عناصر الموضوع

مفهوم الحيوان

الحيوان في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الحكمة الإلهية في خلق الحيوان

أنواع الحيوانات

الحيوانات المحرّم أكلها

الحيوان في المثل القرآني

لمسات إعجازية في خلق الحيوانات

الحيوان

مفهوم الحيوان

أولًا: المعنى اللغوي:

الحيوان من الفعل: (حيّ)، الحاء والياء، والحرف المعتل أصلان: الأوّل: الحياة والحيوان، وهو ضدّ الموت والموتان، وهذا يعني أن الحياة خلاف الموت، ويسمّى المطر حيًّا؛ لأن به حياة الأرض، ويقال: ناقةٌ محي ومحييةٌ، يعني: لا يكاد يموت لها ولد، وتقول: أتيت الأرض فأحييتها، إذا وجدتها حيّة النّبات غضّة، والثاني: الاستحياء الذي هو ضدّ الوقاحة، يقولون: استحييت منه استحياءً، وحييت منه أحيا، إذا استحييت، وحياء النّاقة، أي: فرجها1.

والمحيا مفعل من الحياة، تقول: محياي، والحيّ واحد أحياء، وأحياه الله فحيي، وقيل في الجمع: حيوا مخففًا، واستحياه، واستحيا منه بمعنى من الحياء، ويقال: استحيت بياء واحدة، وأصله استحييت، فأعلوا الياء الأولى، وألقوا حركتها على الحاء فقالوا: استحيت، لما كثر في كلامهم، والحياء ممدود الاستحياء2.

وحيّ يحيا، ويحيّ فهو حيٌّ، وللجميع حيّوا بتشديد الياء، وقيل: حيوا بتخفيفها، والحيّ من كل شيء نقيض الميت، والجمع أحياء، والحيّ كل متكلم ناطق، والحيّ من النبات ما كان طريًّا يهتزّ3.

وقيل: إن حيي يندب بها، ويدعى بها، يقال: حيّ على الفداء، حيّ على الخير، وقد تأتي بمعنى الحث والدعاء، ومنه قول المؤذن: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، معناه: عجّل إلى الصلاة، وإلى الفلاح، وتقول العرب: حيّ هلا بفلان، وحيّ هلا بفلان، وحيّ هلا بفلان، أي: أعجل4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

بالنظر إلى التعريفات اللغوية السابقة يتبين أنه لا بد من التعريف الاصطلاحي لكل من الحياة، والحيوان، والحياء.

وقد عرّف الجرجاني الحياة فقال: «هي صفة توجب للموصوف بها أن يعلم ويقدر»5، وقال أيضًا: الحياة الدنيا: «هي ما يشغل العبد عن الآخرة»6.

وعرّف الحيوان بقوله: «هو الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة»7.

وقيل: إن الحيوان: «كلّ ذي روح ناطقًا كان أو غير ناطق، مأخوذ من الحياة يستوي فيه الواحد والجمع؛ لأنه مصدر في الأصل»8.

وخلاصة القول: إن الحيوان: هو الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، وهذا ينطبق على كل ذي روح سواء كان ناطقًا أو غير ناطق.

الحيوان في الاستعمال القرآني

لم يرد لفظ (الحيوان) في القرآن بمعنى الحيوانات، وورد لفظ (الحيوان) في القرآن مرة واحدة بمعنى الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها9.

وقد ورد جذر الكلمة (حيي) في القرآن بمعنى الحياة التي هي نقيض الموت10.

وقد تحدث القرآن عن موضوع الحيوانات عند ذكره لبعض أنواع منها، ألا وهي:

الإبل والبقر: في قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٤٤].

الضأن والمعز: في قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٤٣].

الفيل: في قوله تعالى: ( ) [الفيل:١].

الحمر والقسورة: في قوله تعالى: ( ﭟ ﭠ ) [المدثر:٥٠-٥١].

الأنعام: في قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٣٩].

الخيل والبغال والحمير: في قوله تعالى: ( ) [النحل:٨].

الكلب: في قوله تعالى: ( ) [الأعراف:١٧٦].

الذئب: في قوله تعالى: ( ﯿ ) [يوسف:١٤].

الوحوش: في قوله تعالى: ( ) [التكوير:٥].

وقد سميت بعض سور القرآن بأسماء الحيوانات مثل: سورة البقرة، وسورة الأنعام.

الألفاظ ذات الصلة

الطير:

الطير لغةً:

من مادة: (طير)، والطّيران حركة ذي الجناج في الهواء بجناحه، ويقال: طار الطائر يطير طيرًا وطيرانًا وطيرورة، ويقال: وأطاره وطيّره وطار به، وأطاره غيره وطيّره وطايره بمعنى، والطّير معروف اسم لجماعة ما يطير؛ مؤنث، والواحد طائر والأنثى طائرةٌ11، ويقال: تطيّر فلان، واطّيّر، أصله التفاؤل بالطير، ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به، ويتشاءم12.

الطير اصطلاحًا:

قال الراغب: «الطائر هو كل ذي جناح يسبح في الهواء»13، وهذا من باب التغليب وإلا يدخل في الطير الحيوان الذي له جناح ولا يطير كالدجاج، وورد لفظ الطير في القرآن الكريم عشرون مرة، منها خمسة عشر مرة بلفظة الطير، وأربع مرات بلفظة طير، ومرة واحدة بلفظة طائر، وذكر السلوى ثلاث مرات، والغراب مرتين، والهدهد مرة واحدة.

الصلة بين الطير والحيوان:

الحيوان: كلّ ذي روح ناطقًا كان، أو غير ناطق، مأخوذ من الحياة، والطير له روح، فيكون الطير صنفًا من أصناف الحيوان.

الحشرات:

الحشرات لغةً:

جمع حشرة، والحشرة بفتحتين واحدة الحشرات، وهي صغار دوّاب الأرض، وحشر الناس: جمعهم، ومنه يوم الحشر، والمحشر بكسر الشين موضع الحشر، والحاشر اسم من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام14.

الحشرات اصطلاحًا:

الحشرة عند علماء الحيوان هي كل كائن يقطع في خلقه ثلاثة أطوار؛ يكون بيضة فدودة ففراشة، وهي الهامة من هوام الأرض؛ كالخنافس، والعقارب، وتطلق أيضًا على الدابة

الصغيرة من دواب الأرض، كالفئران والضباب15.

الصلة بين الحشرات والحيوان:

الحشرات كائنات حية لها روح، وهي من الحيوانات، حيث إن النبي عليه الصلاة والسلام: (نهى عن قتل كل ذي روح)16، وقد عدّ المراغي الحشرات من الحيوانات في قوله: «والصيد الذي نهت عنه الآية هو كل حيوان وحشي يؤكل لحمه، فلا جزاء في قتل الأهلي، ولا ما لا يؤكل لحمه من السباع، والحشرات، ومنها: الفواسق الخمس التي ورد الإذن بقتلها: وهي: الغراب، والعقرب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور»17.

الكائنات الحية الدقيقة:

الكائنات الحية الدقيقة اصطلاحًا:

عرّفها العلماء بأنها الأحياء التي لا ترى بالعين المجردة؛ لأنها صغيرة جدًّا إذ يبلغ حجمها أقل من الميكرون18.

لقد ورد ذكر الكائنات الحية الدقيقة في القرآن الكريم في عدة مواضع، ومنها قوله تعالى: ( * *)[الحاقة:٣٨-٣٩].

والمعنى: أن الله سبحانه أقسم بالذي نشاهده، والذي لا نشاهده، أي: أنه تعالى أقسم بالأشياء كلها، ما يبصر منها، وما لا يبصر، فيدخل في ذلك جميع المخلوقات19.

وفى ذلك إشارة إلى أن في الوجود أشياء لا تدركها الأبصار، وقد أثبت العلم الحديث بوساطة الآلات التي تكبّر الأشياء أضعافًا مضاعفة (الميكروسكوبيات) أن هناك أشياء لا يمكن رؤيتها إلا إذا كبرت عن حقيقتها آلاف المرات، كالجراثيم (الميكروبات) ولم تكن تخطر على البال في عصر التنزيل، وقد ظهرت للناس الآن فهي من روائع الإعجاز العظيمة الدالة على أن القرآن الكريم من كلام العليم الخبير، وله السبق في كل علم من العلوم التي يصل إليها الإنسان20.

وقال تعالى: ( ﯿ )[يونس: ٦١].

فالآية السابقة فيها دلالة إلى سبق القرآن إلى الإشارة إلى أصغر الموجودات في الكون مما لا يدرك بالعين المجردة، وإنما بالمكبّرات، كأجزاء الذرة، والكائنات الحية الدقيقة كالجراثيم، والبكتيريا، وغير ذلك21.

وهذا يدل على أن الآلات الحديثة كشفت دقائق في الكون ما كنا نعرفها قبل ذلك، فسبحان الذي يعلم ما في البر والبحر، وما في الأرض والسماء22.

يلاحظ من الآيتين السابقتين وجود كائنات حية دقيقة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل، والعلم الحديث يكتشف من هذه الكائنات يومًا بعد يوم مصداقًا لقوله تعالى: ( ﯴﯵ )[الشورى: ٢٩].

العلاقة بين الحيوان والكائنات الحية الدقيقة:

الحيوانات الحية الدقيقة من أنواع الحيوانات التي فيها روح، ولا ترى بالعين المجردة.

الحكمة الإلهية في خلق الحيوان

لقد امتنّ ربنا سبحانه وتعالى على الإنسان فخلق جميع المخلوقات حتى يتفكر فيها، وتدله على خالقها الذي أبدع صنعها، وذكر الله عز وجل في القرآن الكريم من مخلوقاته بعض الحيوانات التي فيها العبرة والعظة لمن تأملها، والله تعالى خلق الحيوان لحكمة، وبيانها في النقاط الآتية:

أولًا: حكمة خلق الحيوان:

إنّ المتأمل في آيات كثيرة من القرآن الكريم، يجد أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الحيوان لحكم عظيمة، ومنها:

أولًا: دلالتها على قدرة الله تعالى، وعظمته، ووحدانيته، وسلطانه العظيم، فقد نشر ربنا سبحانه في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة، وسخرها للناس، ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع؛ فمنها: ما يأكلون من لحمها، ويشربون من درها، ومنها: ما يركبونها، ومنها: ما هو ساع في مصالحهم، وحراستهم، ومنها: ما يعتبر به، ومع أنه بث فيها من كل دابة، فإنه سبحانه هو القائم بأرزاقهم، المتكفل بأقواتهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، ألا يدل ذلك على عظيم قدرة الله عز وجل؟23.

قال تعالى: ( )[البقرة: ١٦٤].

ثانيًا: أن الحيوانات لم تخلق عبثًا، وأنها تسبح الله سبحانه وتعالى كباقي المخلوقات.

قال تعالى: ( ﮘﮙ ) [الإسراء: ٤٤].

ومعنى الآية: أن كل شيء ينزه الله سبحانه تنزيهًا مقترنًا بحمده، فيقول: سبحان اللّه وبحمده، ومعنى: (لا تفقهون)، أي: لا تفهمون تسبيحهم؛ لأنه ليس بلغتكم24.

وإذا كانت الأشياء التي لا تعقل تسبح الله تعالى، فكيف يليق بأصحاب العقول أن يغفلوا عن ذلك؟

ثالثًا: لقد امتنّ اللّه تعالى على عباده بما خلق لهم من الحيوانات، وخاصة الأنعام ذات المصالح، والمنافع المختلفة.

قال تعالى: ( ) [النحل: ٥].

وهذه الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، والمعز، وجاء تفصيلها في قوله عز وجل: ( ﭒﭓ ﭙﭚ ) [الأنعام: ١٤٣].

وقوله تعالى: ( )[الأنعام: ١٤٤].

والله سبحانه سخر للإنسان هذه الأنعام، وجعلها له مصدر رزق، وخير كبير، وأداة لجلب المصالح والمنافع، وجعل فيها الموعظة، والعبرة، والرأفة، والرحمة بعباده، وتوضيح ذلك كالآتي:

  1. الموعظة والعبرة، قال تعالى: ( )[المؤمنون: ٢١].فالأنعام عبرة؛ لأنها مما يستدل بخلقها، وأفعالها على عظيم قدرة الله تعالى25.
  2. الأكل، والشرب، قال تعالى: ( ﭿ )[المؤمنون: ٢١]. فالآية تدل على أن الإنسان ينتفع من الأنعام بمنافع كثيرة، ومنها شرب الحليب الصافي، وكذلك الأكل من لحومها.
  3. الانتفاع بأصوافها، وأشعارها، وأوبارها، قال تعالى: ( ﭡﭢ )[النحل: ٨٠]. فدلالة الآية أن الإنسان ينتفع من أصواف، وأشعار، وأوبار الأنعام؛ فيصنع منها الملابس، والأثاث، والفراش، والبيوت الخفيفة التي تستخدم في الترحال.
  4. الركوب عليها، قال تعالى: ( - )[يس: ٧١-٧٢]. وقال عز وجل: ( : ﭽﭾO) [الزخرف:١٢-١٣].فذكرت الآيات السابقة أن الإنسان يستخدم الأنعام للركوب، وأن ذلك يكون سببًا في تذكر نعمة الله تعالى على عباده، ويجعلهم يسبحون الله جل وعلا. والظاهر من الآيات السابقة أن الإبل هي التي تستخدم للركوب من الأنعام، والإنسان يركب أيضًا على الخيل، والبغال، والحمير، قال تعالى: ( )[النحل: ٨].
  5. ومنها ما يتخذ للجهاد، قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٦٠].
  6. ومنها ما يحمل عليها الإنسان ما يشاء من الأثقال إلى البلدان، والأقطار البعيدة، وفي ذلك الرأفة، والرحمة، قال تعالى: ( ﭚﭛ )[النحل: ٨].
  7. ومنها ما يتخذ للجمال والزينة، والثروة، قال تعالى: ( ) [النحل: ٦] أي: في وقت راحتها، وسكونها، ووقت حركتها، وسرحها، وذلك أن جمالها لا يعود إليها منه شيء فإنكم أنتم الذين تتجملون بها، كما تتجملون بثيابكم وأولادكم، وأموالكم، وتعجبون بذلك26.

    قال الزحيلي: «ولكم في هذه الأنعام جمال، أي: زينة حين الرواح، وهو وقت رجوعها عشاء من المراعي، ووقت السّروح، وهو وقت الغدوة، والذهاب من مراحها إلى مسارحها، أو المرعى، وخص الله تعالى هذين الوقتين بالذكر لاهتمام الرعاة بهما حين الذهاب، والإياب، وفي ذلك مفاخرة بالقطيع، وقدم الرّواح على السّروح؛ لأن الفائدة فيه أتم، لمجيئها شبعانة، فتدر الحليب، وتملأ النفس سرورًا، والعين متعة؛ فهي عنصر للغذاء، وأداة إنتاج في الاقتصاد»27.

