عناصر الموضوع

مفهوم الجزاء

الجزاء في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الجزاء

قواعد في الجزاء

الجزاء

مفهوم الجزاء

أولًا: المعنى اللغوي:

«الجيم والزّاء والياء: قيام الشّيء مقام غيره، ومكافأته إيّاه»1، وفلانٌ ذو غناءٍ وجزاء -ممدود-، وتجازيت ديني: تقاضيته2.

والجزاء يأتي بمعنى القضاء أيضًا ، وجزيته بما صنع جزاء وجازيته، بمعنىً، ويقال: جازيته فجزيته، أي: غلبته3، وجزى الشّيء يجزي: كفى؛ ومنه جزى عنه هذا الأمر: أي: قضى.

وفي حديث صلاة الحائض: (فأمرهنّ أن يجزين)4 أي: يقضين.

وفي حديثٍ آخرٍ: (تجزي عنك ولا تجزي عن أحدٍ بعدك)5.

وتقول: إن وضعت صدقتك في آل فلانٍ جزت عنك، فهي جازيةٌ عنك.

والجوازي: جمع جازية أو جازٍ أو جزاءٍ، وبكلٍّ فسّر قول الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه.

ويقال: جزتك عنّي الجوازي: أي جزتك جوازي أفعالك المحمودة6.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرّف مصطلح الجزاء خلق كثيرون، ومما ينبغي ذكره في هذا المقام هو ما ينسجم مع طبيعة الدراسة القرآنية، ومن هذه التعريفات:

ذكر الإمامان الأصفهاني والمناوي أن الجزاء اصطلاحًا هو: «كل ما فيه الكفاية من المقابلة، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ»7.

وعرّفه الشيخ محمد عبد الله دراز بأنه: «رد فعل القانون على موقف الأشخاص الخاضعين لهذا القانون»8.

وبالنظر إلى التعريفين السابقين يتضح أن التعريف الأول أكثر دقةً؛ إذ إنه جامع لكل جوانب المصطلح من جهة، وهو مانع لغيره من الألفاظ ذات الصلة، كما أن تعريف الشيخ محمد عبد الله دراز يظهر فيه التأثر من التعريف القانوني له في الدنيا، وكما هو معلوم فإن التعريف القرآني يركز على الجانبين الدنيوي والأخروي، مع تقديم الآخرة على الدنيا.

وكلا المعنيين اللغوي والاصطلاحي لا يخرجان عن أن معنى الجزاء مقابلة الخير بالخير والشر بالشر.

الجزاء في الاستعمال القرآني

وردت مادة (جزي) في القرآن(١١٧) مرة9.

والصيغ التي وردت عليها هي:

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٤

( ) [الإنسان: ١٢]

الفعل المضارع

٧٠

( ) [القمر: ٣٥]

المصدر

٤٢

( ) [الرحمن: ٦٠]

اسم الفاعل

١

( ) [لقمان: ٣٣]

وجاء الجزاء في القرآن على ثلاثة وجوه10:

أحدها: ثواب الخير أو الشر: ومنه قوله تعالى: ( ) [النجم: ٤١]، يعني: يثيبه على ما سعى؛ إن خيرًا فيكافئه بالخير، وإن شرًّا فيعاقبه بالشر.

الثاني: القضاء: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٤٨]، يعني: لا تقضي.

الثالث: البدل والعوض: ومنه قوله تعالى: ( )[ المائدة: ٩٥]، يعني: بدله.

الألفاظ ذات الصلة

الثواب:

الثواب لغةً:

الثواب اسم للمصدر؛ لأنّ مصدر الثلاثي ثوبًا وثوبانًا، ومصدر الرباعي إثابة، وفعل الثواب ثلاثي أجوف معتل العين، ولفظ الثواب في اللغة جاء على عدة معانٍ، أبرزها: العود والرجوع، والاجتماع، والجزاء11.

الثّواب اصطلاحًا:

الجزاء كيف ما كان من الخير والشّر، إلّا أن استعماله في الخير أكثر12.

الصلة بين الثواب والجزاء:

الجزاء أعم وأشمل من الثواب؛ حيث إن الجزاء على المكافأة مقابل عمل الخير أو الشر، كلٌّ حسب عمله، أما الثواب فهو مكافأة مقابل الطاعة والعبادة فقط.

العقاب:

العقاب لغة:

العقاب مأخوذ من (عقب): العين والقاف والباء أصلان صحيحان: أحدهما يدل على تأخير شيء وإتيانه بعد غيره. والأصل الآخر يدل على ارتفاع وشدة وصعوبة13.

العقاب اصطلاحًا:

العقاب: هو جزاء الشّرّ، والنكال أخص منه14، أو هو ما يلحق الإنسان بعد الذّنب من المحنة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا15.

الصلة بين العقاب والجزاء:

من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي للعقاب تبيّن أن الجزاء أعم وأشمل منه؛ إذ إن العقاب يعني إصلاح الخطأ بمحاسبة، والجزاء يضاف إليه مكافأة عمل الخير بالثواب.

الحساب:

الحساب لغةً:

مأخوذ من قولهم: حسبك كذا، أي: كفاك، فسمي الحساب في المعاملات حسابًا لأنه يعلم به ما فيه كفاية وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان، والحسبان: الظن16.

الحساب اصطلاحًا:

هو المؤاخذة والمجازاة، والحساب: ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه، ولا يخرج المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي له17.

الصلة بين الحساب والجزاء:

من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي للحساب تبيّن أن الجزاء أعمّ وأشمل منه؛ إذ إنّ الحساب يعني إيقاع العذاب على الخاطئ مع كفاية المحاسب في القدرة على حماية المظلوم.

أنواع الجزاء

تحدث القرآن الكريم عن أنواع الجزاء وهذا ما سنبينه فيما يأتي:

أولًا: الجزاء الحسن وأهله في الدنيا:

تعددت صور الجزاء الحسن وأهله في الدنيا، ومن هذه الصور:

١. جزاء الشاكرين.

والشّكر مطلقًا: الثّناء على المحسن بذكر إحسانه، فالعبد يشكر الله، أي: يثنى عليه بذكر إحسانه الّذي هو النّعمة.

والله تعالى يشكر العبد، أي: يثني عليه بقبول إحسانه الّذي هو الطّاعة.

وهذا المفهوم ينقسم إلى:

الشّكر اللّغويّ: وهو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم والتبجيل باللّسان والجنان والأركان.

وإلى الشّكر العرفيّ: وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السّمع والبصر والكلام وغيرها إلى ما خلق له وأعطاه لأجله، كصرف النّظر إلى مصنوعاته، والسمع إلى تلقي إنذاراته، والذهن إلى فهم معانيها18.

وللإنسان حالان لا يخرج عنهما، ولا ثالث لها ( ) [الإنسان: ٣].

وجاء وصف اثنين من أولي العزم بهذا الشرف العظيم، وهما:

  1. نوح عليه السلام ، قال عز وجل عنه: ( ) [الإسراء: ٣].
  2. إبراهيم عليه السلام إذ قال تعالى عنه: ( ﭲﭳ ) [النحل: ١٢١].

    ومن فضل الله على المؤمنين أنه لا يقدّر عليهم خيرًا ولا مصيبة إلا كان خيرًا لهم.

    إن أصابتهم سراء فشكروا؛ جازاهم جزاء الشاكرين، وإن أصابتهم ضراء فصبروا؛ جازاهم جزاء الصابرين19.

    قال تعالى: ( ﭲﭳ ) [إبراهيم: ٧].

    أي: ( ) نعمتي عليكم لأزيدنّكم منها ( ) أي: كفرتم النّعم وسترتموها وجحدتموها ( ) وذلك بسلبها عنهم، وعقابه إيّاهم على كفرها20.

    وقال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [القمر: ٣٣-٣٥].

    وقال تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌﮍ ﮛﮜ ﮨﮩ ) [آل عمران: ١٤٤-١٤٥].

    قال محمد بن إسحاق: «أي: فمن كان منكم يريد الدنيا ليس له رغبة في الآخرة نؤته منها ما قسم له فيها من رزق، ولا حظ له في الآخرة ( ) منكم ( ) ما وعده، مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه، وذلك جزاء الشاكرين أي: المتقين»21.

    ٢. جزاء المتقين.

    التّقوى: هو على ما قاله عليّ رضي الله عنه: «ترك الإصرار على المعصية، وترك الاغترار بالطّاعة، وهي الّتي يحصل بها الوقاية من النّار، والفوز بدار القرار»22.

    وغاية التقوى البراءة من كل شيء سوى الله، ومبدؤه اتقاء الشّرك، وأوسطه اتقاء الحرام، والتّقوى منتهى الطّاعات، والرهبة من مبادئ التّقوى، وقد تسمى التّقوى خوفًا وخشية، ويسمى الخوف تقوى23.

    لذلك جاء جزاؤهم مفخمًا بكل أنواع التعظيم والإكرام، ومن هذه الجزاءات:

    قوله تعالى: ( ﮨﮩ ﮭﮮ ) [النحل: ٣١].

    وقوله تعالى: ( ﭶﭷ ﭿ ﮁﮂ ) [الفرقان: ١٥-١٦].

    أي: قل لهم -مبينًا لسفاهة رأيهم واختيارهم الضار على النافع-: () الذي وصفت لكم من العذاب ( ) التي زادها تقوى الله، فمن قام بالتقوى فالله قد وعده إياها ( ) على تقواهم () موئلًا يرجعون إليها، ويستقرون فيها، ويخلدون دائمًا أبدًا.

    ( ﭿ ) أي: يطلبون وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم، من المطاعم والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة والنساء الجميلات، والقصور العاليات، والجنات والحدائق المرجحنة24، والفواكه التي تسر ناظريها وآكليها، من حسنها وتنوعها وكثرة أصنافها، والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها، حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها أنهارًا من ماء غير آسن، وأنهارًا من لبن لم يتغير طعمه، وأنهارًا من خمر لذة للشاربين، وأنهارًا من عسل مصفى، وروائح طيبة، ومساكن مزخرفة، وأصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب، ومزاورة الإخوان، والتمتع بلقاء الأحباب، وأعلى من ذلك كله التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه، والحظوة بقربه، والسعادة برضاه، والأمن من سخطه، واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الأوقات، وتعاقب الآنات، () دخولها والوصول إليها ( ) يسأله إياها، عباده المتقون بلسان حالهم، ولسان مقالهم، فأي الدارين المذكورتين خير وأولى بالإيثار؟ وأي العاملين، عمال دار الشقاء أو عمال دار السعادة؛ أولى بالفضل والعقل والفخر يا أولي الألباب؟25.

    وقوله تعالى: ( ) [النبأ: ٣١-٣٦].

    قال ابن كثير: «يقول تعالى مخبرًا عن السّعداء وما أعدّ لهم تعالى من الكرامة والنّعيم المقيم، فقال: ( ). قال ابن عبّاسٍ والضّحّاك: متنزّهًا.

    وقال مجاهدٌ، وقتادة: فازوا، فنجوا من النّار.

    والأظهر ها هنا قول ابن عبّاسٍ؛ لأنّه قال بعده: () وهي البساتين من النّخيل وغيرها ( ) أي: وحورًا كواعب.

    قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ: () أي: نواهد، يعنون أن ثديّهن نواهد لم يتدلّين؛ لأنّهنّ أبكارٌ عرب أترابٌ، أي: في سنٍّ واحدةٍ»26.

    وقوله تعالى: ( ) [المرسلات: ٤١-٤٤].

    قال ابن كثير: «يقول تعالى مخبرًا عن عباده المتّقين الّذين عبدوه بأداء الواجبات، وترك المحرّمات إنّهم يوم القيامة يكونون في جنّاتٍ وعيونٍ، أي: بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من ظلّ اليحموم، وهو الدّخان الأسود المنتن.

    ( ) أي: من سائر أنواع الثّمار مهما طلبوا وجدوا، ( ) أي: يقال لهم ذلك على سبيل الإحسان إليهم، ثمّ قال تعالى مخبرًا خبرًا مستأنفًا: ( ) أي: هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل»27.

