عناصر الموضوع

مفهوم الحكمة

الحكمة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الحكمة نعمة إلهية

الحكمة من صفات الله تعالى

وصف القرآن الكريم بالحكمة

وصف الرسل والصالحين بالحكمة

مجالات الحكمة

آثار الحكمة

الحكمة

مفهوم الحكمة

أولًا: المعنى اللغوي:

قال ابن فارس:«الحاء والكاف والميم أصل واحد، ومعناه المنع، وأول ذلك الحكم، وهو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة؛ لأنها تمنعها، ويقال: حكمت السّفيه وأحكمته، إذا أخذت على يديه1.

قال جريرٌ 2:

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إنّي أخاف عليكم أن أغضبا

والحكمة هذا قياسها؛ لأنها تمنع من الجهل، والمحكّم: المجرب المنسوب إلى الحكمة3.

والحكيم، هو ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم، وعرّف الحكم في اللغة بأنه الحكمة من العلم، وصاحب الحكمة هو المتقن للأمور.

ولو تدبرنا معاني الحكمة في اللغة على نحو ما سبق لوجدنا أن مدارها على شيئين: أولهما: المنع، لأنها تحكم صاحبها أو المتصف بها من الوقوع فيما يذم عليه أو يلحقه الندم، وثانيهما: الفطنة في تدبير الأمور وحسن إدارتها، من حيث تقديم الأهم على المهم، وتقديم الفاضل على المفضول4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

للحكمة في الاصطلاح تعريفات عدة نختار منها ما يأتي:

أنّ الحكمة هي: «معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، وهذا التعريف للإمام مجاهد والإمام مالك، وقد قال عنه ابن القيم: «إنه أحسن ما قيل في الحكمة»5.

أنها«ضرب من العلم يمنع من ركوب الباطل»6.

أنها «خروج نفس الإنسان إلى كمالها الممكن»7.

ومن التعريفات المعاصرة للحكمة:

أ- أنها «العلوم النافعة والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال»8.

ب- أنها:«القصد والاعتدال، وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال»9.

ج- أنها«وضع الشيء في موضعه»10.

د- أنها:«فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي»11.

التعريف المختار:

الذي يمكن للباحث اختياره استخلاصًا من التعريفات السابقة أنّ الحكمة «ملكةٌ فطريةٌ أو مكتسبةٌ يمكن بها وضع الأمور في مواضعها أقوالا وأفعالا وأحكامًا وفق روية ودراية».

فالصلة بين المعنى الاصطلاحي واللغوي وثيقة جدًّا؛ إذا كلاهما يدلان على تدبير الأمور وحسن إدارتها والمنع من ركوب الباطل.

الحكمة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أحكم) في القرآن الكريم (١٢٣) مرة12.

والصيغ التي جاءت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [هود:١]

الفعل المضارع

١

( ) [الحج:٥٢]

المصدر

٢٠

( ) [البقرة:٢٦٩]

الصفة المشبهة

٩٧

( ﭿ ) [النمل:٦]

اسم التفضيل

٢

( ) [التين:٨]

اسم المفعول

٢

( ) [آل عمران:٧]

وجاءت الحكمة في القرآن على خمسة وجوه13:

أحدها: وضع الأشياء مواضعها، ومنه قوله تعالى: ( ) [التغابن:١٨]، يعني: الموصوف بالحكمة، لا يدع معاملة الناس بما تقضيه الحكمة من وضع الأشياء مواضعها، ونوط الأمور بما يناسب حقائقها.

والثاني: الموعظة، ومنه قوله تعالى: ( ) [القمر:٥]، يعني: موعظة قد بلغت الغاية، ووصلت إلى النهاية.

والثالث: السنة، ومنه قوله تعالى: ( ) [الجمعة:٢]، يعني: القرآن والسنة.

والرابع: العلم والفهم، ومنه قوله تعالى: ( ) [لقمان:١٢]، يعني: العلم والفهم.

والخامس: النبوة: ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء:٥٤]، يعني: النبوة.

الألفاظ ذات الصلة

العلم:

العلم لغةً:

نقيض الجهل، والمعرفة، واليقين، والعلّامة: النسّابة، وهو من العلم14، ويقال: «علمت الشيء أعلمه علمًا: عرفته»15.

العلم اصطلاحًا:

عرفه الجرجاني: «العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، ونقل عن الحكماء فقال: هو حصول صورة الشّيء في العقل»16.

وأنكر ابن العربي تعريف العلم لوضوحه وقال: «العلم أبين من أن يبين»17، وأنكر على من تصدى لتعريف العلم.

الصلة بين العلم والحكمة:

يمكن إبرازها في الآتي:

  1. أن العلم يشبه الحكمة من حيث كون كلًّا منهما يفيد المرء ويفيد غيره، ويورث صاحبه قبولًا ومكانة ورفعة بين الناس.
  2. أن الحكمة ضرورية لطلب العلم وتعليمه، فمن التزم بالحكمة أحسن التعلم إن كان تلميذًا، والتعليم إن كان معلمًا.

    القضاء:

    الفقه لغةً:

    «العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة. وغلب على علم الدين؛ لشرفه»18.

    الفقه اصطلاحًا:

    هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلّق به الحكم، وهو علمٌ مستنبطٌ بالرأي والاجتهاد، ويحتاج فيه إلى النظر والتأمّل19.

    الصلة بين الفقه والحكمة:

    أن الفقه طريق إلى الحكمة، فكل من تفقه في دينه، ووقف على شيء من أسرار الأحكام الشرعية، وأعمل ذهنه في استنباطها كان حكيمًا في تصرفاته، متزنًا في أفعاله وأقواله.

    القضاء:

    الفطنة لغةً:

    الفطنة بالكسر وسكون الطاء المهملة لغة: هي الفهم، وفي الصحاح هي كالفهم، وهذه قد تكون جبليّة وقد تكون مكتسبة، كما أنّ عدم الفطنة قد يكون جبليّا وقد يكون عارضًا20.

    الفطنة اصطلاحًا:

    تعرف في الاصطلاح بأنها «جودة تهيئ النفس لتصوّر ما يرد عليها من الغير»21.

    وتعرف كذلك بأنها«الفطنة: سرعة ما يقصد إشكاله»22.

    الصلة بين الفطنة والحكمة:

    أن الحكمة تنبني على الفطنة، إلا أن الفطنة فيها جانب معنوي به تدرك بواطن الأمور ومراميها، مما يؤدي إلى الحكمة في التصرفات، ولهذا فإن الحكيم لابد أن يكون فطنًا.

    الحكمة نعمة إلهية

    أولًا: الحكة نعمة:

    الحكمة نعمة من نعم الله تعالى التي ينعم بها على من يشاء من عباده، يصدق ذلك قول الله تعالى ( ﯧﯨ ﯯﯰ ) [البقرة: ٢٦٩].

    قال الشيخ المراغي في تفسير قوله تعالى:«( ) أي: إنه تعالى يعطى الحكمة والعلم النافع المصرّف للإرادة لمن يشاء من عباده، فيميز به الحقائق من الأوهام، ويسهل عليه التفرقة بين الوسواس والإلهام وآلة الحكمة العقل المستقل بالحكم في إدراك الأشياء بأدلتها، وفهم الأمور على حقيقتها -ومن أوتى ذلك عرف الفرق بين وعد الرّحمن ووعد الشيطان، وعضّ على الأول بالنواجذ وطرح الثاني وراءه ظهريًّا، ( ﯯﯰ) أي: ومن يوفقه الله لهذا النوع النافع من العلم، ويرشده إلى هداية العقل، ووجهه الوجهة الصحيحة- فقد هدى إلى خيرى الدنيا والآخرة، فهو يسخر القوى التي خلقها الله له من سمع وبصر وشعور ووجدان في النافع من الأشياء، ويعدّها لتنفيذ ما يرغب فيه، ثم بعدئذ يفوض الأمر إلى بارئه الذي فطره وسوّاه، ومنه مبدؤه وإليه منتهاه، وبهذا لا يستسلم لوساوس الشيطان، ولا يقض مضجعه ما يجده من مكدرات الحياة وآلامها»23.

    وقد فسرت الحكمة في هذا الموضع بتفسيرات عدة أشهرها ما يأتي:

  1. أن الحكمة هي الإصابة في القول والفعل، روي هذا عن مجاهد24.
  2. أن الحكمة هي العقل في الدين، روي هذا عن عبد الرحمن بن زيد25.
  3. أن الحكمة هي الفهم، وهو مروي عن إبراهيم النخعي26.
  4. أن الحكمة هي النبوة، وهو مروي عن ابن عباس والسدي27.
  5. أن الحكمة هي علم القرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله، وهذا مروي عن قتادة28.
  6. أن الحكمة هي الخشية، وهو مروي عن الربيع بن خيثم29.
  7. أن الحكمة هي المعرفة بالدين والفقه فيه والاتباع له، حكاه ابن وهب عن مالك30.

    وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك قوله: «وإنه ليقع في قلبي، أن الحكمة هو الفقه في دين الله؛ وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلًا في أمر الدنيا، إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه، بصيرًا به، يؤتيه الله إياه، ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله»31.

    ولا مانع من إطلاق الحكمة على كل المعاني السابقة، يقول الإمام الطبري بعد أن ذكر هذه المعاني: «إنها مأخوذة من«الحكم» وفصل القضاء، وأنها الإصابة بما دل على صحته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع، وإذا كان ذلك كذلك معناه، كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلًا فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة.

    وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهمًا خاشيًا لله فقيهًا عالمًا، وكانت النبوة من أقسامه، لأن الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في بعض الأمور، «والنبوة» بعض معاني الحكمة، فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرًا كثيرًا32.

    ولما كانت الحكمة نعمة كان إيتاؤها من رضا الله تعالى على المرء، حبًّا لها، ورفعة لمنزلته، وجزاء له على طاعته وامتثاله لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وقد ينعم الله تعالى على المرء في شبابه بالطاعة وييسر له سبلها ليؤهله بعد ذلك لتلقي الحكمة.

    روي عن الحسن البصري قوله: «من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله»33.

    ثانيًا: تعلّم الحكمة:

    الحكمة هبة وعطية من الله يهبها من يشاء من عباده الصالحين، أما كونها هبة وعطية فهي نعمة من نعم الله تعالى التي ينعم بها على أحد من خلقه، وهذه درجة سامية من درجات الحكمة، ولكن يمكن في الوقت ذاته اكتساب الحكمة أو تعلمها.

    وأما كونها فطرية فقد تقدم ذكر الآية الصريحة في أن الحكمة نعمة يؤتيها الله تعالى لمن يشاء.

    وورد في السنة كذلك ما يمكن الاستئناس به على فطريتها، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد قيس (إنّ فيك لخلقين يحبّهما الله: الحلم والأناة)34، فقال: يا رسول الله، أنا تخلّقتهما، أو جبلني الله عليهما؟ قال: (بل الله جبلك عليهما). قال: الحمد للّه الّذي جبلني على خلقين يحبّهما الله ورسوله 35.

    ووجه الاستئناس بالحديث هنا أن الحلم والأناة وإن كان خلقين مستقلين إلا أن منبعهما الحكمة، فالحكيم تدفعه حكمته إلى الحلم والأناة.

    وأما عن كونها مكتسبة فذلك بأن ييسر الله تعالى للمرء مخالطة الحكماء ومجالسة العلماء والإطلاع على التجارب والخبرات واكتساب الصفات والخلال التي تؤهله ليكون في مصاف الحكماء وبتعاطي أسباب الإخلاص، والتفكر والاعتبار بالحوادث، والصمت إذا خاض الإنسان فيها، كلها من الأسباب المعينة على الاقتباس من نور الحكمة وكل ذلك بتوفيق الله وإعانته.

    وروي عن الإمام مالك؛ أنّه بلغه أنّ لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: «يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنّ الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السّماء»36.

    وقد استنبط الشيخ محمد الطاهر بن عاشور كون الحكمة مكتسبة من الحوار الذي دار بين سيدنا سليمان عليه السلام وملئه حول إمكانية إحضار عرش ملكة سبأ، وذلك في قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮆﮇ ﮚﮛ ﮨﮩ ﮮﮯ ) [النمل: ٣٨ -٤٠].

    قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: «وهذه المناظرة بين العفريت من الجن والذي عنده علم من الكتاب ترمز إلى أنه يتأتى بالحكمة والعلم ما لا يتأتى بالقوة، وأنّ الحكمة مكتسبة لقوله: عنده علم من الكتاب، وأن قوة العناصر طبيعة فيها، وأن الاكتساب بالعلم طريق لاستخدام القوى التي لا تستطيع استخدام بعضها بعضًا. فذكر في هذه القصة مثلًا لتغلب العلم على القوة، ولما كان هذان الرجلان مسخرين لسليمان كان ما اختصا به من المعرفة مزية لهما ترجع إلى فضل سليمان وكرامته أن سخر الله له مثل هذه القوى»37.

