عناصر الموضوع

مفهوم التوراة

التوراة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

اقتران التوراة بالإنجيل في القرآن

تلقي موسى عليه السلام ألواح التوراة

صفات التوراة في القرآن

الأحكام التشريعية في التوراة

الربانيون والأحبار وحفظ التوراة

عيسى عليه السلام والتوراة

التوراة

مفهوم التوراة

أولًا: المعنى اللغوي:

قال أبو حيان: «التّوراة: اسمٌ عبرانيٌّ، وقد تكلّف النّحاة في اشتقاقها، وفي وزنها، وذلك بعد تقرير النّحاة أنّ الأسماء الأعجميّة لا يدخلها اشتقاقٌ، وأنّها لا توزن، يعنون اشتقاقًا عربيًّا»1.

وقال الطاهر بن عاشور: «هو اسمٌ عبرانيٌّ أصله (طورا) بمعنى الهدى، والظّاهر أنّه اسمٌ للألواح الّتي فيها الكلمات العشر الّتي نزلت على موسى عليه السلام في جبل الطّور؛ لأنّها أصل الشّريعة الّتي جاءت في كتب موسى، فأطلق ذلك الاسم على جميع كتب موسى، واليهود يقولون (سفر طورا) فلمّا دخل هذا الاسم إلى العربيّة أدخلوا عليه لام التّعريف الّتي تدخل على الأوصاف والنّكرات لتصير أعلامًا بالغلبة: مثل العقبة»2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

جاء في تفسير المنار: «أما التوراة في عرف القرآن فهي ما أنزله الله تعالى من الوحي على موسى عليه الصلاة والسلام؛ ليبلغه قومه لعلهم يهتدون به»3.

وقيل: «التوراة اسمٌ للكتاب المنزّل على موسى عليه السلام»4.

قال تعالى: ( ﮆﮇ ) [المائدة:٤٤].

وقد أمر الله كثيرًا من الأنبياء بعد موسى بتبليغها؛ قال الرازي: «قوله ( ) يريد النبيين الذين كانوا بعد موسى، وذلك أن الله تعالى بعث في بني إسرائيل ألوفًا من الأنبياء ليس معهم كتاب، إنما بعثهم بإقامة التوراة، حتى يحدوا حدودها، ويقوموا بفرائضها، ويحلوا حلالها، ويحرموا حرامها»5.

ولقد اعتمد اليهود تسعة وثلاثين سفرًا أطلق عليها اسم (العهد القديم)، ويعتبرونها أسفارًا مقدسة، أي: موصى بها، ويطلقون على خمسة منها إطلاقًا حقيقيًّا اسم التوراة، أو كتب موسى؛ لأنها في زعمهم قد أنزلها الله على موسى عليه السلام وكتبها موسى بنفسه، وهذه الأسفار الخمسة هي: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر التثنية، وسفر اللاويين، وسفر العدد.

ولا علاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي؛ لكون اللفظة أصلها أعجمية ثم عربت.

التوراة في الاستعمال القرآني

وردت التوراة في القرآن (١٨) مرة6.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الاسم

١٨

( ) [آل عمران:٣]

وجاءت التوراة في الاستعمال القرآني اسمًا للكتاب الذي أنزله الله على نبيه موسى عليه السلام 7.

الألفاظ ذات الصلة

القرآن:

القرآن لغة:

القاف والراء والياء أصل صحيح يدل على الشيء المجموع، وقرأت الشيء قرآنًا: جمعته، وضممت بعضه على بعض، وقرأت الكتاب قراءةً وقرآنًا، ومنه سمّي القرآن؛ لأنه يجمع السور فيضمّها8.

القرآن اصطلاحًا:

كلام الله تعالى، المنزّل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بواسطة سيدنا جبريل عليه السلام، المتعبّدُ بتلاوته، المنقولُ إلينا بالتواتر، المقروءُ في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة، والمنتهي بسورة الناس»9.

الصلة بين التوراة والقرآن:

تتفق الكلمتان في كونهما كلام الله المنزل من عنده بواسطة جبريل لتبليغه للناس، وتختلفان في اللغة، والإعجاز، والتحريف؛ فالتوراة نزلت على موسى عليه السلام بالعبرية غير معجزة، ولم يتكفل الله بحفظها، فدخل عليها التحريف، بينما القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالعربية، وهو معجز، وقد تكفل الله بحفظه؛ فهو بعيد عن التحريف.

الإنجيل:

الإنجيل لغةً:

قال ابن منظور: «الإنجيل: كتاب عيسى، على نبيّنا وعليه -الصّلاة والسّلام-، يؤنث ويذكّر، فمن أنّث أراد الصّحيفة، ومن ذكّر أراد الكتاب»10. ويجمع على أناجيل.

وقد اختلف العلماء في أصله اللغوي، وهل هو عربي أو معرّب، والراجح هو أن كلمة الإنجيل معرّبة.

الإنجيل اصطلاحًا:

كلمة إنجيل إذا أطلقت فلها معنيان:

الأول: الكتاب المنزل من عند الله تعالى على المسيح عليه السلام، وهو مفقود، ولم يبق منه إلا نتف قليلة مما بين أيدي النصارى الآن، قال الطاهر بن عاشور في تعريفه بهذا المعنى: «اسمٌ للوحي الّذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه»11.

الثاني: الإنجيل الذي تعظّمه النصارى الآن، وهو عبارة عن «أربعة كتبٍ تعرف بالأناجيل الأربعة».

الصلة بين التوراة والإنجيل:

تتفق التوراة والإنجيل في كونهما كلام الله أنزله من عنده على أنبيائه لتبليغه بني إسرائيل، وهما غير معجزين، ولم يتكفل الله بحفظهما، ويختلفان بأن التوراة أنزلت على موسى، بينما الإنجيل أنزل على عيسى عليهما السلام.

الزبور:

الزبور لغةً:

قال ابن فارس: (زبر) «الزاي والباء والراء أصلان: أحدهما يدل على إحكام الشيء وتوثيقه، والآخر يدل على قراءة وكتابة وما أشبه ذلك، زبرت الكتاب، إذا كتبته، ومنه الزبور»12. وقال الكفوي: «كل كتاب غليظ الكتابة يقال له زبور»13.

الزبور اصطلاحًا:

هو كلام الله المنزل وحيًا على رسوله داود عليه السلام ليبلغه لقومه.

الصلة بين التوراة والزبور:

تتفق التوراة والزبور في كونهما كلام الله أنزله من عنده على أنبيائه لتبليغه بني إسرائيل، وهما غير معجزين، ولم يتكفل الله بحفظهما، ويختلفان بأن التوراة أنزلت على موسى، بينما الزبور أنزل على داود عليهما السلام.

صحف إبراهيم وموسى:

الصحف لغةً:

قال ابن فارس: «الصاد والحاء والفاء أصل صحيح يدل على انبساط في شيء وسعة. يقال: إن الصحيف: وجه الأرض، ومن الباب: الصحيفة، وهي التي يكتب فيها، والجمع: صحائف، والصحف أيضًا، كأنه جمع صحيف»14.

الصحف اصطلاحًا:

وهي كلام الله الذي أنزله على نبيه إبراهيم، وتسمى صحف إبراهيم، وكلام الله المنزل على موسى، وهو التوراة، وتسمى صحف موسى، وهو مذهب أكثر المفسرين، والله أعلم.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما نزلت ( ) [الأعلى:١] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلها في صحف إبراهيم وموسى)15.

الصلة بين التوراة وصحف إبراهيم وموسى:

مما سبق يتضح أنه لا فرق بين التوراة وبين صحف موسى، فهما اسمان لمسمى واحد، أما صحف إبراهيم؛ فقد قال ابن عاشور: «وأما صحف إبراهيم فكان المأثور منها أشياء قليلة، وقدرت بعشر صحف، أي مقدار عشر ورقات بالخط القديم، تسع الورقة قرابة أربع آيات من آي القرآن، بحيث يكون مجموع صحف إبراهيم مقدار أربعين آية»16.

اقتران التوراة بالإنجيل في القرآن

اقترن ذكر التوراة والإنجيل في القرآن ست مرات؛ وفي ذلك إشارة لأمر معين ولحكمة معينة؛ فالتوراة والإنجيل نزلتا على بني إسرائيل، «فالرسالة التي أنزلت على عيسى عليه السلام، مكمّلة لرسالة موسى عليه السلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح»17.

فالتوراة أصل كالقرآن؛ قال ابن تيمية: «والقرآن أصل كالتوراة وإن كان أعظم منها؛ ولهذا علماء النصارى يقرنون بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال النجاشي ملك النصارى لما سمع القرآن: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.»18.

ولشيخ الإسلام في هذا الأمر كلام نفيس حيث قال: لقد علّم الله المسيح التوراة والإنجيل.

قال تعالى: ( ) [آل عمران:٤٨].

ومن المعلوم أنه لولا أنه متبع لبعض ما في التوراة لم يكن تعلمها له منّة؛ ألا ترى أنا نحن لم نؤمر بحفظ التوراة والإنجيل وإن كان كثير من شرائع الكتابين يوافق شريعة القرآن؛ فهذا وغيره يبين ما ذكره علماء المسلمين من أن الإنجيل ليس فيه إلا أحكام قليلة، وأكثر الأحكام يتبع فيها ما في التوراة، وبهذا يحصل التغاير بين الشرعتين.

ولهذا كان النصارى متفقين على حفظ التوراة وتلاوتها كما يحفظون الإنجيل، ولهذا لما سمع النجاشي القرآن قال: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، وكذلك ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم -لما ذكر له ما يأتيه- قال: هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى.

وكذلك قالت الجن: ( ) [الأحقاف:٣٠].

وقال تعالى: ( ﮦﮧ ) [القصص:٤٨].

فهذا وما أشبهه مما فيه اقتران التوراة بالقرآن وتخصيصها بالذكر يبين ما ذكروه من أن التوراة هي الأصل، والإنجيل تبع لها في كثير من الأحكام، وإن كان مغايرًا لبعضها؛ فلهذا يذكر الإنجيل مع التوراة والقرآن في مثل قوله: ( ) [آل عمران:٣].

وقال: ( ) [التوبة:١١١]، فيذكر الثلاثة تارة، ويذكر القرآن مع التوراة وحدها تارة لحكمة، وهي: أن الإنجيل من وجه أصل ومن وجه تبع، بخلاف القرآن مع التوراة؛ فإنه أصل من كل وجه، بل هو مهيمن على ما بين يديه من الكتاب، وإن كان موافقًا للتوراة في أصول الدين وكتبه من الشرائع، والله أعلم19.

كما ارتبط إنزال التوراة والإنجيل بكيفية واحدة، وهي النزول كاملة غير منجمة بخلاف القرآن الكريم، قال تعالى: ( ) [آل عمران:٣].

قال الرازي: «وإنما خص القرآن بالتنزيل، والتوراة والإنجيل بالإنزال، لأن التنزيل للتكثير، والله تعالى نزل القرآن نجمًا نجمًا، فكان معنى التكثير حاصلًا فيه، وأما التوراة والإنجيل فإنه تعالى أنزلهما دفعة واحدة، فلهذا خصهما بالإنزال»20.

