بهتانهم وافترائهم، ومراعاة لأحوال الناس رجالًا ونساءً، الذين لا يريدون لأحد الاطلاع عليها، ولأن النظر والاطلاع على العورات طريق الزنى78.
كان التشريع لا تدخلوا بيوتًا غيركم حتى يؤذن لكم، وحتى تسلموا على أهل البيت، حتى لا تنظروا إلى عورات غيركم، أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن امراً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بعصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح)79.
ويروى أنّ أبا موسى الأشعري أتى منزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر: واحدة، فقال أبو موسى: السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر: ثنتان، قال أبو موسى: السلام عليكم أأدخل؟ ومرّ، فوجّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلفه من ردّه فسأله عن صنيعه فقال: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع) 80، فقال عمر: لتأتيني بالبيّنة أو لأعاقبنّك، فانطلق أبو موسى فأتاه بمن سمع ذلك معه 81.
ويقول تعالى أيضًا: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النور:٥٨-٦٠].
وهذه الآية فيها بيان استئذان الذين يعيشون في دار واحدة لبعضهم من بعض، فذكر سبحانه وتعالى وجوب الاستئذان في ثلاثة أوقات، هذه الأوقات هي أوقات التجرد من الثياب وكون الناس يكونون في حال لا يرغبون أن يراهم فيها أحد، و بعد هذه الأوقات التي تكون مظنة كشف العورات إشارة إلى أن الإثم يلحق الذين يكشفون عوراتهم ولا يتخذون الأستار، وقاية من أن تنالها الأعين ولو كانت بريئة، وفي ذلك دعوة إلى ضرورة اتخاذ أسباب82.
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أستأذن على أمي؟ فقال: (نعم)، قال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استأذن عليها)، فقال الرجل: إني خادمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استأذن عليها، أتحبّ أن تراها عريانةً؟) قال: لا، قال: (فاستأذن عليها)83.
٥. تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية.
يقول الله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور:٣٠-٣١].
قدّم غض الأبصار على حفظ الفروج؛ لأنّ النظر بريد الزنى ورائد الفجور، والبلوى فيه أشدّ وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه84.
وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم، لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر، هم أحق من غيرهم بها، وأولى بذلك ممن سواهم 85.
وغض البصر: خفضه كفًّا له عن النظر، ولفظ (من) قد تكون للتبعيض، فالمراد: غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل86.
وإنّ النظرة الأولى لا يملكها الإنسان وإنّما يغضّ فيما بعد ذلك، لذلك وقع التبعيض، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته،ووجب التحذير منه، والنواظر صوارم مشهورة فاغمدها في غمد الغضّ والحياء من نظر المولى وإلاّ جرحك بها عدوّ الهوى، ولا ترسل بريد النظر فيجلب لقلبك رديء الفكر، غضّ البصر يورث القلب نورًا، وإطلاقه يقدح في القلب نارًا87.
ومما يجدر الإشارة إليه لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان، أتبعه بذكر حكم النظر على العموم، فيندرج تحته غض البصر من المستأذن، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإذن من أجل البصر)88.
وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه 89.
وعن حذيفة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه جل وعز إيمانًا يجد حلاوته في قلبه)90.
أزكى: الذي هو أفعل التفضيل للمبالغة في أن غض البصر وحفظ الفرج يطهران النفوس من دنس الرذائل، والمفاضلة على سبيل الفرض والتقدير، أو باعتبار ظنهم أن في النظر نفعًا91.
وأطهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة، (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) في ذلك وعيد لمن لم يغض بصره ويحفظ فرجه92.
وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام، كما أن فيه إغلاقًا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم! وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة، ويقظة الرقابة، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى، ومن ثم يجمع بينهما في آية واحدة بوصفهما سببًا ونتيجة أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع93.
وقيل: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته، أو في قلبه، فإن النظر هو رسول الشيطان إلى تحريك الشهوة، والدعوة إلى الفاحشة، وقدّم الرجال على النساء، لأنهن عورة، والنظر إليهن يدعو إلى الفتنة أكثر من نظرهن إلى الرجال94.
٦. تحريم التبرج والسفور.
يقول الله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأحزاب:٥٩].
يعني: القناع الذي يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا المدينة ومعهم نساؤهم فنزلوا مع الأنصار في ديارهم فضاقت الدور عنهم، وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخل فيقضين حوائجهن، فكان المريب يرصد النساء بالليل فيأتيها فيعرض عليها ويغمزها، فإن هويت الجماع أعطاها أجرها وقضى حاجته، وإن كانت عفيفة صاحت فتركها، فذكر نساء المؤمنين ذلك لأزواجهن وما يلقين بالليل من الزناة، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل الآية95.
وعن مجاهد: «يتجلببن حتى يعلم أنهن حرائر لا يعرض لهن فاسق بأذى من قول أو ريبة»96.
وكان المنافقون هم الذين كانوا يتعرضون للنساء97.
وهذا تنبيه لهن على حفظ الحرمة وإثبات الرّتبة، وصيانة لهن، وأمر لهن بالتصاون والتعفّف، وقرن بذلك تهديده للمنافقين في تعاطيهم ما كان يشغل قلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإرجاف في المدينة، فقال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[الأحزاب:٦٠-٦١].
إنهم إن لم يمتنعوا عن الإرجاف وأمثال ذلك لأجرينا معهم سنّتنا في التدمير على من سلف من الكفار98.
ويقول تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور:٣١].
ذكر الله تعالى أحكامًا خاصةً بالنساء ومنها: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) ، أي : ىلا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب حين التحلي بها ، وهي كل ما يتزين به ويتجمل من أنواع الحلي والخضاب وغيرها، فيكون إبداء مواقع الزينة منهيًا عنه بالأولى، أو لا يظهرن مواضع الزينة بإطلاق الزينة وإرادة مواقعها، بدليل قوله: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) لأن الزينة نفسها ليست مقصودة بالنهي، وهناك تلازم بين الزينة وموضعها، والغاية هي النهي عن أجزاء الجسد التي تكون محلًا للزينة، ويستأنس بالحديث الذي روي عن عائشة رضي الله عنه: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: (يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا)99.
وأشار إلى وجهه وكفيه، (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) ما جرت العادة بظهوره 100.
فعن ابن مسعود ، قال: ((الزينة زينتان: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي: الخلخالان والقرطان والسواران))، وعن ابن عبّاسٍ الظاهرة: قال: (رقعة الوجه وباطن الكفّ))101.
والمسألة خلافية تطلب من مظانها في كتب الفقه.