    وجمال الأنعام، والدواب من جمال الخلقة، والتركيب، والصورة28، كما قال تعالى: ( ... ) [النحل: ٨].

    وقال تعالى: ( ﮯﮰ ﯕﯖ )[آل عمران: ١٤].

    فالأنعام مال أهل البادية، ومنها تكون ثروتهم، ومعايشهم، ومرافقهم، وبها تفاخرهم، وتكاثرهم، ومنهم من يتخذها زينة، وقد امتنّ اللّه بها على عباده29.

    وتظل الأنعام ثروة اقتصادية في كل زمان ومكان، ونعمة كبرى، والله سبحانه وتعالى قيض هذه الأنعام، وسخرها للإنسان، وجعلها لهم مصدر رزق، وخير كبير، وأداة منافع، وجلب مصالح، وفيها الرأفة والرحمة بعباده، كما قال سبحانه: ( * )[يس: ٧١-٧٢]30.

    وخلاصة القول: إن ربنا عز وجل خلق الأنعام، وجعل فيها عبرًا، ونعمًا من وجوه شتى، ففيها دلائل على قدرة الخالق بخلق الألبان من مصادر هي أبعد ما تكون منها، ونعمًا لنا في مرافقها وأعيانها، فننتفع بألبانها، وأصوافها، ولحومها، ونجعلها مطايا لنا في أسفارنا إلى نحو أولئك من شتى المنافع؛ فمن صنوف الحيوان مصرفة في مصالح الإنسان، فمنها ما هو للدر، والنسل، والغذاء فقط، ومنها ما هو للركوب، والحمولة فقط، ومنها ما هو للجمال، والزينة، ومنها ما يجمع ذلك كله كالإبل، وجعل أجوافها خزائن لما هو شراب، وغذاء، ودواء، وشفاء ففيها عبرة للناظرين، وآيات للمتوسمين، وفي الطير، واختلاف أنواعها، وأشكالها، وألوانها، ومقاديرها، ومنافعها، وأصواتها، صافات، وقابضات، وغاديات ورائحات، ومقيمات، وظاعنات أعظم عبرة، وأبين دلالة على حكمة الخلاق العليم سبحانه وتعالى31.

    وهذا يعني أن الله سبحانه جعل في خلق الحيوانات من المنافع التي امتن بها على البشر، قال عز وجل: ( ﮮﮯ ﯜﯝ...) [لقمان: ١٠].

    أي: أن الله سبحانه جعل من الدواب المبثوثة ما ينتفع به الناس من أكل لحوم أوانسها، ووحوشها، والانتفاع بألبانها، وأصوافها، وجلودها، وقرونها، وأسنانها، والحمل عليها، والتجمل بها في مرابطها، وغدوّها، ورواحها32.

    والمنافع والمصالح التي تم ذكرها، وغيرها فيها من الحكم العظيمة، والعبر التي تدل على وحدانية الله تعالى، وأنه هو الخالق والرازق والمدبر، ولا معبود سواه، وله صفات الكمال، والجلال.

    ثانيًا: الإبداع الإلهي في خلق الحيوان:

    إن الناظر في مخلوقات الله، وكيفية خلقها يوصله ذلك إلى الإبداع الإلهي في الخلق، والله سبحانه خلق المخلوقات، وهدى كل مخلوق لما خلق له؛ فجعل جسم كل مخلوق يتلاءم مع طبيعته لينتفع بذلك في تحقيق مصالحه، حتى إن لكل حيوان خلقة تناسبه؛ فإن كان في البحر جعل الله سبحانه خلقته تناسب العيش في الماء.

    قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭲﭳ ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ) [النور: ٤٥].

    فكل حيوان له من الهيئة التي تتلاءم مع البيئة التي يعيش فيها، وهذا كله يدل على بديع صنع الله في خلقه.

    ولو تأملنا الإبل مثلًا كيف خلقت؟ نجد أنها خلق عجيب، وتركيبها غريب، وهي في غاية الشدة، والقوة، ومع ذلك فإنها تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف33.

    قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( ) [الغاشية: ١٧].

    «قال المفسرون: لما ذكر الله عز وجل أمر أهل الدارين تعجب الكفار من ذلك فكذبوا وأنكروا فذكرهم الله صنعته، وقدرته، وأنه قادر على كل شيء كما خلق الحيوانات والسماء والأرض، ثم ذكر الإبل أولًا؛ لأنها كثيرة في العرب، ولم يروا الفيلة، فنبههم جل ثناؤه على عظيم من خلقه قد ذلّله للصغير يقوده، وينيخه، وينهضه، ويحمل عليه الثقيل من الحمل، وهو بارك فينهض بثقيل حمله، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره، فأراهم عظيمًا من خلقه مسخرًا لصغير من خلقه يدلهم بذلك على توحيد الله، وعظيم قدرته»34.

    والله سبحانه وتعالى أعطى الإبل من الخصائص حتى تكون سفائن البر، قال الزمخشري رحمه الله: «وحين أراد أن تكون سفائن البر، صبرها على احتمال العطش حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدًا، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم»35.

    وظهور الإبل مسنمة حتى تكون مهيأة للركوب عليها، وحمل الأثقال عليها، قال ابن القيم رحمه الله عنها: «ظهورها مسنمة معقودة كالقبو لما خصت به من فضل القوة، وعظم ما تحمله، والقباء تحمل أكثر مما تحمل السقوف حتى قيل: إن عقد القباء إنما أخذ من ظهور الابل، وتأمل كيف لما طوّل قوائم البعير طول عنقه ليتناول المرعي من قيام فلو قصرت عنقه لم يمكنه ذلك مع طول قوائمه، وليكون أيضًا طوّل عنقه موازنًا للحمل على ظهره إذا استقل به، كما ترى طول قصبة القبان حتى قيل: إن القبان إنما عمل من خلقة الجمل من طول عنقه، وثقل ما يحمله، ولهذا تراه يمد عنقه إذا استقل بالحمل كأنه يوازنه موازنة»36.

    ولا يقتصر بديع صنع الله تعالى في الحيوان على الإبل، وإنما هو في سائر الحيوانات، فسبحان الله ( )[طه: ٥٠].

    أي: أن الله عز وجل خلق جميع المخلوقات، ومنها الحيوانات، وأحسن خلقها، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم، وصغره، وتوسطه، وجميع صفاته، وهدى كل حيوان إلى ما خلقه له، فكل حيوان يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل ما يتمكن به على ذلك37.

    قال القرطبي رحمه الله: «لا اختلاف عند العلماء أن الحيوانات كلها لها أفهام وعقول»، ونقل أقوالًا للعلماء حول هذا المعنى، فقال: «قال ابن العربي: وهذه خواص العلوم عندنا، وقد أدركتها النمل بخلق الله ذلك لها؛ قال الأستاذ أبو المظفر شاهنود الإسفرايني: ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم، وحدوث المخلوقات، ووحدانية الإله، ولكننا لا نفهم عنها، ولا تفهم عنا، أما أنا نطلبها وهي تفر منا فبحكم الجنسية»38.

    وقال ابن عطية رحمه الله: «والنمل حيوان فطن قويّ شمام جدًّا يدخر القرى، ويشق الحب بقطعتين لئلا ينبت، ويشق الكزبرة بأربع قطع؛ لأنها تنبت إذا قسمت شقين، ويأكل في عامه نصف ما جمع، ويستبقي سائره عدّة»39.

    وهذا يدل على شدة إدراك النمل، وأنه يأكل ما يكفيه من الطعام الذي يجمعه، ويدّخر الباقي، وهذا من بديع خلق الله تعالى، وعلى الإنسان أن يتعلم من النمل هذا النظام، والترتيب.

    ومما يدل على فطنة النمل قوله تعالى: ( ) [النمل: ١٨].

    حيث إن الله تعالى ذكر مخاطبة النملة لأخواتها من النمل كمخاطبة الإنسان للإنسان.

    قال ابن عطية رحمه الله: «وهذه النملة قالت هذا المعنى الذي لا يصلح له إلا هذه العبارة قولًا فهمه عنها النمل، فسمعها سليمان على بعده، وجاءت المخاطبة كمن يعقل؛ لأنها أمرتهم بما يؤمر به من يعقل40.

    وقال ابن القيم رحمه الله عن فطنتها: «ومن فطنتها أنها لا تتخذ قريتها إلا على نشر من الأرض لئلا يفيض عليها السيل فيغرقها، فلا ترى قرية نمل في بطن واد، ولكن في أعلاه وما ارتفع عن السيل منه، ويكفي في فطنتها ما نص الله عز وجل في كتابه من قولها لجماعة النمل، وقد رأت سليمان عليه الصلاة والسلام، وجنوده: ( ) [النمل: ١٨].

    فتكلمت بعشرة أنواع من الخطاب في هذه النصيحة -النداء، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والنص، والتحذير، والتخصيص، والتفهيم، والتعميم، والاعتذار، فاشتملت نصيحتها مع الاختصار على هذه الانواع العشرة، ولذلك أعجب سلميان قولها، وتبسم ضاحكًا منه، وسأل الله أن يوزعه شكر نعمته عليه لما سمع كلامها، ولا تستبعد هذه الفطنة من أمة من الأمم تسبح بحمد ربها، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة)41»42.

    وهذه الفطنة أودعها الله تعالى في سائر الحيوانات حتى تقوم على مصالحها، قال ابن القيم رحمه الله: «ومن عجيب الفطنة في الحيوان أن الثعلب إذا أعوزه الطعام، ولم يجد صيدًا تماوت، ونفخ بطنه حتى يحسبه الطير ميتًا فيقع عليه ليأكل منه، فيثب عليه الثعلب فيأخذه، ومن عجيب الفطنة في هذه الذبابة الكبيرة التي تسمى أسد الذباب فإنك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبًا منه يسكن مليًّا حتى كأنه موات لا حراك فيه، فإذا رأى الذباب قد اطمأن، وغفل عنه دب دبيبًا رفيقًا حتى يكون منه بحيث يناله، ثم يثب عليه فيأخذه، ومن عجيب حيل العنكبوت أنه ينسج تلك الشبكة شركًا للصيد، ثم يكمن في جوفها فإذا نشب فيها البرغش والذباب وثب عليه، وامتص دمه»43.

    من خلال الحديث عن بعض الحيوانات، وما في ذلك من الدلالة على الإبداع الإلهي في خلقها حتى تهتدي لما خلقت له، وتقوم على مصالحها، والله تعالى أعطى كل حيوان الصفة، والهيئة التي تمكنه من ذلك، وهذا يدعو أصحاب العقول للتفكر، والاعتبار.

    ثالثًا: الحث على التفكر في خلق الحيوان:

    ذكرت في المطلب السابق أمثلة على بديع خلق الله تعالى في الحيوانات، وهي مخلوقات فيها التذكر، والتفكير، والعبرة، وهذه أوصاف لأولي الألباب، قال تعالى: ( * ) [آل عمران: ١٩٠- ١٩١].

    والمعنى كما قال الزحيلي: «إن اللّه تعالى وصف أولي الألباب بأنهم يجمعون بين التذكر والتفكير، يذكرون اللّه في مختلف أحوالهم من قيام، وقعود، واضطجاع، لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم، وضمائرهم، وألسنتهم، ويتفكرون، ويفهمون ما في السموات، والأرض من أسرار، ومنافع، وحكم دالة على عظمة الخالق، وقدرته، وعلمه، ورحمته، والتفكر يكون في مصنوعات الخالق لا في الخالق، لاستحالة الوصول إلى حقيقة ذاته وصفاته...، ويقول المتفكرون الذاكرون: ربنا ما خلقت هذا الخلق عبثًا ولا أوجدته باطلًا زائلًا، فأنت منزه عن الباطل، والعبث، وكل خلقك حق مشتمل على فائدة، وحكمة، وقدرة، أي: أن المؤمن المتفكر بعد أن تدبر، ونظر، ودقق، وتفكر يتوجه إلى اللّه تعالى متضرعًا معلنًا قناعته بحكمة اللّه العليا في خلق المخلوقات، ربنا فاجعل لنا وقاية، وحاجزًا من عذاب النار، وأجرنا من عذابها، ووفقنا للعمل الصالح»44.

    والتفكر في الخلق يدل على الخالق تبارك وتعالى، ومن الآيات التي فيها التفكر، والتدبر والاعتبار خلق الحيوانات حيث إن الله عز وجل أحيا الأرض بإنزال المطر، وخلق فيها من كل حيوان.

    قال سبحانه: ( ﭵﭶ ) [البقرة: ١٦٤].

    قال ابن عطية رحمه الله: «ودابّة تجمع الحيوان كله»45.

    وهذه الآيات تدل على وحدانية الله تعالى وقدرته، ومما يدل على ذلك أن الله عز وجل ذكر هذه الآيات بعد قوله: ( ﯿﰀ ) [البقرة: ١٦٣]؛ ليدل على صدق الخبر عما ذكره قبلها من وحدانيته سبحانه، وذكر رحمته، ورأفته بخلقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد نزلت علي الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها): ( ... ) [البقرة: ١٦٤]46 47.

    ومما يدل على معنى ما سبق قوله تعالى: ( : ﭽﭾO) [الجاثية: ٤-٥].

    أي: أكثر الله من كل الأنواع لا يختص ذلك بنوع دون آخر، ويحسن هنا الإشارة إلى أن العلماء ذكروا أرقامًا عالية جدًّا من الحيوانات وخاصة الحشرات48.

    قال ابن كثير رحمة الله في تفسير الآية السابقة: «أي: على اختلاف أشكالها، وألوانها، ومنافعها، وصغرها، وكبرها، وهو يعلم ذلك كله، ويرزقه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، كما قال تعالى: ( ﭝﭞ ) [هود: ٦49.

    ولتوضيح التفكر في خلق الحيوان يحسن أن نذكر بعض الأمثلة:

    الأول: في قوله تعالى: ( ﭧﭨ ) [النحل: ٦٦].

    قال ابن القيم: «لو تأملنا العبرة التي ذكرها الله عز وجل في الأنعام، وما سقانا من بطونها من اللبن الخالص السائغ الهنيء المريء الخارج من بين الفرث والدم، فتأمل كيف ينزل الغذاء من أفواهها إلى المعدة فينقلب بعضه دمًا بإذن الله، وما يسرى في عروقها، وأعضائها، وشحومها، ولحومها فإذا أرسلته العروق في مجاريها إلى جملة الأجزاء فبه كل عضو، أو عصب، وغضروف، وشعر، وظفر، وحافر إلى طبيعته، ثم يبقى الدم في تلك الخزائن التي له، إذ به قوام الحيوان، ثم ينصب ثقله إلى الكرش فيصير زبلًا، ثم ينقلب باقية لبنًا صافيًا سائغًا للشاربين، فيخرج من بين الفرث والدم حتى إذا أنهكت الشاة، أو غيرها حلبًا خرج الدم مشوبًا بحمرة، فصفى الله سبحانه الألطف من الثفل بالطبخ الأول فانفصل إلى الكبد، وصار دمًا، وكان مخلوطًا بالأخلاط الأربعة، فأذهب الله عز وجل كل خلط منها إلى مقره وخزانته المهيأة له من المرارة، والطحال، والكلية، وباقي الدم الخالص يدخل في أوردة الكبد، فينصب من تلك العروق إلى الضرع فيقلبه الله تبارك وتعالى من صورة الدم، وطبعه، وطعمه إلى صورة اللبن، وطبعه، وطعمه فاستخرج من الفرث والدم، من الذي دبر هذا التدبير؟ وقدر هذا التقدير؟ وأتقن هذا الصنع؟ ولطف هذا اللطف؟ إنه اللطيف الخبير50.