وقال أبو السعود: ( ) [آل عمران:٣]. تعيينٌ لما بين يديه، وتبيينٌ لرفعة محلّه، تأكيدًا لما قبله وتمهيدًا لما بعده؛ إذ بذلك يترقى شأن ما يصدّقه رفعةً ونباهةً، ويزداد في القلوب قبولًا ومهابةً، ويتفاحش حال من كفر بهما في الشناعة واستتباع ما سيذكر من العذاب الشديد والانتقام، أي أنزلهما جملةً على موسى وعيسى عليهما السّلام، وإنما لم يذكرا لأن الكلام في الكتابين لا فيمن أنزلا عليه21.

ومن أركان العقيدة الإسلامية الإيمان بجميع الكتب السماوية.

قال تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ) [النساء:١٣٦].

والإيمان بها يعني الإيمان بصحف إبراهيم، والتوراة المنزلة على سيدنا موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والقرآن الكريم على سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين، هذا مع الانتباه الشديد إلى أمرين: أولًا: أننا نؤمن أن هذه الكتب بأصلها من عند الله إلا أن يد البشر امتدت إليها، تعبث وتحرف، وتؤول وتغير، كما أخبرنا القرآن الكريم عن أهل الكتاب، ثانيًا: أن القرآن هو المنهاج الرباني الأخير للبشر، وهو آخر أمر يسأل الله عنه البشر يوم القيامة، فنزل القرآن ناسخًا لما قبله، مهيمنًا على ما قبله من الكتب.

قال تعالى: (ﭿ ) [المائدة:٤٨].

وسيتناول هذا المبحث: وجوب الإيمان بالكتب المنزلة، والكفر بإحداها كفر بها جميعًا، والإيمان بأن التوراة كتاب منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وتصديق الإنجيل والقرآن للتوراة الـمنزلة، ثم القرآن مكذّب للتوراة المحرفة، وفيما يلي تفصيل ذلك22.

أولًا: وجوب الإيمان بالكتب المنزلة والكفر بإحداها كفر بها:

جاء ذكر الإيمان بالكتب السماوية في القرآن في صيغة الأمر تارة، وصفة للمؤمنين تارة أخرى، وبوصف الكفر لمن لم يؤمن بها تارة ثالثة.

فصيغة الأمر في قوله تعالى: ( ﭿ ) [البقرة:١٣٦].

أما وصف المؤمنين بأنهم هم الذين يؤمنون بالكتب المنزلة كلها ففي قوله تعالى: ( ﮞﮟ ) [البقرة:٢٨٥].

أما وصف الذين لا يؤمنون بالكتب كلها أو الذين يؤمنون ببعضها ويكفرون ببعض بأنهم كفار ففي قوله تعالى: ( ) [النساء:١٣٦].

ومفهوم هذه الآيات وأمثالها، سواء كانت أمرًا مباشرًا أو وصفًا للمؤمنين أو وصفًا للكافرين، هو أن الإيمان بالكتب السماوية كلها أمر واجب لا يتم إيمان المرء إلا به.

إنّ الكتب السماوية كلها تحتوي على حقيقة واحدة، هي الأمر بعبادة الله وحده ( ) [الأنبياء:٢٥]23.

والإيمان بالكتب ينقسم إلى: إيمان إجمالي، وإيمان تفصيلي؛ فالإيمان الإجمالي: وجوب الإيمان بكلّ كتابٍ أنزله الله تعالى، كما في قوله تعالى: ( ) [الشورى:١٥].

فكل كتاب يجب على العباد أن يؤمنوا به، علموه أم لم يعلموه.

والإيمان التفصيلي: وهو الإيمان بكل ما سمى الله من كتبه على وجه التفصيل، وقد علمنا من ذلك: القرآن والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، وأن لله سوى ذلك كتبًا أنزلها على أنبياءه، لا يعرف أسماءها وعددها إلا الذي أنزلها24.

ثانيًا: الإيمان بأن التوراة كتاب منزل من عند الله سبحانه وتعالى:

تمتاز العقيدة الإسلامية بالتكامل؛ فهي عقيدة متكاملة، فالإيمان بالكتب السماوية، يتضمن جميع الكتب، ما علمنا وما لم نعلم، ومن هذه الكتب: التوراة؛ فقد وردت آيات كثيرة تتحدث عن إنزال التوراة.

قال تعالى: ( ) [آل عمران:٣].

وقال ايضًا: ( ﮗﮘ ) [آل عمران:٦٥].

قال السمرقندي: «يعني أنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى من قبل هذا الكتاب»25.

وقال الرازي: «فاعلم أنه تعالى بين أنه أنزل التوراة والإنجيل قبل أن أنزل القرآن، ثم بين أنه إنما أنزلهما هدى للناس»26.

وقالت نعمة النخجواني: «وأنزل أيضًا التّوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السّلام مصدقين كذلك لعموم ما مضى من الكتب السابقة، ( ) أي: قبل إنزال القرآن عليك، ومن سنته سبحانه إنزال اللاحق مصدقًا للسابق، لكون الكل هدىً للنّاس أي نازلًا من عنده سبحانه لمصلحة الهداية، يهديهم الى توحيده الذاتي عند ظهور أمارات الغي والضلال»27.

ولقد ذم الله اليهود حيث لم يؤمنوا بما جاء في توراتهم.

قال تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ) [المائدة:٤٣].

قال المراغي: «إن أمرهم لمن أعجب العجب، وما سبب ذلك إلا أنهم ليسوا مؤمنين بالتوراة إيمانًا صحيحًا، ولا هم مؤمنين بك، إذ المؤمن بشرع لا يرغب عنه إلى غيره إلا إذا آمن بأن ما رغب إليه شرع من الله أيضًا، أيّد به الأول، أو نسخه لحكمة اقتضت ذلك، ولكن هؤلاء تركوا حكم التوراة التي يدعون الإيمان بها؛ لأنه لم يوافق أهواءهم وجاءوك يطلبون حكمك، رجاء أن يوافق أهواءهم، ثم يتولون ويعرضون عنه، إذ لم يأت وفق مرادهم»28.

ثالثًا: تصديق الإنجيل والقرآن للتوراة المنزلة:

جاء القرآن مؤيدًا للحق الذى ورد في الكتب السماوية من عبادة الله وحده، والإيمان برسله، والتصديق بالجزاء، ورعاية الحق والعدل، والتخلق بالأخلاق الصالحة؛ وهو في الوقت ذاته مهيمنٌ عليها، ومبينٌ ما وقع فيها من أخطاء وأغلاط، وتحريف وتصحيف، وتغيير وتبديل.

وإذا انتفت هذه الأخطاء التي أدخلها رجال الدين على الكتب السماوية وزوروها على الناس باسم الله، ظهر الحق، واستبان، والتقى القرآن مع التوراة والإنجيل.

قال تعالى: ( ) [المائدة:٦٨].

وإقامتها لا تتحقق إلا بعد تطهيرها من الزيف29.

ولقد جاءت الآيات تؤكد على تصديق القرآن للتوراة.

قال تعالى: ( ) [البقرة:٩١].

وقال أيضًا: ( ) [النساء:٤٧].

وقال أيضًا: ( ) [آل عمران:٣].

قال الطبري: ( ) يعني بذلك القرآن، أنه مصدّق لما كان قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله، ومحقق ما جاءت به رسل الله من عنده30.

وقال السمعاني: «القرآن مصدق لما قبله من التوراة والإنجيل»31.

وقال السعدي: «فهو المزكي لها، فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون»32.

والإنجيل أيضًا جاء مصدقًا للتوراة؛ قال تعالى: ( ﯗﯘ ) [آل عمران:٥٠].

وفي مفهوم هذه الآية أيضًا تصديق عيسى للتوراة كما قال الطبري: «وإنما قيل: ( )؛ لأن عيسى صلوات الله عليه، كان مؤمنًا بالتوراة مقرًّا بها، وأنها من عند الله. وكذلك الأنبياء كلهم، يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم، لمخالفة الله بينهم في ذلك، مع أنّ عيسى كان -فيما بلغنا- عاملًا بالتوراة لم يخالف شيئًا من أحكامها، إلا ما خفّف الله عن أهلها في الإنجيل، مما كان مشددًا عليهم فيها»33.

وقال ابن عطية: «وكان عيسى عليه السلام مصدقًا للتوراة متبعًا عاملًا بما فيها، قال وهب بن منبه: كان يسبت، ويستقبل بيت المقدس»34.

وقال الرازي: «يجب على كل نبي أن يكون مصدقًا لجميع الأنبياء عليهم السلام، لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجزة، فكل من حصل له المعجز، وجب الاعتراف بنبوته، فلهذا قلنا: بأن عيسى عليه السلام يجب أن يكون مصدقًا لموسى بالتوراة، ولعل من جملة الأغراض في بعثة عيسى عليه السلام إليهم: تقرير التوراة، وإزالة شبهات المنكرين وتحريفات الجاهلين»35.

ولقد جاء القرآن مهيمنًا على جميع الكتب السابقة، أي: رقيب عليها، لأنه يشهد بصحتها، ويقرر أصولها، وما يتأبّد من فروعها، ويبيّن أحكامها المنسوخة بتعين وقت انتهاء مشروعيتها، أو على معنى أنه أمين عليها، فما أخبر عن صدقه مما ورد فيها صدّق، وما أخبر بزيفه فهو باطل أو على معنى أنه الحافظ لها، فهو الذي حفظ ما جاء فيها من التوحيد، وكليات الدين إلى يوم القيامة، أو على معنى أنه دال على صدقها، أي هو دليل على أنها من عند الله، لأنه جاء كما نعتته هذه الكتب، قال تعالى: (ﭿ ) [المائدة:٤٨].

قال الطبري: «أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إليك، يا محمد، مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنها حق من عند الله، أمينًا عليها، حافظًا لها»36.

وقال الزمخشري: «مهيمنًا ورقيبًا على سائر الكتب؛ لأنه يشهد لها بالصحة والثبات»37.

قال الواحدي: «أي: شاهدًا وأمينًا وحفيظًا ورقيبًا على الكتب التي قبله»38.

رابعًا: القرآن مكذّب للتوراة المحرفة:

أنزل الله التوراة على اليهود، فحرفوها وخلطوا الحق بالباطل.

قال تعالى: ( ) [البقرة:٤٢].

ولم يتكفل الله بحفظ التوراة، لكنه فند لنا كذب اليهود وافتراءهم عليه وعلى أنبيائه في كثيرٍ من الآيات، نقف على بعض الأمثلة.

المثال الأول: وصفوا الله بأنه ندم على فعله؛ فمن ذلك قولهم: «فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه»39.

وقد كذبهم الله في ذلك فقال: ( ) [الأنبياء:٢٣]. وقال أيضًا: ( ﯩﯪ ) [الفرقان:٧٧]. وهل يندم إلا الغر الجاهل بالعواقب، والله عز وجل منزه عن ذلك40.

المثال الثاني: وصفهم الله عز وجل بالتعب، فقد زعم اليهود في كتابهم أن الله عز وجل تعب من خلق السموات والأرض فاستراح في اليوم السابع، فقد ورد في توراتهم المحرفة ما نصه: «وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل»41.

وورد أيضًا: «لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس»42.

وقد ردّ الله عز وجل عليهم، وبيّن بطلان قولهم هذا في قوله عز وجل: ( ) [ق:٣٨].

المثال الثالث: تزعم التوراة أن بني إسرائيل رأوا الله عز وجل، فتقول: «لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء»43، «وفيها ورأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله، وأكلوا وشربوا»44، وجاء أيضًا: «ويكلم الرب موسى وجهًا لوجه، كما يكلم الرجل صاحبه»45.