    ٣. جزاء المحسنين.

    الإحسان: هو فعل ما ينفع غيره بحيث يصير الغير حسنًا به، كإطعام الجائع، أو يصير الفاعل به حسنًا بنفسه28.

    والإحسان مطلوبٌ في كلّ شيءٍ بهدي دين الفطرة، الدّاعي لحسنتي الدّنيا والآخرة، وجزاء الإحسان في كلّ شيءٍ بحسبه، قال عز وجل: ( ) [الرحمن: ٦٠].

    كما أنّ الإساءة محرّمةٌ في كلّ شيءٍ وجزاؤها من جنسها، قال عز وجل: ( ) [النجم: ٣١]29.

    وقوله تعالى: ( ) [الرحمن: ٦٠].

    أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم30.

    وقوله تعالى: ( ﭱﭲ ) [الزمر: ٣٤].

    هو تعبير جامع يشمل كل ما يخطر للنفس المؤمنة من رغائب، ويقرر أن هذا () عند ربهم، فهو حقهم الذي لا يخيب ولا يضيع31.

    وخص المولى الأنبياء بكثير من النعم بسبب إحسانهم.

    فقال تعالى: ( ﭱﭲ ﭴﭵ ﭹﭺ ﭿ ﮂﮃ ) [الأنعام: ٨٤].

    قال محمد رشيد رضا: «قال تعالى بعد ذكر هؤلاء: ( ) أي: بالجمع بين نعم الدّنيا ورياستها بالحقّ، وهداية الدّين وإرشاد الخلق، وهذا كما قال الله تعالى في أحدهم -يوسف-: ( ﯺﯻ ) [يوسف: ٢٢].

    فهو جزاءٌ خاصٌّ بعضه معجّلٌ في الدّنيا، أي: ومثل هذا الجزاء في جنسه يجزي الله بعض المحسنين بحسب إحسانه في الدّنيا قبل الآخرة، ومنهم من يرجئ جزاءه إلى الآخرة»32.

    وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: ( ﯺﯻ ) [يوسف: ٢٢].

    قال ابن كثير: «قوله: ( ) أي: يوسف عليه السلام () أي: استكمل عقله، وتمّ خلقه ( ) يعني: النّبوّة، إنّه حباه بها بين أولئك الأقوام ( ) أي: إنّه كان محسنًا في عمله، عاملًا بطاعة ربّه تعالى»33.

    وقال تعالى مثل ذلك عن موسى عليه السلام: ( ﭗﭘ ) [القصص: ١٤].

    وقال تعالى عن موسى وهارون عليهما السلام: ( ) [الصافات: ١٢٠-١٢١].

    قال ابن كثير: «يذكر تعالى ما أنعم به على موسى وهارون من النّبوّة والنّجاة بمن آمن معهما من قهر فرعون وقومه، وما كان يعتمده في حقّهم من الإساءة العظيمة من قتل الأبناء واستحياء النّساء، واستعمالهم في أخسّ الأشياء، ثمّ بعد هذا كلّه نصرهم عليهم، وأقرّ أعينهم منهم، فغلبوهم وأخذوا أرضهم وأموالهم وما كانوا جمّعوه طول حياتهم، ثمّ أنزل اللّه على موسى الكتاب العظيم الواضح الجليّ المستبين وهو التّوراة»34.

    وقال تعالى عن نوح عليه السلام: ( ﯿ ) [الصافات: ٧٥-٨٠].

    وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ( ) [الصافات: ١٠٩-١١٠].

    ( ﭜﭝ ) [الصافات: ١٠٣-١٠٥].

    قال ابن كثير: «قوله: ( ) أي: هكذا نصرف عمّن أطاعنا المكاره والشّدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، كقوله تعالى: ( ﮥﮦ ﮬﮭ ﮱﯓ ) [الطلاق: ٢-٣]»35.

    وأثنى الله على إلياس كما أثنى على إخوانه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقال: ( ) [الصافات: ١٣٠-١٣١]36.

    وقال تعالى عن جزاء كلّ من أحسن العمل: ( ) [المرسلات: ٤٣-٤٤]37.

    وقوله تعالى: ( ﮘﮙ ﮜﮝ ) [النحل: ٣٠].

    كقوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮔﮕ ) [النحل: ٩٧].

    أي: من أحسن عمله في الدّنيا أحسن اللّه إليه في الدّنيا والآخرة.

    ثمّ أخبر بأنّ دار الآخرة خيرٌ، أي: من الحياة الدّنيا، والجزاء فيها أتمّ من الجزاء في الدّنيا، كما قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [القصص: ٨٠].

    وقال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٩٨].

    وقال تعالى: ( ) [الأعلى: ١٧].

    وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( ﭿ ) [الضحى: ٤].

    ثمّ وصفوا الدّار الآخرة فقالوا: ( ) [النحل: ٣٠]38.

    وقال السعدي: «( ) في عبادة الله تعالى ، وأحسنوا إلى عباد الله فلهم ( ) رزق واسع، وعيشه هنية، وطمأنينة قلب، وأمن وسرور ( ) من هذه الدار وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات، فإن هذه نعيمها قليل محشو بالآفات منقطع، بخلاف نعيم الآخرة؛ ولهذا قال تعالى: ( )39.

    قال الشعراوي: «نفهم من هذه الآية أنه على المؤمن ألاّ يترك الدنيا وأسبابها، فربما أخذها منك الكافر، وتغلّب عليك بها، أو يفتنك في دينك بسببها، فمن يعبد الله أولى بسرّه في الوجود، وأسرار الله في الوجود هي للمؤمنين، ولا ينبغي لهم أن يتركوا الأخذ بأسباب الدنيا للكافرين.

    اجتهد أنت أيها المؤمن في أسباب الدنيا حتى تأمن الفتنة من الكافرين في دنياك، ولا يخفي ما نحن فيه الآن من حاجتنا لغيرنا، مما أعطاهم الفرصة ليسيطروا على سياساتنا ومقدراتنا.

    لذلك يقول سبحانه: ( ) [النحل: ٣٠].

    أي: يأخذون حسناتهم، وتكون لهم اليد العليا بما اجتهدوا، وبما عملوا في دنياهم، وبذلك ينفع الإنسان نفسه وينفع غيره، وكلما اتسعت دائرة النفع منك للناس كانت يدك هي العليا، وكان ثوابك وخيرك موصولًا بخير الآخرة؛ لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)40. ومن هذه الآية أيضًا يتضح لنا جانب آخر هو ثمرة من ثمرات الإحسان في الدنيا وهي الأمن»41.

    وقال تعالى: ( ﰆﰇ ) [الزمر: ١٠].

    قال ابن كثير: «يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بالاستمرار على طاعته وتقواه ( ﰆﰇ ) أي: لمن أحسن العمل في هذه الدّنيا حسنةٌ في دنياهم وأخراهم»42.

    ٤. جزاء المتصدقين.

    الصّدقة: هي الإحسان إلى النّاس المحاويج الضّعفاء، الّذين لا كسب لهم ولا كاسب، يعطون من فضول الأموال طاعةً للّه، وإحسانًا إلى خلقه، وقد ثبت في الصّحيحين: (سبعةٌ يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه -فذكر منهم-: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)43.

    وفي الصّحيحين عن أبي هريرة قال: (ضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدّق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديدٍ أو جنّتان من حديدٍ، قد اضطرّت أيديهما إلى ثديّهما وتراقيهما، فجعل المتصدّق كلّما تصدّق بصدقةٍ انبسطت عنه، حتّى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلّما همّ بصدقةٍ قلصت، وأخذت كلّ حلقةٍ مكانها)، قال أبو هريرة: (فأنا رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسّعها ولا يتّسع)44.

    وقد قال تعالى: ( ) [التغابن: ١٦].

    فجود الرّجل يحبّبه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده، كما قيل45:

    ويظهر عيب المرء في النّاس بخله

    وتستره عنهم جميعًا سخاؤه

    تغطّ بأثواب السّخاء فإنّني

    أرى كلّ عيبٍ والسّخاء غطاؤه 46

    ومدح الله تعالى المنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات، من ليلٍ أو نهارٍ، والأحوال، من سرٍّ وجهارٍ، فقال: ( ) [البقرة: ٢٧٤].

    والنّفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضًا، كما ثبت في الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقّاصٍ حين عاده مريضًا عام الفتح، وفي روايةٍ عام حجّة الوداع: (وإنّك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه اللّه إلّا ازددت بها درجةً ورفعةً، حتّى ما تجعل في في امرأتك)47.

    وقوله تعالى: ( ) أي: ثوابهم عند الله؛ وسمي أجرًا لأنه يشبه عقد الإجارة التي يعوّض فيه العامل على عمله؛ وهذا الأجر قد بين فيما سبق من السورة بأن الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله: ( ﭿ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮒﮓ ) [البقرة: ٢٦١].

    وقوله تعالى: ( ) أي: فيما يستقبل ( ) أي: فيما مضى؛ فهم لا يحزنون على ما سبق؛ ولا يخافون من المستقبل؛ لأنهم يرجون ثواب الله عز وجل ؛ ولا يحزنون على ما مضى لأنهم أنفقوه عن طيب نفس.

    ومن الفوائد في هذه الآية:

  1. الثناء على الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله سواء كان ليلًا، أو نهارًا، أو سرًّا، أو جهارًا.
  2. كثرة ثوابهم؛ لأنه سبحانه وتعالى أضاف أجرهم إلى نفسه، فقال تعالى: ( ) والثواب عند العظيم يكون عظيمًا.
  3. أن الإنفاق يكون سببًا لشرح الصدر، وطرد الهم والغم؛ لقوله تعالى: ( ) وهذا أمر مجرب مشاهد؛ أن الإنسان إذا أنفق يبتغي وجه الله انشرح صدره، وسرت نفسه، واطمأن قلبه؛ وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» أن ذلك من أسباب انشراح الصدر48.
  4. كرم الله عز وجل حيث جعل هذا الثواب الذي سببه منه وإليه أجرًا لفاعله؛ كالأجير إذا استأجرته فإن أجره ثابت لازم.
  5. كمال الأمن لمن أنفق في سبيل الله؛ وذلك لانتفاء الخوف والحزن عنهم49.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [المعارج: ١٩- ٢٤].

    فمن أسباب النجاة من صفات الذم العمل بما في قوله تعالى: ( ) أي: في أموالهم نصيبٌ مقرّرٌ لذوي الحاجات. فالصّلاة والزّكاة والصدقة علاجٌ لما في جبلّة الإنسان من الهلع والجبن الحاجم له عن الإقدام في الدّفاع عن الحقّ وإعلاء كلمة الله، ومن الشّحّ الصّادّ له عن الإنفاق في سبيل الله؛ ولذلك كان المنافقون أجبن النّاس وأبخلهم50.

    ثانيًا: الجزاء السيئ وأهله في الدنيا:

    تعددت صور الجزاء السيئ وأهله في الدنيا، ومن هذه الصور:

    ١. جزاء المجرمين.

    أخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية بظلمهم وكفرهم، بعد ما جاءتهم البينات على أيدي الرسل، وتبين الحق فلم ينقادوا لها ولم يؤمنوا، فأحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم متجرئ على محارم الله، وهذه سنته في جميع الأمم51.

    قال تعالى: ( ﮟﮠ ) [الأعراف: ٤٠].

    وقال تعالى: ( ﯢﯣ ﯩﯪ ) [يونس: ١٣].

    قال سيد قطب رحمه الله: «لقد انتهى بهم الإسراف وتجاوز الحد والظلم -وهو الشرك- إلى الهلاك، وهذه مصارعهم كانوا يرون بقيتها في الجزيرة العربية، في مساكن عاد وثمود وقرى قوم لوط، وتلك القرون جاءتهم رسلهم بالبينات كما جاءكم رسولكم: ( ) لأنهم لم يسلكوا طريق الإيمان، وسلكوا طريق الطغيان فأبعدوا فيها، فلم يعودوا مهيئين للإيمان، فلقوا جزاء المجرمين ( ) وإذ يعرض عليهم نهاية المجرمين الذين جاءتهم رسلهم بالبينات فلم يؤمنوا، فحق عليهم العذاب، يذكرهم أنهم مستخلفون في مكان هؤلاء الغابرين، وأنهم مبتلون بهذا الاستخلاف ممتحنون فيما استخلفوا فيه: ( ) [يونس: ١٤]»52.

