عناصر الموضوع
التغيير
المعنى اللغوي والاصطلاحي.
أولًا: المعنى اللغوي: مصدر غير، والمضارع منه يغير، وهو فعل متعدٍ. والتغير مصدر من تغير، وهو فعلٌ لازمٌ، والمضارع منه يتغير. جاء في اللسان: «وتغير الشيء عن حاله تحول، وغيره حوله وبدله كأنه جعله غير ما كان. وفي التنزيل العزيز (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأنفال: ٥٣]. قال ثعلب: معناه: حتى يبدلوا ما أمرهم الله».... «والغير: تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد، والغير: الاسم من قولك: غيرت الشيء فتغير»1. وورد في السنة النبوية: عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).2
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن نطاق المعنى اللغوي بل يطابقه، قال أبو البقاء: والتغيير: عبارة عن تبديل صفة إلى صفة أخرى، مثل: تغيير الأحمر إلى الأبيض. والتغيير إما في ذات الشيء أو جزئه أو الخارج عنه. ومن الأول: تغيير الليل والنهار، ومن الثاني: تغيير العناصر بتبديل صورها، ومن الثالث: تغيير الأفلاك بتبديل أوضاعها. والتحويل يتعدى ويلزم، والتغيير لا يكون إلا متعديًا.3
وقال الراغب: «والتغيير تبديل شيء بما يضاده، فقد يكون تبديل صورة جسم كما يقال: غيرت داري، ويكون تغيير حال وصفة، ومنه تغيير الشيب، أي: صباغه، وكأنه مشتق من الغير، وهو المخالف.4 وفرق الجرجاني بين التغيير والتغير، فقال: التغيير: هو إحداث شيء لم يكن قبله، والتغير: هو انتقال الشيء من حالة إلى حالة أخرى. 5
وردت مادة (غير) في القرآن الكريم (٦) مرات فقط6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٥ |
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الرعد:١١] |
اسم فاعل |
١٥ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنفال:٥٣] |
وجاءت صيغ (غير) -المضعف- في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: التحويل والتبديل7.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنفال:٥٣]. معناه: حتى يبدلوا ما أمرهم الله.
الإصلاح:
الإصلاح لغة:
خلاف الإفساد8.
الإصلاح اصطلاحًا:
التغيير إلى استقامة الحال9.
وقيل: هو «إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من الفساد»10.
الصلة بين التغيير والإصلاح
التغيير قد يكون للحسن وقد يكون للسيء، أما الإصلاح فلا يكون إلا من فسادٍ أو خلل فهو تغيير للخير وللأحسن. والإصلاح يشمل التغيير للأحسن بوجه عام أو الإصلاح بين متخاصمين.
التبديل:
التبديل لغة:
تبديل الشيء تغييره وإن لم تأت ببدل. واستبدل الشيء بغيره وتبدله به إذا أخذه مكانه والمبادلة التبادل11.
والتبديل: التغيير والعين قائمةٌ. ويقال: بدلٌ وبدلٌ وبديل. والإبدال: أن تأتي بالبدل12.
التبديل اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي، وهو: تغيير الشيء عن حاله.
الصلة بين التغيير والتبديل
قال أبو حيان: «التغيير قد يكون بإزالة الذات، وقد يكون بإزالة الصفات، فقد تكون النعمة أذهبت رأسًا، وقد تكون قللت وأضعفت»13.
قال الفراء: التبديل تغيير الشيء عن حاله، والإبدال جعل الشيء مكان الشيء 14.
وجاء في لسان العرب: «والأصل في التبديل تغيير الشيء عن حاله، والأصل في الإبدال جعل شيء مكان شيء آخر»15، وقيل: هما بمعنى.
التغيير في الأشياء يقع مع بقاء أصلها، وفي الأحوال تقلبها وتبدلها إلى أحوال أخرى، ولكن تبديل الأشياء يستلزم تحويلها إلى غيرها.
الإفساد:
الإفساد لغة:
هو ضد الإصلاح16.
الإفساد اصطلاحًا:
هو جعل الشيء فاسدًا خارجًا عما ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعًا به. وفي الحقيقة هو إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح17.
الصلة بين التغيير والإفساد:
الفساد من أسباب التغيير، فالتغيير قد يكون للأصلح، وقد يكون للفساد أو للأفسد.
التغيير سنة من سنن الله في الكون، وسنة اجتماعية نلمسها في عالمنا، وكل تغيير يطرأ على هذا الكون إنما هو بإرادة الله تعالى وتدبيره .
أولا: التغيير سنة كونية:
التغيير سنة من سنن هذا الكون، كما أن الثبات من سننه، إذ تدل حركة الأجرام العلوية على ثبات ودقة وانتظام، فالشمس لا تتخلف عن موعدها طرفة عين، والقمر له دورته الثابتة لا يتخلف عنها، ومنازله فلا يبرح فلكه ( ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [يس: ٤٠]، والنجوم تتراءى في مواقعها وكأنها ثابتة، ( ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الواقعة: ٧٥]
سنة مطردة في هذا الكون كما أن الثبات سنة مطردة، تشرق الشمس في الصباح فتملأ الدنيا نورًا ودفئًا، ثم تغرب في المساء فيحل الظلام، والليل والنهار يتعاقبان، ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الإسراء: ١٢]، وفصول السنة متتابعة، لا ينتهي فصلٌ إلا ويسلم لفصلٍ، فهذا فصلٌ باردٌ ممطرٌ وذاك معتدلٌ تهب فيه الرياح، فتثير الغبار وتلقح الأزهار، وتذوب الثلوج، وتنحدر من المرتفعات وتكسو الخضرة البراري والقفار وتجري الجداول في الحقول والبساتين، وهذا فصل الصيف حارٌ رطبٌ أو جاف، تورف فيه الظلال وتنضج الثمار، وذاك فصل الخريف يابس معتدل، تتساقط فيه الأوراق وتجفف الفواكه والحبوب، في تنوعٍ رائعٍ، ولولا هذا التغيير لما استقامت الحياة ولما تحققت المنافع للإنسان .
قال تعالى: ( ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ٢٦-٢٧]
قال الشيخ رشيد رضا: «أيْ: إنك بحكْمتك في تدْبير الأرْض وتكْويرها وجعْل الشمْس بحسْبانٍ تزيد في أحد الْجديديْن ما يكون سببًا لنقْص الْآخر، فلا ينْكر على قدْرتك وحكْمتك أنْ تؤْتي النبوة والْملْك منْ تشاء كمحمدٍ وأمته، وتنْزعهما ممنْ تشاء كبني إسْرائيل، فإنك تتصرف في شئون الناس كما تتصرف في الليْل والنهار18.
وفي عالم النبات نرى صورًا ومشاهد للتغيير التدريجي، تبدأ النبتة ضعيفة لينة، ثم تشتد وتمتد أغصانها، ثم تزهر وتثمر، ويصفر النبات ويذبل ويجف في دورة عجيبة، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [الكهف:٤٥] .