وقد فند القرآن كذبهم فقال: ( ) [البقرة:٥٥].

وقال أيضًا: ( ﯠﯡ ﯬﯭ ) [الأعراف:١٥٥].

بل إن موسى عليه السلام نفسه لم ير الله عز وجل كما قال القرآن الكريم: ( ﯚﯛ ﯧﯨ ﯱﯲ ) [الأعراف:١٤٣].

المثال الرابع: ولقد اعتدوا على أنبياء الله، فقالوا عن نوح عليه السلام: «وابتدأ نوح يكون فلاحًا، وغرس كرمًا، وشرب من الخمر وتعرى داخل خبائه»46.

هكذا وصفوا نبي الله نوحًا عليه السلام وهو أول أنبياء الله إلى المشركين، والذي دعا قومه إلى دين الله ألف سنة إلا خمسين عامًا كما ذكر الله عز وجل، حيث قال: ( ) [العنكبوت:١٤].

ولقد امتن الله على بني إسرائيل أنهم ذرية ذلك العبد الصالح نوح عليه السلام فقال تعالى: ( ﭿ) [الإسراء:٢-٣]47.

المثال الخامس: زعموا أن هارون عليه السلام هو الذي صنع لهم العجل ودعاهم إلى عبادته، فقالوا: «ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل، اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا... فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في أذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.... فأخذ ذلك من أيديهم، وصوره بالإزميل، وصنعه عجلًا مسبوكًا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل»48.

وقد بين الله عز وجل في القرآن أن الذي صنع لهم العجل هو السامري، فقال عز وجل: ( ) [طه:٨٥].

أما هارون عليه السلام فقد قام بواجبه من ناحية نهيهم عن عبادة العجل، قال تعالى: ( ﭴﭵ ) [طه:٩٠].

تلقي موسى عليه السلام ألواح التوراة

لقد أنزل الله على النبيين الرسالات، واختص موسى بالتوراة؛ ( ) [المائدة:٤٤].

والصحف؛ ( ) [الأعلى:١٩].

والألواح؛ ( )[الأعراف:١٤٥].

وهناك من فرّق بينهم، قال ابن كثير: «وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التوراة»49.

ولم يثبت بخبرٍ صحيح أن التوراة غير الألواح وغير الصحف، بينما كثير من المفسرين اعتبروها شيئًا واحدًا.

قال القرطبي: «( ) [الأعراف:١٤٥]: يريد التوراة»50.

قال السمعاني: «في قوله تعالى: ( )أراد به التوراة»51.

وقال الزحيلي: «أنزل الله تعالى على موسى الألواح، وفيها التوراة المشتملة على أصول العقيدة والأخلاق والآداب والشريعة والأحكام المفصلة المبينة للحلال والحرام»52.

«وتختلف الروايات والمفسرون في شأن هذه الألواح، ويصفها بعضهم أوصافًا مفصلة- نحسب أنها منقولة عن الإسرائيليات التي تسربت إلى التفسير- ولا نجد في هذا كله شيئًا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنكتفي بالوقوف عند النص القرآني الصادق لا نتعداه، وما تزيد تلك الأوصاف شيئًا أو تنقص من حقيقة هذه الألواح، أما ما هي، وكيف كتبت، فلا يعنينا هذا في شيء، بما أنه لم يرد عنها من النصوص الصحيحة شيء»53.

وما ذكره القرآن بشأنها هو تلقي موسى عليه السلام لها، وذهابه بها إلى قومه، ثم إلقائها عند غضبه منهم، وفيما يلي تفصيل ذلك.

أولًا: موسى عليه السلام يتلقى الألواح على جبل الطور:

لقد تلقى موسى الألواح عند ذهابه لميقات ربه على جبل الطور.

قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٤٣-١٤٤].

بعد أن ذكر الله ما أنعم به على بنى إسرائيل، من النجاة من العبودية، ومن جعلهم أمة حرة مستقلة قادرة على القيام بما يشرعه الله لها من العبادات والأحكام، ذكر هنا بدء وحي الشريعة لموسى عليه السلام، ممتنّا عليهم بما حصل لهم من الهداية بتكليم موسى وإعطائه التوراة، وفيها تفاصيل شرعهم وبيان ما يقرّبهم من ربهم من الأحكام، وقد روي أن موسى عليه السلام وعد بنى إسرائيل وهو بمصر، إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله؛ فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب، فبينت هذه الآيات كيفية نزول هذا الكتاب، وهو التوراة54.

قال الواحدي: «ولمّا جاء موسى في الوقت الذي وقّتنا له، وسمع كلام الله، قال: ربّ إنّي قد سمعت كلامك فأنا أحبّ أن أراك، قال: لن تراني في الدّنيا، ولكن اجعل بيني وبينك ما هو أقوى منك وهو الجبل، فإن استقرّ مكانه أي: سكن وثبت، فسوف تراني، وإن لم يستقرّ مكانه فإنّك لا تطيق رؤيتي، كما أنّ الجبل لا يطيق رؤيتي، فلمّا ظهر وبان جعله دكًّا، أي: مدقوقًا مع الأرض كسرًا ترابًا، وسقط موسى مغشيًّا عليه، فلما أفاق قال: سبحانك! تبت إليك من مسألتي الرّؤية في الدّنيا، وأنا أوّل قومي إيمانًا، قال: يا موسى إني اتّخذتك صفوةً على الناس بوحيي، وكلّمتك من غير واسطة، فخذ ما آتيتك من الشّرف والفضيلة، وكن من الشاكرين لأنعمي في الدنيا والآخرة»55.

وقد أمر الله موسى عليه السلام أن يأخذ ما في الألواح بقوة، لأن الأمور العقدية بحاجة للأخذ بقوة.

قال تعالى: ( ﭰﭱ ) [الأعراف:١٤٥].

يقول سيد قطب: إن العقيدة أمر هائل عند الله، وأمر هائل في حساب هذا الكون، وقدر الله الذي يصرفه، وأمر هائل في تاريخ الإنسان وحياته في هذه الأرض، وفي الدار الآخرة كذلك...وأمر له هذه الخطورة عند الله، وفي حساب الكون، يجب أن يؤخذ بقوة، وأن تكون له جديته في النفس، وصراحته وحسمه، ولا ينبغي أن يؤخذ في رخاوة، ولا في تميع، ولا في ترخص، ذلك أنه أمر هائل في ذاته، فضلًا على أن تكاليفه باهظة لا يصبر عليها من طبيعته الرخاوة والتميع والترخص56.

ثانيًا: موسى عليه السلام يذهب بالألواح إلى قومه:

ولقد بدّلت بنو إسرائيل في غياب موسى عليه السلام لميقات ربه، فعبدوا العجل.

قال تعالى: ( ﯖﯗ ﯟﯠ ) [الأعراف:١٤٨].

قال الثعلبي: «وكانت بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية في الإسلام، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي، فزامن ذلك عيدهم، فاستعاروا الحلي للقبط، فلما أخرجهم الله من مصر وغرق فرعون؛ بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها عجلًا، وهو ولد البقر عجلًا جسدًا مجسّد لا روح فيه»57.

فعبدوه، ثم تبين لهم الحق فندموا.

قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٤٩].

قال القشيري: «حين تحققوا بقبح صنيعهم تجرّعوا كاسات الأسف ندمًا، واعترفوا بأنهم خسروا إن لم يتداركهم من الله جميل لطفه»58.

ويقول ابن عطية: «وقول بني إسرائيل (ﯮ ﯯ ) إنما كان بعد رجوع موسى وتغييره عليهم، ورؤيتهم أنهم قد خرجوا عن الدين ووقعوا في الكفر»59.

ولقد رجع موسى من ميقات ربه حاملًا الألواح لقومه.

قال تعالى: ( ﭜﭝ ) [الأعراف:١٥٠].

يقول بعض المفسرين إن الله قد أخبره بصنيع قومه قبل عودته، قال الطبري: «لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومه، وأن السامري قد أضلّهم، فكان رجوعه غضبان أسفًا لذلك»60.

وقال البعض الآخر أنه عرف ذلك الصنيع بعد أن رآهم، قال الرازي مفصلًا المسألة: «اعلم أن قوله: ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا لا يمنع من أن يكون قد عرف خبرهم من قبل في عبادة العجل، ولا يوجب ذلك؛ لجواز أن يكون عند الرجوع ومشاهدة أحوالهم صار كذلك، فلهذا السبب اختلفوا فيه؛ فقال قوم: إنه عند هجومه عليهم عرف ذلك. وقال أبو مسلم: بل كان عارفًا بذلك من قبل، وهذا أقرب.

ويدل عليه وجوه:

الأول: أن قوله تعالى ( ) يدل على أنه حال ما كان راجعًا كان غضبان أسفًا، وهو إنما كان راجعًا إلى قومه قبل وصوله إليهم، فدل هذا على أنه عليه السلام قبل وصوله إليهم كان عالمًا بهذه الحالة.

الثاني: أنه تعالى ذكر في سورة طه أنه أخبره بوقوع تلك الواقعة في الميقات»61.

قال السمعاني: «وكأن موسى رجع نادمًا حزينًا يقول: ليتني كنت فيهم فلم يقع لهم ما وقع»62.

وفي قول موسى لهم: ( )، قال البيضاوي: «أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين، وقدرتم موتي، وغيرتم بعدي كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم»63.

وقال الخازن: «وقيل معناه: أعجلتم سخط ربكم بعبادة العجل»64.

ويقول ابن كثير: «استعجلتم مجيئي إليكم، وهو مقدر من الله تعالى»65.

وخلاصة الأمر: أن موسى رجع من الطور بعد أن كلمه ربه، حاملًا ألواح التوراة، وقد استشاط غضبًا من قومه بسبب عبادتهم العجل.

ثالثًا: مشهد إلقاء موسى عليه السلام للألواح عند غضبه من قومه:

لقد عاد موسى من جبل الطور غضبان أسفًا حزينًا على ما صدر من قومه، ويصور لنا القرآن الكريم مشهد عودته غاضبًا مترجمًا غضبه بإلقاء الألواح، وجر رأس أخيه هارون.

قال تعالى: ( ﭜﭝ ﭠﭡ ﭨﭩ ) [الأعراف:١٥٠].

لقد عاد موسى إلى قومه غضبان أشد الغضب، يبدو انفعال الغضب في قوله وفعله، يبدو في قوله لقومه ( ﭜﭝ )، ويبدو في فعله إذ يأخذ برأس أخيه يجره إليه ويعنفه، ( )، وحق لموسى عليه السلام أن يغضب، فالمفاجأة قاسية، والنقلة بعيدة: تركتكم على الهدى فخلفتموني بالضلال، وتركتكم على عبادة الله، فخلفتموني بعبادة عجل جسد له خوار.

( )، وهي حركة تدل على شدة الانفعال، فهذه الألواح هي التي كانت تحمل كلمات ربه، وهو لا يلقيها إلا وقد أفقده الغضب زمام نفسه، وكذلك أخذه برأس أخيه يجره إليه، وأخوه هو هارون العبد الصالح الطيب، فأما هارون فيستجيش في نفس موسى عاطفة الأخوة الرحيمة، ليسكن من غضبه، ويكشف له عن طبيعة موقفه، وأنه لم يقصر في نصح القوم ومحاولة هدايتهم.

( ).

وهنا ندرك كيف كان القوم في هياجهم واندفاعهم إلى العجل الذهب، حتى لهموا بهارون إذ حاول ردهم عن التردي والانتكاس.