(ﮟ) وليلقين بخمرهنّ ، أي: بمقانعهن وهي جمع خمار ، وهو غطاء رأس المرأة على جيوبهنّ وصدورهن ليسترن بذلك شعورهنّ وأقراطهنّ وأعناقهن، قالت عائشة: «يرحم الله النساء المهاجرات الأول لمّا أنزل الله سبحانه هذه الآية شققن أكتف مروطهنّ فاختمرن به».
(ﮗ ﮘ ﮙ) ،الخفيّة التي أمرن بتغطيتها، ولم يبح لهنّ كشفها (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [النور:٣١]102.
وقد اختلف العلماء في تحديد عورة المرأة على مذاهب تطلب في كتب الفقه وليس محلها في بحثنا هذا، والزينة: ما تزينت به المرأة، وذكر الزينة دون مواقعها؛ للمبالغة في الأمر بالتصوّن والتستر، لأنّ هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء، فنهى عن إبداء الزينة نفسها، ليعلم أنّ النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع- بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله- كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر، ثابت القدم في الحرمة، شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها103.
٧. تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط بها.
كان عمر بن عبد العزيز يقول: «لا يخلون رجل بامرأة وإن كان يحفظها القرءان»، فلا يعتد بالنوايا الطيبة فمعظم النار من مستصغر الشرر، ولابد في هذا وغيره من صحة العمل، لأنه ما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، فلا يؤمن مع الخلوة وقوع المحظور، لاسيما في زمن يقل فيه وازع الإيمان والدين، ويكثر فيه الفساد، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ولا يخلونّ رجلٌ بامرأةٍ فإنّ ثالثهما الشّيطان)104.
وقد روى ابن عباس عن رسول صلى الله عليه وسلم قوله: (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ). فقال له رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ قال: ( انطلق فحج مع امرأتك )105.
٨. الترغيب في الزواج.
يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النور:٣٢-٣٣].
فالزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة، فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس.والإسلام نظام متكامل، فهو لا يفرض العفة إلا وقد هيأ لها أسبابها، وجعلها ميسورة للأفراد الأسوياء، فلا يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إلا الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسور عامدًا غير مضطر، لذلك يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال فيتعين إعانة الراغبين منهم في الزواج، وتمكينهم من الإحصان، والآباء مسئولون عن تربية أبنائهم وتعليمهم وتزويجهم حصانة لهم أو مساعدتهم على ذلك106، بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية العملية، وتطهير المجتمع الإسلامي من الفاحشة، وهو واجب، ووسيلة الواجب واجبة107.
وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)108.
والباءة: القدرة على التزوج، وامتلاك الصلاحية له، والوجاء: الخصاء، الذي به تموت الشهوة، وينقطع اتصال الرجل بالمرأة. فالمسلمون مطالبون بأن يتحصنوا بالزواج، وأن يرغبوا فيه، وييسّروا أموره، وذلك حتى لا تفشو فيهم دواعي الفساد، والاعتداء على الفروج، أو حتى لا يتجه أصحاب الإيمان القوىّ إلى الرهبنة، التي تحرمها شريعة هذا الدين.
فعن أنس رضي الله عنه أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر. فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)109110.
أساليب القرآن في النهي عن الزنا
اعتمد القرآن أسلوب الوقاية في إنشاء المجتمع النظيف قبل أن يعتمد العقوبة، وهو لا يحارب الدوافع الفطرية، لكنه ينظمها ويضمن لها الجو النظيف الخالي من المثيرات المصطنعة، والفكرة السائدة في منهج الإسلام في هذه الناحية، هي تضييق فرص الغواية، وقطع الطريق على أسباب التهييج والإثارة، مع إزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله النظيفة المشروعة، كي لا تكون الفعلة سهلة ميسرة، فتغري بيسرها وسهولتها بالفحشاء111.
وجميع الشرائع جاءت بتحريم الزنا، ولم يكن في يوم من الأيام مباحًا منذ أن خلق الله تعالى الخليقة؛ ولذلك قال الله تعالى عن مريم عليها السلام عندما جاءت بعيسى إلى قومها حكاية عنهم: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [مريم:٢٧].
فجعلوا ذلك أمرًا عظيمًا ومنكرًا، كما حرّمته الديانة اليهودية أيضًا، بل وصفته أنه فاحشة وأنه منجس للأرض، وفرضت عليه العقوبات القاسية، من قتل وتحريق ورجم بالحجارة، وكان قبيحًا عند العرب قبل البعثة فلم يكن يرتكبه إلا سفاسف الناس وأرذلهم من الإماء والعبيد، وشدد الإسلام على حرمته حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع النساء على قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الممتحنة:١٢].
ولم يحرم الإسلام الزنا على مراحل مثلما حرم الخمر، وذلك لعظم قبحه وفحشه وكثرة أضراره وعواقبه، وإنما كان التدرج في إنزال العقوبة بفاعله، فلما نزل قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ) لم ينزل فيه عقوبة، وإنما كان الغرض منه تقبيح هذه الفعلة في النفوس، وذمها سبيلًا لإشباع هذه الرغبة، فكان ذلك تربية للنفوس وتهيئة لإنزال العقوبة.
ثم كان العقوبة أول الأمر بالإيذاء والتوبيخ والتعنيف بقول الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء:١٦].
والحبس في البيوت للنساء، بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:١٥]112.
فعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النور:٢] ، (( كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، وكان الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير وضرب بالنعال، فأنزل الله الآية113.
وقال الشوكاني: «وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء»114.
فجعل الله السبيل عقوبة الزاني البكر مائة جلدة ، والرجم للثيب حتى يموت، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)115.
ومن أساليب القرآن في النهي عن الزنا ما يلي:
أولًا: أسلوب النهي المباشر:
١. النهي عن قربان الزنا.
يقول الله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢].
فإن هذا النهي تناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة إليها ، وفي هذا زجر عن إتيانها، ثم علل تعالى النهي عن ذلك بقوله تعالى مؤكدًا إبلاغًا في التنفير عنه لما للنفس من شدّة الداعية إليه (ﮎ ﮏ ﮐ)فقبحها بهذه التسمية أي: فعلةٌ ظاهرة القبح زائدته، والفاحشة هي الرذيلة التي تجاوزت الحد في القبح، وعظم قبح الزنا مركوز في العقول من أصل الفطرة كان ولم يزل كذلك معروفًا116.
ووصفته بالسبيل السيء، وقد نهى الله تعالى عن الفحشاء في قوله تعالى:(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل:٩٠]117.