والتغير الكوني يقابله تغيرٌ في حياة البشر بتقلب الأحوال وتبدل الزمان وتداول الأمم، تأمل في قوله تعالى (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الحج: ٦٠-٦٣]، فنجد الترابط بين السنن الاجتماعية الإنسانية: سنة النصر والتمكين وبين السنن المادية الكونية سنة تعاقب الليل والنهار وتداخلهما يطول هذا ويقصر هذا في اختلاف عجيب.
قال صاحب التحرير والتنوير: «والمناسبة الرابطة بين نصر الله من بغي عليه فصبر، وإيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، هي الإيماء إلى تقلب أحوال الزمان؛ فقد يصير المغلوب غالبًا، ويصير ذلك الغالب مغلوبًا، فإن النصر يقتضي تغليب أحد الضدين على ضده، وإقحام الجيش في الجيش الآخر في الملحمة، فضرب له مثلًا بتغليب مدة النهار على مدة الليل في بعض السنة، وتغليب مدة الليل على مدة النهار في بعضها، والحاصل أنه لا عجب في النصر الموعود به المسلمون على الكافرين مع قلة المسلمين، فإن القادر على تغليب النهار على الليل حينًا بعد أن كان أمرها على العكس حينًا آخر قادر على تغليب الضعيف على القوي.
ويقول سيد قطب –رحمه الله– عن المناسبة بين الآيتين: والسياق يوجه النظر إلى تلك الظاهرة الكونية المكررة حتى لا يمر الناس عليها غافلين، ليفتح بصائرهم ومشاعرهم على يد القدرة، وهي تطوي النهار من جانب وتسدل الليل من جانب، وهي تطوي الليل من جانب وتنشر النهار من جانب في دقة عجيبة لا تختل، وفي اطراد عجيب لا يتخلف، وكذلك نصر الله لمن يقع عليه البغي وهو يدفع عن نفسه العدوان، إنه سنة مطردة كسنة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، فكذلك يزوي الله سلطان المتجبرين وينشر سلطان العادلين، فهي سنة كونية، تلك السنة يمر عليها الناس غافلين، كما يمرون على دلائل القدرة في صفحة الكون وهم لا يشعرون19.
إن كل شيء في حياتنا عرضةٌ للتغير المستمر وعلى الدوام، فكل يوم في حياتنا هو يوم جديد، وكل لحظة تمثل حدثًا مستجدًا في العمر، وعلى حد تعبير الفيلسوف اليوناني ـ قليطس ـ فإن المرء لا يستحم في النهر مرتين، لأن النهر يتغير بجريان الماء فيه، مثلما يتغير الشخص فور إحساسه أو ملامسته لماء النهر، ورغم دقة هذه الملاحظة وصدقها الواقعي فإننا نميل في العادة إلى إسباغ طابع الثبات والديمومة، ولو لفترات محددة على أنفسنا وعلى ما حولنا، ورغم ما يحدث من وجوه التغير سواء كانت طفيفة أو كبيرة، فإننا نظل نعتقد أن للنهر شكلا ثابتًا. وأن للإنسان ولشخصيته ملامح تبقى على حالها دون تغيير20.
وتلك سمة الكون والإنسان: الجمع بين التغير والثبات.
ثانيًا: التغيير سنة اجتماعية:
١. الإنذار بالتغيير.
قال تعالى (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)
لما ذكر تعالى استعجال كفار قريشٍ للعذاب وحلول النقم على ما هم عليه من إمهالٍ ونعمٍ وخفض عيشٍ، بين تعالى أن من سنته العادلة أن لا يغير ما بقوم من عيش رغيدٍ وأمنٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم بالكفر والعصيان والتمرد والجحود، وفي هذا وعيدٌ لكفار قريش، وقد حل بهم أمر الله، كما في غزوة بدرٍ حيث قتل صناديدهم وأسر أكابرهم .
قال الرازي: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) «كلام جميع المفسرين يدل أن المراد: لا يغير ما هم فيه من النعم بإنزال الانتقام»21.
ولكن يسْتفاد بمفهوم المخالفة أن الله لا يغير ما بقوم من سوء أو بلاء إلا إذا غيروا ما بأنفسهم فاستحقوا رفع البلاء وتبدل الحال السيئة إلى حالة حسنة .
٢. التغيير حقيقة ماثلة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأنفال:٥٣]، فأسند التغيير لله تعالى بصيغة اسم الفاعل (مغير). وقد نزلت هذه الآية بعد غزوة بدر، حيث هزمت قريشٌ، وقتل سبعون أغلبهم من رؤوس الكفر، فبدل الله حالهم من عزةٍ ومنعةٍ، إلى قتلٍ وأسرٍ وخزيٍ، فكان شأنهم كشأن آل فرعون الذين عاقبهم الله تعالى أشد العقاب بكفرهم وتكذيبهم، قال الطبري: «إن الله لا يغير ما بقوم من عافية، ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم، حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك، بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره»22.
وقد استحقت قريش العقوبة بتبدل حالهم وهزيمتهم ومقتل صناديدهم في غزوة بدر لما بدلوا نعمة الله كفرا، حيث اضطهدوا النبي ومن آمن معه وأخرجوهم من ديارهم فغير الله حالهم .
وقال أبو حيان: «وظاهر النعمة أنه يراد بها ما يكونون فيه من سعة الحال والرفاهية والعزة والأمن والخصب وكثرة الأولاد، والتغيير قد يكون بإزالة الذات، وقد يكون بإزالة الصفات، فقد تكون النعمة أذهبت رأسًا، وقد تكون قللتْ وأضعفت ... والظاهر من قوله: (ﭙ ﭚ) العموم في كل من أنعم الله عليه من مسلم وكافر، وبرٍ وفاجر، وأنه تعالى متى أنعم على أحدٍ فلم يشكر، بدله عنها بالنقمة»23.
وقال ابن كثير: يخبر تعالى عن تمام عدله، وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، كما قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الرعد:١١]، وقوله (ﭣ ﭤ ﭥ) أي: كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته، أهلكهم بسبب ذنوبهم، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون، وزروع وكنوز ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك، بل كانوا هم الظالمين24.
مقارنة بين الآيتين:
التغيير منه ما هو إيجابي، ومنه ما هو سلبي، فقد يكون التغيير للأفضل، وقد يكون للأسوأ، ولكل عوامله ونتائجه، وفي هذا المبحث يدور الحديث حول أنواع التغيير المحمود والمذموم .
أولًا: التغيير المحمود:
١. تغيير الأنفس.
تغيير الأنفس إلى الأحسن إنما يكون بتزكيتها، أي: تطهيرها والارتقاء بها وتنميتها، قال تعالى (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الشمس:٧-٩] .
قال مالك بن دينار: «رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم زمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائدًا»25.
وقال الحسن البصري رحمه الله: «رحم الله امرءًا عرض نفسه وعمله على كتاب الله؛ فإن وافق كتاب الله حمد الله وسأله المزيد، وإن خالف أعتب نفسه ورجع من قريب»26.