    وأيًّا كان الأمر من كون الحكمة فطرية أو مكتسبة، فإن كليهما يستلزم من المرء العمل بها وتعليمها، وإلا دخل في عداد واحد من اثنين، الأول: العالم الذي لا يعمل بعلمه، والثاني: العالم الذي يكتم علمه، وكلاهما مذموم.

    أما الأول فمذموم بقول الله تعالى ( ) [الصف: ٢].

    وأما الثاني فمذموم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما (يجاء بالرّجل يوم القيامة فيلقى في النّار، فتندلق أقتابه في النّار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النّار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)38.

    وروي أن سليمان بن عبد الملك سأل أبا حازم (أحد الزهاد بالمدينة) فقال: يا أبا حازم من أعقل النّاس ؟ قال: من تعلم الحكمة وعلمها النّاس، قال: فمن أحمق النّاس؟ قال: من دخل في هوى رجل ظالم39.

    ويمكن بيان أوجه الفرق بين الحكمة الفطرية والحكمة المكتسبة، أو الحكمة التي يؤتيها الله والحكمة التي يتعلمها المرء على هذا النحو:

    أنّ الحكمة التي يؤتيها الله تعالى إنما يؤتيها لمن أحب من خلقه، فهي نور لا يؤتيه لعاصٍ، أما تعلم الحكمة فقد ينالها الطائع والعاصي، فتكون للطائع نعمة، وعلى العاصي قد تكون استدراجًا ونقمة.

    أعظم من الحكمة التى يتعلمها وأكثر إفادة من المكتسبة وفي كل خير، وذلك لأن علم البشر قاصر، قال الله تعالى ( ﯔﯕ ) [يوسف:٧٦].

    أنّ الحكمة المؤتاة من الله تعالى هي علم لدني، كما في حالة الخضر عليه السلام، ولقمان عليه السلام، أما الحكمة التي يتعلمها المرء فتأتي من طرق عدة، وبدرجات متفاوتة، فقد يتعلمها المرء من الإنسان، وقد يتعلمها من الحيوان.

    الحكمة من صفات الله تعالى

    وصف الله تعالى نفسه بالحكمة، وسمى نفسه الحكيم في آيات عديدة بلغت أكثر مائة موضع، من كتاب الله عز وجل، فالحكيم من أسماءالله الحسنى، وأكثر ما ورد من اسم «الحكيم» في القرآن الكريم ورد مقترنًا بغيره من الأسماء؛ كالعزيز والعليم والخبير والتواب ونحو ذلك.

    قال ابن منظور: «الله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وهو الحكيم، له الحكم سبحانه وتعالى. قال اللّيث: الحكم الله تعالى. وقال الأزهريّ من صفات الله: الحَكَم والحَكِيم والحَاكِم، ومعاني هذه الأسماء متقاربة، وعلينا الإيمان بأنّها من أسمائه. وقال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى (الحكم) و(الحكيم) وهما بمعنى الحاكم، وهو القاضي فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل: الحكيم: ذو الحكمة وهي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم»40.

    ولهذه التسمية ولهذا الاقتران معان دار حولها العلماء، أتناول ما تيسر منها على هذا النحو:

    أولًا: معنى الحكمة في حق الله تعالى:

    الحكمة في حق الله تعالى تعني صفة عظيمة من صفاته جل وعلا، واسمًا من أسمائه الحسنى، تتعلق بالعلم والإحاطة بخلقه، وتدبير شؤونهم، وتشريعاته الصالحة لكل زمان ومكان، ورحمته التي وسعتهم بتقدير وتدبير محكمين.

    ولذلك فإن اسم الله تعالى «الحكيم» تتعدد معانيه وتتسع حسب المواضع الكريمة التي ورد فيها في كتاب الله تعالى، وكلها تصف المولى جل وعلا بالحكمة التي سبق ذكر معانيها.

    فالحكيم جل وعلا له في خلقه شئون، وله في تدبير أمورهم إرادة لا يعتريها العبث، ولا يدخلها الخلل، قال تعالى مبينًا جوانب حكمته في الخلق: ( ) [القمر: ٤٩].

    فالحكيم جل وعلا جعل الناس متفاوتين في المعايش والأوصاف، كما قال ابن القيم: «الله سبحانه يحب أن يشكر، ولذا فاوت بين عباده في صفاتهم الظاهرة والباطنة في خلقهم وأخلاقهم وأديانهم وأرزاقهم ومعايشهم وآجالهم، فإذا رأى المعافى المبتلى والغنيّ الفقير والمؤمن الكافر عظم شكره لله، وعرف قدر نعمته عليه، وما فضّله به على غيره، فازداد شكرًا وخضوعًا واعترافًا بالنعمة، فالضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتبين الأشياء»41.

    والحكيم سبحانه وتعالى فاضل بين الناس، فوفّق قومًا للدين، ووكل قومًا لأنفسهم فاختاروا الكفر، ولا يعجز الله هدايتهم، ولو شاء لهدى الناس أجمعين، لكنه حكيم، جعل الكفر والإيمان، وسلط الشيطان على بني الإنسان حكمة منه42.

    قال ابن القيم: «في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله، فالله سبحانه لم يخلقه عبثًا، ولا قصد بخلقه إضرار عباده وهلاكهم، فكم لله في خلقه من حكمة باهرة، وحجة قاهرة، وآية ظاهرة، ونعمة سابغة؛ وهو وإن كان للأديان والإيمان كالسموم للأبدان ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها»43.

    وللعلماء كلام طيب في معنى الحكمة في حق الله تعالى إما على جهة الإطلاق أو مستفادًا من الآيات القرآنية الورادة في الحكمة، وأورد هنا طرفًا من كلامهم وتفسيراتهم على هذا النحو:

    قال الغزاليّ: «الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، والله عزّ وجلّ هو الحكيم الحقّ، لأنّه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم، إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزليّ الدّائم الّذي لا يتصوّر زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليه خفاء ولا شبهة ولا يتّصف بذلك إلّا علم الله سبحانه وتعالى»44.

    وقال الشيخ ناصر السعدي ما ملخصه: «الحكيم: الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم، والاطّلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، واسع الحمد، تام القدرة، غزير الرحمة، فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجّه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.

    وحكمته نوعان:

    النوع الأول: الحكمة في خلقه؛ فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملًا على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام، ورتّبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللّائق به، بل أعطى كلّ جزء من أجزاء المخلوقات وكلّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته، فلا يرى أحد في خلقه خللًا، ولا نقصًا.

    النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره، فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه، فأي حكمة أجلّ من هذا؟ وأيّ فضل وكرم أعظم من هذا، فإنّ معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له وحمده، وشكره والثّناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق، وأجلّ الفضائل لمن يمنّ الله عليه بها»45.

    وإذا نظرنا إلى اسم الله تعالى الحكيم، لوجدناه لم يأت في القرآن الكريم مفردًا قط، وإنما مقرونًا باسم آخر على نحو ما سيتضح لاحقًا.

    وللعلماء كلام طيب في تفسير اسم الحكيم جل وعلا، منه قول ابن القيم: «اسم الحكيم له سبحانه من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعه الأشياء في مواضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه»46.

    وقول العسكري: «وتسمية الله بأنه حكيم على وجهين:

    أحدهما: يستحقه لذاته، وهو أنه عالم.

    والآخر: يستحقه لفعله، وهو أن أفعاله محكمة.

    وفعيل بمعنى مفعل معروف في اللغة، يقال: سمع بمعنى سميع، قال عمرو بن معدي كرب: أمن ريحانة الداعي السميع»47.

    ثانيًا: حكمة اقتران صفة الحكمة بصفات الله الأخرى:

    وردت الحكمة مقترنة بصفات أخرى لله عز وجل، حيث جاء اسم الحكيم مع أسماء أخرى في عشرات الآيات المكية والمدنية على اختلاف مقاصد هذه الآيات، ولا يتسع المقام لسردها بالتفصيل، ولكن اكتفي بالإشارة إلى ذكر ذلك إجمالًا، ثم استلهام بعض المعاني من مواطن بعينها.

    • العزيز الحكيم:

      جاء اسم الله تعالى (الحكيم) مقرونًا باسمه (العزيز) جل وعلا في (٤٤) موضعًا في القرآن الكريم48.

      وكل آية ورد فيها الاسمان الكريمان، لها مدلولها ومعانيها المناسبة للمقام، المبسوطة في مواضعها من كتب التفسير.

      فعلى سبيل المثال في قول الله تعالى ( ﮎﮏ ) [آل عمران:٦].

      يقول الطبري: «أخبر جل ثناؤه خلقه بصفته، وعيدًا منه لمن عبد غيره، أو أشرك في عبادته أحدًا سواه، فقال: «هو العزيز» الذي لا ينصر من أراد الانتقام منه أحدٌ، ولا ينجيه منه وألٌ ولا لجأٌ، وذلك لعزته التي يذلّ لها كل مخلوق، ويخضع لها كل موجود، ثم أعلمهم أنه «الحكيم في تدبيره وإعذاره إلى خلقه، ومتابعة حججه عليهم، ليهلك من هلك منهم عن بيّنة، ويحيا من حيّ عن بينة»49.

      وفي قوله جل شأنه: ( ﮒﮓ ) [آل عمران: ١٢٦].

      يقول الطبري في معناها: «العزيز في انتقامه من أهل الكفر بأيدي أوليائه من أهل طاعته، الحكيم في تدبيره لكم أيها المؤمنون على أعدائكم من أهل الكفر، وغير ذلك من أموره»50.

    • العليم الحكيم:

      جاء اسم الله تعالى (الحكيم) مقترنًا باسمه (العليم) جل وعلا، في (٣٣) موضعًا في القرآن الكريم51.

      وجميع المواضع التي وردت فيه العلم مقترنًا بالحكمة لكل موضع منها معناه المناسب للآيات الواردة فيه.

      والناظر في المواضع يجد أن (٣١) موضعًا منها سبق العلم الحكمة، وموضعين فقط سبقت الحكمة العلم:

      الأول: قوله تعالى: ( ﮭﮮ ) [الزخرف: ٨٤].

      وذكر الطبري في تفسيرها أنه سبحانه وتعالى الحكيم: في تدبير خلقه، وتسخيرهم لما يشاء، العليم بمصالحهم52.

      وذكر ابن كثير أن المعنى: حكيم في أقواله وأفعاله53.

      ولهذا فإن العبد إذا علم أن الحكيم سبحانه وتعالى هو المدبر للأمور المتقن لها والموجد لها على غاية الإحكام والإتقان والكمال، والواضع للأشياء في مواضعها، والعالم بخواصها ومنافعها الخبير بحقائقها ومآلاتها.. فإذا عرف العبد ذلك وتيقن هذا المعنى وأن كل ما يجري في هذا الكون هو لحكمة بالغة أرادها الله تبارك وتعالى -علم هذه الحكمة من علمها وجهلها من جهلها- كان لهذه المعرفة الأثر البالغ في حياته وتصرفاته ونظرته للكون والحياة وعاش مطمئن القلب قرير العين مفوضًا الأمر كله إلى الله تعالى متقنًا لعمله محسنًا لعبادته، ومتيقنًا أن كل ما يجري في الكون والحياة هو من تقدير الحكيم العليم اللطيف الخبير الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه54.

      والثاني: في قوله جل شأنه: ( ﰑﰒ ) [الذاريات: ٣٠].

      والمعنى: أنه تعالى حكيم في تدبيره خلقه، عليم بمصالحهم، وبما كان وبما كائن، وقيل: عليمٌ بما تستحقّون من الكرامة، حكيم في أقواله وأفعاله55.

      ومن لطائف الآية ما ذكره الرازي قائلًا: «إن قيل: لم قال هاهنا الحكيم العليم، وقال في هود: (حميد مجيد)؟ نقول: لما بينا أن الحكاية هناك أبسط، فذكروا ما يدفع الاستبعاد بقولهم: أتعجبين من أمر الله، ثم لما صدقت أرشدوهم إلى القيام بشكر نعم الله، وذكروهم بنعمته بقولهم: حميد، فإن الحميد هو الذي يتحقق منه الأفعال الحسنة، وقولهم: مجيد، إشارة إلى أن الفائق العالي الهمة لا يحمده لفعله الجميل، وإنما يحمده ويسبح له لنفسه، وهاهنا لما لم يقولوا: أتعجبين، إشارة إلى ما يدفع تعجبها من التنبيه على حكمه وعلمه، وفيه لطيفة وهي أن هذا الترتيب مراعى في السورتين، فالحميد يتعلق بالفعل، والمجيد يتعلق بالقول، وكذلك الحكيم هو الذي فعله، كما ينبغي لعلمه قاصدًا لذلك الوجه بخلاف من يتفق فعله موافقًا للمقصود اتفاقًا، كمن ينقلب على جنبه فيقتل حية وهو نائم، فإنه لا يقال له: حكيم، وأما إذا فعل فعلًا قاصدًا لقتلها بحيث يسلم عن نهشها، يقال له: حكيم»56.