( )، وهذه أخرى يستجيش بها هارون وجدان الأخوة الناصرة المعينة، حين يكون هناك الأعداء الذين يشمتون، ولا تجعلني مع القوم الذين ضلوا وكفروا بربهم الحق، فأنا لم أضل ولم أكفر معهم، وأنا بريء منهم، عندئذ تهدأ ثائرة موسى أمام هذه الوداعة وأمام هذا البيان، وعندئذ يتوجه إلى ربه، يطلب المغفرة له ولأخيه، ويطلب الرحمة من أرحم الراحمين.

( ﭿ ﮃﮄ ) [الأعراف:١٥١].

وهنا يجيء الحكم الفاصل من الله66، ( ﮔﮕ ) [الأعراف:١٥٢-١٥٣].

واستكمالًا للمشهد، فلما هدأت نفس موسى وأذهب الله عنه الغضب عاد فأخذ الألواح.

قال تعالى: ( ﮯﮰ ) [الأعراف:١٥٤].

قال المراغي: «أي ولما سكن غضب موسى باعتذار أخيه إليه، ولجأ إلى رحمة ربه وفضله، وجأر بالدعاء له أن يغفر له ولأخيه خطاياهما؛ عاد إلى الألواح فأخذها، وفيها الهدى والرشاد من بارئ النسم لمن يرهب الله، ويخشى عقابه، ويرجو ثوابه»67.

صفات التوراة في القرآن

لقد وصف الله التوراة في القرآن الكريم بصفات عديدة؛ فقد وصفها بأنها هدى، وأنها نور، كما وصفها بالفرقان، والضياء، والذكر، والرحمة، وفيما يلي تفصيلٌ لتلك الصفات:

  1. هدى.

    قال تعالى: ( ) [المائدة:٤٤].

    قال الطبري: «إنا أنزلنا التوراة فيها بيان ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزانيين المحصنين»68.

    قال الزمخشري: «فيها هدىً يهدى للحق والعدل»69.

    وقال الرازي: «فالهدى: محمول على بيان الأحكام والشرائع والتكاليف»70.

    ويقول ابن الجوزي: «والهدى: البيان؛ فالتّوراة مبيّنة صحة نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومبينة ما تحاكموا فيه إليه»71.

    وقال تعالى: ( ) [الإسراء:٢].

    قال ابن أبي حاتم: «جعله الله لهم هدى، يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم»72.

    وجاء في روح البيان: «هاديًا لأولاد يعقوب، يهتدون إلى الحق والصواب بما فيه من الأحكام»73.

    وقال تعالى أيضًا: ( ) [آل عمران:٣-٤].

    قال السمرقندي: «هدىً للنّاس معناه: وأنزل التّوراة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام، بيانًا لبني إسرائيل من الضلالة»74.

  2. نور.

    قال تعالى: ( ) [المائدة:٤٤].

    قال الطبري: «() يقول: فيها جلاء ما أظلم عليهم، وضياء ما التبس من الحكم»75.

    يقول الزمخشري: «ونورٌ يبين ما استبهم من الأحكام»76.

    ويقول: ابن الجوزي: «والنور: الضياء الكاشف للشبهات، والموضح للمشكلات»77.

    بينما فسر الواحدي النور بأنه بيان صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: «() بيانٌ إنّ أمرك حقٌّ»78.

    وقال تعالى أيضًا: ( ) [الأنعام:٩١].

    قال ابن كثير: «إن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نورًا وهدى للناس، أي: ليستضاء بها في كشف المشكلات، ويهتدى بها من ظلم الشبهات»79.

    وقد فرّق ابن عادل بين النور والهدى فقال: وصف الكتاب بقوله: ()، وهو منصوبٌ على الحال، وسمّاه نورًا تشبيهًا له بالنّور الذي يبين به الطريق، فإن قيل: فعلى هذا لا يبقى بين كونه نورًا، وبين كونه هدًى للناس فرقٌ، فعطف أحدهما على الآخر يوجب التّغاير؛ فالجواب: أن للنور صفتين: أحدهما: كونه في نفسه ظاهرًا جليًّا، والثانية: كونه بحيث يكون سببًا لظهور غيره، فالمراد من كونه ( ) هو هذان الأمران80.

  3. فرقان.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٥٣].

    قال الطبري: «ولقد آتينا موسى بن عمران وأخاه هارون الفرقان، يعني به: الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل، وذلك هو التوراة في قول بعضهم»81.

    ولقد اعتبر الثعلبي التوراة والفرقان شيئًا واحدًا، فقال: «قال مجاهد والفراء: هما شيء واحد، والعرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه على التوهم»82.

    ويؤيد هذا الرأي قول الله تعالى: ( ) [الأنبياء:٤٨].

    ويقول الزمخشري: «الكتاب والفرقان يعنى الجامع بين كونه كتابًا منزلًا، وفرقانًا يفرق بين الحق والباطل: يعنى التوراة، كقولك: رأيت الغيث والليث، تريد الرجل الجامع بين الجود والجرأة»83.

    ولقد فصل ابن عطية القول في ذلك وذكر أقوالًا، فقال: «والكتاب: هو التوراة بإجماع من المتأولين، واختلف في الفرقان هنا؛ فقال الزجاج وغيره: هو التوراة أيضًا، كرر المعنى لاختلاف اللفظ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل، ولفظة الكتاب لا تعطي ذلك.

    وقال آخرون: الكتاب: التوراة، والفرقان سائر الآيات التي أوتي موسى عليه السلام، لأنها فرقت بين الحق والباطل.

    وقال آخرون: الفرقان: النصر الذي فرق بين حالهم وحال آل فرعون بالنجاة والغرق»84.

  4. ضياء.

    قال تعالى: ( ) [الأنبياء:٤٨].

    قال الزمخشري: أنه في نفسه ضياء، أو وآتيناهما بما فيه من الشرائع والمواعظ ضياء85.

    وفي زاد المسير: «والمعنى: أنهم استضاءوا بالتوراة حتى اهتدوا بها في دينهم»86.

    قال النسفي: «قيل: هذه الثلاثة هي التوراة، فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به، ويتوصل به إلى السبيل النجاة، وذكر: أي شرف أو وعظ وتنبيه، أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم»87.

    ويؤكد البيضاوي هذا المعنى فيقول: «وضياءً يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة»88.

    ويقول البقاعي: «وضياء لا ظلام معه، فلا ظلم للمستبصر به، لأن من شأن من كان في الضياء أن لا يضع شيئًا إلا في موضعه»89.

    ويقول سيد قطب: «وجعل التوراة كذلك، ضياء يكشف ظلمات القلب والعقيدة، وظلمات الضلال والباطل، وهي ظلمات يتوه فيها العقل ويضل فيها الضمير، وإن القلب البشري ليظل مظلمًا حتى تشرق فيه شعلة الإيمان، فتنير جوانبه، ويتكشف له منهجه، ويستقيم له اتجاهه، ولا تختلط عليه القيم والمعاني والتقديرات»90.

  5. ذكر.

    قال تعالى: ( ) [الأنبياء:٤٨].

    قال الثعالبي: «والذّكر: بمعنى التذكرة»91.

    أما البقاعي فقال: «وذكرًا: أي وعظًا وشرفًا»92.

    قال النسفي: «وذكر: أي شرف، أو وعظ، وتنبيه، أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم»93.

    وقال أبو السعود: «وذكرًا: يتعظ به الناس، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المستضيئون بأنواره، المغتنمون لمغانم آثاره، أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع والأحكام»94.

    ويقول سيد قطب: «وجعل التوراة كالقرآن ( )، تذكرهم بالله، وتبقي لهم ذكرًا في الناس، وماذا كان بنو إسرائيل قبل التوراة؟ كانوا أذلاء تحت سياط فرعون، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويستذلهم بالسخرة والإيذاء»95.

  6. رحمة.

    وجاء ذلك في عدة آيات.

    قال تعالى: ( ) [الأنعام:١٥٤].

    قال الطبري: «ورحمة لمن كان منهم ضالًّا لينجيه الله به من الضلالة»96.

    وقال تعالى: ( ) [هود:١٧].

    وجاءت أيضًا في الأحقاف: ( ) [الأحقاف:١٢].

    يقول ابن عاشور: «والرحمة: اسم مصدر لصفة الراحم، وهي من صفات الإنسان، فهي: رقة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه، ووصف الكتاب بها استعارة لكونه سببًا في نفع المتبعين؛ لما تضمنه من أسباب الخير في الدنيا والآخرة، وصف الكتاب بالمصدر مبالغة في الاستعارة»97.

    قال تعالى في سورة القصص أيضًا: ( ) [القصص:٤٣].

    قال الزمخشري: «ورحمةً: لأنهم لو عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة»98.

    قال البقاعي: «ورحمة: أي نعمة هنية شريفة، لأنها قائدة إليها»99.

الأحكام التشريعية في التوراة

  1. لقد جاءت التوراة بالدرجة الأولى لتكون منهج حياة لبني إسرائيل، وإلى جانب ذلك جاءت لتهيئ الناس لمجيئ النبي الأمي، وتهيئ عقولهم لتقبل شريعته، ولأن هذا النبي سيكون نبيًّا لجميع الأمم، جعلها شريعة عامة؛ ليسهل على الأمم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.

    وكان بنو إسرائيل شهداء بين أهل دينهم، يثقون بهم، يشهدون بمجيئ محمد صلى الله عليه وسلم ( ﯹﯺ ﯿ ) [آل عمران:٩٩]100.

    قال الرازي: أنتم شهداء أن في التوراة موجود: أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام، وأنتم شهداء على ظهور المعجزات على نبوته صلى الله عليه وسلم101.

    لذا فقد جاء الأمر لبني إسرائيل بأن يأخذوا الكتاب بقوة؛ ذلك الكتاب الذي تضمن أحكامًا تشريعية، منها ما نسخ، ومنها ما استمر بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بني إسرائيل لم يعملوا بتلك الشرائع، ولو عملوا بها لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وفيما يلي تفصيل ذلك:

    أولًا: حكمة الأمر بأخذ التوراة بقوة:

    لقد أمر الله بني إسرائيل بأخذ التوراة وما فيها بقوة، وذلك في آيات عدة.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٦٣].

    قال الطبري: «خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض، فاقبلوه، واعملوا باجتهاد منكم في أدائه، من غير تقصير ولا توان»102.

    وبعد أخذ الميثاق عليهم بقوة ورفع الجبل فوق رؤوسهم نكثوا العهود والمواثيق كعادتهم، بل وتبجحوا في ذلك الأمر، وأقروا بالعصيان، وعبدوا العجل كفرًا وجورًا؛ فكيف يتصور الإيمان من أخلافهم.

    قال تعالى: ( ﯣﯤ ﯬﯭ ) [البقرة:٩٣].

    جاء في روح البيان: «قالوا سمعنا قولك، ولكن لا سماع طاعة، وعصينا أمرك ولولا مخافة الجبل ما قبلنا في الظاهر، فإذا كان حال أسلافهم هكذا، فكيف يتصور من أخلافهم الإيمان»103.

    ولا شك أن ديننا الحنيف يختلف في هذا الأمر حيث لا يعتمد على الإكراه والتخويف، رغم كونه مرغبًا ومرهبًا.

    قال تعالى: (ﯿ ) [البقرة:٢٥٦].

