عناصر الموضوع
الرؤيا
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن منظور: «والرؤيا ما رأيته في منامك... وهي الرؤى، ورأيت عنك رؤى حسنة حلمتها، وأرأى الرجل إذا كثرت رؤاه بوزن رعاه، وهي أحلامه، جمع الرؤيا، ورأى في منامه رؤيا على فعلى بلا تنوين، وجمع الرؤيا رؤى بالتنوين مثل رعى»1.
وقال الفراهيدي: «ولا تجمع الرؤيا، ومن العرب من يلين الهمزة فيقول: رويا، ومن حول الهمزة فإنه يجعلها ياءً، ثم يكسر فيقول: رأيت ريًا حسنة، والري ما رأت العين من حال حسنة من المتاع واللباس»2.
وقال الفراء: «إذا تركت العرب الهمزة من الرؤيا قالوا: الرويا، طلبًا للخفة، فإذا كان من شأنهم تحويل الواو إلى الياء قالوا: (لا تقصص رياك ) في الكلام، وأما في القرآن فلا يجوز. قال: ولا تجمع الرؤيا، وقال غيره: تجمع الرؤيا: رؤى، كما يقال: عليا، وعلى».3
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يوجد فرق كبير بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، لأنها لا تعدو معنى ما يراه المرء في النوم.
وردت مادة (رأي) في القرآن الكريم (٣٢٧) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٢)مرة4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٤ |
(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الصافات:١٠٢] |
الفعل الماضي |
١ |
(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الإسراء:٦٠] |
المفرد |
٧ |
(ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يوسف:٤٣] |
وجاءت الرؤيا في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: ما يراه الإنسان في منامه5.
الحلم:
الحلم لغة:
الحلم بالضم والحلم بضمتين: الرؤيا، وجمعها الرؤى، وهي أحلامٌ، حلم في نومه واحتلم وتحلم وانحلم، وتحلم الحلم: استعمله وحلم به، وعنه: رأى له رؤيا أو رآه في النوم6.
قال الليث: «الحلم الرؤيا، يقال: حلم يحلم إذا رأى في المنام، والحلم: بضم الحاء واللام أو ضم الحاء وسكون اللام، وهو ما يراه النائم، والحلم: بكسر الحاء وسكون اللام هو الأناة والعقل»7.
الحلم اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي، إلا أنه غلب في الاستعمال الشرعي على ما يراه النائم من الشر والقبيح.
الصلة بين الرؤيا والحلم:
قال ابن الاثير: «الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح، ومنه قوله تعالى: (ﭒ ﭓ) [يوسف:٤٤]. ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر»8.
ويؤيده الحديث النبوي: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم فليتعوذ منه، وليبصق عن شماله، فإنها لا تضره)9.
قال ابن حجر: «إن التي تضاف إلى الله لا يقال لها: حلم، والتي تضاف للشيطان لا يقال لها: رؤيا، وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا»10.
الرؤية:
الرؤية لغة:
وتعني إدراك المرئي والإقبال بالبصر نحوه، قد يدرك وقد لا يدرك؛ ولذلك قد ينظر الشخص ولا يرى المرئي، وعليه فيجوز أن يقال لله تعالى: إنه راءٍ، ويقال: إنه ناظر.
الرؤية اصطلاحًا:
هو «المشاهدة بالبصر حيث كان في الدنيا والآخرة»11.
الصلة بين الرؤيا والرؤية:
إن الاستعمال الشائع للفظة «الرؤيا» هو ما يراه الإنسان في النوم، وأما معنى «الرؤية» فهو ما يراه الإنسان بحاسة بصره، أي: بعينه، وما يراه بقلبه، أي: فكره، وفرق بين الرؤيا والرؤية بتاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم وما يراه اليقظان.
قال ابن حجر: «وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص في منامه، وهي بوزن فعلى، وقد تسهل الهمزة، وقال الواحدي: هي في الأصل مصدر كاليسرى، فلما جعلت اسمًا لما يتخيله النائم أجريت مجرى الأسماء»12.
قال الفيروز آبادي: «الرؤية: النظر بالعين وبالقلب»13.
قال الراغب: «والرؤية: إدراك المرئي، وذلك أضرب بحسب قوى النفس، والأول: بالحاسة وما يجري مجراها، نحو (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [التكاثر:٦-٧]. والثاني: بالوهم والتخيل، نحو أرى أن زيدًا منطلق، والثالث: بالتفكر، نحو (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأنفال:٤٨]. والرابع: بالعقل، وعلى ذلك قوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النجم:١١]»14.
قال ابن حجر نقلًا عن بعض العلماء: «وقد تجيء الرؤية بمعنى الرؤيا، كقوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الإسراء:٦٠]»15.
الوحي:
الوحي لغة:
الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك. يقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت، وهو أن تكلمه بكلام تخفيه16.
الوحي اصطلاحًا:
قال الزرقاني: «الوحي في لسان الشرع أن يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر»17.
الصلة بين الرؤيا والوحي:
الرؤيا في حق الأنبياء عليهم السلام وحي، وأما غيرهم فليست وحيًا، ولكنها من البشارات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)18.
إن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام، منها ما تكون رؤيا صادقة، ومنها ما يكون من فعل ابليس، ومنها ما يكون من حديث النفس.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس)19.
قال ابن القيم: «والرؤيا كالكشف، منها رحماني، ومنها نفساني، ومنها شيطاني»20.
ولم يحك القرآن الكريم من هذه الأنواع إلا النوع الأول، وجاء ذكر أضغاث الأحلام عرضًا على لسان حاشية ملك مصر تارة، وعلى لسان المشركين تارة أخرى، كما سيأتي.
أولًا: الرؤيا الصالحة:
الرؤيا الصالحة هي الرؤيا الصادقة ومعنى الصادقة: المطابقة للواقع، وهي الرؤيا الحق، لأنها تقع كما هي، وهي الرؤيا الحسنة أيضًا، باعتبار حسن ظاهرها، أو حسن تأويلها، وهذه هي الأسماء والأوصاف النبوية التي أطلقت على الرؤيا الصالحة.
وكل الرؤى التي تناولها القرآن الكريم كانت عبارة عن رؤى صادقة، فقد قص علينا رؤى سيدنا إبراهيم ويوسف ومحمد عليهم الصلاة والسلام رؤاهم الصالحة، وكانت رؤيا الفتيان ورؤيا ملك مصر من الرؤى الصادقة كذلك، وسيأتي الكلام على ذلك بالتفصيل في المباحث اللاحقة.
قال المهلب: «الرؤيا الصالحة هي تباشير النبوة؛ لأنه لم يقع فيها ضغث فيتساوى مع الناس في ذلك، بل خص صلى الله عليه وسلم بصدقها كلها»21.
وهي أول ما بدئ الوحي بها، واستمرت مدة ستة أشهر من ربيع الأول إلى شهر رمضان المبارك حيث جاءه الوحي الصريح.
وإنما اقتصر الوحي في بدايته على الرؤيا فقط مراعاة لسنة التدرج، وتلطفًا وإيناسًا له صلى الله عليه وسلم، ورفقًا به، لئلا يفجأه الملك يقظة فيشق عليه، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، أي: فكانت رؤياه صلى الله عليه وسلم كلها صحيحة صادقة، لا يرى رؤيا إلا تحقق تفسيرها وظهر، كما يظهر الصباح في هذا الوجود22.
أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)23.
وفي صحيح البخاري جاء وصفها بالرؤيا الحسنة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)24.
قال المهلب: «المراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم، فإن الصدق فيها نادر لغلبة تسلط الشيطان عليهم، فالناس على هذا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهي على ثلاثة أقسام: مستورون، فالغالب استواء الحال في حقهم، وفسقة، والغالب على رؤياهم الأضغاث ،ويقل فيها الصدق، وكفار، ويندر في رؤياهم الصدق جدًا»25.
ويكفي الرؤيا الصالحة أنها مضافة إلى الله عز وجل إضافة تشريف، وكما جاء ذلك في الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله، فإنها لا تضره)26.
وإنها جزء من أجزاء النبوة كما تقدم، وإنها من مبشرات النبوة التي يبشر بها المؤمن، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: (أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له)27.
والرؤيا الصالحة من النعم الإلهية التي تستحق الشكر، ولهذا يستحب لمن رأى رؤيا صالحة تسر بها نفسه أن يشكر الله عليها؛ لأنها نعمة، وأن يحدث بها أحبابه الذين يثق بهم، ويطمئن إلى علمهم ورجاحة عقلهم28.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد، فإنها لن تضره)29.
قال ابن القيم: «والرؤيا الصحيحة أقسام، منها: إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام، كما قال عبادة بن الصامت وغيره، ومنها: مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها، ومنها: التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم، ومنها: عروج روحه إلى الله سبحانه وخطابها له، ومنها: دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك، فالتقاء أرواح الأحياء والموتى نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات»30.
ومن علامات الرؤيا الصالحة تواتر المسلمين عليها، كما حصل للصحابة رضي الله عنهم في رؤاهم لليلة القدر في السبع الأواخر، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)31.
قال ابن القيم: «فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء، كان كتواطؤ روايتهم له وكتواطؤ رأيهم على استحسانه واستقباحه، وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحًا فهو عند الله قبيح»32.
ومن علامات الرؤيا الصادقة صدق الحديث، فمن كان أصدق الناس حديثًا كان أصدقهم رؤيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا)33.
قال النووي: «ظاهره أنه على إطلاقه، وحكى القاضي عن بعض العلماء أن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم وموت العلماء والصالحين ومن يستضاء بقوله وعمله، فجعله الله تعالى جابرًا وعوضًا ومنبهًا لهم، والأول أظهر»34.
وقال ابن القيم: «والذي هو من أسباب الهداية هو الرؤيا التي من الله خاصة، ورؤيا الأنبياء وحي، فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة؛ ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرؤيا، وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح، فإن وافقته وإلا لم يعمل بها.
فإن قيل: فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقة أو تواطأت؟
قلنا: متى كانت كذلك استحال مخالفتها للوحي، بل لا تكون إلا مطابقة له منبهة عليه أو منبهة على اندراج قضية خاصة في حكمه لم يعرف الرائي اندراجها فيه فيتنبه بالرؤيا على ذلك، ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر والنهي، ولينم على طهارة كاملة مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه، فإن رؤياه لا تكاد تكذب ألبتة»35.
ثانيًا: حديث النفس:
ولم يرد شيء من هذا النوع «حديث النفس» في القرآن الكريم، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام بين المقصود من رؤيا حديث النفس بأنها: (ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه) وجاءت بلفظ آخر وهي: (ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس)36.
وفي سنن ابي داود عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس)37.
وعند ابن ماجه والطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته، فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)38.
قال القاضي عياض: «إن ما يكون من الأخلاط من باب ما يحدث به المرء نفسه، لأن غلبة حديث المرء عليه في يقظته تعتريه في نومه حتى يسمعه يتكلم به، وقد يعتريه عند شدة مرضه وبرسامة إغمائه حتى في صحته عند اشتغال سره، يتكلم بشيء مع غيره، فيقلب اللفظ ويغير الخطاب ببعض الكلمات والأسماء التي يحدث بها المرء نفسه، وكذلك غلبة الخلط عليه هو من هذا الباب»39.
قال العزيزي: «وهو ما كان في اليقظة يكون في مهم، فيرى ما يتعلق به في النوم»40.
قال القرطبي: «ويدخل فيه ما يلازمه في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال، وما يقوله الأطباء من أن الرؤيا من خلط غالب على الرائي»41.
والمراد هنا: جميع الأحلام الناشئة عن أمور نفسية، فمن أراد أمرًا ما، أو تمناه، أو هم به، أو عزم على فعله، أو انشغل فكره بما له تعلق بمزاجه أو عادته المستمرة، وما إلى ذلك، فقد حدث به نفسه، فإذا رأى ذلك الأمر في منامه، فإن رؤياه من قبيل الأحلام النفسية42.
وهي كما وصفت في الحديث الشريف، مما يحدث به المرء نفسه، أو ما يهم به في يقظته، فيراه في منامه، فهي ما يراه في منامه مما يقع له في مجريات حياته، من الخواطر التي تجري من غير قصد، وهذا كثير في مرائي الناس، كمن يرى أنه يأكل ويشرب ونحو ذلك مما تحدث به نفسه في اليقظة.
وعلامة هذا القسم أنه من الأمور المباحة، فلا يسر كحال الرؤية الصالحة، ولا يحزن كالتي من الشيطان، ومثلها الهم والخواطر في اليقظة، وهذا القسم لا حكم له ولا دلالة له43.
ثالثًا: أضغاث الاحلام:
قال ابن فارس: «والضغث يدل على التباس الشيء بعضه ببعض، يقال للحالم: أضغثت الرؤيا، والأضغاث الأحلام الملتبسة، والضغث قبضة من قضبان أو حشيش، والأضغاث جمع ضغث»44.