٢. النهي عن قربان الفواحش.
يقول تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأنعام:١٥١].
وهو نهي عن أنواع الزنا سرًا وعلنًا، وكانت الزواني في الجاهلية على نحوين : كانت لبعضهنّ رايات على الأبواب، علمًا لمن أراد الزنا؛ فكن يزنين علنًا، وأخريات كن يزنين سرًا، فهذا المراد بالفواحش ما ظهر منها وما بطن118.
فعن الضحاك : كان أهل الجاهلية يستسرّون بالزنى ، ويرون ذلك حلالًا ما كان سرًّا ، فحرّم الله السر منه والعلانية بقوله تعالى:(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)119.
وعن ابن عباس:(( كانوا يكرهون أن يزنوا علانيةً فيفعلون ذلك سرًّا، فنهاهم الله عن الزنا سرًا وعلانية))120.
وقال آخرون: الظاهر: التعرّي والتجرد من الثياب، وما يستر العورة في الطواف، والباطن: الزنا121.
وفي قوله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) دقيقة وهي: أن الإنسان إذا احترز عن المعصية في الظاهر ولم يحترز عنها في الباطن دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله وطاعته، ولكن لأجل الخوف من مذمة الناس، وذلك باطل لأن من كان مذمة الناس عنده أعظم وقعًا من عقاب الله ونحوه، فإنه يخشى عليه من الكفر، ومن ترك المعصية ظاهرًا وباطنًا، دل ذلك على أنه إنما تركها تعظيمًا لأمر الله تعالى وخوفًا من عذابه ورغبة في عبوديته122.
ويقول الله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل:٩٠].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «أجمع آية في كتاب الله آية في سورة النحل»، وتلا هذه الآية:(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ).
والفحشاء هنا: ما اشتد قبحه قولًا أو فعلًا، أو يتجاوز الحد في القبح، وقال ابن عباس)) :الزنى، و غالبًا ما يخصص به الاعتداء على العرض 123.
ثانيًا: أسلوب النهي غير المباشر:
١. اقتران الزنا بالشرك.
قال الله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النور:٣].
والمعنى: أن الزاني لا ينبغي له أن يتزوج إلا زانية أو مشركة ولا يقترن بالعفيفة الشريفة الطيبة لقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النور:٢٦]، فيقع الزاني على من هي مثله وتقع الزانية على من هو مثلها زان أو مشرك، فاقتران الزاني بالمشركة والزانية بالمشرك إشارة إلى عظيم خطر الزنا وكبير ضرره.
قال العلامة الألوسي في قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النور:٣]: «تقبيح لأمر الزاني أشد تقبيح ببيان أنه بعد أن رضي بالزنا لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة فبينهما كما بين سهيل والثريا، وإنما يليق به أن ينكح زانية هي في ذلك طبقه ليوافق شن طبقه، أو مشركة هي أسوأ منه حالا وأقبح أفعالًا، فلا ينكح : خبر مراد منه لا يليق به أن ينكح، ثم المراد اللياقة وعدم اللياقة من حيث الزنا فيكون فيه من تقبيح الزنا ما فيه، ولا يشكل صحة نكاح الزاني المسلم الزانية المسلمة ، وكذا العفيفة المسلمة وعدم صحة نكاحه المشركة المذكورة في الآية، لكن يعني : الزانية بعد أن رضيت بالزنا فولغ فيها كلب شهوة الزاني لا يليق أن ينكحها من حيث إنها كذلك إلا من هو مثلها وهو الزاني أو من هو أسوأ حالًا منها وهو المشرك، وأما المسلم العفيف فإن غيرته تأبى ورود جفرتها»124.
٢. النهي عن مقدمات الزنا وذرائعه وتحريمها.
ومنها: نهي المرأة عن إظهار زينتها أمام غير المحارم، فقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النور:٣١].
فذكرت الآية المحارم من الرجال الذين جاز للمرأة أن تبدي لهم زينتها.
ومنها: نهي المرأة عن الخضوع في القول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، فحرم عليها أن تظهر جمالها بصوتها، فقال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأحزاب:٣٢].
وإن نساء الأمة تبع لنساء النبي صلى الله عليه وسلم في الأخذ بهذه الأحكام وبغيرها من الآداب المذكورة في سورة الأحزاب، عندما تخضع المرأة بالقول تحرك الفتنة في قلب الرجل ،ولذلك يتشوق إلى رؤية هذا الصوت، قاله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن أطهر النساء وهن يكلمن أطهر الرجال.
ومنها: نهي الله المرأة أن تضرب بخلخالها؛ ليعلم ما تخفي من زينتها.
فقال الله عز وجل: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [النور:٣١].
ومنها: أمر المرأة بالقرار في البيوت ، فقد قال الله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ) [الأحزاب:٣٣].
ومنها: تحريم الخلوة بين الرجل والمرأة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا والشيطان ثالثهما)125.
ولا نطيل هنا في هذا الجانب ، ذلك لأنه استوفى البحث في أسباب الوقاية من الزنا فلا داعي للتكرار.
ثالثًا: أسلوب الترغيب فيما يمنع الوقوع في الزنا:
١. الترغيب في الزواج.
يقول الله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الروم:٢١].
وقال صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) 126.
وعن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا شباب قريش لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة)127.
فأمره صلى الله عليه وسلم الشباب بالزواج وتبشيره بالجنة لمن حفظ فرجه لا شك أنها من أقوى الأساليب في النهي عن الفاحشة ؛ لأنه ما من مسلم إلا ويشتاق للجنة إلا من أبى. كما أنه صلى الله عليه وسلم بين خطورة هذه الجريمة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن)128.
فينفي عنه صفة الإيمان عند قيامه بهذه الفاحشة .
٢. الترغيب في مساعدة الراغبين في الزواج.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور:٣٢].
٣. أمر بالاستعفاف لمن لم يجد نكاحًا.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النور:٣٣].
٤. إباحة تعدد الزوجات.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء:٣].
فالإسلام حين حرّم الزنا وشدّد في تحريمه شرع الزواج، وأباح التعدد فيه كما مضى، ولا ريب أن منع التعدد ظلم للمرأة والرجل؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان، ويتجلى ذلك في أيام الحروب؛ فقصر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج، وذلك يسبب لهن الحرج، والضيق، والتشتت، وربما أدى بهن إلى بيع العرض، وانتشار الزنا، وضياع النسل129.
٥. أمر بغض البصر وحث عليه.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور:٣٠-٣١].