    قال الرازي: «أن إظلال الجبل لا شك أنه من أعظم المخوفات، ومع ذلك فقد أصروا على كفرهم، وصرحوا بقولهم: سمعنا وعصينا وهذا يدل على أن التخويف وإن عظم لا يوجب الانقياد»104.

    وقال تعالى أيضًا: ( ﭰﭱ ) [الأعراف:١٤٥].

    يفصل المراغي الأخذ بقوة فيقول: «( ) أي: وكتبنا له في الألواح وقلنا له: هذه وصايانا وأصول شريعتنا وكلياتها، فخذها بقوة وجدّ وعزم، ذاك أنك ستكون بها شعبًا جديدًا، بعادات جديدة، وأخلاق جديدة، مخالفة في جوهرها وصفاتها لما كان عليه من الذل والعبودية لدى فرعون وقومه، وما كان عليه من الشرك والوثنية التي ألفها وراضت نفسه لقبولها، فأنّى للقائد والمرشد أن يصلح ذلك الفساد، ويرأب ذلك الصدع إذا لم يكن ذا عزيمة وقوة وبأس شديد وحزم في أوامره ونواهيه»105.

    وقال تعالى: ( ) [الأعراف:١٧١].

    وكثرة الآيات تدلل بصورة واضحة جلية، طبيعة بني إسرائيل الملتوية، ونفسيتهم المريضة؛ فقد عرضت عليهم التوراة فرفضوا أخذها؛ فرفع الله الجبل فوق رؤوسهم كأنه ظلة، وأمرهم بأخذ الكتاب بقوة، ويقول محمد رشيد رضا: «لعل حكمة ختم قصة بني إسرائيل بهذه الآية هنا للتذكير ببدء حالهم في إنزال الكتاب عليهم في أثر بيان عاقبة أمرهم في مخالفته والخروج عنه ; فإن في تلك الفاتحة إشارة إلى هذه الخاتمة، وذلك عندما أخذ عليهم الميثاق ليأخذن بالشريعة بقوة وعزم، فإنه رفع فوقهم الطور، وأوقع في قلوبهم الرعب من خوف وقوعه بهم، فلا غرو إذا آل أمرهم إلى ترك العمل به بعد طول الأمد وقساوة القلوب والأنس بالذنوب»106.

    ثانيًا: الأحكام التشريعية في التوراة:

    إن التوراة كتاب الله أنزله على نبيه موسى ليحكم بين الناس، فهو كتاب إلهي يحتوي على تشريعات ربانية، وقد ذكر لنا القرآن الكريم بعضًا منها في الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٨٣-٨٤].

    فهذا الميثاق تضمن عدة تشريعات:

    التوحيد بأنواعه؛ ( ).

    بر الوالدين والإحسان إليهما؛ ( ).

    صلة الأرحام والإحسان إليهم؛ ( ).

    كفالة اليتيم والإحسان إليه؛ ().

    التكافل بين الناس والإحسان إلى الضعفاء؛ ().

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ( ).

    إقامة الصلاة؛ ( ).

    إيتاء الزكاة؛ ( ).

    حفظ النفس، وتحريم سفك الدماء،( ).

    عدم إخراج الناس من ديارهم والاعتداء على ممتلكاتهم؛ ( ).

    وفي آية ثانية، تشريعات أخرى؛ قال تعالى: ( ﭾﭿ ﮃﮄ ) [المائدة:١٢].

    • الإيمان بالرسل، ونصرتهم؛ ( ).
    • ايتاء الصدقات؛ ( ).

      قال سيد قطب: ندرك أن ميثاق الله مع بني إسرائيل، ذلك الميثاق الذي أخذه عليهم في ظل الجبل، والذي أمروا أن يأخذوه بقوة وأن يذكروا ما فيه، أن ذلك الميثاق قد تضمن القواعد الثابتة لدين الله، هذه القواعد التي جاء بها الإسلام أيضًا، فتنكروا لها وأنكروها.

      لقد تضمن ميثاق الله معهم: ألا يعبدوا إلا الله، القاعدة الأولى للتوحيد المطلق، وتضمن الإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وتضمن خطاب الناس بالحسنى، وفي أولها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كذلك تضمن فريضة الصلاة، وفريضة الزكاة، وهذه في مجموعها هي قواعد الإسلام وتكاليفه107.

      وهذه التكاليف قد أقرتها بنو إسرائيل: قال الرازي: «ثم أقررتم بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه، وأنتم تشهدون عليها»108.

      ثالثًا: أثر عمل اليهود بالتوراة في زمانهم:

      اشتملت الكتب السماوية على كل ما يصلح أحوال الناس في دنياهم وأخراهم، وما التزم قوم بما أنزل الله عليهم وأقاموا شرع الله فيهم إلا كانوا أسعد الناس في دنياهم وأخراهم، وينطبق هذا الأمر على جميع الشرائع السماوية.

      ونلمس هذا الأمر في القرآن الكريم فقد جاء في حق بني إسرائيل قوله تعالى: ( ﭝ ﭞ ﭭﭮ ) [المائدة:٦٥-٦٦].

      يقول سيد قطب: إن هاتين الآيتين تقرران أصلًا كبيًرا من أصول التصور الإسلامي، ومن ثم فهما تمثلان حقيقة ضخمة في الحياة الإنسانية....إن الله سبحانه يقول لأهل الكتاب- ويصدق القول وينطبق على كل أهل كتاب- إنهم لو كانوا آمنوا واتقوا لكفر عنهم سيئاتهم، ولأدخلهم جنات النعيم- وهذا جزاء الآخرة، وإنهم لو كانوا حققوا في حياتهم الدنيا منهج الله الممثل في التوراة والإنجيل، وما أنزله الله إليهم من التعاليم- كما أنزلها الله بدون تحريف ولا تبديل- لصلحت حياتهم الدنيا، ونمت وفاضت عليهم الأرزاق، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم من فيض الرزق، ووفرة الإنتاج وحسن التوزيع، وصلاح أمر الحياة، ولكنهم لا يؤمنون ولا يتّقون، ولا يقيمون منهج الله- إلا قلة منهم في تاريخهم الطويل مقتصدة غير مسرفة على نفسها ( ).

      وهكذا يبدو من خلال الآيتين: أن الإيمان والتقوى وتحقيق منهج الله في واقع الحياة البشرية في هذه الحياة الدنيا، لا يكفل لأصحابه جزاء الآخرة وحده- وإن كان هو المقدم وهو الأدوم - ولكنه كذلك يكفل صلاح أمر الدنيا، ويحقق لأصحابه جزاء العاجلة.. وفرة ونماء وحسن توزيع وكفاية.. يرسمها في صورة حسية تجسم معنى الوفرة والفيض في قوله: ( )109.

      قال ابن عاشور: «وقد أومأت الآية إلى أن سبب ضيق معاش اليهود هو من غضب الله تعالى عليهم؛ لإضاعتهم التوراة، وكفرهم بالإنجيل وبالقرآن»110.

      وفي موضع آخر يبين سيد قطب أن هناك قاعدة مطردة، فيقول: «وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة، قاعدة صحيحة تقوم على أسبابها من وعد الله، ومن سنة الحياة، كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون، والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد. وما من أمة قام فيها شرع الله، واتجهت اتجاهًا حقيقيًا لله بالعمل الصالح، والاستغفار المنبئ عن خشية الله.. ما من أمة اتقت الله وعبدته وأقامت شريعته، فحققت العدل والأمن للناس جميعًا، إلا فاضت فيها الخيرات، ومكّن الله لها في الأرض، واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء»111.

    الربانيون والأحبار وحفظ التوراة

    • ميّز الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم عن سائر الكتب بأن تعهد بحفظه.

      قال تعال: ( ) [الحجر:٩]؛ فالقرآن وحده هو الذي تعهد الله بحفظه، أما التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة، فقد أوكل الله حفظها إلى أهلها من الأحبار والرهبان والربانيين، ولم يتكفل بحفظها، ولما ترك حفظها لهم صار حالها إلى ما صارت إليه، من التغيير والتبديل والتحريف، وفيما يلي تفصيل ذلك:

      أولًا: تكليف الله للربانيين والأحبار بحفظ التوراة والعمل بها:

      لقد كلّف الله الربانيين والأحبار حفظ التوراة، فقال: ( ﮆﮇ ) [المائدة:٤٤].

      قال الرازي: «دلت الآية على أنه يحكم بالتوراة: النبيون والربانيون والأحبار، وهذا يقتضي كون الربانيين أعلى حالًا من الأحبار، فثبت أن يكون الربانيون كالمجتهدين، والأحبار كآحاد العلماء، ثم قال: ( ) أي: حفظ كتاب الله على وجهين: الأول: أن يحفظ فلا ينسى، الثاني: أن يحفظ فلا يضيع، وقد أخذ الله على العلماء حفظ كتابه من هذين الوجهين: أحدهما: أن يحفظوه في صدورهم ويدرسوه بألسنتهم، والثاني: أن لا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه»112.

      وقال ابن عاشور: «والاستحفاظ: الاستئمان، واستحفاظ الكتاب: أمانة فهمه حق الفهم بما دلت عليه آياته، استعير الاستحفاظ الذي هو طلب الحفظ لمعنى الأمر بإجادة الفهم، والتبليغ للأمة على ما هو عليه»113.

      ولقد كلف الله اليهود أحبارًا وشعبًا بحفظ التوراة والعمل بها فضيعوها.

      قال الثعالبي: «وقوله سبحانه: ( )، أي: بسبب استحفاظ اللّه تعالى إياهم أمر التّوراة، وأخذه العهد عليهم في العمل والقول بها، وعرّفهم ما فيها، فصاروا شهداء عليه، وهؤلاء ضيّعوا لمّا استحفظوا حتى تبدّلت التوراة»114.

      ولقد استخلف الله الأحبار والرهبان لحفظ وتبليغ التوراة وإجراء أحكامها عليهم.

      قال أبو السعود: «( )، أي: بالذي استحفظوه من جهة النبيين وهو التوراة، حيث سألوهم أن يحفظوها من التغيير والتبديل على الإطلاق. ولا ريب في أن ذلك منهم عليهم السلام استخلافٌ لهم في إجراء أحكامها من غير إخلالٍ بشيء منها»115.

      ثانيًا: ذم القرآن للربانيين والأحبار لعدم حفظهم التوراة:

      ولقد ذمّ الله الربانيين والأحبار الذين استحفظهم التوراة فضيّعوها ولم يطبقوا أحكامها، ووصفهم وصفًا شنيعًا.

      قال تعالى: ( ﮔﮕ ﮜﮝ ) [الجمعة:٥].

      قال الطبري: «مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى، فحملوا العمل بها ثم لم يعملوا بما فيها، وكذّبوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به؛ كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبًا من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها، فكذلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارًا فيها علم، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها»116.

      قال الزمخشري: «شبه اليهود- في أنهم حملة التوراة وقرّاؤها وحفاظ ما فيها، ثم إنهم غير عاملين بها ولا منتفعين بآياتها، وذلك أنّ فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به ولم يؤمنوا به- بالحمار حمل أسفارًا، أي: كتبًا كبارًا من كتب العلم، فهو يمشى بها ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله، وبئس المثل الّذين كذّبوا بآيات اللّه، وهم: اليهود الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعنى حمّلوا التّوراة: كلفوا علمها والعمل بها، ثمّ لم يحملوها، ثم لم يعملوا بها، فكأنهم لم يحملوها»117.

