عناصر الموضوع
الجنة
أولًا: المعنى اللغوي:
الجنة في اللغة: من (جن) الجيم والنون أصل واحد، وهو الستر والتستر، جنّة مفرد وجمعها جنّات وجنان: وهي ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستور عنهم اليوم، والجنة البستان؛ لأن الشجر بورقه يستر، والعرب تسمّي النخيل جنّةً، وتأتي من الاجتنان وهو الستر، لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها، وسميت بالجنة وهي المرة الواحدة من مصدر جنّه جنًّا إذا ستره، فكأنها سترة واحدة؛ لشدة التفافها وإظلالها، والجنة: الحديقة ذات الشجر والنخل، وفيها تخصيص، ويقال للنخل وغيرها، ويقال: لا تكون الجنة في كلام العرب إلا وفيها نخل وعنب، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة1.
وعرفها الراغب الأصفهاني بأنها: «كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض»2.
وسميت البساتين والحدائق التي نراها في الأرض بالجنة لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [سبأ: ١٥].
وعلى هذا فإن لفظ الجنة إذا جاء في القرآن الكريم مرتبطًا بالأرض أو مخصصًا بنخل أو فاكهة فيقصد به الحدائق والبساتين، وإن لم يوجد ما يخصصه فإنما يعني دار النعيم في الآخرة.
ويتضح من المعنى اللغوي للجنة أنها المكان الواسع كثير الأشجار والنخيل ملتف الأغصان ويستر من بداخله، وهو المسمى بالبستان، وسميت الجنة جنةً لاستتار من دخل فيها عمن لم يدخل فيها.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الجنة في الاصطلاح: «الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين»3.
وقيل: هي دار الثواب، يدخلها المؤمنون ويخلدون فيها أبدًا ليس فيها حر ولا برد ولا مرض ولا حاجة ولا موت، أعلاها وأفضلها الفردوس، وفوقها عرش الرحمن، ومنها تنفجر أنهار الجنة، فجنة المأوى، فجنة الخلد، فجنة النعيم، فجنة عدن، فدار السلام، فدار الجلال، وأبوابها الكبار ثمانية: باب الشهادتين، وباب الصلاة، وباب الصيام، وباب الزكاة، وباب الحج، وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وباب الصلة، وباب الجهاد في سبيل الله، ومن داخلها عشرة أبواب صغار، وهي سبع جنان متجاورة أوسطها وأفضلها الفردوس.
ويتضح مما تقدم أن الجنة دار النعيم والثواب ادخره الله تعالى لعباده المؤمنين وأهل طاعته وهو مستور عنهم، جزاء لهم على إيمانهم الصادق وعملهم الصالح، وسميت بأسماء متعددة في القرآن، منها: جنة المأوى، وجنة عدن، ودار الخلد، والفردوس، ولها أبواب ثمانية.
وردت مادة (جنن) في القرآن(٢٠١) مرة، منها (١٤٧) مرة للجنّة4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
المفرد |
٧٠ |
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة: ٣٥] |
المثنى |
٨ |
(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الكهف: ٣٣] |
الجمع |
٦٩ |
(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [التوبة: ٧٢] |
وجاءت لفظة الجنّة في الاستعمال القرآني على وجهين5:
الأول: البستان في الدنيا: ومنه قوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [القلم: ١٧]، أي: أصحاب البستان.
الثاني: دار الثواب: ومنه قوله تعالى: (ﭐﭸ ﭹ ﭺ) [الشعراء: ٩٠].
النار:
النار لغة:
«النّون والواو والرّاء، أصلٌ صحيحٌ يدلّ على إضاءةٍ واضطرابٍ وقلّة ثباتٍ، ومنه النّور والنّار، سمّيا بذلك من طريقة الإضاءة؛ ولأنّ ذلك يكون مضطربًا سريع الحركة»6.
النار اصطلاحًا:
«الدار التي أعدها الله للكافرين به، المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذّب به أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر، والخسران العظيم الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه»7.
وقيل: «هي دار العذاب والإهانة، أعدّها الله لأعدائه الكافرين الذين كفروا به وعصوا رسله»8.
الصلة بين النار والجنة:
الجنة دار النعيم المقيم، والنار دار العذاب الأليم.
لا شك أن القرآن الكريم تحدث عن الجنة وأوصافها وأهلها وأسمائها وأبوابها ودرجاتها وعددها وقصورها وأنهارها وغرفها وخيامها ومساكنها وأشجارها وثمارها وعيونها، وكل ما يتعلق بها، فلا تكاد تخلو سورة من بيان للجنة وذلك لأن كل ما عظم شأنه تعددت صفاته وكثرت أسماؤه فهي دار الخلود والبقاء، وأن الله تعالى قد أعدها ووعد بها عباده المؤمنين، وبشر بها من أطاعه فيما أمر، وانتهى عما نهى عنه وزجر، وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة.
ففي الكتاب وردت آيات كثيرة بشأنها تتحدث عنها تصريحًا أو تلميحًا، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النساء: ٥٧].
ومن السنة ما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [السجدة: ١٧])9.
ودلالة الحديث واضحة في بيان ما أعده الله تعالى لعباده الصالحين من النعيم الدائم في الجنة، مما تقصر عقول البشر عن إدراكه أو الإحاطة به.
وهؤلاء العباد الذين يدخلون الجنة هم كل موحد، كما صح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)10.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)11.
وذكرت الآيات القرآنية فضلًا عن وجود الجنة بقاءها وأبديتها ودوام نعيمها وخلود أهلها، كما في قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النساء: ٥٧].
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الكهف: ١٠٧- ١٠٨].
ودلالة هذه الآيات واضحة بأن المتقين في الجنة خالدون، لا يذوقون فيها الموت، ولا يخرجون منها أبدًا.
وفي السنة ما صح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم)12.
وما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه)13.
وما صح من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا) فذلك قوله عز وجل: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأعراف: ٤٣])14.
ثم أننا نجد كثيرًا من الآيات حثت الناس على المسابقة إلى تلك الجنة ونعيمها والفوز بها؛ وذلك بالإيمان والعمل الصالح.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الحديد: ٢١].
والتحقيق أن الجنة لا تنال بالعمل الصالح، وإنما السبب الحقيقي لدخولها هو رحمة الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدًا عمله الجنة) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت: إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب)15.
ويتضح مما تقدم أن الجنة دار الله تعالى أعدها لعباده المؤمنين، وجعل فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال أحد من النعيم الدائم غير المنقطع، والخلود لأهلها وعدم فنائها، وأن العمل الصالح لا يكفي لدخول الجنة؛ لأن دخولها برحمة الله عز وجل، وكذلك النار وأهلها، لا يدركهم الموت ولا يلحقهم الفناء.
تحدث القرآن الكريم عن الجنة في آيات كثيرة، وكل ما يتعلق بها من صفات وأسماء ودرجات وغير ذلك، وذكر الجنة بصيغ مختلفة، وخصها عن الجنات التي على الأرض وأن تشابهت الأسماء، إلا أن الجنات التي تكلم عنها القرآن الكريم تختلف عن جنات الأرض المتعارف عليها من حدائق وبساتين.
وفي هذا المبحث سنلقي الضوء على ماهية الجنة التي كان فيها آدم وزوجه عليهما السلام من خلال قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة: ٣١].
قال ابن كثير: «يقول الله تعالى إخبارًا عما أكرم به آدم عليه السلام: بعد أن أمر الملائكة بالسجود له، فسجدوا إلا إبليس: إنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء، ويأكل منها ما شاء رغدًا، أي: هنيئًا واسعًا طيبًا»16.
واختلف في قوله تعالى: (ﯗ)، هل هو أمر تكليف أو إباحة؟
قال قتادة رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: «إن الله تعالى ابتلى آدم بإسكان الجنة كما ابتلى الملائكة بالسجود؛ وذلك لأنه كلفه بأن يكون في الجنة يأكل منها حيث شاء ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها، فما زالت به البلايا حتى وقع فيما نهي عنه، فبدت سوأته عند ذلك، وأهبط من الجنة وأسكن موضعًا يحصل فيه ما يكون مشتهى له، مع أن منعه من تناوله من أشد التكاليف»17.
وقيل: «إن ذلك إباحة؛ لأن الاستقرار في المواضع الطيبة النزهة التي يتمتع فيها يدخل تحت التعبد، كما أن أكل الطيبات لا يدخل تحت التعبد ولا يكون قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف: ١٦٠]أمرًا وتكليفًا بل إباحة، والأصح أن ذلك الإسكان مشتمل على ما هو إباحة، وعلى ما هو تكليف، أما الإباحة فهو أنه عليه الصلاة والسلام كان مأذونًا في الانتفاع بجميع نعم الجنة، وأما التكليف فهو أن المنهي عنه كان حاضرًا وهو كان ممنوعًا عن تناوله، قال بعضهم: لو قال رجل لغيره: أسكنتك داري، لا تصير الدار ملكًا له، فههنا لم يقل الله تعالى: وهبت منك الجنة، بل قال: أسكنتك الجنة، وإنما لم يقل ذلك لأنه خلقه لخلافة الأرض، فكان إسكان الجنة كالتقدمة على ذلك18.
واختلف أيضًا في الجنة التي أسكنها آدم، هل كانت في الأرض أو في السماء؟ وهل هي جنة الخلد أو جنة أعدت لهما؟
القول الأول: قال أبو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصفهاني: هذه الجنة كانت في الأرض، وحملا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة، كما في قوله تعالى: (ﯜ ﯝ) [البقرة: ٦١].
واحتجا عليه بوجوه19:
أحدها: أن هذه الجنة لو كانت هي دار الثواب لكانت جنة الخلد، ولو كان آدم في جنة الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [طه: ١٢٠].
ولما صح قوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الأعراف: ٢٠].
وثانيها: أن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الحجر: ٤٨].
وثالثها: أن إبليس لما امتنع عن السجود لعن فما كان يقدر مع غضب الله على أن يصل إلى جنة الخلد.
ورابعها: أن الجنة التي هي دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ) [الرعد: ٣٥].
ولقوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) إلى أن قال: (ﰌ ﰍ ﰎ) [هود: ١٠٨] أي: غير مقطوع، فهذه الجنة لو كانت هي التي دخلها آدم عليه السلام لما فنيت، لكنها تفنى لقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [القصص: ٨٨].
ولما خرج منها آدم عليه السلام، لكنه خرج منها وانقطعت تلك الراحات.
وخامسها: أنه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدئ الخلق في جنة يخلدهم فيها ولا تكليف؛ لأنه تعالى لا يعطي جزاء العاملين من ليس بعامل، ولأنه لا يهمل عباده بل لا بد من ترغيب وترهيب ووعد ووعيد.
وسادسها: لا نزاع في أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام في الأرض، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء، ولو كان تعالى قد نقله إلى السماء لكان ذلك أولى بالذكر؛ لأن نقله من الأرض إلى السماء من أعظم النعم، فدل ذلك على أنه لم يحصل، وذلك يوجب أن المراد من الجنة التي قال الله تعالى له: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) جنة أخرى غير جنة الخلد20.
وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها، وهذا لا يمتنع، إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثابًا لا يخرج منها، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل، ولا ورد سمع بأنه لا يخرج منها21.
القول الثاني: وهو قول الجبائي: أن تلك الجنة كانت في السماء السابعة والدليل عليه قوله تعالى: (ﭒ ﭓ) [البقرة: ٣٨].
ثم إن الإهباط الأول كان من السماء السابعة إلى السماء الأولى، والإهباط الثاني كان من السماء إلى الأرض22.
القول الثالث: أن هذه الجنة هي دار الثواب، والدليل عليه: أن الألف واللام في لفظ الجنة لا يفيدان العموم؛ لأن سكنى جميع الجنان محال، فلا بد من صرفها إلى المعهود السابق، والجنة التي هي المعهودة المعلومة بين المسلمين هي دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إليها23.
والقول الرابع: أن الكل ممكن والأدلة النقلية ضعيفة ومتعارضة؛ فوجب التوقف وترك القطع، والله أعلم24.
وقيل: أن جنة المأوى هي الجنة التي آوى إليها آدم عليه السلام إلى أن أخرج منها وهي في السماء السابعة25.
وعلى أية حال؛ فمهما تعددت الأقوال في بيان موضع تلك الجنة وتعيينها يبقى الأمر ظنيًّا لا قطعيًّا ولا ينبغي الجزم بكونها في الأرض أو في السماء؛ لأن الله تعالى لم يذكر مكانها فلا يوجد دليل قطعي على ذلك، ثم لا يترتب على معرفتها أو تحديدها حكم ؛ لذلك نؤمن بأنها جنة كان فيها آدم وحواء عليهما السلام، وإن فيها رغد العيش.
وردت في القرآن الكريم أسماء كثيرة للجنة اقترنت بعدة صفات، ولها درجات يتفاوت بها أهل الجنة على قدر إيمانهم وأعمالهم الصالحة، وذلك من رحمة الله تعالى وتوفيقه لعباده المؤمنين، وفضله من إنعامه وتفضله، لذا سنبين في هذا المبحث بعض أسماء الجنة ومعانيها ودرجاتها من خلال ما يأتي:
أولًا: أسماء الجنة:
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم الجنة بعدة أسماء، منها:
١. دار السلام.
وهي دار الله التي أعدّها لأوليائه في الآخرة، جزاءً لهم على ما أبلوا في الدنيا في ذات الله، وهي جنته، والسلام: اسم من اسماء الله تعالى، وسميت الجنة بهذا الاسم لأن أنواع السلامة حاصلة فيها بأسرها26.
ووصف الله تعالى الجنة بأنها دار السلام في موضعين هما:
الأول: قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنعام: ١٢٧].
وقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ) وهي: الجنة، أي يوم القيامة. وإنما وصف الله الجنة هاهنا بدار السلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم، المقتفي أثر الأنبياء وطرائقهم، فكما سلموا من آفات الاعوجاج أفضوا إلى دار السلام، (ﮂ ﮃ) أي: والسلام - وهو الله - وليهم، أي: حافظهم وناصرهم ومؤيدهم، (ﮄ ﮅ ﮆ) أي: جزاء على أعمالهم الصالحة تولاهم وأثابهم الجنة، بمنه وكرمه27.
الثاني: قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يونس: ٢٥].
ودار السلام في الآية الكريمة: «هي الجنة، أضافها إلى اسمه تعظيمًا لها، أو السلام والسلامة: لأن أهلها سالمون من كل مكروه، وقيل: لفشوّ السلام بينهم، وتسليم الملائكة عليهم (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)»28.
ولا تعارض بين اسم الله تعالى السلام والجنة التي سميت بدار السلام؛ لقول قتادة رحمه الله تعالى: «الله هو السلام، والدار الجنة»29.
ويتضح مما تقدم أن الله تعالى قد بشّر عباده المؤمنين بدار السلام وهي الجنة والدعوة على وجه العموم، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى، وفي هذه الدار لا يوجد إلا الأمن والأمان، والسلامة من كل مكروه، من الآفات والبلايا والهموم، ومشاق الحياة الدنيا، لذلك وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين والصالحين.
٢. جنة الخلد.
وهي الجنة التي لا ينقطع نعيمها، التي وعدها الله المتقين من عباده، التي أعدها لهم، وجعلها لهم جزاء على ما أطاعوه في الدنيا، وجعل مآلهم إليها30.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الفرقان: ١٥].
أي: «قل لهؤلاء المكذبين تهكمًا بهم وتحسيرًا لهم على مافاتهم: أهذه النار التي وصفت لكم خير أم جنة الخلد التي يدوم نعيمها ولا يبيد، وقد وعدها من اتقاه فى الدنيا بطاعته فيما به أمره ونهاه، ثم حقق أمرها تأكيدًا للبشارة بقوله: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) أي: كانت هذه الجنة لهم جزاء أعمالهم فى الدنيا بطاعته، وثوابًا لهم على تقواه، ومرجعًا لهم ينتقلون إليه فى الآخرة»31.
والآية الكريمة تبين وعد الله تعالى وبشارته لعباده المؤمنين بجنة الخلد التي لهم فيها ما يشتهون، وهم فيها خالدون أبدًا بلا انقطاع ولا زوال.
٣. دار المقامة.
هي دار الإقامة وهي الجنة.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [فاطر: ٣٥].
أي: دار الإقامة، لما ذكر الله تعالى سرورهم وكرامتهم بتحليتهم وإدخالهم الجنات؛ بين سرورهم ببقائهم فيها، وأعلمهم بدوامها، حيث قالوا: الذي أحلنا دار المقامة أي: الإقامة، وفي قوله: دار المقامة إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل عنها إلى منزلة القبور، ومنها إلى منزلة العرصة التي فيها الجمع ومنها التفريق، والجنة دار المقامة، وكذلك النار لأهلها، وقولهم من فضله أي: بحكم وعده، لا بإيجاب من عنده32.
وقوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، أي: لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء، والنصب واللغوب: كل منهما يستعمل في التعب، وكأن المراد ينفي هذا وهذا عنهم: أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم، فمن ذلك أنهم كانوا يدئبون أنفسهم في العبادة في الدنيا، فسقط عنهم التكليف بدخولها، وصاروا في راحة دائمة مستمرة33.
ويتضح مما تقدم أن دار المقامة هي الجنة التي وعدها الله تعالى لعباده المؤمنين، ولم تذكر هذه التسمية للجنة في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في الآية المتقدمة.
٤. جنات عدن.
العدن: «الإقامة، يقال: عدن بالمكان، إذا أقام به»34، وقيل: العدن: الاستقرار35.
قال البيضاوي رحمه الله: «والعدن: الإقامة، أي: جنات يقيمون فيها، وقيل: هو بطنان الجنة»36.
وذكر الله تعالى جنات عدن في أحد عشر موضعًا في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الرعد: ٢٣].
وقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النحل: ٣١].
حيث يخبر الله تعالى في هذه الآيات وغيرها: أن مأوى هؤلاء المصطفين من عباده، الذين أورثوا الكتاب المنزل من رب العالمين يوم القيامة (ﮍ ﮎ)، أي: جنات الإقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على ربهم، عز وجل37.
وذكر (ﮏ)، لاستحضار الحالة البهيجة، وذلك زيادة الإكرام بأن جعل أصولهم وفروعهم وأزواجهم المتأهلين لدخول الجنة لصلاحهم؛ في الدرجة التي هم فيها، فمن كانت مرتبته دون مراتبهم لحق بهم، ومن كانت مرتبته فوق مراتبهم لحقوا هم به، فلهم الفضل في الحالين38.
ويذكر الإمام الماوردي رحمه الله في تفسيره خمسة آراء مختلفة للعلماء في جنات عدن:
الأول: أنها جنات خلود وإقامة، ومنه سمي المعدن لإقامة جوهره فيه، وهذا مروي عن ابن عباس39.
الثاني: أن جنات عدن هي جنات كروم وأعناب بالسريانية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا40.
الثالث: أن عدن اسم لبطنان الجنة، أي: وسطها، قاله عبد الله بن مسعود.
الرابع: أن عدن اسم قصر في الجنة، قاله عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن.
الخامس: أن جنة عدن في السماء العليا لا يدخلها إلا نبيّ أو صديق أو شهيد أو إمام عدل. وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين، رواه معاذ بن جبل مرفوعًا.
وعلى الرغم من تعدد الأقوال في جنات عدن إلا أنها لا دليل عليها من الأدلة النقلية والعقلية، وأن جنات عدن اسم يدل على الجنة ذكر في القرآن الكريم وهي دار الإقامة والخلود أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين، ولا يوجد دليل قطعي يؤكد أن جنات عدن هي قصر أو نهر في الجنة، وأما القول بأنها لفظ سرياني فهذا يخالف قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الشعراء: ١٩٥].
٥. دار الحيوان.
هي الجنة دار الحياة؛ أي لا موت فيها، قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العنكبوت: ٦٤].
أي: ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة خالدة لا موت فيها، فكأنها في ذاتها حياة، والحيوان: مصدر حي، وقياسه حييان، فقلبت الياء الثانية واوًا، وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة، ولذلك اختير عليها ها هنا، وبه سمي ما فيه حياة: حيوانًا41.
قال الراغب الأصفهاني: «وقد نبه بقوله تعالى: ( ﭜ ﭝ) أن الحيوان الحقيقي السرمدي الذي لا يفنى، لا ما يبقى مدة ثم يفنى، وقال بعض أهل اللغة: الحيوان والحياة واحد، وقيل: الحيوان: ما فيه الحياة، والموتان ما ليس فيه الحياة، والحيا: المطر، لأنه يحيي الأرض بعد موتها، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأنبياء: ٣٠]»42، وقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ) أي: «لآثروا ما يبقى على ما يفنى»43.
ويتضح مما تقدم أن دار الحيوان هي دار الجنة التي لا تفنى ولا تزول، ولا يقع فيها موت لأحد. ولم تذكر تسمية دار الحيوان إلا في هذه الآية المتقدمة.
٦. جنة المأوى.
هي نوع من الجنان، وأضيفت الجنان إلى المأوى لأنها المأوى والمسكن الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة.
وقيل: المأوى علم لمكان مخصوص من الجنان كعدن، وقيل: جنة المأوى لما روي عن ابن عباس، أنها تأوي إليها أرواح الشهداء، وروي أنها عن يمين العرش ولا يخفى ما في جعله علمًا من البعد وأيًّا ما كان فلا يبعد أن يكون فيه رمز إلى ما ذكر من تجافيهم عن مضاجعهم التي هي مأواهم في الدنيا44.
وورد ذكر هذه الجنة في القرآن الكريم في موضعين: في قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [السجدة: ١٩].
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النجم: ١٥].
ووصف الجنة في آية أخرى بقوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النازعات: ٤١].
والمأوى: اسم مكان45 تدل على الاستقرار في مكان، سواء كان في الجنة أو غيرها.
قال الإمام السيوطي: «هي اسم لجميع الجنان، يدلّ عليه قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [السجدة: ١٩].
والجنة اسم الجنس، فمرة يقال جنة، ومرة يقال جنات، فكذلك جنات عدن، وجنة عدن»46.
٧. الفردوس.
وردت كلمة الفردوس مرتين في القرآن الكريم في قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الكهف: ١٠٧].
وقوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المؤمنون: ١١].
يخبر تعالى في الآيتين الكريمتين عن عباده السعداء، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوهم فيما جاؤوا به بأن لهم جنات الفردوس، أما أصل كلمة الفردوس فقد اختلف في لفظه على أربعة أقاويل:
الأول: أنه عربي، وقد ذكرته العرب في شعرها، قاله ثعلب47.
الثاني: أنه بالرومية، قاله مجاهد48.
الثالث: أنه بالنبطية، فرداسًا، قاله السدي49.
الرابع: بالسريانية، قاله أبو صالح50.
وقيل في أصل كلمة الفردوس: أنه رومي أعرب، وهو البستان، والعرب تعرفه وتسمي الموضع الذي فيه كرم (فردوسًا)، قال الزجاج: وقيل الفردوس الأودية التي تنبت ضروبًا من النبت، وقيل: هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية51.
ويرجح بعض الباحثين أن تكون كلمة الفردوس معربة عن الرومية، أي اليونانية، وعزا سبب ذلك إلى انتشارها على لسان أهل الشام أكثر من غيرهم52، وللعلماء آراء في معنى كلمة الفردوس، منها:
أحدها: أن الفردوس وسط الجنة وأطيب موضع فيها، قاله قتادة 53.
الثاني: أنه أعلى الجنة وأحسنها، رواه سمرة بن جندب مرفوعًا54.
الثالث: أنه البستان بالرومية، قاله مجاهد55.
الرابع: أنه البستان الذي جمع محاسن كل بستان، قاله الزجاج56.
الخامس: أنه البستان الذي فيه الأعناب، وليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس، وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، قاله كعب57.
والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة58).
ويتضح مما تقدم أن للجنة أسماء متعددة ذكرها القرآن الكريم لتنوع صفاتها، وكلها تدل على النعيم، لذا يرى ابن القيم رحمه الله أن هذه الأسماء متعددة باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات، فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه59.
ثانيًا: درجات الجنة:
لا شك أن الجنة التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين لها درجات متفاوتة بحسب الإيمان والأعمال الصالحة، لذلك بيّن الله تعالى هذه الدرجات التي يرتقي فيها المؤمن ليصل إلى تلك المراتب الرفيعة في الجنة.
قال تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [طه: ٧٥].
ولا تنال تلك الدرجات العلى إلا بالإيمان والعمل الصالح الموصلين إلى الجنة.
والدرجات: مفرده الدرجة نحو المنزلة، يقال للمنزلة: درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيطة، كدرجة السطح والسلم، ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة: قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) [البقرة: ٢٢٨].
تنبيهًا لرفعة منزلة الرجال عليهن في العقل والسياسة، ونحو ذلك من المشار إليه بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النساء: ٣٤].
وقال: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنفال: ٤].
وقال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [آل عمران: ١٦٣].
أي: هم ذوو درجات عند الله، ودرجات النجوم تشبيهًا بما تقدم60.
وتحدث القرآن الكريم عن هذه الدرجات في آيات كثيرة كقوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [آل عمران: ١٦٣].
أي: «ليس من اتبع رضوان الله كمن باء بسخط منه، قيل: هم درجات متفاوتة، أي هم مختلفو المنازل عند الله، فلمن ابتغى رضوانه الكرامة والثواب العظيم، ولمن باء بسخط منه المهانة والعذاب الأليم، ومعنى (ﯙ ﯚ)، أي: ذوو درجات، أو على درجات، أو في درجات، أو لهم درجات، وأهل النار أيضًا ذوو درجات، فالمؤمن والكافر لا يستويان في الدرجة، ثم المؤمنون يختلفون أيضًا، فبعضهم أرفع درجة من بعض، وكذلك الكفار»61.
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الإسراء: ٢١].
قال الإمام الرازي رحمه الله: «إن تفاضل الخلق في درجات منافع الدنيا محسوس، فتفاضلهم في درجات منافع الآخرة أكبر وأعظم، فإن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا، فإذا كان الإنسان تشتد رغبته في طلب فضيلة الدنيا فبأن تقوى رغبته في طلب فضيلة الآخرة أولى»62.
ودلالة الآيتين الكريمتين واضحة في بيان تفاوت وتفاضل الخلق في الدرجات من حيث الأجر والثواب بحسب أعمال الناس، لذلك بين الله تعالى أن أهل الدرجات العلى من المتقين الذين يخافون الله تعالى في نعيم أرقى من الذين دونهم فأعد الله تعالى لهم جنتين.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الرحمن: ٤٦].
وقال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الرحمن: ٦٢].
وإن أعلى درجات الجنة هي الفردوس الأعلى، قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المؤمنون: ١٠- ١١].
وتؤكد السنة النبوية أيضًا أن للجنة درجات، وأن أهل الجنة متفاضلون في الجنة بحسب منازلهم، وذلك بما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، أراه قال: فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)63.
وفي الحديث دلالة على أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، وهذا لا يعني حصر درجات الجنة بمائة درجة، إذ المراد منه الإخبار بأن هذه الدرجات المائة هي للمجاهدين في سبيل الله تعالى، لا الإخبار بحصر درجات الجنة، ويؤيد ذلك أن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم فوق هذا كله، فهو في درجة ليس فوقها درجة، أمّا هذه الدرجات المائة فنالها آحاد أمته بالجهاد.
وصح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)64.