    • الحكيم الخبير:

      جاء اسم الله تعالى (الحكيم) مقترنًا باسمه (الخبير) في أربعة مواضع من كتاب الله عز وجل.

      ولو تتبعنا آثار اسمي الحكيم والخبير لوجدنا أن الله سبحانه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه، ولا ينزله غير منزله، التي يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته.

      فلا يضع الحرمان والمنع موضع العطاء والفضل، ولا الفضل والعطاء موضع الحرمان والمنع، ولا الثواب موضع العقاب، ولا العقاب موضع الثواب، ولا الخفض موضع الرفع، ولا الرفع موضع الخفض، ولا العز مكان الذل، ولا الذل مكان العز، ولا يأمر بما ينبغي النهي عنه، ولا ينهى عما ينبغي الأمر به.

      فهو أعلم حيث يجعل رسالته، وأعلم بمن يصلح لقبولها، ويشكره على انتهائها إليه ووصولها، وأعلم بمن لا يصلح لذلك ولا يستأهله، وأحكم من أن يمنعها أهلها، وأن يضعها عند غير أهلها.

      فلو قدر عدم الأسباب المكروهة البغيضة له لتعطلت هذه الآثار، ولم تظهر لخلقه، ولفاتت الحكم والمصالح المترتبة عليها، وفواتها شر من حصول تلك الأسباب57.

      ولو تتبعنا بعضًا من مواضع اقتران اسم الحكيم باسم الخبير لوجدنا فيها معان كثيرة على هذا النحو:

      أولها: قول الله تعالى: ( ﰅﰆ ) [الأنعام:١٨].

      وقد فسرها الطبري هنا بقوله: «يعني تعالى ذكره بقوله: (وهو)، نفسه، يقول: والله الظاهر فوق عباده، ويعني بقوله: (القاهر)، المذلّل المستعبد خلقه، العالي عليهم، وإنما قال: (فوق عباده)؛ لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه.

      فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عباده، المذلّلهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه وهو الحكيم، يقول: والله الحكيم في علّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره الخبير، بمصالح الأشياء ومضارّها، الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دخل»58.

      وقال الإمام البقاعي في هذه الآية: «( ) أي الذي يعمل مراده كله، ويمنع غيره مراده إن شاء، وصوّر قهره وحقّقه لتمكن الغلبة بقوله: ( ) وكل ما سواه عبد؛ ولما كان في القهر ما يكون مذمومًا، نفاه بقوله: () أي: وحده () فلا يوصل أثر القهر بإيقاع المكروه إلا لمستحق، وأتم المعنى بقوله() أي: بما يستحق كل شيء، فتمت الأدلة على عظيم سلطانه وأنه لا فاعل غيره»59.

      وثانيها: في السورة نفسها: ( ﯩﯪ ﯮﯯ ﯱﯲ ﯸﯹ ﯼﯽ ﯿ ) [الأنعام:٧٣].

      وثالثها: في أول سورة سبأ في قول الله تعالى: ( ﭞﭟ ) [سبأ: ١].

      ورابعها: في قوله جل شأنه: (ﮔﮕ ) [هود:١].

      والمعنى هنا: أنه سبحانه وتعالى حكيم بتدبير الأشياء وتقديرها، خبير بما تؤول إليه عواقبها60.

      وفسرها قتادة وأبو العالية بأنه سبحانه وتعالى حكيم في أمره خبير بخلقه61.

      أما بقية الأسماء فنجد أن اقتران اسم الحكيم بها مرة واحدة وذلك كأسماء:

    • التواب:

      جاء مقترنًا باسم (الحكيم) في قول الله تعالى: ( ) [النور: ١٠].

      وهنا جاءت الآية جواب «لولا متروك»، والمعنى -واللّه أعلم-: ولولا فضل الله عليكم لنال الكاذب لما ذكرنا عذابٌ عظيم62.

      وقيل المعنى: «ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم، وأنه عوّاد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم، وسياسته لهم، لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلا رحمة منه بكم، وتفضلا عليكم»63.

    • الحميد:

      جاء مقترنًا باسم (الحكيم) في قول الله تعالى في وصف القرآن الكريم: ( ﮍﮎ ﮛﮜ ) [فصلت: ٤١ -٤٢].

      وقد فسر بعض العلماء (الحكيم) هنا بأنه الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره أو في حكمه، و(الحميد) بأنه الذي لا يلحقه الذم في فعله64.

    • العلي:

      جاء مقترنًا باسم (الحكيم) في قوله تعالى: ( ﯿ ﰋﰌ ) [الشورى: ٥١].

      وهذه الآية الكريمة واردة في بيان أقسام الوحي إلى الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقد ختمها الله تعالى بقوله: ( ).

      والمعنى كما ذكره الرازي: أنه تعالى () عن صفات المخلوقين () يجري أفعاله على موجب الحكمة65.

    • الواسع:

      جاء مقترنًا باسم (الحكيم) في قول الله تعالى: ( ﮑﮒ ) [النساء: ١٣٠].

      وهذه الآية وردت في مسألة التفرقة بين الزوجين حين تتعذر الحياة بينهما على النحو الصحيح، فإذا كان الله تعالى قد علق الغنى على النكاح في موضع، فقد علقه في هذا الموضع على الفرقة.

      ويؤيد هذا ما روي عن الحسن بن علي أنه كان طلق زوجته، فقيل: له في ذلك، فقال: إني رأيت الله تعالى علق على الأمرين غنى، فقال تعالى: ( ﭗﭘ ﭟﭠ ) [النور: ٣٢].

      وقال: ( ) [النساء: ١٣٠]66.

      والواسع: عام في الغنى، والقدرة، والعلم، وعقبه بالحكم، منبهًا أن السعة ما لم يكن معها الحكمة، والعلم، كان إلى الفساد أقرب منها إلى الصلاح67.

      وصف القرآن الكريم بالحكمة

      القرآن الكريم له أسماء عدة وأوصاف مختلفة بعضها ذكر في القرآن نفسه، وبعضها ورد في السنة النبوية، ومن ذلك وصفه بالحكمة في أكثر من موضع.

      قال الرازي في معرض ذكره لأسماء القرآن الكريم: «ثامنها: الحكم، والحكمة، والحكيم، والمحكم.

      أما الحكم فقوله: ( ﮊﮋ) [الرعد:٣٧].

      وأما الحكمة فقوله: ( ﯫﯬ ) [القمر:٥].

      وقوله: ( ) [الأحزاب: ٣٤].

      وأما الحكيم فقوله: ( ) [يس: ١ - ٥وأما المحكم فقوله: (ﮔﮕ ) [هود: ١]»68.

      وبيان معاني هذه المواضع على هذا النحو:

      أولًا: وصف القرآن بالحكمة في معرض القسم به في مطلع سورة يس: قال تعالى:( ) [يس: ١ - ٥].

      والحكيم هنا فسر بتفسيرات عدة أشهرها ما يلي:

    1. ما ذكره الطبري أنه «المحكم بما فيه من أحكامه، وبيّنات حججه»69.
    2. ما ذكره الزجاج بأن «آياته أحكمت وبيّن فيها الأمر والنهي والأمثال وأقاصيص الأمم السالفة70.
    3. ما ذكره الرازي في موضع بأنه -أي: القرآن- ذو حكمة بمعنى أنه ناطق بها كأنه حي يتكلم71.
    4. ما ذكره الرازي في موضع آخر بأنه بمعنى «الحاكم»72.

      ومما سبق ذكره نجد ما يشبه اتفاق المفسرين على أن الحكيم هنا بمعنى المحكم73.

      ثانيًا: في قول الله تعالى ( ) [آل عمران: ٥٨].

      والمراد ذلك الذي نقصّه عليك في شأن عيسى، من الدلائل الواضحة على صحة رسالتك، وصحة القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق والباطل، فلا شك فيه ولا امتراء.

      وأكثر المفسرين قالوا بأن الذكر الحكيم هنا هو القرآن الكريم، حيث روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنه والضحاك ومحمد بن جعفر بن الزبير، كما رواه عنهم الطبري74.

      فابن عباس رضي الله عنهما فسره بأنه «الكامل في حكمته».

      ومحمد بن جعفر فسره بقوله: «القاطع الفاصل الحقّ، الذي لم يخلطه الباطل من الخبر عن عيسى وعما اختلفوا فيه من أمره، فلا تقبلنّ خبرًا غيره»75.

      ثالثًا: تسمية القرآن بالحكمة في قوله جل شأنه: ( ﯫﯬ ) [القمر:٥].

      حيث فسرها غير واحد في هذا الموضع بالقرآن الكريم76.

      وجاء في السنة النبوية أحاديث تصف القرآن الكريم بالحكمة، أو مفسرة لوصفه بذلك منها ما يأتي:

      ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (القرآن حكمة، فمن تعلم القرآن في شبيبته خلط بلحمه ودمه، ألا وإن النار لا تمس قلبًا وعى القرآن، ولا جسدًا اجتنب محارمه وأحل حلاله وآمن بمحكمه ووقف عند متشابهه ولم يبتدع فيه)77.

      وخلاصة ما يمكن استنباطه من وصف القرآن الكريم بالحكمة فيما مر ذكره من مواضع ما يأتي:

    1. أنه وصف بذلك لكونه مستقرا فيه الحكمة وهي حقائق المعارف وما يتفرع عليها من الشرائع والعبر والمواعظ.
    2. أن الحكمة من الصفات السامية التي يتحلى بها المؤمن، وأن الرجوع إلى كتاب الله تعالى في كل أمور الإنسان هو عين الحكمة ومنبع الصواب إذ فيه الحل لكل ما يشكل عبر العصور والأزمان.
    3. أن كل ما أتى به الحكماء ويأتون، وما نطق به البلغاء ينطقون، مرده إلى كتاب الله تعالى سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا، وحسبك من آيات الله تعالى آيات جمعت فأوعت، وبلاغة للفصحاء أعيت.

      وصف الرسل والصالحين بالحكمة

      أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنّ الحكمة نعمة يؤتيها من يشاء من عباده، نبيًّا كان أو غير نبي، مع ما أودعه في الرسل والأنبياء خاصة من صفات فطرية مادية ومعنوية فاقوا بها غيرهم، وذلك تأهيلًا لمهتمهم السامية، ورفعًا لمكانتهم، وقد تقدم الكلام على نعمة إيتاء الحكمة، وما ورد في تفسير الحكمة في الآية.

      ومن خلال تتبع آيات القرآن الكريم يجد المرء وصفًا من الله تعالى لبعض أنبيائه ورسله بالحكمة، وكذا بعض الصالحين من عباده من غير الأنبياء، وهو ما أتناوله في هذا المبحث على النحو الآتي:

      أولًا: الأنبياء والرسل عليهم السلام والحكمة:

      أنعم الله سبحانه وتعالى على جميع أنبيائه ورسله بنعمة الحكمة بكل جوانبها في التعلم والتعليم والممارسة والتطبيق، في الأقوال والأفعال، وهذه سمة جميع الأنبياء والرسل حتى يستطيعوا أن يقوموا بمهمتهم التي أوكلها الله تعالى لهم على أكمل وجه، وحتى تثمر دعوتهم.

      والقرآن الكريم يورد مواطن إيتاء الأنبياء الحكمة على وجوه شتى، بعضها منصوص عليه بلفظ الحكمة، وبعضها بلفظ الحكم أو الفهم، أورد منها هنا أقوال من فسّرها بالفهم والعلم ونحوه من معاني الحكمة.

      ١. حكمة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.

      امتن الله تعالى على نبيه أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام بنعمة الحكمة، حيث دعا بذلك سيدنا إبراهيم، فقال كما جاء في القرآن ( ) [الشعراء: ٨٣].

      فقد فسرت الحكمة هنا بالعلم والفهم، كما هو مروي عن مقاتل وغيره، أو: البيان على الشيء على ما توجبه الحكمة78، وهناك من فسرها بالنبوة79.

      وفي موطن آخر تشير آية كريمة إلى النعم التي أنعم الله تعالى بها على آل إبراهيم عليه السلام ومنها الحكمة، وذلك قوله ( ﭱﭲ ) [النساء:٥٤].