قال الأزهري: «وكذلك أضغاث الرؤيا اختلاطها والتباسها، وقال مجاهد: أضغاث الرؤيا أهاويلها. وقال غيره ما لا تأويل له. قال: وإنما سميت أضغاث أحلام لأنها مختلطة، فدخل بعضها في بعض، وليست كالصحيحة من الرؤيا»45.
قال ابن جريج: قال لي عطاء: إن أضغاث الأحلام الكاذبة المخطئة من الرؤيا. وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن الرؤيا منها حق، ومنها أضغاث أحلام، يعني بها: الكاذبة. وقال الهروي: قوله تعالى(ﭒ ﭓ) أي: أخلاط أحلام46.
وقد جاء هذا الوصف في القرآن الكريم مرتين، مرة في في شأن يوسف عليه السلام مع ملك مصر، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [يوسف:٤٤].
ومرة في حكاية سخرية كفار قريش بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنبياء:٥].
قالت د. عائشة بنت الشاطيء: «استعمل القرآن الأحلام ثلاث مرات، يشهد سياقها بأنها الأضغاث المهوشة والهواجس المختلطة، وتأتي في المواضع الثلاثة بصيغة الجمع، دلالة على الخلط والتهويش لا يتميز فيه حلم من آخر»47.
وقد عرفتها السنة النبوية بأنها تحزين من الشيطان، كما مر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ورؤيا تحزين من الشيطان، فمن رأى ما يكره فليقم فليصل)48.
ووردت في رواية عوف بن مالك رضي الله عنه بأنها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، كما مرت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم)49.
ورواها ابن ابي شيبة عن عوف بن مالك رضي الله عنه بلفظ: تخويف من الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا على ثلاثة، منها تخويف من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها الأمر يحدث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)50.
وأضغاث الأحلام: هي الأحلام الشيطانية التي يصورها الشيطان للإنسان في أثناء نومه أشكالًا مختلفة من الأشباح المخيفة، التي تؤذي النائم، وتثير في نفسه الآلام والمخاوف، وتسبب له القلق النفسي، فقد يرى أسدًا يفترسه، أو عدوًا يقتله، وما هي إلا مجرد خيالات لا تمت إلى الواقع بصلة51.
وفي كل الروايات نص بأنها من إفزاع من الشيطان الرجيم، وأن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يخوفه، ولهذا يستحب لمن رأى شيئًا من ذلك أن يستعيذ بالله تعالى من شرها، وذلك كما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد، فإنها لن تضره)52.
وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منها مع أنها خيال لا حقيقة، له ليتخلص من تأثيرها النفسي وما تحدثه من وساوس وأوهام وآلام نفسية قد تؤدي بصاحبها إذا استسلم لها إلى الجنون أو الموت المحقق؛ لأن الوهم وحش كاسر يقتل صاحبه ويفتك به، فالتعوذ من هذه الرؤى يقضي على آثارها النفسية، ويخلص المرء من شرها، كما روي عن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة رضي الله عنه يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا، فتمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلم من الشيطان)53، فما كنت أباليها، أي: فما عادت تخيفني لقناعتي نفسيًا بعدم تأثيرها سيما بعد الاستعاذة منها54.
إن للرؤيا الفاسدة أمارات يستدل بها عليها، فمنها أن يرى ما لا يكون كالمحالات وغيرها مما يعلم أنه لا يوجد بأن الله سبحانه وتعالى على صفة مستحيلة عليه، أو يرى نبيًا يعمل عمل الفراعنة، أو يرى قولًا لا يحل التفوه به55.
ومن الأضغاث ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأعرابي جاءه فقال: إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام)56.
قال ابن الجوزي: «وهذا تنبيه على أن كل رؤيا كانت من هذا الجنس، فلا ينبغي أن يتحدث بها، فإنها من الشيطان»57.
قال المازري: «يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي أو بدلالة من المنام دلته على ذلك، أو على أنه من المكروه الذي هو من تحزين الشياطين»58.
وأخرج ابن أبي حاتم أن عمر بن الخطاب قال: «العجب من رؤيا الرجل، إنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على باله فتكون رؤيا كأخذ باليد، ويرى الرجل الرؤيا فلا تكون رؤياه شيئًا! فقال علي بن أبي طالب، أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين، يقول الله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الزمر:٤٢].
فالله يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها، فعجب عمر من قوله»59.
لقد كان للرؤيا الصالحة نصيب من النبوة في القرآن الكريم؛ لأنها من الوحي بالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي من المبشرات بالنسبة لغيرهم، وسنتناول رؤى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في النقاط الأتية.
أولًا: رؤى الانبياء وحي:
الرؤيا الصالحة هي أول مراتب الوحي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا عنون الإمام البخاري في أول صحيحه (كتاب بدء الوحي) وبوب له (باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والمناسبة في ذلك أنه ذكر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)60.
والمراد بفلق الصبح ضياؤه، وخص بالتشبيه؛ لظهوره الواضح الذي لا شك فيه.
قال ابن عباس: «رؤيا الأنبياء وحي»61.
قال الحافظ ابن حجر: «ورؤيا الأنبياء وحي، بخلاف غيرهم، فالوحي لا يدخله خلل؛ لأنه محروس، بخلاف رؤيا غير الأنبياء، فإنها قد يحضرها الشيطان»62.
وكذلك فإن أعينهم تنام، ولكن قلوبهم لا تنام، كما ثبت في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال: (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي )63.
قال ابن عاشور: «وكان أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، ولكن الشريعة لم يوح بها إليه إلا في اليقظة مع رؤية جبريل دون رؤيا المنام، وإنما كانت الرؤيا وحيًا له في غير التشريع، مثل الكشف على ما يقع، وما أعد له، وبعض ما يحل بأمته، أو بأصحابه، فقد رأى في المنام أنه يهاجر من مكة إلى أرض ذات نخل، فلم يهاجر حتى أذن له في الهجرة، كما أخبر بذلك أبا بكر رضي الله عنه، ورأى بقرًا تذبح، فكان تأويل رؤياه من استشهد من المسلمين يوم أحد»64.
والملاحظ أن الرؤيا الصالحة لم ترد في جواب النبي عليه الصلاة والسلام حينما سأله الحارث بن هشام رضي الله عنه كيف يأتيك الوحي؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا، فيكلمني فأعي ما يقول)، قالت عائشة رضي الله عنها: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا)65.
لأن الرؤيا قد يشاركه فيها غيره، والمقصود من الرؤيا الصادقة هو اعتبار صدقها لا غير، وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيًا، وعلى هذا الأساس ذهب أهل العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح اليه بالقرآن الكريم في النوم عن طريق الرؤيا، أما غير القرآن فهذا هو المقصود بالوحي، لأنه لا خلاف بين أهل العلم في أن رؤيا الأنبياء وحي لما تقدم من حديث البخاري في كتاب بدء الوحي، وكذلك هي داخلة في قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الشورى:٥١].
كما تقدم في المبحث الأول في العلاقة بين الرؤيا والوحي.
ولأن إبراهيم عليه السلام ما كان ليذبح ابنه بسبب رؤيا رآها لولا أن تلك الرؤيا من الوحي.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الصافات:١٠٢].
ورؤيا الأنبياء عليهم السلام حق أيضًا، قال تعالى في رؤيا يوسف عليه السلام: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [يوسف:١٠٠].
وعن معاذ رضي الله عنه قال: (إن كان عمر لمن أهل الجنة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في يقظته أو نومه فهو حق، وإنه قال: (بينما أنا في الجنة إذ رأيت فيها دارًا، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: لعمر بن الخطاب رضي الله عنه)66.
وهي صدق أيضًا، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الفتح:٢٧].
والرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وقد عدها العلماء من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام؛ لتضمنها أمورًا غيبية مستقبلية، وتحقق وقوعها كلها كما رآها عليه الصلاة والسلام وكما عبرها، ولنكتفي بذكر بعض الأمثلة من الصحيح على ذلك، ففي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر)67.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يومًا، فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة)، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله) كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الأولين)، فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت)68.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت مفاتيح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي). قال أبو هريرة: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها69.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب)70.
ثانيًا: رؤيا إبراهيم عليه السلام:
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الصافات:١٠٢].
إن الله سبحانه وتعالى قص علينا قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع ابنه إسماعيل عليه السلام، منذ أن سأل إبراهيم عليه السلام الله عز وجل أن يرزقه ولدًا من الصالحين، فبشره الله تعالى بذلك ورزقه غلامًا حليمًا، ولما كبر وترعرع وبلغ السعي مع أبيه وصار يقضي شؤونه، رأى أبوه إبراهيم عليه السلام رؤيا، وقال له: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، وكان عمر إسماعيل عليه السلام يومئذ ثلاث عشرة سنة، كما تذكر ذلك كتب التفاسير71.
قال ابن عاشور: «والنظر هنا نظر العقل لا نظر البصر، فحقه أن يتعدى إلى مفعولين، ولكن علقه الاستفهام عن العمل، والمعنى تأمل في الذي تقابل به هذا الأمر، وذلك لأن الأمر لما تعلق بذات الغلام، كان للغلام حظ في الامتثال، وكان عرض إبراهيم هذا على ابنه عرض اختبار لمقدار طواعيته بإجابة أمر الله في ذاته، لتحصل له بالرضى والامتثال مرتبة بذل نفسه في إرضاء الله، وهو لا يرجو من ابنه إلا القبول؛ لأنه أعلم بصلاح ابنه، وليس إبراهيم مأمورًا بذبح ابنه جبرًا، بل الأمر بالذبح تعلق بمأمورين: أحدهما بتلقي الوحي، والآخر بتبليغ الرسول إليه، فلو قدر عصيانه لكان حاله في ذلك حال ابن نوح الذي أبى أن يركب السفينة لما دعاه أبوه، فاعتبر كافرًا»72.
قال الطبري: «اختلفت القراء في قراءة قوله: (ماذا ترى)؟، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة، وبعض قراء أهل الكوفة: (فانظر ماذا ترى)؟ بفتح التاء، بمعنى: أي شيء تأمر، أو فانظر ما الذي تأمر، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (ماذا ترى) بضم التاء، بمعنى: ماذا تشير، وماذا ترى من صبرك أو جزعك من الذبح؟ والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: (ماذا ترى) بفتح التاء، بمعنى: ماذا ترى من الرأي73.
فإن قال قائل: أو كان إبراهيم يؤامر ابنه في المضي لأمر الله، والانتهاء إلى طاعته؟ قيل: لم يكن ذلك منه مشاورة لابنه في طاعة الله، ولكنه كان منه ليعلم ما عند ابنه من العزم: هل هو من الصبر على أمر الله على مثل الذي هو عليه؟ فيسر بذلك أم لا؟ وهو في الأحوال كلها ماض لأمر الله»74.
قال الفراء: «المعنى ماذا تريني من رأيك أو ضميرك، و(رأى) في الكلام على خمسة أوجه: بمعنى (أبصر) نحو: رأيت، وبمعنى (علم) نحو: رأيت زيدًا عالمًا، وبمعنى (ظن) نحو قوله: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [المعارج:٦-٧].
فالأول بمعنى الظن، والثاني بمعنى العلم، وبمعنى اعتقد، وبمعنى الرأي، نحو قولك: رأيت هذا الرأي.
فأما (رأيت في المنام) فمن رؤية البصر، فلا يجوز أن تكون (ترى) هاهنا بمعنى تبصر؛ لأنه لم يشر إلى شيء يبصر بالعين، ولا يجوز أن تكون بمعنى (علم) أو (ظن) أو (اعتقد)؛ لأنه هذه الأشياء تتعدى إلى مفعولين، وليس هاهنا إلا مفعول واحد، مع استحالة المعنى، فلم يبق إلا أن يكون من (الرأي)، والمعنى ماذا تراه»75.
قال مقاتل: رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات، وقال محمد بن كعب: كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظًا ورقودًا، فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم، وهذا ثابت في الخبر المرفوع، قال صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا)76.
وقال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي، واستدل بهذه الآية، ويقال: إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائلًا يقول: إن الله يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح روى في نفسه، أي: فكر أهذا الحلم من الله أم من الشيطان؟ فسمي يوم التروية، فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضًا، وقيل له: الوعد، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة، فهم بنحره فسمي يوم النحر77.
قال ابن كثير: «وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه من صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) أي: امض لما أمرك الله من ذبحي، (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) أي: سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل، وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد؛ ولهذا قال الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [مريم:٥٤]»78.
وعند تفكيك البنية التركيبية في نص الرؤيا نجدها تضم عشرة أفعال، ثلاثة منها في الزمن الماضي (قال–أرى-قال) وأربعة في الزمن المضارع المبني للمعلوم (أذبحك–ترى–ستجدني–إن شاء) وواحد للمضارع المبني للمجهول (تؤمر) وفعلا أمر (أنظر-افعل) في حين اشتملت على خمسة أسماء هي (بني–المنام–أبت–الله-الصابرين) جاءت الأفعال ضعف الأسماء؛ لأن الأفعال تتحرك بين ثلاث: الله يأمر، إبراهيم يستجيب ويخبر وينفذ، إسماعيل يستجيب وينفذ.