إن شأن من اختار لنفسه طريق التغيير للأحسن فسعى لتزكيتها، بتطهيرها من الآفات وتنميتها بالخيرات، كالفلاح يحرث الأرض وينقيها من الأعشاب الضارة بالنبات، ويسويها ويهيئها ثم يدفن البذور ويغرس الفسائل، ثم يروي الأرض ويتعهد النباتات فلا يغفل عن رعايتها وحفظها من الآفات، كذلك النفس البشرية تحتاج لتخلية ثم تحلية ثم تنقية ثم تنمية.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [التوبة:١٠٨]، فإن حب التطهر نابعٌ من إرادة التغيير للأحسن والأصلح، وتزكية النفس طهرٌ ونماءٌ، وتخليةٌ وتحليةٌ وارتقاءٌ .
وتغيير الأنفس هو أساس كل تغيير، فالفرد لبنةٌ من لبنات المجتمع، بصلاحه واستقامته صلاح المجتمع ونهوضه، ولذا جاء التعبير القرآني (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) فلن يتحقق تغيير المجتمعات بدون تغيير الأنفس، وتغيير ما بالأنفس يعني: إصلاحها وتهذيبها وتقويمها، إنها رحلةٌ في أعماق النفس وغوص في مكنونها من أجل إصلاحها وتقويم سلوكها، وسبر أغوارها لتصحيح مسارها؛ كالطبيب الذي يوغل بمبضعه في جسم الإنسان، فيعالج ما استعصى من مرضٍ وما عضل من داء .
قال الأستاذ جودت سعيد: «وكذلك من المفارقات أن نتطلع بشوق إلى تغيير الواقع دون أن يخطر في بالنا أن ذلك لن يتم إلا إذا حدث التغيير قبل ذلك بما في الأنفس، ونحن مطمئنون إلى ما بأنفسنا، ولا نشعر أن كثيرًا مما فيها هو الذي يعطي حق البقاء لهذا الواقع الذي نريد أن يزول. ونحن نشعر بثقل وطاته علينا، ولكن لا نشعر بمقدار ما يساهم ما في أنفسنا لدوامه واستمراره» 27 .
قال الشوكاني: «ما بأنفسهم من الأحوال والأخلاق، بكفران نعم الله وغمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه»28.
والدعوة لتغيير النفوس بتزكيتها هي محور دعوات الأنبياء قال تعالى لموسى عليه السلام (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [النازعات:١٧-١٩]، فدعاه بترفق ولينٍ إلى تزكية النفس؛ فهي أساس كل إصلاح وتغيير، دعاه إلى أن يتطهر من الشرك ويتخلى عن الرذائل ويتحلى بالفضائل.
قال ابن كثير: «هلْ لك أنْ تجيب إلى طريقة ومسْلك تزكى به وتسْلم وتطيع»29.
وقال السعدي: «هل لك في خصلة حميدة، ومحمدة جميلة، يتنافس فيها أولو الألباب، وهي أن تزكي نفسك وتطهرها من دنس الكفر والطغيان، إلى الإيمان والعمل الصالح؟ 30.
وجاءت دعوة الإسلام بالتغيير قائمةً على تزكية الأنفس استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة:١٢٩] وتلك نعمةٌ عظيمةٌ تستوجب شكر الله تعالى ومداومة ذكره.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [البقرة:١٥٠-١٥٢].
ومنة كبرى سيما حين نقارن حال العرب في الجاهلية بحالهم بعد الإسلام.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [آل عمران:١٦٤].
وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الجمعة:٢].
ولقد كان القرآن الكريم هو منهج هذه التزكية ومصدرها وزادها ونبراسها، وكان لمدرسة الليل أثرٌ كبيرٌ في التزكية والارتقاء.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المزمل:١-٦].
وكان للصحابة رضوان الله عليهم منهجٌ فريدٌ في التربية بالقرآن إذ كانوا يتعلمون عشر آيات من القرآن، فلا يجاوزونها إلى غيرها حتى يتعلموا ما فيها من العمل، ويعملوا بما فيها، فتعلموا بذلك العلم والعمل جميعًا31.
وبهذا حدث هذا التغيير العظيم لهذا الجيل القرآني الفريد الذي صنع الأمجاد وفتح الفتوحات، وأحدث تغييرًا كبيرًا، وحمل مشاعل النور إلى العالم .
لقد كان العالم يرزح تحت نير الجهل والظلم، ويعيش الناس في فوضى، العرب قبائل متمزقة، والعالم بين طغيان الفرس وفساد الروم، والجاهلية تضرب بأطنابها في جزيرة العرب بشتى مظاهرها، من الجهل والظلم والعادات المرذولة، كيف واجهت رسالة الإسلام هذا الركام الفاسد فأزالتْه، وهيئت التربة للإنبات مجددًا، فخرج ذلك الجيل الراشد، جيل الصحابة، نعم الغرس الطيب، (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الفتح:٢٩] .
لقد كان لمدرسة القرآن دورٌ عظيمٌ في صياغة هذا الجيل وإعداده، فالقرآن زادٌ ومنهاجٌ، شفاءٌ وعلاجٌ، طاقةٌ وسراجٌ.
قال رشيد رضا رحمه الله: «واعلم أن قوة الدين وكمال الإيمان واليقين لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه مع التدبر بنية الاهتداء به، والعمل بأمره ونهيه. فالإيمان الإذعاني الصحيح يزداد ويقوى وينمي وتترتب عليه آثاره من الأعمال الصالحة وترك المعاصي والفساد بقدر تدبر القرآن، وينقص ويضعف على هذه النسبة من ترك تدبره، وما آمن أكثر العرب إلا بسماعه وفهمه، ولا فتحوا الأقطار ومصروا الأمصار، واتسع عمرانهم، وعظم سلطانهم، إلا بتأثير هدايته»32.
حين نتأمل ونقارن بين ما كان عليه الصحابي قبل أن يسْلم وما صنعه الإسلام فيه من تغييرٍ ندرك أثر القرآن العظيم في الإصلاح والتغيير، لقد غير القرآن من سلوكهم وأفكارهم، غير من نظرتهم للحياة ومن مفاهيمهم، غير هممهم وطموحاتهم، نقلهم من الجهل إلى العلم ومن الظلام إلى النور . وهل هناك تغييرٌ أعظم من هذا! (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:٢٥٧]
(ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [إبراهيم:١].
قال عمر رضي الله عنه: «والله إنْ كنا في الْجاهلية ما نعد للنساء أمْرًا حتى أنْزل الله فيهن ما أنْزل، وقسم لهن ما قسم»33.
جاء القرآن الكريم ونفر مما كان في الجاهلية من مفاسد وشرور، فنهى عن الظنون والأوهام والتصورات الفاسدة التي تعد من أمر الجاهلية، قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران:١٥٤] . كما نهى عن ظلم الجاهلية الذي تمثل في الأحكام المستبدة والأقضية الجائرة، (ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المائدة:٥٠] . ونهى عن تبرج الجاهلية (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأحزاب:٣٣]. وعن حمية الجاهلية وما فيها من طيش وحماقةٍ واندفاع وعصبية عمياء (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الفتح:٢٦]. جاء الإسلام بهذه الثورة العارمة على أوضاع الجاهلية الفاسدة وتقاليدها الراكدة. وفي حجة الوداع كان من خطبته صلى الله عليه وسلم إبطال كل ما كان عليه أهل الجاهلية من عادات وخصال ذميمة، كالأخذ بالثأر وأكل الربا وظلم النساء، وفي هذا يعلن نبينا صلى الله عليه وسلم في خطبته أمام الحجيج: (ألا كل شيْءٍ منْ أمْر الْجاهلية تحْت قدمي موْضوعٌ، ودماء الْجاهلية موْضوعةٌ، وإن أول دمٍ أضع منْ دمائنا دم ابْن ربيعة بْن الْحارث، كان مسْترْضعًا في بني سعْدٍ فقتلتْه هذيْلٌ . وربا الْجاهلية موْضوعٌ، وأول ربًا أضع ربانا ربا عباس بْن عبْد الْمطلب، فإنه موْضوعٌ كله)34.
