عناصر الموضوع
الحساب
أولًا:المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «(حسب) الحاء والسين والباء أصول أربعة:
فالأول: العد، تقول: حسبت الشيء أحسبه حسبًا وحسبانًا، قال الله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الرحمن:٥].
والأصل الثاني: الكفاية، تقول شيء حساب، أي: كافٍ.
والأصل الثالث: الحسبان، وهي جمع حسبانة، وهي الوسادة الصغيرة، وقد حسبت الرجل أحسبه، إذا أجلسته عليها ووسدته إياها.
والأصل الرابع: الأحسب الذي ابيضت جلدته من داء ففسدت شعرته، كأنه أبرص»1.
والحساب في اللغة مأخوذ من قولهم: حسبك كذا، أي: كفاك، فسمي الحساب في المعاملات حسابًا؛ لأنه يعلم به ما فيه كفاية، وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان، والحسبان الظن2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المراد بالحساب هنا: المؤاخذة والمجازاة، فالحساب: ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه3.
والمعنى الاصطلاحي مرتبط بمعنى الحساب في اللغة، فالجزاء على الفعل بما يناسب شدته من شديد العقاب، تشبيهًا لتقدير الجزاء بإجراء الحساب بين المتعاملين، وهو الحساب في الدنيا4.
وردت مادة (حسب) في القرآن (١٠٩) مرات، يخص موضوع الحساب منها (٤٧) مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﮛ ﮜ ﮝ) [الطلاق:٨] |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:٢٨٤] |
المصدر |
٤٢ |
(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [ص:٣٩] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الكهف:٤٠] |
وجاء الحساب في الاستعمال القرآني على عدة أوجه6:
الأول: العدد: مثل قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)[الإسراء:١٢]، يعني: عدد الأيام والشهور.
الثاني: الكثير: مثل قوله تعالى: (ﭐﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النبأ:٣٦]، يعني: كثيرًا، بواحد عشرًا.
الثالث: المحاسبة، والعرض: مثل قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الانشقاق:٨]، وهو: العرض للحساب.
الرابع: التقتير: مثل قوله تعالى: (ﭐﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [غافر:٤٠]، يعني: بلا فوت ولا تقتير.
الخامس: الجزاء: مثل قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الشعراء:١١٣]، أي: ما جزاؤهم.
السادس: العذاب: مثل قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الكهف:٤٠]، أي: عذابًا من السماء.
الجزاء:
الجزاء لغة:
المكافأة على الشيء7.
الجزاء اصطلاحًا:
هو الغناء والكفاية والمكافأة بالشيء وما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، ومنه قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [لقمان:٣٣]8.
الصلة بين الحساب والجزاء:
أن كلًّا منهما يقال في المجازاة على الخير والشر.
الثواب:
الثواب لغةً:
الثواب اسم للمصدر؛ ومصدر الثلاثي ثوبًا وثوبانًا، ومصدر الرباعي إثابة، وفعل الثواب ثلاثي أجوف معتل العين، ولفظ الثواب في اللغة جاء على عدة معانٍ أبرزها: العود والرجوع، والاجتماع، والجزاء 9.
الثواب اصطلاحًا:
هو الجزاء كيف ما كان من الخير والشر، إلا أن استعماله في الخير أكثر10.
الصلة بين الحساب والثواب:
أن كلًّا منهما يقال في المجازاة على الخير والشر، إلا أن استعمال الثواب في الخير أكثر.
الحساب في حق الله سبحانه وتعالى
يظهر الحساب في حق الله تعالى من خلال الفقرات الآتية:
أولًا: اسم الله الحسيب:
يوصف الله عزّ وجلّ بأنه الحسيب.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [النساء:٦].
وقال جلّ وعلا: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأحزاب:٣٩].
بينت الآيات أن الله تعالى هو الحسيب الكافي الذي يخلق ما يكفي العباد في مصالحهم ومهماتهم.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنفال:٦٤].
أي: كافيك وكافي أتباعك، فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به في متابعة الرسول ظاهرًا وباطنًا، وقيامه بعبودية الله تعالى، والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل، وبالفضل.
وقيل: المحاسب بإخباره المكلفين بما فعلوا من خير وشر، والحسيب أيضًا: هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير، وشر، ويحاسبهم إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر11.
وفي الآيات وعيد لولي اليتيم وإعلام له أنه تعالى يعلم باطنه كما يعلم ظاهره لئلا ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحل، ويقوم بالأمانة التامة في ذلك إلى أن يصل إليه ماله، وهذا المقصود حاصل، سواء فسرنا الحسيب بالمحاسب أو بالكافي12.
وقوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [النساء:٨٦].
المقصود منه الوعيد، فإن الرجل في الجهاد كان يلقاه الرجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلم عليه، فقد لا يلتفت إلى سلامه عليه ويقتله، وربما ظهر أنه كان مسلمًا، فمنع الله المؤمنين عنه وأمرهم أن كل من يسلم عليهم ويكرمهم بنوع من الإكرام يقابلونه بمثل ذلك الإكرام أو أزيد، فإنه إن كان كافرًا لا يضر المسلم أن قابل إكرام ذلك الكافر بنوع من الإكرام، أما إن كان مسلمًا وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد، ولذلك قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [النساء:٨٦].
أي: هو محاسبكم على أعمالكم وكافٍ في إيصال جزاء أعمالكم إليكم فكونوا على حذر من مخالفة هذا التكليف، وهذا يدل على شدة العناية بحفظ الدماء والمنع من إهدارها13.
قال محمد رشيد رضا: «قال الأستاذ الإمام: المعنى أنه رقيب عليكم في مراعاة هذه الصلة بينكم بالتحية، وفيه تأكيد لأمر هذه الصلة بين الناس، وأقول: إن فيها أيضًا إشعارًا بحظر ترك إجابة من يسلم علينا ويحيينا وأنه تعالى يحاسبنا على ذلك»14.
ثانيًا: شمول الحساب للسر والعلن:
ذكر القرآن الكريم شمول الحساب للسر والعلن.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة:٢٨٤].
يخبر تعالى في هذه الآية أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن، وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر، وإن دقت وخفيت، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم، كما قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [آل عمران:٢٩].
وقال سبحانه: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه:٧].
ولما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة، رضي الله عنهم، وخافوا منها، ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم، وإبداء ما في النفس: إظهاره، وهو إعلانه بالقول، فيما سبيله القول، وبالعمل فيما يترتب عليه عمل وإخفاؤه بخلاف ذلك، وعطف أو تخفوه للترقي في الحساب عليه، فقد جاء على مقتضى الظاهر في عطف الأقوى على الأضعف، وفي الغرض المسوق له الكلام في سياق الإثبات، وما في النفي يعم الخير والشر، وقد أجمل الله تعالى هنا الأحوال المغفورة وغير المغفورة: ليكون المؤمنون بين الخوف والرجاء، فلا يقصروا في اتباع الخيرات النفيسة والعملية، إلا أنه أثبت غفرانًا وتعذيبًا بوجه الإجمال على كل مما نبديه وما نخفيه، وهذه الآية منسوخة بالنص، وذلك ما جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنه: «أنها قد نسخت: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة:٢٨٤]»15.
وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة:٢٨٤].
قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:٢٨٥].
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجلّ: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة:٢٨٦](قال: نعم).
(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة:٢٨٦](قال: نعم).
(ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة:٢٨٦](قال: نعم).
(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة:٢٨٦] (قال: نعم)16.