وبرسم شبكة العلاقات القائمة في الآية نجد تناغمًا وتجاوبًا كبيرين بين الابن وأبيه، يتضح ذلك من خلال البيان التالي:
الأب (المرسل):
الابن (المستقبل):
وهذا يظهر دلالة المحبة والود والقرب المتحقق بين الأب وابنه، وكأنه يقول له: أنت ابني قبل كل شيء، وهذه العلاقة هي التي دفعت الأب لمصارحة ابنه بما رأى، وكان بإمكانه تنفيذ الرؤيا دون أن يخبر ولده، ولكن ليتجلى الدرس الأخلاقي بأجل صورة، ولتظل هذه الصورة ماثلة أمام كل من يقرأ القرآن الكريم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثلاث إشارات بثها الوالد لابنه، وكانت الإستجابة من الإبن سريعة وشافية لم يهمل أية جزئية من جزئياتها. هذه العلاقات جاءت في نسيج الرؤيا نفسها79.
قال ابن عاشور: «والمقصود من هذا الابتلاء إظهار عزمه وإثبات علو مرتبته في طاعة ربه، فإن الولد عزيز على نفس الوالد، والولد الوحيد الذي هو أمل الوالد في مستقبله أشد عزة على نفسه لا محالة، وقد علمت أنه سأل ولدًا ليرثه نسله ولا يرثه مواليه، فبعد أن أقر الله عينه بإجابة سؤله وترعرع ولده، أمره بأن يذبحه فينعدم نسله ويخيب أمله ويزول أنسه ويتولى بيده إعدام أحب النفوس إليه، وذلك أعظم الابتلاء فقابل أمر ربه بالامتثال، وحصلت حكمة الله من ابتلائه، وهذا معنى قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الصافات:١٠٦].
وإنما برز هذا الابتلاء في صورة الوحي المنامي إكرامًا لإبراهيم عن أن يزعج بالأمر بذبح ولده بوحي في اليقظة، لأن رؤى المنام يعقبها تعبيرها، إذ قد تكون مشتملة على رموز خفية، وفي ذلك تأنيس لنفسه لتلقي هذا التكليف الشاق عليه، وهو ذبح ابنه الوحيد»80.
قال الرازي: «بيان الحكمة في ورود هذا التكليف في النوم لا في اليقظة، أن هذا التكليف كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح، فورد أولًا في النوم حتى يصير ذلك كالمنبه لورود هذا التكليف الشاق، ثم يتأكد حال النوم بأحوال اليقظة، فحينئذ لا يهجم هذا التكليف دفعة واحدة، بل شيئًا فشيئًا»81.
ونقل القرطبي عن بعض أهل الإشارة: «أن إبراهيم ادعى محبة الله، ثم نظر إلى الولد بالمحبة، فلم يرض حبيبه محبة مشتركة، فقيل له: يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي، فشمر وأخذ السكين وأضجع ولده، ثم قال: اللهم تقبله مني في مرضاتك، فأوحى الله إليه: يا إبراهيم لم يكن المراد ذبح الولد، وإنما المراد أن ترد قلبك إلينا، فلما رددت قلبك بكليته إلينا رددنا ولدك إليك، وقال كعب وغيره: لما أري إبراهيم ذبح ولده في منامه، قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدًا أبدًا، فتمثل الشيطان لهم في صورة الرجل، ثم أتى أم الغلام وقال: أتدرين أين يذهب إبراهيم ابنك؟ قالت: لا، قال: إنه يذهب به ليذبحه، قالت: كلا هو أرأف به من ذلك، فقال: إنه يزعم أن ربه أمره بذلك، قالت: فإن كان ربه قد أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه، ثم أتى الغلام فقال: أتدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: لا، قال: فإنه يذهب بك ليذبحك، قال: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال: فليفعل ما أمره الله به، سمعًا وطاعة لأمر الله، ثم جاء إبراهيم فقال: أين تريد؟ والله إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك، فعرفه إبراهيم فقال: إليك عني يا عدو الله، فوالله لأمضين لأمر ربي، فلم يصب الملعون منهم شيئًا، وقال ابن عباس: لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى»82.
لقد حملت هذه الرؤيا خيرًا للبشرية جمعاء، وفي ذلك حكمة إلهية في امتثاله عليه السلام لأمر الله ولو كان فيما يكره، وهو بهذا الأمر دلل على طهارة قلب كل من الأب والابن، فكلاهما على خلق عظيم، وهذه صفات الأنبياء، وفيها بشرى بأن إسماعيل نبي كأبيه، وفيها إشارة لاستجابة دعوة إبراهيم عليه السلام (ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة:١٢٤].
وإسماعيل الممتثل لأمر الله لم يكن ظالمًا، لذا كانت البشرى بنبوته افتداء سيدنا إسماعيل عليه السلام بالكبش، وهو بمثابة افتداء للبشرية بأسرها83.
ودلت الآية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش، كما فدى به إبراهيم ابنه، قاله ابن عباس، وعنه رواية أخرى: ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبدالمطلب ابنه، روى الروايتين عنه الشعبي وروى عنه القاسم بن محمد: يجزيه كفارة يمين، وقال مسروق: لا شيء عليه، وقال الشافعي: هو معصية يستغفر الله منها، وقال أبو حنيفة: هي كلمة يلزمه بها في ولده ذبح شاة، ولا يلزمه في غير ولده شيء، قال محمد: عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في الحلف بنحر ولده إذا حنث.
وذكر ابن عبد الحكم عن مالك فيمن قال: أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين، ثم حنث فعليه هدي، قال: ومن نذر أن ينحر ابنه ولم يقل: عند مقام إبراهيم، ولا أراد فلا شيء عليه، قال: ومن جعل ابنه هديًا أهدى عنه.
قال القاضي ابن العربي: يلزمه شاة كما قال أبو حنيفة، لأن الله تعالى جعل ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة شرعًا، فألزم الله إبراهيم ذبح الولد، وأخرجه عنه بذبح شاة وكذلك إذا نذر العبد ذبح ولده يلزمه أن يذبح شاة، لأن الله تعالى قال (ﯓ ﯔ ﯕ) [الحج:٧٨].
والإيمان التزام أصلي، والنذر التزام فرعي، فيجب أن يكون محمولًا عليه. فإن قيل: كيف يؤمر إبراهيم بذبح الولد، وهو معصية والأمر بالمعصية لا يجوز؟
قلنا: هذا اعتراض على كتاب الله، ولا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام، فكيف بمن يفتي في الحلال والحرام، وقد قال الله تعالى:« افعل ما تؤمر» والذي يجلو الإلباس عن قلوب الناس في ذلك: أن المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان، وإنما الطاعات عبارة عما تعلق به الأمر من الأفعال، والمعصية عبارة عما تعلق به النهي من الأفعال، فلما تعلق الأمر بذبح الولد إسماعيل من إبراهيم صار طاعة وابتلاء، ولهذا قال الله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الصافات:١٠٦].
في الصبر على ذبح الولد والنفس، ولما تعلق النهي بنا في ذبح أبنائنا صار معصية.
فإن قيل: كيف يصير نذرًا وهو معصية؟
قلنا: إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ولا ينوي الفداء.
فإن قيل: فلو وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينو الفداء؟
قلنا: لو قصد ذلك لم يضره في قصده ولا أثر في نذره، لأن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعًا84.
قال الزرقاني: «فأنت ترى في هذا العرض الكريم لقصة إبراهيم الخليل وولده الذبيح إسماعيل ما يفيد أنه سبحانه قد أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نسخ ما أمره به قبل أن يتمكن من تنفيذه وفعله، أما أنه أمره بالذبح فيرشد إليه:
أولًا: قول إبراهيم لولده (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) لأن رؤيا الأنبياء حق من ناحية، ولأن مفاوضة إبراهيم لولده في هذا الأمر الجلل تدل على أن هذا أمر لا بد منه من ناحية أخرى، وإلا لما فاوضه تلك المفاوضة الخطيرة المزعجة التي هي أول مراحل السعي إلى التنفيذ.
ثانيًا: أن إسماعيل أجاب أباه بإعلان خضوعه وامتثاله لأمر ربه: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الصافات:١٠٢].
ثالثًا: أن إبراهيم اتخذ سبيله إلى مباشرة الأسباب القريبة للذبح حيث أسلم ولده وأسلم إسماعيل نفسه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الصافات:١٠٣].
رابعًا: أن الله ناداه بأنه قد صدق الرؤيا، أي: فعل من صدقها وحققها، ولو لم يكن هذا أمرًا من الله واجب الطاعة ما مدحه الله على تصديقه لرؤياه وسعيه إلى تحقيق ما أمره مولاه.
خامسًا: أن الله فدى إبراهيم بذبح عظيم، فلو لم يكن ذبح إسماعيل مطلوبًا لما كان ثمة داع يدعو إلى الفداء.
سادسًا: أن الله امتدح إبراهيم بأنه من المؤمنين ومن المحسنين المستحقين لإكرام الله إياه بالفرج بعد الشدة، وقرر سبحانه أن هذا هو البلاء المبين، وكافأه بأنه ترك عليه في الآخرين (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الصافات:١٠٩].
وكل ذلك يدل على أن الله أمره فأطاع، وابتلاه أشد الابتلاء فاستسلم وانصاع.
وأما أن الله نسخ هذا الأمر قبل تمكن إبراهيم من امتثاله، فيرشد إليه محاولة إبراهيم للتنفيذ بالخطوات التي خطاها، والمحاولات التي حاولها، وهي مفاوضة ولده حتى يستوثق منه أو يتخذ إجراء آخر، ثم استسلامهما بالفعل لحادث الذبح وصرعه فلذة كبده وقرة عينه على جبينه، كيما يضع السكين ويذبحه كما أمره رب العالمين، ولكن جاء النداء بالفداء قبل التمكن من الامتثال وتنفيذ الذبح»85.
ثالثًا:رؤيا يوسف عليه السلام:
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [يوسف:٤-٥].
سورة يوسف من السور المميزة في باب الرؤيا؛ لوجود أربع رؤى فيها من بين الرؤى المعدودة في القرآن الكريم، وقد ابتدأت قصة يوسف عليه السلام برؤياه التي رآها، قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف:٤].
وانتهت القصة بتصديق رؤياه، قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [يوسف:١٠٠].
وإن الأحداث التي في رؤيا يوسف عليه السلام تختلف عن الأحداث التي في رؤيا إبراهيم عليه السلام، ويترتب على ذلك اختلاف في التأويل، وكما أن رؤيا إبراهيم عليه السلام لها مكانة كما مر بنا، فإن رؤيا يوسف عليه السلام لها مكانة أيضًا، بحيث اعتبرت قصة يوسف التي ابتدأت بها من أحسن القصص.
وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام أن الأحد عشر كوكبًا عبارة عن إخوته، وكانوا أحد عشر رجلًا سواه، والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه، روي هذا عن ابن عباس والضحاك وقتادة وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة، وقيل: ثمانين سنة، وذلك حين رفع أبويه على العرش، -وهو سريره- وإخوته بين يديه (ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [يوسف:١٠٠]86.
قال الطبري: «وقوله (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) يقول: والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودًا، وقال (ﯰ) والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها بـ«فاعلة» و«فاعلات» لا بالواو والنون، لأن الواو والنون إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم أو الجن أو الملائكة، وإنما قيل ذلك كذلك، لأن السجود من أفعال من يجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قيل: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النمل:١٨].
وقال: (ﯮ) وقد قيل: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) فكرر الفعل، وذلك على لغة من قال: كلمت أخاك كلمته، توكيدا للفعل بالتكرير»87.
وقال القرطبي في قوله تعالى: (ﯰ) وكيف جاء مذكرًا: «فالقول عند الخليل وسيبويه أنه لما أخبر عن هذه الأشياء بالطاعة السجود، وهما من أفعال من يعقل أخبر عنهما كما يخبر عمن يعقل»88.
قال أبو جعفر: «يقول جل ذكره قال يعقوب لابنه يوسف: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) هذه (ﭖ ﭗ) فيحسدوك (ﭘ ﭙ ﭚ) يقول: فيبغوك الغوائل ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدو قد أبان لهم عداوته وأظهرها، يقول: فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك، وإنما قال يعقوب ذلك؛ لأنه قد كان تبين له من أخوته قبل ذلك حسدًا»89.
قال القرطبي: «إن قيل: إن يوسف عليه السلام كان صغيرًا حين رؤياه، والصغير لا حكم لفعله، فكيف تكون له رؤيا لها حكم حتى يقول له أبوه: لا تقصص رؤياك على إخوتك؟ فالجواب أن الرؤيا إدراك حقيقة، فتكون من الصغير كما يكون منه الإدراك الحقيقي في اليقظة، وإذا أخبر عما رأى صدق، فكذلك إذا أخبر عما يرى في المنام، وقد أخبر الله سبحانه عن رؤياه وأنها وجدت كما رأى فلا اعتراض، وروي أن يوسف عليه السلام كان ابن اثنتي عشرة سنة»90.