٢. تغيير المجتمعات.
أولا: تغيير المجتمعات نابع من تغيير الأنفس.
تغيير المجتمعات أو التغيير الاجتماعي يقوم على تغيير الأنفس أولًا ؛ فهي لبنات المجتمع وعماده، ثم التغيير العام للمجتمع، بالإصلاح والدعوة والتربية. لقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتربية الرعيل الأول من الصحابة على القرآن، يثبت إيمانهم ويرسخ عقيدتهم ويعلمهم مكارم الأخلاق، ويبصرهم بسنن الله في الكون، ويقص عليهم قصص السابقين، ويربيهم على أصول التشريع من العبادات والمعاملات، حتى أعد هذا الجيل الذي هب لنصرة الحق وحمل لواء الدعوة ونشرها في الآفاق.
وصدق الله تعالى إذ يقول: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الفتح:٢٩] .
لقد نما هذا الجيل وترعرع، بدأ كالنبتة الضعيفة أطلت ببرعمها اللدن وأشرفت على سطح الأرض، تنمو وترتفع، وسرعان ما كبرت واشتد عودها، وامتدت جذورها تقوي صلتها بالأرض وتثبتها، وتفرعت أغصانها بما يبهج الناظرين ويعجب الزراع لحسنه ونضرته.
عن الضحاك قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قليلًا، ثم كثروا واستغلظوا 35.
وإنما مثلهم بالزرع المشطئ؛ لأنهم ابتدءوا في الدخول في الإسلام، وهم عدد قليلون، ثم جعلوا يتزايدون، ويدخل فيه الجماعة بعدهم، ثم الجماعة بعد الجماعة، حتى كثر عددهم، كما يحدث في أصل الزرع الفرخ منه، ثم الفرخ بعده حتى يكثر وينمو36.
وللتغيير الاجتماعي أهميته فهو الهدف المنشود والأثر الفعال في الوجود، ولا يتحقق إلا بتغير الأنفس.
ونلاحظ هنا: قوله تعالى (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ): حيث إسناد فعل التغيير إلى واو الجماعة، وجمع النفس لبيان كون التغيير أقرب إلى العمل الجماعي التعاوني، وليس لكل فرد حرية التغيير كيفما يشاء، بل هو منهج عامٌ شامل ومنظومة موحدة، فالمسئولية وإن كانت فرديةً في أصلها حيث يحاسب الفرد عن نفسه ويسْأل.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [مريم:٩٣-٩٥]، إلا أن ثمة مسئولية جماعية تقع على الجميع، مصداق ذلك قوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنفال:٢٥] .
ولا بد من ملاحظة التغييرات الجزئية، فهي نذير أو مؤشرٌ للتغيير الكلي، فما التغيير العظيم إلا نتاج تغييرات صغيرة متعاقبة، فالنبات ينمو كل يوم، وقد لا نشعر به حتى نفاجأ باستوائه ونضجه، كذلك التغيير الكبير مجموعة من التغييرات اليسيرة، فإذا تكاثر الخبث شيئًا فشيئًا أفضى للهلاك، لذا تأتي أهمية ملاحظة التغييرات الجزئية؛ لأنها مؤشر على التغيير الكلي .
عنْ زيْنب بنْت جحْشٍ رضي الله عنْها (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليْها فزعًا يقول: لا إله إلا الله، ويْلٌ للْعرب منْ شرٍ قدْ اقْترب، فتح الْيوْم منْ ردْم يأْجوج ومأْجوج مثْل هذه، وحلق بإصْبعه الْإبْهام والتي تليها، قالتْ زيْنب بنْت جحْشٍ: فقلْت: يا رسول الله، أنهْلك وفينا الصالحون؟ قال: نعمْ، إذا كثر الْخبث)37.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الْقائم على حدود الله والْواقع فيها: كمثل قوْمٍ اسْتهموا على سفينةٍ فأصاب بعْضهمْ أعْلاها وبعْضهمْ أسْفلها، فكان الذين في أسْفلها إذا اسْتقوْا منْ الْماء مروا على منْ فوْقهمْ، فقالوا: لوْ أنا خرقْنا في نصيبنا خرْقًا، ولمْ نؤْذ منْ فوْقنا؟ فإنْ يتْركوهمْ وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإنْ أخذوا على أيْديهمْ نجوْا ونجوْا جميعًا)38.
وقوله (ﯕ ﯖ) أي: من طبائع وأخلاق ومن أفكار ومفاهيم، ومن ظروف وأحوال .
وإن تغيير ما بالنفس لا بد وأن يكون عن علم بطبيعة النفس وسنن التغيير، ولا سبيل لمعرفة كافية إلا بالاسترشاد بنور الوحي، فالله تعالى أعلم بنا.
قال تعالى: ( ﮓ ﮔ ﮕﮖ ) [الإسراء: ٥٤] ( ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ) [الإسراء: ٢٥].
فتغيير ما بالأنفس يبدأ بمعرفتها والوقوف على علل وأدوائها، والتبصر بالمنهج الأمثل للتغيير .
يقول الأستاذ جودت سعيد: «فما لم نسيطر على خارطة تغيير ما بالأنفس وما لم نتمكن بوضوح من سنة التغيير، وما ينبغي أن نغيره سنظل نسير في طريقنا بعفوية لا قصد فيها، ونحافظ على أفكار تعوق تقدمنا، وننبذ أفكارًا ونعاديها بينما لا غنى لنا عنها، مثال ذلك عدم مبالاتنا بعلم تغيير ما بالأنفس، هذا فضلًا عن إعراضنا عن عبر التاريخ التي توضح لنا ما ينبغي أن نغيره، فهنا نحتاج لعلمين، علم تغيير ما بالأنفس، وعلم آخر وهو ما نميز به ما ينبغي أن نغيره وما ينبغي أن نبقيه»39.
ثانيًا: من عوامل التغيير.
أ - الاستقامة على المنهج، من عوامل التغيير الاستقامة على الطريق، كالمسافر حتى ينتقل من بلد إلى بلد لا بد أن يوجه شطره نحو البلد التي يريدها، ويأخذ طريقه إليها ؛ كذلك لن يتحقق التغيير بدون الاستقامة على الطريق الذي حدد القرآن معالمه، وبين حدوده ومراسمه، ودعا إليه، وحذر من النكوب عنه .
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الجن:١٦] .
«قيل: المراد: الخلق كلهم، أي: لو استقاموا على طريقة الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين» لأسقيناهم ماءً غدقًا «أي: كثيرًا»40. «وضرب الماء الغدق مثلًا لأن الخير والرزق كله في المطر»41.