    وقال تعالى: ( ﮥﮦ ) [الأحقاف: ٢٥].

    () أي: تخرّب ( ) من بلادهم ممّا من شأنه الخراب ( ) أي: بإذن اللّه لها في ذلك، كقوله: ( ) [الذاريات: ٤٢].

    أي: كالشّيء البالي؛ ولهذا قال: ( ) أي: قد بادوا كلّهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقيةٌ ( ) أي: هذا حكمنا فيمن كذّب رسلنا، وخالف أمرنا53.

    ٢. جزاء الظالمين.

    جزاء الظالمين تربية عاجلة للوقوف أمام سعارات الظلم من الظالمين؛ لأن الحق لو تركها للآخرة لاستشرى الظلم، والذي لا يؤمن بالآخرة يصبح محترفًا للظلم54.

    قال تعالى: ( ﯛﯜ ) [المائدة: ٢٩].

    أي: إنّي أريد بما ذكرت من اتّقاء مقابلة الجناية بمثلها أن ترجع أنت إن فعلتها متلبّسًا ( ) أي: إثم قتلك إيّاي، وإثمك الخاصّ بك، الّذي كان من شؤمه عدم قبول قربانك، وهذا التّفسير مأثورٌ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه ، وفي وجهٍ آخر وهو أنّه مبنيٌّ على كون القاتل يحمل في الآخرة إثم من قتله إن كان له آثامٌ؛ لأنّ الذّنوب والآثام الّتي فيها حقوقٌ للعباد، لا يغفر الله تعالى منها شيئًا حتّى يأخذ لكلّ ذي حقٍّ حقّه، وإنّما القصاص في الآخرة بالحسنات والسّيّئات، فيعطى المظلوم من حسنات الظّالم ما يساوي حقّه إن كان له حسناتٌ توازي ذلك، أو يحمل الظّالم من آثام المظلوم وأوزاره ما يوازي ذلك إن كان له آثامٌ أو أوزارٌ، وما نقص من هذا أو ذاك يستعاض عنه بما يوازيه من الجزاء في الجنّة أو النّار، وفي ذكر المتكلّم إثمه وإثم أخيه تواضعٌ وهضمٌ لنفسه بإضافة الإثم إليها على الوجه الثّاني، وتذكيرٌ للمخاطب بأنّه ليس له حسناتٌ توازي هذا الظّلم الّذي عزم عليه.

    ولذلك رتّب عليه قوله: ( ﯛﯜ ) أي: تكون بما حملت من الإثمين من أهل النّار في الآخرة؛ لأنّك تكون ظالمًا، والنّار جزاء كلّ ظالمٍ، فتكون من أهلها حتمًا، ترقّى في صرفه عن عزمه من التّبرّؤ إليه من سبب حرمانه من قبول قربانه ببيان سبب التّقبّل عند الله تعالى وهو التّقوى، إلى تنزيه نفسه من جزائه على جنايته بمثلها، إلى تذكيره بما يجب من خوف الله تعالى ربّ العالمين الّذي لا يرضيه ممّن وهبهم العقل والاختيار إلّا أن يتحرّوا إقامة سننه في تربية العالم وإبلاغ كلّ حيٍّ يقبل الكمال إلى كماله، إلى تذكيره بأنّ المعتدي يحمل إثم نفسه، وإثم من اعتدى عليه بعدل الله تعالى في القصاص والجزاء إلى تذكيره بعذاب النّار وكونها مثوًى للظّالمين الفجّار55.

    وقال تعالى: ( ﭗﭘ ) [الحشر: ١٧].

    قال ابن كثير: «قوله: ( ) أي: فكانت عاقبة الآمر بالكفر والفاعل له، وتصيّرهما إلى نار جهنّم خالدين فيها ( ) أي: جزاء كلّ ظالمٍ»56.

    وقال السعدي: «( ) أي: الداعي الذي هو الشيطان، والمدعو الذي هو الإنسان حين أطاعه ( ) كما قال تعالى: ( ) [فاطر: ٦].

    ( ) الذين اشتركوا في الظلم والكفر، وإن اختلفوا في شدة العذاب وقوته، وهذا دأب الشيطان مع كل أوليائه، فإنه يدعوهم ويدليهم إلى ما يضرهم بغرور، حتى إذا وقعوا في الشباك، وحاقت بهم أسباب الهلاك، تبرأ منهم وتخلى عنهم، واللوم كل اللوم على من أطاعه، فإن الله قد حذر منه وأنذر، وأخبر بمقاصده وغايته ونهايته، فالمقدم على طاعته عاصٍ على بصيرة لا عذر له»57.

    وقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮏﮐ ) [يوسف: ٧٥أي: هذه هي شريعتنا نحكمها في السارق، والسارق من الظالمين58.

    ٣. جزاء المفترين.

    كل مفترٍ على الله، كاذب على شرعه، متقول عليه ما لم يقل، فإن له نصيبًا من الغضب من الله، والذل في الحياة الدنيا59.

    وتكرر في القرآن الكريم أنه لا أظلم ممن يفتري الكذب على الله عز وجل ، نحو قوله تعالى: ( ﮕﮖ ) [الأنعام: ٢١].

    وقوله تعالى: ( ﮛﮜ ) [يونس: ١٧].

    وقوله تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [الصف: ٧].

    وهذه الآيات وغيرها مما هي في معناها، وهو: أي ظلم أشنع من الافتراء على الله والتكذيب بآياته؟!60.

    والجواب: لا أظلم في أبواب الافتراء ومعانيها ممن افترى على الله الكذب.

    وقال تعالى: ( ﭦﭧ ) [الأنعام: ١٣٨].

    هذا لون من الافتراءات قد فعلوه ونسبوه إلى أنه متلقّى من الله، ومأمور به منه سبحانه، ولو قالوا: إن هذه الأمور من عندهم لكان وقع الافتراء أقل حدة، لكنه افتراء شديد؛ لأنهم جاءوا بهذه الأشياء ونسبوها إلى الله، وهم قد انحلوا عن الدين وقالوا على بعض من سلوكهم إنه من الدين؛ ولذلك يجازيهم الله بما افتروا الجزاء الشّديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح من إحلال الشرك، وتحريم الحلال من الأكل والمنافع61.

    وقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮔﮕ ) [الأعراف: ١٥٢].

    قال ابن كثير: «قوله: ( ) نائلةٌ لكلٍّ من افترى بدعةً، فإنّ ذلّ البدعة ومخالفة الرّسالة متّصلةٌ من قلبه على كتفيه، كما قال الحسن البصريّ: إنّ ذلّ البدعة على أكتافهم، وإن هملجت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين.

    وهكذا روى أيّوب السّختياني عن أبي قلابة الجرمي أنّه قرأ هذه الآية: ( ) قال: هي واللّه لكلّ مفترٍ إلى يوم القيامة، وقال سفيان بن عيينة: كلّ صاحب بدعةٍ ذليلٌ»62.

    أي أن هذا الأمر ليس بخاصية لهم، فكل مفترٍ يتجاوز حده فوق ما شرعه الله لا بد أن يناله هذا الجزاء؛ لأن ربنا حين يقول لنا ما حدث في تاريخهم؛ وحين يسرد لنا هذه القصة فإنه يريد من وراء ذلك سبحانه أن يعتبر السامع للقصة في نفسه، واعتبار السامع للقصة في نفسه لا يتأتى إلا بأن يقول له الله تنبيهًا وتحذيرًا: ( ) أي: احذر أن تكون مثل هؤلاء فينالك ما نالهم، وهو سبحانه ينبه كلًّا لينتفع من هذه العبرة وهذه اللقطة؛ فإنّ التاريخ مسرود لأخذ العبرة والعظة ليتعظ بها السامع63.

    وما تقدم أمثلة لمواطن من كتاب الله مما جاء فيها الجزاء السيئ في الدنيا وأهله وهناك غيرها، ومنها: جزاء البغاة64، وجزاء المكذبين بآيات الله65، وجزاء الكافرين66.

    ثالثًا: الحدود والكفارات والقصاص:

    لو أننا تناولنا بالدراسة النظام العقابي في التشريع الإسلامي فلا مناص من أن نميز فيه مرتبتين مختلفتين: فهناك الجزاءات التي حددها الشرع بدقة وصرامة، وهي التي تسمى بـ(الحدود) وهناك جزاءات أخرى تسمى (التعزيرات) وهي متروكة لتقدير القاضي.

    فالمرتبة الأولى تتكفل بمجازاة عدد قليل من الجرائم، هي الحرابة والسرقة وشرب الخمر والزنا والقذف، أما الجرائم الأخرى فتتبع المرتبة الثانية.

    صحيح أن لأصحاب الحق ألا يلاحقوا المجرم أمام القضاء، سواء بأن يعفوا عن عمله العدواني عفوًا تامًّا، أو بأن يصطلحوا متراضين معه، وحينئذٍ لا يكون للجزاء الشرعي مجال.

    ولكن متى صارت الجريمة عامة، أعني متى اتصلت بعلم السلطة المختصة، فإن أصحاب الحق يكونون بذلك قد تنازلوا عن حقهم، وبذلك يصبح الجزاء في هذه الحالة ألبتة من شأن الصالح العام، ويجب أن يطبق بلا هوادة أو رأفة.

    إن الصرامة في هذا الصدد لا تجعل مجالًا أمام أي تنازل أو حل وسط، ولا شك أننا نعرف قصة السرقة التي ارتكبتها امرأة تنتمي إلى طبقة الأشراف العربية، والتي أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبتها، وفي كلمات بلغت غاية القوة مبدأ مساواة الجميع أمام الشرع، فحين تشفع لديه في هذا لموضوع واحد من خيرة أصحابه، قام وخطب في الناس هذه الخطبة القصيرة: (أيها الناس، إنما أضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)67.

    وهذه حالة أخرى تزيدنا علمًا: ذلك أن صفوان بن أمية حين أجاب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمر به المسلمين المضطهدين خارج المدينة أن يجيئوا ليستقروا في هذه العاصمة الإسلامية، وقيل له: إنه إن لم يهاجر هلك، غادر مكة، مسقط رأسه، وجاء ليستقر بجوار قائده الروحي، وما كاد يصل حتى رغب في أن يستريح في المسجد هنيهة، فنام في المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال له صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهلا قبل أن تأتيني به)68.

    وهكذا نجد أن العفو عن هذا النوع من الأخطاء غير صحيح إلا إذا كان في المجال الخاص، فمتى علمت السلطة العامة بالجريمة يصبح تطبيق الجزاء (الحد) أمرًا جازمًا لا رجعة فيه، وقد ورد بذلك نص آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله: (تعافوا الحدود بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)69.

    فالسرقة -إذن- تحتم في الشريعة الإسلامية قطع يد السارق، بنص القرآن: ( ) [المائدة: ٣٨].

    والحرابة عقوبتها إما الموت وإما تقطيع الأيدي والأرجل وإما النفي: ( ﭿ ﮋﮌ ) [المائدة: ٣٣].

    والعقوبة المنصوص عليها في القرآن للزاني هي مائة جلدة: ( ) [النور: ٢].

    ولكن يجب أن نضيف إلى هذه العقوبة تبعًا للأحاديث: «تغريب عام».

    وعلى أية حال فإن عقوبة الموت يجب أن تستبعد من هذا المجال إذا ما التزمنا حرفية النص القرآني الذي ذكرناه آنفًا، والذي لا يفرق بين المحصن وغير المحصن، أي: بين البكر والمتزوج، ولكن المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته قد أثبت هذا الفرق، وبمقتضاه يستحق الأشخاص المحصنون الذين تثبت عليهم جريمة الزنا عقوبة الموت كأشنع ما يكون.