      ويقول سيد قطب في تفسيرها: «فبنو إسرائيل حملوا التوراة، وكلفوا أمانة العقيدة والشريعة ثم لم يحملوها؛ فحملها يبدأ بالإدراك والفهم والفقه، وينتهي بالعمل لتحقيق مدلولها في عالم الضمير وعالم الواقع. ولكن سيرة بني إسرائيل كما عرضها القرآن الكريم- وكما هي في حقيقتها- لا تدل على أنهم قدروا هذه الأمانة، ولا أنهم فقهوا حقيقتها، ولا أنهم عملوا بها، ومن ثم كانوا كالحمار يحمل الكتب الضخام، وليس له منها إلا ثقلها، فهو ليس صاحبها، وليس شريكًا في الغاية منها، وهي صورة زرية بائسة، ولكنها صورة معبرة عن حقيقة صادقة»118.

      لم يكتف الأحبار والرهبان بتضييع التوراة، وعدم حفظها والعمل بها، وهذه في حد ذاتها جريمة، لكنهم اقترفوا جريمة أعظم؛ ذلك أن بدلوها وحرفوها واعتدوا على كلام الله، فبدلوه بما يناسب مآربهم، ويخدم مصالحهم، وكتبوها بأيدهم، ومزجوها بكلامهم، ثم قالوا هي من عند الله، وأصبح هناك توراتان: توراة أنزلها الله وأمرهم بحفظها وعدم تضييعها، وهي ما يسمى بالعهد القديم الذي نزل على موسى، وتوراة محرفة كتبها الأحبار والرهبان بأيدهم، وأسموها ظلمًا وزورًا (العهد القديم).

      أولًا: تحريف اليهود للتوراة المنزلة على موسى:

      أخبرنا الله في ست آيات صريحة عن تحريف التوراة بأيدي هؤلاء الأحبار والرهبان، وقد توعدهم الله بالويل والطرد من رحمة الله.

      قال تعالى: ( ) [البقرة:٧٥].

      قال الطبري:«التوراة التي أنزلها عليهم، يحرفونها، يجعلون الحلال فيها حرامًا، والحرام فيها حلالًا والحق فيها باطلًا والباطل فيها حقًّا، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب، فهو فيه محق. وإن جاء أحد يسألهم شيئًا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء، أمروه بالحق»119.

      ( ﭮﭯ ﭿ ) [النساء:٤٦].

      قال الزمخشري:«يحرّفون الكلم عن مواضعه: يميلونه عنها ويزيلونه؛ لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلمًا غيره، فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعها اللّه فيها، وأزالوه عنها»120.

      وقال ابن الجوزي:«وفي معنى تحريفهم الكلم قولان:أحدهما:أنهم كانوا يسألون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الشيء، فإذا خرجوا، حرفوا كلامه، قاله ابن عباس. والثاني: أنه تبديلهم التوراة، قاله مجاهد»121.

      وقال تعالى: ( ﮫﮬ ﮰﮱ ﯗﯘ ﯡﯢ ﯥﯦ ) [المائدة:١٣].

      قال السمعاني:«تحريفهم الكلم:هو تبديلهم نعت الرسول، وقيل المراد به:تحريفهم بسوء التأويل»122.

      وقال تعالى: ( ﮣﮤ ﮧﮨ ﮯﮰ ) [المائدة:٤١].

      قال أبو حيان: «أي: يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعها الله فيها. قال ابن عباس والجمهور: هي حدود الله في التوراة، وذلك أنهم غيروا الرجم، أي:وضعوا الجلد مكان الرجم، وقال الحسن: يغيرون ما يسمعون من الرسول عليه السلام بالكذب عليه، وقيل: بإخفاء صفة الرسول، وقيل: بإسقاط القود بعد استحقاقه. وقيل: بسوء التأويل»123.

      ثانيًا: واجب المسلمين تجاه التوراة المنزلة والتوراة المحرّفة:

      المسلم يؤمن بأن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام حق من عند الله تعالى، وقد اشتملا على الأحكام والمواعظ والأخبار، التي فيها هدى ونور للناس في معاشهم وحياتهم وآخرتهم، كما يعتقد المسلم أن التوراة والإنجيل أنزلا من عند الله، ولكن شابهما الكثير من التحريف والتبديل، ولا نصدق منها إلا ما وافق القرآن والسنة.

      وقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد حرّفوا كتبهم، وأضافوا إليها وأنقصوا منها، فلم تبق كما أنزلها الله تعالى.

      فالتوراة الموجودة الآن ليست هي التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، لأن اليهود حرفوا وبدّلوا، وتلاعبوا بكثير من أحكامها.

      قال تعالى: ( ) [النساء:٤٦].

      وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن بني إسرائيل كتبوا كتابًا فتبعوه وتركوا التوراة)124.

      وقد استقر هذا المعنى في نفوس الصحابة والمؤمنين بعدهم.

      يقول ابن عباس: (يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرءونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا:هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلًا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم)125.

      ولا يمنع هذا من صحة بعض مواضع في التوراة، لما فيها من آثار الأنبياء؛ ففي التوراة حق وباطل كما أخبر الله ورسوله، ومن النصوص التي اشارت إلى شيء من الحق في كتبهم ألبسوه الباطل والزور قوله تعالى: ( ) [آل عمران:٧١].

      وقوله تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ) [المائدة:٤٣].

      وفي صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: ( ﭿ )) [البقرة:١٣٦]126.

      وقد بينت الآيات موقف المسلمين من التوراة بجلاء ووضوح، إذ يخبرنا الله أنها وحيٌ منه.

      قال تعالى: ( ) [المائدة:٤٤].

      ولكن الناس قد توارثت كتبًا بديلة عن التوراة نسبت إلى الله، لكنها خالية -إلا قليلًا- من الهدى والنور، فقد حملت هذه الأسفار في طياتها ضعف البشر وجهلهم، فجاءت متناقضة، مليئة بالكثير مما لا يرضي العقلاء نسبته إلى الله ووحيه القويم.

      ومما يثبت أن هذه الأسفار ليست توراة موسى عليه السلام، أن القرآن الكريم نسب إلى أسفار موسى من المعاني التي نفتقدها في النصوص الحالية للتوراة، ومن ذلك قوله تعالى: ( ﯠﯡ ﯧﯨ ) [التوبة:١١١].

      ولا وجود لهذا المعنى في العهد القديم ولا الجديد، ومثله قوله تعالى: ( ) [الأعلى:١٦-١٩].

      فهذا المعنى لا وجود له في صحف الأسفار المنسوبة لموسى، والتي تخلو من الحديث عن الآخرة والقيامة127.

      وللتوراة أسماء كثيرة قد وضعها حاخامات اليهود؛ فتعرف بالعهد القديم، وهو مصطلح يستخدمه المسيحيون للإشارة إلى كتاب اليهود المقدس، بينما يستخدم مصطلح (العهد الجديد) للإشارة إلى الأسفار التي تضمنتها الأناجيل الأربعة، وأما اليهود فيستخدمون عبارة (الكتب المقدسة)، وأحيانًا (الكتب)، وأحيانًا (التوراة) للتعبير عن العهد القديم128.

      فالعهد القديم هو الكتاب الذي يضم ثلاثة أشياء: التوراة، والأنبياء، والمكتوبات.

      والجزء الأول هو الذي نزل على موسى عليه السلام، وقد حرّفوه، أما الجزءان الآخران فهما صناعة بشرية خالصة129.

      فالتوراة والتي هي كتب موسى تطلق عندهم على الأسفار الخمسة: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر التثنية، وسفر اللاويين، وسفر العدد130.

      وعليه: فنحن نؤمن بتوراة موسى كل الإيمان، ونؤمن بأنها حرفت ولم تحفظ، وأن القوم أخفوا منها شيئًا وكتبوا أشياء، وضاع منها الكثير، وما بين يديهم لا يخلو من بعض الحق، وعلى المسلم أن يحترمها ولا يهينها ولا يدنسها؛ لأنها قد تحتوي في طياتها على شيء من بقايا كلام الله الذي لم يحرف.

      ثالثًا: واجب المسلمين تجاه الإسرائيليات:

      تنقسم الأخبار الإسرائيلية إلى أقسام ثلاثة، وهى ما يأتي:

      القسم الأول: ما يعلم صحته؛ بأن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلًا صحيحًا، وذلك كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بأنه الخضر، فقد جاء هذا الاسم صريحًا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء)131، أو كان له شاهد من الشرع يؤيده. وهذا القسم صحيح مقبول.

      القسم الثاني: ما يعلم كذبه بأن يناقض ما عرفناه من شرعنا، أو كان لا يتفق مع العقل، وهذا القسم لا يصح قبوله ولا روايته.

      القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا هو من قبيل الأول، ولا هو من قبيل الثاني، وهذا القسم نتوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نكذّبه، وتجوز حكايته، لما تقدّم من قوله صلى الله عليه وسلم: في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: ( ﭿ )) [البقرة:١٣٦]132.

      وهذا القسم غالبه مما ليس فيه فائدة تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا اختلافًا كثيرًا، ويأتي عن المفسّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين بعض البقرة الذى ضرب به قتيل بنى إسرائيل، ونوع الشجرة التي كلّم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن ولا فائدة في تعيينه تعود على المكلّفين في دنياهم أو دينهم.

      ثم إذا جاء شيء من هذا القبيل -أي: ما سكت عنه الشرع ولم يكن فيه ما يؤيده أو يفنده- عن أحد من الصحابة بطريق صحيح، فإن كان قد جزم به فهو كالقسم الأول، يقبل ولا يرد، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب بعد ما علم من نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم. وإن كان لم يجزم به فالنفس أسكن إلى قبوله، لأن احتمال أن يكون الصحابي قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو ممن سمعه منه، أقوى من احتمال السماع من أهل الكتاب، لا سيما بعد ما تقرر من أن أخذ الصحابة عن أهل الكتاب كان قليلًا بالنسبة لغيرهم من التابعين ومن يليهم.

      أما إن جاء شيء من هذا عن بعض التابعين، فهو مما يتوقف فيه ولا يحكم عليه بصدق ولا يكذب، وذلك لقوة احتمال السماع من أهل الكتاب، لما عرفوا به من كثرة الأخذ عنهم، وبعد احتمال كونه مما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا لم يتفق أهل الرواية من علماء التفسير على ذلك، أما إن اتفقوا عليه: فإنه يكون أبعد من أن يكون مسموعًا من أهل الكتاب، وحينئذ تسكن النفس إلى قبوله والأخذ به133.

      ويجمل الشنقيطي الأمر فيقول: «ومن المعلوم: أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات، في واحدة منها يجب تصديقه وهي: ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه، وفي واحدة يجب تكذيبه، وهي: إذا ما دل القرآن والسنة على كذبه، وفي الثالثة: لا يجوز التكذيب ولا التصديق، وهي ما إذا لم يثبت في كتابٍ ولا سنّة صدقه ولا كذبه»134.

    عيسى عليه السلام والتوراة

    • عيسى ابن مريم عليه السلام، أحد أنبياء الله الكرام، ومن أولي العزم من رسله، أرسله الله إلى بني إسرائيل، وعلمه التوراة والإنجيل، وأخبر أنه جاء مصدقًا لما في التوراة، إلا أنه نسخ بعض أحكامها، وأباح لأتباعه بعض ما حرم فيها.

      قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮐﮑ ﮘﮙ ﮠﮡ ﯗﯘ ) [آل عمران:٤٨-٥٠].