ب - الإيمان والتقوى وإقامة ما أنزل الله
لا تغيير بدون إيمانٍ خالصٍ وتقوى صادقةٍ وإقامةٍ لما أنزل الله بتبينه والامتثال له والدعوة إليه، هنا يحدث التغيير للأفضل، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف:٩٦]
«فالبركة قد تكون مع القليل إذا أحسن الانتفاع به، وكان معه الصلاح والأمن والرضا.. وكم من أمة غنية قوية، ولكنها تعيش في شقوة، مهددة في أمنها، مقطعة الأواصر بينها، يسود الناس فيها القلق وينتظرها الانحلال . فهي قوة بلا أمن . وهو متاع بلا رضى . وهي وفرة بلا صلاح . وهو حاضر زاهٍ يترقبه مستقبل نكد . وهو الابتلاء الذي يعقبه النكال..
إن البركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى، بركات في الأشياء، وبركات في النفوس، وبركات في المشاعر، وبركات في طيبات الحياة.. بركات تنمي الحياة وترفعها في آن. وليست مجرد وفرة مع الشقوة والتردي والانحلال»42.
وقال تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [المائدة:٦٥-٦٦].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأنزلت عليهم القطر، وأخرجت لهم من نبات الأرض43.
وهذه دعوة لأهل الكتاب مع ما سلف منهم، دعوة لإصلاح ما فسد ووصل ما انقطع، والتخلي عن الجحود والنكران، والتحلي بالإيمان، والتزود بالتقوى، ليفتح الله لهم باب التوبة والرجاء، لو آمنوا حق الإيمان بجميع الرسل وسائر الكتب واتقوا محارم الله لغير الله من حالهم، وتلك بداية رحلة الإيمان، من أنقاض تلك الكتب وما بقي فيها من حقائق تسرج المشاعل التي تنير درب الحق، ففي تلك الكتب المرشد والدليل، ولو أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم من سائر الكتب التي بين أيديهم لو أقاموها نصب أعينهم حتى ينظروا ما انطوت عليه من بشاراتٍ تدل على النبي صلى الله عليه وسلم ، لآمنوا بخاتم النبيين. والآية تحمل لهم روح العتاب على أعمارٍ طويت وسنواتٍ تولت بعيدًا عن الحق، فاليهود لم يؤمنوا بعيسى، بل جحدوا ما بأيديهم من بشارات تشهد بنبوته، ثم زاد نكوبهم عن الصراط ونكولهم عن الحق بجحودهم نبوة خاتم النبيين، وتخاذلهم عن نصرته، بل ونقضهم العهود والمواثيق، والنصارى نكبوا عن الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام. فلو أقاموا التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة لعمهم الخير وأقبل من كل مكان.
وقال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأنفال:٢٩]
قال مجاهد: مخرجًا في الدنيا والآخرة. وقال مقاتل بن حيان: مخرجًا في الدين من الشبهات، وقال عكرمة: نجاة، أي: يفرق بينكم وبين ما تخافون. وقال الضحاك: بيانًا. وقال ابن إسحاق: فصلًا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم، ويطفئ باطل من خالفكم44.
ولا شك أن حصول هذه الأمور تغييرٌ جذريٌ في حياة الإنسان؛ أن يمتلك الرؤية الثاقبة، والنظرة الواعية؛ فيستطيع التفريق بين الحق والباطل والخير والشر سيما عند التباس الأمور وتشابك المصالح.
ت - عبادة الله وحده وكثرة الاستغفار والتوبة الخالصة من الذنوب.
نهى القرآن عن عبادة غير الله ؛ ودعا إلى كثرة الاستغفار والتوبة النصوح ووعد بطيب العيش والعافية وطول العمر في طاعته ومرضاته، والارتقاء والتفوق على سائر الأمم، في القوة والعلم والمنعة والفضل. قال تعالى (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [هود:٢-٣].
وقد سجل القرآن الكريم دعوات الأنبياء لأقوامهم كيف بدأت بإخلاص العبادة لله جل وعلا فهي الركيزة الأساسية لأي إصلاح وتغيير، فالعبادة محور حياة المؤمن. قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأعراف:٥٩]
(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف:٦٥]
(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف:٧٣]
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف:٨٥]
(ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [العنكبوت:١٦]
وأخبر الله تعالى عن عيسى قوله لبني إسرائيل (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران:٥١].
وهكذا جميع الأنبياء استهلوا دعوتهم بالدعوة إلى عبادة الله وحده، وانطلقوا من خلاله إلى إصلاح النفس والمجتمع.
ثانيًا: التغيير المذموم:
١. تغيير في الأنفس.
خلق الله النفس البشرية وسواها على الفطرة وبين لها طريق الغواية وطريق الرشاد، وأوكل الاختيار إليها، إما أن تسلك طريق الفلاح بتهذيب النفس والنهوض بها، وإما طريق الخيبة والضياع بإهمالها ودفنها في حفرة الأهواء والملذات.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الشمس:٧-١٠] .
طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ونماها وأعلاها بالباقيات الصالحات، وقد خاب من دساها: أهلكها وأضلها وأغواها45.
٢. تغيير في المجتمعات.
قد يتغير المجتمع إلى الأسوأ وفي القرآن الكريم نماذج عديدة لهذا التغير ومظاهره وأسبابه، وحديث القرآن في هذا السياق تارة يكون عامًا لا يشمل مجتمعا بعينه بل يبين عموم هذه السنة واطرادها، وتارة يأتي الحديث عن قرى بعينها كمثالٍ واقعي.
أولًا: التغيير سنة عامة ومطردة.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام:٤٢-٤٤].
يخبر تعالى عن سنته الجارية في الأمم الماضية الذين واجهوا دعوات الأنبياء بالتكذيب والإعراض، كيف حول الله حالهم من سعةٍ وخصبٍ إلى شدةٍ وبؤس، ومن منح وعطاء إلى محن وحرمان، وذلك امتحانٌ لهم هل يتضرعون لربهم ويلوذون ببابه، فيكشف عنهم البلاء ويغير من شدتهم وكربهم إلى فرجٍ ورخاء؟ لكن قسوة قلوبهم حرمتهم من التضرع لربهم ليغير مابهم، وزين لهم الشيطان سوء عملهم فلم يسعوا للتغيير ولم يفكروا فيه، وهنا يبتليهم الله بالسراء ويفتح لهم أبواب الرخاء فيفرحون بما أوتوا فرح المغرور المفتون، فيحق عليهم العذاب وتحل بهم النقم ويتبدل الحال إلى شقاءٍ لا نعيم بعده، فإذا هم نادمون آيسون .
قال السدي: (ﰉ ﰊ ﰋ) «معناه: هالكون قد انقطعت حجتهم، نادمون على ما سلف منهم، متغير حالهم»46.
وقال ابن زيد: المبلس: الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه47.