ويرى بعض العلماء أن الآية محكمة والجمع بينها وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة)17.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثتها به أنفسها)18.
أن ما يخطر في النفس إن كان مجرد خاطر وتردد من غير عزم فلا خلاف في عدم المؤاخذة به، إذ لا طاقة للمكلف بصرفه عنه، وهو مورد حديث التجاوز للأمة عما حدثت به أنفسها، وإن كان قد جاش في النفس عزم، فإما أن يكون من الخواطر التي تترتب عليها أفعال بدنية أو لا، فإن كان من الخواطر التي لا تترتب عليها أفعال: مثل الإيمان، والكفر، والحسد، فلا خلاف في المؤاخذة به؛ لأن مما يدخل في طوق المكلف أن يصرفه عن نفسه، وإن كان من الخواطر التي تترتب عليها آثار في الخارج، فإن حصلت الآثار فقد خرج من أحوال الخواطر إلى الأفعال كمن يعزم على السرقة فيسرق، وإن عزم عليه ورجع عن فعله اختيارًا لغير مانع منعه، فلا خلاف في عدم المؤاخذة به وهو مورد حديث (من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة)19.
وإن رجع لمانع قهره على الرجوع ففي المؤاخذة به قولان، أي إن قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ)، محمول على معنى يجازيكم وأنه مجمل تبينه موارد الثواب والعقاب في أدلة شرعية كثيرة، وإن من سمى ذلك نسخًا من السلف فإنما جرى على تسمية سبقت ضبط المصطلحات الأصولية فأطلق النسخ على معنى البيان وذلك كثير في عبارات المتقدمين وهذه الأحاديث، وما دلت عليه دلائل قواعد الشريعة، هي البيان لمن يشاء في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)20.
ثالثًا: الله أسرع الحاسبين:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أسرع الحاسبين.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأنعام:٦٢].
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [غافر:١٧].
بينت الآيات أن الله تعالى يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم عن أعمالهم، وهل يحاسب العباد إلا الذي خلقهم وتعبدهم وأحصى أعمالهم وحفظها عليهم حتى يسألهم عنها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو العلي القدير، وسرعة حسابه أنه يحاسب العباد كلهم في أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، ولا يشغله شأن عن شأن.
وقوله عز وجل: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، يعني: ثم رد العباد بالموت إلى الله في الآخرة، وإنما قال سبحانه: (ﮀ ﮁ)، لأنهم كانوا في الدنيا تحت أيدي موال بالباطل، والله مولاهم وسيدهم ومالكهم بالحق، (ﮃ ﮄ ﮅ)، يعني لا حكم إلا له، (ﮆ ﮇ ﮈ)، يعني أنه تعالى أسرع من حسب؛ لأنه لا يحتاج إلى فكر وروية وعقد يد فيحاسب خلقه بنفسه لا يشغله حساب بعضهم عن بعض، واختلفوا في كيفية هذا الحساب، فقيل: إنه تعالى يحاسب الخلق بنفسه دفعة واحدةً لا يشغله كلامٌ عن كلامٍ.
وقيل: بل يأمر اللّه الملائكة أن يحاسب كلّ واحدٍ منهم واحدًا من العباد؛ لأنه تعالى لو حاسب الكفّار بنفسه لتكلّم معهم، وذلك باطلٌ؛ لقوله تعالى في صفة الكفّارٍ: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:١٧٤].
وقد سمى الله تعالى اليوم الآخر الساعة، فقال سبحانه: (ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الفرقان:١١].
أي: القيامة والحشر والنشر، والساعة جزء من أجزاء الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيهًا بذلك لسرعة حسابه، كما قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحقاف:٣٥]21.
وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب، لأنه جل ذكره يحصي ما يحصى من أعمال عباده بغير عقد أصابع، ولا فكرٍ ولا روية، فعل العجزة الضّعفة من الخلق، ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، ثم هو مجازٍ عباده على كل ذلك، فلذلك امتدح نفسه جل ذكره بسرعة الحساب، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمثل، فيحتاج في حسابه إلى عقد كف أو وعي صدر، ولذكر السرعة هنا وقعه في القلب البشري، فهو ليس متروكًا ولو إلى مهلة في الحساب! وتصور المسلم للأمر على هذا النحو الذي توحي به أصول عقيدته في الحياة والموت والبعث والحساب، كفيل بأن ينزع كل تردد في إفراد الله سبحانه بالحكم- في هذه الأرض- في أمر العباد، وفي هذه الآيات إظهار قدرة الله تعالى بسرعة الحساب ليدلّ على كمال قدرته ووجوب الحذر منه22.
وقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنعام:٦٢].
جملة تذييل ولذلك ابتدئ بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر، وقدم المجرور في قوله: (ﮄ ﮅ)، للاختصاص، أي له لا لغيره، وهذا يتضمن وعدًا ووعيدًا؛ لأنه لما أتى بحرف المهلة في الجمل المتقدمة وكان المخاطبون فريقين: فريق صالح وفريق كافر، وذكر أنهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة، فالصالحون لا يحبون المهلة والكافرون بعكس حالهم، فعجلت المسرة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ)23.
رابعًا: الله هو المحاسب لعباده:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي يحاسب عباده.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [النساء:٦].
وقال سبحانه: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأحزاب:٣٩].
بينت الآيات أن الله تعالى هو وحده الذي يحاسب الخلائق يوم القيامة وأنه سبحانه شهيدٌ على كل ما يفعله الإنسان وكفى به شهيدًا، وأنه لا شاهد أفضل من الله، وكفى بالله محاسبًا وشهيدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وحال تسليمهم للأموال، هل هي كاملة موفرة، أو منقوصة مبخوسة مدخلة مروج حسابها مدلس أمورها؟ الله عالم بذلك كله، (ﰌ ﰍ ﰎ) [النساء:٦].
أي: شهيدًا.
وقيل: إن المعنى: أنه لا شاهد أفضل من الله تعالى فيما بينكم وبينهم.
وقيل: إن المعنى: وكفى به تعالى محاسبًا لكم، فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم.
ولا يخفى موقع المحاسب هنا؛ لأن الوصي يحاسب على ما في يده، وفي فاعل كفى وجهان:
أحدهما: أنه الاسم الجليل، والباء زائدة دخلت لتدل على معنى الأمر، فالتقدير اكتفوا بالله تعالى.
والثاني: أن الفاعل مضمر والتقدير كفى الاكتفاء بالله تعالى، فبالله على هذا في موضع نصب على أنه مفعول به، وحسيبًا حال.
وقيل: تمييز، وكفى متعدية إلى مفعول واحد، والتقدير وكفاكم الله حسيبًا، وإلى مفعولين، والتقدير: ومثل اليتيم في النهي غيره، فكل ذي ولاية أو أمانة على مال يجب أن يعلم أن الله تعالى رقيب وشهيد ومطلع عليه.
ومن بليغ إيجاز القرآن في بيانه أنه يذكر الشيء ليدل به على تأثيره، أو الذي هو أحرى بالحكم منه، أو لكون امتثال الحكم الشرعي فيه داعيًا إلى امتثاله في غيره بالمساواة، فليعلم هذا عند كل ذي ولاية وليتقي الله تعالى في ولايته وأمانته، ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم)24.
وفي الآية وعيد لولي اليتيم وإعلام له أنه تعالى يعلم باطنه كما يعلم ظاهره لئلا ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحل، ويقوم بالأمانة التامة في ذلك إلى أن يصل إليه ماله، وهذا المقصود حاصل سواء فسرنا الحسيب بالمحاسب أو بالكافي25.