      وقد فسر البعض الحكمة هنا بأنها المعرفة بالدين والفقه فيه80.

      وهذه الآية تشمل من آل إبراهيم سيدنا موسى وداود وسليمان عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام81.

      ومن لطائف الآية كما ذكر بعض المفسرين: «أن هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه وهو مسلّم عندهم، أي: ليس ما آتينا محمدًا وأصحابه من فضلنا بأبدع حتى تحسدهم اليهود على ذلك، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم وهم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء أعمامه، وفيه حسم لمادة حسدهم واستبعادهم المبنيّين على توهم عدم استحقاق الحسود ما أوتيه من الفضل ببيان استحقاقه له بطريق الوراثة كابرًا عن كابر، وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر»82.

      ٢. حكمة كليم الله موسى عليه السلام.

      أنعم الله على كليمه موسى عليه السلام بالنجاة من بطش فرعون وكيده، وعاش ما قدر الله تعالى له في مدين ثم عاد إلى مصر رسولًا إلى فرعون وملئه، فدار بينهما الحوار المذكور في سورة الشعراء، الذي ذكر فيه نبي الله موسى نعم الله تعالى عليها، ومن بينها الحكمة التي رزق إياها وهو في مقتبل عمره، قال تعالى: ( ﭗﭘ ) [القصص: ١٤].

      قال محمد بن إسحاق: «آتاه الله حكمًا وعلمًا، أي: فقهًا في دينه ودين آبائه وعلمًا بما في دينه من شرائعه وحدوده»83.

      وفي قول الله تعالى ( ) [الشعراء:٢١].

      نجد أن الله تعالى قد ذكر الحكمة مع الرسالة مما يدل على أنهما متغايران، وأن الحكمة هنا ليس مقصودًا بها الرسالة، بل المقصود بها العلم والفهم، كما ذكره مقاتل بن سليمان وتبعه بعض المفسرين84.

      ٣. حكمة نبي الله داود عليه السلام.

      نبي الله داود عليه السلام أحد أنبياء بني إسرائيل جمع الله تعالى له الملك والنبوة في بيته له ولابنه سليمان عليه السلام، وقد كان داود جنديًّا في جيش طالوت، فامتن الله تعالى بقتل جالوت ورزقه الله تعالى بعد ذلك الملك والحكمة، فسار بها في الناس معلمًا وحاكمًا ومرشدًا.

      وجاء النص الصريح على نعمة إيتاء سيدنا داود الحكمة في موضعين، والحكم الذي فسر بمعنى الحكم في موضع ثالث من كتاب الله تعالى:

      أولًا: في قصة طالوت وجالوت في قول الله تعالى: ( ﮮﮯ ) [البقرة: ٢٥١].

      ثانيًا: في قول الله تعالى ( ﮧﮨ ﮬﮭ ﯔﯕ ) [الأنبياء:٧٩].

      والقصة مبسوطة في حكمة سيدنا سليمان عليه السلام.

      ثالثًا: قال تعالى: ( ) [ص:٢٠].

      والحكمة المذكورة في آية ص فسرها ابن عباس رضي الله عنهما والقاضي شريح بأنها الفهم85.

      وفسرها السدي ومجاهد بأنها النبوة، وفسرها أبو العالية بأنها العلم بكتاب الله، وفسرها قتادة بأنها السنة86.

      وأما فصل الخطاب ففسرت بتفسيرات عدة منها: أنها الشهود والبينات، وفسرت بعلم القضاء، وهذا ما روي عن القاضي شريح وعامر الشعبي وقتادة87.

      ومنها أنها قوله في الخطبة (أما بعد)، حيث روي أن أول من قالها سيدنا داود عليه السلام.

      قال ابن الخطيب: «فصل الخطاب عبارة عن كونه قادرًا على التعبير على كل ما يخطر بالبال ويحضر في الخيال، بحيث لا يخلط شيئًا بشي وبحيث يفصل كلّ مقام عن ما يخالفه، هذا معنى عامّ يتناول فصل الخصومات ويتناول الدعوة إلى الدين الحق ويتناول جميع الأقسام» 88.

      ٤. حكمة نبي الله سليمان عليه السلام.

      وصف القرآن نبي الله سليمان عليه السلام بما يدل على الحكمة معنويًّا لا لفظيًّا في هذه المواضع منها:

      • واقعة الحكم في الغنم التي نفشت في الحرث:

        قال تعالى: ( ﮤﮥ ﮧﮨ ﮬﮭ ﯔﯕ ) [الأنبياء:٧٨-٧٩].

        وهذه الآية واقعة في سياق قصة الغنم التي نفشت في الحرث، وكان داود عليه السلام ملكًا نبيًّا يحكم بين الناس فوقعت هذه النازلة، وكان سليمان عليه السلام كبيرًا يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر، فتخاصم إليه رجل له زرع، دخلت حرثه غنم رجل فأفسدت عليه، فرأى داود دفعها إلى صاحب الحرث، فخرجا على سليمان، فشكى صاحب الغنم فجاء سليمان فقال: يا نبي الله، إني أرى ما هو أرفق بالجميع، أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل، فإذا عاد الحرث إلى حاله، صرف كل مال صاحبه إليه، فرجعت الغنم إلى ربها والحرث إلى ربه، فقال داود: وفقت يا بني، وقضى بينهما بذلك89.

        والقصة تدل على أن الحكم كان بالاجتهاد لا بالوحي، وأنهما عليهما السلام حكما فيها معًا، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر، ولو كان وحيًا لما وقع اختلاف في الحكم، وقد أصاب سيدنا سليمان عليه السلام في حكمه، واستحق الثناء على ذلك، وأثني على أبيه داود عليه السلام كذلك، وذلك قوله: ( ).

        ويفيد قوله جل شأنه: () أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع، لا أنه أنزل عليه فيها وحيًا جديدًا ناسخًا؛ لأن قوله تعالى: () أليق بالأول من الثاني، كما ترى90.

        وقدم سليمان في الذكر على داود لتوفر علمه، وتأخر ذكر داود لتشريفه بذكر كتابه، وإبرازه في جملة مستقلة له بالذكر ولكتابه، فما فاته من التقديم اللفظي حصل به التضعيف من التشريف المعنوي91.

        وهذه الآية استفاد منها بعض المفسرين أنّ تخصيص سليمان عليه السلام بالتفهيم دليل على أنه لم يفهّم داود ذلك، ويدل على ذلك وجوه:

        أولها: أن إشراكه عزّ وجلّ إياهما جميعًا في الحكم والعلم وغيره؛ حيث قال: ( )، وقال: ( ﮬﮭ)، ذكر ما كانا مشتركين فيه، وخص سليمان بالتفهيم؛ فدل التخصيص بالشيء أحدهما والإشراك في الآخر على أنه كان مخصوصًا به دون الآخر.

        والثاني: أن هذه الأنباء إنما ذكرت لنا لنستفيد بها علمًا لم يكن، فلو لم يكن سليمان مخصوصًا بالفهم دون داود، لكان لا يفيدنا سوى الحكم والعلم، وكنا نعلم أنهما قد أوتيا حكمًا وعلمًا، وكانا يحكمان بالعلم، فإذا كان كذلك، فدل التخصيص بالتفهيم لأحدهما على أن الآخر لم يكن مفهما ذلك، واللّه أعلم.

        والثالث: فيه دلالة: أن المجتهد إذا حكم وأصاب الحكم أنه إنما أصاب بتفهيم الله إياه وبتوفيقه؛ حيث أخبر أنه قد آتاهما جميعًا العلم، ثم خص سليمان بالتفهيم، والتفهيم هو فعل اللّه؛ حيث أضاف ذلك إلى نفسه92.

      • واقعة التثبت في قبول الأخبار:

        وذلك في قوله تعالى ( ) [النمل:٢٧].

        والآية فيها دليل على أن الإمام يجب عليه قبول عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم؛ لأن سليمان عليه السلام لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه، وإنما صار صدق الهدهد عذرًا؛ لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد، وكان سليمان عليه السلام حبب إليه الجهاد، وقد قبل عمر رضي الله عنه عذر النعمان بن عدي ولم يعاقبه، ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة93.

        واقعة إرسال الكتاب إلى ملكة سبأ، وذلك في قول الله تعالى: ( ) [نمل:٢٨].

        ففي الآية أمر للهدهد بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدب به مع الملوك، بمعنى: وكن قريبًا حتى ترى مراجعتهم. وقال ابن زيد: أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه؛ أي: ألقه وارجع. ( ) [النمل:٢٨]94.

      • واقعة الإتيان بعرش ملكة سبأ وتغيير معالمه، واستعراض عظمة الملك أمامها لاختبارها:

        وذلك في قول الله تعالى: ( ) [النمل:٤١].

        وقوله بعد ذلك بآياتين: ( ﰇﰈ ﰏﰐ ﰖﰗ ) [النمل:٤٤].

        وهذا دليل على إرادة نبي الله سليمان عليه السلام إبراز نعمة الله تعالى عليه، وإتيانه من القدرة والملك ما يأتي به بعرشها في لمح البصر، ثم تنكيره لها بهذه الصورة لينظر هل تقبل دعوة الهدى أم تعاند؟، ولقد كانت الأولى حيث هداها الله تعالى للإيمان.

        ٥. حكمة نبي الله يوسف عليه السلام.

        ذكر الله تعالى نعمته على نبيه يوسف عليه السلام وهي إيتاء العلم والحكمة وهو في مقتبل عمره، فقال جل شأنه: ( ﯺﯻ ) [يوسف:٢٢].

        فقد فسر الحكم هنا بالحكمة، قال الزجاج: ( ﯺﯻ) أي جعلناه حكيمًا عالمًا، وليس كل عالمٍ حكيمًا، الحكيم العالم المستعمل علمه، الممتنع من استعمال ما يجهّل فيه» 95.

        وفسر مجاهد وغيره حكمة سيدنا يوسف عليه السلام بأنها العلم والفهم أو العقل والعلم، وذلك قبل أن ينعم الله تعالى عليه بالنبوة96.

        وفسرها عبد الرحمن بن زيد بأنها تأويل الكلام، العلم والحلم، على ما هو معروف من السورة من أن يوسف عليه السلام كان أعبر الناس97.

        ويمكن إبراز بعض جوانب حكمة سيدنا يوسف عليه السلام في العناصر الآتية:

      • حكمته عليه السلام في امتناعه عن المعصية وعدم استجابته لامرأة العزيز، خوفًا من الله تعالى، وحفظًا لنعمة التربية التي رباها إياه عزيز مصر.

        قال تعالى: ( ﭜﭝ ﭠﭡ ﭥﭦ ) [يوسف: ٢٣].

        وهذا من تمام عصمته، وكمال حكمته عليه السلام، فقد ترك المعصية خوفًا من الله تعالى، ثم صيانة للمعروف الذي أسداه إليه العزيز.

      • حكمته عليه السلام في اختيار بلية السجن على بلية الاستجابة لكيد النساء، لما في الاستجابة لهن من الوقوع في الفحشاء ومعصية الله تعالى.

        قال تعالى: ( ﮐﮑ ) [يوسف: ٣٣].

        وهذا من صعب الابتلاء الذي وقع فيه سيدنا يوسف عليه السلام، كما يفيده كلام الماوردي: «الاختبار مقرون بالاختيار، ولو تمنّي العافية بدل ما كان يدعى إليه لعلّه كان يعافى، ولكنه لما قال: ( ﮐﮑ) طولب بصدق ما قال، ويقال: إن يوسف عليه السلام نطق من عين التوحيد حيث قال: ( )) فقد علم أن نجاته فى أن يصرف سبحانه البلاء عنه لا بتكلّفه ولا بتجنبه»98.

      • حكمته عليه السلام في دعوة رفقائه في السجن إلى الله تعالى برفق ولين، واختيار الوقت المناسب لدعوتهم حين عرضوا عليه الرؤيا، وذلك في الآيات (٣٧-٤٠).

        ومن ذلك ما جاء في قول الله تعالى ( ﭽﭾ ﭿ ﮆﮇ ﮋﮌ ﮑﮒ ) [يوسف: ٣٩ -٤٠].

        وهنا مواعظ وعبر في دعوة سيدنا يوسف عليه السلام استفاد منها الدعاة من بعده، فالداعية الحكيم هو من ينتهز الفرصة السانحة لنشر دعوته، ويتفهم حال المدعوين ومدى تأهلهم لاستقبال دعوته، ويحتج عليهم بالبراهين الساطعة، وهذا باب واسع معروف في منهج الدعوة إلى الله تعالى.