فالابتلاء الجماعي للأمم والشعوب بالحروب والمجاعات والأوبئة والأزمات؛ إنما يقع تمحيصًا لها وتصحيحًا لمسارها، وإصلاحًا لفسادها، وإزالةً لتراكمات السنين من آثار المعاصي والذنوب، وتجريدًا للقلوب وترقيقًا للمشاعر، وتوجها إلى الله تعالى، لترى الأكف ضارعةً والأعين دامعةً والقلوب خاشعةً، لكن أهل الجحود والهوى لا تزيدهم الشدائد إلا قسوةً وعنادًا، وصدودًا وإعراضًا، فتصب أنهار المحن في بحار الذنوب، فلا يخرجون من هذا الابتلاء إلا بالخيبة والخسران. ثم يستأنف الاختبار من جديدٍ، لكنه هذه المرة يكون أشد صعوبةً لأنه ابتلاء بالنعمة، إنها فتنة الاستدراج، وقد أقبلت الدنيا عليهم وفتحت لهم أبوابها ففرحوا بما أوتوا فرح العجب والاغترار والخيلاء والاستكبار، فرحوا بالنعم وانشغلوا بها عن المنعم، أعلنوا عن فرحهم بالمعاصي والموبقات ؛ تفاخرًا بما أوتوا من ظلٍ زائلٍ وعاريةٍ مستردة، وزعموا أن تبدل الحال وقع اتفاقًا ومصادفة؛ غافلين عن الحكمة في ذلك، ومتجاهلين كونه امتحانًا لهم فهم في غفلة عن سنن الله (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الأعراف:٩٤-٩٥].
وقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [القصص: ٥٨].
فكم من قرى كثيرة أهلكها الله حين تمردتْ على النعمة واغترت بها وضيعت حقها، وتلك مساكنهم أضحت مدائن دارسة وأطلالًا خربة ؛ عبرة صامتة وموعظة ناطقة، يمر عليها المسافر، ويعبرها العابر، فسبحان من يرث الأرض ومن عليها . قال ابن عباس: لم يسكنها إلا المسافرون، ومار الطريق يومًا أو ساعة . معناه: لم تسكن من بعدهم إلا سكونًا يسيرًا قليلًا، وقيل: لم يعمر منها إلا أقلها وأكثرها خراب48.
وقال أبو حيان: هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام الله عليهم بالرقود في ظلال الأمن وخفض العيش، فعظموا النعمة، وقابلوها بالأشر والبطر، فدمرهم الله وخرب ديارهم49.
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الطلاق:٨-٩]
وكم من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه، وخرجوا عن أمر رسله وشاقوه، فتمادوا في طغيانهم وعتوهم، ولجوا في كفرهم، فبدل الله حالهم من لطف وإنعام وستر إلى شدة وبؤسٍ وعذابٍ وإرهاقٍ لا يطاق، فلم تنفعهم قوتهم ولم تغن عنهم كثرتهم .
قال ابن عباس: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) أي: أعرضت عنه. وقال مقاتل: خالفت أمر ربها، وخالفت رسله50.
ثانيًا: نماذج من التاريخ.
في القرآن الكريم أمثلة واقعية كثيرة لسنة التغيير، من ذلك ما وقع لقوم سبأ من تبدل الحال بعد نعمةٍ وخفض عيشٍ إلى شظفٍ ونقمةٍ حين كفروا بنعمة الله وأعرضوا عن الحق.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [سبأ:١٥-١٩].
لم يشكروا ربهم بل أعرضوا عن المنعم جل وعلا، وقابلوا النعم بالجحود والنكران، فسلط الله عليهم السيل الجرار الذي خرب سدهم وأفسد زرعهم، وأتلف أشجارهم، فتبدلت تلك الحقول والبساتين المثمرة، بأشجارٍ رديئة الثمر، كالطرفاء والسدر وغيرها من الأشجار التي لا تغني من جوع. ذلك العقاب بسبب كفرهم وجحودهم، فلا نعاقب إلا من كفر بالنعم وأصر على ذلك وتمادى فيه، فيتبدل حاله من رغد العيش وطيب الحياة ووفرة الثمر إلى القحط والجدب وتلف الزروع وقلة الثمر.
فتبطروا على هذه النعم وطلبوا زوالها وتمنوا لو كان السفر طويلًا، وبلغ الترف ببعضهم والدعة أن اشتكى من بعد الأسفار جحودًا وإنكارًا لنعم الله تعالى، وظلموا أنفسهم بجحودهم وغفلتهم، وتمللهم، فجعلناهم عبرةً يتحدث الناس بها ويتعجبون من أخبارهم وبؤسهم بعد عيشهم الرغيد، وتفرقهم بعد اجتماع شملهم وذلهم بعد عزهم، حتى صار تفريقهم مثلًا سائرًا فقالوا في الأمثال: ذهبوا أيْدي سبا وتفرقوا أيْدي سبا.51
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنفال:٥٢-٥٤].
حين كذب قوم فرعون وعصوا رسول ربهم عاقبهم الله بعقوبات شتى عاجلة، كدرت عليهم صفو حياتهم، وضيقت معيشتهم فلم يغيروا من حالهم شيئًا، فكانت العقوبة الكبرى حين أهلكهم الله بالغرق.
للتغيير المحمود أسبابه وكذا للتغيير المذموم، وهذا دليل على عدل الله وحكمته ولطف تدبيره، فمن أسباب التغيير الإيجابي الإيمان وما ينبثق عنه من عمل صالح، وما يشع من أنوار تذكره بالماضي ليعتبر بمصير السابقين، وتضيء له حاضره ومستقبله.
أولًا: أسباب التغيير المحمود:
١. الإيمان.
إن الإيمان هو القاعدة لأي إصلاح، والركيزة لأي منطلق، والسبيل إلى كل خير.
قال تعالى (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٢١٨]. فكل عمل صالح منبعه الإيمان، لا ينهض به إلا أهل الإيمان، فهم جديرون بنيل الهداية والرشاد وإحراز التوفيق والسداد.
قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء:١٧٥] .
والخير كله في أهل الإيمان والعمل الصالح فهم صفوة الخلق وخيارهم، إيمانهم يرقى بهم ويهذب سلوكهم ويصلح من حالهم.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البينة:٧].
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور:٥٥] .
فالإيمان مع عمل الصالحات هو الركيزة الأساسية للاستخلاف والتمكين، والتغيير للأفضل، التمكين بعد الابتلاء والاستضعاف والتضييق، والخوف بعد الأمن والعزة بعد الهوان والقوة بعد الضعف.
والإيمان طريق الفلاح في الدارين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [المؤمنون:١].
وذكر الله من صفاتهم وأحوالهم ما نالوا به الفلاح، واستحقوا به التغيير إلى الأفضل بإيمانهم ولوازمه.
قال تعالى في سورة الأنعام: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأنعام:١٢٢-١٢٣].
فالإيمان أعظم عطاء؛ لأنه سبيل كل عطاء وأساس كل تغيير، فالإيمان حياة القلوب ونور البصائر وجلاء الأذهان، لا يستوي من عاش بنور الإيمان مع من يتخبط في ظلمات الكفر، ويتردى في دركاته، لا يسعى إلى الخروج منها ؛ فلا يتغير حاله إلى الخير.
قال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا، أي: في الضلالة هالكًا حائرًا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لإتباع رسله»52.