    ولنذكر أن تعبير القرآن -مع ذلك- يبدو أنه يفتح الباب لهذا الإجراء على أنه غاية التطور التشريعي في هذا الموضوع، والواقع أن الجزاء المنصوص في القرآن بالنسبة إلى النسوة الزانيات كان في البداية الحبس: ( ) [النساء: ١٥].

    وبدلًا من أن يفرض هذه السبيل جاء النص النبوي اللاحق وهو قوله صلى الله عليه وسلم مبينًا لها: (خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلًا: الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة)70.

    وأخيرًا: نجد أن القاذف يستحق تقريبًا نفس العقوبة ما دام قد افترى على الآخرين كذبًا، واستحل لحمهم، فله ثمانون جلدة بدلًا من مائة: ( ) [النور: ٤]71.

    وقال تعالى عن عقوبة القتل الخطأ: ( ﭘﭙ ﭧﭨ ﭳﭴ ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌﮍ ) [النساء: ٩٢].

    هذه الصيغة من صيغ الامتناع، أي: يمتنع ويستحيل أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن، أي: متعمدًا، وفي هذا الإخبار بشدة تحريمه وأنه منافٍ للإيمان أشد منافاة، وإنما يصدر ذلك إما من كافر أو من فاسق قد نقص إيمانه نقصًا عظيمًا، ويخشى عليه ما هو أكبر من ذلك، فإن الإيمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الأخوة الإيمانية التي من مقتضاها محبته وموالاته، وإزالة ما يعرض لأخيه من الأذى، وأي أذى أشد من القتل؟ وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)72، فعلم أن القتل من الكفر العملي وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله؛ ولما كان قوله: ( ) لفظًا عامًّا لجميع الأحوال، وأنه لا يصدر منه قتل أخيه بوجه من الوجوه، استثنى تعالى قتل الخطأ فقال: ( ) فإن المخطئ الذي لا يقصد القتل غير آثم، ولا مجترئ على محارم الله، ولكنه لما كان قد فعل فعلًا شنيعًا وصورته كافية في قبحه، وإن لم يقصده؛ أمر تعالى بالكفارة والدية، فقال: ( ) سواء كان القاتل ذكرًا أو أنثى، حرًّا أو عبدًا، صغيرًا أو كبيرًا، عاقلًا أو مجنونًا، مسلمًا أو كافرًا، كما يفيده لفظ (من) الدال على العموم، وهذا من أسرار الإتيان بـ(من) في هذا الموضع، فإن سياق الكلام يقتضي أن يقول: فإن قتله، ولكن هذا لفظ لا يشمل ما تشمله (من) وسواء كان المقتول ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، كما يفيده التنكير في سياق الشرط، فإن على القاتل ( ) كفارة لذلك، تكون في ماله، ويشمل ذلك الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والصحيح والمعيب، في قول بعض العلماء.

    ولكن الحكمة تقتضي أن لا يجزئ عتق المعيب في الكفارة؛ لأن المقصود بالعتق نفع العتيق، وملكه منافع نفسه، فإذا كان يضيع بعتقه، وبقاؤه في الرق أنفع له فإنه لا يجزئ عتقه، مع أن في قوله: ( ) ما يدل على ذلك؛ فإن التحرير: تخليص من استحقت منافعه لغيره أن تكون له، فإذا لم يكن فيه منافع لم يتصور وجود التحرير، فتأمل ذلك فإنه واضح.

    وأما الدية فإنها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد ( ) جبرًا لقلوبهم، والمراد بأهله هنا هم ورثته، فإن الورثة يرثون ما ترك، الميت، فالدية داخلة فيما ترك وللدية تفاصيل كثيرة مذكورة في كتب الفقه.

    وقوله: ( ) أي: يتصدق ورثة القتيل بالعفو عن الدية، فإنها تسقط، وفي ذلك حث لهم على العفو؛ لأن الله سماها صدقة، والصدقة مطلوبة في كل وقت ( ) المقتول ( ) أي: من كفار حربيين ( ﭳﭴ) أي: وليس عليكم لأهله دية لعدم احترامهم في دمائهم وأموالهم.

    ( ) المقتول ( ﭿ ) وذلك لاحترام أهله بما لهم من العهد والميثاق.

    ( ) الرقبة ولا ثمنها بأن كان معسرًا بذلك، ليس عنده ما يفضل عن مؤنته وحوائجه الأصلية شيء يفي بالرقبة ( ) أي: لا يفطر بينهما من غير عذر، فإن أفطر لعذر فإن العذر لا يقطع التتابع، كالمرض والحيض ونحوهما، وإن كان لغير عذر انقطع التتابع ووجب عليه استئناف الصوم.

    ( ﮋﮌﮍ) أي: هذه الكفارات التي أوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم، وتكفير لما عساه أن يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز، كما هو واقع كثيرًا للقاتل خطأ.

    ( ) أي: كامل العلم كامل الحكمة، لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، في أي وقت كان وأي محل كان.

    ولا يخرج عن حكمته من المخلوقات والشرائع شيء، بل كل ما خلقه وشرعه فهو متضمن لغاية الحكمة، ومن علمه وحكمته أن أوجب على القاتل كفارة مناسبة لما صدر منه، فإنه تسبب لإعدام نفس محترمة، وأخرجها من الوجود إلى العدم، فناسب أن يعتق رقبة ويخرجها من رق العبودية للخلق إلى الحرية التامة، فإن لم يجد هذه الرقبة صام شهرين متتابعين، فأخرج نفسه من رق الشهوات واللذات الحسية القاطعة للعبد عن سعادته الأبدية إلى التعبد لله تعالى بتركها تقربًا إلى الله، ومدها تعالى بهذه المدة الكثيرة الشاقة في عددها ووجوب التتابع فيها، ولم يشرع الإطعام في هذا الموضع لعدم المناسبة، بخلاف الظهار، ومن حكمته أن أوجب في القتل الدية ولو كان خطأ لتكون رادعة وكافة عن كثير من القتل باستعمال الأسباب العاصمة عن ذلك، ومن حكمته أن وجبت على العاقلة في قتل الخطأ بإجماع العلماء؛ لكون القاتل لم يذنب فيشق عليه أن يحمل هذه الدية الباهظة، فناسب أن يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة والمساعدة على تحصيل المصالح وكف المفاسد، ولعل ذلك من أسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل حذرًا من تحميلهم، ويخف عنهم بسبب توزيعه عليهم بقدر أحوالهم وطاقتهم، وخففت أيضًا بتأجيلها عليهم ثلاث سنين، ومن حكمته وعلمه أن جبر أهل القتيل عن مصيبتهم بالدية التي أوجبها على أولياء القاتل73.

    وأما عقوبة القتل العمد: فذكر تعالى وعيده وعيدًا ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول، فقال تعالى: ( ) [النساء: ٩٣].

    ولم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار، فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته.

    وهذا الوعيد له حكم أمثاله من نصوص الوعيد على بعض الكبائر والمعاصي بالخلود في النار، أو حرمان الجنة.

    وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في تأويلها مع اتفاقهم على بطلان قول الخوارج والمعتزلة الذين يخلدونهم في النار ولو كانوا موحدين.

    والصواب في تأويلها ما قاله الإمام المحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله في «المدارج»74 فإنه قال -بعد ما ذكر تأويلات الأئمة في ذلك وانتقدها فقال-: «وقالت فرقة: هذه النصوص وأمثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة ولا يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده، فإن الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه.

    وغاية هذه النصوص الإعلام بأن كذا سبب للعقوبة ومقتضٍ لها، وقد قام الدليل على ذكر الموانع فبعضها بالإجماع، وبعضها بالنص، فالتوبة مانع بالإجماع، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها، والحسنات العظيمة الماحية مانعة، والمصائب الكبار المكفرة مانعة، وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص، ولا سبيل إلى تعطيل هذه النصوص فلا بد من إعمال النصوص من الجانبين.

    ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات اعتبارًا بمقتضي العقاب ومانعه، وإعمالًا لأرجحها.

    قالوا: وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما، وعلى هذا بناء الأحكام الشرعية والأحكام القدرية، وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود، وبه ارتباط الأسباب ومسبباتها خلقًا وأمرًا، وقد جعل الله سبحانه لكل ضد ضدًّا يدافعه ويقاومه، ويكون الحكم للأغلب منهما.

    فالقوة مقتضية للصحة والعافية، وفساد الأخلاط وبغيها مانع من عمل الطبيعة، وفعل القوة والحكم للغالب منهما، وكذلك قوى الأدوية والأمراض، والعبد يكون فيه مقتضٍ للصحة ومقتض للعطب، وأحدهما يمنع كمال تأثير الآخر ويقاومه، فإذا ترجح عليه وقهره كان التأثير له.

    ومن هنا يعلم انقسام الخلق إلى من يدخل الجنة ولا يدخل النار وعكسه، ومن يدخل النار ثم يخرج منها، ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى المكث في سرعة الخروج وبطئه، ومن له بصيرة منورة يرى بها كل ما أخبر الله به في كتابه من أمر المعاد وتفاصيله، حتى كأنه يشاهده رأي عين، ويعلم أن هذا هو مقتضى إلهيته سبحانه وربوبيته وعزته وحكمته، وأنه يستحيل عليه خلاف ذلك، ونسبة ذلك إليه نسبة ما لا يليق به إليه، فيكون نسبة ذلك إلى بصيرته كنسبة الشمس والنجوم إلى بصره.

    وهذا يقين الإيمان، وهو الذي يحرق السيئات كما تحرق النار الحطب، وصاحب هذا المقام من الإيمان يستحيل إصراره على السيئات، وإن وقعت منه وكثرت، فإن ما معه من نور الإيمان يأمره بتجديد التوبة كل وقت بالرجوع إلى الله في عدد أنفاسه، وهذا من أحب الخلق إلى الله».

    وقال تعالى عن عقوبة الصيد في الحرم: ( ﯡﯢ ﯿﰀ ﰄﰅ ﰊﰋ ) [المائدة: ٩٥].

    أي: ومن قتل شيئًا من الصّيد وهو محرمٌ قاصدٌ لقتله، فجزاؤه أو فعليه جزاءٌ من الأنعام مماثلٌ لما قتله في هيئته وصورته إن وجد، وإلّا ففي قيمته75.

    وادعى بعض أهل العلم الإجماع على أنّ الحدود كفّاراتٌ لمن أقيمت عليه76، وقال القاضي عياضٌ: «ذهب أكثر العلماء أنّ الحدود كفّاراتٌ»77، وتوقف بعض العلماء في كون الحدود كفارات ولم يقضوا في ذلك بشيء78.

    ومن الآيات الصريحة في أن يوقع على الجاني مثل ما جنى -النّفس بالنّفس والجرح بالجرح- (القصاص):

    قوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ﮗﮘ ﮣﮤ ﮩﮪ ) [البقرة: ١٧٨].

    يمتن تعالى على عباده المؤمنين بأنه فرض عليهم ( ﮐﮑ) أي: المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة، التي قتل عليها المقتول إقامة للعدل والقسط بين العباد.

    وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم، حتى أولياء القاتل، حتى القاتل بنفسه؛ إعانة ولي المقتول إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل، وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد، ويمنعوا الولي من الاقتصاص، كما عليه عادة الجاهلية ومن أشبههم من إيواء المحدثين، ثم بيّن تفصيل ذلك79.

    فالعدل في القصاص -أيّها المؤمنون- حرّكم بحرّكم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا، كما اعتدى من قبلكم وغيّروا حكم اللّه فيهم80.

    وليس الهدف من القصاص الانتقام ولا إرواء الأحقاد، إنما هو أجلّ من ذلك وأعلى إنه للحياة، وفي سبيل الحياة، بل هو في ذاته حياة، ثم إنه للتعقل والتدبر في حكمة الفريضة، ولاستحياء القلوب واستجاشتها لتقوى الله.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٩].