      قال السمرقندي: «فعلّمه الله بالوحي والإلهام والحكمة، يعني: الفقه، والتّوراة والإنجيل، يعني: يحفظ التوراة عن ظهر قلبه. وقال بعضهم: وهو عالم بالتوراة، وقال بعضهم: ألهمه الله بعد ما كبر حتى تعلم في مدة يسيرة»135.

      وقال ابن عطية: «والتّوراة هي المنزلة على موسى عليه السلام، ويروى أن عيسى كان يستظهر التوراة وكان أعمل الناس بما فيها، ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب إلا أربعة: موسى، ويوشع بن نون، وعزير، وعيسى عليهم السلام»136.

      وقال ابن كثير: «( )؛ فالتوراة: هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى بن عمران، والإنجيل: هو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى عليهما السلام، وقد كان عيسى عليه السلام، يحفظ هذا وهذا»137.

      وفي قوله تعالى: ( ﯗﯘ ) [آل عمران:٥٠].

      قال الطبري: «وإنما قيل: ( )؛ لأن عيسى صلوات الله عليه، كان مؤمنًا بالتوراة مقرًّا بها، وأنها من عند الله. وكذلك الأنبياء كلهم، يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم، لمخالفة الله بينهم في ذلك. مع أنّ عيسى كان - فيما بلغنا - عاملًا بالتوراة لم يخالف شيئًا من أحكامها، إلا ما خفّف الله عن أهلها في الإنجيل، مما كان مشددًا عليهم فيها»138.

      ويقول الرازي: «اعلم أنه عليه السلام لما بين بهذه المعجزات الباهرة كونه رسولًا من عند الله تعالى، بين بعد ذلك أنه بماذا أرسل، وهو أمران، أحدهما: قوله: ومصدقًا لما بين يدي من التوراة...، وأنه يجب على كل نبي أن يكون مصدقًا لجميع الأنبياء عليهم السلام، لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجزة، فكل من حصل له المعجز، وجب الاعتراف بنبوته، فلهذا قلنا: بأن عيسى عليه السلام يجب أن يكون مصدقًا لموسى بالتوراة، ولعل من جملة الأغراض في بعثة عيسى عليه السلام إليهم؛ تقرير التوراة وإزالة شبهات المنكرين وتحريفات الجاهلين، وأما المقصود الثاني من بعثة عيسى عليه السلام قوله: ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم»139.

      وقال تعالى: ( ﭜﭝ ) [المائدة:٤٦].

      قال القنوجي: «أي: مصدقًا وهاديًا وواعظًا (). وهذا ليس بتكرار للأول؛ لأن في الأول إخبارًا بأن عيسى مصدق لما بين يديه من التوراة، وفي الثاني إخبار بأن الإنجيل مصدق للتوراة، فظهر الفرق بينهما»140.

      قال ابن كثير: «( )، أي: متبعًا لها، غير مخالف لما فيها، إلا في القليل مما بيّن لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه، كما قال تعالى إخبارًا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل: ( )؛ ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة»141.

      فعلم أن عيسى عليه السلام كان مؤمنًا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، متبعًا لها، لم يخالفها إلا في أشياء قليلة.

      وموسى وعيسى وجميع الأنبياء كان دينهم الإسلام العام، وهو: توحيد الله عز وجل، وعبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ( ) [آل عمران:١٩].

      وقال تعالى: ( ) [آل عمران:٨٥].

      وقال عن نوح عليه السلام: ( ) [يونس:٧٢].

      وقال عن إبراهيم عليه السلام: ( ) [آل عمران:٦٧].

      وقال عن موسى عليه السلام: ( ) [يونس:٨٤].

      وقال عن يوسف عليه السلام: ( ) [يوسف:١٠١].

      فلا يقال: دين موسى عليه السلام اليهودية، بل دينه الإسلام، وأتباعه سموا باليهود؛ إما لقولهم: هدنا إليك، أي: تبنا ورجعنا، أو نسبة ليهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وكذلك دين عيسى عليه السلام الإسلام، وليس النصرانية، والنصارى هم أتباعه الذين نصروه وآزروه.

      لكنه عليه السلام كان متبعًا للتوراة حافظًا لها مقرًّا بها؛ لأنه من جملة بني إسرائيل الذين أرسل فيهم موسى عليه السلام، ثم أنزل الله عليه الإنجيل، وفيه تصديق لما في التوراة، كما سبق. فنبي الله عيسى عليه السلام من بني إسرائيل من غير خلاف، «لا ريب أن قوم موسى عليه السلام هم بنو إسرائيل، وبلسانهم نزلت التوراة، وكذلك بنو إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلام، وبلسانهم كان المسيح يتكلم»142.

      صفات الرسول الكريم وأتباعه في التوراة

      قال ابن القيم: «لو لم يظهر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لشهادتهم وشهادة لهم بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله: ( ) [الصافات:٣٧]»143.

      فلقد جاءت صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصفات الذين على دينه في التوراة، إلى أن وصل الحد ببني إسرائيل أن يعرفوه كما يعرفون أبناءهم.

      قال تعالى: ( ﭗﭘ ) [البقرة:١٤٦].

      وفيما يلي بيان لبعض صفاته وصفات الذين معه كما وردت في التوراة.

      أولًا:صفات الرسول الكريم في التوراة:

      إنّ وصف النبي في التوراة واضحٌ وضوح الشمس في رابعة النهار، ويدل على ذلك قول الله تعالى: ( ﭿ ﮑﮒ ﮜﮝ ) [الأعراف:١٥٧].

      قال ابن كثير:«وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم»144.

      قال أبو السعود في معرض صفاته المذكورة في الآية:«فإن ما بيّن فيه: من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإحلال الطيبات، وتحريم الخبائث، وإسقاط التكاليف الشاقة؛ كلّها من آثار رحمته الواسعة»145.

      ولقد جاءت صفات النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة كما جاءت في القرآن، ويظهر ذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه (عن عطاء بن يسار، قال:لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قلت:أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال:أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا:لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا)146.

      فلقد جمع هذا الحديث الكثير من صفاته صلى الله عليه وسلم في التوراة، وفي القرآن والسنة نظير لها، وفيما يلي تفصيل ذلك:

      الوصف الأول: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا)، ويناظره في القرآن:قوله تعالى: ( ) [الأحزاب:٤٥].

      وقوله تعالى: ( ) [الفتح:٨].

      الوصف الثاني: (حرزًا للأميين)، أي: حصنًا للأميّين، وهم: الذين لا كتاب لهم من العرب وغيرهم، ويقابله في القرآن قوله تعالى: ( ) [الجمعة:٢].

      الوصف الثالث: (أنت عبدي ورسولي)، ويقابله في القرآن قوله تعالى: ( ) [الجن:١٩].

      وقوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٣].

      وقوله أيضًا: ( ﭡﭢ ) [الإسراء:١].

      الوصف الرابع: التوكل على الله؛ (سمّيتك المتوكّل)، وقد جاءت في هذا المعنى آيات كثيرة في القرآن، منها قوله تعالى: ( ﭵﭶ ) [آل عمران:١٥٩].

      وقوله تعالى: ( ) [الفرقان:٥٨].

      وقوله تعالى: ( ﭢﭣ ) [النمل:٧٩].

      وقوله تعالى: ( ﭰﭱ ) [الأحزاب:٣].

      الوصف الخامس: اللين والرحمة، (ليس بفظٍّ ولا غليظٍ)، ومثله في القرآن قوله تعالى: ( ﭞﭟ ﭧﭨ ﭯﭰ ﭵﭶ ) [آل عمران:١٥٩].

      الوصف السادس: عدم الصخب في الأسواق، (ولا سخّابٍ في الأسواق) وقد ترجم البخاري في صحيحه لهذا الأثر وعقد بابًا أسماه: باب كراهية الصّخب في السّوق147.

      الوصف السابع: العفو والمغفرة، (لا يدفع بالسيئة السيئة، لكن يعفو ويغفر)، وقد تخلق النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق العظيم.

      قال تعالى: ( ﮓﮔ ) [المؤمنون:٩٦].

      وقال أيضًا: ( ) [فصلت:٣٤].

      وقال تعالى: ( ﯥﯦ ) [المائدة:١٣].

      وقال سبحانه: ( ) [آل عمران:١٥٩].

      الوصف الثامن: إقامة التوحيد، (لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا:لا إله إلا الله)، وقد كان ذلك أساس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأساس دعوة الأنبياء جميعًا، ومثله في القرآن قوله تعالى: ( ) [محمد:١٩].

      الوصف التاسع:(ويفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا)، ومثاله في القرآن قوله تعالى: ( ﭢﭣ ﭦﭧ ) [البقرة:٧].

      وقوله تعالى: ( ) [البقرة:١٨].

      قال ابن القيم: «وقوله:يفتح العيون العمي والآذان الصم والقلوب، إشارة إلى أن تكميل مراتب العلم والهدى الحاصل بدعوته في القلوب والأبصار والأسماع، فباينوا بذلك أحوال الصم البكم العمي الذين لهم قلوب لا يعقلون بها، فإن الهدى يصل إلى العبد من هذه الأبواب الثلاثة، وهي مغلقة عن كل أحد، لا تفتح إلا على أيدي الرسل، ففتح الله بمحمد صلى الله عليه وسلم الأعين العمي، فأبصرت بالله، والآذان الصم، فسمعت عن الله، والقلوب الغلف، فعقلت عن الله، فانقادت لطاعته عقلًا وقولًا وعملًا، وسلكت سبل مرضاته ذللًا»148.

      ثانيًا: صفات أتباع النبي عليه السلام في التوراة:

      جاء وصف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل، ذلك الجيل الذي نصر النبي صلى الله عليه وسلم وآزره، وحمل على أكتافه عبء إقامة دولة الإسلام، جاء وصفهم وصفًا دقيقًا كما أخبرنا القرآن في نهاية سورة الفتح.

      قال تعالى: ( ﭓﭔ ﭛﭜ ﭤﭥ ﭫﭬ ﭰﭱ ﭿ ﮁﮂ ) [الفتح:٢٩].

      وصفتهم التوراة بأربع صفات عظيمة، على مثلها تقوم دولة الإسلام، قال سيد قطب:«إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع، صورة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة، حالاتها الظاهرة والمضمرة؛ فلقطة تصور حالتهم مع الكفار ومع أنفسهم: ( )، ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم: ( )، ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها:( )، ولقطة تصور أثر العبادة والتوجه إلى الله في سمتهم وسحنتهم وسماتهم:( )»149، وتفصيلها كالآتي:

      الصفة الأولى: ( ).

      يقول الطبري: «( )، غليظة عليهم قلوبهم، قليلة بهم رحمتهم ( ) يقول:رقيقة قلوب بعضهم لبعض، لينة أنفسهم لهم، هينة عليهم لهم»150.

      قال الزمخشري: «بلغ من تشدّدهم على الكفار:أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنًا إلا صافحه وعانقه»151.

      وقال البيضاوي: «والمعنى: أنهم يغلظون على من خالف دينهم، ويتراحمون فيما بينهم كقوله: ( ) [المائدة:٥٤] تراهم ركّعًا سجّدًا»152.

      الصفة الثانية: ( ).

      قال ابن كثير: «وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال»153.