قال القاضي عياض: «يحتمل أنه على ظاهره، وأن الدرجة هنا المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر، وكذلك منازل الجنة كما جاء في أهل الغرف: «يتراءون كالكوكب الدري»، ويحتمل أن المراد الرفعة بالمعنى من كثرة النعم وعظيم الإحسان مما لا يخطر على قلب بشر، ولا بصفة واصف، وأن أنواع ما أنعم الله به عليه من البر والكرامة يتفاضل تفاضلًا كثيرًا، وينسي بعضه بعضًا، ومثل تفاضله في البعد بما بين السماء والأرض، والأول أظهر»65.
ومعنى ذلك أن الجنة مائة درجة جعلها الله تعالى لعباده المؤمنين على قدر أعمالهم في حياتهم الدنيا، وأن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى إنّ أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم.
وبما أن للجنة درجات متفاوتة يختلف بعضها عن بعض فإن أعلى منزلة فيها الوسيلة، ليس فوقها درجة، لا ينالها غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ٢٥٣].
قال الزمخشري: «أي: ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة، والظاهر أنه أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المفضل عليهم، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس»66.
ولا أحد أفضل ولا أكرم عند الله تعالى من صفوة الخلق، صاحب الحوض المورود والمقام المحمود، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو في الدرجة العالية الرفيعة في جنات النعيم، أعلى درجة في الجنة، ليس فوقها درجة، اختص بها صلى الله عليه وسلم دون غيره من أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام.
فقد ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)67.
وسمّيت درجة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة؛ لأنها أقرب الدرجات إلى العرش، وأصل الوسيلة القرب، من وسل إليه إذا تقرب إليه، ومعناها الوصلة، ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورًا ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه وأشدهم له خشية كانت منزلته أقرب المنازل لعرشه68.
لذا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حث أمته وأمرها أن يسألوا الله تعالى له الوسيلة لينالوا بهذا الدعاء شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة.
وكما أن درجة الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا تكون إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهناك أيضًا أدنى أهل الجنة منزلة، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة، قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب، كيف، وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا، فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك، ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك، فيقول: رضيت رب، قال: رب، فأعلاهم منزلة، قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [السجدة: ١٧])69.
فهذه درجات الجنة ومنازلها العالية متفاوته بعضها فوق بعض، أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين من أهل الجنة على قدر إيمانهم وأعمالهم وتوفيق الله تعالى لهم، وأعلى تلك الدرجات الفردوس، ولا تنال تلك الدرجات العلى إلا بالطاعة والإيمان والعمل الصالح، والتنافس والتسابق في الخيرات.
تحدث القرآن كثيرًا عن الجنة وصفاتها وما فيها من النعيم المقيم الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين، وسوف نستعرض في هذا المبحث بعض ما جاء فيها من خلال النقاط الآتية:
أولًا: أبواب الجنة:
ذكر القرآن الكريم في آياته أن للجنة أبوابًا يدخل منها المؤمنون إلى جنات الخلد.
وفي معنى الباب يقول الراغب الاصفهاني: «الباب يقال لمدخل الشيء، وأصل ذلك: مداخل الأمكنة، كباب المدينة والدار والبيت، وجمعه: أبواب، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [يوسف: ٢٥].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [يوسف: ٦٧].
ومنه يقال في العلم: باب كذا، وهذا العلم باب إلى علم كذا، أي: به يتوصل إليه، وقد يقال: أبواب الجنة وأبواب جهنم للأشياء التي بها يتوصل إليهما»70.
أما أبواب الجنة قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الزمر: ٧٣].
قال ابن كثير رحمه الله: «وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفدًا إلى الجنة (ﯚ)، أي: جماعة بعد جماعة: المقربون، ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء مع الأنبياء والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، كل زمرة تناسب بعضها بعضًا»71.
وتصف هذه الآية الكريمة المشهد العظيم للمؤمنين الوافدين إلى جنات الخلد التي أعدها الله تعالى لهم، حيث تتلقاهم الملائكة وتحييهم وتهنيهم بسلامة وصولهم ودخولهم الجنة والخلود فيها، (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ).
وقال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [ص: ٥٠].
أي: جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب72، وإنما قال: «مفتحة» ولم يقل مفتوحة، لأنها تفتح لهم بالأمر لا بالمس، كما قال الحسن البصري: تكلم: انفتحي، فتنفح. انغلقي، فتنغلق. وقيل: تفتح لهم الملائكة الأبواب73.
يقول ابن القيم رحمه الله: «وإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوءهم في الجنة حيث شاؤوا، ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم، ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت، وأيضًا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا»74.
وجاء في الحديث الصحيح عن سهل بن سعد رضي الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون)75.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها، قال: (نعم وأرجو أن تكون منهم)76.
وهذه الأدلة تثبت أن للجنة أبوابًا كثيرة ذكرت في القرآن الكريم بشكل عام دون تفصيل أو مسميات، إلا أن السنة النبوية المطهرة بينت شأن تلك الأبواب وعددها وسمّت بعض أبوابها وذكرت سعتها.
قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي رحمه الله: «وقد أبهم الباري سبحانه أبواب الجنة في الطاعات ليلتزم الراجي لدخولها جميعها»77.
وأما عدد أبواب الجنة فقد ورد في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء)78.
وأما سعة أبواب الجنة، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى)79.
قال الإمام النووي رحمه الله: المصراعان جانبا الباب، وهجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين، وأما بصرى وهي مدينة معروفة، بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل وهي مدينة حوران، وبينها وبين مكة شهر80.
ولعلو شأن الجنة وأبوابها فأن أول من يقرع بابها سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تفتح أبواب الجنة لأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ورد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)81.
ويتبين مما مضى أن الجنة ذات أبواب واسعة عظيمة تليق بسعتها، وتدل على علو شأنها ومنزلتها وقدرها، يدخل منها المؤمنون الجنة، وأن أول من يقرع تلك الأبواب هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ثانيًا: الأنهار:
بشّر الله تعالى عباده المؤمنين بأنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار في آيات عديدة، منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [البقرة: ٢٥].
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران: ١٣٦].
وسياق هذه الآيات يدل على أن تلك الأنهار جارية وموجودة في الجنة، أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين، وتكرر ذكرها في آيات كثيرة، وكلها مقترنة بحرف «من» ما عدا آية واحدة في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [التوبة: ١٠٠].
ويشير ابن القيم رحمه الله لدلالة هذا التكرار بأمور: «أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقية، والثاني: أنهار جارية لا واقفة، والثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا، وقد ظن بعض المفسرين أن معنى ذلك جريانها بأمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤوا، كأن الذي حملهم على ذلك أنه لما سمعوا أن أنهارها تجري في غير أخدود فهي جارية على وجه الأرض؛ حملوا قوله تجري من تحتها الأنهار على أنها تجري بأمرهم؛ إذ لا يكون فوق المكان تحته، وهؤلاء أتوا من ضعف الفهم، فإن أنهار الجنة وإن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار، وهو سبحانه لم يقل من تحت أرضها»82.
«وقد أخبر سبحانه عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنعام: ٦].
فهذا على ما هو المعهود والمتعارف وكذلك ما حكاه من قول فرعون (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزخرف: ٥١]»83.
ومن نعم الجنة كثرة الأنهار الجارية فيها، وهي أنهار متنوّعة تحدثت بعض الآيات الكريمة عن أصنافها وأوصافها، فقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ١٥].
أي: صفة الجنة العجيبة العظيمة الشأن التي وعد المتقون الشرك والمعاصي، (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) غير متغير الطعم واللون والرائحة، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) كما تتغير ألبان الدنيا بالحموضة وغيرها، إذ فيها ما تشتهيه الأنفس، (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: لذيذة، ليس فيها كراهة طعم وريح، ولا غائلة سكر، وإنما هي تلذذ محض، (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) لم يخرج من بطون النحل فيخالطه شمع أو غيره84.
قيل: بدأ من هذه الأنهار بالماء لأنه لا يستغنى عنه قط، ثم باللبن لأنه يجري مجرى المطعوم والمشروب في كثير من الأوقات، ثم بالخمر؛ لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوقت النفس إلى ما يلتذ به، ثم بالعسل لأنه فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم فهو متأخر فى الرتبة85.
وجاء هذا التنويع في الشراب ليلبي رغبات البشر، ويستثير فيهم شوقهم إلى الجنة، فالمشهد في الآية كله أشربة وهي أنهار أيضا لتوحي بالكثرة والوفرة، والديمومة وعدم الانقطاع، وإن كانت هذه الأشربة معروفة لدى الناس في الدنيا، إلا أن طعمها مختلف، ونوعها أجود86.
وذكرت الأحاديث الشريفة أن في الجنة أربعة أنهار، كما ورد عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفعت إلى السدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران: النيل والفرات، وأما الباطنان: فنهران في الجنة... الحديث)87.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيحان وجيحان، والفرات والنيل كل من أنهار الجنة) 88.
قال الإمام ملا علي القاري رحمه الله: «إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنة، لما فيها من العذوبة والهضم، ولتضمنها البركة الإلهية، وتشرفها بورود الأنبياء إليها وشربهم منها»89.
ولا يمكن القول بأن أنهار الجنة تنحصر في هذه الأربعة التي ذكرت في الأحاديث السابقة؛ وذلك لأن تلك الأحاديث ذكرت أسماء بعض أنهار الجنة، ولم تذكر أنواعها بالتحديد التي قال تعالى عنها: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [محمد: ١٥].
فالماء واللبن والخمر والعسل كلها أنهار من كل الأصناف التي ذكرت.
قال الزركشي: «فأعاد ذكر الأنهار مع كل صنف، وكان يكفي أن يقال فيها: أنهار من ماء، ومن لبن، ومن خمر، ومن عسل، لكن لما كانت الأنهار من الماء حقيقة وفيما عدا الماء مجازًا للتشبيه، فلو اقتصر على ذكرها مع الماء وعطف الباقي عليه لجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن قلت: فهلا أفرد ذكر الماء وجمع الباقي صيغة واحدة؟ قيل: لو فعل ذلك لجمع بين محامل من المجاز مختلفة في صيغة واحدة، وهو قريب في المنع من الذي قبله»90.
وعلى ذلك يتبين أن في الجنة أنهارًا كثيرة، جعلها الله تعالى نعيمًا لعباده المؤمنين وأوليائه الصالحين، وهي متنوعة الأشكال والألوان والمذاق بين ماء عذب، ولبن سائغ، وخمر شهي، وعسل صافٍ، ومختلفة الأسماء والعدد كما مرّ في الآيات والأحاديث المتقدمة، ومن الأنهار التي ذكرت في القرآن الكريم ما يأتي:
١. أنهار من ماء.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [محمد: ١٥].
أي: أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه: قد أسن ماء هذه البئر: إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت، فهو يأسن أسنا، وأما إذا أجن الماء وتغير، فإنه يقال له: أسن فهو يأسن، ويأسن أسونا، وماء أسن، وهذه المياه ليست كالتي في الدنيا؛ لأن المياه في الدنيا تتغير بأحد وجهين: إما النجاسة وآفة تصيبها، أو لطول الزمان والمكث، فيخبر أن ليس في الجنة شيء يغير مياهها91.
ولم ترد كلمة (تجري) للأنهار في هذه الآية، لأن الماء الآسن لا يكون إلا بركود الماء، فلم يتطلب السياق ذكر كلمة (تجري)، أما في قوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، لم يكن هناك من داع لتحديد (ﮐ ﮑ) لأنه جاء وصف الأنهار بالجريان، الأمر الذي لا يؤدي إلى أن تأسن الماء92.
وتؤكد الآية الكريمة حقيقة علمية: «قبل أن يكشف العلم بوسائله وأدواته عالم الميكروبات أي الجراثيم التي توجد في الماء الراكد، الذي يصير مستودعًا لملايين البكتيريا والطفيليات الضارة التي تصيب الإنسان والحيوان بالأمراض، فأنه لما اخترع الإنسان المناظير المكبرة رأى بواسطتها كيف أن الماء الراكد يموج بملايين الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة، وتتكاثر بسرعة هائلة؛ فتفسد الماء وتجعله متغير الرائحة والطعم، وسببًا في الأمراض والأوبئة التي ما كان أحد يعرف مصدرها قبل اكتشافها بواسطة المجهر (الميكروسكوب) أي: مكبر الصور إلى درجة كبيرة»93.
٢. أنهار من اللبن.
اللبن جمعه: ألبان، قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ) [محمد: ١٥].
أي: «لم يحمض ولم يصر قارصًا ولا حازرًا كألبان الدنيا، وتغير الريح لا يفارق تغير الطعم»94.
قال الطبري: «لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه»95.
٣. أنهار من خمر.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [محمد: ١٥].
أي: «وفيها أنهار من خمر لذيذة لهم، إذ لم تدنسها الأرجل، ولم ترنّقها (تكدرها) الأيدى كخمر الدنيا، وليس فيها كراهة طعم وريح، ولا غائلة سكر وخمار كخمور الدنيا، فلا يتكرّهها الشاربون»96.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: «في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، وقد ذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال»97.
وهذا من فضل الله تعالى على عباده المتقين أن جعلهم يتلذذون بالخمر الذي حرموا منه في الحياة الدنيا؛ جزاء لهم على طاعتهم وانقيادهم لأمر الله تعالى، فخمر الدنيا كريهة الرائحة تسلب عقل من شربها، خلاف خمر الجنة التي وصفت باللذة الكاملة.
٤. أنهار من عسل.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [محمد: ١٥].
أي: «وفيها أنهار من عسل قد صفّى من القذى وما يكون فى عسل أهل الدنيا قبل التصفية من الشمع وفضالات النحل وغيرها»98.
٥. الكوثر.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الكوثر: ١].
واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر على أقوال، منها:
القول الأول: أنه نهر في الجنة، وهو المشهور والمستفيض عند السلف والخلف99، واستدلوا على ذلك بما ورد عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر، حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر، الذي أعطاك ربك، فإذا طينه - أو طيبه - مسك أذفر)100.
وعن ابن عباس، قال: «الكوثر: نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل»101، وقال أيضًا: نهر أعطاه الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في الجنة102.