      • حكمته عليه السلام في عدم استعجال الخروج من السجن حين جاءه رسول الملك حتى يستبين وجه الحق وتظهر براءته.

        قال تعالى: ( ﮬﮭ ﯜﯝ ) [يوسف: ٥٠].

        ولقد كان عدم استعجال سيدنا يوسف عليه السلام من العجائب، ولكنه عاد عليه بالخير العاجل، وهذا عكس ما حصل في طلب الإمارة، فإن كثيرًا من المفسرين ذكر أنه لما لم يتعجل في الخروج من السجن، آتاه العفو سريعًا، ولما طلب الإمارة -مع كونه أهلًا لها، فإنها تأخرت فترة، وكله بقدر الله تعالى الذي يدبر كل أمر، وقيل: إن سبب التأخير أنه لم يقل: إن شاء الله99.

        وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم اللّه أخي يوسف، لو لبثتُ في السّجن، ثمّ جاءني الدّاعي لأسرعت)100.

        قال ابن عادل الدمشقي نقلًا عن ابن الخطيب: «وهذا من العجائب؛ لأنه لما تأبّى عن الخروج من السّجن، سهّل الله عليه ذلك على أحسن الوجوه، ولما سارع في ذكر هذا الالتماس، أخّر الله ذلك المطلوب عنه، وهذا يدلّ على أنّ ترك التّصرف والتفويض إلى الله تعالى أولى»101.

      • حكمته عليه السلام في تأويل رؤيا الملك، وتدبير أمور مصر في سني المجاعة على غرار تأويله.

        قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [يوسف: ٤٦ -٤٩].

      • حكمته عليه السلام في طلب الإمارة حيث لم يكن بمصر حينئذ من هو أهل لها.

        قال تعالى: ( ﭸﭹ ) [يوسف: ٥٥].

        وفي هذا دليل على جواز أن يخطب الإنسان عملًا يكون له أهلًا وهو بحقوقه وشروطه قائم102.

        ولا يخالف هذا ما ورد في حديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أوتيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ، فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفّر عن يمينك وأت الّذي هو خيرٌ)103.

        لأن سؤال سيدنا يوسف للإمارة أجاب عنه العلماء بأجوبة ذكرها الإمام القرطبي:

        منها: أن يوسف عليه السلام إنما طلب الولاية لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم، فرأى أن ذلك فرض متعين عليه فإنه لم يكن هناك غيره.

        ومنها: أنه لم يقل: إني حسيب كريم، ولا قال: إني جميل مليح، إنما قال( ) فسألها بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال على الرغم من توفر الحسب والنسب والجمال فيه.

        ومنها: أنه إنما قال ذلك عند من لا يعرفه فأراد تعريف نفسه، وصار ذلك مستثنى من قوله تعالى: ( ﯛﯜ ) [النجم: ٣٢].

        ومنها: أنه رأى ذلك فرضًا متعينًا عليه، لأنه لم يكن هنالك غيره104.

        والولاية لا تذم إذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من إقامة الشرع، وإيصال الحقوق إلى أهلها، وأنه لا بأس بطلبها إذا كان أهلًا، وأعظم كفاءة من غيره، وإنما المذموم إذا لم يكن فيه كفاءة، أو كان موجودًا من هو أمثل منه أو مثله، أو لم يرد بها إقامة أمر الله، بل أراد الترؤس والمأكلة المالية105.

        ومن لطائف الآية ما يأتي:

      1. ما ذكره ابن عطية أن يوسف عليه السلام -بحكمته -قد فهم من الملك أنه عزم على تصريفه والاستعانة بنظره في الملك، فألقى يده في الفصل الذي تمكنه فيه المعدلة ويترتب له الإحسان إلى من يجب ووضع الحق على أهله وعند أهله106.
      2. ما ذكره البيضاوي أن فيها دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها والتولي من يد الكافر إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به107.
      3. أن وصف سيدنا يوسف نفسه بأنه (حفيظ عليم) فيه معان عدة ذكرها المفسرون؛ منها: أنه حفيظ بتقدير أمور الخزائن أو البلاد، عليمٌ بساعة الجوع حين يقع، ومنها: أنه يقصد حفيظ لما وليتني عليم بجميع ألسن الغرباء الّذين يأتونك، ومنها: أن المعنى حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني، ومنها أنه حافظ للأنساب عالم بالألسن، أي: اللغات108.
      4. أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من الصفات الكاملة، من العلم وغيره، إذا كان في ذلك مصلحة وسلم من الكذب، ولم يقصد به الرياء، لقول يوسف عليه السلام هذا109.
        • حكمته عليه السلام في حواره مع إخوته وهو يذكرهم بما فعلوه معه تلميحًا لا تصريحًا.

          قال تعالى: ( ﭿ ﮌﮍ ﮒﮓ ﮗﮘ ) [يوسف: ٨٩ -٩٠].

        • حكمته عليه السلام في تدبير حيلة استبقاء أخيه معه، وهي الواردة في قصة الصاع وإخفائه في الطعام، وما تلى ذلك من أحداث، وذلك في الآيات (من ٧٠-٨٠).

          ٦. حكمة نبي الله لوط عليه السلام.

          ( ﭬﭭ ) [الأنبياء: ٧٤].

          حيث فسر البعض الحكم هنا بالحكمة والعلم بالله تعالى110.

          ٧. حكمة نبي الله عيسى عليه السلام.

          وذلك في قول الله تعالى: ( ) [آل عمران:٤٨].

          وقوله جل شأنه: ( ﭽﭾﭿ) [المائدة:١١٠].

          والحكمة هنا فسرت بأنها «تعليم العلوم وتهذيب الأخلاق؛ لأن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ومجموعهما هو المسمى بالحكمة»111.

          ٨. حكمة نبي الله يحيى عليه السلام.

          وذلك في قول الله تعالى: ( ﭔﭕ ) [مريم: ١٢].

          فقد فسر مقاتل ومعمر بن راشد وأبو العالية وغيرهم الحكمة هنا بأنها العلم والفهم، حيث أعطي الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال، حتى روي أنه أوتي الحكمة وهو ابن ثلاث سنين، وكان لا يلعب مع الصبيان، ويقول: ما للعب خلقنا112.

          ٩. حكمة عشرة من الأنبياء ورد ذكرهم إجمالًا.

          وهذا ما جاء في آية (وتلك حجتنا) وما تلاها في سورة الأنعام حيث ذكر الله تعالى عشرة من الأنبياء هم: نوح وإسحاق ويعقوب وأيوب وهارون وزكريا وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس.

          قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭧﭨ ﭱﭲ ﭴﭵ ﭹﭺ ﭽﭾ ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌ ﮔﮕ ﮞﮟ ﮮﮯ ﯞﯟ ) [الأنعام:٨٣- ٨٩].

          حيث ذكر من تفسيرات الحكم هنا أنها «العلم والفقه والفهم»113.

          ١٠. حكمة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

          وهذا جاء منصوصًا عليه في دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، واستجابة الله تعالى لهذه الدعوة وامتنانه على الناس بإرسال خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ( ﭽﭾ ﭿﮀ ) [البقرة: ١٢٩].

          فكانت الاستجابة من الله تعالى لدعوة خليله إبراهيم عليه السلام بأن أرسل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم خاتمًا للإنبياء والمرسلين، وآتاه ما لم يؤت أحد من الأنبياء قبله، وبين فضل نبوته على الناس، فقال تعالى:( ) [البقرة: ١٥١].

          وفي قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٦٤]114.

          قال ابن وهب: قلت لمالك: ما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتباع له115.

          وقال ابن زيد: الحكمة: الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلى الله عليه وسلم، يعلمهم إياها، والحكمة: العقل في الدين، والحكمة: شيء يجعله الله في القلب، ينور له به116.

          ثانيًا: الصالحون والحكمة:

          أنعم الله تعالى على بعض عباده الصالحين بالحكمة، ويعد لقمان عليه السلام أشهر حكيم عبر تاريخ البشرية، حيث نص القرآن الكريم صراحة على إتيان الله تعالى الحكمة له كنعمة من النعم التي يؤتيها الله تعالى من يشاء من عباده، فقال جل شأنه:( ﭗﭘ ﭝﭞ ) [لقمان:١٢].

          والحكمة الواردة في الآية جاء في تفسيرها عن مجاهد وقتادة وغيرهما أنها «الفقه والعقل والإصابة في القول في غير نبوّةٍ»117.

          ولا مجال للحديث هنا عن صفة لقمان عليه السلام ونسبه والزمن الذي عاش فيه، فالذي يعنينا هنا حكمته التي صرح بها القرآن الكريم والتي تعددت جوانبها على حد قول بعض المفسرين: «وحكمة لقمان مأثورة في أقواله الناطقة عن حقائق الأحوال والمقربة للخفيات بأحسن الأمثال، وقد عني بها أهل التربية وأهل الخير، وذكر القرآن منها ما في هذه السورة، وذكر منها مالك في «الموطأ» بلاغين في كتاب «الجامع» وذكر حكمة له في كتاب «جامع العتبية» وذكر منها أحمد بن حنبل في «مسنده» ولا نعرف كتابًا جمع حكمة لقمان»118.

          وقد وردت آثار كثيرة عن حكمة لقمان وصفتها وكيف استعملها، وطائفة منها أقوالًا وأفعالًا، ما لا يتسع المقام هنا لذكره تفصيلًا، ويكفي إيراد بعضه.

          فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه ذكر لقمان الحكيم فقال: «ما أوتي ما أوتي عن أهل، ولا مال، ولا حسب ولا خصال، ولكنه كان رجلًا صمصامة119 سكيتًا، طويل التفكير عميق النظر، لم ينم نهارًا قط ولم يره أحد يبزق ولا يتنحنح ولا يبول ولا يتغوط ولا يغتسل ولا يعبث ولا يضحك، كان لا يعيد منطقًا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه وكان قد تزوج وولد له أولاد فماتوا فلم يبك عليهم، وكان يغشى السلطان ويأتي الحكماء لينظر ويتفكر ويعتبر، فبذلك أوتي ما أوتي»120.

          وهل حكمة لقمان فطرية أم مكتسبة؟

          الذي نص عليه القرآن الكريم أن حكمة لقمان عليه السلام هي نعمة أنعم الله تعالى عليه بها، ولكن هذا لا يمنع أن من تمام نعمة الله تعالى عليه أن يوفقه لاكتساب شيء من الحكمة من خلال التجارب والأحوال، والتمسك بالطاعات والبعد عن المعاصي، ويكون هذا من إيتاء الحكمة بإيتاء أسباب نيلها.

          يؤيد هذا ما روي أن لقمان عليه السلام قيل له: «بم نلت هذه الحكم، وقد كنت راعيًا؟ فقال: بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني»121.

          وروي أيضًا عنه قوله: «إنّي تعلّمت الحكمة من الحمقى، والأدب ممّن ليس له أدبٌ فإنّي كلّما رأيت منهم فعلًا مخالفًا لطبعي وقبيحًا في منظري تعوّدت المخالفة»122.

          وحكي عنه أنّه قال: إنّي تعلّمت الحكمة من العميان، فإنّهم لا يضعون أقدامهم قبل الفحص، فإنّ وجدوا فيه تمكينًا يضعون ويمشون، وإلّا فيتركون ويطلبون جهةً أخرى فيها تمكينٌ؛ فلذا لا أفعل شيئًا بلا تأمّل ما فيه، وفي عاقبته123.

          ثالثًا: معالم الحكمة عند الأنبياء والصالحين:

          من خلال ما تقدم ذكره في المبحث السابق يمكن هنا إجمال معالم الحكمة عند الأنبياء الصالحين على النحو الآتي:

          ١. من معالم الحكمة عند الأنبياء:

        1. مخاطبة الأنبياء أممهم على قدر عقولهم، ومراعاة مقتضى أحوالهم على اختلاف أقدارهم وأعمارهم.
        2. الترفق واللين في مخاطبة الولاة المعاندين ومحاورتهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، ومن أمثلة ذلك حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمروذ، وحوار موسى عليه السلام مع فرعون في سورة الشعراء وغيرها من السور.
        3. اللين في مخاطبة الأهل والأقارب كالوالدين والأبناء، والحرص على استجابتهم للدعوة إنقاذًا لهم من النار، ومن أمثلة ذلك حوار سيدنا نوح مع ابنه في سورة هود وحوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه في سورة مريم.
        4. استعمال الحجج القوية، والبراهين الظاهرة في دعوة الأنبياء لقومهم، لإقامة الحجة عليهم وإقناعهم باتباع الأنبياء، وذلك واضح في حوارات جميع الأنبياء والتي ورد طرف منها في سور الأعراف وهود والشعراء.
        5. تباين أساليب الأنبياء والمرسلين في دعوة أتباعهم، واختيار كل نبي ما يناسب قومه من الطرق، وإن كان الجميع يتفقون على جعل الحكمة أساسًا واضحًا، من أسس الدعوة، وطريقًا من طرقها.