    والحياة التي في القصاص تنبثق من كف الجناة عن الاعتداء ساعة الابتداء، فالذي يوقن أنه يدفع حياته ثمنًا لحياة من يقتل جدير به أن يتروى ويفكر ويتردد، كما تنبثق من شفاء صدور أولياء الدم عند وقوع القتل بالفعل، شفائها من الحقد والرغبة في الثأر، الثأر الذي لم يكن يقف عند حد في القبائل العربية حتى لتدوم معاركه المتقطعة أربعين عامًا، كما في حرب البسوس المعروفة عندهم، وكما نرى نحن في واقع حياتنا اليوم، حيث تسيل الحياة على مذابح الأحقاد العائلية جيلًا بعد جيل، ولا تكف عن المسيل.

    وفي القصاص حياة على معناها الأشمل الأعم، فالاعتداء على حياة فرد اعتداء على الحياة كلها، واعتداء على كل إنسان حي، يشترك مع القتيل في سمة الحياة، فإذا كف القصاص الجاني عن إزهاق حياة واحدة فقد كفه عن الاعتداء على الحياة كلها، وكان في هذا الكف حياة، حياة مطلقة، لا حياة فرد، ولا حياة أسرة، ولا حياة جماعة.

    ثم -وهو الأهم والعامل المؤثر الأول في حفظ الحياة- استجاشة شعور التدبر لحكمة الله، ولتقواه: ( ).

    فهذا هو الرباط الذي يعقل النفوس عن الاعتداء، الاعتداء بالقتل ابتداء، والاعتداء في الثأر أخيرًا81.

    قال ابن كثير: «قوله: ( ) يقول تعالى: وفي شرع القصاص لكم -وهو قتل القاتل- حكمةٌ عظيمةٌ لكم، وهي بقاء المهج وصونها؛ لأنّه إذا علم القاتل أنّه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النّفوس، وفي الكتب المتقدّمة: القتل أنفى للقتل، فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز82.

    قال أبو العالية: «جعل اللّه القصاص حياةً، فكم من رجلٍ يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل».

    وكذا روي عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبي مالكٍ، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان.

    ( ) يقول: يا أولي العقول والأفهام والنّهى، لعلّكم تنزجرون فتتركون محارم اللّه ومآثمه، والتّقوى: اسمٌ جامعٌ لفعل الطّاعات، وترك المنكرات»83.

    وقال تعالى: ( ﮋﮌﮍ ﮖﮗ ) [البقرة: ١٩٤].

    ذكر تعالى هذه القاعدة حجّةً لوجوب مقاصّة المشركين على انتهاك الشّهر الحرام بمقابلتهم بالمثل؛ ليكون شهرٌ بشهرٍ جزاءً وفاقًا.

    وفي جملة: (ﮋﮌ) من الإيجاز ما ترى حسنه وإبداعه.

    ثمّ صرّح بالأمر بالاعتداء على المعتدي مع مراعاة المماثلة -وإن كان يفهم ممّا قبله- لمكان كراهتهم للقتال في الحرم والشّهر الحرام فقال تفريعًا على القاعدة وتأييدًا للحكم: ( ﮖﮗ) وإنّما يتحقّق هذا فيما تتأتى فيه المماثلة، وسمّى الجزاء اعتداءً للمشاكلة، وقد استدلّ الإمام الشّافعيّ بالآية على وجوب قتل القاتل بمثل ما قتل به بأن يذبح إذا ذبح، ويخنق إذا خنق، ويغرق إذا أغرق، وهكذا، وقال مثل ذلك في الغصب والإتلاف، والقصد أن يكون الجزاء على قدر الاعتداء بلا حيفٍ ولا ظلمٍ، وأزيد على هذا ما هو أولى بالمقام، وهو المماثلة في قتال الأعداء كقتل المجرمين بلا ضعفٍ ولا تقصيرٍ، فالمقاتل بالمدافع والقذائف النّاريّة أو الغازية السّامّة يجب أن يقاتل بها، وإلّا فاتت الحكمة لشرعيّة القتال وهي منع الظّلم والعدوان، والفتنة والاضطهاد، وتقرير الحرّيّة والأمان، والعدل والإحسان، وهذه الشّروط والآداب لا توجد إلّا في الإسلام؛ ولذلك قال تعالى بعد شرح القصاص والمماثلة: ( ) فلا تعتدوا على أحدٍ، ولا تبغوا ولا تظلموا في القصاص بأن تزيدوا في الإيذاء، وأكّد الأمر بالتّقوى بما بيّن من مزيّتها وفائدتها فقال: ( ) بالمعونة والتّأييد، فإنّ المتّقي هو صاحب الحقّ وبقاؤه هو الأصلح، والعاقبة له في كلّ ما ينازعه به الباطل؛ لأنّ من أصول التّقوى اتّقاء جميع أسباب الفشل والخذلان84.

    وقال الشعراوي: «قوله الحق: (ﮋﮌ) يقتضي منا أن نسأل: كيف يكون ذلك؟ وما هو الشيء الحرام؟

    إن الشيء الحرام هو ما يحظر هتكه، والشيء الحلال هو المطلق والمأذون فيه، فهل يعني ذلك أن الذي يقوم بعمل حرام نقتص منه بعمل مماثل؟ هل إذا زنى رجل بامرأة نقول له: نقتص منك بالزنا فيك؟ لا.

    إن القصاص في الحرمات لا يكون إلا في المأذون به؛ وكذلك إذا سرق مني إنسان مالًا وليس لدي بينة، لكني مقتنع بأنه هو الذي سرق هل أقتص منه بأن أسرق منه؟ لا، إن القصاص إنما يكون في الأمر المعروف الواضح، أما الأمر المختفي فلا يمكن أن نقتص منه بمثل ما فعل، لكن هب أن أحد الأقارب ممّن تجب نفقتهم عليك وامتنعت أنت عن النفقة على هذا الإنسان، وهذا أمر محرم عليك، وما دام الأمر علنيًّا فله أن يأخذ من مالك فيأكل، وتكون المسألة قصاصًا»85.

    وقال تعالى: ( ﯧﯨ ﯳﯴ ﯿ ) [النحل: ١٢٦-١٢٨].

    قال الرازي: «اعلم أنّه تعالى أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتّب ذلك على أربع مراتب:

    المرتبة الأولى: قوله: ( ) يعني إن رغبتم في استيفاء القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإنّ استيفاء الزّيادة ظلمٌ والظّلم ممنوعٌ منه في عدل اللّه ورحمته، وفي قوله: ( ) دليلٌ على أنّ الأولى له أن لا يفعل، كما أنّك إذا قلت للمريض: إن كنت تأكل الفاكهة فكل التّفّاح، كان معناه أنّ الأولى بك أن لا تأكله، فذكر تعالى بطريق الرّمز والتّعريض على أنّ الأولى تركه.

    والمرتبة الثّانية: الانتقال من التّعريض إلى التّصريح وهو قوله: ( ) وهذا تصريحٌ بأنّ الأولى ترك ذلك الانتقام؛ لأنّ الرّحمة أفضل من القسوة، والإنفاع أفضل من الإيلام.

    المرتبة الثّالثة: وهو ورود الأمر بالجزم بالتّرك وهو قوله: () لأنّه في المرتبة الثّانية ذكر أنّ التّرك خيرٌ وأولى، وفي هذه المرتبة الثّالثة صرّح بالأمر بالصّبر؛ ولمّا كان الصّبر في هذا المقام شاقًّا شديدًا ذكر بعده ما يفيد سهولته فقال: ( ﯳﯴ) أي: بتوفيقه ومعونته، وهذا هو السّبب الكلّيّ الأصليّ المفيد في حصول الصّبر، وفي حصول جميع أنواع الطّاعات؛ ولمّا ذكر هذا السّبب الكلّيّ الأصليّ ذكر بعده ما هو السّبب الجزئيّ القريب، فقال: ( ) وذلك لأنّ إقدام الإنسان على الانتقام، وعلى إنزال الضّرر بالغير لا يكون إلّا عند هيجان الغضب.

    المرتبة الرّابعة: قوله: (ﯿ ) وهذا يجري مجرى التّهديد؛ لأنّ في المرتبة الأولى رغّب في ترك الانتقام على سبيل الرّمز، وفي المرتبة الثّانية عدل عن الرّمز إلى التّصريح وهو قوله: ( ) وفي المرتبة الثّالثة أمرنا بالصّبر على سبيل الجزم، وفي هذه المرتبة الرّابعة كأنّه ذكر الوعيد في فعل الانتقام فقال: (ﯿ ) عن استيفاء الزّيادة: ( ) في ترك أصل الانتقام، فإن أردت أن أكون معك فكن من المتّقين ومن المحسنين، ومن وقف على هذا التّرتيب عرف أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يجب أن يكون على سبيل الرّفق واللّطف مرتبةً فمرتبةً، ولمّا قال اللّه لرسوله: ( ) [النحل: ١٢٥].

    ذكر هذه المراتب الأربعة تنبيهًا على أنّ الدّعوة بالحكمة والموعظة الحسنة يجب أن تكون واقعةً على هذا الوجه، وعند الوقوف على هذه اللّطائف يعلم العاقل أنّ هذا الكتاب الكريم بحرٌ لا ساحل له»86.

    وقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ) [الحج: ٦٠].

    وقال تعالى: ( ﮯﮰ ﯗﯘ ) [الشورى: ٤٠].

    هذه الآية أصلٌ كبيرٌ في علم الفقه فإنّ مقتضاها أن تقابل كلّ جنايةٍ بمثلها؛ وذلك لأنّ الإهدار يوجب فتح باب الشّرّ والعدوان؛ لأنّ في طبع كلّ أحدٍ الظّلم والبغي والعدوان، فإذا لم يزجر عنه أقدم عليه ولم يتركه، وأمّا الزّيادة على قدر الذّنب فهو ظلمٌ والشّرع منزّهٌ عنه، فلم يبق إلّا أن يقابل بالمثل، ثمّ تأكّد هذا النّصّ بنصوصٍ أخر، كقوله تعالى: ( ﯧﯨ ) [النحل: ١٢٦].

    وقوله تعالى: ( ) [غافر: ٤٠].

    وقوله عز وجل: ( ) [البقرة: ١٧٨].

    والقصاص عبارةٌ عن المساواة والمماثلة، وقوله تعالى: ( ) [المائدة: ٤٥].

    وقوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٩].

    فهذه النّصوص بأسرها تقتضي مقابلة الشيء بمثله، ثم ها هنا دقيقةٌ: وهي أنّه إذا لم يمكن استيفاء الحقّ إلّا باستيفاء الزّيادة فها هنا وقع التّعارض بين إلحاق زيادة الضّرر بالجاني، وبين منع المجنيّ عليه من استيفاء حقّه، فأيّهما أولى؟ فها هنا محلّ اجتهاد المجتهدين، ويختلف ذلك باختلاف الصّور، وتفرّع على هذا الأصل بعض المسائل تنبيهًا على الباقي87.

    قال ابن كثير: «قوله تعالى: ( ) [الشورى: ٤٠].

    كقوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٩٤].

    وكقوله: ( ﯧﯨ ) [النحل: ١٢٦].

    فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله تعالى: ( ﯞﯟ ) [المائدة: ٤٥].

    ولهذا قال هاهنا: ( ﯗﯘ) [الشورى: ٤٠].

    أي: لا يضيع ذلك عند اللّه، كما صحّ في الحديث: (وما زاد اللّه عبدًا بعفوٍ إلّا عزًّا)88.

    وقوله: ( ) [الشورى: ٤٠].

    أي: المعتدين، وهو المبتدئ بالسّيّئة.

    وقال بعضهم: لمّا كانت الأقسام ثلاثةً: ظالمٌ لنفسه ومقتصدٌ وسابقٌ بالخيرات ذكر الأقسام الثّلاثة في هذه الآية، فذكر المقتصد وهو الّذي يفيض بقدر حقّه لقوله: ( ) ثمّ ذكر السّابق بقوله: ( ﯗﯘ) ثمّ ذكر الظّالم بقوله: ( ) فأمر بالعدل، وندب إلى الفضل، ونهى من الظّلم»89.