قال ابن كثير: «يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيمًا زائدًا، بحيث يخرون له ساجدين إجلالًا وإكرامًا واحترامًا، فخشي يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدوه على ذلك فيبغوا له الغوائل؛ حسدًا منهم له ولهذا قال له (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: يحتالوا لك حيلة يردونك فيها، ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به، وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر، وليتفل عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من شرها، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره)91»92.
قال القرطبي: «هذه الآية أصل في أن لا نقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها، وفي هذه الآية دليل على أن مباحًا أن يحذر المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه، ولا يكون داخلًا في معنى الغيبة، لأن يعقوب عليه السلام قد حذر يوسف أن يقص رؤياه على إخوته فيكيدوا له، وفيها ما يدل على جواز ترك إظهار النعمة عند من تخشى غائلته حسدًا وكيدًا، وفيها دليل واضح على معرفة يعقوب عليه السلام بتأويل الرؤيا، فإنه علم من تأويلها أنه سيظهر عليهم ولم يبال بذلك من نفسه، فإن الرجل يود أن يكون ولده خيرًا منه، والأخ لا يود ذلك لأخيه، ويدل أيضًا على أن يعقوب عليه السلام كان أحس من بنيه حسد يوسف وبغضه، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوفًا أن تغل بذلك صدورهم، فيعملوا الحيلة في هلاكه، ومن هذا ومن فعلهم بيوسف يدل على أنهم كانوا غير أنبياء في ذلك الوقت»93.
وقد أخرج الطبري بسنده عن جابر رضي الله عنه رواية ذكر فيها أسماء الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من يهود يقال له: بستانة اليهودي، فقال له: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء، ونزل عليه جبريل وأخبره بأسمائها، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال: (هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟) قال: نعم، فقال: (جربان والطارق، والذيال، وذو الكنفات، وقابس، ووثاب، وعمودان، والفليق، والمصبح، والضروح، وذو الفرغ، والضياء، والنور). فقال اليهودي: والله إنها لأسماؤها94.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [يوسف:١٠٠].
وقوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني: السرير، أي: أجلسهما معه على سريره (ﮎ ﮏ ﮐ) أي: سجد له أبواه وإخوته الباقون، وكانوا أحد عشر رجلًا، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: التي كان قصها على أبيه (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [يوسف:٤].
وقد كان هذا سائغًا في شرائعهم، إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصًا بجناب الرب سبحانه وتعالى، والغرض أن هذا كان جائزًا في شريعتهم؛ ولهذا خروا له سجدًا، فعندها قال يوسف: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)، أي: هذا ما آل إليه الأمر، فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر، كما قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف:٥٣].
أي: يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا من خير وشر.
وقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: صحيحة صدقًا، يذكر نعم الله عليه (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) أي: البادية95.
قال الرازي: «لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا هو، كما أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم لحكمة لا يعرفها إلا هو، ويوسف ما كان راضيًا بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت، ثم حكى تعالى أن يوسف لما رأى هذه الحالة (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لما رأى سجود أبويه وإخوته هاله ذلك واقشعر جلده منه، وقال ليعقوب: هذا تأويل رؤياي من قبل، كأنه يقول: يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك في العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك إلا أن هذا أمر أمرت به وتكليف كلفت به، فإن رؤيا الأنبياء حق، كما أن رؤيا إبراهيم ذبح ولده صار سببًا لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظة، فكذلك صارت هذه الرؤيا التي رآها يوسف وحكاها ليعقوب سببًا لوجوب ذلك السجود»96.
وقد جاء في كتاب ضوابط تعبير الرؤيا تسع فوائد مستنبطة من رؤيا يوسف عليه السلام وهي على التوالي:
الأولى: مشروعية قص الرؤيا على أهل العلم والفضل، فيعقوب نبي، وهو من أهل العلم والفضل، ولذا قصها يوسف عليه ولعلمه بتأويله لها.
الثانية: معرفة يعقوب عليه السلام برؤيا يوسف وغايتها وما تؤول إليه ووسائلها التي تتقدم عليها، ففسر الشمس والقمر بأبيه وأمه والأحد عشر كوكبًا بإخوته، وأن الحال سيكون بأن الجميع سيسجد له.
الثالثة: حصول المكانة العظيمة ليوسف عند أبويه عند رؤياه التي قصها عليه، ولذا تراه كان معظمًا تعظيمًا بليغًا عندهم.
الرابعة: إن حصول الرؤيا الصالحة لا تكون لكل البشر، فلا تحصل لأهل العلوم الفاسدة والأعمال الخبيثة الذين ينشرون الرذيلة في المجتمعات، بل لا تكون إلا لأهل الاجتباء من الله، فلا تحصل إلا لأهل العلوم النافعة والأعمال الصالحة والأخلاق الجميلة. ولذا قال يعقوب ليوسف: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[يوسف:٦].
الخامسة: إن من علم أن المكاره والمشقات تفضي إلى الخير والراحات، تسلى وهانت عليه مشقتها وسهلت عليه وطأتها وحصل بذلك من اللطف والروح شيء عظيم، وهذا من جملة اللطف الذي أشـار إليه يوسف في قوله: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) وكأن يوسف عليه السلام له علم أنه ستكون له مكانة عظيمة ولكن لا يكون ذلك إلا بعد حصول مكروه له، فيجب عليه أن يصبر، وكأن يعقوب بذلك يريد أن يسهل على ابنه وطأة ما يحصل له، وهكذا ينبغي لكل معبر أنه إذا عبر لإنسان رؤياه وكان مآلها إلى خير، لكن بعد حصول مكروه للرائي، فإنه يدعو الرائي إلى الاستعداد ولمقابلة ما يحدث له.
السادسة: البشارة العظيمة ليعقوب وأم يوسف وأخوته بحصول الرفعة والصلاح والخير.
السابعة: إنه يتعين على الإنسان أن يعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحب أحدهم أكثر من غيره أن يخفي ذلك ما أمكنه، وأن لا يفضله بما يقتضيه الحب من إيثار بشيء من الأشياء، فإنه أقرب إلى صلاح الأولاد وبرهم له واتفاقهم فيما بينهم، ولهذا لـما ظهر لأخوة يوسف من محبة يعقوب الشديدة ليوسف وعدم صبره عنه وانشغاله به عنهم سعوا في أمر وخيم وهو التفريق بينه وبين أبيه.
الثامنة: في قوله تعالى:(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ).
ففيها الآتي:
التاسعة: في قول إخوة يوسف لأبيهم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [يوسف:٩٧].
إن العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية، فإن أولاد يعقوب جرى منهم ما جرى في أول الأمر مما هو أكبر أسباب النقص واللوم، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح والسماح من يوسف ومن أبيهم الدعاء لهم بالمغفرة97.
رابعًا: رؤى النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي، وأن القرآن الكريم ذكر رؤيا نبي الله إبراهيم عليه السلام ونبي الله يوسف عليه السلام كما تقدم، ولقد تعرض القرآن الكريم لأكثر من رؤيا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، منها ما هو متفق عليها عند المفسرين أنها رؤيا في المنام، ومنها ما هو مختلف في تفسيرها: هل هي رؤيا عين أم أنها رؤيا في المنام؟
ولنبدأ بما هو متفق عليه وهي رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام المنصوص عليها في القرآن الكريم وهي:
١. رؤيا دخول مكة.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الفتح:٢٧].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: لقد صدق الله رسوله محمدًا رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين لا يخافون أهل الشرك، مقصرًا بعضهم رأسه ومحلقًا بعضهم»98.
ومعنى صدق الله رسوله الرؤيا أنه أراه رؤيا صادقة، لأن رؤيا الأنبياء وحي، فآلت إلى معنى الخبر فوصفت بالصدق لذلك، وهذا تطمين لهم بأن ذلك سيكون لا محالة، وهو في حين نزول الآية لما يحصل بقرينة قوله: (ﯛ ﯜ ﯝ).
ومعنى (ﯘ) تحقيق دخول المسجد الحرام في المستقبل، فيعلم منه أن الرؤيا إخبار بدخول لم يعين زمنه فهي صادقة فيما يتحقق في المستقبل، وهذا تنبيه للذين لم يتفطنوا لذلك، فجزموا بأن رؤيا دخول المسجد تقتضي دخولهم إليه أيامئذ وما ذلك بمفهوم من الرؤيا، وكان حقهم أن يعلموا أنها وعد لم يعين إبان موعوده، وقد فهم ذلك أبو بكر إذ قال لهم: إن المنام لم يكن مؤقتًا بوقت وأنه سيدخل. وقد جاء في سورة يوسف (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [يوسف:١٠٠]99.
قال ابن كيسان: إنه حكاية ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه، خوطب في منامه بما جرت به العادة، فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك، ولهذا استثنى، تأدب بأدب الله تعالى حيث قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الكهف:٢٣-٢٤].
وقيل: خاطب الله العباد بما يحب أن يقولوه، كما قال (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ).
وقيل: استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون، قاله ثعلب، وقيل: كان الله علم أنه يميت بعض هؤلاء الذين كانوا معه بالحديبية فوقع الاستثناء لهذا المعنى، قاله الحسين بن الفضل.
وقيل: الاستثناء من (ﯞ)، وذلك راجع إلى مخاطبة العباد على ما جرت به العادة.
وقيل: معنى(ﯛ ﯜ ﯝ) إن أمركم الله بالدخول.
وقيل: أي: إن سهل الله.
وقيل: (ﯛ ﯜ ﯝ) أي: كما شاء الله.
فوعدهم دخول المسجد الحرام، وعلقه بشرط المشيئة، وذلك عام الحديبية، فأخبر أصحابه بذلك فاستبشروا، ثم تأخر ذلك عن العام الذي طمعوا فيه، فساءهم ذلك واشتد عليهم وصالحهم ورجع، ثم أذن الله في العام المقبل، فأنزل الله(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ).
وإنما قيل له في المنام: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) فحكى في التنزيل ما قيل له في المنام، فليس هنا شك، كما زعم بعضهم أن الاستثناء يدل على الشك، والله تعالى لا يشك، و(ﯘ) تحقيق، فكيف يكون شك.
فـ(ﯛ) بمعنى (إذا). (ﯞ) أي: من العدو.
(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) أي: من دون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر، قاله ابن زيد والضحاك.
وقيل: فتح مكة، وقال مجاهد: هو صلح الحديبية، وقاله أكثر المفسرين.
قال الزهري: ما فتح الله في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية، لأنه إنما كان القتال حين تلتقي الناس، فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضًا، فالتقوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، فلقد دخل تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر، يدلك على ذلك أنهم كانوا سنة ست يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة، وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلاف100.
قال ابن كثير: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أري في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا) قال: لا، قال: (فإنك آتيه ومطوف به). وبهذا أجاب الصديق، رضي الله عنه، أيضًا حذو القذة بالقذة101.
ولهذا قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) وهذا لتحقيق الخبر وتوكيده، وليس هذا من الاستثناء في شيء»102.
وفي الصحيحين أن سهل بن حنيف رضي الله عنه قام يوم صفين فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالًا لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: (بلى). فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: (بلى). قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: (يا ابن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدًا). فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدًا، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: (نعم).
قال الزهري: «قال عمر: فعملت لذلك أعمالًا»103.
قال الحافظ ابن حجر: «المراد به الأعمال الصالحة، ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء، وقد ورد عن عمر التصريح بمراده بقوله: «أعمالًا»، ففي رواية ابن إسحاق: وكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ؛ مخافة كلامي الذي تكلمت به. وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر: لقد أعتقت بسبب ذلك رقابًا، وصمت دهرا»104.
وقد وقع تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، ودخلوها آمنين غير خائفين كما وعدهم الله عز وجل.
٢. رؤيا ليلة الاسراء والمعراج.
والرؤيا الثانية التي ذكرت في القرآن الكريم وذكر فيها أن الله سبحانه وتعالى أراها للنبي صلى الله عليه وسلم هي رؤيا ليلة الإسراء والمعراج، وقد ذكرت بعض التفاسير الخلاف فيها: هل هي رؤيا عين أم هي رؤيا منام؟
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الإسراء:٦٠].
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) قال: «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، قال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) قال: هي شجرة الزقوم»105.
وعلى الرغم من نقل بعض التفاسير الخلاف في المراد بهذه الرؤيا إلا أنهم لم يثبتوا فيها قولًا أعلى من قول ابن عباس، لا من حيث السند ولا من حيث الدرجة، فهو ترجمان القرآن وحبر الأمة، وروايته هذه في صحيح البخاري، نعم إن الطبري قد نقل عنه قولًا ثانيًا في المراد من الرؤيا بأنها رؤياه التي رأى أنه يدخل مكة.