    الثاني: في قوله تعالى: ( d ﮝﮞ ﮧﮨ )[النحل: ٦٨- ٦٩].

    إنها آية فيها العبرة، وفيها التفكر لمن تأملها فهي من دلائل القدرة الإلهية في خلق النحل، وما فيها من مظاهر النعم على الناس، وأنها تدلهم على التوحيد.

    ومعنى يتفكّرون: يتأملون في صنعه تعالى، فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة، والأفعال العجيبة حق التدبر، علم قطعًا أنه لا بد من وجود قادر حكيم يلهمها ذلك، ويحملها عليه51.

    والله سبحانه وتعالى أودع الغريزة في الحيوان، فأوحى إلى النحل أن تتخذ بيوتًا تأوي إليها، أي: أوكارًا، ومن الشّجر بيوتًا. وممّا يعرشون، أي: مما يبنيه الناس لها من الأماكن، أي: يصنعونه من الخلايا من طين، أو خشب، أو غيرهما52.

    قال القرطبي رحمه الله: «قال ابن العربي: ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة، وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل، وجاءت بينهما فرج، إلا الشكل المسدس؛ فإنه إذا جمع إلى أمثاله اتصل كأنه كالقطعة الواحدة»53.

    وفي اتخاذ النحل البيوت امتثال لأمر ربها، قال ابن القيم رحمه الله: «وتأمل كيف أداها حسن الامتثال إلى أن اتخذت البيوت أولًا، فإذا استقر لها بيت خرجت منه فرعت، وأكلت من الثمار ثم آوت إلى بيوتها؛ لأن ربها سبحانه أمرها باتخاذ البيوت أولًا، ثم بالأكل بعد ذلك، ثم إذا أكلت سلكت سبل ربها مذللة لا يستوعز عليها شيء ترعى ثم تعود، ومن عجيب شأنها أن لها أميرًا يسمى اليعسوب لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعه وله، عليها تكليف وأمر ونهي، وهي رعية له منقادة لأمره متبعة لرأيه يدبرها، كما يدبر الملك أمر رعيته، حتى إنها إذا آوت إلى بيوتها وقف على باب البيت، فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى، ولا تتقدم عليها في العبور، بل تعبر بيوتها واحدة بعد واحدة بغير تزاحم، ولا تصادم، ولا تراكم كما يفعل الأمير إذا انتهى بعسكره الى معبر ضيق لا يجوزه إلا واحد واحد، ومن تدبر أحوالها وسياساتها، وهدايتها، واجتماع شملها، وانتظام أمرها، وتدبير ملكها، وتفويض كل عمل إلى واحد منها يتعجب منها كل العجب، ويعلم أن هذا ليس في مقدورها، ولا هو من ذاتها، فإن هذه أعمال محكمة متقنة في غاية الاحكام، والإتقان، فإذا نظرت إلى العامل رأيته من أضعف خلق الله أجهله بنفسه، وبحاله، وأعجزه عن القيام بمصلحته فضلًا عما يصدر عنه من الأمور العجيبة، ومن عجيب أمرها أن فيها أميرين لا يجتمعان في بيت واحد، ولا يتأمران على جمع واحد، بل إذا اجتمع منها جندان، وأميران قتلوا أحد الأميرين، وقطعوه، واتفقوا على الأمير الواحد»54.

    الثالث: في قوله تعالى: ( : ﭽﭾO)[الزخرف: ١٢- ١٣].

    والمعنى: أن الله سبحانه خالق وسيلة الركوب من الفلك، والأنعام، أي: أن اللّه الذي خلق الفلك، الأنعام، وألهم الإنسان، وعلمه أن يتخذ وسيلة الركوب في البحر، وهي السفن، وأوجد واسطة الركوب في البر من الأنعام، وهي الإبل، إذ المعهود أنه لا يركب من الأنعام إلا هي، واللّه هو الذي ذلّلها لنا، وسخّرها، ويسّرها لركوب ظهورها، وكذا لأكل لحومها، وشرب ألبانها، والانتفاع بأوبارها، ومن الأنعام لم تخلق للركوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل راكب بقرة، إذ قالت له: لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بذلك أنا، وأبو بكر، وعمر)5556.

    ومن العجيب أن الله سبحانه وتعالى أعطى بهيمة الأنعام الأسماع، والأبصار ليتم تناولها لمصالحها، ويكمل انتفاع الإنسان بها إذ لو كانت عمياء، أو صماء لم يتمكن من الانتفاع بها، ثم سلبها العقول، إذ إن هناك تباينًا بين عقولها وعقل الإنسان؛ ليتمكن الإنسان من تسخيرها إياها فيقودها، ويصرفها حيث شاء، ولو أعطيت العقول على كبر خلقها لامتنعت من طاعته، واستعصت عليه ولم تكن مسخرة له، فأعطيت من التمييز، والإدراك ما تتم به مصلحتها، ثم تأمل كيف قادها، وذللها على كبر أجسامها، قال تعالى: ( - ) [يس:٧١- ٧٢].

    فالبعير على عظم خلقته يقوده الصبي الصغير ذليلًا منقادًا، والله سبحانه وتعالى ذلّله، وسخره، وقاده على قوته لبشر ضعيف من أضعف المخلوقات، وفرغ بذلك التسخير النوع الإنساني لمصالح معاشه، ومعاده، فأعينوا بهذه الحيوانات مع ما لهم فيها من المنافع التي لا يحصيها إلا الله من الغذاء، والشراب، والدواء، واللباس، والأمتعة، والآلات، والأواني، والركوب، والحرث، والمنافع الكثيرة، والجمال57.

    وفيما ذكر من الأمثلة للتفكر في خلق الحيوانات الكفاية، فالذي يتفكر في خلقها يدله تفكيره على خالقها جل وعلا.

    أنواع الحيوانات

    جاء ذكر الحيوانات في القرآن الكريم بمسميات عديدة، والناظر في هذه الحيوانات يجد أن منها المأكولة، ومنها المركوبة، ومنها المفترسة، وسنوضح إن شاء الله تعالى أنواع الحيوانات في النقاط الآتية:

    أولًا: الحيوانات المأكولة:

    ورد ذكر الحيوانات مأكولة اللحم على سبيل الإجمال تحت مسمى أنعام اثنين وثلاثين مرة، وبلفظة النعم مرة واحدة، والأنعام تشمل: (الإبل، والبقر، والغنم، والماعز)، وما شابهها من الحيوانات اللبونة، وأما على سبيل التفصيل فورد ذكر الإبل مرتين، وبلفظة بعير مرتين أيضًا، وبلفظة ناقة أربع مرات، والناقة ثلاث مرات، وجاء ذكر البقر تسع مرات، منها لفظة البقر ثلاث مرات، ولفظة بقرة أربع مرات، وبقرات مرتين، وجاءت لفظة عجل عشر مرات، وأما الغنم فورد ذكرها ثلاث مرات بلفظة غنم، الغنم، غنمي، وبلفظة المعز مرة واحدة، وسأذكر ورودها في القرآن الكريم مع توضيح معناها في سياق الآيات.

    ١. الإبل.

    قال تعالى: ( ﭱﭲ ﭼﭽ)[الأنعام: ١٤٤].

    جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: ( ﯮﯯ * ﭒﭓ ﭙﭚ ﭤﭥ )[الأنعام: ١٤٢-١٤٣].

    والمعنى: أن الأنعام التي هي حمولة وفرش ثمانية أصناف، فإنّ الحمولة: إما إبل، وإما بقر، والفرش: إما ضأن، وإما معز، وكلّ قسم من هذه الأربعة: إما ذكر، وإما أنثى، وقد أنشأ اللّه من الضّأن زوجين اثنين: الكبش، والنّعجة، ومن المعز زوجين اثنين: التّيس والعنزة، ومن الإبل اثنين: الجمل، والنّاقة، ومن البقر اثنين: الثّور والبقرة، والله عز وجل قال للرسول صلى الله عليه وسلم: قل لمشركي العرب إنكارًا لصنعهم بتقسيم الأنعام إلى بحيرة، وسائبة، ووصيلة، وحام، وغير ذلك مما ابتدعوا فيها: أحرم اللّه الذّكرين من الكبش، والتّيس؟ أم حرّم الأنثيين من النّعجة، والعنز؟ أم حرّم ما حملت إناث النّوعين؟ يعني: هل يشتمل الرّحم إلا على ذكر، أو أنثى، فلم تحرمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟ أخبروني عن يقين، كيف حرّم اللّه عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحام ونحو ذلك؟ أخبروني ببيّنة تدلّ على هذا التّحريم من كتاب اللّه، أو خبر نبي من الأنبياء إن كنتم صادقين في ادّعاء التّحريم58.

    قال الزحيلي: «والحقيقة أنه لا منطق في تقسيم العرب في الجاهلية قبل الإسلام لأنواع الأنعام، فمنها الحرام، ومنها الحلال، فإن كان المحرّم منها الذّكر، وجب أن يكون كلّ ذكورها حرامًا، وإن كان المحرّم منها الأنثى، وجب أن يكون كلّ إناثها حرامًا، وإن كان المحرّم منها ما حملته الأجنّة في بطون الإناث، وهي تشتمل على الذّكر والأنثى، وجب تحريم الأولاد كلّها، واللّه تعالى ما حرّم عليهم شيئًا من هذه الأنواع، وإنهم لكاذبون في دعوى التّحريم، ولا أحد في الدّنيا أظلم ممن يفتري الكذب على اللّه، فيدّعي أنه حرّم شيئًا ولم يحرّمه، ونسب إليه تحريم ما لم يحرم، من أجل إضلال النّاس، وهو عمرو بن لحيّ بن قمعة الذي بحر البحائر، وسيّب السّوائب، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، وغيّر دين الأنبياء، إن اللّه لا يهدي إلى الحقّ والخير القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم، فشرعوا ما لم يشرع اللّه تعالى»59.

    ولما كانت الإبل أنفس الأموال عند العرب، وكانوا يركبونها في الصحراء، ويحملون أمتعتهم عليها قال تعالى: ( )[الغاشية: ١٧].

    والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى أمر العرب أن يتفكروا في خلقها بما يتناسب مع طبيعة استخدامها.

    قال الشوكاني رحمه الله: «الآية مسوقة لتقرير أمر البعث، والاستدلال عليه، والمعنى: أينكرون أمر البعث، ويستبعدون وقوعه، أفلا ينظرون إلى الإبل التي هي غالب مواشيهم، وأكبر ما يشاهدونه من المخلوقات كيف خلقت على ما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثتها ومزيد قوتها، وبديع أوصافها قال أبو عمرو بن العلاء: إنما خص الإبل لأنها من ذوات الأربع، تبرك فتحمل عليها الحمولة، وغيرهما من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم: قال الزجاج: نبههم على عظيم من خلقه»60.

    وقد سبق بيان معنى هذه الآية فليراجع، ولا داعي للتكرار.

    والبعير من الإبل ذكر مرتين في القرآن الكريم بلفظة (بعير)، أما الموضع الأول ورد في قوله تعالى: ( ﭫﭬ ﭵﭶ ﭽﭾ ﭿ )[يوسف: ٦٥].

    والمعنى: لما فتح إخوة يوسف متاعهم، وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم، وهي التي كان أمر يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم، فلما وجدوها في متاعهم قالوا: يا أبانا، ماذا نريد؟ قال قتادة: ما نبغي وراء هذا؟ إن بضاعتنا ردت إلينا، وقد أوفي لنا الكيل، وإذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا، وذلك أن يوسف، عليه السلام، كان يعطي كل رجل حمل بعير61.

    وأما الموضع الثاني في قوله تعالى: ( )[يوسف: ٧٢].

    أي: قالوا: ولمن جاء بالصواع من جهة نفسه حمل بعير، والبعير الجمل، وفي لغة بعض العرب أنه الحمار، والمراد بالحمل ها هنا: ما يحمله البعير من الطعام، ثم قال المنادي: وأنا كفيل بحمل البعير الذي جعل لمن جاء بالصواع قبل التفتيش للأوعية، ولعل القائل: نفقد صواع الملك هو المنادي وحده؛ لأنه القائل بالحقيقة 62.

    وأما الناقة فذكرت في القرآن الكريم سبع مرات؛ بلفظة ناقة أربع مرات في قوله تعالى: ( ﯙﯚ ﯣﯤ ﯩﯪ ﯯﯰ ﯵﯶ )[الأعراف: ٧٣].

    وقوله: ( )[هود: ٦٤].

    وقوله: ( )[الشعراء: ١٥٥].

    وقوله: ( ) [الشمس: ١٣].

    وبلفظة الناقة ثلاث مرات، في قوله تعالى: ( )[الأعراف: ٧٧].

    وقوله تعالى: ( ﭡﭢ )[الإسراء: ٥٩].

    وقوله تعالى: ( ) [القمر: ٢٧].

    وكلها جاءت حينما طلب قوم صالح عليه السلام منه المعجزة على صحة دعوته لهم، أتاهم بمعجزة الناقة، وقيل: إن قومه خرجوا في عيد لهم، فسألوه أن يأتيهم بآية، وأن يخرج لهم من صخرة معينة أشاروا إليها ناقة، فدعا صالح ربه، فخرجت الناقة كما سألوا، وقال لهم: هذه آية على صدقي: ناقة اللّه التي تتميز عن سائر الإبل بأكلها وشربها وغزارة لبنها، فاتركوها تأكل ما شاءت في أرض اللّه من المراعي، دون أن تتحملوا عبء مؤنتها، ولا تمسوها بسوء أيًّا كان نوعه، فيأخذكم عذاب عاجل لا يتأخر عن إصابتكم إلا يسيرًا، وذلك ثلاثة أيام، ثم يقع عليكم، فلم يسمعوا نصحه، وكذبوه، وعقروها، فقال لهم: استمتعوا بالعيش في داركم، أي: بلدكم، وتسمى البلاد الديار، مدة ثلاثة أيام، ذلك وعد مؤكد غير مكذوب فيه.