تنهي الآية الرجال والنساء عن النظرة الثانية، كما تبين ما في غض البصر من الخير، للمسلم في دنياه و أخراه، كما مر في مبحث الوسائل الوقائية من الوقوع في الزنا.
رابعًا: أسلوب الترهيب:
١. تشريع العقوبة القاسية وتنويعها على مرتكبي الجريمة.
فأقام حد الجلد على غير المحصن، وتغريبه عام، وإسقاط شهادته، والحكم عليه بالفسق، أما المحصن فالرجم حتى الموت، وأهم من ذلك كله الفضيحة بأن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، فقال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور:٢].
٢. ضمان العدالة في تطبيق هذه الحدود.
بحيث لا يمكن أن يقبل الحاكم بالعفو أو التقليل من الحد إذا وصل الأمر للقضاء. لقول الله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء:٥٨].
٣. اقتران النهي عن الزنا بالنهي عن الشرك والقتل.
وإذا ما نظرنا إلى سياق الآيات التي جاء النهي عن الزنا وجدنا أنها وردت بين نهيين عن القتل وذلك في قول الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الإسراء:٣١-٣٣].
توسطت آية النهي عن قربان الزنى بين آيتين، الأولى تنهى عن قتل الأبناء، والثانية تنهى عن قتل النفس بغير حق فاستنبط من ذلك، أن الزنى نوعٌ من أنواع القتل، بل هو أشد أنواع القتل إذ هو ليس قتل مادي فحسب، بل هو قتل معنوي أيضًا.
فهذه المرأة التي تقع في الزنى كأنك قتلتها فأخرجتها من إنسانيتها، وأبعدتها عن مهمتها المقدسة، وعن الوظيفة العليا التي خلقت من أجلها، وعن أن تقوم بدورها الطبيعي الإنساني، كما أن مرتكبي هذه الفاحشة غالبًا ما يعقبونها بجريمة قتل حرصًا منهما على التخلص من آثار هذه الجريمة فيقتلون هذا الجنين أو حتى بعد أن يولد يلقى على قارعة الطريق ليكون مصيره الموت، ولوشاء الله وقدر له الحياة سيعيش حياة الذل والقهر والحرمان، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج شخصية حاقدة على المجتمع تجنح للقتل وارتكاب الجرائم، ذلك أنه يقتل معنويًا في كل يوم مرات ومرات.
ويكثر في السياق القرآني مجيء النهي عن هذه المنكرات الثلاثة متتابعة : الشرك، والزنا، وقتل النفس.
ذلك أنها كلها جرائم قتل في الحقيقة! الجريمة الأولى جريمة قتل للفطرة ،والثانية جريمة قتل للجماعة، والثالثة جريمة قتل للنفس المفردة، إن الفطرة التي لا تعيش على التوحيد فطرة ميتة. والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة، منتهية حتمًا إلى الدمار. لذلك جعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات، لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار130.
خامسًا: أسلوب النفي الذي غرضه النهي:
ذكره الله تعالى في وصف المؤمنين، الذين نفى عنهم الشرك بالله تعالى، ونفى عنهم أيضًا الزنا، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الفرقان:٦٨].
هنا وصفهم الله بأنهم لا يزنون ، أي: لا يباشرون الزنا نفسه ، أما مقدماته فلم ينفها عنهم مصداقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة. العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليدان زناهما البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه)131132.
نزّه المؤمنين عن الاتصاف بهذه الفاحشة، فقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [المعارج:٢٩-٣٠].
ووصف المؤمنات بالمحصنات، فعن ابن عباس قوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [النساء:٢٥].
يعني: تنكحوهن عفائف غير زواني في سرّ ولا علانية، (ﮤ ﮥ ﮦ) يعني: أخلاء.
وعنه رضي الله عنه أنه قال : (( كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزّنا، ويستحلّون ما خفي، يقولون: أمّا ما ظهر منه فهو لؤمٌ، وأمّا ما خفي فلا بأس بذلك، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنعام:١٥١]))133.
أثر شيوع الزنا على الفرد والمجتمع
دعا الإسلام الحنيف إلى الزواج ورغب فيه؛ لأنه أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة المثلى لإخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان ويتعهدانها بالرعاية، لكي تستطيع هذه السلالة أن تنهض بتبعاتها وتسهم بجهودها في ترقية الحياة وإعلائها 134.
وإن ممارسة هذه الجريمة وشيوعها ليترك آثاراً وأضرارًا تشيب منها الرؤوس وتقشعر منها الأبدان135.
وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)136.
وعن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله ندًا وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزني بحليلة جارك) فأنزل الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الفرقان:٦٨]137.
أولًا: أثر شيوع الزنا على الفرد:
١. انتشار الأمراض الجنسية وضعف بنية الشباب.
فالزنا سبب مباشر في انتشار الأمراض الجنسية الخطيرة التي تفتك بالبدن وتضعف الشباب وتنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء وأبناء الأبناء138.
يقول الدكتور جون بيستون وهو أستاذ الطب الوقائي في جامعة كاليفورنيا: «إن القرائن التي جمعت من عدة دراسات تدل على أن الأمراض الجنسية تنتج في معظمها عن العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج أي : من الزنا» 139.
و لا شك، أن هذه الأمراض تشكل عقابًا إلهيًا عاجلًا لمن تجرأ و اعتدى على الفطرة الإنسانية السليمة و سلك غير سبيل الهدى بارتكاب الفواحش.
٢. اختلاط الأنساب.
في الزنا ضياع الأنساب واختلاطها وتمليك الأموال لغير أصحابها عند التوارث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يخلط النسب حينما أراد رجل أن يطأ جارية وكانت حاملًا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له، كيف يستخدمه وهو لا يحل له)140.
قال ابن القيم: «يعني: إن استلحقه وشركه في ميراثه لا يحل له لأنه ليس بولده، وإن أخذه مملوكا يستخدمه لم يحل له، لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد».
قال: «وفي هذا دلالة ظاهرة على تحريم نكاح الحامل»141.
فإذا كان نكاح الحامل محرمًا سواء كانت حرة فتزوجها، أو من السبايا فوطأها؛ فما بالنا إذا زاد الطين بلًا فزنى، والزاني لا يفتّش فيمن يزني بها، وهي إما أن تحمل منه فتدخل على قومها من ليس منهم، وإما أن تكون حاملًا فماء الزاني يزيد في ولدها، وإما لا يعلم أمن زوجها الحمل أم من غيره، ومن هنا تختلط الأنساب والنّطف.
٣. مشكلة أولاد الحرام.