قال الطبري: حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) قال: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة، فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة قبل الأجل، فرده المشركون، فقالت أناس: قد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان حدثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم106.
قال القرطبي: وفي هذا التأويل ضعف؛ لأن السورة مكية، وتلك الرؤيا كانت بالمدينة107.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا السند ضعيف لا يرقى من أي وجه للمقارنة مع سند الامام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قال عنه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه: هذا الإسناد من أكثر الأسانيد دورانا في تفسير الطبري، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير108.
وعليه فإن ابن عباس رضي الله عنهما قد حسم القول فيها بأنها رؤيا عين، ولا عبرة بأي قول آخر.
قال ابن كثير: «وهكذا فسر ذلك بليلة الإسراء: مجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، ومسروق، وإبراهيم، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وغير واحد»109.
قال البغوي: «فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين، والعرب تقول: رأيت بعيني رؤية ورؤيا، فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك، وكذبوا، وكان فتنة للناس»110.
٣. رؤيا المشركين في بدر.
والرؤيا الثالثة التي ذكرت في القرآن الكريم وأن النبي عليه الصلاة والسلام رآها، هي رؤيا المشركين في غزوة بدر، قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأنفال:٤٣].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: وإن الله يا محمد سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم (ﮟ ﮠ ﮡ)، يقول: يريكهم في نومك قليلًا، فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم واجترأوا على حرب عدوهم، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا لفشل أصحابك، فجبنوا وخافوا ولم يقدروا على حرب القوم، ولتنازعوا في ذلك، ولكن الله سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تجنه الصدور، لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب»111.
قال ابن كثير: «وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) أي: في عينك التي تنام بها فصير المنام هو العين كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلًا.
قال مجاهد: أراه الله إياهم في منامه قليلًا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم، وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد، وقد روى ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) قال: بعينك112.
قال ابن كثير: وهذا القول غريب، وقد صرح بالمنام هاهنا، فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه»113.
قال الزمخشري: «وهذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن، وما يلائم عليه بكلام العرب وفصاحته»114.
وتصديقًا لرؤيا النبي عليه الصلاة والسلام وتثبيتًا للصحابة رضي الله عنهم، قلل الله عز وجل جيش الكفار داخل المعركة في أعين الصحابة رضي الله عنهم أيضًا.
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لصاحبي الذي إلى جانبي: كم تراهم؟ أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، حتى أخذنا منهم رجلًا فسألناه فقال: كنا ألفًا115.
فانظر إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأنفال:٤٣] كم حصل بها من منافع واندفع من مضار.
وكذلك قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الفتح:٢٧].
كم حصل بها من زيادة إيمان، وتم بها من كمال إيقان، وكانت من آيات الله العظيمة116.
أولًا: رؤيا ملك مصر:
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [يوسف:٤٣-٤٩].
قال القرطبي: «إن الملك الأكبر الريان بن الوليد رأى في نومه، كأنما خرج من نهر يابس سبع بقرات سمان، في أثرهن سبع عجاف، أي: مهازيل، وقد أقبلت العجاف على السمان، فأخذن بآذانهن فأكلنهن إلا القرنين، ورأى سبع سنبلات خضر قد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن، حتى أتين عليهن، فلم يبق منهن شيء وهن يابسات، وكذلك البقر كن عجافًا فلم يزد فيهن شيء من أكلهن السمان، فهالته الرؤيا، فأرسل إلى الناس وأهل العلم منهم والبصر بالكهانة والنجامة والعرافة والسحر وأشراف قومه، فقال: يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي، فقص عليهم، فقال القوم: أضغاث أحلام»117.
قال الألوسي: «وعبر عن ذلك بالأمر وعن طلب تأويله بالاستفتاء، تهويلًا لأمره وتفخيمًا لشأنه، إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم المبهمة»118.
قال ابن كثير: «هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سببًا لخروج يوسف عليه السلام من السجن معززًا مكرمًا، وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا فهالته وتعجب من أمرها وما يكون تفسيرها، فجمع الكهنة والحزاة119 وكبراء دولته وأمراءه وقص عليهم ما رأى وسألهم عن تأويلها، فلم يعرفوا ذلك واعتذروا إليه بأن هذه (ﭒ ﭓ) أي: أخلاط اقتضت رؤياك هذه (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة بتأويلها وهو تعبيرها، فعند ذلك تذكر ذلك الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين كانا في السجن مع يوسف، وكان الشيطان قد أنساه ما وصاه به يوسف من ذكر أمره للملك، فعند ذلك تذكر (ﭠ ﭡ) أي: مدة.
وقال بعضهم: (ﭠ ﭡ) أي: بعد نسيان.
فقال للملك والذين جمعهم لذلك: (ﭢ ﭣ ﭤ) أي: بتأويل هذا المنام، (ﭥ) أي: فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن. ومعنى الكلام: فبعثوا فجاء. فقال: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) وذكر المنام الذي رآه الملك.
فعند ذلك ذكر له يوسف عليه السلام، تعبيرها من غير تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك، بل قال: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) أي: يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات، ففسر البقر بالسنين؛ لأنها تثير الأرض التي تستغل منها الثمرات والزروع، وهن السنبلات الخضر.
ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) أي: مهما استغللتم في هذه السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله، ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه، إلا المقدار الذي تأكلونه، وليكن قليلًا قليلًا لا تسرفوا فيه، لتنتفعوا في السبع الشداد، وهن السبع السنين المحل التي تعقب هذه السبع متواليات، وهن البقرات العجاف اللاتي يأكلن السمان؛ لأن سني الجدب يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب، وهن السنبلات اليابسات، وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئًا، وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء.
ولهذا قال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) ثم بشرهم بعد الجدب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) أي: يأتيهم الغيث، وهو المطر، وتغل البلاد، ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم من زيت ونحوه، وسكر ونحوه حتى قال بعضهم: يدخل فيه حلب اللبن أيضًا، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ﮦ ﮧ) يحلبون»120.
قال الطبري في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ): «وهذا خبر من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله دلالة على نبوته وحجة على صدقة»121.
قال ابن عاشور: «إن الرؤيا قد تحاكي الصورة التي في نفس الأمر، وهو الأكثر في مرائي الأنبياء، وقد تحاكي المعنى الرمزي وهو الغالب في مرائي غير الأنبياء، مثل رؤيا ملك مصر سبع بقرات، ورؤيا صاحبي يوسف في السجن، وهو القليل في مرائي الأنبياء»122.
قال القرطبي: «هذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر، وأنها تخرج على حسب ما رأى، لا سيما إذا تعلقت بمؤمن، فكيف إذا كانت آية لنبي ومعجزة لرسول وتصديقًا لمصطفى للتبليغ وحجة للواسطة بين الله جل جلاله وبين عباده»123.
ثم قال: «إن قيل: إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءًا من النبوة فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلط أهلًا لها؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحة صادقة، كمنام رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن، ورؤيا بخت نصر، التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، ومنام عاتكة، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره وهي كافرة، وقد ترجم البخاري «باب رؤيا أهل السجن» فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحي ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق في حديثه عن غيب يكون خبره ذلك نبوة، وقد تقدم في «الأنعام» أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق، لكن ذلك على الندور والقلة، فكذلك رؤيا هؤلاء، قال المهلب: إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءًا من النبوة»124.
وقد تصدق رؤيا لكافر ولا تكون حينئذ جزءًا من النبوة ولا مبشرات، ولكن إنذارًا له أو لغيره ووعظًا125.
وقد ذكر الشيخ عبدالله الطيار بعض الفوائد المستنبطة من رؤيا ملك مصر وقد جمعها جمعًا لطيفًا من بعض كتب التفسير نذكر منها:
وإضافة إلى ذلك نذكر قول القرطبي بأن هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئًا منها فهو مفسدة، ودفعه مصلحة، ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية، ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله عز وجل ورحمة رحم بها عباده من غير وجوب عليه ولا استحقاق، هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين، وبسطه في أصول الفقه127.
ويوسف عليه السلام عندما جاءه ساقي الملك طالبًا منه تأويل رؤيا الملك، ذكر يوسف عليه السلام لذلك الفتى تعبيرها مباشرة من غير أن يشترط عليه الخروج من السجن مقابل ذلك، ومن غير تعنيف ولا تأنيب لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به قبل أن يخرج من السجن128.
وأخيرًا نقول: إن هذه الرؤيا كانت سببًا لكي يكون يوسف عليه السلام على خزائن الأرض لمدة خمس عشرة سنة أو أكثر، وإدارة الأزمة التي ستمر بمصر، وذلك من خلال وضع خطة اقتصادية تتحكم في الإنتاج الزراعي وتخزينه واستهلاكه، حتى تمر فترة الجفاف والقحط بسلام ولا يهلك الناس فيها.
ثانيًا: رؤيا الفتيان:
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [يوسف:٣٦-٤١].
ذكر القرآن الكريم قصة هذين الشابين اللذين دخلا السجن مع يوسف عليه السلام، قال قتادة: كان أحدهما ساقي الملك، والآخر خبازه129.
وقد قيل: إن الخباز وضع السم في الطعام، فلما حضر الطعام قال الساقي: أيها الملك لا تأكل؛ فإن الطعام مسموم، وقال الخباز: أيها الملك لا تشرب، فإن الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب، فشرب فلم يضره، وقال للخباز: كل، فأبى فجرب الطعام على حيوان، فنفق مكانه، فحبسهما سنة، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف130.
قال الخباز ليوسف عليه السلام: رأيت كأني اختبزت في تنانير ثلاثة، وجعلته في ثلاث سلال، فوضعته على رأسي، فجاء الطير فأكل منه، وقال الآخر: رأيت كأني أخذت عناقيد من عنب أبيض، فعصرتهن في ثلاث أوان، ثم صفيته، فسقيت الملك كعادتي فيما مضى، فذلك قوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) أي: عنبًا131.
قالا له: (ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، وكان يوسف عليه السلام قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث وحسن السمت وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم132.
قال الألوسي: وأما رؤيا صاحبي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبيرها في السجن بضع سنين، وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له، وتنبيه على أنه تعالى إنما أتاه ما آتاه لكونه محسنًا في أعماله متقنًا في عنفوان أمره، ومن هنا قال الحسن: من أحسن عبادة الله سبحانه في شبيبته آتاه الله تعالى الحكمة في اكتهاله133.
قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) أي: قال للساقي: إنك ترد على عملك الذي كنت عليه من سقي الملك بعد ثلاثة أيام، وقال للآخر: وأما أنت فتدعى إلى ثلاثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك، قال: والله ما رأيت شيئًا، قال: رأيت أو لم تر (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)134.
وقد ذكر أهل التفسير قولين في رؤيا صاحبي السجن، الأول لابن عباس رضي الله عنهما ومن تابعه بأن رؤيا صاحبي السجن رؤيا صحيحة، والثاني لابن مسعود رضي الله عنه ومن تابعه بأن رؤيا صاحبي السجن رؤيا كذب.
روى الطبري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، وإنما كانا تحالما ليجربا علمه، وقال قوم: إنما سأله الفتيان عن رؤيا كانا رأياها على صحة وحقيقة، وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها135.
قال ابن كثير: «والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه، وأنهما رأيا منامًا، وطلبا تعبيره»136.
قال القرطبي: «قال ابن عباس ومجاهد: كانت رؤيا صدق، رأياها وسألاه عنها، ولذلك صدق تأويلها»137.
ونقل القرطبي عن العلماء قولهم: «إن قيل: من كذب في رؤياه ففسرها العابر له، أيلزمه حكمها؟ قلنا: لا يلزمه، وإنما كان ذلك في يوسف لأنه نبي، وتعبير النبي حكم، وقد قال: إنه يكون كذا وكذا فأوجد الله تعالى ما أخبر كما قال: تحقيقًا لنبوته، فإن قيل: فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني رأيت كأني أعشبت ثم أجدبت ثم أعشبت ثم أجدبت، فقال له عمر: أنت رجل تؤمن ثم تكفر، ثم تؤمن ثم تكفر، ثم تموت كافرًا، فقال الرجل: ما رأيت شيئًا، فقال له عمر: قد قضي لك ما قضي لصاحب يوسف، قلنا: ليست لأحد بعد عمر؛ لأن عمر كان محدثًا»138.
وقد مر بنا في مطلب رؤيا ملك مصر بأن هذه الآيات أصل في صحة رؤيا الكافر، وأنها تخرج على حسب ما رأى، لا سيما إذا تعلقت بمؤمن، فكيف إذا كانت آية لنبي ومعجزة لرسول، وانها ليست من أجزاء النبوة.