القول الثاني: أنه حوض، والأخبار فيه مشهورة، ووجه التوفيق بين هذا القول والقول الأول أن يقال: لعل النهر ينصب في الحوض، أو لعل الأنهار إنما تسيل من ذلك الحوض، فيكون ذلك الحوض كالمنبع103.
قال عطاء: «حوض في الجنة أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم»104.
القول الثالث: عني بالكوثر الخير الكثير، وهو قول ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة105.
قال الراغب الاصفهاني: «قيل: هو نهر في الجنة يتشعب عنه الأنهار، وقيل: بل هو الخير العظيم الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يقال للرجل السخي: كوثر، ويقال: تكوثر الشيء: كثر كثرة متناهية»106.
والأقوال كثيرة ومتعددة في تأويل معنى الكوثر، وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: هو اسم النهر الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
قال الحافظ ابن حجر: «ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه»107.
ويتضح مما تقدم أن من نعم الجنة التي لا تنقطع ولا تفنى أن جعل الله تعالى فيها أنهارًا جارية من الماء واللبن والخمر والعسل، والكوثر الذي أعطاه الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ترده أمته يوم القيامة، ثبث بالآيات والأحاديث المتقدمة.
ثالثًا: العيون:
لم يكتف القرآن بذكر الأنهار الجارية في الجنة، بل تحدث عن العيون المتفجرة والمتنوعة في أرجائها، أعطاها الله تعالى لعباده المتقين، قال الله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحجر: ٤٥].
وذكرت عيون الجنة في آيات كثيرة، حيث بينت أسماء بعضها وميزتها، وهذا من فضل الله تعالى الذي أعده لعباده المتقين بحسب مراتبهم في الجنة، ومن تلك العيون ما يأتي:
١. تسنيم.
أخبر الله تعالى عن العين التي يشرب منها المقربون في الجنة فقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [المطففين: ٢٧- ٢٨].
قال الإمام الرازي: «تسنيم: علم لعين بعينها في الجنة، سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه، إما لأنها أرفع شراب في الجنة، وإما لأنها تأتيهم من فوق، على ما روي أنها تجري في الهواء مسنمة فتنصب في أوانيهم، وإما لأنها لأجل كثرة ملئها وسرعته تعلو على كل شيء تمر به وهو تسنيمه، أو لأنه عند الجري يرى فيه ارتفاع وانخفاض، فهو التسنيم أيضًا، وذلك لأن أصل هذه الكلمة للعلو والارتفاع»108.
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)، أي: يشربها المقربون صرفًا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجًا، قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، وقتادة، وغيرهم109.
٢. سلسبيل.
ذكر الله تعالى أن في الجنة عينًا تسمى السلسبيل.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الإنسان: ١٨].
واختلف أهل التأويل في معنى (ﯘ) على ستة أقوال:
أحدها: أنه اسم لها، قاله عكرمة.
الثاني: معناه سل سبيلًا إليها، قاله علي رضي الله عنه.
الثالث: يعني سلسلة السبيل، قاله مجاهد.
الرابع: سلسلة يصرفونها حيث شاءوا، قاله قتادة.
الخامس: أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالًا، قاله ابن عباس.
السادس: أنها الحديدة الجري، قاله مجاهد أيضًا110.
قيل: عني بقوله سلسبيلا سلسة منقادًا ماؤها، وهو قول قتادة.
وقال آخرون: عني بذلك أنها شديدة الجرية، قاله مجاهد.
وقال بعضهم: إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل، وقيل: إنما أراد عينًا تسمى سلسبيلا، أي: تسمى من طيبها السلسبيل، أي: توصف للناس111.
قال الطبري: «والصواب من القول في ذلك أن قوله: (ﯗ ﯘ) صفة للعين، وصفت بالسلاسة في الحلق، وفي حال الجري، وانقيادها لأهل الجنة يصرفونها حيث شاءوا، كما قال مجاهد وقتادة؛ وإنما عني بقوله (ﯗ): أي توصف»112.
٣. الكافور.
قال تعالى واصفًا عين الكافور: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الإنسان: ٥-٦].
أي: «إن الذين بروا بطاعتهم ربهم فأدّوا فرائضه واجتنبوا معاصيه يشربون من خمر كان مزاج ما فيها من الشراب كالكافور طيب رائحة وبردًا وبياضًا، وهذا المزاج من عين يشرب منها عباد الله المتقون وهم في غرف الجنات، يسوقونها إليهم سوقًا سهلًا إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاءون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يحبون وصوله إليه»113.
وقوله تعالى: (ﭖ ﭗ)، أي: «يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاءوا وحيث شاءوا من منازلهم وقصورهم تفجيرًا، ويعني بالتفجير: الإسالة والإجراء»114.
وهذه من النعم التي أعدها الله تعالى لعباده المتقين، فتلك العيون التي يفجرها الله تعالى لهم زيادة في المتعة والتلذذ وهم في الجنات يتصرفون فيها كيف شاؤوا، وحيث أرادوا من دورهم ومنازلهم ومجالسهم، بحسب مراتبهم في الجنة؛ جزاء بما كانوا يعملون.
رابعًا: القصور:
إن من نعيم الجنة الذي وعد الله عز وجل به عباده من المؤمنين والمؤمنات أن جعل لهم قصورًا في الجنة.
قال الله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الفرقان: ١٠].
ويخبر القرآن الكريم في آيات أخرى أن الجنّة ليست مجرد أشجار وثمار تجري من تحتها الأنهار الجارية وتتفجر منها العيون، بل فيها قصور ومساكن وبيوت وخيام يسكن داخلها المؤمنون في حياتهم الخالدة في الجنّة، قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [التوبة: ٧٢].
وقد سمى الله تعالى في آيات أخرى هذه المساكن بالغرفات، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الزمر: ٢٠].
والغرف في الجنة هي القصور الشاهقة، طباق فوق طباق، مبنيات محكمات مزخرفات عاليات115.
ووصف الإمام القرطبي تلك القصور بقوله: «قصور من الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام»116.
وذكرت السنة النبوية المطهرة بأن الله تعالى أعد قصورًا في الجنة لعباده المؤمنين، حيث وصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم بعض القصور التي شاهدها في الجنة وذلك، كما ورد عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب، إلا ما أعلم من غيرتك)، قال: وعليك أغار يا رسول الله117.
ومن كمال النعم أن أهل الجنة يعرفون مساكنهم وقصورهم التي أعدت لهم في الجنة كما قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [محمد: ٦].
أي: «عرّفها وبيّنها لهم، حتى إن الرجل ليأتي منزله منها إذا دخلها كما كان يأتي منزله في الدنيا، لا يشكل عليه ذلك»118.
ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا)119.
خامسًا: الأثاث:
ذكر القرآن الكريم في بعض آياته أثاث أهل الجنة، ومنه ما يأتي:
١. السرر.
وصف الله تعالى سرر أهل الجنة فقال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الطور: ٢٠].
وقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الواقعة: ١٥].
وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الغاشية: ١٣].
وهذه السرر قد صفّ بعضها إلى بعض، وقوبل بعضها ببعض، مرمولة بالذهب، مشبكة بالدر والياقوت، عالية في الهواء وذلك لأجل أن يرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما أعطاه ربه في الجنة من النعيم والملك120.
والسرر قد تكون في الدنيا مصفوفة، ولكن لا تكون موضونة؛ أي: منسوجة؛ والوضن: لا يكون بين السرر في الآخرة انفصال ولا فروج، كما يكون في الدنيا، لكن موصولة بعضها ببعض121.
٢. الفرش.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الرحمن: ٥٤].
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) [الواقعة: ٣٤].
فوصف الفرش بكونها مبطنة بالإستبرق وهذا يدل على أمرين، أحدهما: أن ظهائرها أعلى وأحسن من بطائنها، لأن بطائنها للأرض، وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة، والثاني: يدل على أنها فرش عالية، لها سمك وحشو بين البطانة والظهارة.
٣. النمارق.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ) [الغاشية: ١٥].
والنمارق: «جمع نمرقة، وهي: الوسادة التي يتكىء عليها الجالس والمضطجع، ومصفوفة: أي جعل بعضها قريبًا من بعض صفًّا، أي أينما أراد الجالس أن يجلس وجدها»122.
قال ابن عباس: النمارق: الوسائد، وكذا قال عكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، والثوري، وغيرهم123.
فمعنى الآية: ووسائد مصفوف بعضها إلى جوانب بعض، فإن شاءوا جلسوا عليها، وإن أرادوا استندوا إليها، وإن أحبوا أن يجلسوا على بعضها ويستندوا إلى بعض فعلوا124.
٤. الأرائك.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الكهف: ٣١].
ومعنى الاتكاء: جلسة الراحة والترف، قيل: الاضطجاع، وقيل: التربع في الجلوس125.
الأرائك: جمع أريكة، وهي سرير في حجلة، أما للسرير وحده فلا يسمى أريكة، والحجلة: قبة من ثياب تكون في البيت تجلس فيها المرأة أو تنام فيها، ولذلك يقال للنساء: ربات الحجال، فإذا وضع فيها سرير للاتكاء أو الاضطجاع فهي أريكة، ويجلس فيها الرجل وينام مع المرأة، وذلك من شعار أهل الترف126.
وقوله: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، أي: نعمت الجنة ثوابًا على أعمالهم، (ﯜ ﯝ)، أي: حسنت منزلًا ومقيلًا ومقامًا127.
٥. الأكواب.
وصف الله تعالى أكواب أهل الجنة، فقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الإنسان: ١٥].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ) [الغاشية: ١٤].
ثم أخبر أن تلك الأكواب قوارير من فضة، قيل: هي من فضة، ولها صفاء القوارير، يرى ما فيها من الشراب من خارجها؛ لصفائها128.
أي: يطوف عليهم خدم الجنة بأواني الطعام، وهي من فضة خالصة، وبأكواب الشراب، وهي أيضًا من فضة، وقد جعلت هذه الأكواب جامعة بياض الفضة، وصفاء الزجاج وشفافيته.
وعني بقوله: (ﮟ ﮠ): أنها موضوعة على حافة العين الجارية، كلما أرادوا الشرب وجدوها ملأى من الشراب129.
٦. الزرابي.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ) [الغاشية: ١٦].
والزرابي: جمع زربٍ، وهو ضرب من الثياب محبّر منسوب إلى موضع، وعلى طريق التشبيه والاستعارة قال: (ﮥ ﮦ)130.
قال ابن كثير: «وقوله تعالى: (ﮥ ﮦ)، قال ابن عباس: الزرابي: البسط، وكذا قال الضحاك، وغير واحد، ومعنى مبثوثة، أي: هاهنا وهاهنا لمن أراد الجلوس عليها»131.
وعلى هذا فإن الزرابي نوع من أثاث الجنة، وهي: البسط التي يجلس عليها، والتي تكون مبثوثة، أي: مفرقة في المجالس.
٧. العبقري.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ) [الرحمن: ٧٦].
قال الراغب الأصفهاني: عبقرٌ قيل: هو موضعٌ للجنّ ينسب إليه كلّ نادر من إنسان، وحيوان، وثوب، وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ)، وهو ضرب من الفرش فيما قيل، جعله الله مثلًا لفرش الجنّة132.
قال ابن عاشور: «وعبقري وصف لما كان فائقًا في صنفه، عزيز الوجود، وهو نسبة إلى عبقر: اسم بلاد الجن في معتقد العرب فنسبوا إليه كل ما تجاوز العادة في الإتقان والحسن، حتى كأنه ليس من الأصناف المعروفة في أرض البشر، فشاع ذلك فصار العبقري وصفًا للفائق في صنفه»133.
وقيل إن العبقري: هي الزرابي الحسان، أي: البسط، وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي وسعيد بن جبير رحمهم الله تعالى134.
ويتضح مما مضى أن في الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين أثاثًا لا يشبه أثاث الحياة الدنيا، فأثاث أهل الجنة متعدد الأنواع والأشكال، من سرر وأرائك وفرش وعبقري ونمارق وزرابي وغيرها.
سادسًا: أشجار الجنة وثمارها.
لا شك أن الجنة التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين قد خلق الله تعالى فيها الأشجار والثمار متنوعة الأشكال والأحجام دائمة العطاء، ولا تشبه أشجار الدنيا وثمارها وأن تشابهت في الأسماء، وقد ذكر الله تعالى في آياته الكريمة أنواعًا من أشجار وثمار الجنة، منها ما يأتي:
١. النخل.
ذكر النخل في القرآن الكريم في عشرين موضعًا135منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الرحمن: ٦٨].
ووصف الله تعالى نخل الجنة بقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ) [الرحمن: ١١].
والأكمام: جمع كم -بكسر الكاف- وهو وعاء ثمر النخلة، ويقال له: الكفرى، فليست الأكمام مما ينتفع به، فتعين أن ذكرها مع النخل للتحسين، ووصف النخل بذات الأكمام وصف للتحسين فهو اعتبار بأطوار ثمر النخل، وامتنان بجماله وحسنه كقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النحل: ٦]فامتن بمنافعها وبحسن منظرها136.
قال الحسن البصري: (ﮢ ﮣ): «أي ذات الليف، فإن النخلة قد تكمم بالليف، وكمامها ليفها الذي في أعناقها»137.
وأفردها بالذكر لكثرتها بالبلاد العربية، وكثرة فوائدها، لأنه ينتفع بثمارها رطبة ويابسة، وينتفع بجميع أجزائها، فيتخذ من خوصها السلال والزنابيل، ومن ليفها الحبال، ومن جريدها سقف البيوت، ويؤكل جمّارها، ومن ثم ذكرها باسمها، وذكر الفاكهة دون أشجارها138.
٢. الرمان.
ورد ذكر الرمان في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع139منها قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأنعام: ٩٩].
ووصف الله تعالى الرمان بأنه من أشجار الجنة، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الرحمن: ٦٨].
قال القرطبي: «قال بعض العلماء: ليس الرمان والنخل من الفاكهة، لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره، وهذا ظاهر الكلام، وقال الجمهور: هما من الفاكهة، وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة، كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [البقرة: ٢٣٨].
وقوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة: ٩٨]»140.
وقيل: إنما كررهما لأن النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا، لأن النخل عامة قوتهم، والرمان كالثمرات، فكان يكثر غرسهما عندهم لحاجتهم إليهما، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها، فإنما ذكر الفاكهة، ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما وكثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن، فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها. وقيل: أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء، فلم يخلصا للتفكه141.
حكي عن ابن عباس أنه قال: الرمان ليس من الفاكهة، وكذلك الرطب؛ لأنهما أفردا بالذكر عن الفاكهة، وذكر الفراء هذا أيضًا142.
وقال الإمام الرازي: ذكر الرمان والرطب لأنهما متقابلان، فأحدهما حلو والآخر غير حلو، وكذلك أحدهما حار والآخر بارد وأحدهما فاكهة وغذاء، والآخر فاكهة، وأحدهما من فواكه البلاد الحارة والآخر من فواكه البلاد الباردة، وأحدهما أشجاره في غاية الطول والآخر أشجاره بالضد وأحدهما ما يؤكل منه بارز ومالا يؤكل كامن، والآخر بالعكس، فهما كالضدين والإشارة إلى الطرفين تتناول الإشارة إلى ما بينهما143.
وعلى أية حال فأن الرمان سواء أكان شجرا أم فاكهة -باعتبار عطف الخاص على العام- فهو من نعم الله تعالى على عباده المؤمنين في الجنة.
٣. السدر.
ومن نعيم الجنة أشجار السدر التي ذكرها الله تعالى في قوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الواقعة: ٢٨].
وقوله: (ﮉ ﮊ ﮋ): السدر شجر النبق لا شوك فيه، من خضد الشوك إذا قطعه، أو مثني أغصانه من كثرة حمله، من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب»144.
وفي مخضود ثلاثة أقاويل:
«أحدها: أنه اللين الذي لا شوك فيه، قاله عكرمة، وقال غيره لا عجم لنبقه، يقال خضدت الشجرة إذا حذقت شوكها.
الثاني: أنه الموقر حملًا، قاله مجاهد.
الثالث: المدلاة الأغصان، وخص السدر بالذكر لأن ثمره أشهى الثمر إلى النفوس طعمًا وألذه ريحًا»145.
قال الراغب الاصفهاني: «السّدر: شجر قليل الغناء عند الأكل، ولذلك قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [سبأ: ١٦].
وقد يخضد ويستظلّ به، فجعل ذلك مثلًا لظلّ الجنة ونعيمها في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الواقعة: ٢٨]؛ لكثرة غنائه في الاستظلال»146.
ووصف الله تعالى أن ظلال تلك الأشجار ممتد دائم بقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ) [الواقعة: ٣٠].
أي: دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس147.
وإما ثمار الجنة فلا تشبه ثمار الحياة الدنيا إلا بالاسماء.
يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٥].
كلما رزقوا منها: أي أطعموا من الجنة من ثمرة رزقًا طعامًا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل، أي: أطعمنا من الجنة من قبل، قيل: إذا أتي بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها، ثم إذا أتي بها في آخر النهار، قالوا هذا الذي رزقنا من قبل، يعني الذي أطعمنا في أول النهار، لأن لونه يشبه لون ذلك، فإذا أكلوا منه وجدوا لها طعمًا غير طعم الأول، وقيل: معناه كلما رزقوا منها من ثمرة رزقًا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل أي في الدنيا، لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا، فإذا أكلوا وجدوا طعمها غير ذلك148.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء يعني: أسماء الثمار149.
ومن كمال المتعة واللذه أن هذه الثمار دانية مذللة لا مشقة في التقاطها، بل هي في متناول أيدي أهل الجنة، كما وصفها الله تعالى بقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ) [الحاقة: ٢٣].
وقال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ) [الرحمن: ٥٤].
أي: «قريب منهم، لأنهم لا يتعبون بصعود نخلها وشجرها، لاجتناء ثمرها، ولكنهم يجتنونها من قعود بغير عناء»150.
ويتبين مما مضى أن الله تعالى خلق في الجنة أشجارًا كثيرة، منها: النخل والعنب والرمان والسدر والطلح والثمار، وغير ذلك ما لا يحصى، متنوعة ودانية الثمار ما تكمل به متعة أهل الجنة؛ ليتنعموا بها وهي باقية العطاء معهم بدوام نعيم الجنة الذي لا يفنى.
سابعًا: الطعام والشراب:
إن أهل الجنة يأكلون ويشربون لقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الطور: ١٩].
أي: «يقال لهؤلاء المتقين في الجنات: كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم، واشربوا من شرابها هنيئًا، لا تخافون مما تأكلون وتشربون فيها أذى ولا غائلة بما كنتم تعملون في الدنيا لله من الأعمال»151، ونحو الآية قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحاقة: ٢٤].
وقوله تعالى: «هنيئًا إشارة إلى خلوهما عما يكون فيها من المفاسد في الدنيا، منها أن الآكل يخاف من المرض فلا يهنأ له الطعام، ومنها أنه يخاف النفاد فلا يسخو بالأكل، والكل منتف في الجنة، فلا مرض ولا انقطاع، فإن كل أحد عنده ما يفضل عنه، ولا إثم ولا تعب في تحصيله، فإن الإنسان في الدنيا ربما يترك لذة الأكل لما فيه من تهيئة المأكول بالطبخ والتحصيل من التعب أو المنة، أو ما فيه من قضاء الحاجة واستقذار ما فيه، فلا يتهنأ، وكل ذلك في الجنة منتف»152، وترك ذكر المأكول والمشروب دلالة على تنوعهما وكثرتهما153.
ووصف الله تعالى أكل الجنة فقال: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ) [الرعد: ٣٥].
أي ما يؤكل فيها دائم لأهلها، لا ينقطع عنهم، ولا يزول ولا يبيد، ولكنه ثابتٌ إلى غير نهاية154.
وقال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [مريم: ٦٢].
أي: لهم ما يشتهون من المطاعم، قدر وقت البكرة ووقت العشي من نهار الدنيا، إذ لا ليل في الجنة ولا نهار155.
ومن طعام أهل الجنة: الفاكهة واللحم كما قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الطور: ٢٢].
وقال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة: ٢٠- ٢١].
أي: «واختار من المأكول أرفع الأنواع وهو الفاكهة واللحم فإنهما طعام المتنعمين، وجمع أوصافًا حسنة في قوله (ﭨ ﭩ) لأنه لو ذكر نوعًا فربما يكون ذلك النوع غير مشتهى عند بعض الناس، فقال: كل أحد يعطى ما يشتهي، فإن قيل: الاشتهاء كالجوع وفيه نوع ألم، نقول: ليس كذلك، بل الاشتهاء به اللذة، والله تعالى لا يتركه في الاشتهاء بدون المشتهى حتى يتألم، بل المشتهى حاصل مع الشهوة، والإنسان في الدنيا لا يتألم إلا بأحد أمرين، إما باشتهاء صادق وعجزه عن الوصول إلى المشتهى، وإما بحصول أنواع الأطعمة والأشربة عنده وسقوط شهوته وكلاهما منتف في الآخرة»156.
وإن تقديم الفاكهة على اللحم للإشارة إلى أنهم ليسوا بحالة تقتضي تقديم اللحم كما في الجائع؛ فإن حاجته إلى اللحم أشد من حاجته إلى الفاكهة، بل هم بحالة تقتضي تقديم الفاكهة واختيارها، كما في الشبعان فإنه إلى الفاكهة أميل منه إلى اللحم، وجوز أن يكون ذلك لأن عادة أهل الدنيا -لا سيما أهل الشرب منهم- تقديم الفاكهة في الأكل وهو طبًّا مستحسن؛ لأنها ألطف وأسرع انحدارًا وأقل احتياجًا إلى المكث في المعدة للهضم، وقد ذكروا أن أحد أسباب الهيضة إدخال اللطيف من الطعام على الكثيف منه ولأن الفاكهة تحرك الشهوة للأكل واللحم يدفعها غالبا157.
وجاء في الحديث الشريف عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون) قالوا: فما بال الطعام؟ قال: (جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد، كما تلهمون النفس)158.
ووصف شراب أهل الجنة بقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المطففين: ٢٥-٢٧].
أي: يسقى هؤلاء الأبرار من خمر صرف لا غشّ فيها، لم تمسسه الأيدي159، ومزاجه من تسنيم (عين في الجنة) يشرب منها المقربون.
قال ابن عباس: «أشرف شراب أهل الجنة هو تسنيم، لأنه يشربه المقربون صرفًا، ويمزج لأصحاب اليمين»160.
ويتضح مما تقدم: أن في الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين أشهى الطعام والشراب، ولا يكون طعامهم من جوع ولا شرابهم من عطش، بل من كمال نعيمهم ومتعتهم ولذتهم التي أعدها الله تعالى لهم جزاء بما كانوا يعملون.
ثامنًا: اللباس والحلي:
ذكر الله تعالى في آياته أن الجنة لا عري فيها.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [طه: ١١٨].
وإن اللباس والحلي والزينة فيها من الحرير والذهب واللؤلؤ.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الكهف: ٣١].
أي: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات عدن تجري من دونهم ومن بين أيديهم الأنهار، ويلبسون فيها من الحلي أساور من ذهب، والسندس وهي ما رقّ من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه وثخن، وقيل: إن الإستبرق هو الحرير161.
ووصف الله تعالى لباس أهل الجنة بقوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ) [الحج: ٢٣].
أي: وجميع ما يلبسونه من فرشهم ولباسهم وستورهم حرير، وهو أعلى مما في الدنيا بكثير162، وإن كان محظورًا عليهم في الدنيا، فأباحه الله لهم في الدار الآخرة لما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)163.
ولباس أهل الجنة لا يبلى كما يبلى لباس أهل الحياة الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: (من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه)164.
ووصف بعض ثياب أهل الجنة بأنها خضراء اللون، كما قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الكهف: ٣١].
ونحو ذلك قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الإنسان: ٢١].
لأن الخضرة أحسن الألوان والنفس تنبسط بها أكثر من غيرها، وقيل: أنها تزيد في ضوء البصر، وقيل: ثلاثة مذهبة للحزن: الماء، والخضرة، والوجه الحسن165.
قال القرطبي: «وخص الأخضر بالذكر لأنه الموافق للبصر، لأن البياض يبدد النظر ويؤلم، والسواد يذم، والخضرة بين البياض والسواد، وذلك يجمع الشعاع»166.
ويمكن القول إن ذكر الخضرة إنما جاء ترغيبًا للعباد في الجنة؛ وذلك أن هذا اللون من أحب الألوان إلى النفس وأكثرها راحة وبهجة للناظر.
ولباسهم غير منحصر فيما ذكر إذ لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من اللباس الذي لا يحيط به وصف، ويحلون فيها بأنواع الذهب والفضة واللؤلؤ فقال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فاطر: ٣٣].
كما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تبلغ الحلية من المؤمن، حيث يبلغ الوضوء)167.
ويتضح مما مضى: أن أهل الجنة ينعمون باللباس الفاخر من الحرير والسندس والإستبرق الذي لا يبلى ولا يتمزق، ولا يقتصر اللباس على ذلك بل لهم فيها ما يشتهون من الثياب ويحلون فيها بالذهب والفضة واللؤلؤ، ما لا تبلى ولا تفنى.
تاسعًا: نساء أهل الجنة:
تحدث القرآن الكريم في بعض آياته عن نساء أهل الجنة كما يأتي:
١. الحور العين.
وهن زوجات المؤمنين في الجنة غير زوجاتهم في الدنيا لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الدخان: ٥٤].
أي: أكرمناهم بأن زوجناهم حورًا عينًا، والحور: جمع حوراء، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة، والعين: جمع عيناء، وهي العظيمة العين في حسن وسعة168.
ووصفت الحور العين في قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الصافات: ٤٨- ٤٩].
أي: غاضات الأعين عن غير أزواجهن، وقصرن طرفهن على أزواجهن، وقنعن بهم، ولا يبغين بهم بدلًا، وإنهن أحسن بياضًا من بيض النعام، والعرب تشبه النساء ببيض النعام. يقال: لا يكون لون البياض في شيء أحسن من بيض النعام. وقال قتادة: البيض التي لم تلوثه الأيدي. ويقال: البيض أراد به القشر الداخل من البيض المكنون قد خبأ، وكن من البرد والحر169.
وشبههن في موضع آخر بالياقوت والمرجان: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الرحمن: ٥٦-٥٨].
وقال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرحمن: ٧٢].
أي: «وهؤلاء الخيّرات الحسان واسعات العيون مع صفاء البياض حول السواد، محبوسات فى الحجال، فلسن بطوّافات فى الطرقات، والعرب يمدحون النساء الملازمات للبيوت للدلالة على شدة الصيانة»170.
ونساء الجنة مطهّرات من كل شيء، فلا بول ولا غائط ولا حيض ولا نفاس ولا ولادة، وكلما جاءها زوجها وجدها بكرًا لقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الواقعة: ٣٥-٣٧].
ويصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم نساء الجنة بقوله صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)171.
وهذا قليل من كثير في صفات الحور العين لأنها كثيرة ومتنوعة، حيث خلقهن الله تعالى وأنشأنهن إنشاءً وجعلهن أبكارًا وجمالهن كاللؤلؤ المكنون المخفي المصان، قاصرات الطرف لا يتجاوز عن أزواجهن، مطهرات من كل أذى وحيض ونفاس، وبول وغائط، وبصاق ومخاط، ولو أطلت واحدة منهن على الدنيا لأضاءت ما بينهما.
٢. زوجات المؤمنين في الدنيا.
أخبر الله تعالى أن زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة وصالحة.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الرعد: ٢٣].
أي: «يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحسانًا، كما قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الطور: ٢١]172.
وقال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الزخرف: ٧٠].