      يقول سيد قطب: «وإرادة التكريم واضحة وهو يختار من هيئاتهم وحالاتهم، هيئة الركوع والسجود وحالة العبادة:( ).. والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم. ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة، وهي الحالة الأصلية لهم في حقيقة نفوسهم فعبر عنها تعبيرًا يثبتها كذلك في زمانهم، حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعًا سجدًا»154.

      الصفة الثالثة: ( ).

      قال السعدي: «أي: هذا مقصودهم: بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه»155.

      قال الجزائري: «يطلبون بصلاتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم وتعاطفهم مع بعضهم، يطلبون بذلك ( )، أي: الجنة، ورضا الله، وهذا أسمى ما يطلب المؤمن، أن يدخله الله الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه»156.

      ويقول سيد قطب: «فهذه هي صورة مشاعرهم الدائمة الثابتة، كل ما يشغل بالهم، وكل ما تتطلع إليه أشواقهم، هو فضل الله ورضوانه. ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به»157.

      الصفة الرابعة: ( ).

      قال الطبري: «بياضًا في وجوههم يوم القيامة، وقال آخرون:بل ذلك سيما الإسلام وسمته وخشوعه، وعنى بذلك أنه يرى من ذلك عليهم في الدنيا»158.

      ويقول سيد قطب: «سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية، ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللطيف، وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله:( ).

      فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة، واختار لفظ السجود لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله في أكمل صورها؛ فهو أثر هذا الخشوع؛ أثره في ملامح الوجه؛ حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة، ويحل مكانها التواضع النبيل، والشفافية الصافية، والوضاءة الهادئة، والذبول الخفيف، الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا»159.

      موضوعات ذات صلة:

      الإنجيل، عيسى عليه السلام، القرآن، الكتب المنزلة، موسى عليه السلام


1 البحر المحيط، أبو حيان، ٣/٥.

2 التحرير والتنوير، ٣/١٤٨.

3 المنار، محمد رشيد رضا ٣/ ١٢٩.

4 المصدر السابق.

5 انظر: مفاتيح الغيب ١٢/ ٣٦٥، التحرير والتنوير ٦/ ٢٠٨.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١٥٨.

7 انظر: تفسير ابن عطية ١/ ٣٩٨، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٦٨.

8 انظر: الصحاح، الجوهري، ١/٦٤، مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٧٥٠.

9 انظر: التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية، صالح الفوزان، ص٦٦.

10 لسان العرب، ١١/٦٤٨.

11 التحرير والتنوير، ٣/١٤٩.

12 مقاييس اللغة ٣/ ٤٥.

13 الكليات، ص٤٨٦.

14 مقاييس اللغة ٣/ ٣٣٤.

15 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، رقم ٢٩٣٠، ٢/ ٢٥٨.

16 التحرير والتنوير ٢٧/ ١٣٠.

17 الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ٢/ ٥٦٤.

18 الجواب الصحيح ١/ ١١٦.

19 انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ١٦/ ٤٥.

20 مفاتيح الغيب ٧/ ١٣٠.

21 إرشاد العقل السليم ٢/ ٤.

22 انظر: موقع د. محمد راتب النابلسي.

23 انظر: كائز الإيمان، محمد قطب، ص١٨١.

24 انظر: دراسات في العقيدة، سعد عاشور ص٢١٠.

25 تفسير السمرقندي ١/ ١٩٣.

26 مفاتيح الغيب ٧/ ١٣٢.

27 الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية ١/ ٩٨.

28 تفسير المراغي ٦/ ١٢١.

29 انظر: العقائد الإسلامية، سيد سابق، ص ١٦٨.

30 جامع البيان ٦/ ١٦٠.

31 تفسير القرآن ١/ ٢٩١.

32 تيسير الكريم الرحمن، ص١٢١.

33 جامع البيان، الطبري ٦/ ٤٣٨.

34 المحرر الوجيز ١/ ٤٤١.

35 مفاتيح الغيب ٨/ ٢٣٠.

36 جامع البيان ١٠/ ٣٧٧.

37 الكشاف ١/ ٦٤٠.

38 الوجيز ٣٢٢.

39 سفر الخروج ٣٢/١٤.

40 دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، سعود الخلف، ص ١٠٦.

41 سفر التكوين ٢/٢.

42 سفر الخروج ٣١/١٧.

43 سفر الخروج ١٩/ ١١.

44 سفر الخروج ٢٤/١٠.

45 المصدر السابق ١٣/ ١١.

46 سفر التكوين ٩/٢٠.

47 انظر: الأديان والمذاهب، جامعة المدينة، ص١٥٧.

48 سفر الخروج ٣٢/١.

49 تفسير القرآن العظيم ٣/ ٤٧٤.

50 الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٢٨١.

51 تفسير القرآن ٢/ ٢١٤.

52 التفسير المنير، الزحيلي ٩/ ٨٧.

53 انظر: في ظلال القرآن ٣/ ١٣٧٠.

54 انظر: تفسير المراغي ٩/ ٥٥.

55 الوجيز، ص٤١٢.

56 انظر: في ظلال القرآن ٣/ ١٣٧٠.

57 الكشف والبيان ٤/ ٢٨٥.

58 لطائف الإشارات ١/ ٥٧٢.

59 المحرر الوجيز ٢/ ٤٥٦.

60 جامع البيان ١٣/ ١٢٠.

61 مفاتيح الغيب ١٥/ ٣٧١.

62 تفسير القرآن ٢/ ٢١٧.

63 أنوار التنزيل ٣/ ٣٥.

64 لباب التأويل ٢/ ٢٥٢.

65 تفسير القرآن العظيم ٣/ ٤٧٦.

66 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٣٧٥.

67 تفسير المراغي ٩/ ٧٦.

68 جامع البيان ١٠/ ٣٣٨.

69 الكشاف ١/ ٦٣٦.

70 مفاتيح الغيب ١٢/ ٣٦٥.

71 زاد المسير ١/ ٥٥١.

72 تفسير ابن أبي حاتم ٧/ ٢٣٠٩.

73 روح البيان ٥/ ١٣١.

74 تفسير السمرقندي ١/ ١٩٣.

75 جامع البيان ١٠/ ٣٣٨.

76 الكشاف ١/ ٦٣٦.

77 زاد المسير ١/ ٥٥١.

78 الوجيز، الواحدي، ص ٣٢٠.

79 تفسير القرآن العظيم ٣/ ٣٠٠.

80 انظر: اللباب في علوم الكتاب ٨/ ٢٧٩.

81 جامع البيان ١٨/ ٤٥٢.

82 الكشف والبيان ١/ ١٩٦.

83 الكشاف ١/ ١٤٠.

84 المحرر الوجيز ١/ ١٤٤.

85 انظر: الكشاف ٣/ ١٢١.

86 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/ ١٩٣.

87 مدارك التنزيل ٢/ ٤٠٧.

88 أنوار التنزيل ٤/ ٥٣.

89 نظم الدرر ١٢/ ٤٣١.

90 في ظلال القرآن ٤/ ٢٣٨٤.

91 الجواهر الحسان ٤/ ٨٩.

92 نظم الدرر، البقاعي ١٢/ ٤٣١.

93مدارك التنزيل ٢/ ٤٠٧.

94 إرشاد العقل السليم ٦/ ٧١.

95 في ظلال القرآن ٤/ ٢٣٨٤.

96 جامع البيان ١٢/ ٢٣٨.

97 التحرير والتنوير ٢٦/ ٢٤.

98 الكشاف ٣/ ٤١٧.

99 نظم الدرر ١٤/ ٣٠٢.

100 انظر: شرح الأحكام التشريعية في التوراة، نادي فرج درويش العطار، ١/٦.

101 انظر: مفاتيح الغيب ٨/ ٣٠٨.

102 جامع البيان ٢/ ١٦١.

103 روح البيان، إسماعيل حقي ١/ ١٨٢.

104 مفاتيح الغيب ٣/ ٦٠٤.

105 تفسير المراغي ٩/ ٦١.

106 المنار ٩/ ٣٢٤.

107 انظر: في ظلال القرآن ١/ ٨٧.

108 مفاتيح الغيب ٣/ ٥٩١.

109 في ظلال القرآن ٢/ ٩٣١.

110 التحرير والتنوير ٦/ ٢٥٣.

111 في ظلال القرآن ٦/ ٣٧١٣.

112 مفاتيح الغيب ١٢/ ٣٦٦.

113 التحرير والتنوير ٦/ ٢٠٩.

114 الجواهر الحسان ٢/ ٣٨٥.

115 إرشاد العقل السليم ٣/ ٤١.

116 جامع البيان ٢٣/ ٣٧٧.

117 الكشاف ٤/ ٥٣٠.

118 في ظلال القرآن ٦/ ٣٥٦٧.

119 جامع البيان ٢/ ٢٤٦.

120 الكشاف ١/ ٥١٦.

121 زاد المسير ١/ ٤١٦.

122 تفسير القرآن، السمعاني ٢/ ٢٢.

123 البحر المحيط ٤/ ٢٦١.

124 أخرجه الدارمي في سننه، باب من لم ير كتابة الحديث، رقم ٤٨٠، ١/ ١٣٥.

125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، رقم ٢٦٨٥، ٣/ ١٨١.

126 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (قولوا آمنا بالله)، رقم ٤٤٨٥، ٦/ ٢٠.

127 انظر: هل العهد القديم كلمة الله، منقذ السقار، ص١٥.

128 انظر: الخطأ والدخيل في توراة بني إسرائيل، إبراهيم ثروت حداد، ص١٧.

129 انظر: مدخل إلى تاريخ اللغة الآرامية، أحمد الجمل، ص١٣.

130 انظر: حجية التوراة، أحمد الحوفي، ٠١/٣٢.

131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام، رقم ٣٤٠٢، ٤/ ١٥٦.

132 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (قولوا آمنا بالله)، رقم ٤٤٨٥، ٦/ ٢٠.

133 انظر: التفسير والمفسرون، الذهبي، ١/ ١٣٠.

134 أضواء البيان، ٤/ ٢٠٣- ٢٠٤.

135 تفسير السمرقندي ١/ ٢١٤.

136 المحرر الوجيز ١/ ٤٣٨.

137 تفسير القرآن العظيم ٢/٤٤.

138 جامع البيان ٦/ ٤٣٨.

139 مفاتيح الغيب ٨/ ٢٣٠.

140 فتح البيان في مقاصد القرآن ٣/ ٤٣٩.

141 تفسير القرآن العظيم ٣/١٢٦.

142 الجواب الصحيح، ابن تيمية ٢/٩٤.

143 هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ٢/ ٥٢٥.

144 تفسير القرآن العظيم، ٣/ ٤٨٣.

145 إرشاد العقل السليم ٣/ ٢٧٩.

146 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا)، رقم ٢١٢٥، ٣/ ٦٦.

147 صحيح البخاري ٣/ ٦٦.

148 هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ٢/ ٣٦٤.

149 في ظلال القرآن ٦/ ٣٣٣١.

150 جامع البيان ٢٢/ ٢٦١.

151 الكشاف ٤/ ٣٤٦.

152 أنوار التنزيل ٥/ ١٣٢.

153 تفسير القرآن العظيم، ٧/ ٣٦١.

154 في ظلال القرآن ٦/ ٣٣٣٢.

155 تيسير الكريم الرحمن، ص ٧٩٥.

156 أيسر التفاسير ٥/ ١١٨.

157 في ظلال القرآن ٦/ ٣٣٣٢.

158 جامع البيان ٢٢/ ٢٦٤.

159 في ظلال القرآن ٦/ ٣٣٣٢.