وقد ظهرت فوائد كثيرة من هذه الرؤيا من أهمها:
ذلك الدرس الواعي للدعاة في سبيل الله، وكيف استطاع سيدنا يوسف عليه السلام، أن يستثمر سؤالهم عن تعبير الرؤيا إلى دعوتهم إلى عقيدة توحيد الله عز وجل وعبادته، وأنه عليه السلام لم يتعجل الإجابة مع علمه بتأويل رؤياهما.
قال الألوسي: «وقد تلطف عليه السلام بهما في ردهما إلى الحق وإرشادهما إلى الهدى، حيث أبرز لهما ما يدل على بطلان ما هما عليه بصورة الاستفهام، حتى لا تنفر طباعهما من المفاجأة، بإبطال ما ألفاه دهرًا طويلًا ومضت عليه أسلافهما جيلًا فجيلًا، فقال: ءأرباب متفرقون متعددون متكثرون يستعبدكما منهم هذا وهذا، والكلام على ما صرح به أبو حيان على حذف مضاف، أي: أعبادة أرباب متفرقين خير لكما، أم الله؟ أي: أم عبادة الله سبحانه الواحد المنفرد بالألوهية القهار الغالب الذي لا يغالبه أحد جل وعلا؟»139.
ونقل ابن كثير عن ابن جريج أنه قال: إنما عدل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا، لأنه عرف أنها ضارة لأحدهما، فأحب أن يشغلهما بغير ذلك، لئلا يعاودوه فيها، فعاودوه، فأعاد عليهم الموعظة.
قال ابن كثير: «وفي هذا الذي قاله -يعني: ابن جريج- نظر؛ لأنه قد وعدهما أولًا بتعبيرها، ولكن جعل سؤالهما له على وجه التعظيم والاحترام وصلة وسببًا إلى دعائهما إلى التوحيد والإسلام، لما رأى في سجيتهما من قبول الخير والإقبال عليه والإنصات إليه، ولهذا لما فرغ من دعوتهما، شرع في تعبير رؤياهما، من غير تكرار سؤال»140.
ظهر أدب يوسف عليه السلام في مخاطبتهما إذ قال في تعبيره عن الرؤى، أما أحدكما ولم يسمه؛ كي لا يحزن الآخر، وترك التحديد لفهمهما، ولوقت تحقق الرؤيا141.
يجوز للعالم أن يخبر الناس بعلمه، لا لأجل التفاخر والمباهاة، بل ليستفيد الناس منه ومن علمه.
لا بأس بطلب العالم ممن يعلمه، القيام بخدمته وقضاء حاجاته، إن كان ذلك بمقدور المتعلم واستطاعته.
وذكر السعدي منها، أن علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير الرؤيا داخل في الفتوى لقوله للفتيين (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)، وقال الملك (ﯸ ﯹ ﯺ)، وقال الفتى ليوسف (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم142.
الأصول القرآنية في تعبير الرؤى
لم يترك القرآن الكريم شيئًا من مصالح الناس إلا وقد أمر به، ولا شيئًا من مضار الناس إلا وقد نهى عنه، سواء كان ذلك نصًا، أو ضمن ألفاظ العموم.
ولهذا أجمع أهل العلم على أن مقاصد الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن هذه المصالح المتعلقة بالإنسان والتي راعى القرآن الكريم وجودها في طبيعته، هي الرؤيا وتعبيرها، والتي وضع لها أصولًا معتبرة لتأويلها أخذًا من قصة إبراهيم ويوسف ونبينا محمد عليهم الصلاة والسلام، فضلًا عن باقي الرؤى الثلاث التي ذكرت في سورة يوسف.
قال ابن خلدون: «هذا العلم من العلوم الشرعية، وهو حادث في الملة، عندما صارت العلوم صنائع وكتب الناس فيها، وأما الرؤيا والتعبير لها فقد كان موجودًا في السلف كما هو في الخلف، وربما كان في الملوك والأمم من قبل، إلا أنه لم يصل إلينا للاكتفاء فيه بكلام المعبرين من أهل الإسلام، وإلا فالرؤيا موجودة في صنف البشر على الإطلاق ولا بد من تعبيرها، فلقد كان يوسف الصديق صلوات الله عليه يعبر الرؤيا كما وقع في القرآن، وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر رضي الله عنه، والرؤيا مدرك من مدارك الغيب»143.
ومن أهم أصول وقواعد تعبير الرؤى:
١. السؤال عن الرؤيا.
الرؤى التي جاءت في القرآن الكريم محدودة جدًا منها للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم إبراهيم ويوسف ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وهم لم يطلبوا لرؤياهم تأويلًا، لاستغنائهم عنه بالوحي، وثلاث رؤى أخرى لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في سورة يوسف، وهي رؤيا ملك مصر، ورؤيا الفتيين صاحبي السجن، وهؤلاء طلبوا من نبي الله يوسف عليه السلام تأويلًا لرؤاهم، لحاجتهم لها وجهلهم بتعبيرها، بل إن يوسف عليه السلام شجعهم على ذلك ورغبهم فيه حينما قال لهما (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [يوسف:٣٧].
ومن هنا استحب لمن يجهل تعبير رؤياه أن يسأل عنها من يكون أهلًا للتعبير وعالمًا به.
وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على تعبير الرؤى، حينما كان يسأل أصحابه عما رأوه.
فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: (هل رأى أحد منكم من رؤيا؟) قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص)144.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه: (من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له)145.
قال النووي: «وفي هذا الحديث الحث على علم الرؤيا، والسؤال عنها، وتأويلها. قال العلماء: وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه وسلم يعلمهم تأويلها وفضلها واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الإخبار بالغيب»146.
قال ابن عبد البر: «وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها، لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من صلاة الغداة: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا، إلا ليقصها عليه ويعبرها؛ ليتعلم أصحابه كيف الكلام في تأويلها، وذلك دليل على فضل عبارة الرؤيا وشرف علمها، وحسبك بيوسف صلى الله عليه وسلم وما أعطاه الله منها، وفي أنبياء الله أسوة حسنة صلوات الله عليهم»147.
٢. الرؤى الصالحة تقع كما ترى، وتقع على غير ما ترى.
قال الكرماني: «رؤيا الأنبياء تنقسم قسمين: رؤيا تقع كما ترى، وذلك مثل ما رأى النبي عليه السلام أنه يدخل المسجد الحرام ومعه المؤمنون، فكان كما رأى لقوله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفتح:٢٧] الآية، ورؤيا تعبر فتقع على غير ما يرى، كرؤيا يوسف عليه السلام، وهو قوله (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [يوسف:٤] الآية، فكانت أخوة يوسف وأبويه لقوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [يوسف:١٠٠]الآية، وبعدها (ﮔ ﮕ ﮖ)، وكانت رؤيا إبراهيم من القبيل الثاني فاحتاط، فأخذ بظاهرها وعدها من القبيل الأول فقصد ذبحه، ففداه الله، وقال:(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الصافات:١٠٧]».148
قلت: وهذا ليس محصورًا برؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل هو كذلك في رؤى غيرهم من الصالحين، فمنهم من تقع رؤياه كما رآها ولا تحتاج إلى تأويل، ومنهم من تقع رؤياه على غير ما رأى، وأما قول الكرماني بأن رؤيا إبراهيم عليه السلام من القبيل الثاني فلا نسلم به، بل الأرجح أن رؤيا إبراهيم عليه السلام من النوع الأول، ولكن الله عز وجل صرف وقوعها، لأنه ليس من المعقول على سيدنا إبراهيم أو أي نبي آخر عليهم الصلاة والسلام أن يتجرأ على قتل أحد، ولو كان ابنه، برؤيا يتأولها، والإشكال هنا ليس في أن رؤيا الأنبياء وحي، بل هو في التأويل الذي هو أقرب إلى الاجتهاد، فضلًا عن سياق الآيات، وقول ابنه إسماعيل عليه السلام (ﰋ ﰌ ﰍ) وهذا صريح في أنها أمر على الحقيقة، وليس تأويلًا، والله أعلم.
وقد ورد هذان القسمان في السنة النبوية كثيرًا، فمن قبيل الأول: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (أريتك في المنام مرتين، إذا رجل يحملك في سرقة من الحرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشفها، فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه)149.
وقد أمضاه الله تعالى له عليه الصلاة والسلام.
ومن قبيل الثاني: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: (رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة) وهي الجحفة150.
٣. تعبير الرؤى علم عظيم.
إن تعبير الرؤيا علم من العلوم بنص الآيات القرآنية، ولهذا تجد بأن الإمام البخاري أفرد كتابًا في صحيحه سماه كتاب التعبير، وضمنه ثمانية وأربعين بابًا، روى فيه عشرات الأحاديث في الرؤى، وكذلك فعل مسلم في صحيحه في كتاب الرؤيا، وكذلك أصحاب السنن والمصنفات الحديثية.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يوسف:٦]: «والاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى، وأصله من جبيت الشيء أي: حصلته، ومنه جبيت الماء في الحوض، قال النحاس: وهذا ثناء من الله تعالى على يوسف عليه السلام، وتعديد فيما عدده عليه من النعم التي أتاه الله تعالى، من التمكين في الأرض، وتعليم تأويل الأحاديث، وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا. قال عبد الله بن شداد بن الهاد: كان تفسير رؤيا يوسف صلى الله عليه وسلم بعد أربعين سنة، وذلك منتهى الرؤيا، وعنى بالأحاديث ما يراه الناس في المنام، وهي معجزة له، فإنه لم يلحقه فيها خطأ»151.
قال الطبري: «وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديث الناس، عما يرونه في منامهم، وذلك تعبير الرؤيا»152.
قال ابن عبد البر: «وقد أثنى الله عز وجل على يوسف بن يعقوب صلى الله عليهما، وعدد عليه فيما عدد من النعم التي آتاه: التمكين في الأرض وتعليم تأويل الأحاديث، وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا، وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها»153.
قال البغوي في تفسير قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يوسف:٣٦]: «أي: العالمين بعبارة الرؤيا»154.
٤. لا ينبني على الرؤيا حكم شرعي.
ومن المعلوم أن الرؤيا الصالحة بالنسبة للأنبياء وحي، وبالنسبة لغيرهم من المؤمنين الصالحين جزء من أجزاء النبوة، إلا أنه لا ينبني عليها حكم شرعي.
قال النووي: «لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان، ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلة أول رمضان، لم يصح الصوم بهذا المنام لا لصاحب المنام ولا لغيره، ذكره القاضي حسين في الفتاوى وآخرون من أصحابنا، ونقل القاضي عياض الإجماع عليه، وقد قررته بدلائله في أول شرح صحيح مسلم، ومختصره أن شرط الراوي والمخبر والشاهد أن يكون متيقظًا حال التحمل وهذا مجمع عليه، ومعلوم أن النوم لا تيقظ فيه ولا ضبط، فترك العمل بهذا المنام لاختلاط ضبط الراوي لا للشك في الرؤية، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فقد رآني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)155. والله تعالى أعلم»156.
ويتفرع عن هذا رؤيا الصحابة رضي الله عنهم إذا أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يعمل بها بلا خلاف، لا لأنها حجة، بل لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها، ومن أمثلة ذلك رؤيا الآذان الذي أريه عبد الله بن زيد رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك)157158.
٥. طرق تعبير الرؤى.
قال ابن القيم: «من فهم القرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير، وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن»159.
قال السيوطي: «واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير، مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان، وفي منامي صاحبي السجن، وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: (ﭷ ﭸ) [الأعراف:١٩٩]160.
قال ابن عاشور: «عبر –يعني: يوسف عليه السلام- الرؤيا بجميع ما دلت عليه، فالبقرات لسنين الزراعة، لأن البقرة تتخذ للإثمار، والسمن رمز للخصب، والعجف رمز للقحط، والسنبلات رمز للأقوات، فالسنبلات الخضر رمز لطعام ينتفع به، وكونها سبعًا رمز للانتفاع به في السبع السنين، فكل سنبلة رمز لطعام سنة، فذلك يقتاتونه في تلك السنين جديدًا، والسنبلات اليابسات رمز لما يدخر، وكونها سبعًا رمز لادخارها في سبع سنين، لأن البقرات العجاف أكلت البقرات السمان، وتأويل ذلك: أن سني الجدب أتت على ما أثمرته سنو الخصب»161.
إن الرؤيا تختلف باختلاف حال الرائي لها، وذلك أن الصالح الذاكر لله يقل سلطان الشيطان عليه في اليقظة، وقد يتلاشى وينتفي كما هو حال الأنبياء، لذلك تقع رؤاهم كلها صالحة، وكلما كان الانسان صالحًا كلما ضعف سلطان الشيطان عليه وعلى رؤياه فتقع صالحة، أما الفاسق العاصي فللشيطان سلطان عليه في اليقظة، وسلطانه عليه في النوم أشد، لانه غائب الوعي والعقل، وقد بين الله تعالى في القرآن أن للشيطان سلطانًا على الفاسقين والغافلين عن ذكر الله وطاعته فقال: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الزخرف:٣٦].
وقال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النحل: ٩٩-١٠٠]162.