          ٢. معالم الحكمة عند الصالحين:

        1. استعمال الحكماء الصالحين الحكمة فيما وضعت له من إرشاد الناس وتعليمهم بالقول والفعل، وذلك من باب شكر المنعم جل وعلا.
        2. سير الحكماء الصالحين في الناس بالحسنى، بحيث لا يرتكبوا قبيحًا من الأفعال، ولا يصدر عنهم خبيثًا من الأقوال تؤثر عنهم.
        3. حرص الحكماء من الدعاة المخلصين على مخاطبة الناس على قدر عقولهم، ومراعاة أحوالهم، وضبط ذلك الخطاب بضابط الحكمة، ويفعله بما يناسب ظروف وأحوال المخاطبين، وسير السلف الصالح في هذا الشأن كثيرة ناصعة البياض .

          مجالات الحكمة

          الحكمة مطلوبة في كل شيء قولًا وعملًا، وأي مجال تدخله الحكمة يكون صالحًا، ويكتب له النجاح والفلاح، وهذه أبرز مجالات الحاجة إلى الحكمة:

          أولًا: الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى:

          الدعوة إلى الله تعالى من المهام السامية، حيث إنها في المقام الأول وظيفة الإنبياء والرسل، ثم وظيفة فئة من أتباعهم وهم العلماء والمصلحون، وإمامهم في هذا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه قول الله تعالى: ( ﮬﮭ ﮱﯓ ﯛﯜ ) [النحل:١٢٥].

          وقد فسرت الحكمة هنا بأنها كتاب الله تعالى، والموعظة الحسنة، هي العبر التي هي حجة عليهم مما ذكرهم به من الآيات في كتابه، وفسرت الحكمة أيضًا بأنها النبوة، والموعظة بأنها القرآن124.

          وفسر الرازي (الحكمة) بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة و«الموعظة الحسنة»، وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها125.

          ويمكن القول بأن الحكمة في الدعوة تكون بوضع الدعوة في موضعها، ومخاطبة كل واحد بما يناسب حاله ويليق به، إذ إن هذا أقرب لحصول المقصود منه، ولا شك أن الحكمة في الدعوة لها أهمية كبيرة، وذلك لأن «الحكمة إذا اقترنت بالدعوة فإنها تقوي الأمل واليقين، وترتفع بالمدعوين إلى مستوى الشعور بالمسئولية والتكليف، وإذا ما تأكد فيها هذا الشعور فسوف تتغير طباعهم وتعتدل مسالكهم ويصح توجيههم، فحق على الداعي إلى الله أن يعمل على إيقاظ هذا الشعور بالتي هي أحسن»126.

          أساليب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى:

          من أبرز مقومات الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى ما يلي:

        1. معرفة طبائع الناس، وطبقات المدعوين.

          وذلك لأن الناس ليسوا جميعًا على شاكلة واحدة، بل هم مختلفون في الميول والأهواء، والعقل والذكاء، والشدة واللين، وبناء عليه فإنه من مقومات الحكمة أن يعي الداعية ذلك جيدًا حتى تثمر دعوته وتؤتي أكلها127.

          ويؤيد ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه «ما أنت بمحدّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلّا كان لبعضهم فتنةً»128.

          وقول علي رضي الله عنه «حدّثوا النّاس، بما يعرفون أتحبّون أن يكذّب اللّه ورسوله»129.

          ودلالتهما واضحة على ضرورة مراعاة حال المدعو، حتى لا تؤدي الدعوة إلى فتنة أو نسبة الكذب لله تعالى أو لرسوله صلى الله عليه وسلم.

        2. النظر في الظروف الزمانية والمكانية.

          من حكمة الداعية تخير الأوقات وانتهاز المناسبات، بحيث تقع دعوته في الموقع الصحيح، وهذا معلم كبير ومؤثر من معالم الحكمة وتلمسها، فلا يلقي المرء موعظته إلا في مكان مناسب، وفي وقت يحسن الإلقاء فيه، أما إذا كان المكان والزمان غير مناسبين، أو كان الناس عنه منصرفين، وعن حديثه غير راغبين فلا يتلكم130.

          ويؤيد هذا حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:(كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم (يتخوّلنا بالموعظة في الأيّام، كراهة السّآمة علينا) 131.

          وفي رواية للبخاري: عن أبي وائلٍ، قال: كان عبد اللّه يذكّر النّاس في كلّ خميسٍ، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرّحمن لوددت أنّك ذكّرتنا كلّ يومٍ؟ قال: أما إنّه يمنعني من ذلك أنّي أكره أن أملّكم، وإنّي أتخوّلكم بالموعظة، كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بها، مخافة السّآمة علينا»132.

        3. التلطف في الدعوة بالقول الحسن والأسلوب اللين.

          القول الحسن إذا أحكم صاحب الدعوة قوله وسدد لفظه، وألان جانبه للناس فقد أوتي من الحكمة بابًا عظيمًا، يقول الله عز وجل: ( ) [البقرة: ٨٣].

          ويقول طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل في حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ؟ فقال: لا تفعل. يقول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٨٣].

          يقول عطاء: فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي133.

          وإذا كان المدعو ذا قرابة أو ولاية أو سلطة أو سطوة على الداعية، فينبغي أن يترفق الداعية به، والأمثلة في هذا القرآن منها دعوة سيدنا إبراهيم لأبيه والتي وردت مبسوطة في قول الله تعالى: ( ﭪﭫ ﭽﭾ ﭿ ﮒﮓ )[مريم:٤١-٤٥].

          والآيات واضحة الدلالة على مدى حكمة سيدنا إبراهيم عليه السلام واستعماله التلطف والتودد مع أبيه في الحوار على الرغم من عناد الأب وكفره، ومع ذلك فقد حفظ خليل الرحمن لأبيه مودة الأبوة ومكانتها، ولم يأل جهدًا في دعوته، بل والاستغفار له.

          ومنها دعوة موسى وهارون عليه السلام لعدو الله فرعون، حيث أمرهما القول بالقول اللين في قول الله تعالى: ( ) [طه:٤٤].

          والقصد من القول اللين ومعناه أمور عدة، منها: أن لا يبقى له حجة، ولا يقبل له معذرة، ومنها: أن ذلك لرعاية حقّ تربية فرعون لموسى فالوالد أولى بالرّفق134.

          ومن أحكام الآية الكريمة -كما ذكره الإمام القرطبي- أنها «دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال: ( ) [طه:٤٤].

          وقال: ( ﯟﯠ ) [طه: ٤٦].

          فكيف بنا فنحن أولى بذلك. وحينئذ يحصل الآمر أو الناهي على مرغوبة، ويظفر بمطلوبه، وهذا واضح»135.

          ثانيًا: الحكمة في التعليم:

          التعليم من المواطن التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة، وذلك لأنه مهمة تنتقل بالمرء من مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم، وكلا المرحلتين يختلف عن الآخر، فيتطلب لكل حالة حكمتها، والتعليم لا يستغني عنه المجتمع بكل فئاته، ولهذا يستلزم الأمر أن يكون المعلّم على قدر كبير من الحكمة التي تعينه على اداء مهمته.

          ولو رجعنا إلى كتاب الله تعالى لوجدنا أمثلة كثيرة تبرهن على الحكمة في التعليم والتعلم، ومن ذلك قصة موسى والخضر.

          وهذه القصة تفيض عبرًا وعظات فيما يتعلق بشأن التعليم وغيره.

          والقصة اشتملت كما هو معروف على الآيات (٦٠-٨٢) من سورة الكهف.

          ومن ملامح الحكمة في القصة ما يأتي:

          • أنّ الخضر كان يبني أحكامه على الحقائق والأسرار، حيث ذكر مبررات فعله بعد فراغه منها جميعًا136.
          • أنه استعمل الحكمة في كل أموره، حيث «أسند الإرادة في قوله: (ﮚ ﮛ ﮜ) إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب، وثانيًا في قوله: () إلى الله وإلى نفسه، لأنّ التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله تعالى بدله، وثالثًا في قوله: (ﯩ ﯪ) إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين، أو لأن الأول في نفسه شرّ والثالث خير والثاني ممتزج، أو لأنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه، ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى لأنّ التكفل بصلاح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا لله تعالى»137.
          • أنّ الحكيم المحقق هو الذي يبني أمره على الحقائق لا على الظاهر، فإذا رأيت ما يكرهه طبعك وينفر عنه عقلك فاعلم أن تحته أسرارًا خفية وحكمًا بالغة، وأن حكمته ورحمته اقتضت ذلك138.

            ومن ملامح الحكمة في التعليم كذلك ما يأتي:

          • أن لا يشق المعلم أو الفقيه على الناس في الأحكام ويخفف على نفسه، فقد قال رويم: «من حكم الحكيم أن يوسع على إخوانه في الأحكام ويضيق على نفسه فيها؛ فإن التوسعة عليهم اتباع العلم والتضييق على نفسه من حكم الورع»139.
          • مخاطبة الناس على قدر عقولهم، «فالواجب على الحكيم والعالم النحرير أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما قال وما فعل، فقد كان عليه الصلاة والسلام يخاطب الناس على قدر عقولهم، ومواقفه في ذلك لا تحصى.

            ويؤيد ذلك ما تقدم ذكره من قول ابن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلّا كان لبعضهم فتنةً» 140.

            وقيل لبعض الحكماء: «ما بالك لا تطلع أحدًا على حكمة يطلبها منك، فقال: اقتداءً بالباري جلّ وعلا حيث قال: ( ﯓﯔ ) [الأنفال: ٢٣]»141.

            ثالثًا: الحكمة في التعامل مع الخلق:

            يتطلب التعامل مع الناس قدرًا من الحكمة تناسب كل إنسان، وتناسب كل موقف من المواقف، ومن أبرز ملامح الحكمة في التعامل مع الناس حسن الخلق معهم.

            وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ( ) [البقرة:٨٣].

            وفي معنى الحسن هنا أقوال طيبة للمفسرين، منها: قول الحسن أن المراد به: لين القول، من الأدب الحسن الجميل والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله وأحبه، ومنها: قول أبي العالية: إنه المعروف، ومنها: قول الماوردي: إن المعنى: خالقوا الناس بخلق حسن142.

            ولا مانع من إرادة كل تلك المعاني، وذلك لأن الحسن يشملها جميعًا، والناس يرضيها حسن التعامل، ويتأتى بمعاملة الناس ما لا يتأتى غيرها.

            وفي حديث أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتّق اللّه حيثما كنت، وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلقٍ حسنٍ)143.

            قال الأحوذي في معنى (وخالق النّاس بخلقٍ حسنٍ): «أي: تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة، وغيرها من نحو طلاقة وجه، وخفض جانب، وتلطف وإيناس، وبذل ندى، وتحمل أذى، فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح»144.

            آثار الحكمة

            الحكمة سمة من سمات الأنبياء والصالحين والعلماء العاملين، وهي نعمة من الله تعالى يؤتيها من يشاء، وتحقق للمرء فوائد وتعود عليه بآثار طيبة أبرزها ما يأتي:

            ١. تحصيل الخير الكثير.

            أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن من رزق الحكمة فقد رزق خيرًا كثيرًا، فقال جل شأنه: ( ﯧﯨ ﯯﯰ )[البقرة: ٢٦٩].

            والخير الكثير مفسر لدى العلماء تبعًا لتفسيرهم للحكمة، فمن رأى أنها القرآن فسّر الخير الكثير بما يترتب على حفظ القرآن وفهمه من علوم ومعارف، وكذا من فسرها بالنبوة أو فسرها بالسنة على نحو ما تقدم ذكره في معاني الحكمة، ومهما أوتي المرء من الحكمة ومن العلوم والمعارف فهو وإن كان كثيرًا في مقاييس البشر لكنه قليل إذا نظرنا إلى علم الله تعالى.

            وقد روي في هذا الشأن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «قالت اليهود: يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك: ( ﯯﯰ) [البقرة: ٢٦٩].

            ثمّ يقول: ( ) [الإسراء: ٨٥].

            فكيف يكون هذا؟ فأنزل الله تعالى ( ) [الكهف: ١٠٩] حِكَمَه وعجائبه»145.

            وإذا جرينا على تفسير الحكمة بأنها القرآن على نحو ما تقدم في معانيها، فيكون «من أوتي القرآن أوتي خيرًا كثيرًا، أوتي صحة في جسم وطهارة في نفس، وكمالًا في عقل، وسعة في مال، وعزة في تواضع، وشدة في رحمة، ورسوخًا في علم، وصدقًا في قول»146.