وقوله سبحانه: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأحزاب:٣٩].
بينت الآية أن الأنبياء يبلغون رسالات الله تعالى إلى خلقه ويؤدونها بأمانتها، (ﯜ)، أي: يخافونه ولا يخافون أحدًا سواه فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله، وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ)، أي: الله حسيب الأنبياء ومعينهم وناصرهم لا غيره، هذا هو الوجه في سياق تفسير هذه الآيات، فلا تسلك في معنى الآية مسلكًا يفضي بك إلى توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حصلت منه خشية الناس وأن الله عرض به في قوله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)، تصريحًا بعد أن عرض به تلميحًا في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ) [الأحزاب:٣٧].
بل النبي عليه الصلاة والسلام لم يكترث بهم وأقدم على تزوج زينب، فكل ذلك قبل نزول هذه الآيات التي ما نزلت إلا بعد تزوج زينب كما هو صريح قوله سبحانه: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأحزاب:٣٧]، ولم يتأخر إلى نزول هذه الآية26.
قال الألوسي: عند تفسير قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ) [الأحزاب:٣٩] «أي: كافيًا للمخاوف، أو محاسبًا على الكبائر والصغائر من أفعال القلب والجوارح فلا ينبغي أن يخشى غيره، والإظهار في مقام الإضمار لما في هذا الاسم الجليل ما ليس في الضمير، واستدل بالآية على عدم جواز التقية على الأنبياء عليهم السّلام مطلقًا، وخص ذلك بعض الشيعة في تبليغ الرسالة وجعلوا ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في هذه القصة المشار إليه بقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب:٣٧].
بناء على أن الخشية فيه بمعنى الخوف لا على أن المراد الاستحياء من قول الناس تزوج زوجة ابنه كما قاله ابن فورك من التقية الجائزة حيث لم تكن في تبليغ الرسالة، ولا فرق عندهم بين خوف المقالة القبيحة وإساءة الظن وبين خوف المضار في أن كلًّا يبيح التقية فيما لا يتعلق بالتبليغ، ولهم في التقية كلام طويل وهي لأغراضهم ظل ظليل، والمتتبع لكتب الفرق يعرف أن قد وقع فيها إفراط وتفريط وصواب وتخليط وإن أهل السنّة والجماعة قد سلكوا فيها الطريق الوسط وهو الطريق الأسلم الأمين سالكه من الخطأ والغلط، أما الإفراط فللشيعة حيث جوزوا بل أوجبوا على ما حكي عنهم إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وأما التفريط فللخوارج والزيدية حيث لا يجوزون في مقابلة الدين مراعاة العرض وحفظ النفس والمال أصلًا، وللخوارج تشديدات عجيبة في هذا الباب، ومذهب أهل السنّة أن التقية وهي محافظة النفس أو العرض أو المال من نحو الأعداء بإظهار محظور ديني مشروعة في الجملة.
وقسموا العدو إلى قسمين:
الأول: من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالمسلم والكافر ويلحق به من كانت عداوته لاختلاف المذهب اختلافًا يجر إلى تكفير أصحاب أحد المذهبين أصحاب المذهب الآخر كأهل السنّة والشيعة.
والثاني: من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمرأة.
وعلى هذا تكون التقية أيضًا قسمين:
أما الأول: فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين حقيقة أو حكمًا، وقد ذكروا في ذلك أن من يدعي الإيمان إذا وقع في محل لا يمكن أن يظهر دينه وما هو عليه لتعرض المخالفين وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه على الإظهار، ولا يجوز له أن يسكن هنالك ويكتم دينه بعذر الاستضعاف، فأرض الله تعالى واسعة.
نعم إن كان له عذر غير ذلك؛ كالعمى والحبس وتخويف المخالف له بقتله أو قتل ولده أو أبيه أو أمه على أي وجه كان القتل تخويفًا يظن معه وقوع ما خُوِّف به، جاز له السكنى والموافقة بقدر الضرورة، ووجب عليه السعي في الحيلة للخروج، وإن لم يكن التخويف كذلك؛ كالتخويف بفوات المنفعة، أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها؛ كالحبس مع القوت والضرب القليل غير المهلك، لا يجوز له الموافقة وإن ترتب على ذلك موته كان شهيدًا.
وأما الثاني: فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية، وقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه فيه، فقال بعضهم: تجب الهجرة لوجوب حفظ المال والعرض، وقال جمع: لا تجب إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية ولا يعود بتركها نقصان في الدين إذ العدو المؤمن كيفما كان لا يتعرض لعدوه الضعيف المؤمن مثله بالسوء من حيث هو مؤمن»27.
ذكر القرآن الكريم أنواع الحساب في الدنيا والآخرة ونوضح ذلك في المطلبين الآتيين:
أولًا: الحساب في الدنيا:
أخبر القرآن الكريم عن الحساب في الدنيا.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الطلاق:٨-٩].
بينت الآية أن كثيرًا من أهل القرى خالفوا أمر ربهم، فكذبوا الرسل الذين أرسلوا إليهم ولجُّوا في طغيانهم يعمهون، فحاسبهم الله تعالى حسابًا عسيرًا، (ﮓ): بمعنى «كم» الخبرية التي تفيد التكثير، أي: وكم من القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله، فحاسبها الله حسابًا شديدًا، وعذبها عذابًا نكرًا؟ والمقصود من إفادة التكثير هنا تحقيق أن العذاب الذي نال أهل تلك القرى شيء ملازم لجزائهم على عتوهم عن أمر ربهم ورسله، فلا يتوهم متوهم أن ذلك مصادفة في بعض القرى وأنها غير مطردة في جميعهم، والمراد بالقرية: أهلها، وإنما أوثر لفظ القرية هنا دون الأمة ونحوها؛ لأن في اجتلاب هذا اللفظ تعريضًا بالمشركين من أهل مكة ومشايعة لهم بالنذارة، وفيه تذكير للمسلمين بوعد الله بنصرهم ومحق عدوهم، والعتو ويقال العتي: تجاوز الحد في الاستكبار والعناد، ثم بين أن هذا جزاء ما كسبت أيديهم، فقال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الطلاق:٩].
أي: فجنت ثمار ما غرست أيديها ولا يجنى من الشر إلا الشر، فكان عاقبة أمرها الخسران والنكال الذي لا يقدر قدره، ثم أكد هذا الوعيد بقوله جلّ وعلا: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الطلاق:١٠].
أي: هيأ الله لهم العذاب المرتقب، لتماديهم في طغيانهم وإعراضهم عن اتباع الرسل فيما جاءوا به من عند ربهم، وقد جاء تفصيل هذا العذاب في قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [العنكبوت:٤٠].
وقوله جلّ جلاله: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [هود:١٠٢].
ثم قال بعد ما قص من خبر هؤلاء: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الطلاق:١٠].
أي: الأفهام المستقيمة، لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب، (ﯕ ﯖ) [الطلاق:١٠].
أي: صدقوا بالله ورسله، (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الطلاق:١٠].
يعني: القرآن، كقوله سبحانه: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحجر:٩]28.
وقد ثبت من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [هود:١٠٢]29.
ثانيًا: الحساب في الآخرة:
أخبر القرآن الكريم عن الحساب في الآخرة.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الطلاق:٨-٩].