قال البغوي: «وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي، كالغل في النوم مكروه، وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر، وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطانًا، فإن لم يكن من أهله يصلب، وسأل رجل ابن سيرين، قال: رأيت في المنام كأني أؤذن. قال: تحج. وسأله آخر، فأول بقطع يده في السرقة، فقيل له في التأويلين، فقال: رأيت الأول على سيماء حسنة، فأولت قوله سبحانه وتعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحج:٢٧].
ولم أرض هيئة الثاني، فأولت قوله عز وجل: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [يوسف:٧٠].
وقد يرى الرجل في منامه فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية، أو حج، أو قدوم غائب، أو خير، أو نكبة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الفتح، فكان كذلك، قال الله سبحانه وتعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفتح:٢٧]».163
قال الراغب الأصفهاني: «ومن الفراسة علم الرؤيا»164.
وقال ابن قتيبة: «وقد تتغير الرؤيا عن أصلها، باختلاف هيئات الناس وصناعاتهم وأقدارهم وأديانهم فيكون لواحد رحمة وعلى الآخر عذابًا»165.
قال الملا علي القاري: «والحاصل أن الرؤيا مختلفة باختلاف الرائي، فإنه قد يكون سالكًا من مسالك طريق الدنيا، وقد يكون سائرًا في مسائر صراط العقبى، فلكل تأويل يليق به ويناسب بحاله ومقامه، وهذا أمر غير منضبط، ولذا لم يجعل السلف فيه تأليفًا مستقلًا جامعًا شاملًا كافلًا لأنواع الرؤيا، وإنما تكلموا في بعض ما وقع لهم من القضايا، ولذا لم تلق معبرين يكونان في تعبيرهما لشيء متفقين»166.
قال الإمام القرطبي عند تفسيره قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [يوسف:٤٤]: «في الآية دليل على بطلان قول من يقول: إن الرؤيا على أول ما تعبر؛ لأن القوم قالوا (ﭒ ﭓ) ولم تقع كذلك، فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب، فكان كما عبر، وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت»167.
قال الشيخ عبدالله الطيار: «قلت: وكلام الإمام القرطبي رحمه الله فيه نظر؛ لأن الذي قال بأن الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت) قال الراوي: وأحسبه قال: (لا يقصها إلا على واد، يعني: محب، أو ذي رأي)»168169.
قلت: والعجيب أن الإمام القرطبي ذكر هذه الرواية في تفسير السورة نفسها، وذكر تخريجها أيضًا، وعرف باسم الراوي! فالعجب كيف وقع في مثل هذا؟! فقال عند تفسير قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [يوسف:٥]: «هذه الآية أصل في ألا نقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها، روى أبو رزين العقيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا جزء من أربعين جزءًا من النبوة). و (الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها، فإذا حدث بها وقعت، فلا تحدثوا بها إلا عاقلًا أو محبًا أو ناصحًا) أخرجه الترمذي وقال فيه: حديث حسن صحيح، وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر»170.
قال ابن كثير: «ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر»171.
قال ابن قتيبة: «قالوا: كيف تكون الرؤيا على رجل طائر؟ وكيف تتأخر عما تبشر به أو تنذر منه بتأخر العبارة لها، وتقع إذا عبرت؟ وهذا يدل على أنها إن لم تعبر لم تقع.
قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب وهم يقولون للشيء، إذا لم يستقر: هو على رجل طائر وبين مخاليب طائر، وعلى قرن ظبي، يريدون: أنه لا يطمئن ولا يقف، وكذلك الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، يراد أنها تجول في الهواء حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت.
ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها، المصيب الموفق.
وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها لها عابرًا، وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرًا لها إذا أصاب.
يقول الله عز وجل: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [يوسف:٤٣].
يريد: إن كنتم تعلمون عبارتها.
ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول؛ لأن أكثرها أضغاث أحلام، فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة، ومنها ما يكون عن حديث النفس، ومنها ما يكون من الشيطان.
وإنما تكون الصحيحة، التي يأتي بها الملك، ملك الرؤيا عن نسخة أم الكتاب، في الحين بعد الحين»172.
قال البغوي: «واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقسامًا، فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب، أو من جهة السنة، أو من الأمثال السائرة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقلب»173.
قال البغوي: «فالتأويل بدلالة القرآن، كالحبل يعبر بالعهد، لقوله سبحانه وتعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ) [آل عمران:١٠٣].
والسفينة تعبر بالنجاة، لقوله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) [العنكبوت:١٥].
والخشب يعبر بالنفاق، لقوله عز وجل: (ﯩ ﯪ ﯫ) [المنافقون:٤].
والحجارة تعبر بالقسوة، لقوله جل ذكره: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة:٧٤].
والمريض بالنفاق، لقوله تبارك وتعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة:١٠].
والبيض يعبر بالنساء، لقوله سبحانه وتعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الصافات:٤٩].
وكذلك اللباس، لقوله سبحانه وتعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة:١٨٧].
واستفتاح الباب يعبر بالدعاء، لقوله سبحانه وتعالى: (ﭱ ﭲ) [الأنفال:١٩]. أي: تدعوا.
والماء يعبر بالفتنة في بعض الأحوال، لقوله عز وجل: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الجن:١٦-١٧].
وأكل اللحم النيء يعبر بالغيبة، لقوله سبحانه وتعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الحجرات:١٢].
ودخول الملك محلة، أو بلدة، أو دارًا تصغر عن قدره، وينكر دخول مثله مثلها، يعبر بالمصيبة والذل ينال أهلها، لقوله تبارك وتعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النمل:٣٤]».174
قال البغوي: «وأما التأويل بدلالة الحديث كالغراب يعبر بالرجل الفاسق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقًا.
والفأرة يعبر بالمرأة الفاسقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها فويسقة.
والضلع يعبر بالمرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضلع أعوج)175.
والقوارير تعبر بالنساء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أنجشة، رويدك سوقًا بالقوارير)»176177.
قال البغوي: «والتأويل بالمعنى كالأترج يعبر بالنفاق، لمخالفة باطنه ظاهره، إن لم يكن في الرؤيا ما يدل على المال.
وكالورد والنرجس يعبر بقلة البقاء إن عدل به عما ينسب إليه، لسرعة ذهابه.
ويعبر الآس بالبقاء؛ لأنه يدوم.
حكي أن امرأة سألت معبرًا بالأهواز: إني رأيت في المنام كأن زوجي ناولني نرجسا، وناول ضرة لي آسا.
فقال: يطلقك ويتمسك بضرتك، أما سمعت قول الشاعر:
ليس للنرجس عهد
إنما العهد لآس»178.
قال السعدي: «وإن أغلب ما تبنى عليه، أي: الرؤيا، المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة، فإن رؤيا يوسف التي رأى فيها الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا له ساجدين، وجه المناسبة فيها أن هذه الأنوار هي زينة السماء وجمالها وبها منافعها.
فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة الأرض وجمالها، وبهم يهتدى في الظلمات، كما يهتدى بهذه الأنوار.
ولأن الأصل أبوه وأمه وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نورًا وجرمًا لما هو فرع عنه، فلذلك كانت الشمس أمه، والقمر أباه، والكواكب إخوته.
ومن المناسبة أن الشمس لفظ مؤنث، فلذلك كانت أمه، والقمر والكواكب مذكرات فكانت لأبيه وإخوته.
ومن المناسبة أن الساجد معظم محترم للمسجود له، والمسجود معظم محترم، فلذلك دل ذلك على أن يوسف يكون معظمًا ومحترمًا عند أبويه وإخوته، ومن لازم ذلك أن يكون مجتبى مفضلًا في العلم والفضائل الموجبة لذلك. ولذلك قال أبوه: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يوسف:٦].
ومن المناسبة في رؤيا الفتيين، أن الرؤيا الأولى، التي رأى صاحبها أنه يعصر خمرًا، أن الذي يعصر خمرًا في العادة، يكون خادمًا لغيره، والعصر يقصد لغيره، فكذلك أوله بما يؤول إليه، أنه يسقي ربه، وذلك متضمن لخروجه من السجن.
وأول رؤيا الآخر: أي أنه يحمل فوق رأسه خبزًا، تأكل الطير منه، بأن جلدة رأسه ولحمه وما في ذلك من المخ، أنه هو الذي يحمل، وأنه سيبرز للطير بمحل تتمكن من الأكل من رأسه، فرأى من حاله أنه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه، وذلك لا يكون إلا بالصلب بعد القتل.
وأول رؤيا الملك للبقرات والسنبلات بالسنين المخصبة والسنين المجدبة، ووجه المناسبة أن الملك به ترتبط أحوال الرعية ومصالحها، وبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد.
وكذلك السنون، بها صلاح أحوال الرعية، واستقامة أمر المعاش أو عدمه.
وأما البقر، فإنها تحرث الأرض عليها، ويستقى عليها الماء، وإذا أخصبت السنة سمنت وإذا أجدبت صارت عجافًا.
وكذلك السنابل في الخصب، تكثر وتخضر، وفي الجدب تقل وتيبس، وهي أفضل أغلال الأرض»179.
ومن هذا القبيل ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب)، قالوا: فما أولته ذلك يا رسول الله؟ قال: (العلم)180.
قال الحافظ ابن حجر: «وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما»181.
وأخرجا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين)182.
قال ابن القيم: «ألا ترى أن الثياب في التأويل كالقمص تدل على الدين، فما كان فيها من طول أو قصر أو نظافة أو دنس فهو في الدين، كما أول النبي صلى الله عليه وسلم القميص بالدين والعلم والقدر المشترك بينهما أن كلًا منهما يستر صاحبه ويجمله بين الناس، فالقميص يستر بدنه، والعلم والدين يستر روحه وقلبه ويجمله بين الناس»183.
قال ابن قتيبة: «فأما التأويل بالأسماء فتحمل على ظاهر اللفظ، كرجل يسمى الفضل تتأوله إفضالًا، ورجل يسمى راشدًا تتأوله رشدًا، أو سالمًا تتأوله سلامة، وأشباه هذا كثير.
ثم روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب)184.
قال ابن قتيبة: فأخذ من رافع الرفعة، وأخذ طيب الدين من رطب ابن طاب.
ثم روى عن الأصمعي قال: قيل لابن سيرين: رجل رؤي على حمار ولا يزال يلقيه في ماء وطين، ثم رؤي كأنه أردف جارية، قال: ما اسمها؟ قال: عتبة، قال: أعتب الرجل»185.
قال ابن سيرين: نوى التمر نية السفر، وقد يعبر السفرجل بالسفر إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المرض، لأن أوله سفر، والسوسن بالسوء، لأن أوله سوء، إذا عدل به عما ينسب إليه في التأويل186.
قال البغوي: «والتأويل بالأمثال، كالصائغ يعبر بالكذاب، لقولهم: أكذب الناس الصواغون.
وحفر الحفرة يعبر بالمكر، لقولهم: من حفر حفرة وقع فيها، قال الله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [فاطر:٤٣].
والحاطب يعبر بالنمام، لقولهم لمن وشى: إنه يحطب عليه، وفسروا قوله سبحانه وتعالى: (ﮛ ﮜ) [المسد:٤] بالنميمة.
ويعبر طول اليد بصنائع المعروف، لقولهم: فلان أطول يدًا من فلان.
ويعبر الرمي بالحجارة وبالسهم بالقذف، لقولهم: رمى فلانًا بفاحشة، قال الله عز وجل: (ﮌ ﮍ ﮎ) [النور:٤].
ويعبر غسل اليد باليأس عما يأمل، لقولهم: غسلت يدي عنك».187
قال ابن قتيبة: «وأما التأويل بالضد والمقلوب، فكقولهم في البكاء: إنه فرح، ما لم يكن معه رنة أو صوت، وفي الفرح والضحك: إنه حزن.
وقولهم في الوالي يرى عهده أتاه: إنه العزل، ومن رأى ذلك من ليس بوالٍ: إنه ابتداء ولايته»188.
قال البغوي: «وأما التأويل بالضد والقلب، فكما أن الخوف في النوم يعبر بالأمن، لقوله سبحانه وتعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النور:٥٥].
والأمن فيه يعبر بالخوف.
ويعبر البكاء بالفرح إذا لم يكن معه رنة.
ويعبر الضحك بالحزن، إلا أن يكون تبسمًا»189.
موضوعات ذات صلة: |
البصر، الرؤية، يوسف عليه السلام |
1 لسان العرب، ابن منظور ١٤/ ٢٩١.
2 العين، الفراهيدي ٨/ ٣٠٧.
3 تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/ ٢٢٨.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٢٨٠-٢٨٥.
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/٢٩٧.
6 القاموس المحيط، الفيرزوآبادي ص ١٠٩٦.
7 تهذيب اللغة، الأزهري ٥/ ٦٩.
8 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الجزري ص ١٠٣٦.
9 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ٦/٢٥٦٣، رقم ٦٥٨٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، ٤/١٧٧١، رقم ٢٢٦١.