    ثم وقع ما أوعدهم به، فلما حان وقت أمر الله تعالى بالعذاب، والإهلاك، وحل العقاب، ووقعت الواقعة، ونزلت الصاعقة، نجينا صالحًا، والمؤمنين معه، برحمة منا، ونجيناهم من عذاب شديد، ومن ذل ومهانة، وأما الذين كفروا أخذتهم صيحة العذاب، وهي الصاعقة ذات الصوت الشديد المهلك، التي تزلزل القلوب، وتصعق عند سماعها النفوس، فصعقوا بها جميعًا، وأصبحوا جثثًا هامدة ملقاة على الأرض، وكأنهم لسرعة هلاكهم لم يوجدوا في الدنيا، ولم يقيموا في ديارهم، بسبب كفرهم وجحودهم بآيات ربهم، ألا إنهم كفروا بربهم، فاستحقوا عقابه الشديد، ألا بعدًا لهم عن رحمة اللّه، وسحقًا لثمود، وهلاكًا لهم ولأمثالهم63.

    ٢. البقر.

    وجاء ذكر البقر تسع مرات، منها لفظة البقر ثلاث مرات: في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٧٠].

    هذا سؤال من قوم موسى لطلب زيادة إيضاح وإظهار؛ لأنه لم يحصل لهم تمام البيان، ثم ذكروا السبب في إعادة السؤال، فقالوا: إن وجوه البقر تتشابه، أي: يشبه بعضها بعضًا64.

    وقوله تعالى: ( ﭱﭲ ﭼﭽ...)[الأنعام: ١٤٤].

    قال السعدي رحمه الله: «وهذه الأنعام التي امتن الله بها على عباده، وجعلها كلها حلالًا طيبًا، فصلها بأنها: ثمانية أزواج ذكر وأنثى، اثنين من الضأن، واثنين من المعز كذلك، فهذه أربعة، كلها داخلة فيما أحل الله، لا فرق بين شيء منها، فقل لهؤلاء المتكلفين، الذين يحرمون منها شيئًا دون شيء، أو يحرمون بعضها على الإناث دون الذكور، ملزمًا لهم بعدم وجود الفرق بين ما أباحوا منها وحرموا، ومن المعلوم أنهم لا يمكنهم أن يقولوا قولًا سائغًا في العقل، إلا واحدًا من هذه الأمور الثلاثة، وهم لا يقولون بشيء منها، إنما يقولون: إن بعض الأنعام التي يصطلحون عليها اصطلاحات من عند أنفسهم، حرام على الإناث دون الذكور، أو محرمة في وقت من الأوقات، أو نحو ذلك من الأقوال، التي يعلم علمًا لا شك فيه أن مصدرها من الجهل المركب، والعقول المختلة المنحرفة، والآراء الفاسدة، وأن الله، ما أنزل -بما قالوه- من سلطان، ولا لهم عليه حجة ولا برهان، ثم ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك، فلما بين بطلان قولهم وفساده، قال لهم قولًا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته، إلا في اتباع شرع الله»65.

    وقوله تعالى: ( ) [الأنعام: ١٤٤].

    قال المراغي رحمه الله: «ومن البقر والغنم دون غيرهما مما أحل لهم من حيوان البر والبحر حرمنا عليهم شحومهما الزائدة التي تنتزع بسهولة لعدم اختلاطها بلحم ولا عظم، ولم نحرم عليهم ما حملت الظهور، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم، والسبب في تخصيص البقر والغنم بهذا الحكم أن القرابين عندهم لا تكون إلا منهما»66.

    وذكرت لفظة بقرة أربع مرات، وكلها في سورة البقرة، ثلاثة مواضع منها جاءت متتالية في قول الله تعالى: ( ﮩﮪ ﮭﮮ * ﯟﯠ ﯬﯭ * ﯹﯺ ﯿ ) [البقرة: ٦٧- ٦٩].

    وموضع منها في قوله تعالى: ( ﭲﭳ ﭷﭸ ) [البقرة: ٧١].

    والمواضع الأربعة وردت في قصة ذبح البقرة التي جاءت بعد ذكر بعض جرائم اليهود، من نقض الميثاق، والاعتداء في السبت، والتمرد في تطبيق التوراة، فهي استمرار في تعداد مساوئهم، وهي مخالفتهم الأنبياء، ومعاندة الرسل عليهم السّلام، والتلكؤ في امتثال أوامر اللّه تعالى67.

    والمعنى: واذكروا وقت قول موسى لقومه الذين هم أسلافكم: إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة -أي: بقرة كانت- فلم يسرعوا إلى الامتثال، ولكن شدّدوا فشدد اللّه عليهم، وقالوا: أتهزأ بنا يا موسى؟ قال: معاذ اللّه أن أكون من الذين يهزئون في موضع الجد.

    فلما رأوه جادًّا قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما سنها؟ فقال لهم: إنها بقرة ليست صغيرة ولا كبيرة، بل وسط بين هذا وذاك، فافعلوا ما تؤمرون به، ولا تشددوا فيشدد اللّه عليكم.

    ولكنهم قالوا: ادع لنا ما لونها؟ فأخبرهم أنها صفراء شديدة الصفرة تجلب السرور لمن يشاهدها.

    فلم يكتفوا بذلك، بل طالبوا بأوصاف تميزها أكثر، ولكنهم أحسوا بأنهم تشددوا وجاوزوا الحد المعقول، فقالوا معتذرين: إن البقر كثير متشابه علينا، وهذه الأوصاف السابقة تنطبق على كثير، وإنا إن شاء اللّه لمهتدون إلى المطلوب.

    فأجابهم اللّه أن البقرة المطلوبة لم يسبق لها عمل في حرث الأرض ولا سقيها، سليمة من العيوب ليس فيها لون مخالف، قالوا: الآن جئت بالبيان الواضح فطلبوها فلم يجدوها إلا عند يتيم صغير بارّ بأمه، فساوموه، فاشتط حتى اشتروها بملء جلدها ذهبًا، وما كان امتثالهم قريب الحصول.

    واذكروا إذ قتلتم -والخطاب لليهود المعاصرين؛ لأنهم أبناء السابقين، ومعتزون بنسبهم وراضون عن فعلهم- واذكروا وقت قتل آبائكم نفسًا حرم اللّه قتلها، ثم تخاصموا، وتجادلوا، وأنكروا على اللّه فعلهم، كما ينكرون اليوم ما عندهم من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، واللّه مظهر ما تكتمونه68.

    وأما لفظة بقرات بالجمع وردت مرتين في قصة يوسف في قوله تعالى: ( ﯴﯵ ) [يوسف: ٤٣].

    وفي قوله تعالى: ( ) [يوسف: ٤٣].

    والمعنى أن الملك قال ليوسف الصديق: أفتنا في هذه الرؤيا، لعلي أرجع إلى أهل مصر فيعلمون تأويل الرؤيا، وقيل: لعلهم يعلمون منزلتك في العلم، فقال يوسف: أمّا البقرات السمان والسنبلات الخضر: فسبع سنين مخاصيب، والبقرات العجاف والسنبلات اليابسات: فالسنون المجدبة69.

    ولفظة عجل ذكرت في القرآن الكريم عشر مرات، منها ستة مواضع بلفظة (العجل) في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٥١].

    وفي قوله: ( )[البقرة: ٥٤].

    وقوله: ( ¨ ﯬﯭ ) [البقرة: ٩٢-٩٣].

    وقوله: ( ﯨﯩ )[النساء: ١٥٣].

    وقوله: ( ﮔﮕ ) [الأعراف: ١٥٢].

    ومعنى الآيات السابقة: أن اليهود كفروا بالنعم التي أنعم اللّه بها عليهم، والتي كانت في أرض الميعاد، وكفروا أيضًا بالآيات الواضحات، والدلائل القاطعات التي جاء بها موسى، والتي تدل على أنه رسول اللّه، وأنه لا إله إلا اللّه، والآيات البينات: هي التي حدثت قبل الميعاد الذي نزلت فيه التوراة، وهي تسع، كما قال تعالى: ( )[الإسراء: ١٠١].

    وهي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، وفرق البحر، والسّنون.

    ولم تزدهم تلك الآيات إلا توغلًا في الشرك والوثنية، ولم يشكروا نعم اللّه عليهم، وقابلوها باتخاذ العجل إلهًا يعبدونه من دون اللّه، والعجل: هو الذي صنعه لهم السامري من حليّهم، وجعلوه إلهًا وعبدوه. وهذا دليل على قسوة قلوبهم، وفساد عقولهم، فلا أمل في هدايتهم، وهو ظلم، ووضع للشيء في غير موضعه اللائق به، وأي ظلم أعظم من الإشراك باللّه؟

    واذكر يا محمد وقت أن أخذ عليهم الميثاق بأن يعملوا بما في التوراة ويأخذوا بما فيها بقوة، فخالفوا الميثاق وأعرضوا عنه، حتى رفع الطور عليهم إرهابًا لهم، فقبلوه، ثم خالفوه وكأنهم قالوا: سمعنا وعصينا، ثم أوغلوا في المخالفة، ووقعوا في الشرك، واتخذوا العجل إلهًا، وخالط حبه قلوبهم، وتمكن الحب الشديد لعبادة العجل في نفوسهم، بسبب ما كانوا عليه من الوثنية في مصر، قل يا محمد لليهود الحاضرين، بعد أن علموا أحوال رؤسائهم السالفين: إن كان إيمانكم بالتوراة يدعوكم إلى هذا، فبئس هذا الإيمان الذي يوجه إلى هذه الأعمال التي تفعلونها، مثل عبادة العجل، وقتل الأنبياء، ونقض الميثاق70.

    إنّ الذين اتخذوا العجل من بني إسرائيل إلهًا ومعبودًا بعد غيبة رسولهم موسى عليه السّلام، وبقوا على تأليهه، واستمروا على عبادته كالسامري وأتباعه، سيصيبهم عذاب شديد من ربهم، وأن اللّه تعالى لن يقبل توبتهم حتى يقتتلوا، ويقتل بعضهم بعضًا: وسينالهم أيضًا ذلة وصغار في الحياة الدنيا، بخروجهم من ديارهم وتشردهم، وهوانهم على الناس واحتقارهم لهم، وتهالكهم على حب الدنيا، فهم الماديون المنبوذون المكروهون في كل أمة71.

    ومنها: موضعان بلفظة (عجلًا) في قوله تعالى: ( ﯖﯗ)[الأعراف: ١٤٨].

    وقوله تعالى: ( ) [طه: ٨٨].

    والمعنى: أن بني إسرائيل بعد خروج موسى إلى جبل الطور لمناجاة ربه على حسب الموعد الذي وعده اللّه به اتخذوا من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم عجلًا، أي: تمثالًا بصورة العجل وصوته، ثم عبدوه، وكان بقاء حلي القبط في أيدي بني إسرائيل بعد أن أغرق اللّه القبط، وأهلك قوم فرعون.

    وقد جمع السامري تلك الحلي، وكان رجلًا مطاعًا فيهم، وصاغ لهم عجلًا، واتخذوه إلهًا لهم، ثم عبدوه، وإنما نسب إليهم جميعًا؛ لأنه عمل برأي جمهورهم، ولم ينكر عليه أحد، فصاروا مجمعين عليه، مريدين لاتخاذه، راضين به، وكانوا قد سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهًا يعبدونه، كما لغيرهم من المصريين والشعوب التي مروا بها في فلسطين آلهة72.

    ومنها: موضعان بلفظة (بعجل)، قوله تعالى: ( ﯞﯟ ) [هود: ٦٩].

    وقوله: ( ) [الذاريات: ٢٦].

    ذكر تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أن إبراهيم عليه السلام لما سلم على رسل الملائكة، وكان يظنهم ضيوفًا من الآدميين، أسرع إليهم بالإتيان بالقرى، وهو لحم عجل حنيذ، أي: منضج بالنار، وأنهم لما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة، فقالوا: لا تخف وأخبروه بخبرهم، وبينت أنه راغ إلى أهله، أي: مال إليهم، فجاء بذلك العجل، وبين أنه سمين، وأنه قربه إليهم، وعرض عليهم الأكل برفق فقال لهم: ( ﯵ ﯶ)، وأنه أوجس منهم خيفة73.

    ويؤخذ من قصة إبراهيم مع ضيفه هؤلاء أشياء من آداب الضيافة74:

    • تعجيل القرى.
    • كون القرى من أحسن ما عنده؛ لأنهم ذكروا أن الذي عنده البقر وأطيبه لحمًا الفتي السمين المنضج.
    • تقريب الطعام إلى الضيف.
    • ملاطفته بالكلام بغاية الرفق.

      ٣. الغنم والمعز.

      أما الغنم فورد ذكرها في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:

      الأول: قوله تعالى: ( ﯺﯻ) [الأنعام: ١٤٦].

      والثاني: قوله تعالى: ( ﭿ )[طه: ١٨].

      والمعنى: لما سئل موسى عما في يمينه قال: إنها عصاي أعتمد عليها إذا أعييت، أو وقفت على رأس القطيع، وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي، ولي فيها حاجات أخر مثل: أنه كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته، وعرض الزندين على شعبيتها، وألقى عليها الكساء، واستظل به، وإذا قصر الرشاء75 وصله بها، وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها، وكأنه عليه السلام فهم أن المقصود من السؤال أن يذكر حقيقتها ما يرى من منافعها حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة، مثل: أن تشتعل شعبتاه بالليل كالشمع، وتصيران دلوًا عند الاستقاء، وتطول بطول البئر، وتحارب عنه إذا ظهر عدو، وينبع الماء بركزها، وينضب بنزعها، وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها على أن ذلك آيات باهرة، ومعجزات قاهرة أحدثها الله تصديقًا له في دعواه، وليست من خواصها، فذكر حقيقتها ومنافعها مفصلًا ومجملًا على معنى أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه76.

      والثالث: قوله: ( )[الأنبياء: ٧٨].

      أي: واذكر هذين النبيين الكريمين داود وسليمان مثنيًا مبجلًا إذ آتاهما الله العلم الواسع، والحكم بين العباد، فإذ تحاكم إليهما صاحب حرث، نفشت فيه غنم القوم الآخرين، أي: رعت ليلًا فأكلت ما في أشجاره، ورعت زرعه، فقضى فيه داود عليه السلام، بأن الغنم تكون لصاحب الحرث، نظرًا إلى تفريط أصحابها، فعاقبهم بهذه العقوبة، وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب، بأن أصحاب الغنم يدفعون غنمهم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرها، وصوفها، ويقومون على بستان صاحب الحرث، حتى يعود إلى حاله الأولى، فإذا عاد إلى حاله، ترادا ورجع كل منهما بما له، وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام77.

      وجاء ذكر نعجة ثلاث مرات، ونعاج مرة واحدة، وكلها في قوله تعالى: ( v ﮭﮮ )[ص: ٢٣-٢٤].