يخبر القرآن الكريم أن كثيرًا من أهل القرى خالفوا أمر ربهم، فكذبوا الرسل الذين أرسلوا إليهم ولّجوا في طغيانهم يعمهون، فحاسبناهم حسابًا عسيرًا، فاستقصينا عليهم ذنوبهم، وناقشناهم على النقير والقطمير، وعذبناهم عذابًا نكرًا في الآخرة، وعبر بالماضي عن المستقبل دلالة على التحقق كما في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الكهف:٩٩].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأعراف:٤٤].
ونحو ذلك، لأنّ المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة، وما هو كائن فكأن قد، ثم بين أن هذا جزاء ما كسبت أيديهم فقال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الطلاق:٩].
أي: فجنت ثمار ما غرست أيديها، فكان عاقبة أمرها الخسران والنكال الذي لا يقدر قدره، ثم أكد هذا الوعيد بقوله سبحانه: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الطلاق:١٠].
أي: هيأ الله لهم العذاب المرتقب، لتماديهم في طغيانهم وإعراضهم عن اتباع الرسل فيما جاءوا به من عند ربهم30.
ووصف الله تعالى الحساب في الآخرة.
قال جلّ وعلا: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [ص:٤٨-٥٨].
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في الدار الآخرة (ﮒ ﮓ) [ص:٤٩].
وهو: المرجع والمنقلب، ثم فسره بقوله سبحانه: (ﮕ ﮖ) [ص:٥٠].
أي: جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب، والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول: «مفتحة لهم أبوابها» أي: إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها، وقوله جلّ وعلا: (ﮛ ﮜ) [ص:٥١] في الجنات على الفرش، (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [ص:٥١] أي: مهما طلبوا وجدوا وحضر كما أرادوا، (ﮡ) أي: من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدام، كما قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الواقعة:١٨].
(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [ص:٥٢] أي: عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن (ﮧ)، أي: متساويات في السن والعمر، (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [ص:٥٣] أي: هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار.
ثم أخبر عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا انقضاء ولا زوال ولا انتهاء فقال: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [ص:٥٤]، كقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل:٩٦].
وقوله سبحانه: (ﰌ ﰍ ﰎ) [هود:١٠٨].
وقوله جلّ جلاله: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [فصلت:٨] أي: غير مقطوع.
وقوله جلّ في علاه: (ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرعد:٣٥].
والآيات في هذا كثيرة جدًّا.
ولما ذكر تعالى مآل السعداء ثنى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال: (ﯘﯙ ﯚ ﯛ) [ص:٥٥].
وهم: الخارجون عن طاعة الله المخالفون لرسل الله، (ﯜ ﯝ) [ص:٥٥] أي: لسوء منقلب ومرجع.
ثم فسره بقوله تعالى: (ﯟ ﯠ) [ص:٥٦] أي: يحترقون فيها ويقاسون حرّها، (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [ص:٥٧].
أما الحميم فهو: الحار الذي قد انتهى حره، وأما الغساق فهو: ضده، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم.
ولهذا قال سبحانه: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [ص:٥٨] أي: وأشياء من هذا القبيل، الشيء وضده يعاقبون بها، وقيل: الغساق: السيال، ويشمل ما يسيل من أجساد أهل النار من الصديد31.
وقد بينت الآيات أن الله عز وجل يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم عن أعمالهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المائدة:١٠٩].
وقال سبحانه: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:٤١].
وقال جلّ وعلا: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأعراف:٦].
وقال جلّ جلاله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الشعراء:١١٣].
ووصف الله تعالى الحساب في الآخرة بأنه يسير على المؤمنين عسير على الكافرين وسوف نوضح ذلك في المبحث التالي.
تظهر أوصاف الحساب من خلال ما يلي:
أولًا: الحساب السريع:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى سريع الحساب.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢٠٢].
وقال سبحانه: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأنعام:٦٢].
وقال جلّ وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [غافر:١٧].
بينت الآيات أن الملك والحكم يوم القيامة لله وحده وأنّ كل نفس تجزى ما كسبت وأن الله تعالى لا يظلم؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطئ، وأن الله سريع الحساب؛ لأن الله لا يشغله حساب عن حساب، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين، وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب، لأنه جل ذكره يحصي ما يحصى من أعمال عباده بغير عقد أصابع، ولا فكرٍ ولا روية، فعل العجزة الضّعفة من الخلق، ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، ثم هو مجازٍ عباده على كل ذلك، فلذلك امتدح نفسه جل ذكره بسرعة الحساب، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمثل، فيحتاج في حسابه إلى عقد كف أو وعي صدر، ولذكر السرعة هنا وقعه في القلب البشري، فهو ليس متروكًا ولو إلى مهلة في الحساب! وتصور المسلم للأمر على هذا النحو الذي توحي به أصول عقيدته في الحياة والموت والبعث والحساب، كفيل بأن ينزع كل تردد في إفراد الله سبحانه بالحكم- في هذه الأرض- في أمر العباد، وفي هذه الآيات إظهار قدرة الله تعالى بسرعة الحساب ليدلّ على كمال قدرته ووجوب الحذر منه32.
وقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنعام:٦٢].
جملة تذييل ولذلك ابتدئ بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر، وقدم المجرور في قوله له الحكم للاختصاص، أي له لا لغيره، وهذا يتضمن وعدًا ووعيدًا لأنه لما أتى بحرف المهلة في الجمل المتقدمة وكان المخاطبون فريقين: فريق صالح وفريق كافر، وذكر أنهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة فالصالحون لا يحبون المهلة والكافرون بعكس حالهم، فعجلت المسرة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنعام:٦٢]33.
قال الشعراوي: «وعندما نقرأ: (ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة:٢٠٢].
فلنفهم أن السرعة هي أن يقل الزمن عن الحدث، فبدلًا من أن يأخذ الحدث منك ساعة، وقد تنهيه في نصف ساعة، وكل حدث له زمن، والحدث حين يكون له زمن وتريد أن تقلل زمن الحدث فلابد أن تسرع فيه حتى تنجزه في أقل وقت، وتقليل الزمن يقتضي سرعة الحركة في الفعل، وذلك في الأفعال العلاجية التي تحتاج معالجة، وعملًا من الإنسان، لكن سبحانه يفعل بـ «كن» ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالي لا يحتاج إلى زمن، إذن فهو سريع الحساب؛ لأنه لا يحتاج إلى زمن، ولأنه لا يشغله شأن عن شأن، وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث؛ لأن الحادث عندما يؤدي عملًا، فهذا العمل يشغله عن غيره من الأعمال، فلا يستطيع أن يؤدي عمليتين في وقت واحد، لكن الواحد الأحد لا يشغله فعل عن فعل، وبالتالي يفعل ما يريد وقتما يريد ولكل من يريد»34.
ثانيًا: الحساب اليسير:
يخبر القرآن الكريم أن من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الانشقاق:٧-١٢].
بينت الآية أن الله تعالى سوف يحاسب أصحاب اليمين حسابًا يسيرًا، والحساب اليسير هو أن تعرض عليه أعماله، فيعرف بالطاعة، والمعصية ثم يثاب على الطاعة، ويتجاوز له عن المعصية، فهذا هو الحساب اليسير؛ لأنه لا شدة فيه على صاحبه، ولا مناقشة، ولا يقال له: لم فعلت هذا ولا يطالب بالعذر فيه، ولا الحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذرًا، ولا حجة فيفتضح، وعن ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حوسب عذب)، قالت عائشة: فقلت، أو ليس يقول الله عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الانشقاق:٨]، قالت: فقال: (إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب عذب)35.