إن في هذه الفاحشة جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا؛ حيث يعيش مقطوع النسب، محتقرًا ذليلًا، وقد أثبتت تجارب الحرب الأخيرة بين أطفال المحاضن أن الطفل الذي تتناوب تربيته عدة حاضنات تختل شخصيته وتنفك ولا تنمو فيه مشاعر الحب والتعاون142.
ولقد أخذت هذه المشكلة تتفاقم، حيث بلغت نسبة الأولاد غير الشرعيين في بعض المدن الفرنسية ٥٠٪ بالنسبة للمجموع الكلي لعدد المواليد143.
٤. الهم والحزن والمقت بين الناس والخوف.
إذ إنه دنس العرض والشرف ونزع شعار الطهر والعفاف والفضيلة ولطخ فاعله بالعار والشنار، ويجعل الزانية والزاني بين خطرين، فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها ونكست رؤوسهم، فإن حملت من الزنا وقتلت ولدها جمعت بين جريمتي الزنا والقتل، وإن أمسكته أضافت إلى زوجها غير ولده.
ثانيًا: أثر شيوع الزنا على المجتمع:
١. كثرة الجرائم.
والزنا أحد أسباب جريمة القتل فقد لا يجد الغيور على عرضه وسيلة يغسل بها العار الذي لحقه ولحق أهله إلا سفك الدم 144، أثبت علماء النفس أن معظم المجرمين والجانحين في العالم يكونون من أولاد الحرام وممن عاشوا في ملاجئ الأطفال، وفي أجواء بعيدة عن العاطفة، الأمر الذي يؤدي إلى كثرة الجرائم وعدم الأمن والأمان في المجتمع.
وبين قتل الأولاد والزنا صلة ومناسبة، وقد توسط النهي عن الزنا بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس لذات الصلة وذات المناسبة، إن في الزنا قتلًا من نواحٍ شتى، إنه قتل ابتداء لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها. يتبعه غالبا الرغبة في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق أو بعد أن يتخلق، قبل مولده أو بعد مولده فإذا ترك الجنين للحياة ترك في الغالب لحياة شريرة، أو حياة مهينة، فهي حياة مضيعة في المجتمع على نحو من الأنحاء، وهو قتل في صورة أخرى، قتل للجماعة التي يفشو فيها، فتضيع الأنساب وتختلط الدماء، وتذهب الثقة في العرض والولد، وتتحلل الجماعة وتتفكك روابطها، فتنتهي إلى ما يشبه الموت بين الجماعات.
وهو قتل للجماعة من جانب آخر، إذ إن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها، ويجعل الأسرة تبعة لا داعي إليها، والأسرة هي المحضن الصالح للفراخ الناشئة، لا تصح فطرتها ولا تسلم تربيتها إلا فيه.
وما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال، منذ التاريخ القديم إلى العصر الحديث، وقد يغر بعضهم أن أوروبا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع فشو هذه الفاحشة فيهما، ولكن آثار هذا الانحلال في الأمم القديمة منها كفرنسا ظاهرة لا شك فيها، أما في الأمم الفتية كالولايات المتحدة، فإن فعلها لم تظهر بعد آثاره بسبب حداثة هذا الشعب واتساع موارده كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر أثر الإسراف في بنيته وهو شاب ولكنه سرعان ما يتحطم عند ما يدلف إلى الكهولة فلا يقوى على احتمال آثار السن، كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده! والقرآن يحذر من مجرد مقاربة الزنا، وهي مبالغة في التحرز، لأن الزنا تدفع إليه شهوة عنيفة، فالتحرز من المقاربة أضمن، فعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمان145.
٢. تفكك المجتمع وذلك عن طريق تشتيت العلاقة الزوجية.
فالزنا يشتت الحياة الزوجية إذ ينتج عنه الإحجام عن الزواج ؛ لأنه يجد إشباعًا لحاجاته دون تحمله لأدنى مسؤولية والزواج يحمله هذه المسؤولية، حتى بعض من يقبل على الزواج سرعان ما تنهار حياته الزوجية146.
فيفسد نظام البيت ويهز كيان الأسرة ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرض الأولاد لسوء التربية مما يتسبب عنه التشرد والانحراف والجريمة، مما يحطم المجتمعات ويفكك روابطها ويكثر فيها اللقطاء والضائعون حيثما يولد الولد وهو لا يدري أباه ولا أمه 147.
والتهرب من مسؤولية بناء الأسرة التي هي لبنة المجتمع، يفكك عرى هذا المجتمع و يحوله إلى أفراد لا يجمع بينهم أي رابط مشترك.
٣. ظهور الزنا من أمارات خراب العالم.
فقد ورد في الصحيحين من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف أنه قال : ( يا أمة محمد، والله إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، ثم رفع يديه وقال:اللهم هل بلغت؟)148.
قال ابن القيم: «وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقب صلاة الكسوف سر بديع لمن تأمله، وظهور الزنا من أمارات خراب العالم»149.
فتغير حال الشمس وذهاب ضوئها بالكسوف علامة من علامات تغير الحال من الأحسن إلى الأسوأ وقد يكون بسبب المعاصي والذنوب، لذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في صلاة الكسوف.
٤. انخفاض نسبة المواليد.
ذلك أن هذه الجريمة تعمل على نشر الأمراض، الأمر الذي يؤدي إلى موت كثير من الأطفال وهم في سن مبكرة، كما أن كل من يمارس هذه الفاحشة سيحرص على أن يخفي أو يتخلص من تبعاتها فربما يقتل الجنين ابن الزنا.
٥. انتشار الزنا من أشراط الساعة.
وذلك كما جاء في الصحيحين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه قال : لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكموه أحد بعدي، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) 150151.
وفي إشارة نبوية رائعة لنتائج انتشار هذه الفواحش انتشار الأمراض يقول صلى الله عليه وسلم: (ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) 152.
فكان انتشار هذه الأمراض مع الإباحية الجنسية والعلاقات الفاجرة ما هو إلا تحقيق لنبوءة وإعجاز لسيد البشر بهذا الحديث.
الإعجاز التشريعي في تحريم الزنا
إنّ من الإعجاز التشريعي في تحريم الزنا أنّه لما نهى الله عز وجل عن الزنى نهى عن قربانه قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢].
أي: لا تقتربوا منه ولا من أسبابه ودواعيه، لأن تعاطي الأسباب مؤد إليه وهو فعل شديد القبح و عظيم الذنب، كمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه153.
كما أن الله عز وجل سماه فاحشة وقد نهانا عن الاقتراب من الفواحش في آية أخرى، فقال الله عز وجل: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنعام:١٥١]154.