            ومن الخير المتحصل من الحكمة أنها سبب من أسباب السعادة، فالسعادة تكمن في المقام الأول في قوى النفس، أي: في اتصافها بالفضائل والمكرمات.

            يقول ابن مسكويه فيما يحكيه عن حكماء الإغريق واليونان: «لما قسّموا السعادة جعلوها كلها في قوى النفس التي ذكرناها في أول الكتاب، (وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة)، وأجمعوا على أن هذه الفضائل هي كافية في السعادة ولا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن ولا ما هو خارج البدن، فإن الإنسان إذا حصل تلك الفضائل لم يضره في سعادته أن يكون سقيما ناقص الأعضاء مبتلي بجميع أمراض البدن، اللهم إلا أن يلحق النفس منها مضرة في خاص أفعالها مثل فساد العقل ورداءة الذهن وما أشبهها. وأما الفقر والخمول وسقوط الحال وسائر الأشياء الخارجة عنها فليست عندهم بقادحة في السعادة ألبتة»147.

            ٢. إصابة الحق.

            من آثار الحكمة توفيق الله تعالى صاحبها إلى إصابة الحق في أقواله وأفعاله، وذلك لأن حكمته ترشده إلى حسن الفعال، وصحيح الأقوال، ولهذا كان ما يصدر عن الحكماء من أفعال وأقوال تراثًا تتناقله الأجيال، وعبرا تتردد عبر الأزمنة.

            ويستفاد أثر الحكمة في إصابة الحق قولا وعملا من قول الله تعالى: ( ﯯﯰ) [البقرة: ٢٦٩].

            فإنه تعالى «لما ذكر أحوال المنفقين للأموال فيما سبق من الآيات، وأن الله أعطاهم، ومن عليهم بالأموال التي يدركون بها النفقات في الطرق الخيرية، وينالون بها المقامات السنية، ذكر ما هو أفضل من ذلك، وهو أنه يعطي الحكمة من يشاء من عباده، ومن أراد بهم خيرًا من خلقه، والحكمة هي العلوم النافعة، والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، وهذا أفضل العطايا، وأجل الهبات»148.

            وقال أحد المعاصرين مبينًا ثمرة الحكمة في إصابة الحق في القول والعمل: «الحكمة كما قال الجمهور: العلم والفقه والقرآن، فهي لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، وذلك يرشد إلى تمييز الحقائق من الأوهام، والتفرقة بين الوسواس والإلهام، وآلة الحكمة: العقل، فمن عرف ما في القرآن من أحكام وأسرار، وأدرك بسلامة عقله ما في الإنفاق من فوائد تعود على الأمة بالخير وعلى المنفق بالثواب الجزيل، لم يتأثر بوساوس الشيطان، ولم يتردد في البذل والإنفاق في سبيل الله»149.

            ومن فوائد الحكمة كذلك أنّها تدلّ على المعرفة بالله عزّ وجلّ مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل بمقتضاه والبعد عمّا سواه150.

            ٣. صيانة العقل من الشطط والسفه.

            الحكمة سمة عالية، وهدية غالية تصان بها العقول، وتحفظ بها النفوس من السفه والشطط، والطيش والهوى -أعني عقول ونفوس المتصفين بها- ولهذا اشتملت الحكمة كما ذكره بعض العلماء على: الذكاء والذكر والتعقل وسرعة الفهم وقوته وصفاء الذهن وسهولة التعلم، وبهذه الأشياء يكون حسن الاستعداد للحكمة151.

            والناظر في آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن العقل يجد أنها تعلي من شأن العقل كثيرًا، وتبين مكانته، وتحث على التفكير في كل شيء التفكير في خلق الله تعالى، والتفكير في عواقب الأمور قبل الإقدام على شيء منها.

            والحكيم يستعمل حكمته في كل شيء، فيصون عقله من سوء التفكير، وعليه يصون نفسه من سوء الصنيع، فلا تعتري تصرفاته سفاهة ولا يطرأ عليها شطط أو خلل.

            ٤. الذكر الحسن.

            من آثار الحكمة حسن الذكر بين الناس في حياة الإنسان وبعد مماته، ولذلك فإن صاحب الحكمة يلبس صاحبها تاج الكرامة في الدّنيا والآخرة، وينفع الله تعالى بها طلّاب العلم ومريدي الخير.

            وليس أدل على ذلك من سيدنا لقمان عليه السلام الذي ذكره الله تعالى في كتاب الله العزيز في آيات تتلى ويتعبد بها، في سورة تحمل اسمه ( ﭗﭘ ﭝﭞ ) [لقمان: ١٢].

            فحكمته عليه السلام جعلت منه رجلًا ذا منزلة كبيرة بين الناس حيث بلغ الفضل عليهم بالوعظ والتعليم والهدي والإرشاد، كما أشار إليه الرازي في تفسيره: آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرًا في نفسه وحين جعلناه واعظًا لغيره، وهذا لأن علو مرتبة الإنسان بأن يكون كاملًا في نفسه ومكملًا لغيره.

            فقوله تعالى: ( ) وقوله: ( ) [لقمان: ١٣].

            إشارة إلى التكميل، وفي هذا لطيفة وهي أن الله ذكر لقمان وشكر سعيه حيث أرشد ابنه ليعلم منه فضيلة النبي عليه السلام الذي أرشد الأجانب والأقارب، فإن إرشاد الولد أمر معتاد، وأما تحمل المشقة في تعليم الأباعد فلا، ثم إنه في الوعظ بدأ بالأهم، وهو المنع من الإشراك152.

            ومن آثارها في الشأن كذلك أن صاحبها يكون كالغيث حيثما حلّ نفع، وأينما وضع أفاد، فيتعلّم منه الكبير والصّغير، ويكون مصدر خير بإذن الله153.

            والحكمة ترفع الإنسان درجات وتشرّفه، وتزيد من مكانته بين النّاس، فقد روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ الحكمة تزيد الشّريف شرفًا، وترفع العبد المملوك حتّى تجلسه مجالس الملوك)154.

            وقد روي عن عبيد اللّه بن عمر بن عبد الوهّاب بن محمّدٍ المكّيّ قال: «قال لقمان لابنه: يا بنيّ، جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى ليحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السّماء»155.

            فكون الإنسان ممدوح الخلال، مأثور المحامد، يعتمد على مدى استقامته على دين الله تعالى ظاهرًا وباطنًا، وقيامه بالواجبات الدينية والدنيوية، والتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، وهذا من الحكمة التي لا ينبغي أن يغفل عنها المرء، قال ابن القيم: «فإن أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب»156.

            ٥. التوفيق في الإصلاح بين الناس.

            من آثار الحكمة توفيق الله تعالى صاحبها في الإصلاح بين الناس، ولهذا نجد القرآن الكريم يشير في قضية الصلح بين الزوجين إلى ضرورة توفر النية الحسنة في الصلح سواء كانت النية من طرفي النزاع أو من الحكم القاشم بالصلح.

            قال تعالى ( ﭿ ﮎﮏ ) [النساء: ٣٥].

            وأكثر المفسرين على أن المقصود بقوله تعالى ( ) يعني: الحكمين، حيث روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم157، ولا يتحقق الصلح على إيديهما إلا إذا اتصفا بالحكمة، وذلك لأنهما يتدخلان بين شخصين بينهما من الخصوصية والخفاء والستر ما ليس بين غيرهما، لما للحياة الزوجية من خصوصيتها المعروفة.

            وحكمتهما تظهر في تقديري في الأمور التالية:

          • إخلاص النية في الصلح، بحيث يحققه الله تعالى على أيديهما، وعدم التأثر بالهوى أو الميل لطرف على حساب الطرف الآخر.
          • رأب الصدع والشقاق بين الزوجين على وجه السرعة وعدم التراخي فيه، لأن التراخي يزيد الأمر تعقيدًا.
          • الحرص على كتمان ما يبوح به الزوجان من أسرار وخفايا في العلاقات الزوجية، وذلك لأن حفظ السر أمانة، والأمانة من الإيمان.

            ٦. الثواب العظيم في الآخرة.

            والحكمة تدعو صاحبها للعمل على وفق الشّرع، فيصيب في القول والفعل والتّفكير، ويسير على هدى وبصيرة، فالحكمة تدفع المرء إلى التحلي بالفضائل واجتناب الرذائل، وتدعوه إلى القول العدل، والحكم بالعدل، وهذا كله من طرق نيل الثواب في الآخرة.

            ويمكن استنباط نيل صاحب الحكمة الثواب في الآخرة من عموم قول الله تعالى( ﯧﯨ ﯯﯰ ) [البقرة: ٢٦٩].

            قال السعدي في تفسير الآية الكريمة: ( ﯯﯰ) : «لأنه خرج من ظلمة الجهالات إلى نور الهدى، ومن حمق الانحراف في الأقوال والأفعال، إلى إصابة الصواب فيها، وحصول السداد، ولأنه كمل نفسه بهذا الخير العظيم، واستعد لنفع الخلق أعظم نفع، في دينهم ودنياهم، وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي وضع الأشياء مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام والإحجام في موضع الإحجام»158.

            قال أبو القاسم الجنيد بن محمد، وقد سئل: بم تأمر الحكمة؟ قال: (تأمر الحكمة بكلّ ما يحمد في الباقي أثره، ويطيب عند جملة النّاس خبره، ويؤمن في العواقب ضرره)159.

            ٧. تأليف القلوب.

            من الآثار الطيبة للحكمة أنها تورث صاحبها ألفة بين الناس وقبولًا، فصاحب الحكمة محبوب من الناس، مقبول قوله، محمود فعله، يقبل عليه الناس لينهلون من حكمته أو يسترشدوا برأيه.

            وقد أشار القرآن الكريم إلى نعمة الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين جميعًا، أو على الأوس والخزرج خاصة، حيث جمعهم وألف بين قلوبهم، وأزال ما كان بينهم من ضغينة الجاهلية وعدائها، وذلك بتوفيق الله عز وجل، ثم بحكمة النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

            فقال جل شأنه ( ﭗﭘ ﭡﭢ ﭰﭱ ) [الأنفال: ٦٢ -٦٣].

            ويستنبط من الآيتين الكريميتين أن الحكمة سبب من أسباب تأليف القلوب واجتماعها حيث ختمت الآية يوصف الله تعالى بالحكمة، وحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم من نعم الله تعالى التي أنعم بها عليه.

            ومن لطائف الآية ما يشير إليه النيسابوري من كون الائتلاف والمحبة سببه حسن الدعوة وحسن الأسلوب، حيث يقول ما ملخصه: «المحبة لا تحصل إلا عند تصور حصول خير من المحبوب. ثم إن كان سبب انعقاد المحبة أمرًا سريع التغير كالمال أو الجاه أو اللذة الجسمانية كانت تلك المحبة بصدد الزوال والاضمحلال، وإن كان سبب انعقاد المودة كمالًا حقيقيًّا روحانيًّا دائمًا، لم يتصور لها تغير وزوال.

            ثم إن العرب كانوا قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم مقبلين على المفاخرة والتسابق في المال والجاه والتعصب والتفرق، فلا جرم كانوا متحابين تارة ومتباغضين أخرى، فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى عبادة الله تعالى والإعراض عن الدنيا والإقبال على تحصيل السعادة الأبدية الروحانية توحد مطلبهم صاروا إخوانًا متراحمين متحابين في الله ولله»160.

            ومن علامات ائتلاف القلوب على الحكيم: أن تجده محبوبًا بين الناس مقبولًا، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب هذا الحب، فقد أشار ابن مسكويه إلى ضرورة حب الحكماء وإكرامهم لما لهم من أثر طيب في تربية النفوس وتهذيب الطباع161.

            ٨. الغبطة لصاحب الحكمة.

            من ثمرة إيتاء الحكمة أن تجد صاحبها مغبوطًا من الناس، نظرًا لما تحصل عليه من هذه النعمة القيمة التي يزن بها أموره وتصرفاته، ففي الصحيحن عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلّا في اثنتين: رجلٌ آتاه اللّه مالًا فسلّط على هلكته في الحقّ، ورجلٌ آتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها)162.

            وتسمية ذلك في الحديث (حسدًا) ليس على سبيل الذم، لأن الحسد نوعان: محمود ومذموم، فالمحمود هو أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره، وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة، ويؤيده قول الله تعالى:( ) [المطففين: ٢٦]163.

            والمذموم هو أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله: ( ﭱﭲ ) [النساء: ٥٤].