10 فتح الباري، ابن حجر ١٢/ ٣٦٩.
11 التعريفات، الجرجاني ص١٠٩.
12 فتح الباري، ابن حجر ١٢/ ٣٥٢.
13 القاموس المحيط، الفيرزوآبادي ص ١٢٨٥.
14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٧٤.
15 فتح الباري، ابن حجر ١٢/ ٣٥٢.
16 انظر: الصحاح، الجوهري ٧/ ٣٧٠، لسان العرب، ابن منظور ١٥/ ٣٧٩.
17 مناهل العرفان، الزرقاني ١/ ٦٣.
18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ٩/٣١، رقم ٦٩٨٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، ٤/ ١٧٧٣، رقم ٢٢٦٣.
19 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، ٤/ ١٧٧٣، رقم ٢٢٦٣.
20 مدارج السالكين، ابن القيم ١/ ٥١.
21 عمدة القاري، العيني ١/ ٥٣.
22 منار القاري، حمزة قاسم ١/ ٣٤.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/ ٤، رقم ٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/ ١٣٩، رقم ١٦٠.
24 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب رؤيا الصالحين، ٦/ ٢٥٦٢، رقم ٦٥٨٢.
25 فتح الباري، ابن حجر ١٢/ ٣٦٢.
26 سبق تخريجه.
27 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، ١/ ٣٤٨، رقم ٤٧٩.
28 منار القاري، حمزة قاسم ٥/ ٣٤٩.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها، ٦/ ٢٥٨٢، رقم ٦٦٣٨.
30 الروح، ابن القيم ص ٢٩.
31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، ٢/٧٠٩، رقم ١٩١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، ٢/٨٢٢، رقم ١١٦٥.
32 الروح، ابن القيم ص ٩.
33 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، ٤/١٧٧٣، رقم ٢٢٦٣.
34 شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ٢٠.
35 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٥١- ٥٢.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، ٤/١٧٧٣، رقم ٢٢٦٣.
37 أخرجه أبو داود ، في سننه، ٤/ ٤٦٢، والترمذي في سننه، ٤/ ٥٣٢.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
38 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب تعبير الرؤيا، باب الرؤيا ثلاث، ٢/ ١٢٨٥، رقم ٣٩٠٧.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٤/٤٨٧، رقم ١٨٧٠.
39 إكمال المعلم، القاضي عياض ٧/ ٢١٥.
40 عون المعبود، العظيم الآبادي ١٣/ ٢٤٧.
41 فيض القدير، المناوي ٤/ ٤٧.
42 دراسة أحاديث: الرؤيا من أجزاء النبوة ص١٠.
43 الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين ص ١١٣-١١٤.
44 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٣٦٣.
45 تهذيب اللغة، الأزهري ٨/ ٤٩.
46 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٩٩.
47 الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق ص ٢١٥.
48 سبق تخريجه.
49 سبق تخريجه.
50 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٦/١٨١.
51 منار القاري، حمزة قاسم ١/ ٤٤.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها، ٦/ ٢٥٨٢، رقم ٦٦٣٨.
53 سبق تخريجه.
54 منار القاري، حمزة قاسم ١/ ٤٤.
55 أدب المفتي والمستفتي، ابن الصلاح ص١٤٣.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب لا يخبر بتلعب الشيطان به في المنام، ٤/١٧٧٦، رقم ٢٢٦٨.
57 كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي ٣/ ٩٧.
58 شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ٢٧.
59 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ١٠/ ٣٢٥٢.
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/ ٤، رقم ٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/ ١٣٩، رقم ١٦٠.
61 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٦٩.
62 فتح الباري، ابن حجر ١٢/ ٣٥٤.
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أبواب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، ٢/٥٣، رقم ١١٤٧، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم، ١/٥٠٩، رقم ٧٣٨.
64 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ١٥٠.
65 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/ ٤، رقم ٣.
66 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٦/ ٤٣١، رقم ٢٢١٢٠.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/٧٤: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الاسلام، ٣/ ١٣٢٦، رقم ٣٤٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/١٧٧٩، رقم ٢٢٧٢.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب الرؤيا بالنهار، ٦/ ٢٥٧٠، رقم ٦٦٠٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر، ٣/١٥١٨، رقم ١٩١٢.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب رؤيا الليل، ٦/ ٢٥٦٨، رقم ٦٥٩٧.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/ ١٧٧٩، رقم ٢٢٧٠.
71 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/ ٩٩.
72 التحرير والتنوير ٢٣/ ١٥١.
73 قال الأزهري: قرأ حمزة والكسائي: (ماذا تُرِي) بضم التاء وكسر الراء، وقرأ الباقون: (ماذا تَرَى) بفتح التاء، وأمال أبو عمرو الراء من (ترى)، وفتحها الباقون، قال أبو منصور: من قرأ: (ماذا تَرَى) فهو من الرأي، المعنى: ماذا ترى فيما أمر الله به؟ ومن قرأ: (ماذا تُرِي) فله وجهان: أحدهما: ماذا تشير؟ وقال الفراء: معناه: ماذا ترى من صبرك؟ والقراءة الأولى أجود القراءتين.
معاني القراءات، الأزهري ٢/ ٣٢٠- ٣٢١.
74 جامع البيان، الطبري ٢١/ ٧٥.
75 النكت في القرآن الكريم، القيرواني ص ٤١٩.
76 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١/١٧١، عن عطاء مرسلًا.
77 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/ ١٠٢.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٢٨.
79 الرؤيا في القران ص ٣٤- ٣٧.
80 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ١٥٠-١٥١.
81 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/ ١٣٦.
82 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/ ١٠٥- ١٠٦.
وأثر ابن عباس أخرجه أحمد في مسنده، ٤/٤٣٧، والحاكم في المستدرك، ١/٦٣٨.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
83 الرؤيا في القران الكريم لفتحية صرصور ص ٣٩.
84 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/١١١- ١١٢.
85 مناهل العرفان، الزرقاني ٢/ ٢٢٨-٢٣٠.
86 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٣٦٩-٣٧٠.
87 جامع البيان، الطبري ١٥/ ٥٥٦.
88 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٢٢.
89 جامع البيان، الطبري ١٥/ ٥٥٨.
90 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٢٦.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها، ٩/٤٣، رقم ٧٠٤٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، ٤/١٧٧٢، رقم ٢٢٦١.
92 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٧١.
93 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٢٦-١٢٧.
94 أخرجه الطبري في تفسيره ١٥/ ٥٥٥.
95 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٤١٢.
96 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/ ٥١٢.
97 ضوابط تعبير الرؤيا، الطيار ص ٢٠-٢١.
98 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٢٥٧.
99 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/ ١٩٨-١٩٩.
100 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/ ٢٩٠-٢٩١.
101 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ٢/٩٧٤، رقم ٢٥٨١.
102 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٣٥٦.
103 أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب الجزية والموادعة، باب اثم من عاهد ثم غدر، ٣/ ١١٦٢، رقم ٣٠١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، ٣/ ١٤١١، رقم ١٧٨٥.
104 فتح الباري، ابن حجر ٥/ ٣٤٦.
105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج، ٣/ ١٤١٢، رقم ٣٦٧٥.
106 جامع البيان، الطبري ١٧/ ٤٨٣.
107 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/ ٢٨٢.
108 جامع البيان، الطبري ١/ ٢٦٣.
109 تفسير القرآن العظيم ٥/ ٩٢.
110 معالم التنزيل، البغوي ٣/ ١٤١.
111 جامع البيان، الطبري ١٣/ ٥٦٩-٥٧٠.
112 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٥/ ١٧٠٩.
113 تفسير القرآن العظيم ٤/ ٦٩.
114 الكشاف، الزمخشري ٢/ ٢١٣.
115 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ٨/ ٤٧٨، والطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ١٤٧.
116 بهجة قلوب الأبرار، السعدي ص ١٤٩-١٥٠.
117 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٩٨.
118 روح المعاني، الألوسي ١٢/ ٢٤٦.
119 وهم الكهنة، قال الأصمعي: التحزي التكهن.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٥/ ١١٤.
120 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٩٢-٣٩٣.
121 جامع البيان، الطبري ١٦/ ١٢٨.
122 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/ ٢٤.
123 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ٢٠٤.
124 المصدر السابق ٩/ ١٢٤-١٢٥.
125 الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم ٥/ ١٤.
126 ضوابط تعبير الرؤيا، الطيار ص ٢١-٢٣.
127 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ٢٠٣.
128 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٩٢-٣٩٣.
129 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٨٧.
130 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٨٩.
131 المصدر السابق ٩/ ١٩٠.
وسمي العنب خمرًا باعتبار ما سيؤول اليه.
132 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٣٨٧- ٣٨٨.
133 روح المعاني، الألوسي ٦/ ٤٠٠.
134 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٩٣.
135 جامع البيان، الطبري ١٦/ ٩٦.
136 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٣٨٨.
137 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٨٩-١٩٠.
138 المصدر السابق ٩/ ١٩٣.
139 روح المعاني، الألوسي ٦/ ٤٣٤.
140 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٩٠.
141 الرؤيا في القران الكريم، فتحية صرصور ص ٥٢.
142 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٠٧.
143 مقدمة ابن خلدون ٢/ ١٦٥.
144 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، ٦/٢٥٨٣، رقم ٦٦٤٠.
145 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب في تأويل الرؤيا، ٤/١٧٧٧، رقم ٢٢٦٩.
146 شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ٣٠- ٣١.
147 الاستذكار، ابن عبد البر ٨/ ٤٥٦.
148 غرائب التفسير، الكرماني ٢/ ٩٨٢.
149 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، ٣/١٤١٥، رقم ٣٦٨٢ ، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها ٤/١٨٨٩، رقم ٢٤٣٨.
150 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب المرأة السوداء، ٦/٢٥٨٠، رقم ٦٦٣١.
151 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٢٨- ١٢٩.
152 جامع البيان، الطبري ١٥/ ٥٦٠.
153 التمهيد، ابن عبد البر ١/ ٣١٣- ٣١٤.
154 معالم التنزيل، البغوي ٢/ ٤٩١.
155 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ١/ ٥٢، رقم ١١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب قول النبي عليه الصلاة و السلام: من رآني في المنام فقد رآني، ٤/ ١٧٧٦، رقم ٢٢٦٨.
156 المجموع، النووي ٦/ ٢٨٤.
157 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٦/٤٠٢، رقم ١٦٤٨٧، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، ١/١٣٥، رقم ٤٩٩.
وحسنه الألباني في الإرواء، ١/٢٦٥، رقم ٢٤٦.
158 الرؤى الصادقة حجيتها وضوابطها، آل عابد ص ٢٩.
159 إعلام الموقعين، ابن القيم ١/١٩١- ١٩٤.
160 الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٤/ ٣٢.
161 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/ ٢٨٦.
162 أحكام تفسير الرؤى والأحلام في القران الكريم والسنة المطهرة، العوضي ص ٣١.
163 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٤.
164 محاسن التأويل، القاسمي ٦/ ١٥٠.
165 تعبير الرؤيا، ابن قتيبة ص ٤٥.
166 مرقاة المفاتيح، الملا علي القاري ٧/ ٢٩٢١.
167 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ٢٠١.
168 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٦/١٠٠، رقم ١٦١٨٢، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء في تعبير الرؤيا، ٤/٣٠٥، رقم ٥٠٢٠، وابن ماجه في سننه، كتاب تعبير الرؤيا، باب الرؤيا إذا عبرت وقعت، ٢/١٢٨٨، رقم ٣٩١٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٦٣، رقم ٣٥٣٥.
169 ضوابط تعبير الرؤيا، الطيار ص ٢١-٢٣.
170 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ١٢٦.
171 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٧١.
172 تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة ص ٤٨٣-٤٨٥.
173 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٠.
174 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٠- ٢٢١.
175 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم عليه السلام وذريته، ٤/١٣٣، رقم ٣٣٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، ٢/ ١٠٩٠، رقم ١٤٦٨.
176 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، ٥/ ٢٢٧٨، رقم ٥٧٩٧، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم النساء وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن، ٤/ ١٨١١، رقم ٢٣٢٣.
177 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٠-٢٢١.
178 المصدر السابق ١٢/ ٢٢٣.
179 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤١٢.
180 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب فضل العلم، ١/ ٤٣ رقم ٨٢، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، ٤/ ١٨٥٩ رقم ٢٣٩١.
181 فتح الباري، ابن حجر ١/ ١٨٠.
182 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، ١/ ١٧، رقم ٢٣، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، ٤/ ١٨٥٩، رقم ٢٣٩٠.
183 إعلام الموقعين، ابن القيم ١/ ٢٢٥.
184 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/١٧٧٩ رقم ٢٢٧٠.
185 تعبير الرؤيا، ابن قتيبة ص ٣٢- ٣٣.
186 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٣.
187 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٢.
188 تعبير الرؤيا، ابن قتيبة ص ٤٥.
189 شرح السنة، البغوي ١٢/ ٢٢٣.