(ﮅ ﮆ ﮇ)، يعني: في الجنة من الحور العين والآدميات، (ﮈ)، أي: بما أوتي من الخير والكرامة، وقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)، تمثيل لحال المحاسب حسابًا يسيرًا في المسرة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا، بحال المسافر لتجارة حين يرجع إلى أهله سالمًا رابحًا لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الأهل وكلهم في مسرة، فذلك وجه الشبه بين الهيأتين وهو السرور المألوف للمخاطبين فالكلام استعارة تمثيلية، وليس المراد رجوعه إلى منزله في الجنة؛ لأنه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره إليه انقلاب، ولأنه قد لا يكون له أهل، وهو أيضًا كناية عن طول الراحة؛ لأن المسافر إذا رجع إلى أهله فارق المتاعب 36.
ثالثًا: الحساب العسير:
بعد أن ذكر الله تعالى أن المؤمن يحاسب يوم القيامة حسابًا يسيرًا أعقبه بذكر أن الكافر يحاسب حسابًا عسيرًا.
فقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الانشقاق:١٠-١٥].
وقال جلّ وعلا: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الفرقان:٢٥-٢٦].
وقال سبحانه: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [المدثر:٨-١٠].
وقال جلّ جلاله: (ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [القمر:٨].
بينت الآيات أن الحساب يوم القيامة عسير على الكافرين لا يسر فيه ولا فيما بعده، على خلاف ما جرت به العادة من أن كل عسر بعده يسر، وعسره عليهم أنهم يناقشون الحساب، ويعطون كتبهم بشمائلهم وتسوّد وجوههم، وتتكلم جوارحهم، فيفتضحون على رؤوس الأشهاد، ويقطع رجاؤهم في جميع الوجوه، ووصف الله تعالى الحساب العسير بقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الانشقاق:١٠]، يعني: الكافر، يخرج يده اليسرى من وراء ظهره، يعطى كتابه بها.
(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الانشقاق:١١]، يعني: بالويل والثبور على نفسه.
(ﮕ ﮖ ﮗ) [الانشقاق:١٢]، يعني: يدخل في الآخرة نارًا وقودًا.
قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة (ويصلى سعيرًا)، بنصب الياء، وجزم الصاد مع التخفيف، والباقون ويصلى بضم الياء ونصب الصاد مع التشديد، فمن قرأ (يصلى)، بالتخفيف، فمعناه: أنه يقاسي حر السعير وعذابه، يقال: صليت النار، إذا قاسيت عذابها وحرها، ومن قرأ بالتشديد، فمعناه أنه يكثر عذابه في النار، حتى يقاسي حرها37.
وقال الزمخشري: «إن (ﯯ ﯰ) [المدثر:١٠]، كان يكفي عنها (ﯪ ﯫ) [المدثر:٩]، إلا أنه ليبين لهم أن عسره لا يرجى تيسيره، كعسر الدنيا، وأن فيه زيادة وعيد للكافرين، ونوع بشارة للمؤمنين لسهولته عليهم، ولعل المعنيين مستقلان، وأن قوله تعالى: (ﯪ ﯫ) [المدثر:٩].
هذا كلام مستقل وصف لهذا اليوم، وبيان للجميع شدة هوله»38.
وجاء وصف الحساب العسير في آيات أخر كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الحج:١-٢].
أمر جل وعلا في أول هذه السورة الكريمة الناس بتقواه جل وعلا بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وبين لهم أن زلزلة الساعة شيء عظيم، تذهل بسببه المراضع عن أولادها، وتضع بسببه الحوامل أحمالها، من شدة الهول والفزع، وأن الناس يرون فيه كأنهم سكارى من شدة الخوف، وما هم بسكارى من شرب الخمر، ولكن عذابه شديد، وقوله سبحانه: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [عبس:٣٤-٣٥].
ووصف الله تعالى عسر هذا اليوم فقال سبحانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الإنسان:٢٧].
وقال تعالى منبهًا عن حال وأهوال هذا اليوم: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المزمل:١٧].
فلا تجد صفات أعظم من هذه الصفات في ذلك اليوم؛ حيث يتحول الطفل إلى شيخ كبير السن شعره أبيض من شدة المخاوف، وتذهل فيه المرضعة عمَّا أرضعت؛ لأنه يوم يرجف فيه القلب رجفًا شديدًا، ومن شدة الارتجاف يصعد هذا القلب حتى يسد الحنجرة، يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار، تتقلب فيه القلوب؛ لأن القلوب ترى أشياء لم تكن تراها في الدنيا، وتتيقن منها، والأبصار تشاهد أشياء لم تكن تشاهدها في الدنيا، إنما كانت توصف لها وصفًا، وهذه قلوب الملاحدة وأهل الشك، وكذلك الأبصار تشاهد أشياء ما كانت تراها في الدنيا، بل كانت تسمع عنها، فانقلب القلب إلى إدراك أشياء ما كان يدركها من قبل، وانقلب البصر إلى رؤية أشياء لم يكن يراها من قبل39.
يظهر ما يحاسب عليه العبد وما لا يحاسب عليه من خلال ما يأتي:
أولًا: ما يحاسب عليه العبد:
ذكر القرآن الكريم أن مما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الكفر.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المؤمنون:١١٧].
وقال سبحانه: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الغاشية:٢٣-٢٦].
بينت الآيات أن الله تعالى يحاسب العباد يوم القيامة على أعمالهم، وأنهم يحاسبون بكل صغيرة وكبيرة، وقليل وكثير.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الكهف:٤٩].
وقال سبحانه: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الغاشية:٢٦]، يعني: أي: نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها، إن خيرا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ.
وقال جلّ جلاله: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الأنعام:١٦٠].
وقال جلّ وعلا: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الأنبياء:٤٧].
ولما كان أعظم ما دعا الله إليه توحيده وكان أصل ضلال المشركين إشراكهم أعقب وصف الله بالعلو العظيم والقدرة الواسعة ببيان أن الحساب الواقع بعد البعث ينال الذين دعوا مع الله آلهة دعوى لا عذر لهم فيها؛ لأنها عرية عن البرهان، أي: الدليل، لأنهم لم يثبتوا لله الملك الكامل إذ أشركوا معه آلهة، ولم يثبتوا ما يقتضي له عظيم التصرف إذ أشركوا معه تصرف آلهة، فقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، حال من يدع مع الله إلهًا آخر، وهي حال لازمة؛ لأن دعوى الإله مع الله لا تكون إلا عرية عن البرهان، ونظير هذا الحال قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [القصص:٥٠].
والقصر في قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)، قصر حقيقي، وفيه إثبات الحساب وأنه لله وحده مبالغة في تخطئتهم وتهديدهم، ويجوز أن يكون القصر إضافيًّا تطمينًا للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لا يؤاخذه باستمرارهم على الكفر، كقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الشورى:٤٨].
وقوله سبحانه: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الشعراء:٣].
(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [المؤمنون:١١٧]، وهو نفي الفلاح عن الكافرين ضد المؤمنين40.
قال سيد عند تفسير قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الغاشية:٢٥-٢٦].
«بهذا يتحدد دور الرسول في هذه الدعوة، ودور كل داعية إليها بعده، إنما أنت مذكر وحسابهم بعد ذلك على الله، ولا مفر لهم من العودة إليه، ولا محيد لهم من حسابه وجزائه، غير أنه ينبغي أن يفهم أن من التذكير إزالة العقبات من وجه الدعوة لتبلغ إلى الناس وليتم التذكير، فهذه وظيفة الجهاد كما تفهم من القرآن ومن سيرة الرسول سواء، بلا تقصير فيها ولا اعتداء»41.