كما أن النهي عن الزنى جاء بعد النهي عن الوأد؛ لأنه من بابه، وإذا كان الوأد قتلًا للولد، فالزاني كذلك؛ لأنه يرمي النطفة، ولذا لوحظ في الأمم التي تكثر فيها الفاحشة، أنها تفنى شيئًا فشيئًا، وأن شيوع الزنى في أمة يضعف قوتها ونخوتها ويجعلها جماعة لاهية لاعبة155.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)156.
والدواء نوعان:
وقد استعمل القرآن الكريم أساليب متنوعة في علاج هذه الجريمة؛ فمن الأمور العلاجية ما يلي:
١. فرض الاسلام العقوبات المشددة لمنع الزنا والتحرشات.
قال تعالى في عقوبة الزناة: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) ، مع التنكيل بهما (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) ، والتشهير بهم (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)، شرع القرآن الكريم حدّ الزّنا، وأوجب الله سبحانه وتعالى على أولي الأمر إقامة الحد عليهم حفاظًا على الأعراض، ومنعًا لاختلاط الأنساب، وتحقيقًا للعفاف والصون وطهر المجتمع.
وفي قول الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) ثلاث إشارات بيانية :
أولها: في تقديم الزانية على الزاني، قالوا: لأن قوة الشهوة الدافعة إلى الزنى عند المرأة أقوى، وربما لا نوافق على ذلك كثيرًا؛ لأن الرجل يطلب المرأة في أكثر الأحيان، والمرأة لا تطلب الرجل إلا قليلًا، وإن حدثتها نفسها فإن الحياء يكفها إلا إذا خلعته، وقد نقول: إنها إن طلبها الرجل ولم تكن مؤمنة سارعت إليه، ونقول في تعليل ذلك إن العقوبة قاسية، وقد قدمت المرأة لكيلا يمتنع أحد عن إقامة الحد بدعوى ضعفها، والشفقة عليها والرفق بها؛ لأنها من القوارير.
ثانيها: أن كلمة الزاني والزانية وصف بالزنى، وذلك يكون في أكثر الأحوال من تعوّد هذه الجريمة، ولذلك لا يكون إلا ممن أعلن هذه الجريمة الفاحشة ولذلك كان لابد من شروط لإقامة هذا الحد: أن يشهد أربعة بها، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الجريمة معلنة مجاهرًا بها، وذلك لا يكون إلا ممن تعودوا هذه الجريمة، وقد يكون الزنى في أول أمره، ولكن يندر أن يحضره أربعة من الرجال العدول، ومع ذلك يطبق الحكم سدًا للذريعة.
ثالثها: أن التعبير عن الضرب بالجلد للإشارة إلى أنه يؤلم الجلد، وذلك بأن يكون الضرب قريبًا من الجلد، فلا يستره إلا ثوب عادي، ولا يضرب على حشوة من قطن أو نحوه.
وهذه هي العقوبة الأولى، وقد تبعتها عقوبة أخرى، وهي أن تكون هذه العقوبة في العلن لا في السر، ولذا قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور:٢].
أي: ليحضر العقوبة (ﭴ ﭵ ﭶ)، وما حد الطائفة ، قيل : اثنان. وقيل : أربعة.
والظاهر: أنها الطائفة التي يكون بها الإعلام، بأن تكون العقوبة في مكان تكون فيه علنية لا سرية، وسمى الله هذه العقوبة عذابا؛ لأنها عذاب الدنيا، ووراءها عذاب الآخرة، إن لم يتوبا توبةً نصوحًا؛ ولأنها قاسية غليظة، والرحمة بالجاني تشجيع على الجناية، والغلظة في عقابه رحمة بالجماعة الإنسانية.
ولغلظة العقوبة قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور:٢].
والرأفة انفعال نفسي يدفع إلى الشفقة والألم، فلا يصح أن تكون الرأفة هي المسيطرة ، أي : لا يصح أن تستولي عليكم حتى يقال: إنها أخذتكم، فالرأفة بالجاني استهانة بالحكم وتشجيع عليه158.
وقد خص الله سبحانه وتعالى حد الزنى من بين الحدود بثلاث خصائص:
الأولى: القتل فيه بأشنع القتلات للزاني المحصن، فقد دلّت السّنة الصحيحة على أنّ الحدّ لكل منهما هو الرجم159، وعندما يكون الحد جلدًا للزاني غير المحصن، فقد جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.
جاء في الصحيحين: أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، إن ابني كان عسيفًا (أجيرًا) على هذا فزنى بامرأته ، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ، ووليدة (جارية)، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني : جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجل : الرجم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، فغدا عليها فاعترفت فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت160.
الثانية: نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن تأخذهم بالزناة رأفة في دين الله عند إقامة الحد.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور:٢].
والرأفة ترك إقامة حدّ الله عليهما وتعطيله، فأما إذا أقيم عليهما الحد فلم تأخذهم بهما رأفة في دين الله، أو تخفيف الضرب عنهما، ولكن يجب أن يوجعوهما ضربًا161.
الثالثة: أنه سبحانه أوجب عليهما الفضيحة رغم أنه تعالى «ستّيرٌ» يحب الستر وعفوٌّ يحب العفو، لكن لقبح الزنا وبشاعته أوجب ذلك ردعًا للغير، فأمر أن يكون الحد بمشهد من المؤمنين، ولا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر، فقال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور:٢]162.
والأمر بشهادة الطائفة للتشهير، فوجب أن تكون طائفة يحصل بها التشهير، والواحد والاثنان ليسوا بتلك المثابة، ويشهد له قول ابن عباس رضي الله عنهما : ((أربعة إلى أربعين رجلًا من المصدقين بالله، واختصاصه المؤمنين لأن ذلك أفضح، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل))163.
٢. عقوبة خوض اللسان في الفواحش وقذف المحصنات.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[النور:٤].
شرع القرآن الكريم أيضًاحدًّا للقذف من أجل الحفاظ على العرض، والذي هو جلد ثمانين جلدة، وهي عقوبة جسدية، وعدم قبول شهادتهم، والحكم عليهم بالفسق وهي عقوبة معنوية، بل وحرم على المسلم الأقل من ذلك، فقال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الحجرات:١٢].
وقبح جل وعلا غيبة المسلم غاية التقبيح فقال: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الحجرات: ١٢].
وقال: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الحجرات:١١]164.
فإذا كانت الغيبة محرمة ومجرمة وكذلك التنابز بالألقاب فمن باب أولى أن يحرم القذف.