وقال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال:٢٤] .
وأي تغيير أعظم وأي تحولٍ أكبر من الانتقال بالإيمان والاستجابة لداعي الحق من الموت والعدم إلى الوجود والحياة، حياة القلوب والأرواح! فالموت والحياة ضدان لا يجتمعان، والانتقال إلى الحياة والتحول من الظلام الدامس إلى النور الساطع تغيير شامل جذري في حياة الإنسان.
إن الإيمان نور؛ نور في القلب، ونور في الجوارح، ونور في الحواس، نور يكشف حقائق الأشياء، والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعادٍ، فالمؤمن ينظر بهذا النور نور الله فيرى الحقائق، ويتعامل معها، ولا يخبط في طريقه، ولا يتعثر في خطواته، والإيمان بصرٌ يمضي بصاحبه في الطريق على نور، وعلى ثقة، وفي اطمئنان. والإيمان ظلٌ ظليلٌ، تستروحه النفس ويرتاح له القلب، ظلٌ من هاجرة الشك والقلق، والحيرة في التيه المظلم بلا دليل. والإيمان حياة في القلوب والمشاعر، حياةٌ في القصد والاتجاه.. كما أنه حركةٌ بانيةٌ، مثمرة، لا خمود فيها، ولا همود، ولا عبث فيها ولا ضياع53.
«إنه الإيمان الصادق الذي يقر في القلب تصديقًا ويقينًا، ويفيض على الجوارح سلوكًا وعملًا، إنه الإيمان الذي يضيء القلب، ويحرك الإرادة، ويوجه العقول، ويوظف الطاقات ليكون صورة عملية واقعية يتجلى فيها ليثبت وجوده، ويترجم عن حقيقته، إنه الإيمان الذي يصلح القلوب، ويهيئ النفوس، ويصنع العجائب وينشئ الإنسان خلْقًا آخر، ويصبه في قالب جديد يغير هدفه ويهذب سلوكه وذوقه ونظرته للحياة»54.
وبالإيمان حياة القلوب ونور البصائر وجلاء الأفهام، وبه تسمو الأرواح وتتآلف، وتتفتق الأذهان وتتوقد القرائح وتنشط الجوارح، وتعلو الهمم وتنهض الأمم، فكلما ضعفت إرادة العبد، ووهنت قواه وكل جهده في السعي إلى المعالي، أمده هذا الإيمان الصادق بالزاد الروحي وأذكى في فؤاده روح المثابرة وأشعل في قلبه وقود الانطلاق، وكلما أحاطت به المخاوف كان هذا الإيمان ملاذًا آمنًا، وحصنًا حصينًا، يفيء إليه المؤمن، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه، والإيمان سر التفوق وإكسير النجاح، بالإيمان يرقى وينهض، فهو زاد القلوب وضياء العقول ونور البصائر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية واصفًا أهل الإيمان: «ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في القرون والأجيال»55.
إنه الإيمان الذي يصنع المعجزات، ويقود إلى التغيير، فترتقي الأمم وتنهض، وتهبط عليها البركات.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف:٩٦].
والإيمان الذي تنهض به الأمة ليس المقصود به مجرد معرفة ذهنية، وحواشٍ كلامية، أو إضاعة للأعمار في حوارات ومساجلات عقيمة، وإنما هو الإيمان الحي العملي الصادق المخلص، الذي ينير القلوب ويرهف الأحاسيس، ويرقق المشاعر ويهذب النفوس، ويحرك الوجدان، وينشط الجوارح، ويوجهها إلى العمل الصالح، الإيمان الذي يصنع البطولات والأمجاد ويغير النفوس ويقلب وجه التاريخ في سرعةٍ فائقةٍ وفي تحولٍ مذهلٍ.
«إن مفتاح شخصية هذه الأمة ومصدر طاقاتها هو الإيمان الذي جعل هذه الأمة من قبل خير أمة أخرجت للناس، وحقق لها النصر على أعظم الإمبراطوريات في الأرض على الرغم من قلة عددها وضعف عدتها، وبهذا الإيمان انتصرت بعد هجمات التتار الزاحفين من الشرق، والصليبيين الزاحفين من الغرب، وبه تستطيع اليوم الانتصار على ورثة هؤلاء وهؤلاء»56.
فما أحوجنا إلى الإيمان بمفهومه الصحيح الشامل الذي ورد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإيمان الذي فهمه الصحابة الكرام والتابعون وتابعوهم بإحسان.
ما أحوجنا إلى إيمانٍ خالصٍ راسخٍ يعيد لنا مجدنا وعزنا .
وصدق الشاعر هاشم الرفاعي57:
ملكْنا هذه الدنيا قرونًا
وأخْضعها جدودٌ خالدون
وسطرنا صحائف من ضياء
فما نسي الزمان وما نسينا
وما فتئ الزمان يدور حتى
مضى بالمجد قومٌ آخرون
وأصبح لا يرى بالمجد قومي
وقد عاشوا أئمتهم سنين
وآلمني وآلم كل حــــرٍ
سؤال الدهر أين المسلمون
ترى هل يرجع الماضي فإني
أذوب لذلك الماضي حنينًا
فهاتوا لي من الإيمان نـورًا
وقووا بين جنبي اليقين
فمد يديك وانتزع الرواسي
لتبني المجد خفاقًا مبينًا
لقد جاء القرآن كله لتوثيق الصلة بين العقيدة والسلوك.
تأمل في قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [المائدة:٥٤].
ترى كيف يتجلى أثر العقيدة القوية في إصلاح النفوس واستقامتها وتساميها ورقيها وريادتها، محبة الله للعبد ومحبته لربه وأثرها في رشاده وثباته وتوازنه في معاملاته ورحمته ولينه لإخوانه وشدته وحزمه مع أعدائه وقوته في الحق فلا يجبن ولا يداهن .
وهكذا كلما تأملنا في القرآن وجدنا أثر الإيمان على سلوك الإنسان، فتوجيهات القرآن كلها موجهة للمؤمنين، ينادي عليهم ربهم في كتابه لخير يأمر به أو لشرٍ يحذر منه، أو لترهيبٍ أو لترغيبٍ. أو لتذكيرٍ أو لتبصيرٍ، وتربط آيات القرآن بين الإيمان والعمل الصالح، وتهيج مشاعر المؤمنين للأعمال الصالحة والأخلاق الطيبة.
تأمل على سبيل المثال في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة:٢٧٨].
حيث بدأت الآية بالإيمان وختمتْ به، بدأت بنداء إيمانيٍ وتحذير وأمرٍ رباني، ثم ختمت بتهييج مشاعر الإيمان.
وقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران:١٣٩].
فأهل الإيمان هم أهل الثبات واليقين وأهل العزة والتسامي بإيمانهم.
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النور:١٧].
والآية مما نزل في شأن قصة الإفك وفيها تحذير لمن وقع في الإفك، وأنه لا يليق بمؤمن أن يخوض في عرض العفائف، وهكذا نرى أثر الإيمان على النفوس وأنه مفتاح التغيير.