ثانيًا: ما لا يحاسب عليه العبد:
ذكر القرآن الكريم أن العبد إنما يحاسب على عمله وأنه لا يحاسب على عمل غيره.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام:٥٢].
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنعام:٦٩].
(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المؤمنون:١١٧].
بينت الآيات أن حساب العباد عند الله تعالى، وأنه يحاسبهم بأعمالهم، وأنه لا حساب بأحسابهم وأموالهم، ولا يحاسب العبد على غناه وفقره، ولا يحاسب على عمل غيره، وليس لأحد محاسبتهم، وأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه ليس عليه شيء ما من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، لا على دعائهم ولا على غيره من أعمالهم الدينية، كما أنه ليس عليهم شيء ما من أمر حسابك على أعمالك حتى يمكن أن يترتب على هذا أو ذاك طردك إياهم بإساءتهم في عملهم أو محاسبتك على عملك، فإن الطرد جزاء، وإنما يكون على عمل سيئ يستوجبه، ولا يثبت إلا بحساب، والمؤمنون ليسوا عبيدًا للرسل ولا أعمالهم الدينية لهم، بل هي لله تعالى يريدون بها وجهه لا أوجه الرسل، وحسابهم عليه تعالى لا عليهم، وإنما الرسل هداة معلمون، لا أرباب ولا مسيطرون، (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الغاشية:٢١-٢٢].
وإذا لم يكن للرسل حق السيطرة على الناس ومحاسبتهم على أعمالهم الدينية فليس للناس عليهم هذا الحق بالأولى، وذكروا في قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)، قولين:
أحدهما: أن الكفار طعنوا في إيمان أولئك الفقراء، وقالوا: يا محمد إنهم إنما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك؛ لأنهم يجدون بهذا السبب مأكولًا وملبوسًا عندك، وإلا فهم فارغون عن دينك، فقال الله تعالى: إن كان الأمر كما يقولون، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر، وإن كان لهم باطن غير مرضي عند الله، فحسابهم عليه لازم لهم، لا يتعدى إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدى إليهم، كقوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأنعام:١٦٤].
القول الثاني: ما عليك من حساب رزقهم من شيء فتملهم وتطردهم، ولا حساب رزقك عليهم، وإنما الرازق لهم ولك هو الله تعالى، فدعهم يكونوا عندك ولا تطردهم، وقوله سبحانه: (ﰈ)، جواب النفي ومعناه، ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم، بمعنى أنه لم يكن عليك حسابهم حتى أنك لأجل ذلك الحساب تطردهم، وقوله جلّ في علاه: (ﰉ ﰊ ﰋ)، أي: لا تطرد هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي فتكون بطردك إياهم في زمرة الظالمين معدودًا من جنسهم؛ لأن الطرد لا يكون حقًّا إلا على الإساءة في الأعمال التي يعملونها لمن له حق حسابهم وجزائهم عليها، ولست أنت بصاحب هذا الحق حتى تجري فيه على صراط العدل، فإن عملهم هو عبادة الله وحده، فحسابهم وجزاؤهم عليه، كما قال نوح عليه السلام: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الشعراء:١١٣].
وقوله تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ)، فيه قولان:
الأول: فتكون من الظالمين لنفسك بهذا الطرد.
الثاني: أن تكون من الظالمين لهم لأنهم لما استوجبوا مزيد التقريب والترحيب كان طردهم ظلمًا لهم، والله أعلم42.
قال الزمخشري: «فإن قلت: أما كفى قوله: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأنعام:٥٢] حتى ضم إليه: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)؟
قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة، وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنيّ في قوله: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأنعام:١٦٤].
ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعًا، كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه، وقيل: الضمير للمشركين، والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم، حتى يهمك إيمانهم ويحرّكك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين، (ﰈ)، جواب النفي (ﰉ ﰊ ﰋ)، جواب النهي، ويجوز أن يكون عطفًا على (ﰈ)، على وجه التسبيب؛ لأن كونه ظالمًا مسبب عن طردهم»43.
وذكر طنطاوي تخريجًا آخر لقوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)، «بأن المعنى: ما عليك شيء من حساب رزقهم إن كانوا فقراء، وما من حسابك في الفقر والغنى عليهم من شيء، أي: أنت مبشر ومنذر ومبلغ للناس جميعًا، سواء منهم الفقير والغنيّ، فكيف تطرد فقيرًا لفقره، وتقرب غنيًّا لغناه؟ إنك إن فعلت ذلك كنت من الظالمين، ومعاذ الله أن يكون ذلك منك»44.
وفي قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام:٥٢].
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإنذار غير المتقين ليتقوا ثم أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم، ثم أثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم، أي: عبادته ويواظبون عليها، والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام، أو معناه: يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس بالغدوة والعشي، ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله تعالى: (ﯹ ﯺ)، فالوجه يعبر به عن ذات الشيء، وحقيقته نزلت في الفقراء بلال وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين لو طردت هؤلاء السقاط لجالسناك.
وعن سعد رضي الله عنه، قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنعام:٥٢])45 46.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأنعام:٥٢]: «فإن حسابهم على أنفسهم، وحسابك على نفسك، وكونهم فقراء مقدر عليهم في الرزق هذا حسابهم عند الله، لا شأن لك به، كذلك غناك وفقرك هو حسابك عند الله لا شأن لهم به، ولا دخل لهذه القيم في قضية الإيمان والمنزلة فيه، فإن أنت طردتهم من مجلسك بحساب الفقر والغنى كنت لا تزن بميزان الله، ولا تقوّم بقيمه. فكنت من الظالمين، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون من الظالمين! وبقي فقراء الجيوب أغنياء القلوب في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي ضعاف الجاه الأقوياء بالله في مكانهم الذي يؤهلهم له إيمانهم والذي يستحقونه بدعائهم لله لا يبتغون إلا وجهه، واستقرت موازين الإسلام وقيمه على المنهج الذي قرره الله»47.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنعام:٦٩].
إشارة إلى أن ما يقع من المشركين في تلك المجالس الهازئة الهازلة من منكر، لا يمسّ المتقين بسوء، ولا يحمّلهم شيئًا من أوزار هؤلاء القوم، ولا يحاسبون على خوضهم فيها ولا على غيره من أعمالهم التي يحاسبهم الله تعالى عليها إذا هم تجنبوهم وأعرضوا عنهم كما أمروا، ولكن تجنّب هذه المجالس هو حماية للمؤمنين من أن تصيبهم عدوى هذه الأحاديث، وإن من الخير لهم، والسلامة لدينهم، أن يتّقوا هذه المجالس، ويحذروها، وهكذا في كل شر، من قول أو عمل، إنه واقع بأهله أولًا وقبل كل شيء، وما يصيب غيرهم منه، لا يخفف من آثاره السيئة الواقعة بهم، بل إنه ليضاعف من إثمهم، ويضيف إلى جرمهم جرمًا، وما يجب على المؤمنين في تلك الحال هو أن يعزلوا أنفسهم عن تلك المآثم، وأن يتقوا الخطر الذي قد يصيبهم من مداناتها، وقيل: إن ذلك يقتضي إباحة جلوس المؤمنين مع الكافرين، لأنهم شق عليهم النهي عن ذلك إذ كانوا لا بد لهم من مخالطتهم في طلب المعاش، وفي الطواف بالبيت وغير ذلك، ثم نسخت بآية النساء، وهي: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [النساء:١٤٠].