٣. قرن الزنا بالشرك وقتل النفس.
وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح165.
فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الفرقان:٦٨-٧٠].
ويتضح اقتران الزنى والقتل بالشرك أيضًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي ورد في الصحيحين فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ فقال: (أن تجعل الله ندًا وهو خلقك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك)166.
وقرن الزاني بالمشركة أو الزانية، حيث يقول الله عز وجل: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النور:٣].
أما الأمور الوقائية فهي كثيرة تدعو بمجموعها الفصل بين الجنسين وعدم حصول الإغراءات بينهما والتي هي سبب في مثل هذه الجرائم.
١. نهى القرآن عن اتباع خطوات الشيطان.
لكي تحول بينهم و بين الوقوع في الشهوات و العقوبات فدعت إلى تخفيف نار الشهوة في النفوس بنهيها عن اتباع الشيطان وخطواته، فقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [فاطر:٦].
وقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النور:٢١].
٢. الأمر بغض البصر.
فبين الله أهمية غض البصر في كبح جماح الشهوة وحفظ الفروج للرجال والنساء وأمر به.
فقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النور:٣٠].
وأمر النساء به كذلك فقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور:٣١].
٣. الأمر بالستر والحجاب.
فحث المرأة على ستر زينتها، حتى لا يفتن بها الرجال ونهى عن إبداء ما لا يجوز إبداؤه من هذه الزينة في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)[النور:٣١].
٤. الحث على المساعدة على الزواج.
شجّع المولى تبارك وتعالى تيسير الزواج الحلال، ذلك مقابل كفّ النفس عن إشباع الغريزة الجنسية بالحرام، حتى لا يحدث كبت نفسي الذي قد يؤدي إلى انفجار غير محسوب، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور:٣٢].
وقال صلى الله عليه وسلم عن علاج الشهوة بالصوم : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)167.
ومع الصوم أمر الإسلام بالتعفف والاستعفاف لمن حيل بينه وبين الزواج حتى ييسر الله عليه، قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور:٣٣]168.
٥. تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء.
فهو سبب لتأجيج نار الشهوة، ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فقد حرص شرعنا الحنيف على منع الاختلاط بين الجنسين، فقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب:٥٣]، فدلت الآية على أن الأصل احتجاب النساء عن الرجال وعدم الاختلاط لاسيما في دور العلم حرصا على طهارة قلوب الرجال و النساء، بل و نهى الشرع عن خلوة الرجل بالمرأة.
٦. تحريم لمس المرأة الأجنبية.
فحرّم الإسلام مصافحة الرجال للنساء: يقول صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء)169، فقد حرم على الرجل أن يمسّ يد امرأة من غير محارمه.
موضوعات ذات صلة: |
الإحصان، العفة، الفواحش، اللعن، النكاح |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٦.
2 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٦٩.
3 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١١٥.
4 انظر: الهداية في شرح بداية المبتدي، المرغيناني ٢/٤٣٣.
5 انظر: مفاتيح الغيب ، الرازي ٢٣/٣٠٣.
6 الجامع لأحكام القرآن ١٢/١٥٩.
7 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، ص٦٠٣.
8 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/١٣٨.
9 انظر: غريب الحديث، إبراهيم الحربي ٢/٦٠٤.
10 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٧٤، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٣١٩.
11 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٣٢.
12 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٩٠.
13 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٣٢.
14 لسان العرب، ٩/٢٥٣.
15 المفردات، ص٤٤٠.
16 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٧/٥٤٠٧.
17 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٥.
18 انظر: كنز الدقائق، النسفي ٢/١٧٤ مع شرحه النهر الفائق.
19 انظر: الأحوال الشخصية، أبو زهرة ص١٧.
20 انظر: الواضح في أصول الفقه، ابن عقيل ٢/٢٨٤.
21 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٣٤٦.
22 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٨٩.
23 انظر: مفاتيح الغيب ، الرازي ٢٠/٣٣٢.
24 انظر: أضواء البيان ٣/٤٨.
25 انظر: مفاتيح الغيب ، الرازي، ٢٠/٣٣٢.
26 انظر: تفسير المراغي ١٥/٤٢.
27 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٠/٣٣٢.
28 انظر: المصدر السابق.
29 انظر: أحكام القرآن، الجصاص، ٣/٣٠٠.
30 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الحدود، باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رقم ٢٥٣٣، ٢/٨٤٧.
31 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٧/١٦١.
32 انظر: التدابير الواقية من الزنا، فضل إلهي، ص٢٤.
33 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٤/٥٨٢، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/٣٤٣.
34 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ٤/١١١، رقم ٣٢٠٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، ٤/٢٠٣٦، رقم ٢٦٤٣.
35 انظر: تفسير ابن باديس ص٨٨-٩١.
36 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٥/٧٠.
37 الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية، محماس الجلعود ٢/٧٦٦.
38 تفسير القرآن، السمعاني ٣/٥١٩.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)، رقم ٦٢٢٩، ٨/٥١، ومسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات ٣/١٦٧٥، رقم ٢١٢١.
40 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٨/٧٤، رقم ٢٢٩٧٤، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر، ٢/٢٤٦، رقم ٢١٤٩.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣١٦، رقم ٧٩٤٩.
41 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٩/٣٩١١.
42 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٢٠.
43 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٧٨.
44 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨٥٩.
45 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٥٨.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٣٧٢.
47 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٧٨.
48 انظر: التدابير الواقية من الزنا، فضل إلهي ص٢٦.
49 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٤/٢٤٣.
50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ٢/١٠١٨، رقم ١٤٠٠.
51 قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر بفتح القاف أمر من قَرِرْنَ بكسر الراء الأولى يَقْرَرْنَ بفتحها، فالأمر منه اقرَرْن حذفت الراء الثانية الساكنة لاجتماع الراءين، ثم نقلت فتحة الأولى إلى القاف، وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها فصار قَرْن، والباقون بالكسر من قَرَّ بالمكان بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع وهي الفصيحة.
انظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ص ٤٥٤
52 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٥١.
53 انظر: الوجيز، الواحدي ص ٨٦٥.
54 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٦٧.
55 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٦٠.
56 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٨٦
57 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/١٣٨
58 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٥٩٤، المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٢١.
59 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الزنا، رقم ١٦٩٠، ٣/١٣١٦.
60 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٨٧.
61 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/١٢٣.
62 أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/٢١١، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
63 أسباب النزول ٥/٢٢.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٩٧.
65 انظر: المغني، ابن قدامة ٦/٦٠١.