أي: يكرمون إكرامًا على سبيل المبالغة، والحبرة: المبالغة في الإكرام فيما وصف بالجميل173.
ونساء الجنة لسن كنساء الدنيا، فإنهن مطهرات من الحيض والنفاس والبصاق والمخاط والبول والغائط، وهذا مقتضى قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [البقرة: ٢٥].
أي: «ولهم في الجنات أزواج تطهرن غاية التطهر، فليس فيهنّ ما يعبن عليه من خبث جسدي مما عليه النساء في الدنيا كالحيض والنفاس، أو نفسىي كالكيد والمكر وسائر مساوى الأخلاق»174.
وتلك نساء أهل الجنة خلقهن الله تعالى لعباده المؤمنين، منهن من كانت زوجاتهم في الحياة الدنيا، ومنهن الحور العين، وكلهن من النعيم الذي يتنعم به أهل الجنة في الآخرة.
عاشرًا: خدم أهل الجنة.
ذكر الله تعالى أن في الجنة خدما ولدانًا أو غلمانًا خلقهم الله تعالى لخدمة أهل الجنة، يطوفون عليهم بآنية الشراب، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الواقعة: ١٧-١٨].
أي: «يطوف عليهم بالأكواب غلمان باقون لا يموتون ولا يهرمون، على سن واحد كأنهم ولدوا في وقت واحد»175.
وهم في غاية الجمال كأنهم اللؤلؤ المكنون كما وصفهم الله تعالى بقوله: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الطور: ٢٤].
ونحو هذه الآية قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الإنسان: ١٩].
قال الإمام الرازي رحمه الله: شبهوا في حسنهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في مجالسهم ومنازلهم عند اشتغالهم بأنواع الخدمة باللؤلؤ المنثور، ولو كان صفًّا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم، ألا ترى أنه تعالى قال: (ﮪ ﮫ) فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين، أو أنهم شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا انتثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء، أو أن هذا من التشبيه العجيب؛ لأن اللؤلؤ إذا كان متفرقًا يكون أحسن في المنظر؛ لوقوع شعاع بعضه على البعض فيكون مخالفًا للمجتمع منه176.
الحادي عشر: سوق أهل الجنة.
جاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا)177.
والمراد بالسوق: «مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق، ومعنى يأتونها كل جمعة: أي في مقدار كل جمعة أي: أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع لفقد الشمس والليل والنهار، وقال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال؛ لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، وبها يأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الأحاديث تسمية هذه الريح المثيرة، أي المحركة؛ لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها»178.
وهذا يعني أن في الجنة سوقًا يلتقي فيه المؤمنون مع بعضهم البعض ويتحدث بعضهم لبعض؛ ويتذاكرون ما كان في الدار الدنيا، ويتجدد هذا اللقاء كل جمعة، وهذا من نعيم الجنة الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين.
ومن جملة أحاديثهم ما جاء ذكره في قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور: ٢٥-٢٨].
لم يتحدث القرآن الكريم عن صفة أهل الجنة في أعمارهم وأشكالهم وطولهم، وتكفلت السنة النبوية بذكر ذلك من خلال الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة أهل الجنة، منها: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دُرِّيّ في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء)179.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول زمرة تلج الجنة، صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوطون فيها، آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم من الألوة، ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًّا)180.
وأما عن أعمارهم فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل أهل الجنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مردًا مكحلين، أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة)181.
وجُرْد: جمع أجرد وهو الذي لا شعر على جسده، مُرْد: جمع أمرد وهو غلام لا شعر على ذقنه، وقد يراد به الحسن بناء على الغالب،كُحْل: أي مكحول، وهو عين في أجفانها سواد خلقة182.
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة جرد مرد كحل، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم)183.
وأما أخلاق أهل الجنة فتتمثل في محبة بعضهم بعضًا كما وصفهم الله تعالى في قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف: ٤٣].
وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الحجر: ٤٧].
أي: «وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغلّ وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه»184.
والمتأمل في الأدلة الماضية يرى أن أهل الجنة يدخلون الجنة على صور مختلفة، فمنهم من يكون على صورة القمر ليلة البدر، ومنهم من يكون على أشد كوكب دري إضاءة في السماء، وفي هذا دليل على تفاوت درجاتهم على قدر أعمالهم في الحياة الدنيا، وأزواجهم الحور العين، وقلوبهم مجتمعة على قلب واحد، منزوع منها الحقد والعداوة، وصورهم على صورة آدم عليه السلام ستون ذراعًا في السماء، أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة، وهم جرد مرد كحل، لا تبلى ثيابهم، ولا يموتون.
أخبر الله تعالى في آياته الكريمة برؤية أهل الجنة له في الآخرة، قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [القيامة: ٢٢-٢٣].
أي: فوجوه المؤمنين المخلصين حين تقوم القيامة مضيئة مشرقة، تشاهد عليها نضرة النعيم، (ﭝ ﭞ ﭟ)، أي: تنظر إلى ربها عيانًا بلا حجاب185.
وقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس: ٢٦].
أي: للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه، فأطاعوه فيما أمر ونهى، أو أن للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا المثوبة الحسنى أي: التي تزيد في الحسن على إحسانهم، وهي مضاعفتها بعشرة أمثالها أو أكثر، وجاء هذا المعنى في قوله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النجم: ٣١].
أي: ولهم زيادة على هذه الحسنى فوق ما يستحقون على أعمالهم بعد مضاعفتها186.
وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى وعبادة بن الصامت، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف 187.
لذلك قال ابن القيم رحمه الله: «فلما نقلت رؤية الله سبحانه وتعالى بالأبصار في الآخرة عنهم ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا؛ علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين ومجتمعين»188.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)، ثم تلا هذه الآية: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس: ٢٦]189.
ودلالة الآيات المتقدمة أن الرؤية خاصة بالمؤمنين دون غيرهم من الكفار والمنافقين لذلك قال تعالى في شأن الكافرين: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المطففين: ١٥].
وثبت جواز رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث، منها ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن ناسًا قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: (هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟)، قالوا: لا يا رسول الله، قال: (فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟) قالوا: لا، قال: (فإنكم ترونه كذلك..)190.
وفي الحديث: دلالة على رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة، رؤية بالأبصار في عرصات القيامة، وفي روضات الجنان الفاخرة.
ويتضح مما تقدم: أن أفضل ما يعطاه أهل الجنة يوم القيامة رؤية الله تعالى وهو أعلى نعيم أهل الجنة، وأنها الزيادة التي وعد الله تبارك وتعالى بها المؤمنين من أهل الجنة وبشرهم بها، وهي واقعة لهم دون الكافرين كما ثبت بالكتاب والسنة.
إن دخول الجنة فوز عظيم لا يمكن أن ينال بالأعمال الصالحة فقط، وإنما ينال برحمة الله تعالى على عباده المؤمنين وفضله، لا من حيث الواجب لأنه لا واجب على الله تعالى، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يدخله عمله الجنة) فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني ربي برحمة)191.
ولا يتعارض هذا مع الأخذ بالأسباب لقوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الزخرف: ٧٢].
وقوله تعالى: (ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الأحقاف: ١٤].
لذلك لا بد لدخول الجنة من أعمال صالحة.
وتتفاوت درجات الجنة بحسب الأعمال، ويتنافس العباد في ذلك على قدر سعيهم وهمتهم للوصول إلى جنات الخلد، وتحدث القرآن الكريم عن ذلك في آيات كثيرة، وهذا ما سوف نوضحه من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الإيمان والعمل الصالح:
إن دوام الإيمان والعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والله قدر لعبده المؤمن وجوب الجنة بما ييسره له من ذلك وبشره بها كما قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ٨٢].
أي: «وأما الذين صدقوا الله ورسله، وآمنوا باليوم الآخر، وعملوا صالح الأعمال فأدّوا الواجبات، وانتهوا عن المعاصي فأولئك جديرون بدخول الجنة جزاء وفاقًا على إخباتهم لربهم وإنابتهم إليه وإخلاصهم له في السرّ والعلن، وفي هذا دليل على أن دخول الجنة منوط بالإيمان الصحيح والعمل الصالح معًا»192.
كما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسفيان بن عبد الله الثقفي، وقد قال له يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: قل آمنت بالله، ثم استقم)193.
وقال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [يونس: ٩].
أي: إن الذين صدقوا الله ورسوله، (ﭫ ﭬ)، وذلك العمل بطاعة الله والانتهاء إلى أمره، (ﭭ)، يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة194.
وقوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ)، فيه وجوه منها: الأول: أنه تعالى يهديهم إلى الجنة ثوابًا لهم على إيمانهم وأعمالهم الصالحة، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحديد: ١٢].
والثاني: إنّ المؤمنين يكون لهم نور يمشي بهم إلى الجنة، والثالث: أنه وصفهم بالهداية على طريق المدح لهم195.
قال الإمام الرازي: فإن قيل: كيف يقال: إن العبد يحكم بكونه من أهل الجنة بمجرد الإيمان، والله سبحانه وتعالى شرط لذلك العمل الصالح بظاهر قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النساء: ١٢٢].
وقوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ١٢٤].
وإلا لما كان للتقييد فائدة؟ قلنا: إن المراد بالعمل الصالح الإخلاص في الايمان، وقيل الثبات عليه إلى الموت، وكلاهما شرط في كون الإيمان سببًا لدخول الجنة196.
ويتضح مما تقدم: أن الإيمان والعمل الصالح من أسباب دخول الجنة، فبعض الآيات الكريمة تربط بين الإيمان والعمل الصالح وبين دخول الجنة، فكانت لهم جنات النعيم.
ثانيًا: طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم:
إن من موجبات دخول الجنة طاعة الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النساء: ١٣].
«وطاعة الله: هي ما شرعه من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول: هي اتباع ما جاء به من الدين عن ربه، فطاعته هي بعينها طاعة الله، كما قال في هذه السورة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)[النساء: ٨٠].
فهو إنما يأمرنا بما يوحيه إليه الله بما فيه منافع لنا في الدنيا والآخرة، وإنما ذكرها مع طاعة الله للإشارة إلى أن الإنسان لا يستغني بعقله وعلمه عن الوحي، وأنه لا بد له من هداية الدين؛ إذ لم يكن العقل وحده في عصر من العصور كافيًا لهداية أمة ولا مرقِّيًا لها بدون معونة الدين، فاتباع الرسل والعمل بهديهم هو أساس كل مدنية، والارتقاء المعنوي هو الذي يبعث على الارتقاء المادي، فالآداب والفضائل التي هي أسس المدنيات تستند كلها إلى الدين، ولا يكفي فيها بناؤها على العلم والعقل»197.
وقال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء: ٦٩].
أي: «من عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقًا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تعالى فقال: (ﮉ ﮊ ﮋ)»198.
وعلى ذلك يترتب على طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة والخلود فيها، كما يترتب على معصية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دخول النار والعذاب المهين، قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النساء: ١٤].
ثالثًا: التقوى:
إن التقوى سبب من أسباب دخول الجنة وشرط لحصول الرحمة من الله تعالى لقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [يس: ٤٥].
فالمتقين هم أحق الناس بالجنة، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [القلم: ٣٤].
أي: «إن للمتقين في الآخرة جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص، لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا»199.
وقال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [مريم: ٦٣].
قال ابن كثير رحمه الله: «أي هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة هي التي نورثها عبادنا المتقين، وهم المطيعون لله عز وجل في السراء والضراء، والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس، وكما قال تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) إلى أن قال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المؤمنون: ١-١١]200.
وتصف الآيات الكريمة كيف يدخل المتقين إلى الجنة وفدًا كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [مريم: ٨٥].
«أي اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى جنته وفدًا أي جماعات، قال ابن عباس رضي الله عنه: ركبانًا، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: على الإبل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ما يحشرون-والله- على أرجلهم، ولكن على نوقٍ، رحالها من الذهب، ونجائب، سروجها يواقيت، إن هموا بها سارت، وإن هموا بها طارت»201.
ويقرب الله تعالى إليهم الجنة إكرامًا لهم كما قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [ق: ٣١].
أي: وأدنيت الجنة وقرّبت للذين اتقوا ربهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، ثم قال عز وجل: غير بعيد أي ينظرون إليها قبل دخولها، ويقال غير بعيد، يعني: دخولهم غير بعيد202.
ثم يصف الله تعالى في آياته الكريمة ما أعده لعباده المتقين من نعيم وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النبأ: ٣١-٣٦].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران: ١٣٣].
ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلة التقوى وأن محلها القلوب بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره ثلاث مرات203.
ومما تقدم يتبين أن التقوى سبب من أسباب دخول الجنة وشرط لحصول الرحمة، ولا يمكن أن يكون المؤمن تقيًّا إلا إذا اتبع أوامر الله تعالى واجتنب كل نواهيه، عندها ينال رحمة الله تعالى الموجبة لدخول الجنة.
رابعًا: الاستقامة على دين الله:
إن من استقام على دين الله فإن الملائكة تنزل عليه وتبشره بالجنة، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت: ٣٠].
وقال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الأحقاف: ١٣].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، اعترافًا بربوبيته وإقرارًا بوحدانيته، (ﭖ ﭗ) في العمل وثمّ لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث أنه مبدأ الاستقامة، أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها، (ﭘ ﭙ ﭚ) فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن، أو عند الموت، أو الخروج من القبر، (ﭛ ﭜ) ما تقدمون عليه. ولا تحزنوا على ما خلفتم، (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) في الدنيا على لسان الرسل204.
وعلى ذلك فالاستقامة على دين الله تعالى تعني: الالتزام بطاعته والائتمار بأوامره والبعد عن معصيته، وهي سبب من أسباب دخول الجنة والنجاة من عذاب الله تعالى وغضبه في الآخرة، فمن استقام على دين الله تعالى نجى وفاز بالجنة، وللاستقامة أسباب منها: الصبر، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك.