وقيل: إنها لا تقتضي إباحة القعود، (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، فيه وجهان:
أحدهما: أن المعنى: ليس على المؤمنين حساب الكفار، ولكن عليهم تذكير لهم، ووعظ، وإعراب ذكرى على هذا نصب على المصدر وتقديره يذكرونهم ذكرى، أو رفع على المبتدأ تقديره عليهم ذكرى، والضمير في لعلهم عائد على الكفار، أي: يذكرونهم رجاء أن يتقوا، أو عائد على المؤمنين، أي: يذكرونهم ليكون تذكيرهم ووعظهم تقوى الله.
الوجه الثاني: أن المعنى: ليس نهي المؤمنين عن القعود مع الكافرين بسبب أن عليهم من حسابهم شيئًا، وإنما هو ذكرى للمؤمنين.
وإعراب ذكرى على هذا خبر ابتداء مضمر تقديره: ولكن نهيهم ذكرى، أو مفعول من أجله تقديره: إنما نهوا ذكرى، والضمير في (لعلهم) على هذا للمؤمنين لا غير48.
يظهر الإيمان بيوم الحساب، وأثره الطيب على الفرد والمجتمع من خلال ما يأتي:
أولًا: الإيمان بيوم الحساب:
الإيمان بيوم الحساب والجزاء ركن من أركان الإيمان، يحاسب العبد على عمله، ويجازى عليه، وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الغاشية:٢٥-٢٦].
وقال سبحانه: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الأنعام:١٦٠].
وقال جلّ وعلا: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الأنبياء:٤٧].
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن الله يدني المؤمن منه يوم القيامة حتى يضع كنفه عليه، فيستره من الناس، فيقول: أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، حتى إذا قرره بذنوبه وظن في نفسه أنه قد استوجب، قال: قد سترتها عليك من الناس، وإني أغفرها لك اليوم، ويعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فيقول الأشهاد: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [هود:١٨]) 49.
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال، وهو مقتضى الحكمة فإن الله تعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به، والعمل بما يجب العمل به منه، وأوجب قتال المعارضين له وأحل دماءهم، وذرياتهم، ونساءهم، وأموالهم، فلو لم يكن حساب، ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزه الرب الحكيم عنه.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله50: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف:٦-٧].
فما يتكبر متكبر وهو يؤمن بيوم الحساب، وهو يتصور موقفه يومئذ حاسرًا خاشعًا خاضعًا ذليلًا، مجردًا من كل قوة.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [غافر:٢٧].
ذكر جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال لفرعون وملئه: إني استجرت أيها القوم بربي وربكم، من كلّ متكبر عليه، تكبر عن توحيده، والإقرار بألوهيته وطاعته، لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء.
وإنما خص موسى صلوات الله وسلامه عليه، الاستعاذة بالله ممن لا يؤمن بيوم الحساب، لأن من لم يؤمن بيوم الحساب مصدقًا، لم يكن للثواب على الإحسان راجيًا، ولا للعقاب على الإساءة، وقبيح ما يأتي من الأفعال خائفًا، ولذلك كان استجارته من هذا الصنف من الناس خاصة، وما ذكره جل وعلا في آية المؤمن هذه، من عياذ موسى بالله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب كفرعون وعتاة قومه، ذكر نحوه في سورة الدخان في قوله تعالى عن موسى مخاطبًا فرعون وقومه: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الدخان:٢٠]51.
قال الزمخشري: «لما سمع موسى عليه السلام بما أجراه فرعون من حديث قتله: قال لقومه إنّي عذت بالله الذي هو ربي وربكم، وقوله: (ﭪ)، فيه بعث لهم على أن يقتدوا به، فيعوذوا بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال: (ﭫ ﭬ ﭭ)، لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض، فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر: الاستكبار عن الإذعان للحق، وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة صاحبه ومهانة نفسه، وعلى فرط ظلمه وعسفه، وقال: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)، لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة، فقد استكمل أسباب القسوة والجرأة على الله وعباده، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها: وعذت ولذت: أخوان، وقرئ: عتّ، بالإدغام»52.
وفي قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [غافر:٢٧].
هذا القول كان في مجلس فرعون، وليس مع موسى أحد من قومه إلا أخوه هارون، فالخطاب ليس لقومه، وإنما لفرعون وقومه، والمعنى: إني أعددت العدة لدفع بطش فرعون العوذ بالله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وفي مقدمة هؤلاء المتكبرين فرعون، ومعنى ذلك: أن موسى علم أنه سيجد مناوئين متكبرين يكرهون ما أرسله الله به إليهم، فدعا ربه وعلم أن الله ضمن له الحفظ وكفاه ضير كل معاند، وذلك ما حكي في قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [طه:٤٥-٤٦].
فأخبر موسى قومه بأن ربه حافظ له ليثقوا بالله، وتأكيد الخبر بحرف (إن) متوجه إلى لازم الخبر وهو أن الله ضمن له السلامة وأكد ذلك لتنزيل بعض قومه أو جلهم منزلة من يتردد في ذلك لما رأى من إشفاقهم عليه، والعوذ: الالتجاء إلى المحل الذي يستعصم به العائذ فيدفع عنه من يروم ضره، يقال: عاذ بالجبل، وعاذ بالجيش، وقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [النحل:٩٨].
وعبر عن الجلالة بصفة الرب مضافًا إلى ضمير المتكلم؛ لأن في صفة الرب إيماء إلى توجيه العوذ به؛ لأن العبد يعوذ بمولاه، وزيادة وصفه برب المخاطبين للإيماء إلى أن عليهم أن لا يجزعوا من مناوأة فرعون لهم، وأن عليهم أن يعوذوا بالله من كل ما يفظعهم، وجعلت صفة لا يؤمن بيوم الحساب مغنية عن صفة الكفر أو الإشراك؛ لأنها تتضمن الإشراك وزيادة، لأنه إذا اجتمع في المرء التجبر والتكذيب بالجزاء قلت مبالاته بعواقب أعماله فكملت فيه أسباب القسوة والجرأة على الناس53.
قال سيد قطب: «قالها، واطمأن، وسلّم أمره إلى المستعلي على كل متكبر، القاهر لكل متجبر، القادر على حماية العائذين به من المستكبرين، وأشار إلى وحدانية الله ربه وربهم لم ينسها أو يتركها أمام التهديد والوعيد، كما أشار إلى عدم الإيمان بيوم الحساب، فما يتكبر متكبر وهو يؤمن بيوم الحساب، وهو يتصور موقفه يومئذ حاسرًا خاشعًا خاضعًا ذليلًا، مجردًا من كل قوة، ما له من حميم ولا شفيع يطاع»54.
ثانيًا: أثر الإيمان بيوم الحساب:
من آثار الإيمان بيوم الحساب ما يأتي:
١. أن الإيمان بيوم الحساب ينمي الضمير الداخلي الذي يراقب الإنسان مراقبة يقظة قبل صدور أي عمل نفسي أو سلوكي، ويحاسبه محاسبة دقيقة بعد صدور أي عمل منه، فالمؤمن بالله وبيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب يدفعه إيمانه إلى مراقبة الله في جميع أعماله مراقبة دقيقة تجعله دائم الحذر من الوقوع فيما يغضب الله جل جلاله، فيستوجب عقابه، وتحمله دومًا على اتباع مرضاة الله سبحانه عله ينال ثوابه.
وقوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ) [النساء:٦]، أي: كافيًا للمخاوف، أو محاسبًا على الكبار والصغائر من أفعال القلب والجوارح، فلا ينبغي أن يخشى غيره، والإظهار في مقام الإضمار لما في هذا الاسم الجليل ما ليس في الضمير55.