      في الواقع تتلخص الحادثة: أن داوود كان ملكًا له سلطان، وله أتباع وخدم، وله مصالح مادية مع الناس، وهذا كله يوجد له أعداء، واتفق أن جماعة من الأعداء طمعوا في أن ينالوا من نبي اللّه داوود عليه السلام، وكان له يوم يخلو فيه للعبادة، وانتهزوا الفرصة، وتسوروا عليه المحراب، فلما دخلوا عليه ووجدوا عنده ما يمنعهم من ذلك، اختلقوا كذبًا وزورًا سببًا لدخولهم فقالوا: نحن خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق، ولا تجر، واهدنا إلى سواء السبيل، ويجوز أن يكونا متخاصمين حقيقة، ولما دخلوا على داوود بلا إذن، وتوجس منهم خيفة، وظن بهم الظنون، وهم بذلك أن يصيبهم بسوء كانت هذه الواقعة فتنة، وابتلاء لداود، ثم إنه استغفر ربه مما هم به من الانتقام، وتاب عما دار بخلده من ظن، وخر راكعًا، فتاب اللّه عليه وغفر له، وأما قصتهما كما أخبر فهي: إن هذا أخي في الدين، والصحبة له تسع وتسعون نعجة -هي الواحدة من الغنم أو بقر الوحش- ولي نعجة واحدة، فقال صاحب الغنم الكثيرة: أعطنى نعجتك أكفلها لك، وأضمها لغنمي، وغلبه في المخاصمة، والمجادلة، فقال داوود متسرعًا قبل أن يسمع جواب الخصم الثاني: إنه ظلمك بضم نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرًا من الشركاء ليبغي بعضهم على بعض حبًّا في الدنيا، وشحًّا في النفوس، وأما الذين آمنوا، وعملوا الصالحات فلا يبغى بعضهم على بعض، وقليل ما هم، وظن داود أنه فتن بهذه الحادثة فاستغفر ربه مما ألم به وتاب، وخر راكعًا وصلى للّه قائمًا وساجدًا وأناب، فغفر له ربه ذنبه، وإن لداوود عند ربه لقربى، ومنزلة كريمة، وحسن مآب، أليس وصف داوود بعد القصة بأن له زلفى، وحسن مآب يدل على أنه عبد صالح أواب يستحيل عليه الإلمام بمعصية تغضب اللّه، كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة أن الأنبياء معصومون من الخطأ78.

      وأما المعز فقد ورد ذكره في قوله تعالى: ( ﭒﭓ ﭙﭚ ﭤﭥ ) [الأنعام: ١٤٣].

      والمتأمل في الأنعام التي سبق ذكرها من الإبل، والبقر، والغنم، والمعز يجد أن الله عزّ وجلّ خلقها لمنافع العباد، فسبحان الله الذي سخرها للإنسان، يأكل من لحومها، ويفترش من أوبارها، ويلبس من أصوافها، ويشرب من ألبانها، ومع أن هذه الأنعام نسلها قليل إلا أن الله سبحانه جعل فيها البركة، فهي مع قلتها، وكثرة من يأكلها من البشر، والسباع إلا أنها أكثر الحيوانات كثرة، ونماءً، ومنافع، وبركة، ويكون من أنواعها القطيع، وهذا مما يدل على قدرة الله تعالى.

      ثانيًا: الحيوانات المركوبة:

      إنّ من نعم الله على الإنسان تسخير الحيوانات، وذكرت منها في المطلب السابق الحيوانات المأكولة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وفي هذا المطلب سأعرض إلى الحيوانات المركوبة، وهي:

      ١. الخيل.

      ورد ذكر لفظة (الخيل) في القرآن الكريم خمسة مواضع:

      الأول: قوله تعالى: ( ) [الأنفال: ٦٠].

      في هذه الآية أمر اللّه المؤمنين بالاستعداد للحرب التي لا بد منها لدفع العدوان، وحفظ الأنفس، والحق، والفضيلة، ويكون ذلك بأمرين:

      الأول: إعداد المستطاع من القوة، ويختلف هذا باختلاف الزمان، والمكان، فالواجب على المسلمين في هذا العصر ربط الخيل، وصنع المعدات الحربية البرية والبحرية، ويجب عليهم تعلم الفنون، وقد استعمل الصحابة المنجنيق مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وغيرها.

      والأمر الثاني: مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها، إذ هي مداخل الأعداء، ومواضع مهاجمتهم للبلاد.

      والحكمة في هذا أن يكون للأمة جند دائم مستعد للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على غرّة، وقوام ذلك الفرسان لسرعة حركتهم، وقدرتهم على القتال، وإيصال الأخبار من الثغور إلى العواصم، وسائر الأرجاء، ومن أجل هذا عظم الشارع أمر الخيل، وأمر بإكرامها، ولا يزال للفرسان نصيب كبير في الحرب في هذا العصر الذي ارتقت فيه الفنون العسكرية في الدول الحربية79.

      الثاني: في قوله تعالى: ( ﮯﮰ )[آل عمران: ١٤].

      ومعنى الخيل المسومة: فالخيل جمع لا واحد له من لفظه، كالقوم، والنساء والرهط، وسميت الأفراس خيلًا لخيلائها في مشيها، وسميت حركة الإنسان على سبيل الجولان اختيالًا، وسمي الخيال خيالًا، والتخيل تخيلًا، لجولان هذه القوة في استحضار تلك الصورة، واختلفوا في معنى: (المسوّمة) على ثلاثة أقوال، الأول: أنها الراعية، والقول الثاني: المسومة: المعلمة، والقول الثالث: وهو قول مجاهد وعكرمة: إنها الخيل المطهمة الحسان، قال القفال: المطهمة: المرأة الجميلة80.

      الثالث: قوله تعالى: ( ﭥﭦ )[النحل: ٨].

      قال ابن كثر في تفسير هذه الآية: «هذا صنف آخر ممّا خلق تبارك وتعالى لعباده يمتنّ به عليهم، وهو، الخيل، والبغال، والحمير الّتي جعلها للرّكوب، والزّينة بها، وذلك أكبر المقاصد منها»81.

      والمتأمل في الآية السابقة يجد أن سبحانه وتعالى ذكر الخيل قبل البغال والحمير؛ لأن المنافع فيها أكثر.

      الرابع: قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ) [الحشر: ٦].

      وهذه الآية وردت فيما ردّه اللّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وصيّره إليه من أموال يهود بني النضير، فهو للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لم يحصل فيه قتال، ولا حرب، ولا تجشم مشقة، ولم يركبوا لتحصيله خيلًا، ولا إبلًا، وإنما كانت من المدينة على ميلين، وافتتحت ديارهم صلحًا، وأخذت أموالهم بعد جلائهم عنها، ولذا لم تقسم بين الغانمين، وإنما جعل اللّه أموال بني النضير لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة لهذا السبب، يصرفه على مصالحه كيف يشاء82.

      الخامس: قوله تعالى: ( ﯜﯝ )[الإسراء: ٦٤].

      قيل: إن معنى الخيل في هذه الآية ليس على الحقيقة، وإنما على سبيل المجاز، والمعنى: اسع سعيك، وابلغ جهدك.

      وقيل: على الحقيقة، وأن له خيلًا ورجلًا من الجن، وقيل: المراد فرسان الناس، ورجالتهم المتصرفون في الباطل، فإنهم كلهم أعوان لإبليس على غيرهم83.

      ٢. البغال.

      وهي من الحيوانات المركوبة، وذكرت لفظة البغال مرة واحدة في القرآن الكريم في الآية السابقة من سورة النحل، وسبق الكلام عن تفسيرها.

      ٣. الحمير.

      جاء ذكر لفظة الحمار في القرآن الكريم خمسة مواضع: ثلاثة منها بلفظ الجمع.

      الأول: في قوله تعالى: ( ﭥﭦ )[النحل: ٨].

      والثاني: في قوله: ( ﰎﰏ )[لقمان: ١٩].

      والآية فيها دلالة على أن صوت الحمار من أبشع الأصوات، وأفظعها، فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد علمت خسته وبلادته84.

      والثالث: في قوله تعالى: ( )[المدثر: ٥٠].

      وهذه الآية وصفت الكفار المعرضين بأنه كالحمر المستنفرة.

      ووردت اثنان منها بلفظ المفرد.

      الأول: في قوله تعالى: ( ﮔﮕ)[الجمعة: ٥].

      في الآية السابقة جعل الله تعالى مثل علماء اليهود الذين لم يحملوا التوراة، ولم يقوموا بما حملوا به، أنهم لا فضيلة لهم، وأنهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فالحمار لا يستفيد من تلك الكتب التي فوق ظهره، وليس له حظ منها إلا حملها فقط85.

      والثاني: في قوله تعالى: ( ﯰﯱ) [البقرة: ٢٥٩].

      والمعنى: أن الله سبحانه أمر العزير أن ينظر إلى حماره كيف تفرقت عظامه، ونخرت، وكان له حمار قد ربطه، ويجوز أن يكون المعنى: أن ينظر إليه سالمًا في مكانه كما ربطته، وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف، ولا ماء86.

      ٤. الفيل.

      جاء ذكر الفيل في القرآن الكريم في موضع واحد، وهو قوله تعالى: ( ) [الفيل: ١].

      قال ابن كثير في معنى هذه الآية: «هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة. وكانوا قومًا نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالًا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص، والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم»87.

      ومما سبق يتبين أن الله سبحانه وتعالى ذلل الحيوانات المركوبة للإنسان لينتفع بها، يركب علها ويقوم على مصالحه، وهذه نعم من نعمه تستحق الشكر منه عز وجل.

      ثالثًا: السباع:

      كان الحديث في المطلب السابق عن الحيوانات المركوبة، وذكرت في القرآن الكريم بعض السباع من الحيوانات، وهي:

      ١. السبع.

      وردت هذه اللفظة في موضع واحد من القرآن الكريم عند ذكر الحيوانات المحرم أكلها.

      قال تعالى: ( )[المائدة: ٣].

      والسبع: اسم يقع على ما له ناب، ويعدو على الإنسان، والدواب، ويفترسها، مثل الأسد وما دونه 88.

      وقيل: إن لفظة قسورة تعني الأسد89 في قوله تعالى: ( )[المدثر: ٥١].

      ٢. الذئب.

      ذكر الذئب في القرآن في قصة يوسف عليه السلام.

      قال تعالى: ( * ﯿ )[يوسف: ١٣- ١٤].

      وقال تعالى: ( ) [يوسف: ١٧].

      والمعنى: أنه تعالى يقول مخبرًا عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء: إنه يشق عليّ مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع؛ وذلك لفرط محبته له، لما يتوسم فيه من الخير العظيم، وشمائل النبوة، والكمال في الخلق والخلق، صلوات الله وسلامه عليه، وقال لهم أبوهم: وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم، ورعيتكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون، فأخذوا من فمه هذه الكلمة، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين عنها في الساعة الراهنة: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، ونحن جماعة، إنا إذًا لهالكون عاجزون90.

      وقالوا معتذرين عما زعموا: إنا ذهبنا نتسابق ونترامى بالنبال، وتركنا يوسف عند ثيابنا وأمتعتنا، حارسًا لها، فأكله الذئب، وهذا الذي كان قد جزع منه أبوهم، وحذر عليه، ونحن نعلم أنك لا تصدقنا- والحالة هذه- لو كنا صادقين موثوقين عندك، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؟! وأنت معذور في هذا لغرابة ما وقع، وعجيب ما حدث91.

      ٣. الكلب.

      جاءت لفظة الكلب في القرآن الكريم في موضعين:

      الأول: في قوله تعالى: ( ﯓﯔ ﯞﯟ ﯥﯦ )[الأعراف: ١٧٦].

      قال الرازي رحمه الله: «واعلم أن هذا التمثيل ما وقع بجميع الكلاب، وإنما وقع بالكلب اللاهث، وأخس الحيوانات هو الكلب، وأخس الكلاب هو الكلب اللاهث، فمن آتاه الله العلم، والدين فمال إلى الدنيا، وأخلد إلى الأرض، كان مشبهًا بأخس الحيوانات، وهو الكلب اللاهث»92.

      والثاني: في قوله تعالى: ( ﭽﭾﭿ ﮃﮄ ﮌﮍ ) [الكهف: ٢٢].

      جاء ذكر الكلب في هذه الآية مع عدة أصحاب الكهف، قال السعدي رحمه الله: «يخبر الله تعالى عن اختلاف أهل الكتاب في عدة أصحاب الكهف، اختلافًا صادرًا عن رجمهم بالغيب، وتقولهم بما لا يعلمون، وأنهم فيهم على ثلاثة أقوال: منهم من يقول: ثلاثة، رابعهم كلبهم، ومنهم من يقول: خمسة، سادسهم كلبهم. وهذان القولان ذكر الله بعدهما أن هذا رجم منهم بالغيب، فدل على بطلانهما، ومنهم من يقول: سبعة، وثامنهم كلبهم، وهذا -والله أعلم- الصواب؛ لأن الله أبطل الأولين، ولم يبطله، فدل على صحته، وهذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته، ولا يحصل بمعرفة عددهم مصلحة للناس، دينية ولا دنيوية»93.

      وهذه السباع أعطاها الله سبحانه من القدرة على افتراس الفريسة وتتمكن من أكلها حتى تستطيع الاستمرار في الحياة، فسبحان الله ( )[طه: ٥٠].

      رابعًا: حيوانات أخرى:

      وهناك حيوانات أخرى ورد ذكرها في القرآن الكريم، ومنها: الخنزير، والقردة.

      ومن المواضع التي جاء ذكر الخنزير فيها قوله تعالى: ( ﮗﮘ ) [البقرة: ١٧٣].

      والمعنى: أن الله سبحانه حرّم أكل الميتة، والانتفاع بها، وهي التي ماتت على غير ذكاة، وحرّم أيضًا الدم، ولحم الخنزير إنما خص لحمه مع أن سائر أجزائه أيضًا في حكمه؛ لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان، وسائر أجزائه بمنزلة التابع له94.

      ومن المواضع التي ذكرت فيها القردة قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٦٥].

      والمعنى: أن اليهود تجاوزوا الحد، وصادوا السمك في يوم السبت مع أن ذلك محرم، فجعلهم الله تعالى كالقردة في الخسة والحقارة.

      قال الزحيلي في تفسير الآية: «لقد علمتم شأن آبائكم الذين تجاوزوا الحد بصيد السمك يوم السبت، وكان محرمًا فيه لقصره على العبادة، فإن موسى عليه السّلام حظر عليهم العمل في هذا اليوم، وفرض عليهم فيه طاعة ربهم، وأباح لهم العمل في بقية أيام الأسبوع، وكان جزاؤهم أنهم أصبحوا في مرتبة الحيوان، يعيشون من دون عقل ووعي وتفكير، ويتخبطون في أهوائهم، كالقردة في نزواتها، والخنازير في شهواتها، يأتون المنكرات علانية، بعيدين عن الفضائل الإنسانية، حتى احتقرهم الناس، ولم يروهم أهلًا للمعاشرة والمعاملة، فمعنى صيرورتهم قردة خاسئين: تصييرهم مبعدين عن الخير أذلاء صاغرين»95.