    رابعًا: أهل الجزاء الحسن في الآخرة وصور منه:

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮎﮏ ﮑﮒ ﮘﮙ ﮜﮝ ) [النحل: ٣٠].

    أخبر تعالى بأنّ دار الآخرة خيرٌ، أي: من الحياة الدّنيا، والجزاء فيها أتمّ من الجزاء في الدّنيا، كما قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [القصص: ٨٠].

    وقال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٩٨].

    وقال تعالى: ( ) [الأعلى: ١٦-١٧].

    وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( ﭿ ) [الضحى: ٤]90.

    وكرّر جلّ وعلا هذا المعنى في مواضع كثيرةٍ، كقوله: ( ﮯﮰ ﯕﯖ ﯡﯢ ﯲﯳ ) [آل عمران: ١٤-١٥]91.

    وذكر جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنّ من أحسن عمله في هذه الدّار الّتي هي الدّنيا كان له عند اللّه الجزاء الحسن في الآخرة.

    وأوضح تعالى هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ:

    كقوله تعالى: ( ﭕﭖ ﭜﭝ ﭠﭡ ) [يونس: ٢٦].

    والحسنى: الجنّة، والزّيادة: النّظر إلى وجه اللّه الكريم.

    وقوله تعالى: ( ) [النجم: ٣١].

    وقوله: ( ) [الرحمن: ٦٠].

    وقوله تعالى: ( ) [القصص: ٨٤].

    أي: مجازاةٌ حسنةٌ بالجنّة ونعيمها92.

    وقوله تعالى: ( ﮋﮌ ) [القصص: ٨٠]. أي: جزاء اللّه لعباده المؤمنين الصّالحين في الدّار الآخرة خيرٌ ممّا ترون.

    كما في الحديث الصّحيح: (يقول اللّه تعالى: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، واقرؤوا إن شئتم: ( ) [السجدة: ١٧])93.

    وقوله: ( ) قال السّدّيّ: «وما يلقّى الجنّة إلّا الصّابرون»94.

    ومن صور الجزاء الحسن في الآخرة:

    قوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮎﮏ ) [الكهف: ٨٨].

    وقوله تعالى: ( ﯿ ) [طه: ٧٤-٧٥].

    وقوله تعالى: ( ﭶﭷ ﭿ ﮁﮂ ) [الفرقان: ١٥-١٦].

    قال ابن كثير: «يقول تعالى: يا محمّد هذا الّذي وصفناه من حال أولئك الأشقياء الّذين يحشرون على وجوههم إلى جهنّم، فتتلقّاهم بوجهٍ عبوسٍ وبغيظٍ وزفيرٍ، ويلقون في أماكنها الضّيّقة مقرّنين، لا يستطيعون حراكًا، ولا انتصارًا ولا فكاكًا ممّا هم فيه: أهذا خيرٌ أم جنّة الخلد الّتي وعدها اللّه المتّقين من عباده الّتي أعدّها لهم، وجعلها لهم جزاءً على ما أطاعوه في الدّنيا، وجعل مآلهم إليها.

    ( ﭿ ) أي: من الملاذّ من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وغير ذلك، ممّا لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب أحدٍ، وهم في ذلك خالدون أبدًا دائمًا سرمدًا بلا انقطاع ولا زوال، ولا انقضاءٍ، لا يبغون عنها حولًا، وهذا من وعد اللّه الّذي تفضّل به عليهم، وأحسن به إليهم، ولهذا قال: ( ) أي: لا بدّ أن يقع وأن يكون، كما حكاه أبو جعفر بن جريرٍ، عن بعض علماء العربيّة أنّ معنى قوله: ( ) أي: وعدًا واجبًا»95.

    وقوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة: ٨].

    وقوله تعالى: (ﯿ ) [الرعد: ١٨].

    قال ابن كثير: «يخبر تعالى عن مآل السّعداء والأشقياء فقال: (ﯿ ) أي: أطاعوا اللّه ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدّقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم () وهو الجزاء الحسن، كما قال تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنّه قال: ( ﭿ ﮋﮌ ﮎﮏ ) [الكهف: ٨٧-٨٨].

    وقال تعالى: ( ) [يونس: ٢٦]»96.

    خامسًا: أهل الجزاء السيئ في الآخرة وصور منه:

    لا تنتظر أن يوفّ أهل الجزاء السيئ جزاء عملهم السّيّئ كلّه في هذه الدّار، كما أنّ أجرك على عملك لا توفّاه في هذه الحياة، فحسبك ما أصبت من الجزاء الحسن، وحسبهم ما أصيبوا، وما يصابون به من الجزاء السّيّئ في الدّنيا.

    واعلم أنّه لا يوفّى أحدٌ جزاءه في هذه الدّار لأنّ توفية الأجور إنّما تكون في الآخرة، كما قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٨٥]97.

    ومن صور الجزاء السيئ في الآخرة:

    قوله تعالى: ( ﯿ ﭗﭘ ) [الحشر: ١٦-١٧].

    وقوله تعالى: ( ﯔﯕ ) [فاطر: ٣٦].

    شرع تعالى في بيان مآل الأشقياء، فقال: ( ) كما قال تعالى: ( ) [طه: ٧٤].

    وثبت في صحيح مسلمٍ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون)98. قال الله تعالى: ( ﭪﭫ ) [الزخرف: ٧٧].

    فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحةً لهم، ولكن لا سبيل إلى ذلك، قال اللّه تعالى: ( ) كما قال تعالى: ( ) [الزخرف: ٧٤-٧٥].

    وقال: ( ) [الإسراء: ٩٧].

    ( ) [النبأ: ٣٠].

    ثمّ قال: ( ) أي: هذا جزاء كلّ من كفر بربّه وكذّب بالحقّ99.

    وقوله تعالى: ( ) [فصلت: ٢٧].

    أي: بشرّ أعمالهم وسيّئ أفعالهم، وهو الكفر والمعاصي، فإنها أسوأ ما كانوا يعملون؛ لكونهم يعملون المعاصي وغيرها، فالجزاء بالعقوبة، إنما هو على عمل الشرك ( ) [الكهف: ٤٩]100.

    وقوله تعالى: ( ﮟﮠ ) [الأعراف: ٤٠].

    وقوله تعالى: ( ﯩﯪ ﯮﯯ ) [فصلت: ٢٨].

    وقوله تعالى: ( ﯢﯣ ﯪﯫ ﯳﯴ ) [الأنعام: ١٥٧].

    الاستفهام هنا إنكاريٌّ، أي: وإذا كانت آيات الله مشتملةً على ما ذكر من البيّنة الكاملة والهداية الشّاملة والرّحمة الخاصّة والعامّة؛ فلا أحد أظلم ممّن كذّب بها وأعرض عنها، ولم يكتف بصدوفه عنها وحرمان نفسه منها، بل صدف النّاس، أي صرفهم وردّهم أيضًا101.

    قواعد في الجزاء

أولًا: الجزاء من جنس العمل:

  1. قال ابن القيم: «قد فطر اللّه سبحانه عباده على أنّ حكم النّظير حكم نظيره، وحكم الشّيء حكم مثله، وعلى إنكار التّفريق بين المتماثلين، وعلى إنكار الجمع بين المختلفين، والعقل والميزان الّذي أنزله اللّه سبحانه شرعًا وقدرًا يأبى ذلك؛ ولذلك كان الجزاء مماثلًا للعمل من جنسه في الخير والشّرّ...، فهذا شرع اللّه وقدره ووحيه وثوابه وعقابه كلّه قائمٌ بهذا الأصل، وهو إلحاق النّظير بالنّظير، واعتبار المثل بالمثل؛ ولهذا يذكر الشّارع العلل والأوصاف المؤثّرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدريّة والشّرعيّة والجزائيّة»102.

    ومن الآيات التي تحقق فيها معنى الجزاء من جنس العمل:

    قوله تعالى: ( ﭧﭨ ) [البقرة: ٢٢٦-٢٢٧].

    قال ابن القيم: «حتم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى رضى الزوجة والإحسان إليها بأنه غفور رحيم، يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه، والجزاء من جنس العمل، فكما رجع العبد إلى التي هي أحسن رجع الله إليه بالمغفرة والرحمة: ( ) فإن الطلاق لما كان لفظًا يسمع، ومعنى يقصد عقبه باسم «السميع» لما نطق به «العليم» بمضمونه»103.

    وقوله تعالى: ( ﯘﯙ ﯰﯱ ﯶﯷ ﯿ ) [الأنعام: ١٠٨-١١٠].

    قال ابن القيم: «هذا عطف على قوله: ( ) أي: نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون.

    واختلف في قوله: ( ) فقال كثير من المفسرين: المعنى نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة، قال ابن عباس: في رواية عطاء عنه: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم حتى يرجعوا إلى ما سبق عليهم من علمي، قال: وهذا كقوله: ( ) [الأنفال: ٢٤].

    وقال آخرون: المعنى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لتركهم الإيمان به أول مرة، فعاقبناهم بتقليب أفئدتهم وأبصارهم، وهذا معنى حسن، فإن كاف التشبيه تتضمن نوعًا من التعليل، كقوله: ( ) [القصص: ٧٧].

    وقوله: ( ) [البقرة: ١٥١-١٥٢].

    والذي حسن اجتماع التعليل والتشبيه الإعلام بأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر»104.

    وقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٥٦].

    قال ابن القيم: «فيه تنبيه ظاهر على أن فعل هذا المأمور به هو الإحسان المطلوب منكم، ومطلوبكم أنتم من الله هو رحمته القريبة من المحسنين، الذين فعلوا ما أمروا به من دعائه خوفًا وطمعًا، فقرب مطلوبكم منكم -وهو الرحمة- بحسب أدائكم لمطلوبه منكم، وهو الإحسان الذي هو في الحقيقة إحسان إلى أنفسكم.

    ( ) [الحديد: ٢٤].

    ( ) [الإسراء: ٧].

    وقوله: ( ) له دلالة بمنطوقه ودلالة بإيمائه وتعليله ودلالة بمفهومه، فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان، ودلالته بتعليله وإيمائه على أن هذا القرب مستحق بالإحسان فهو السبب في قرب الرحمة منهم، ودلالته بمفهومه على بعد الرحمة من غير المحسنين، فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة، وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم لأنها إحسان من الله أرحم الراحمين، وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته، وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة بعدًا ببعد وقربًا بقرب، فمن تقرب بالإحسان تقرب الله إليه برحمته ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته، والله سبحانه يحب المحسنين، ويبغض من ليس من المحسنين، ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه، ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه، والإحسان ها هنا هو فعل المأمور به، سواء كان إحسانًا إلى الناس أو إلى نفسه»105.

    وقوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٠].

    قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «( ) قال: هذا مرضٌ في الدّين، وليس مرضًا في الأجساد، وهم المنافقون، والمرض: الشّكّ الّذي دخلهم في الإسلام ( ) قال: زادهم رجسًا، وقرأ: ( ﭿ) [التوبة: ١٢٤-١٢٥].

    قال: شرًّا إلى شرّهم، وضلالةً إلى ضلالتهم».

    قال ابن كثير: «وهذا الّذي قاله عبد الرّحمن رحمه الله حسنٌ، وهو الجزاء من جنس العمل؛ وكذلك قاله الأوّلون، وهو نظير قوله تعالى أيضًا: ( ) [محمد: ١٧]»106.

    وقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٦٥].

    قال ابن كثير: «أي: فلمّا أبى الفاعلون المنكر قبول النّصيحة ( ) أي: ارتكبوا المعصية ( ) فنصّ على نجاة النّاهين، وهلاك الظّالمين، وسكت عن السّاكتين؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقّون مدحًا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيمًا فيذمّوا107.

    وقوله تعالى: ( ) [السجدة: ١٧].

    قال ابن كثير: «أي: فلا يعلم أحدٌ عظمة ما أخفى اللّه لهم في الجنّات من النّعيم المقيم، واللّذّات الّتي لم يطّلع على مثلها أحدٌ، لمّا أخفوا أعمالهم أخفى اللّه لهم من الثّواب، جزاءً وفاقًا؛ فإنّ الجزاء من جنس العمل»108.