خامسًا: الإحسان في العبادة:
إن الإحسان هو مراقبة الله تعالى في العبادة، وأن يعبد المرء الله تعالى كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، وعظم الله تعالى ثواب أهل الإحسان، فقال تعالى: (ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة: ١٩٥].
وقال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النحل: ١٢٨].
وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [لقمان: ٢٢].
وقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس: ٢٦].
والإحسان من أفضل مراتب العبودية وكمالها لذلك قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن: ٦٠].
أي: «ما جزاء من أحسن في الدنيا بطاعة الله تعالى إلا الإحسان إليه في الآخرة بالجنة ونعيمها»205.
وفسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل لما قال له: (فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)206.
قال القاضي عياض: «وقوله: (ما الإحسان)، وفسره فى الحديث بما معناه الإخلاص ومراقبة الله فى السر والإعلان، وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة، من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه»207.
وإن من موجبات دخول الجنة أن يكون المؤمن محسنًا لذلك وصف الله تعالى المحسنين بقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الذاريات: ١٦-١٩].
«أي إنهم كانوا فى دار الدنيا يفعلون صالح الأعمال، خشية من ربهم وطلبًا لرضاه، ومن ثم نالوا هذا الفوز العظيم، والمكرمة التي فاقت ما كانوا يؤملون ويرجون»208.
ثم فصل ما أحسنوا فيه فقال: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، أي كانوا ينامون القليل من الليل ويتهجدون في معظمه، قال ابن عباس: ما تأتى عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا؛ إلا يصلون فيها شيئًا إما من أولها أو من وسطها، وقال الحسن البصري: كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقله، وربما نشطوا فجدّوا إلى السحر. وعن أنس قال: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، (ﮓ ﮔ ﮕ)، أي فهم يحيون الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا فى الاستغفار، كأنهم أسلفوا فى ليلهم الجرائم، ولما ذكر أنهم يقيمون الصلاة ثنى بوصفهم بأداء الزكاة والبر بالفقراء فقال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)، أي وجعلوا فى أموالهم جزءًا معينًا ميزوه وعزلوه للطالب المحتاج، والمتعفف الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يسأل الناس، ولا يفطنون إليه ليتصدقوا عليه209.
سادسًا: الجهاد في سبيل الله تعالى:
جعل الله تعالى الجنة ثمنًا لمن جاهد في سبيله بنفسه وأمواله جزاءً له على إيمانه وإخلاصه في طاعة الله ورسوله؛ لذلك قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [التوبة: ١١١].
قال ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم والله فأغلى ثمنهم»210.
وفي الآية: ترغيب للمؤمنين في الجهاد ببيان حال المتخلفين عنه، ولا ترى ترغيبًا في الجهاد أحسن ولا أبلغ مما في هذه الآية لأنه أبرز في صورة عقد، عاقده رب العزة جل جلاله، وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط، بل كونهم قاتلين أيضًا لإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دينه سبحانه، وجعله مسجلًا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك، وجعل وعده حقًّا ولا أحد أوفى من واعده، فنسيئته أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الرحب والفوز العظيم، وهو استعارة تمثيلة، صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله تعالى لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء، وأتى بقوله سبحانه: يقاتلون إلخ بيانا لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم: (الجنة تحت ظلال السيوف)211.
قال الجصاص: «أطلق الشرى فيه على طريق المجاز؛ لأن المشتري في الحقيقة هو الذي يشترى مالا يملك، والله تعالى مالك أنفسنا وأموالنا ولكنه كقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [البقرة: ٢٤٥].
فسماه شرى كما سمى الصدقة قرضًا لضمان الثواب فيهما به، فأجرى لفظه مجرى ما لا يملكه العامل فيه استدعاء إليه وترغيبًا فيه»212.
وتصور الآية الكريمة كل أطراف البيع والشراء، والبائع والمشتري، والثمن، فالبائع هو المؤمن، والمشتري هو الله، والثمن الجنة، ومن رحمة الله أن جعل الله الإنسان مالكًا لنفسه وماله، يتصرف فيهما بحرية واختيار وإرادة، ليقبض الثمن وهو الجنة، وإن كان الله هو المالك الحقيقي للأنفس والأموال، ولكن القرآن الكريم يصوّر الإنسان مالكًا وبائعًا وقابضًا للثمن، لتكون الصورة ملائمة للواقع المنظور في الحياة، بدلًا من تصوير الغيب المستور213.
ويتبين مما مضى أن الجهاد في سبيل الله تعالى سبب من أسباب دخول الجنة، وأن من جاهد في سبيل الله تعالى فجزاؤه الجنة التي وعده الله تعالى بها؛ لأنه باع نفسه وماله ليقاتل في سبيل الله تعالى.
سابعًا: الصبر على الابتلاء:
إن طلب الجنة ودخولها لا يتم ولا يكمل إلا بالصبر على الابتلاء واحتمال الشدائد في التكليف وإقامة الحق؛ لذلك قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة: ٢١٤].
أي: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من البأساء وهو شدة الحاجة والفاقة، والضراء وهي العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم أي ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهدٌ، حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ، وأنه معليهم على عدوّهم، ومظهرهم عليه، فنجّز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا214.
وقال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [آل عمران: ١٤٢].
وقوله: (ﭣ ﭤ): «يعني الصابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من جرح وألم ومكروه»215.
وتحث هذه الآيات الكريمة المؤمنين على الصبر عند الابتلاء، وتدعوهم إلى الثبات والتحمل بذكر قصص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والسابقين، وما يلقّى الأعمال الصالحة وجزاءها إلا أهل الصبر، قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [فصلت: ٣٥].
وبشر الله تعالى الصابرين بمضاعفة الأجر بقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [القصص: ٥٤].
وزاد على ذلك بأجر لا حد له بقوله تعالى: (ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر: ١٠].
وورد الصبر في السنة أيضًا في أحاديث متعددة، منها: ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولن تعطوا عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)216.
وبشر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يصبر على فقد عينيه بالجنة بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة)217.
فالصبر عند الابتلاء سبب من أسباب دخول الجنة، فلا يمكن دخول الجنة إلا بالصبر على المكاره وعند الشدائد والمصائب، وحبس النفس عن الذنوب والمعاصي، والصبر على طاعة الله تعالى فكل ذلك يؤدي إلى الجنة.
ثامنًا: الإخبات:
ذكر الله تعالى في آياته الكريم صفة من صفات أهل الجنة وهي الإخبات فقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [هود: ٢٣].
أي إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا فى الدنيا الأعمال الصالحة، فأتوا بالطاعات وتركوا المنكرات، وخشعت نفوسهم واطمأنت إلى ربهم أولئك هم قطّان218 الجنة الذين لا يخرجون منها ولا يموتون، بل هم ما كثون فيها أبدًا219.
وقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ) فيه خمسة تأويلات: أحدها: يعني خافوا ربهم، وهو قول ابن عباس، الثاني: يعني اطمأنوا، قاله مجاهد، الثالث: أنابوا، وهو قول قتادة، الرابع: خشعوا وتواضعوا لربهم، رواه معمر، الخامس: أخلصوا إلى ربهم، قاله مقاتل220.
وقال الراغب الاصفهاني: الخبت: المطمئن من الأرض، وأخبت الرّجل: قصد الخبت، أو نزله، نحو: أسهل وأنجد، ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين والتّواضع، قال الله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ) [هود: ٢٣].
وقال تعالى: (ﮒ ﮓ) [الحج: ٣٤].
أي: المتواضعين، نحو: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأعراف: ٢٠٦].
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ) [الحج: ٥٤]، أي: تلين وتخشع221.
وعلى ذلك فمعنى الإخبات هو الاطمئنان والتواضع والخشوع والخضوع لله عز وجل في طاعته وعبادته والانقطاع إليه.
وقد بشر الله تعالى المخبتين من عباده ووصفهم بقوله عز وجل: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الحج: ٣٤- ٣٥].
أي وبشر أيها الرسول الخاضعين لله بالطاعة، المذعنين له بالعبودية، المنيبين إليه بالتوبة، بما أعدّ لهم من جزيل ثوابه، وجليل عطائه، ثم بين سبحانه علاماتهم فقال:
وكل هذا من آثار الإخبات على نفوس المؤمنين حيث وجلت قلوبهم لذكر الله تعالى، والصبر على أقداره، والإخلاص في عبوديته، والإحسان إلى خلقه، كما مضى في الآية الكريمة.
لقد ذكر القرآن الكريم الذين يدخلون الجنة وصفاتهم، وكذلك ذكر أن هناك أصنافًا حرمت من الجنة وهم كثير، وجاءت النصوص بشأنهم من الكتاب والسنة، منها ما يأتي:
١. إبليس.
وهو اسم أعجمي، وقيل عربى واشتقاقه من الإبلاس؛ لأن الله تعالى أبلسه من رحمته، وآيسه من مغفرته223، وهو أول من حرم من الجنة وطرد منها ولا يمكن له أبدًا دخولها، وسبب حرمانه منها، عصيانه لأمر الله تعالى حين أمره بالسجود لآدم فأبى واستكبر، كما قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ٣٤].
أي: «امتنع عما أمر به، استكبارًا من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه، أو يعظمه ويتلقاه بالتحية، أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه»224.
فأمر الله تعالى إبليس بأن يهبط من الجنة إلى الأرض في قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف: ١٣].
لعصيانه أمر ربه، وخروجه عن طاعته، فما ينبغي له أن يتكبر فيها ثم أمره تعالى بالخروج من الجنة ذليلًا حقيرًا كما قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأعراف: ١٨].
٢. الكافرون.
وهم الذين حرموا من الجنة بدليل قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [آل عمران: ١١٦].
وقال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [النساء: ١٦٨- ١٦٩].
أي: «الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به وبما جاءهم به من عند الله لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، يعني: لن تدفع أمواله التي جمعها في الدنيا، وأولاده الذين ربّاهم فيها، شيئًا من عقوبة الله يوم القيامة إن أخرها لهم إلى يوم القيامة، ولا في الدنيا إن عجّلها لهم فيها»225.
وهذا وعيدٌ من الله تعالى للأمم الأخرى الفاسقة من أهل الكتاب، الذين أخبر عنهم بأنهم فاسقون، وأنهم قد باؤوا بغضب منه، ولمن كان من نظرائهم من أهل الكفر بالله ورسوله وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله.
٣. المبتغون غير الإسلام دينًا.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٨٥].
أي: ومن يطلب دينًا غير دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل الله منه وهو في الآخرة من الخاسرين، أي: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عز وجل، بإبطال الفطرة السليمة التى فطر الناس عليها، وترك منزله في الجنة، واختار منزله في النار226.
٤. المنافقون.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [التوبة: ٦٨].
«أي وعد الله هؤلاء جميعًا نار جهنم يصلونها ماكثين فيها أبدًا، وقدم المنافقين في الوعيد على الكفار للإيذان بأنهم وإن أظهروا الإيمان وعملوا أعمال الإسلام شر من الكفار، ولا سيما المتدينين منهم بأديان محرّفة أو منسوخة كأهل الكتاب»227.
وقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النساء: ١٣٨].
وبعد ما وعدهم الله تعالى بنار جهنم وبشرهم بالعذاب الأليم بين الله تعالى مكانهم من تلك النار فقال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [النساء: ١٤٥].
أي: «في الطّبق الأسفل من أطباق جهنم»228.
قال الزمخشري: «الدرك الأسفل: الطبق الذي في قعر جهنم، والنار سبع دركات، سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض، فإن قلت: لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر؟ قلت: لأنه مثله في الكفر، وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله ومداجاتهم»229.
٥. أكلة أموال اليتامى.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ١٠].
قال الإمام الرازي: «إنه تعالى أكد الوعيد في أكل مال اليتيم ظلمًا، وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك، كقوله: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء: ٢].
(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ٩].
ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم، وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى؛ لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة، وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى»230.
٦. المتكبرون.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأعراف: ٣٦].
أي: «إن الذين كذبوا بآياتنا المنزلة على أحد من رسلنا واستكبروا عن اتباع من جاء بها حسدًا له على الرياسة وتفضيلًا لأنفسهم عليه، أو لقومهم على قومه فأولئك أصحاب النار يخلدون فيها أبدًا»231.
وإنما ذكر الاستكبار؛ لأن كل مكذب وكل كافر مستكبر، إنما كذب وكفر تكبرًا، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الصافات: ٣٥].
أي: استكبروا عن الإقرار بالوحدانية أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 232.
والاستكبار في الآية الكريمة عن قبول الآيات ورفضها كبرًا وعنادًا لمن جاء بها كما حدث من رؤساء قريش حين استكبروا أن يكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم إمامًا لهم، إذ رأوا أنفسهم أحق بالرياسة منه، لأنهم أكثر منه مالًا وأعز نفرًا.
وجاء في الحديث الصحيح عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار: كل عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ مستكبر)، وفي رواية لمسلم: (كل جواظ زنيم متكبر)233.
قال الإمام النووي: أما العتل: فهو الجافي الشديد الخصومة بالباطل، وقيل الجافي الفظ الغليظ، وأما الجوّاظ: فهو الجموع المنوع، وقيل: كثير اللحم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين، وقيل: الفاخر، وأما الزنيم فهو الدعي في النسب الملصق بالقوم وليس منهم، شبه بزنمة الشاة، وأما المتكبر والمستكبر فهو صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس234.
والمتأمل في القرآن الكريم والسنة والنبوية يجد كثيرًا من أصناف الناس من حرم الجنة، وما ذكرناه ما هو إلا بعضًا منها، والنصوص كثيرة في صفات أهل النار، وقد ذكر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أشخاصًا بأعيانهم في النار، منهم على وجه الإيجاز: قارون وفرعون وهامان، وامرأة نوح وامرأة لوط عليهما الصلاة والسلام، وأبو لهب وامرأته، وغيرهم.
موضوعات ذات صلة: |
الثواب، الجزاء، الحساب، النار، اليوم الآخر |
1 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠٩٤، مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/ ٤٢١، لسان العرب، ابن منظور، ١٣/١٠٠، القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١١٨٧.