      وجاءت لفظة القردة مقترنة بالخنازير في قوله تعالى: ( ﭼﭽﭾ ﭿ ﮈﮉ)[المائدة: ٦٠].

      فالقردة: أصحاب السبت، والخنازير: كفار مائدة عيسى عليه السلام96.

      وخلاصة القول: إن الناظر في الحيوانات يجد أن منها ما يستخدم للزينة، ومنها ما يستخدم للثروة، ومنها للركوب ومنها للأكل، حتى إن منها السباع، وغير ذلك، وهذا يدل الإنسان على كمال قدرة الله تعالى.

      الحيوانات المحرّم أكلها

      لقد ورد في القرآن الكريم ذكر بعض الحيوانات المحرّمة، وفي هذا المبحث إن شاء الله تعالى سنتتبع الآيات التي ذكرت فيها، مع بيان حكمة تحريمها.

      قال تعالى: ( ﮗﮘ ﮡﮢ ) [البقرة: ١٧٣].

      وقال تعالى: ( ﭬﭭ ﭯﭰ... ) [المائدة: ٣].

      وقال تعالى: ( ﯖﯗ * ﯩﯪ ﯺﯻ ﯾﯿ )[الأنعام: ١٤٥- ١٤٦].

      وقال تعالى: ( ﮞﮟ ) [النحل: ١١٥].

      الملاحظ أن الآيات السابقة ذكرت أنواعًا من الحيوانات المحرّم أكلها، وهي:

      ١. الميتة.

      ويراد بها عرفًا ما مات حتف أنفه، ويراد بها في عرف الشرع: ما مات، ولم يذكه الإنسان لأجل أكله97.

      والحكمة في التحريم: احتباس الدم فيها، وتوقع التضرر بها، لفساد لحمها، وتلوثه بالأمراض غالبًا.

      فهي محرمة لاستقذار الطباع السليمة لها ولما فيها من ضرر، وتكون سببًا في إزهاق الروح 98.

      ٢. الدم.

      والمراد به: الدم المسفوح ( )[الأنعام: ١٤٥].

      أي: المائع الذي يسفح، ويراق من الحيوان، وإن جمد بعد ذلك، بخلاف المتجمد طبيعة كالطحال والكبد وما يتخلل اللحم عادة فإنه لا يسمى مسفوحًا 99.

      وحكمة تحريم الدم؛ لأنه ضارّ، وتأباه النفوس الطيبة، فهو حرام لقذارته وضرره100.

      والدم كثير الضرر؛ لأنه عسر الهضم جدّ العسر، ويحمل كثيرًا من الموادّ العفنة التي تنحلّ من الجسم، وهي فضلات لفظتها الطبيعة كما تلفظ البراز ونحوه، واستعاضت عنها بموادّ جديدة من الدم، وقد يكون فيه جراثيم بعض الأمراض المعدية، وهي تكون فيه أكثر مما تكون في اللحم، ومن أجل هذا اتفق الأطباء على وجوب غلي اللبن قبل شربه، لقتل ما عسى أن يكون قد علق به من جراثيم الأمراض المعدية101.

      ٣. الخنزير.

      وهو حيوان قذر لا يأكل غالبًا إلا من القاذورات والنجاسات102، وأكل لحمه حرام.

      وحكمة التحريم: لأنه ضارّ، ولأن النفوس الطيبة تأباه؛، ولأن فيه ضررًا لحملة جراثيم شديدة الفتك؛ ولأن فيه كثيرًا من الطباع الخبيثة، وولوع بالنواحي الجنسية، ولا يغار على أنثاه، وكسول بطبعه، والمتغذي يتأثر بتلك الطبائع، وتنتقل إليه بيوض الدودة الوحيدة الحلزونية التي قد تكون في خلايا عضلات جسمه، ولو تربى في أنظف الحظائر103.

      ٤. ما أهلّ لغير اللّه به.

      قال المراغي: «والمراد به: ما ذبح على ذكر غير اللّه تعالى من المخلوقات التي يعظمها الناس تعظيمًا دينيًّا، ويتقربون إليها بالذبائح، وكانوا يذبحون لأصنامهم فيرفعون أصواتهم بقولهم: باسم اللات، أو باسم العزّى، ويدخل في ذلك ما ذكر عند ذبحه اسم نبي أو وليّ، كما يفعل بعض أهل الكتاب، وجهلة المسلمين الذين اتبعوا من قبلهم، وساروا على نهجهم باعًا فباعًا وذراعًا فذراعًا»104.

      وحكمة التحريم: حرّم الشرع أكل ما ذبح على ذكر غير اللّه تعالى؛ لمساسه بالعقيدة، وتعظيم غير اللّه، ومشاركة المشركين، والكفار في عبادة غير اللّه، والتقرب لآلهتهم بالذبائح105.

      ٥. المنخنقة.

      وهي التي تختنق، إما في وثاقها، وإما بإدخال رأسها في الموضع الذي لا تقدر على التخلص منه، فتختنق حتى تموت106.

      والحكمة من تحريمها: لأنها نوع من أنواع الميتة، وحكمها حكم الميتة، وضررها ضرر الميتة؛ لأنها لا تذبح، والتذكية الشرعية شرط لحلّ المذبوح107.

      ٦. الموقوذة.

      وهي التي ضربت إلى أن ماتت، يقال: وقذها، وأوقذها: إذا ضربها إلى أن ماتت، ويدخل في الموقوذة ما رمي بالبندق فمات108.

      وحكمة التحريم: لأنها ماتت بلا ذكاة شرعية، وكانوا يأكلونها في الجاهلية، والوقذ يحرم في الإسلام؛ لأنه تعذيب للحيوان شديد، وليست معه ذكاة، ومن هنا حرمت109؛ لأن حكمها حكم الميتة.

      ٧. المتردّية.

      هي ما سقطت من مكان عال كجبال، أو هوت في بئر بسبب ذلك هي كالميتة110، ويدخل فيه ما إذا أصابه سهم، وهو في الجبل فسقط على الأرض فإنه يحرم أكله؛ لأنه لا يعلم أنه مات بالتردي، أو بالسهم111.

      والحكمة من تحريمها: لأنها من الميتة، وماتت، وما سال منها الدم112، ولا يحل أكلها بدون تذكية؛ ولأن الإنسان لم يكن له عمل في إماتتها، ولا قصد به إلى أكلها113.

      ٨. النطيحة.

      وهي التي تنطحها بهيمة أخرى فتموت من النّطاح من غير أن يكون للإنسان عمل في أماتتها114.

      وسبب تحريمها: أنها من الميتة، وموتها بدون تذكية.

      ٩. ما أكل السبع.

      السبع: اسم يقع على ما له ناب، ويعدو على الإنسان، والدواب، ويفترسها مثل: الأسد وما دونه115، ويدخل في ذلك الذئب، والنمر، والفهد116، والكلب.

      وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير117.

      وأكل السباع من الفريسة ليس بشرط للتحريم، إذ يكفي فرسه إياه وقتله في تحريمه118.

      الحكمة من تحريم السباع: كان العرب في الجاهلية يأكلون بعض فرائس السباع، ولكنه مما تأنفه أكثر الطباع، وأكثر الناس يعدّ أكله ذلة ومهانة، وإن كانوا لا يخشون منه ضررًا119.

      قال المراغي رحمه الله: «ولا يحرم عليكم ما ذكيتموه بفعلكم مما يقبل التذكية، ويكفي في صحة إدراك ذكاة ما ذكر أن يكون فيه رمق من الحياة بأن يطرف بعينه، أو يضرب بذنبه»120.

      ١٠. ما ذبح على النصب.

      وهى حجارة كانت حول الكعبة عددها ثلاثمائة وستون حجرًا 121، وفيها وجهان: أحدهما: وما ذبح على اعتقاد تعظيم النصب، والثاني: وما ذبح للنصب122.

      والحكمة من التحريم: كان أهل الجاهلية يذبحون عليها، ويعدون ذلك قربة، ومن هذا يعلم أن ما ذبح على النصب هو من جنس ما أهلّ به لغير اللّه من حيث إنه يذبح بقصد العبادة لغير اللّه تعالى، وخص بالذكر لإزالة وهم من يتوهم أنه قد يحل لقصد تعظيم البيت الحرام إذا لم يذكر اسم غير اللّه عليه، وهو من خرافات الجاهلية التي جاء الإسلام بمحوها 123.

      ١١. القرد والكلب والفيل.

      قال القرطبي في تفسيره: «قال أبو عمر يعني: ابن عبد البر: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله، ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه...، وقال: والكلب والفيل، وذو الناب كله عندي مثل القرد»124.

      ويضاف إلى هذه المحرمات ما حرمه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أكل لحوم البغال، ولحوم الحمير الإنسية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، فعن جابر رضي الله عنه. قال: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني يوم خيبر- الحمر، ولحوم البغال، وكل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير)125.

      قال القرطبي رحمه الله: «وقد قيل: إن الحمار لا يؤكل؛ لأنه أبدى جوهره الخبيث حيث نزا على ذكر وتلوّط؛ فسمي رجسًا، قال محمد بن سيرين: ليس شيء من الدواب يعمل عمل لوط إلا الخنزير والحمار»126.

      وأما بالنسبة للحمر الأهلية، ولحوم الخيل فقد روي عن جابر بن عبد اللّه أنه قال: (نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل)127.

      قال الصنعاني: «قالت الشافعية: ويحرم ما ندب قتله كحية، وعقرب، وغراب أبقع، وحدأة وفأرة، وكل سبع ضار، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفارة والكلب العقور والحديا) 128.

      وقالوا: ولأن هذه مستخبثات شرعًا وطبعًا، وفي دلالة الأمر بقتلها على تحريم أكلها نظر»129.

      ومن الحيوانات ما ليس له دم أصلًا: كالجراد، والذباب، والنمل، والنحل، والدود، والخنفساء، والصرصار، والعقرب، وذوات السموم، ونحوها، لا يحل أكلها إلا الجراد خاصة؛ لأنها من الخبائث غير المستطابة، لاستبعاد الطباع السليمة إياها، وقد قال الله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٥٧].

      واشترط المالكية تذكية الجراد، أما الجراد الميت فهو حرام عندهم130.

      وخلاصة القول: إن الله تعالى خلق الحيوانات، وبيّن للإنسان الحلال منها والحرام، ويجب على العبد امتثال أمر ربه عز وجل في تحليل ما أحل الله، وتحريم ما حرّم الله، ولا يفعل فعلة المشركين الذين ابتدعوا تحريم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام بآرائهم الفاسدة، وتحريم الحيوانات ورد في كتاب الله تعالى، وفي السنة المطهرة.

      قال تعالى: ( ﯖﯗ )[الأنعام: ١٤٥].

      يتبين من الآية السابقة أن الله سبحانه أمر اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر المشركين أنه لا يجد فيما أوحاه اللّه إليه محرّمًا، وإنّما حرّم أربعة أشياء هي: الميتة، والدّم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير اللّه به، وغير ذلك من المحرمات التي ورد ذكرها في الكتاب والسنة لما فيها من الضّرر المادي؛ لأن لحومها خبيثة، أو المعنوي الذي يمسّ العقيدة، وعبادة اللّه.

      ويجوز للمسلم عند الضرورة أن يأكل الميتة إذا غلب على ظنه الهلاك، جاء ذلك في مواضع عدة من القرآن الكريم، منها: قوله تعالى: ( )[الأنعام: ١٤٥].

      قال الزحيلي: «أي: فمن دعته الضرورة، وألجأته، واحتاج من غير بغي، ولا عدوان إلى تناول شيء من هذه المحرّمات، لمجاعة غلب على ظنه الهلاك فيها، غير باغ على مضطر آخر، بأن ينفرد بتناوله، فيهلك الآخر، ولا عاد أي متجاوز ما يسد الرمق، والجوع، أي: قدر الضرورة، مما يدل على تحريم الشبع، وهو مذهب الأكثرين، فإن اللّه غفور ستار لذنبه أو هفوته، لا يؤاخذه على ذلك، رحيم به أن يعاقبه على مثل ذلك. وفي هذا تيسير، وتوسعة على هذه الأمة التي يريد اللّه بها اليسر، ولا يريد بها العسر»131.

      الحيوان في المثل القرآني

      إنّ من حكمة الله تعالى، ورحمته، وفضله أن أورد الأمثال في القرآن الكريم؛ وذلك لتقريب البعيد، وتوضيح المجمل، وفيها: إقناع الناس، وتحذيرهم، وتخويفهم.

      قال ابن القيم رحمه الله: «ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منها أمور: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس، بحيث يكون نسبته للعقل، كنسبة المحسوس إلى الحس، وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر، وإبطال أمر»132.

      والله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال بما يريد حتى إنه ضرب المثل بالبعوضة، وهي من أصغر الحيوانات، قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮄﮅ ﮍﮎ ﮗﮘ ﮞﮟ ) [البقرة: ٢٦].

      قال ابن القيم رحمه الله: «وهذا جواب اعتراض اعترض به الكفار على القرآن: وقالوا: إن الرب أعظم من أن يذكر الذباب، والعنكبوت، ونحوها من الحيوانات الخسيسة، فلو كان ما جاء به محمد كلام الله لم يذكر فيه الحيوانات الخسيسة، فأجابهم الله تعالى بأن قال: ( ﭽﭾ ﭿ ﮄﮅ)، فإن ضرب الأمثال بالبعوضة فما فوقها إذا تضمن تحقيق الحق وإيضاحه، وإبطال الباطل وإدحاضه كان من أحسن الأشياء، والحسن لا يستحيا منه، فهذا جواب الاعتراض فكأن معترضًا اعترض على هذا الجواب، أو طلب حكمة ذلك، فأخبر تعالى عما له في ضرب تلك الأمثال من الحكمة، وهي إضلال من شاء، وهداية من شاء، ثم كأن سائلًا سأل عن حكمة الإضلال لمن يضله بذلك فأخبر تعالى عن حكمته، وعدله، وأنه إنما يضل به الفاسقين»133.