٢. أن الإيمان بيوم الحساب ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات، وسبب سعادته.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الحاقة:١٩]، أي: فأما من أعطى كتابه بيمينه فيقول: تعالوا اقرءوا كتابي فرحًا به، لأنه لما أوتيه باليمين علم أنه من الناجين الفائزين بالنعيم، فأحب أن يظهره لغيره حتى يفرحوا بما نال.
ثم ذكر العلة في حسن حاله فقال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الحاقة:٢٠]، أي: إني فرح مسرور؛ لأني علمت أن ربى سيحاسبني حسابًا يسيرًا، وقد حاسبني كذلك، فالله عند ظن عبده به.
ثم بيّن عاقبة أمره فقال جلّ وعلا: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الحاقة:٢١]، أي: فهو يعيش عيشة مرضية خالية مما يكدر مع دوامها وما فيها من إجلال وتعظيم.
ثم فصل ذلك فقال عز من قائل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الحاقة:٢٢-٢٣]، أي: فهو يعيش في بستان عال رفيع ذي ثمار دانية القطوف، يأخذها المرء كما يريد، إن أحب أن يأخذها بيده انقادت له، وهو قائم وجالس أو مضطجع، وإن أحب أن تدنو إلى فيه دنت له.
ثم يقول لهم تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحاقة:٢٤]، أي: ويقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا يا معشر من رضيت عنه فأدخلته جنتي من ثمارها وطيب ما فيها من الأطعمة، واشربوا من أشربتها، أكلًا وشربًا هنيئًا لا تتأذون بما تأكلون وما تشربون جزاء من الله، وثوابًا على ما قدمتم في دنياكم لآخرتكم من العمل بطاعتي56.
٣. أن الإيمان باليوم الآخر هو المنطلق لكل خير والمانع لكل شر، والإيمان بالبعث هو منطلق جميع الأعمال الصالحة؛ لأنه يؤمن أن هناك يومًا آخر يجازى فيه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
قال تعالى: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف:١١٠].
وقال سبحانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الإنسان:٧-١١]57.
٤. والإيمان باليوم الآخر من ثماره أنه يغرس في النفوس الوفاء بالعهد والميثاق، وصلة الأرحام والجيران والفقراء، ومحبة الخير، والحرص على إسداء المعروف وينفرها من اقتراف الشرور وارتكاب الآثام، فالحلم والأناة، والتضحية، والصبر على الشدائد، والسمو بالنفس عن الدناءات، كل ذلك يتجلى به المؤمن؛ لأنه ينتظر جزاءه عند الله، لا عند المجتمع ولا عند الناس، ويوم الجزاء آت لا ريب فيه، في موعده الذي قدره الله له، لا يتزحزح، لذلك فإن أخلاق المؤمن ثابتة لا يزعزعها شيء من أعراض الحياة الزائلة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الرعد:١٩-٢٢].
فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا58.
٥. كما أن الإيمان بهذا اليوم يحمل على الثبات عند لقاء الأعداد والصبر على الشدائد؛ كما قال تعالى في قصة طالوت وجنوده حينما لقوا عدوهم الذي يفوقهم في الكثير بعد ما جاوزوا نهر الامتحان ولم ينجح منهم إلا القليل.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٤٩]59.
موضوعات ذات صلة: |
الثواب، الجزاء، الجنة، النار، اليوم الآخر |
1 مقاييس اللغة ٢/٥٩.
2 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/٨٧، الصحاح، الجوهري ١/١١٠، تاج العروس، الزبيدي ٢/٢٦٨.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٣٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٦٠.
4 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨ /٣٣٤.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي، ص ٢٠٠-٢٠١.
6 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان ص ١٨٦- ١٨٧، الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ١٧٠-١٧١، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٢٥٠-٢٥١، الوجوه والنظائر، أبو هلال العسكري ص ١٨٩- ١٩٠.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/١٤٣، الكليات، الكفوي ص ٣٥٦، تاج العروس، الزبيدي ٣٧/٣٥١.
8 انظر: المفردات، الراغب ص ١٩٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٣٨٠.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٩٣، مختار الصحاح، الرازي ص٩٠، لسان العرب، ابن منظور ١/٢٤٣.
10 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٨٠.
11 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٥٩١، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٢/١٤٠٧، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١٦٦.
12 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٥٠١.
13 انظر: المصدر السابق ١٠/ ١٦١.
14 المنار، محمد رشيد ٥/٢٥٨.
15 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه)، ٦/٣٣، رقم ٤٥٤٥.
16 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه)، ١/١١٥، رقم ١٢٥.
17 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة، ٨/١٠٣، رقم ٦٤٩١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب، ١/ ١١٨، رقم ١٣١.
18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ٨/١٣٥، رقم ٦٦٦٤.
19 سبق تخريجه.
20 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/ ٣٦٠، مدارك التنزيل، النسفي ١/٢٣١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧٢٨.
21 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٢٠، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ٨/١٩٩.
22 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٠٧، الكشاف، الزمخشري ٤/١٥٧، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٣/٢٠٥٢.
23 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٧٩.
24 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، ٣/ ١٤٥٧، رقم ١٨٢٦.
25 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٥٠١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢١٩.
26 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٤٢٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ٤٣.
27 روح المعاني ١١/٢٠٧.
28 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٥٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٣٣٣.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ)، ٦/٧٤، رقم ٤٦٨٦.
30 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٥٦٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٢٧، تفسير المراغي ٢٨/١٤٩.
31 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٧٧.
32 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٠٧، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٣/٢٠٥٢.
33 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/ ٢٧٩.
34 تفسير الشعراوي ٢/٨٦٢.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من سمع شيئًا فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه، ١/ ٣٢ ، رقم ١٠٣.
36 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/ ٤٠٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٣٥٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/ ٢٢٣.
37 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥١٥، تفسير المراغي ٢٩/١٢٧.
38 الكشاف، الزمخشري ٤/٦٤٧.
39 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٦٤٧.
40 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥٧٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٨٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٣٦.
41 في ظلال القرآن ٦/٣٩٠٠.
42 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٥٤٢، مدارك التنزيل، النسفي ١/٥٠٦.
43 الكشاف ٢/٢٨.
44 التفسير الوسيط ٥/٨٠.
45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ٤/١٨٧٨، رقم ٢٤١٣.
46 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/ ٥٠٦.
47 في ظلال القرآن ٢/١١٠٠.
48 انظر: التسهيل، ابن جزي ١/٢٦٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٧٨، تفسير المراغي ٧/١٦٠.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب قول الله تعالى: (ألا لعنة اللّه على الظّالمين)، ٣/١٢٨، رقم ٢٤٤١، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، ٤/٢١٢٠، رقم ٢٧٦٨.
50 انظر: شرح الطحاوية، ابن أبي العز ص ٤٠١، شرح ثلاثة الأصول، ابن عثيمين ص ١٠٠.
51 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٧٥، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٣.
52 الكشاف ٤/١٦١.
53 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/١٢٦.
54 في ظلال القرآن ٥/٣٠٧٨.
55 انظر: روح المعاني، الألوسي ١١/٢٠٧.
56 انظر: تفسير المراغي ٢٩/٥٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/١٣٢.
57 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٤٧١.
58 انظر: بيان المعاني، عبد القادر العاني ٦/٤٥، التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٣٦١.
59 انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، صالح الفوزان ص ٢٥٤.