    ومن الآيات الصريحة في هذا المعنى:

    قوله تعالى: ( ﯴﯵ ) [التوبة: ٧٩]109.

    وقوله تعالى: ( ﭕﭖ ) [طه: ١٢٦]110.

    وقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٥١]111.

    وقوله تعالى: ( ) [الجاثية: ٣٤]112.

    وقوله تعالى: ( ) [محمد: ٧]113.

    وقوله تعالى: ( ) [الحج: ٤٠]114.

    وقوله تعالى: ( ) [النساء: ١٤٢]115.

    ثانيًا: الجزاء بمقدار العمل:

    العدل في الجزاء غاية من غايات الخلق والإعادة، قال تعالى: ( ﮨﮩ ) [يونس: ٤]116.

    وقوله تعالى: ( ) [الشورى: ٤٠].

    فيه وجوب العدل في الجزاء، وعدم الاعتداء فيه.

    قال ابن أبي نجيح والحسن: «لو قال أخزاه الله فيقول له أخزاه الله»117.

    وبين تعالى أن الجزاء بمقدار العمل فقال: ( ﮗﮘ) [الطور: ٢١].

    أي: مرهون.

    قال الزمخشري: «كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به، كما يرهن الرجل عبده بدين عليه، فإن عمل صالحًا فكها وخلصها وإلا أوبقها»118.

    وقال تعالى: ( ) [الواقعة: ٢٤].

    أي: هذا الّذي أتحفناهم به مجازاةً لهم على ما أحسنوا من العمل119. فكما حسنت منهم الأعمال أحسن الله لهم الجزاء، ووفر لهم الفوز والنعيم120.

    وقال تعالى عن نعيم أهل الجنة: ( ) [الصافات: ٣٩].

    وقد دلّ كتاب الله في جملته وتفصيله على أنّ مدار النّجاة والفلاح على الإيمان والعمل الصّالح ( ) [النجم: ٣٩-٤١].

    ( ) [طه: ١٥].

    ( ) [النمل: ٩٠]121.

    وقال تعالى: ( ) [النحل: ١١١].

    ( ) كلٌّ يقول: نفسي نفسي، لا يهمه سوى نفسه، ففي ذلك اليوم يفتقر العبد إلى حصول مثقال ذرة من الخير.

    ( ) من خير وشر ( ) فلا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم ( ) [يس: ٥٤]122.

    ( ) لا ينقص من حسناتها ولا يزاد في سيئاتها ( ) من خير أو شر، فمن وجد خيرًا فليحمد الله على ذلك، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه123.

    وقال تعالى: ( ﭖﭗ ﭚﭛ ) [غافر: ١٧].

    قال ابن كثير: «قوله: ( ﭖﭗ ﭚﭛ ) يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه أنّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ من خيرٍ ولا من شرٍّ، بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها، وبالسّيّئة واحدةً؛ ولهذا قال: ( ) كما ثبت في صحيح مسلمٍ124 عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربّه عز وجل أنّه قال: (يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا) -إلى أن قال-: (يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها عليكم، ثمّ أوفّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)125.

    ولا تعارض بين أن الجزاء بمقدار العمل (العدل في الجزاء) وبين مضاعفة الجزاء:

    فالأصل في العدل أن يكون الجزاء السّيّئ على قدر الإساءة وتأثيرها في تدسية نفوس المسيئين، والجزاء الحسن على قدر الإحسان وتأثيره في أرواح المحسنين، ولكنّه تعالى برحمته وفضله يضاعف جزاء الحسنة عشرة أضعافٍ، ويزيد من يشاء ولا يضاعف السّيّئة، والآيات المفصّلة في هذا المعنى كثيرةٌ، وبها يفسّر المجمل126.

    فقوله الحق سبحانه: ( ) [هود: ٢٠].

    لا يتناقض مع قوله الحق: ( ) [الأنعام: ١٦٤].

    لأن هؤلاء الذين صدوا عن سبيل الله ليس لهم وزر واحد، بل لهم وزران: وزر الضلال في ذواتهم، ووزر الإضلال لغيرهم127.

    وقوله تعالى: ( ) [غافر: ٤٠].

    بزيادة تفضل؛ لأنه لو كان على مقدار العمل فقط لكان بحسابه128.

    وقال تعالى: ( ﭕﭖ ﭜﭝ ﭠﭡ ) [يونس: ٢٦].

    قال ابن كثير: «يخبر تعالى أنّ لمن أحسن العمل في الدّنيا بالإيمان والعمل الصّالح أبدله الحسنى في الدّار الآخرة، كما قال تعالى: ( ) [الرحمن: ٦٠].

    وقوله: () هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، وزيادةٌ على ذلك أيضًا، ويشمل ما يعطيهم اللّه في الجنان من القصور والحور والرّضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرّة أعينٍ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنّه زيادةٌ أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقّونها بعملهم، بل بفضله ورحمته، وقد روي تفسير الزّيادة بالنّظر إلى وجه اللّه الكريم عن أبي بكرٍ الصّدّيق، وحذيفة بن اليمان، وعبد اللّه بن عبّاسٍ، قال البغويّ: وأبو موسى، وعبادة بن الصّامت، وسعيد بن المسيّب، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى، وعبد الرّحمن بن سابطٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وعامر بن سعدٍ، وعطاءٌ، والضّحّاك، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، ومحمّد بن إسحاق، وغيرهم من السّلف والخلف، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرةٌ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم»129.

    وقال تعالى: ( ) [سبأ: ٣٧].

    قال ابن كثير: «( ) أي: ليست هذه دليلًا على محبّتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم، وفي الحديث أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن اللّه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)130.

    ولهذا قال: ( ) أي: إنّما يقرّبكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصّالح ( ) أي: تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ ( ) أي: في منازل الجنّة العالية آمنون من كلّ بأسٍ وخوفٍ وأذًى، ومن كلّ شرٍّ يحذر منه»131.

    ثالثًا: كل نفس تجازى عن نفسها:

    عدل الله يقتضي أن يحاسب الإنسان بعمله، وأن يسأل عن نفسه، فلا يرمي أحد ذنبه على أحد، كما قال تعالى: ( ) [لقمان: ٣٣].

    وحول هذه القضية تحدّث كثير من المستشرقين الذين يبحثون في القرآن عن مأخذ، فوقفوا عند هذه الآية: ( ) [الإسراء: ١٥].

    وقالوا: كيف نوفّق بينها وبين قوله: ( ) [العنكبوت: ١٣].

    وقوله تعالى: ( ﯟﯠ ﯦﯧ ) [النحل: ٢٥].

    ونقول: التوفيق بين الآية الأولى والآيتين الأخيرتين هيّن لو فهموا الفرق بين الوزر في الآية الأولى، والوزر في الآيتين الأخيرتين.

    ففي الأولى وزر ذاتيٌّ خاص بالإنسان نفسه، حيث ضلّ هو في نفسه، فيجب أن يتحمّل وزر ضلاله، أما في الآية الثانية فقد أضلّ غيره، فتحمّل وزره الخاص به، وتحمّل وزر من أضلّهم.

    ويوضّح لنا هذه القضية الحديث النبوي الشريف: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)132.

    مع الإطماع في الفضل والنعمة والتحذير من اليوم الذي يأتي وصفه: ( ) [البقرة: ٤٨].

    فالتبعة فردية والحساب شخصي، وكل نفس مسؤولة عن نفسها، ولا تغني نفس عن نفس شيئًا.

    وهذا هو المبدأ الإسلامي العظيم، مبدأ التبعة الفردية القائمة على الإرادة والتمييز من الإنسان، وعلى العدل المطلق من الله، وهو أقوم المبادئ التي تشعر الإنسان بكرامته، والتي تستجيش اليقظة الدائمة في ضميره، وكلاهما عامل من عوامل التربية فوق أنه قيمة إنسانية تضاف إلى رصيده من القيم التي يكرمه بها الإسلام133.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [البقرة: ٤٨].

    ( ) أي: واحذروا يومًا عظيمًا أمامكم سيقع فيه من الحساب والجزاء ما لا منجاة من هوله إلّا بتقوى الله في جميع الأحوال، ومراقبته في جميع الأعمال، فهو يومٌ لا تقضي فيه نفسٌ -مهما يكن قدرها عظيمًا- عن نفسٍ مهما يكن ذنبها صغيرًا شيئًا ما، كحمل وزرها أو تكفير ذنبها ( ﯣﯤ ) [فاطر: ١٨].

    وصف اليوم بهذا الوصف ولم يقل: يوم القيامة مثلًا؛ للإشعار بأنّ التّصرّف في ذلك اليوم والأمر كلّه للّه، فليس فيه ما اعتاد النّاس في هذه الدّنيا من دفاع بعضهم عن بعضٍ، وعبّر عن هذا المعنى في أوّل سورةٍ بقوله: ( ) [الفاتحة: ٤].

    ثمّ وصفه هنا بوصفٍ آخر يناسب الأوّل فقال: ( ﯿ ) [البقرة: ٤٨]134.

    فلمّا ذكّرهم اللّه تعالى بنعمه أولًا عطف على ذلك التّحذير من حلول نقمه بهم يوم القيامة فقال: ( ) يعني: يوم القيامة ( ) أي: لا يغني أحدٌ عن أحدٍ كما قال: ( ) [الأنعام: ١٦٤].

    وقال: ( ﯿ ) [عبس: ٣٤-٣٧].

    وقال: ( ) [الحج: ٢].

    وقال: ( ) [فاطر: ١٨].

    وقال: ( ) [المؤمنون: ١٠١].

    وقال: ( ) [لقمان: ٣٣].

    فهذه أبلغ المقامات: أنّ كلًّا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئًا135.

    وهؤلاء الذين يصدّون عن سبيل الله لن يجدوا وليًّا ولا نصيرًا في الآخرة، وإن وجدوه في الدنيا لأن كل إنسان في الآخرة سيكون مشغولًا بنفسه.

    إذن: فهؤلاء الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله لا يعجزون الله في الأرض، ولا يجدون الولي أو النصير في الآخرة 136.

    وقال تعالى: ( ﮝﮞ ) [البقرة: ٢٥٤].

    قال محمد رشيد رضا: «فسّروا فيه البيع بالافتداء وجعلوا فيه الخلّة والشّفاعة على ظاهرهما، أي أنفقوا فإنّ الإنفاق في سبيل الخير والبرّ -وهي سبيل الله- هو الّذي ينجيكم في ذلك اليوم الّذي لا ينجي الأشحّة الباخلين فيه من عذاب الله تعالى فداءٌ فيفتدوا منه أنفسهم، ولا خلّةٌ يحمل فيها خليلٌ شيئًا من أوزار خليله، أو يهبه شيئًا من حسناته، ولا شفاعةٌ يؤثر بها الشّفيع في إرادة الله تعالى ، فيحوّلها عن مجازاة الكافر بالنّعمة الباخل بالصّدقة المستحقّ للمقت والعقوبة بتدنيس نفسه وتدسيتها في الدّنيا، وهذا هو الوجه الّذي اختاره الأستاذ الإمام، فالآية بمعنى قوله تعالى في هذه السّورة: ( ﯿ ) [البقرة: ٤٨].

    فقوله: ( ) بمعنى نفي الخلّة هنا، والعدل: هو الفداء بالعوض، وهو بمعنى البيع المنفيّ هنا، ومثلها آية ( ) [البقرة: ١٢٣]»137.

    وقال تعالى: ( ) [إبراهيم: ٣١].

    قال ابن كثير: «المراد من هذا أنّه يخبر تعالى أنّه لا ينفع أحدًا بيعٌ ولا فديةٌ، ولو افتدى بملء الأرض ذهبًا لو وجده، ولا ينفعه صداقة أحدٍ ولا شفاعة أحدٍ إذا لقي اللّه كافرًا، قال اللّه تعالى: ( ) [البقرة: ١٢٣].

    وقال تعالى: ( ﮝﮞ ) [البقرة: ٢٥٤]»138.