      قال الزحيلي في معنى الآية السابقة: «إن اللّه سبحانه وتعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة، ونحوها بما هو دونها، أو أكبر منها، ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها، فلا غرابة ولا حرج ولا عيب في الإتيان بالأمثال والأشباه سواء أكانت صغيرة أم كبيرة؛ لأن العظمة فيها جميعها شيء واحد، وهو الخلق والإبداع؛ ولأن المثل جعل لكشف المعنى وتوضيحه بما هو معروف مشاهد، وما الأمثال إلا إبراز للمعاني المقصودة في قالب الأشياء المحسوسة لتأنس بها النفوس، وتنكشف أمامها الغوامض، وتزول الأوهام عن معارضة العقل، واللّه الحكيم يفعل ما يحقق المصلحة بضرب المثل في العظائم، والمحقرات حسب الأحوال، والمناسبات، فإن كان الأمر عظيمًا كالحق، والإسلام ضرب مثله بالنور، والضياء، وإن كان الأمر مهينًا حقيرًا كالأصنام ضرب مثله في عدم النفع، وانعدام الفائدة بما يشبهه من الذباب، والبعوض، والعنكبوت»134.

      فأما المؤمنون الذين يصدقون بأن اللّه خالق كل شيء، يقولون: إن كلام اللّه حق، ولا يقول غير الحق، وإنه سبحانه ضرب المثل لمصلحة وحكمة، وأما الكافرون الذين يستهزئون بالأمثال فيقولون متعجبين: ماذا أراد اللّه بمثل هذه الأشياء الحقيرة؟ فهم في حيرة من أمرهم، وخسران مبين في نهايتهم، ولو آمنوا لعرفوا الحق ووجه الحكمة في ذلك.

      قال تعالى: ( ﮟﮠ ﮦﮧ ﯓﯔ) [المدثر: ٣١]135.

      ومما سبق يتضح أن الحيوانات ذكرت في المثل القرآني، وسأذكر إضافة للمثل الذي سبق ذكره في هذا المبحث مثلين آخرين على سبيل المثال لا الحصر:

      المثل الأول: في قوله تعالى: ( * ﯓﯔ ﯞﯟ ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٧٥- ١٧٦].

      والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى قال للرسول صلى الله عليه وسلم: اقرأ على اليهود خبر الذي علمناه آياتنا، ولكنه لم يعمل بها، وتركها وراءه، وتجرد منها إلى الأبد، فلحقه الشيطان، وأدركه، وصار قرينًا له، وتمكن من الوسوسة له، فأصغى إليه، فصار من الظالمين الكافرين، لميله إلى الدنيا، واتباع الهوى والشيطان136.

      قال ابن القيم: «شبه سبحانه من آتاه كتابه، وعلمه العلم الذي منعه غيره فترك العمل به، واتبع هواه، وآثر سخط الله على رضاه، ودنياه على آخرته، والمخلوق على الخالق بالكلب الذي هو من أخبث الحيوانات، وأوضعها قدرًا وأخبثها نفسًا، وهمته لا تتعدى بطنه، وأشدها شرهًا وحرصًا، ومن حرصه أنه لا يمشي إلا وخطمه في الأرض يتشمم، ويتروح حرصًا وشرهًا، ولا يزال يشم دبره دون سائر أجزائه، وإذا رميت له بحجر رجع إليه ليعضه من فرط نهمته، وهو من أمهن الحيوانات، وأحملها للهوان وأرضاها بالدنايا، والجيف المروحة أحب إليه من اللحم الطري، والقذرة أحب إليه من الحلوى، وإذا ظفر بميتة تكفي مائة كلب لم يدع كلبًا يتناول معه منه شيء إلا هر عليه وقهره لحرصه وبخله وشره، ومن عجيب أمره، وحرصه أنه إذا رأى ذا هيئة رثة، وثياب دنية، وحال زرية نبحه، وحمل عليه كأنه يتصور مشاركته له، ومنازعته في قوته.

      وإذا رأى ذا هيئة حسنة، وثياب جميلة، ورئاسة وضع له خطمه بالأرض، وخضع له، ولم يرفع إليه رأسه، وفي تشبيه من آثر الدنيا وعاجلها على الله والدار الآخرة مع وفور علمه بالكلب في لهثه سر بديع، وهو أن الذي حاله ما ذكره الله من انسلاخه من آياته واتباعه هواه إنما كان لشدة لهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة فهو شديد اللهف عليها، ولهفه نظير لهف الكلب الدائم في حال ازعاجه، وتركه.

      واللهف، واللهث شقيقان، وأخوان في اللفظ والمعنى»137.

      وقال ابن القيم أيضًا: «قال ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد لا فؤاد له إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فهو مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له إنما فؤاده ينقطع، ومراده بانقطاع فؤاده أنه ليس له فؤاد يحمله على الصبر وترك اللهث، وهكذا الذي انسلخ من آيات الله لم يبق معه فؤاد يحمله على الصبر عن الدنيا، وترك اللهف عليها، فهذا يلهف على الدنيا من قلة صبره عليها، وهذا يلهث من قلة صبره على الماء، فالكلب من أقل الحيوانات صبرًا عن الماء، وإذا عطش أكل الثرى من العطش، وإن كان صبر عن الجوع، وعلى كل حال فهو من أشد الحيوانات لهثًا يلهث قائمًا، وقاعدًا، وماشيًا، وواقفًا ذلك لشدة حرصه، فحرارة الحرص في كبده توجب له دوام اللهث، فهكذا مشبهه شدة حرارة الشهوة في قلبه توجب له دوام اللهث، فإن حملت عليه بالموعظة والنصيحة فهو يلهث، وإن تركته ولم تعظه فهو يلهف.

      قال مجاهد: وذلك مثال الذي أوتى الكتاب ولم يعمل به، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن تحمل عليه الكلمة لم يحملها وإن تركته لم يهتد إلى الخير»138.

      قال البغوي رحمه الله: «وهذا الكافر إن زجرته لم ينزجر، وإن تركته لم يهتد، فالحالتان عنده سواء، كحالتي الكلب: إن طرد كان لاهثًا، وإن ترك وربض كان لاهثًا. قال القتيبي: كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء، أو عطش إلا الكلب، فإنه يلهث في حال الكلال، وفي حال الراحة، وفي حال العطش، فضربه الله تعالى مثلًا لمن كذب بآياته فقال: إن وعظته فهو ضال، وإن تركته فهو ضال، كالكلب إن طردته لهث، وإن تركته على حاله لهث»139.

      وهذا كقوله تعالى: ( ﯕﯖ ) [الأعراف: ١٩٣].

      وهذا المثل عام في جميع من يكذب بآيات الله، قال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٧٧].

      وينطبق هذا على كفار مكة حيث إنهم كانوا يتمنون هاديًا يهديهم، ويدعوهم إلى عبادة الله، فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يشكّون في صدقه كذّبوه، فلم يهتدوا سواء دعاهم، أو تركهم.

      قال الزحيلي: «ذلك المثل الغريب هو مثل هؤلاء القوم الذين كذبوا بآيات الله، واستكبروا عنها، ولم تنفعهم الموعظة، وهم اليهود بعد ما قرأوا نعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في التوراة، وبشروا الناس باقتراب مبعثه، وكانوا يستنصرون، أو يستفتحون به، وجاء القرآن المعجز كاشفًا هذه الحقيقة التي أنكرها اليهود بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم»140.

      إن الذي يركن إلى الدنيا، ويميل إليها، ويرغب فيها، ويهتم بلذاتها، ويتبع هواه، ولم يجعل همّه الآخرة، ولم يهتد بآيات الله، ولم يشكر نعمة اللّه عليه باستعمالها في مرضاته يكون مثل الكلب، ويتصف بصفاته، وهي: الذلة، والحقارة، والدناءة، والخسة، وإن من أذل، وأخس أحوال الكلب دوام اللهث سواء طرد أو لم يطرد.

      وهذا حال من تجرد من معرفة الله تعالى، حيث إن الله سبحانه وتعالى شبهه بأقبح صفة من صفات الكلب.

      إنه مثل عجيب، وغريب، فيه العبرة، والموعظة لمن سمع، وتدبر، وفهم، وعقل، وفكّر، قال تعالى: ( ﮦﮧ )[العنكبوت: ٤٣].

      المثل الثاني: في قوله تعالى: ( ﮔﮕ ﮜﮝ ) [الجمعة: ٥].

      قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة، وحملوها للعمل بها، فلم يعملوا بها، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارًا، أي: كمثل الحمار إذا حمل كتبًا لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملًا حسيًّا، ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظًا، ولم يفهموه، ولا عملوا بمقتضاه، بل أولوه، وحرفوه، وبدلوه، فهم أسوأ حالًا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهم له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها؛ ولهذا قال في الآية الأخرى: ( ﭭﭮ ) [الأعراف: ١٧٩141.

      وقال السعدي رحمه الله: «ذكر الله تعالى أن الذين حملهم التوراة من اليهود وكذا النصارى، وأمرهم أن يتعلموها، ويعملوا بما فيها، وأنهم لم يحملوها، ولم يقوموا بما حمّلوا به، أنهم لا فضيلة لهم، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به، والإيمان بما جاء به من القرآن، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران، وإقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم»142.

      وهذا دليل على أن اليهود والنصارى فقدوا الإدراك الصحيح، والوعي السليم، وعطلوا طاقات الحواس، والمواهب الإلهية التي لو فكروا بموجبها لآمنوا بدعوة الأنبياء، وخاصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وانقادوا إلى رسالة الحق والتوحيد، ولكنهم لم يستفيدوا من ذلك بشيء فكانوا مثل الحمير كما وصفهم الله عز وجل، وهذا عام في كل من حمل كتابًا من الكتب السماوية، ولم يعمل به، وحتى الذي تعلم القرآن، ولم يعمل به فهو كذلك.

      قال ابن القيم رحمه الله: «فقاس من حمّله سبحانه كتابه ليؤمن به، ويتدبره، ويعمل به، ويدعو إليه ثم خالف ذلك، ولم يحمله إلا على ظهر قلب، فقراءته بغير تدبر، ولا تفهم، ولا اتباع له ولا تحكيم له وعمل بموجبه كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها، وحظه منها حمله على ظهره ليس إلا، فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره، فهذا المثل وإن كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حق رعايته»143.

      يتضح من الأمثال السابقة أن الله سبحانه ذكر فيها بعض الحيوانات وإن كانت خسيسة وحقيرة، فإنه عز وجل هو الذي خلقها، ويضرب المثل بها وبغيرها؛ لأنه أعلم بها، وأن الكفار لم يستطيعوا خلق بعوضة ولا أصغر منها، فكيف يعترضون على الله تعالى في ضرب الأمثال بها؟

      لمسات إعجازية في خلق الحيوانات

      إنّ الناظر، والمتفكر في خلق السموات، والأرض يجد حوله مخلوقات عظيمة من الحيوانات، تدب على وجه الأرض، أو تسبح في قعر البحر، أو تحلق في جو السماء، وأن هذه الحيوانات أمم، وأشكال، وأجناس، وخلق منها الذكر والأنثى.

      قال تعالى: ( ﭽﭾﭿ ﮅﮆ ) [الأنعام: ٣٨].

      والمتأمل في الحيوانات يجد أنها موجودة، وأعدادها كثيرة لا يحصيها إلا الذي خلقها سبحانه، والله تعالى رازقها، ويعلم مستقرها، ومستودعها.

      قال تعالى: ( ﭝﭞ ) [هود: ٦].

      وتنتشر هذه الدواب في ملكه سبحانه وتعالى، وتسير بأمره، وتأكل، وتشرب من نعمه التي لا تحصى، وتسبح بحمده، وتطيعه، وتعبده حتى تستوفي رزقها، وتستكمل آجالها، والله جعل الإعجاز في خلقها، وتصرفاتها، وطريقة حياتها، ونموها، وتكاثرها، وأعدادها التي تحفظ وجودها بحيث إنه لا تطغى على الأجناس الأخرى، فسبحان الخلاق العليم الذي يمسك بزمامها، ويزيد وينقص فيها بقدرته وحكمته، ويعطي كل منها من القوى، والخصائص، والوظائف ما يحفظ التوازن بينها.

      والكلام عن الإعجاز في خلق الحيوانات طويل، وسأكتفي بذكر ثلاث آيات إضافة لما سبق:

      قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭲﭳ ﭷﭸ ﭽﭾ)[النور: ٤٥].

      قال السعدي رحمه الله: «ينبه الله سبحانه عباده على ما يشاهدونه، أنه خلق جميع الدواب التي على وجه الأرض، من ماء، أي: مادتها كلها الماء، كما قال تعالى: ( ﮣﮤ)[الأنبياء: ٣٠].

      فالحيوانات التي تتوالد مادتها ماء النطفة، حين يلقح الذكر الأنثى، والحيوانات التي تتولد من الأرض لا تتولد إلا من الرطوبات المائية، كالحشرات لا يوجد منها شيء يتولد من غير ماء أبدًا، فالمادة واحدة، ولكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة»144.

      والملاحظ أن الحيوانات مادتها واحدة، ولكن كل مخلوق يختلف عن غيره من وجوه كثيرة، فاختلافها مع أن الأصل واحد يدل على مشيئة الله وقدرته، وهذا من مظاهر الإعجاز؛ لأن الناظر إليها يجد أن منها من يمشي على بطنه كالحية، والثعبان، ونحو ذلك، ومنها من يمشي على رجلين كالآدميين، وكثير من الطيور، ومنها من يمشي على أربع كبهيمة الأنعام، ونحوها.

      والله سبحانه وتعالى جعل لكل حيوان من الخصائص التي يختلف بها عن غيره، وهدى كل مخلوق لما خلق له، وأعطاه القدرة على ذلك، فمن الحيوانات يعيش في البحر، ومنها يعيش في البر، ومنها يمشي على الأرض، ومنها يطير في الهواء، فسبحان الله الخالق ( ) [طه: ٥٠].

      وقال تعالى: ( ﭖﭗ ﭣﭤ ﭫﭬ ) [الحج: ٧٣].

      قال ابن القيم رحمه الله: «حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه، وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده، وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق الذباب، ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف ما هو أكبر منه؟ ولا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئًا مما عليهم من طيب، ونحوه فيستنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟

      وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك، وتجهيل أهله، وتقبيح عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة حيث أعطوا الإلهية التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات، والإحاطة بجميع المعلومات، والغنى عن جميع المخلوقات، وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإجابة الدعوات، فأعطوها صورًا، وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الآلهة الحق، وأذلها، وأصغرها وأحقرها، ولو اجتمعوا لذلك، وتعاونوا عليه»145.

      وقال ابن القيم أيضًا: «وأدل من ذلك على عجزهم، وانتفاء إلاهيتهم أن هذا الخلق الأقل الأذل العاجز الضعيف لو اختطف منهم شيئًا واستلبه فاجتمعوا على أن يستنقذوه منه لعجزوا عن ذلك، ولم يقدروا عليه، ثم سوى بين العابد، والمعبود في الضعف، والعجز، بقوله: ( ) قيل: الطالب: العابد، والمطلوب: المعبود فهو عاجز متعلق بعاجز، وقيل: هو تسوية بين السالب، والمسلوب، وهو تسوية بين الإله والذباب في الضعف والعجز، وعلى هذا فقيل: الطالب، الإله الباطل، والمطلوب الذباب يطلب منه ما استلبه منه، وقيل: الطالب: الذباب، والمطلوب: الإله، فالذباب يطلب منه ما يأخذه مما عليه، والصحيح أن اللفظ يتناول الجميع فضعف العابد والمعبود والمستلب والمستلب، فمن جعل هذا إلهًا مع القوي العزيز فما قدره حق قدره، ولا عرفه حق معرفته، ولا عظمه حق تعظيمه»146.