2 المفردات، الراغب الأصفهاني، ١/٢٠٤.
3 حادي الأرواح، ابن القيم ١/٩٤.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١٧٩- ١٨٢.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ١٥٣.
6 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٦٨.
7 الجنة والنار، عمر الأشقر ص١١.
8 رسالة في أسس العقيدة، محمد السعوي ص٧٤.
9 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، ٩/١٤٤ ، رقم ٧٤٩٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ٤/٢١٧٤، رقم ٢٨٢٤.
10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)، ٤/١٦٥، رقم ٣٤٣٥.
11 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٩/٩٢، رقم ٧٢٨٠.
12 أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ٨/١١٣، رقم ٦٥٤٨.
13 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، ٤/١٢٨١، رقم ٢٨٣٦.
14 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، رقم ٢٨٣٧، ٤/٢١٨٢.
15 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، ٧/١٢١، رقم ٥٦٧٣.
16 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢٣٣.
17 مفاتيح الغيب، الرازي، ٣/٤٥١.
18 انظر: المصدر السابق.
19 انظر: المصدر السابق، ٣/٤٥٢.
20 المصدر السابق.
21 المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/١٢٦.
22 مفاتيح الغيب، الرازي، ٣/٤٥٢.
23 المصدر السابق.
24 المصدر السابق.
25 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/٩٦.
26 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٢/١١٤، مفاتيح الغيب، الرازي، ١٣/١٤٦.
27 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٣٣٨.
28 مدارك التنزيل، النسفي، ٢/١٧.
29 تفسير عبد الرزاق، ٢/١٧٣.
30 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٩٨، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٤/٤٩١.
31 تفسير المراغي، ١٨/١٥٨.
32 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٦/٢٤١.
33 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥٥٢.
34 التبيان في تفسير غريب القرآن، ابن الهائم، ١/١٨٣.
35 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٣/١٣١.
36 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/١٨٦.
37 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥٥١.
38 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٣/١٣١.
39 النكت والعيون، الماوردي، ٢/٣٨١.
40 المصدر السابق.
41 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٣/ ٤٦٣، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/١٩٩.
42 المفردات ١/٢٦٩.
43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٩٤.
44 انظر: مدارك التنزيل، النسفي، ٣/١٠، روح المعاني، الألوسي، ١١/١٣١.
45 روح المعاني، الألوسي، ١١/١٣١.
46 معترك الأقران، السيوطي، ٣/٣٥١.
47 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/٣٤٨.
48 انظر: المصدر السابق، زاد المسير في علم التفسير، ٣/١١٣.
49 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/٣٤٨،.
50 انظر: المصدر السابق.
51 انظر: المعرب، الجواليقي، ص٢٨٨.
52 انظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن، عودة خليل أبو عودة، ص٤٠٥.
53 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/٣٤٨، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢١/٥٠٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١١/٦٨.
54 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/٣٤٨.
55 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/١٣١، النكت والعيون، الماوردي، ٣/٣٤٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١١/٦٨.
56 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/٣٤٨.
57 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/١٣١، زاد المسير في علم التفسير، ٣/١١٣، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢١/٥٠٢.
58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (وكان عرشه على الماء)، ٩/١٢٥، رقم ٧٤٢٣.
59 انظر: حادي الأرواح، ١/٩٤.
60 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣١١.
61 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢٦٣.
62 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٠/٣١٩.
63 أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، ٤/١٦، رقم ٢٧٩٠.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ٤/١١٩، رقم ٣٢٥٦.
65 انظر: إكمال المعلم، القاضي عياض، ٦/٣٠٤.
66 الكشاف، الزمخشري، ١/ ٢٩٧.
67 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة، ١/٢٨٨، رقم ٣٨٤.
68 انظر: فيض القدير، المناوي، ٤/١٠٨.
69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، ١/١٧٦، رقم ١٨٩.
70 المفردات ص١٥٠.
71 تفسير القرآن العظيم، ٧/١١٩.
72 المصدر السابق ٧/٧٧.
73 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٥/٢١٩.
74 حادي الأرواح، ابن القيم ١/٥٤.
75 أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة أبواب الجنة، ٤/١١٩، رقم ٣٢٥٧.
76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، ٣/٢٥، رقم ١٨٩٧.
77 قانون التأويل، أبو بكر بن العربي، ١/٥٤٩.
78 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار، ١/٥٧، رقم ٢٨.
79 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، ١/١٨٤، رقم ١٩٤.
80 انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، ٣/٦٩.
81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا»، ١/١٨٨، رقم ١٩٧.
82 حادي الارواح، ١/١٧٨.
83 المصدر السابق.
84 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة، ٥/٣٦٣.
85 المصدر السابق.
86 وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبد السلام الراغب، ص٣٦٥.
87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب شرب اللبن، ٧/١٠٩، رقم ٥٦١٠.
88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة، ٤/٢١٨٣، رقم ٢٨٣٩.
89 مرقاة المفاتيح، الملا علي القاري، ٩/٣٥٨٦.
90 البرهان، الزركشي، ٣/٣٣.
91 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٢/١٦٧، تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٩/٢٧٢.
92 انظر: لمسات بيانية، فاضل السامرائي ص٦٢٦.
93 القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل ص١١٧.
94 تفسير المراغي، ٢٦/٥٨.
95 جامع البيان، الطبري، ٢٢/١٦٧.
96 تفسير المراغي، ٢٦/٥٨.
97 النكت والعيون، الماوردي، ٥/٤٥٢.
98 المصدر السابق.
99 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٢/٣١٣.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب في الحوض، ٨/١٢٠، رقم ٦٥٨١.
101 جامع البيان، الطبري ٢٤/٦٤٥.
102 المصدر السابق، ٢٤/٦٤٦.
103 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٢/٣١٣.
104 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٤/ ٦٤٨.
105 انظر: المصدر السابق.
106 المفردات ص٧٠٣.
107 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ٨/٧٣٢.
108 مفاتيح الغيب، الرازي، ٣١/٩٣.
109 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٣٥٣.
110 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٦/١٧١.
111 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٤/١٠٧.
112 المصدر السابق ٢٤/١٠٩.
113 تفسير المراغي، ٢٩/١٦٤.
114 جامع البيان، الطبري، ٢٤/٩٤.
115 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٩١.
116 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/٢٠٤.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب القصر في المنام، ٩/٣٩، رقم ٧٠٢٤.
118 جامع البيان، الطبري، ٢٢/١٦٠.
119 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم الجمعة، ٨/١١١، رقم ٦٥٣٥.
120 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٣/٩٩، النكت والعيون، الثعلبي، ٩/١٢٧، مفاتيح الغيب، الرازي، ٣١/١٤٣.
121 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٩/٤٩٠.
122 التحرير والتنوير، ٣٠/٣٠٢.
123 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٣٨٦.
124 تفسير المراغي، ٣٠/١٣٥.
125 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/١٥٦، التحرير والتنوير، ١٥/٣١٤.
126 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢١/٤٦١، التحرير والتنوير، ١٥/٣١٤.
127 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/١٥٦.
128 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ١٠/٣٦٦.
129 جامع البيان، الطبري، ٢٤/٣٨٧.
130 انظر: المفردات، ص٣٧٩.
131 انظر: تفسير القرآن العظيم، ٨/٣٨٦.
132 انظر: المفردات، ص٥٤٤.
133 التحرير والتنوير، ٢٧/٢٧٥.
134 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٣/٨٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٥٠٩.
135 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد ص٧٨٥.
136 انظر: التحرير والتنوير، ٢٧/٢٤٢.
137 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/١٥٦.
138 انظر: تفسير المراغي، ٢٧/١٠٨.
139 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد ص٣٩٩.
140 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/١٨٥.
141 المصدر السابق، ١٧/١٨٦.
142 انظر: تفسير السمعاني، ٥/٣٣٧.
143 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٩/٣٨٠.
144 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/١٧٩، مدارك التنزيل، النسفي، ٣/٤٢٢.
145 النكت والعيون، الماوردي، ٥/٤٥٣.
146 المفردات، ص٤٠٣.
147 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/٢٠٩.
148 انظر: جامع البيان، الطبري، ١/٣٦.
149 المصدر السابق.
150 المصدر السابق ٢٣/٦٢.
151 المصدر السابق ٢٢/٤٦٦.
152 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٨/٢٠٦.
153 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٨/١٢٦.
154 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٦/٤٦٩.
155 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٧/٤٥٦٤.
156 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٨/٢١٠.
157 انظر: روح المعاني، الألوسي، ١٤/١٣٧.
158 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في صفات الجنة وأهلها ٤/٢١٨٠، رقم ٢٨٣٥.
159 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٤/٢٩٥، تفسير القرآن، السمعاني، ٦/١٨٣.
160 انظر: المختارة الضياء المقدسي، ١٠/٣٠٠، حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني، ١/ ٣٤٣.
161 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/١٨.
162 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٢/٢٩.
163 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال، وقدر ما يجوز منه، ٧/١٥٠، رقم ٥٨٣٤.
164 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، ٤/٢١٨١، رقم ٢٨٣٦.
165 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٨/٢٥٨.
166 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٣٩٧.
167 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، ١/٢١٩، رقم ٢٥٠.
168 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٢/٤٦٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/١٥٢.
169 تفسير السمرقندي، ٣/١٤١.
170 تفسير المراغي، ٢٧/١٢٩.
171 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الحور العين، وصفتهن يحار فيها الطرف، شديدة سواد العين، شديدة بياض العين، ٤/١٧، رقم ٢٧٩٦.
172 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٤٥١.
173 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٧/٦٤٢.
174 تفسير المراغي، ١/٦٩.
175 الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧٢٦٢.
176 انظر: مفاتيح الغيب، ٣٠/٧٥٣.
177 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال، ٤/٢١٧٨، رقم ٢٨٣٣.
178 انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٧/١٧١.
179 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم، ٤/٢١٧٩، رقم ٢٨٣٤.
180 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًّا، ٤/٢١٨٠، رقم ٢٨٣٤.
181 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٦/٣٥٣، رقم ٢٢٠٢٤، والترمذي في سننه، أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في سن أهل الجنة، ٤/٦٨٢، رقم ٢٥٤٥.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب وبعض أصحاب قتادة رووا هذا عن قتادة، مرسلًا ولم يسندوه».
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٤١، رقم ٨٠٧٢
182 انظر: مرقاة المفاتيح، الملا علي القاري، ٩/٣٥٩٠.
183 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة، ٤/٦٧٩، رقم ٢٥٣٩ .
قال الترمذي: «هذا حديث غريب».
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٥، رقم ٢٥٢٥.
184 جامع البيان، الطبري، ١٢/٤٣٧.
185 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٢٧٩، تفسير المراغي، ٢٨/١٥.
186 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٥/ ٦٢، تفسير المراغي، ١١/٩٥.
187 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٢٦٢.
188 حادي الأرواح، ١/٣٣٢.
189 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، ١/١٦٣، رقم ١٨١.
190 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل السجود، ١/١٦٠، رقم ٨٠٦.
191 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، ٤/٢١٦٩، رقم ٢٨١٦.
192 تفسير المراغي، ١/١٥٤.
193 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، ١/٦٥، رقم ٣٨.
194 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٥/ ٢٧.
195 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٢/٤٢٤، مفاتيح الغيب، الرازي، ١٧/٢١٣.
196 انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، زين الدين الرازي، ص٨٦.
197 تفسير المراغي، ٤/٢٠٢.
198 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٣٥٣.
199 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/٢٤٦.
200 تفسير القرآن العظيم، ٥/٢٤٨.
201 لباب التأويل، الخازن، ٣/١٩٧.
202 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٢/٣٦٣، تفسير السمرقندي، ٣/٣٣٧.
203 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله، ٤/١٩٨٦، رقم ٢٥٦٤.
204 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/٧١.
205 الوجيز، الواحدي، ص١٠٥٦.
206 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان والإسلام، رقم ٨، ١/٣٦.
207 إكمال المعلم بفوائد مسلم، ١/٢٠٥.
208 تفسير المراغي، ٢٦/١٧٩.
209 المصدر السابق.
210 تفسير القرآن العظيم، ٤/٢١٨.
211 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٦/٢٧.
212 أحكام القرآن، الجصاص، ٢/٢٦٨.
213 انظر: وظيفة الصورة الفنية في القرآن، ١/١١٣.
214 انظر: جامع البيان، الطبري، ٤/٢٨٨.
215 جامع البيان، الطبري، ٧/٢٤٦.
216 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله تعالى، ٨/٩٩، رقم ٦٤٧٠.
217 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره، ٧/١١٦، رقم ٥٦٥٣.
218 قطن بالمكان يقطن: أي أقام به وتوطنه، فهو قاطن، والجمع قطان.
انظر: الصحاح، الجوهري، ٦/٢١٨٢.
219 تفسير المراغي، ١٢/٢٣.
220 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٥/ ٢٨٩، ٢٩٠، النكت والعيون، الماوردي، ٢/٤٦٥.
221 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٧٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٢١.
222 انظر: تفسير المراغي، ١٧/١١٣.
223 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٦/١٠٣.
224 أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/٧١.
225 جامع البيان، الطبري، ٧/١٣٣.
226 انظر: جامع البيان، الطبري، ٦/٥٧٠، تفسير السمرقندي، ١/٢٢٨، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/٢٦.
227 تفسير المراغي، ١٠/١٥٧.
228 جامع البيان، الطبري، ٩/٣٣٧.
229 الكشاف، الزمخشري، ١/٥٨١.
230 مفاتيح الغيب، الرازي، ٩/٥٠٦.
231 تفسير المراغي، ٨/١٤٦.
232 تفسير القرآن، السمعاني، ٢/١٧٩.
233 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الكبر، ٨/٢٠، رقم ٦٠٧١، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، ٤/٢١٩٠، رقم ٢٨٥٣.
234 انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم ١٧/١٨٨.