            وإنما كان مذمومًا؛ لأن فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق 164.

            وفي معناها يقول قتادة: حسدوا هذا الحيّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله، بعث الله منهم نبيًّا، فحسدوهم على ذلك165.

            موضوعات ذات صلة:

            الباطل، الحق، الدعوة، اللهو


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٩١.

2 بيت جرير في: ديوان المعاني، العسكري ١/٨٩، خزانة الأدب، البغدادي ٩/٢٣٦.

3 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٤٣.

4 انظر: الحكمة، ناصر العمر ص٩.

5 التفسير القيم، ابن القيم ص٢٢٦.

6 نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي١/٢٦٠.

7 المصدر السابق.

8 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٢.

9 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣١٢.

10 انظر: معجم لغة الفقهاء، قلعجي والقنيبي ص ١٨٤، مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله، ناصر الحميد ص ٢٩.

11 الحكمة، ناصر العمر ص١٩.

12 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٢١٣-٢١٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الحاء ص ٤٧٤-٤٥٠.

13 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٧٤، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٢٦١-٢٦٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٨/٢٩١.

14 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٤/٣٠٨٣، تهذيب اللغة، الأزهري، ٢/٤١٨.

15 الصحاح، الجوهري، ٥/١٩٩٠.

16 التعريفات، ص ١٩١.

17 فتح الباري، ابن حجر، ١/١٤١.

18 القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٢٥٠.

19 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص١٦٨.

20 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٥/٥١٠.

21 كشاف اصطلاحًات الفنون، التهانوي ٢/١٢٧٩.

22 مقاليد العلوم، السيوطي ص٢٠٠.

23 انظر: تفسير المراغي ٣٤١-٤٢ بتصرف.

24 جامع البيان، الطبري ٥/٥٧٧.

25 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٥٧٨، تفسير ابن أبي حاتم٢/٥٣٢.

26 انظر: المصادر السابقة.

27 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٥٧٩، تفسير السمرقندي ١/١٧٩.

28 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١/٢٥٢.

29 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٣٤٤.

30 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٥٧٨.

31 تفسير ابن أبي حاتم ٢/٥٣٢.

32 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٥٧٩.

33 أخرجه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم، ٦/٢٤٠، رقم ٢٥٧٩.

34 إلى هنا أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله، رقم ١٧.

35 أخرجه أحمد في مسنده، في مسند الوازع بن زارع العبدي، ٣٩/٤٩٠، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، ٣/٣٠٤، رقم١٦٨٤، والخرائطي في مكارم الأخلاق، باب فضل الحلم والرفق والأناة ١/٣٣٢، رقم٢٩.

36 تنوير الحوالك، السيوطي ٣/١٦١.

37 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٧١.

38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة، رقم ٣٢٦٧.

39 المنهج المسلوك في سياسة الملوك، الشيزري ص٧١٧، مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة ص١٣٥.

40 لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٤٠.

41 شفاء العليل، ابن القيم ص٢٢١.

42 انظر: تأملات في اسم الله تعالى الحكيم، منصور الصقعوب، خطبة بموقع ملتقى الخطباء ص٥ بتصرف.

43 شفاء العليل، ابن القيم ص١٤٨.

44 المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، الغزالي ص١٢٠.

45 انظر: الثمر المجتنى مختصر شرح أسماء الله الحسنى، ناصر السعدي ص٢٨-٣١.

46 التفسير القيم، ابن القيم ص٣١.

47 الوجوه والنظائر، العسكري ص١٨٠.

48 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد عبد الباقي ص٢١٤-٢١٥، موسوعة نضرة النعيم ٥/١٦٨٠.

49 جامع البيان، الطبري ٦/١٦٨-١٦٩.

50 المصدر السابق ٧/١٩١-١٩٢.

51 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد عبد الباقي ص٢١٤-٢١٥، موسوعة نضرة النعيم ٥/١٦٨٠.

52 انظر: جامع البيان، ٢١/٦٥٣.

53 انظر: تفسير القرآن العظيم، ٧/٣٩٣.

54 انظر: معنى اسم: الحكيم وأثره على المسلم، فتوى رقم ١٧١٨١٩، موقع إسلام ويب، منشور بتاريخ الخميس ٢٤ صفر ١٤٣٣ /، ١٩-١-٢٠١٢ م.

55 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧٠٥٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٩٣.

56 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/١٧٨.

57 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٩٠.

58 جامع البيان، الطبري١١/٢٨٨.

59 نظم الدرر، البقاعي ٧/٣٩-٤٠.

60 جامع البيان، الطبري ١٥/٢٢٨.

61 تفسير ابن أبي حاتم ٦/١٩٩٦.

62 معاني القرآن، وإعرابه، الزجاج ٤/٣٣، الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٦٨.

63 جامع البيان، الطبري ١٩/١١٥.

64 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٩/٨٨.

65 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٦١٤.

66 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ٤/١٨٦.

67 انظر: المصدر السابق.

68 انظر: مفاتيح الغيب، ٢/٢٦١.

69 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٤٩٠.

70 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٢٧٧.

71 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٥١، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٩٥.

72 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣١٥.

73 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٩٠، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٢٧٧، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/٣٨، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٩/٦٠٠٠.

74 جامع البيان، الطبري٦/٤٦٧.

75 المصدر السابق.

76 انظر: تفسير مقاتل ٤/١٧٧، جامع البيان، الطبري٢٢/٧٥٢، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/٣١٦.

77 أخرجه البيهقي في السنن الصغرى رقم ٩٨٩ كتاب فضائل القرآن، باب التّرغيب في تعلّم القرآن وتعليمه وتلاوته، وفي شعب الإيمان رقم٢٦٩٦ فصل في تنوير موضع القرآن.

78 انظر: تفسير مقاتل ٣/٢٦٩، الكشف والبيان، الثعلبي ٧/١٧٠.

79 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٨/٢٧٨١.

80 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٨٧، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٢١.

81 انظر: السراج المنير، للشربيني١/٣١٠، فتح البيان، القنوجي ٣/١٥٠.

82 فتح البيان، القنوجي ٣/١٤٩-١٥٠.

83 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٩/٢٩٥٢.

84 انظر: تفسير مقاتل ٣/٢٦٠، تفسير السمرقندي ٢/٥٥٢، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٣٣٧.

85 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/١٧٢، تفسير السمرقندي ٢/٦٠٥.

86 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/١٦٢.

87 انظر: جامع البيان، الطبري٢١/١٧٣، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/٣٩٣.

88 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/١٧٣، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٣٢٥.

89 البحر المحيط، أبو حيان ٦/٣٠٦.

90 أضواء البيان، الشنقيطي٤/١٧٠.

91 البحر المحيط، أبو حيان ٣/٤١٣.

92 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٧/٣٦٢.

93 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٢٦.

94 المصدر السابق ١٣/١٢٧.

95 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٩٩.

96 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٢٣، الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٢٠٧.

97 انظر: جامع البيان، الطبري١٣/١٦، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢١٠٣.

98 لطائف الإشارات، القشيري٢/١٨٣.

99 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٢٣٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢١١.

100 أخرجه أحمد في الزهد رقم ٤١٩، ص٦٨.

قال السيوطي في الفتح الكبير٢/١٢٥: إنه من مراسيل الحسن.

وحَسَّنَ العجلوني في كشف الخفاء ١/٤٢٧ بعض طرقه، ونقل عن المناوي تحسين بعض طرقه كذلك.

101 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل١١/١٣٦.

102 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٥٠.

103 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب منه، رقم ٦٦٢٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الّذي هو خيرٌ، ويكفّر عن يمينه، رقم١٦٥٢.

104 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢١٦-٢١٧ .

105 تيسير اللطيف المنان، السعدي ص ٢٨٢.

106 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٥٥.

107 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٦٨

108 انظر: تفسير مقاتل ٢/٣٤٠، جامع البيان، الطبري١٦/١٤٩.

109 تيسير اللطيف المنان، السعدي ص ٢٨٢.

110 التفسير المظهري، محمد ثناء الله ٦/٢١٠.

111 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٦.

112 انظر: تفسير مقاتل ٢/٦٢٢، جامع البيان، الطبري ١٨/١٥٥، تفسير ابن أبي حاتم ٧/١٤٠٠.

113 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٤/١٥٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٣٩٩.

114 انظر: معجم الأعلام والموضوعات في القرآن، عبدالصبور مرزوق ٢/٥٥٣-٥٥٥.

115 انظر: جامع البيان، الطبري٣/٨٧.

116 انظر: المصدر السابق.

117 انظر: المصدر السابق ٢٠/١٣٤.

118 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٥٠.

119 الصمصامة: اسم للسيف القاطع، وللرجل القوي.

120 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣٠٩٨ رقم١٧٥٣٧، الدر المنثور، السيوطي ٦/٥١٢-٥١٣.

121 أخرجه الإمام أحمد فى الزهد ص ٤٩، والطبري في تفسيره ٢١/ ٦٧، وابن أبى شيبة في مصنفه رقم٣٤٢٥ ٧/٧٤، باب كلام لقمان عليه السلام.

122 انظر: بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية، الخادمي ٢/٢٩٤.

123 انظر: المصدر السابق ٣/٦٥.

124 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٢٢٣، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٦/٤١١٥.

125 مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٦٤٤.

126 انظر: مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله، صالح الحميد ص٤.

127 انظر: المصدر السابق ص٢٧.

128 أخرجه مسلم في صحيحه، في المقدمة ١/١١.

129 أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب العلم، باب من خصّ بالعلم قومًا دون قومٍ، كراهية أن لا يفهموا.

130 انظر: مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله، الحميد ص٣١، أدب الموعظة، محمد بن إبراهيم الحمد ص٣٩.

131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا رقم٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب الاقتصاد في الموعظة رقم٢٨٢١.

132 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب: من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة، رقم٧٠.

133 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٢/١٦.

134 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٢٣٤، نظم الدرر، البقاعي ١٢/٢٩٠.

135 الجامع لأحكام القرآن ١١/١٩٩.

136 مفاتيح الغيب، الرازي ١/٢٠٢.

137 السراج المنير، الشربيني ٢/٣٩٩.

138 مفاتيح الغيب، الرازي ١/٢٠٢.

139 الرسالة القشيرية، ١/٨٥.

140 سبق تخريجه قريبًا.

141 انظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة، الأصفهاني ص١٨٠.

142 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٢٩٦، النكت والعيون، الماوردي ١/١٥٤.

143 أخرجه أحمد في مسنده، حديث أبي ذر الغفاري، ٣٥/٢٨٤، رقم ٢١٣٥٤، والترمذي في كتاب البر، باب معاشرة الناس، رقم ١٩٨٧.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

144 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري ٦/١٠٤.

145 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٢٨، الكشف والبيان، الثعلبي ٦/٢٠٢، معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٢٢.

146 الأدب النبوي، محمد عبد العزيز الشاذلي ص١٩١.

147 تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ابن مسكويه ص٩٢، وهذا هو المنهج الذي أخذ به حجة الإسلام الغزالي في حديثه عن أمهات الفضائل حيث جعلها أربعة الحكمة والشجاعة والعدل والعفة.

انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/٥٥، ٤/٤٢٥، إلا أنه في الموضع الثاني نسبها للإمام الشافعي رحمه الله.

148 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٥٧.

149 التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٣/٦٤.

150 انظر: موسوعة نضرة النعيم، ٥/١٧٠٥.

151 انظر: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ابن مسكويه ص ٢٧.

152 مفاتيح الغيب، ٢٥/١١٩.

153 انظر: موسوعة نضرة النعيم، الحكمة ٥/١٧٠٥.

154 أخرجه الماوردي في أدب الدنيا والدين ص٤١، وأبو نعيم في الحلية ٦/١٧٣، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ١/٨٤ رقم٧١.

وقد ضعفه العراقي في المغني عن حمل الأسفار ١/٢٣، وحكى أنه من قول أنس والحسن وليس مرفوعًا.

155 أخرجه أحمد في الزهد، رقم٥٥٢، ص٨٩، وابن المبارك في الزهد والرقائق رقم١٣٨٧، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله/ رقم ٦٧٤.

156 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٣٦٨.

157 انظر: تفسير مقاتل ١/٣٧١، تفسير عبدالرزاق الصنعاني ١/٤٥٥، جامع البيان، الطبري ٨/٣٣٢.

158 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٥٧.

159 موسوعة الأخلاق، موقع الدرر السنية.

160 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٣/٤١٤.

161 انظر: تهذيب الأخلاق، ابن مسكويه ص١٦١.

162 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، رقم٧٣، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، رقم٨١٦.

163 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٢/٧١.

164 المصدر السابق ٢/٧١.

165 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٤٧٨.