      ولو تأملنا في الآية الكريمة نجد أن القرآن الكريم استخدم تعبير: ( )، وفي ذلك لمسة معجزة؛ لأن الذباب يختلس ما يأخذه من أشربة، وأطعمة من الناس اختلاسًا، وينتزعها منهم انتزاعًا على القهر لعجزهم عن مقاومته في أغلب الأحوال147.

      وهذا يدل على استمرار القرآن الكريم في تحديه للإنس، وأنهم عاجزون عن خلق الذباب، وليس ذلك فحسب، بل إنهم عاجزون عن استنفاذ ما يسلبه الذباب منهم من طعام، أو شراب، أو غير ذلك، وهذه لمسة إعجازية جاءت في قوله تعالى: ( ).

      فالذباب عندما يحط على شيء، فإن كان سائلًا سلب قطرة منه، وأوصلها فورًا إلى جهازه الهضمي فيمتصها، ويحولها إلى جهازه الدوري، ومنه إلى مختلف خلاياه، وإن كانت مادة صلبة صب عليها من لعابه ومن المواد الهاضمة فيفككها، ويذيبها فورًا، فتصل مهضومة إلى جهازه الهضمي، ومنه إلى جهازه الدوري، ثم إلى جميع خلايا الجسم، وعليه فلا سبيل أبدًا إلى استرجاع شيء من ذلك148.

      وهناك لمسة إعجازية أخرى في قوله تعالى: () لأنه من الثابت أن البشرية كلها عاجزة عن خلق خلية واحدة على الرغم من وجود التقدم العلمي، والتقني المذهل، وغير المسبوق في تاريخ البشرية كلها، ولكنها ضعيفة، وعاجزة عن خلق ذبابة واحدة، وليس ذلك فحسب، بل إنها عاجزة عن استرجاع شيء مما يسلبه الذباب.

      وهذ كله يدل على كمال قدرة الله عز وجل في الخلق، فكيف يليق بالمشركين والكافرين عبادة غيره؟ فإذا كان البشر عاجزين وإن كانوا مجتمعين عن استرجاع ما يسلبه الذباب، فعجزهم عن خلق الذباب من باب أولى، وكيف لو طلب منهم أن يخلقوا ما هو أكبر من هذه الحشرة؟ وعليهم أن يستخدموا عقولهم، ويعبدوا الله وحده.

      وقال تعالى: (ﭿ ﮉﮊ ﮏﮐ ) [العنكبوت: ٤١].

      قال المراغي في تفسير هذه الآية: «إن سنة البلغاء جرت بوجوب التماثل بين المثل، وما مثّل له، فالعظيم يمثّل له بالعظيم، والحقير يمثل له بالحقير، ألا ترى إلى الإنجيل، وقد مثّل غلّ الصدر بالنّخالة، ومعارضة السفهاء بإثارة الزنابير.

      وجاء في عباراتهم: (أجمع من ذرة، وأجرأ من الذباب، وأضعف من بعوضة)، وما الأمثال إلا إبراز للمعاني المقصودة في قالب الأشياء المحسوسة لتأنس بها النفس، وتستنزل الوهم عن معارضة العقل، والحكيم علام الغيوب يعلم حكمة هذا، فلا يترك ضرب المثل بالبعوضة، وما دونها حين تدعو المصلحة إلى ذلك، والناس إزاء هذا فريقان: مؤمنون يقولون: إن اللّه خالق الأشياء حقيرها وعظيمها، فالكل لديه سواء، وكافرون يستهزئون بالأمثال احتقارًا لها، فحقت عليهم كلمة ربهم فأصبحوا من الخاسرين»149.

      قال صاحب كتاب القرآن وإعجازه العلمي: «مثل هؤلاء الذين اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها، ويعتمدون عليها، ويرجون نفعها كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتًا واهنًا من نسجها لا يغنى عنها في حر، ولا قر، ولا مطر، ولا أذى»150.

      ولفظة (العنكبوت) اسم للواحدة المؤنثة المفردة، والجمع (العناكب)، وهذا من الإعجاز حيث إن ذلك يشير إلى الحياة الفردية لهذه الدويبة فيما عدا لحظات التزاوج، وأوقات فقس البيض، وأما تسمية (النحل)، و(النمل) جاء بالجمع ليدل على الحياة الجماعية لتلك الحشرات151.

      وفي قوله تعالى: ( ﮏﮐ ) لمسة إعجازية أخرى، فبيت العنكبوت من الناحية المادية أضعف البيوت على الإطلاق؛ لأنه يتكون من خيوط حريرية دقيقة جدًّا، تتشابك مع بعضها تاركة مسافات كبيرة بينها في أغلب الأحيان؛ ولذلك فإنها لا تقي الحر، ولا البرد، ولا تقي من المطر، ولا من الرياح العاصفة، ولا تدفع عنها أخطار المهاجمين، على الرغم من الإعجاز في بنائها.

      وبينت الآية أيضًا أن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية أوهن بيت على الإطلاق؛ لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت؛ لأن الأنثى في بعض أنواع العنكبوت تقتل ذكرها، وتفترسه بمجرد عملية الإخصاب؛ لأنها أكبر حجمًا، وأكثر شراسة منه، وفي بعض الحالات تقوم بأكل صغارها دون أدنى رحمة، وفي بعض أنواع العنكبوت تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها الذي تحتضنه في كيس من الحرير عادة152.

      وقد لاحظ العلماء عند دراسة حياة العناكب أن بيت العنكبوت له شكل هندسي خاص دقيق الصنع، ومقام في مكان مختار له في الزوايا، أو بين غصون الاشجار، وأن كل خيط من خيوط البيت مكون من أربعة خيوط دقيقة، ويخرج كل خيط من الخيوط الأربعة من قناة خاصة في جسم العنكبوت، ولا يقتصر بيت العنكبوت على أنه مأوى يسكن فيه، بل إنه مصيدة تقع في بعض حبائلها اللزجة الحشرات الطائرة مثل الذباب، وغيره لتكون فريسة يتغذى عليها، فسبحان الله الذى خلق كل شيء، وقدر كيانه تقديرًا، وألهمه حياته تنظيمًا، وتدبيرًا153.

      ولا يحيط بما في العنكبوت، وعالم الحيوانات، والمخلوقات كلها من أسرار إلا الله عز وجل الذي لم يخلقها عبثًا، بل له حكمة بالغة في المشاهد منها، وغير المشاهد، والنافع منها، والضار، فسبحان الله ( ) [السجدة: ٧].

      والملاحظ أن الإعجاز في هذه الحيوانات الصغيرة والحقيرة مذهل وعجيب، فكيف لو كان الكلام عن الإعجاز في الحيوانات الكبيرة، والمتأمل في مخلوقات الله تعالى يجد أن في كل مخلوق له آيات تدل على أنه الواحد.

      موضوعات ذات صلة:

      الإنسان، الحشرات، الخلق، الطير، النبات


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/١٢٢.

2 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٩٣.

3 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٣/٤٢٤.

4 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٥/٢٨٢.

5 التعريفات، ص٨٣.

6 المصدر السابق.

7 المصدر السابق ص٨٤.

8 المصباح المنير، الفيومي، ص٨٦.

9 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٦٠.

10 انظر: لسان العرب ١٤/٢١٤.

11 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٨/٢٣٧.

12 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٣١٥.

13 المصدر السابق.

14 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٨٢.

15 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٩٧.

16 أخرج الطبراني في المعجم الكبير ٣/١٧٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٧٠، رقم ٦٩٧٣.

17 تفسير المراغي، ٧/٣٢.

18 ندوة الويبو عن الملكية الفكرية للصحفيين، حسام الدين الصغير، ص١٢.

19 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٣٤٠.

20 انظر: تفسير المراغي، ١١/١٢٨.

21 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١١/٢٠٩.

22 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي، ١١/٦٢.

23 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧٨.

24 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٥/٨٢.

25 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/٥٩٥.

26 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٥٨٥.

27 التفسير المنير، الزحيلي، ١٤/٩٠.

28 انظر: المصدر السابق.

29 انظر: تفسير المراغي، ٣/١١٢.

30 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٤/٩١.

31 انظر: الصواعق المرسلة، ابن القيم، ٤/١٥٦٦.

32 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢١/١٤٦.

33 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٥٧٩.

34 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٢/٢٥٠.

35 الكشاف، ٤/٢٤٧.

36 مفتاح دار السعادة ص٢٤٦.

37 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص٤٣٢.

38 الجامع لأحكام القرآن، ١٦/١٢٨.

39 المحرر الوجيز، ٤/٢٥٣.

40 انظر: المصدر السابق.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، رقم ٣٣١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب النهي عن قتل النمل، ٤/١٧٥٩، رقم ٢٢٤١.

42 مفتاح دار السعادة، ص٢٥٢.

43 المصدر السابق، ص٢٥٣.

44 التفسير المنير ٤/٢٠٧.

45 المحرر الوجيز ١/٢٢٣.

46 أخرجه ابن حبان في صحيحه، ٢/٣٨٦، رقم ٦٢٠.

وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ١/١٤٧، رقم ٦٨.

47 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢/٢٠١.

48 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢/٣٤.

49 تفسير القرآن العظيم ١/٤٧٥.

50 انظر: مفتاح دار السعادة، ص٢٦٠.

51 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٤/١٦٨.

52 انظر: المصدر السابق.

53 الجامع لأحكام القرآن، ١٠/١٣٤.

54 مفتاح دار السعادة، ص٢٥٨.

55 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ٣/٢٠٣، رقم ٢٩٠٦.

56 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢٥/١٢٤.

57 انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم، ص٢٤٣.

58 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٨/٧١.

59 المصدر السابق ٨/٧٢.

60 فتح القدير، ٥/٥١١.

61 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٥٧٦.

62 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/٤٧٥.

63 انظر التفسير المنير، الزحيلي، ١٢/١٠١.

64 انظر: تفسير المراغي، ١/١٤٣.

65 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٤٩.

66 تفسير المراغي، ١/١٦٥٥.

67 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/١٨٨.

68 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي، ١/٤٦.

69 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٢/٤٦٦.

70 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/٢٢٧.

71 انظر: المصدر السابق، ٩/١٠٦.

72 انظر: المصدر السابق، ٩/٩٥.

73 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٣/٢٦.

74 انظر: المصدر السابق.

75 الرشاء: الحبل.

انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص١٢٧.

76 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/٤٥.

77 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٥٠.

78 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي، ٢٣/٥٢.

79 انظر: تفسير المراغي، ١٠/٢٤.

80 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٧/٢١٣.

81 تفسير القرآن العظيم، ٢/٦٧١.

82 انظر التفسير المنير، الزحيلي، ٢٨/٨٠.

83 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي، ٢/٢٦٩.

84 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٨٩٥.

85 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٩٤١.

86 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/٣٩٠.

87 تفسير القرآن العظيم، ٤/٦٣٤.

88 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٣٦.

89 انظر: روح المعاني، الألوسي، ١٦/٢٣٠.

90 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٥٦١-٥٦٢.

91 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٢/٢٢٢.

92 مفاتيح الغيب ١٥/٦٠.

93 تيسير الكريم الرحمن، ص٦٣٧.

94 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ١/١٩١.

95 التفسير المنير، ١/١٨١.

96 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ١/٦٩٢.

97 انظر: تفسير المراغي، ٦/٤٧.

98 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢/٧٨.

99 انظر: تفسير المراغي، ٦/٤٧.

100 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢/٧٩.

101 انظر: تفسير المراغي، ٦/٤٧، ٤٨.

102 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢/٧٩.

103 انظر: المصدر السابق.

104 تفسير المراغي، ٦/٤٨.

105 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي، ١/٤٣٠.

106 انظر: جامع البيان، الطبري، ٤/٤٠٨.

107 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي، ١/٤٣٠.

108 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٣٥.

109 انظر: تفسير المراغي، ٦/٤٩.

110 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي، ٦/٢٧.

111 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٣٥.

112 انظر: المصدر السابق.

113 انظر: تفسير المراغي، ٦/٥٠.

114 انظر: المصدر السابق.

115 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٣٦.

116انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٤/٢٧.

117أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل السباع، رقم ٣٨٠٥.

118انظر: تفسير المراغي، ٦/٥٠.

119 انظر: المصدر السابق.

120 انظر: المصدر السابق.

121 انظر: المصدر السابق.

122 النصب: هي الأوثان.

انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٣٧.

123 انظر: تفسير المراغي، ٦/٥٠-٥١.

124 الجامع لأحكام القرآن، ٨/٩١.

125 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصيد، باب ما جاء في كراهية كل ذي ناب وكل ذي مخلب، رقم ١٤٧٨.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

126 الجامع لأحكام القرآن، ٨/٧٨.

127 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، باب في أكل لحوم الخيل، ٣/١٥٤١، رقم ١٩٤١.

128 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتل في الحرم، ٤/١٢٩، رقم ٣٣١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، رقم ١١٩٨.

129 سبل السلام ٤/١٠٢.

130 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢/٨١.

131 المصدر السابق ١٤/٢٥٦.

132 بدائع الفوائد، ٢/٣٠١.

133 المصدر السابق، ٢/٤٣٧.

134 التفسير المنير، ١/١١٠-١١١.

135 انظر: المصدر السابق ١/١١١.

136 انظر: المصدر السابق، ٩/١٦٣.

137 الأمثال في القرآن الكريم، ص٢١٥-٢١٦.

138 المصدر السابق، ص٢١٦- ٢١٧.

139 معالم التنزيل، البغوي، ٢/ ١٧٣، ١٧٤.

140 التفسير المنير، ٩/١٦٣.

141 تفسير القرآن العظيم، ٤/٤١٧.

142 تيسير الكريم الرحمن، ص٣٠١.

143 إعلام الموقعين، ١/١٣٤.

144 تيسير الكريم الرحمن، ص٤٧٩.

145 إعلام الموقعين، ١/١٤٦-١٤٧.

146 المصدر السابق ١/١٤٧.

147 انظر: الحيوان في القرآن الكريم، زغلول النجار، ص١٥٦.

148 انظر: المصدر السابق، ص١٦١.

149 تفسير المراغي، ١/٧١.

150 كتاب القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم، ١/١٥٧.

151 انظر: الحيوان في القرآن الكريم، زغلول النجار، ص١٤٠.

152 انظر: المصدر السابق ص١٤٢- ١٤٣.

153 انظر: القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم، ١/١٥٧- ١٥٨.