66 انظر: شعب الإيمان، البيهقي ١١/١٥٧.
67 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/١٢٤.
68 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٧.
69 المصدر السابق ٤/٢١.
70 انظر: تفسير العز بن عبد السلام ٢/٣٩٥، التفسير المنير، الزحيلي ١٨/١٩٨.
71 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٦٠٤.
72 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٥١٥.
73 انظر: مفاتيح الغيب ، الرازي ٢٣/٣٢٠.
74 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٢١٣.
75 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٦٤.
76 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٦١.
77 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٩٠، بتصرف.
78 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/٢٠٠.
79 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له، رقم ٦٩٠٢، ٩/١١.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب الاستئذان ٣/١٦٩٤، رقم ٢١٥٣.
81 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٨٥.
82 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ١٠/٥٢٢٥.
83 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٨٥.
84 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٢٣٠.
85 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٦.
86 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٦/١٤٠١.
87 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٤/١٨٢.
88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له، رقم ٦٩٠١، ٩/١٠.
89 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٦.
90 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الرقائق، رقم ٧٨٧٥، ٤/٣٤٩، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
91 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/٢١٤.
92 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٧.
93 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥١٢.
94 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٩/١٢٦٣
95 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٥٠٧.
96 تفسير مجاهد ص ٥٥٢.
97 انظر: تفسير يحيى بن سلام ٢/٧٣٨.
98 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٣/١٧١.
99 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب فيما تبدي المرأة من زينتها، ٤/٦٢، رقم ٤١٠٤.
قال: أبو داود: هذا مرسل.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٩٥، رقم ٢٩٤٤.
100 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٨/٢١٦.
101 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٥٥.
102 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٩٦، الكشف والبيان، الثعلبي، ٧/٨٧، تفسير ابن أبي حاتم ٨/٢٥٧٤.
103 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٢٣٠.
104 أخرجه أحمد في مسنده ١/٢٦٨، رقم ١١٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٤٩٨، رقم ٢٥٤٣.
105 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع ذي محرم، رقم ١٣٤١، ٢/٩٧٨.
106 انظر: التربية الإسلامية ومراحل النمو ، عباس محجوب ص ١٢٤.
107 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥١٥.
108 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ٢/١٠١٨، رقم ١٤٠٠.
109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم ٥٠٦٣، ٩/١٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة ٢/١٠٢٠ ، رقم ١٤٠١.
110 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٩/١٢٧٠.
111 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥٠٧.
112 انظر: التدابير الواقية من الزنا، فضل إلهي ص٣٧.
113 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٥٠٦.
114 المصدر السابق ١/٥٠٤.
115 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الزنا، رقم ١٦٩٠، ٣/١٣١٦
116 انظر: تفسير ابن باديس ص ٩٢.
117 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٧.
118 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/١٥٦.
119 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٢١٩.
120 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٣٣٦.
121 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٧٤، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٦٢.
122 مفاتيح الغيب بتصرف، الرازي ١٣/١٧٨.
123 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٩١، فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٢٥، التفسير المنير، الزحيلي ١٤/٢١٠.
124 روح المعاني، الألوسي ٩/٢٨٣ـ٢٨٢.
125 أخرجه أحمد في مسنده، ١/٢٦٨، رقم ١١٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٨، رقم ٢٥٤٣.
126 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم ٥٠٦٣.
127 أخرجه الطبراني في الأوسط، ٧/٦١، رقم ٦٨٥٠، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الحدود، رقم ٨٠٦٢، ٤/٣٩٨.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/٤٤٠، رقم ٢٦٩٦.
128 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، رقم ٥٧، ١/٧٦.
129 انظر: الطريق إلى الإسلام، محمد أسد ص ٨٦.
130 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب٣/١٢٣٢.
131 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، رقم ٢٦٥٧، ٤/٢٠٤٧.
132 تفسير ابن باديس ص ٩١.
133 جامع البيان، الطبري ٨/١٩٣.
134 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال عبدالرحمن إسماعيل ص ١٩-٢١.
135 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٢٣٨.
136 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٤/٥٨٢، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/٣٤٣.
137 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادا)، رقم ٧٥٢٠، ٩/١٥٢.
138 انظر: التدابير الواقية من الزنى، فضل إلهي ص ٥١.
139 انظر: المصدر السابق، ص ٥٢.
140 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تحريم وطء الحامل المسبية، رقم ١٤٤١، ٢/١٠٦٥.
141 زاد المعاد، ٥/١٥٥.
142 التدابير الواقية من الزنى،فضل إلهيص٥٤.
143 انظر: حقوق الإنسان في الاسلام، عبدالواحد وافي ص١٥٩.
144 انظر: التدابير الواقية من الزنا، فضل إلهي ص ٧٨.
145 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٢٣.
146 انظر: التدابير الواقية من الزنا، فضل إلهي ص ٧٠.
147 انظر: ولا تقربوا الفواحش، محمد جمال إسماعيل ص٢٢.
148 أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، رقم ١٠٤٤، ٢/٣٤.
149 الجواب الكافي ص ١٨٦.
150 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب إثم الزناة، رقم ٦٨٠٨، ٨/١٦٤.
151 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال عبدالرحمن إسماعيل ١/٢٦، الطريق إلى الإسلام ، محمد أسد ص ٨٦.
152 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٤/٥٨٢، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/٣٤٣.
153 انظر: مراح لبيد، الجاوي ١/٥٢٩.
154 انظر: السراج المنير، الشربيني ٢/٣٠١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٧.
155 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٣٨.
156 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/٥٠، رقم ٣٥٧٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٧١، رقم ١٨٠٩.
157 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال عبدالرحمن إسماعيل ٢/١٠٨.
158 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٣٩.
159 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال إسماعيل ٢/١٣٤.
160 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط التي لا تحل في الحدود، ٣/١٩١، رقم ٢٧٢٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، ٣/١٣٢٤، رقم ١٦٩٧.
161 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٩١، ٩٢، تفسير عبد الرزاق ٢/٤٢٤
162 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال إسماعيل ٢/١٣٥.
163 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٢١١.
164 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٤٩.
165 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال إسماعيل، ٢/١٣٤.
166 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، رقم ٧٥٢٠، ٩/١٥٢.
167 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ٢/١٠١٨، رقم ١٤٠٠.
168 انظر: ولا تقربوا الفواحش، جمال إسماعيل ٢/١٣٣.
169 أخرجه النسائي، كتاب البيعة، بيعة النساء، رقم ٤١٨١، ٧/١٤٩.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٤، رقم ٢٥١١.