    وقال تعالى: ( ) [فاطر: ١٨].

    أي: لا تحمل نفسٌ عن نفسٍ شيئًا، بل كلٌّ مطالبٌ بأمر نفسه139.

    وقال تعالى: ( ﯛﯜ ﯠﯡ ) [لقمان: ٣٣].

    أمر تعالى الناس بتقواه التي هي امتثال أوامره، وترك زواجره، ويستلفتهم لخشية يوم القيامة اليوم الشديد الذي فيه كل أحد لا يهمه إلا نفسه فـ ( ) لا يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته، قد تم على كل عبد عمله، وتحقق عليه جزاؤه.

    فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل مما يقوي العبد ويسهّل عليه تقوى الله، وهذا من رحمة الله بالعباد، يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم، ويعدهم عليها الثواب، ويحذرهم من العقاب، ويزعجهم إليه بالمواعظ والمخوفات، فلك الحمد يا رب العالمين.

    ( ) فلا تمتروا فيه، ولا تعملوا عمل غير المصدق، فلهذا قال: ( ) بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن ( ) الذي هو الشيطان الذي ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات، فإن لله على عباده حقًّا، وقد وعدهم موعدًا يجازيهم فيه بأعمالهم، وهل وفوا حقه أم قصروا فيه؟!

    وهذا أمر يجب الاهتمام به، وأن يجعله العبد نصب عينيه، ورأس مال تجارته التي يسعى إليها140.

    قال ابن كثير: «يقول تعالى منذرًا للنّاس يوم المعاد، وآمرًا لهم بتقواه والخوف منه، والخشية من يوم القيامة حيث ( ) أي: لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه، وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يتقبّل منه.

    ثمّ عاد بالموعظة عليهم بقوله: ( ) أي: لا تلهينّكم بالطّمأنينة فيها عن الدّار الآخرة ( ) يعني: الشّيطان»141.

    موضوعات ذات صلة:

    الثواب، الجنة، الحساب، العمل، الكسب، النار


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٥٥- ٤٥٦.

2 العين، الفراهيدي ٦/١٦٤.

3 الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٠٢.

4 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصّوم على الحائض دون الصّلاة، رقم ٣٣٥.

5 أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العيدين، باب الأكل يوم النّحر، رقم ٩٥٥.

6 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ٥٨، لسان العرب، ابن منظور ١٤/١٤٣- ١٤٤، المصباح المنير، الفيومي ١/١٠٠، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١٢٧٠، تاج العروس، الزبيدي ٣٧/٣٥١-٣٥٦، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٢١- ١٢٢.

7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ١٩٥، التوقيف، المناوي، ص ١٢٥.

8 دستور الأخلاق في القرآن ص٢٤٥.

9 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ١٦٨- ١٧٠، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص ٣٨٩-٣٩١.

10 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٣٨٠.

11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٩٣، النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ١/٢٢٧، مختار الصحاح، الرازي ص٩٠، لسان العرب، ابن منظور ١/٢٤٣. القاموس المحيط، الفيروزآبادي ١/٦٤، المصباح المنير، الفيومي ١/٨٧ تاج العروس، الزبيدي ٢/١٠٣.

12 الكليات، الكفوي ص٣٢٨.

13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٧٧.

14 الكليات، الكفوي ص٦٥٤.

15 كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي ٢/١١٩٢.

16 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢ / ٨٧، الصحاح، الجوهري ١ / ١١٠، تاج العروس، الزبيدي ٢ / ٢٦٨، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١ / ١٧١.

17 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٣٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروز آبادي ٢ / ٤٦٠، التوقيف، المناوي ص ١٣٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣ / ١٣٠، الموسوعة القرآنية، إبراهيم الأبياري ٨ / ١٣١.

18 الكليات، الكفوي ص٥٣٤.

19 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥٢.

20 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٧٩.

21 أخرجه الطبري في تفسيره ٦/١٠٩.

22 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٢٦٨ غرائب القرآن، النيسابوري ١/١٣٨.

23 الكليات، الكفوي ص٢٩٩.

24 رجحن: ارجحن الشئ: مال، ونخل مراجيح ومواقير: ثقال الأحمال ومن المجاز: هذه رحى مرجحنّة للسحابة المستديرة الثقيلة، ويقال: فلان في دنيا مرجحنّة أي: واسعة كثيرة.

انظر: الصحاح، الجوهري ٥/٢١٢١، تهذيب اللغة، الأزهري ٥/٢٠٢.

25 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٧٩.

26 تفسير القرآن العظيم ٨/٣٠٨.

27 المصدر السابق ٨/٣٠١.

28 الكليات، الكفوي ص٥٣، ٦٦٧.

29 المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤١١.

30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٣١.

31 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٠٥١.

32 المنار ٧/٤٨٩.

33 تفسير القرآن العظيم ٤/٣٧٨.

34 تفسير القرآن العظيم ٧/٣٦.

35 المصدر السابق ٧/٣٠.

36 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٠٧.

37 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٠١.

38 المصدر السابق ٤/٥٦٨.

39 تيسير الكريم الرحمن ص٤٣٩.

40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب فضل الزّرع والغرس إذا أكل منه، رقم ٢٣٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزّرع، رقم ١٥٥٣.

41 تفسير الشعراوي ١٣/٧٨٨٦.

42 تفسير القرآن العظيم ٧/٨٩.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصّلاة وفضل المساجد، رقم ٦٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الزّكاة، باب فضل إخفاء الصّدقة، رقم ١٠٣١.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب جيب القميص من عند الصدر وغيره، ٧/١٤٣، رقم ٥٧٩٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب مثل المنفق والبخيل، ٢/٧٠٨، رقم ١٠٢١.

45 البيتان لصالح بن عبد القدوس.

انظر: روضة العقلاء، أبو حاتم البستي ص ٢٢٧، أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ١٨٤، ولم نجدهما في ديوانه.

46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤١٩.

47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧٠٧.

والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، بابٌ ما جاء إنّ الأعمال بالنّيّة والحسبة، رقم ٥٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الوصيّة، باب الوصيّة بالثّلث، رقم ١٦٢٨.

48 حيث قال: «فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر» .

انظر: زاد المعاد ٢/٢٢.

49 تفسير القرآن الكريم، الفاتحة والبقرة ، ابن عثيمين، ٣/٣٧٢- ٣٧٣.

50 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٢٦، ٢٢٧ المنار، محمد رشيد رضا ١٠/٤٦٨ تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٨٧.

51 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٥٩.

52 في ظلال القرآن ٣/١٧٦٩.

53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٨٦.

54 تفسير الشعراوي ٥/٣٠٧٦.

55 المنار، محمد رشيد رضا ٦/٢٨٤.

56 تفسير القرآن العظيم ٨/٧٦.

57 تيسير الكريم الرحمن، ص٨٥٣.

58 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠١٩.

59 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠٤.

60 معاني القرآن، النحاس ٣/٣٠.

61 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٨/١١٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٧٥، تفسير الشعراوي ٧/٣٩٦٢.

62 تفسير القرآن العظيم ٣/٤٧٧، ٤٧٨.

63 تفسير الشعراوي ٧/٤٣٦٨.

64 انظر: سورة الأنعام ١٤٦.

65 انظر: سورة البقرة ٨٥.

66 انظر: سورة البقرة ١٩١، وسورة التوبة ٢٦، وسورة القمر ١٤، وسورة سبأ ١٧.

67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، رقم ٣٤٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب قطع السّارق الشّريف وغيره، والنّهي عن الشّفاعة في الحدود، رقم ١٦٨٨.

68 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب ترك الشّفاعة للسّارق إذا بلغ السّلطان، ٢/٨٣٤، وأحمد في المسند، ٢٤/١٥، رقم ١٥٣٠٣.

وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٧/٣٤٥، رقم ٢٣١٧.

69 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السّلطان، رقم ٤٣٧٦، والنسائي في سننه، كتاب قطع السّارق، باب ما يكون حرزًا وما لا يكون، ٨/٧٠.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع ١/٥٦٨، رقم ٢٩٥٤.

70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حدّ الزّنا، رقم ١٦٩٠.

71 دستور الأخلاق في القرآن، محمد بن عبد الله دراز ص٢٦٢- ٢٦٥.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، رقم ١٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، رقم ٦٥.

73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٩٢.

74 مدارج السالكين ١/٣٩٦.

75 المنار، محمد رشيد رضا ٧/٨٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٤٤.

76 سبل السلام، الصنعاني ٢/٤٢٦.

77 فتح الباري، ابن حجر ١/٦٦.

78 مرعاة المفاتيح، المباركفوري ١/٧٩.

79 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٤.

80 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٨٩.

81 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١٦٥.

82 انظر: البرهان، الزركشي ٣/٢٢٢، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ٣/١٨٥.

83 تفسير القرآن العظيم ١/٤٩٢.

84 المنار، محمد رشيد رضا ٢/١٧١.

85 تفسير الشعراوي ٢/٨٢٩.

86 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٨٩.

وانظر: السراج المنير، الشربيني ٢/٢٧٢.

87 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٦٠٥.

88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب استحباب العفو والتّواضع، رقم ٢٥٨٨.

89 تفسير القرآن العظيم ٧/٢١١.

90 المصدر السابق ٤/٥٦٨.

91 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣٧٠.

92 المصدر السابق.

93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنّة وأنّها مخلوقةٌ، رقم ٣٢٤٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٢٨٢٤.

94 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥٥.

95 المصدر السابق ٦/٩٨.

96 تفسير القرآن العظيم ٤/٤٤٩.

97 المنار، محمد رشيد رضا ٤/٢٢١.

98 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، يدخل الله أهل الجنة الجنة يدخل من يشاء برحمته، رقم ١٨٥.

99 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٥٢.

100 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٧٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٨.

101 المنار، محمد رشيد رضا ٨/١٨٢.

102 إعلام الموقعين، ١/١٥٠.

103 التفسير القيم، ابن القيم ص١٤٩.

104 المصدر السابق ص٢٤٢.

105 التفسير القيم، ابن القيم ص٢٦٦.

وانظر: المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤١٠.

106 تفسير القرآن العظيم، ١/١٧٩.

107 تفسير القرآن العظيم، ٣/٤٩٤.

وانظر: محاسن التأويل القاسمي ٥/٢١٣.

108 تفسير القرآن العظيم، ٦/٣٦٥.

109 انظر: المصدر السابق ٤/١٨٨.

110 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٢٤، محاسن التأويل، القاسمي ٧/١٦٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥١٦.

111 انظر المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣٩٢.

112 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٧٨.

113 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣١٠.

114 انظر: المصدر السابق.

115 انظر المنار، محمد رشيد رضا ١/١٢٦.

116 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٧٦٤.

117 الإكليل في استنباط التنزيل، السيوطي ص٢٣٠.

118 الكشاف ٤/٤١١.

وانظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٦/١٩٤.

119 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٢٤.

120تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٣٣.

121 المنار، محمد رشيد رضا ٦/٣١١.

122 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٥٠.

123 المصدر السابق ص٦٩٧.

124 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ٤/١٩٩٤، رقم ٢٥٧٧.

125 تفسير القرآن العظيم ٧/١٣٦.

126 المنار، محمد رشيد رضا ٣/١١٧.

127 تفسير الشعراوي ١٠/٦٤٠٩.

128 تفسير ابن فورك ٢/٣٦٠.

129 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٦٢.

130 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله، رقم ٢٥٦٤.

131 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٢٢.

132 تفسير الشعراوي ١٤/٨٤١٧.

والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزّكاة، باب الحثّ على الصّدقة ولو بشقّ تمرةٍ، رقم ١٠١٧.

133 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٧٠.

134 المنار، محمد رشيد رضا ١/٢٥٣.

135 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٥٦، ٨/٢٢٥، تفسير الشعراوي ١٠/٦٤٠٨.

136 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٠٤.

137 تفسير المنار ٣/١٥.

138 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥١٠.

139 المصدر السابق٧/٨٧.

140 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٥٢.

141 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٥١.