كذلك يقترن الإيمان بالعمل الصالح فهما متلازمان لا يفترقان، حيثما ذكر الإيمان عطف عليه العمل الصالح، فلا إيمان بدون عمل صالح يعبر عنه ويبرهن عليه، ولا قيمة للعمل الصالح بدون إيمان يقوم عليه ويركن إليه، فالإيمان بدون عمل كالشجر بلا ظل ولا ثمر. والعمل الصالح بدون إيمان كالجسد بلا روح، فلا إيمان بدون عمل ولا عمل بدون إيمان.
٢. الواقع السيء.
استشعار الداء هو أول الطريق إلى التغيير أن يدرك الإنسان أنه في حاجة للتغيير، وأن ينبري العقلاء إلى كشف الخلل وتشخيص العلل من أجل البحث عن علاج ناجع، وإن لم يستشعر العقلاء مواطن العلل ومواضع الخلل فلن يحدث التغيير، ولقد فرق القرآن الكريم بين نفسين: نفس لوامة تلوم صاحبها على تقصيره وتسعى لارتقائه، ونفس خبيثة أمارة بالسوء تبرر الأخطاء وتستعذب الذنوب.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [القيامة:١-٢]، وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يوسف:٥٣].
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس عن الحسن (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) قال: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي ما أردت بأكلتي ما أردت بحديثي نفسي ولا أراه إلا يعاتبها، وإن الفاجر يمضي قدمًا لا يعاتب نفسه58.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس (ﮑ ﮒ) قال: التي تلوم على الخير والشر تقول: لو فعلت كذا وكذا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس (ﮑ ﮒ) قال: تندم على ما فات وتلوم عليه59.
قال ابن جزي: «النفس اللوامة هي التي تلوم نفسها على فعل الذنوب أو التقصير في الطاعات فإن النفوس على ثلاثة أنواع؛ فخيرها النفس المطمئنة، وشرها النفس الأمارة بالسوء، وبينهما النفس اللوامة.
وقيل: اللوامة هي المذمومة الفاجرة. وهذا بعيدٌ؛ لأن الله لا يقسم إلا بما يعظم من المخلوقات، ويستقيم إن كان (ﮊ ﮋ) نفيًا للقسم»60.
قلت: على كونه نفيًا للقسم فهو تنويه بالمقسم عليه؛ لأن الآيات التي وردت بهذه الصيغ كل ما ورد فيه من محل القسم ذو شأن عظيم .
كذلك لا شأن بالنسبة لأمراض المجتمع ومواطن الخلل فيه إن لم ينتبه لها العقلاء أودت بالمجتمع وجرته إلى المهالك، قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنفال:٢٥]، وقد جاء في الحديث عنْ زيْنب ابْنة جحْشٍ رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليْها فزعًا يقول: لا إله إلا الله، ويْلٌ للْعرب منْ شرٍ قد اقْترب، فتح الْيوْم منْ ردْم يأْجوج ومأْجوج مثْل هذه، وحلق بإصْبعه الإبْهام والتي تليها، قالتْ زيْنب ابْنة جحْشٍ: فقلْت: يا رسول الله أنهْلك وفينا الصالحون؟ قال: نعمْ، إذا كثر الْخبْث.61
وروى الإمام أحمد في المسند: عنْ ثوْبان رضي الله عنه موْلى رسول الله صلى الله عليْه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليْه وسلم: «يوشك أنْ تداعى عليْكم الْأمم منْ كل أفقٍ، كما تداعى الْأكلة على قصْعتها». قال: قلْنا: يا رسول الله، أمنْ قلةٍ بنا يوْمئذٍ؟ قال: «أنْتمْ يوْمئذٍ كثيرٌ، ولكنْ تكونون غثاءً كغثاء السيْل، تنْتزع الْمهابة منْ قلوب عدوكمْ، ويجْعل في قلوبكم الْوهْن». قال: قلْنا: وما الْوهْن؟ قال: «حب الْحياة وكراهية الْموْت»62.
٣. الخوف من سوء العاقبة.
لا شك أن الحذر من سوء العاقبة مما يحمل العبد على أن يغير من نفسه ويصلح من شأنه، حذرًا من أن يصيبه ما أصاب الظلمة والعصاة، ولقد حذر الله المؤمنين من سوء العواقب، ورد ذلك في آيات كثيرة.
تأمل قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران:١٣٧].
فقد نزلت الآية في بداية التعقيب على غزوة أحد تسلية للقلوب وتسرية عن النفوس، فالأمور بعواقبها، والأيام دولٌ، وأمر الله بالسير في الأرض للنظر في عواقب المكذبين للعظة والاعتبار والتسلي والثبات على الحق. سيروا في الأرض كيفما شئتم ونقبوا في البلاد فلن تجدوا من أفلت من حكمنا من المكذبين، بل عاقبتهم واحدة ونهايتهم محتومة مؤلمة.
قال ابن كثير: «يقول تعالى مخاطبًا عباده الْمؤْمنين لما أصيبوا يوْم أحد وقتل منْهمْ سبْعون: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) أيْ: قدْ جرى نحْو هذا على الْأمم الذين كانوا منْ قبْلكمْ منْ أتْباع الْأنْبياء، ثم كانتْ الْعاقبة لهمْ والدائرة على الْكافرين، ولهذا قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)63.
وأمر الله تعالى بالسير في الأرض للنظر في عاقبة المكذبين نظر اعتبار وادكار، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنعام:١١].
والخطاب موجه للمشركين وكانوا يضربون في الأرض للتجارة، فأمرهم الله بالاتعاظ بغيرهم ممن كذب.
قال سيد قطب: «إن هذه اللفتة -بعد ذكر إعراضهم عنادًا وتعنتًا؛ وبعد بيان ما في اقتراحاتهم من عنت وجهالة؛ وما في عدم الاستجابة لهذه المقترحات من رحمة من الله وحلم- لترمي إلى غرضين ظاهرين:
الأول: تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه، مما يلقاه من عناد المعرضين، وعنت المكذبين؛ وتطمين قلبه -صلى الله عليه وسلم- إلى سنة الله سبحانه في أخذ المكذبين المستهزئين بالرسل؛ وتأسيته كذلك بأن هذا الإعراض والتكذيب ليس بدعًا في تاريخ الدعوة إلى الحق. فقد لقي مثله الرسل قبله؛ وقد لقي المستهزئون جزاءهم الحق وحاق بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب، ومن غلبة الحق على الباطل في نهاية المطاف.
والثاني: لمس قلوب المكذبين المستهزئين من العرب بمصارع أسلافهم من المكذبين المستهزئين، وتذكيرهم بهذه المصارع التي تنتظرهم إن هم لجوا في الاستهزاء والسخرية والتكذيب. وقد أخذ الله -من قبلهم- قرونًا كانت أشد منهم قوةً وتمكينًا في الأرض؛ وأكثر منهم ثراء ورخاء، كما قال لهم في مطلع هذه الموجة؛ التي ترج القلوب رجًا بهذه اللفتات الواقعية المخيفة»64.
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النمل:٦٩] والدعوة لمنكري البعث الهازئين به المشككين فيه، فلينظروا في عواقب من سبقهم من المجرمين الذين أنكروا الآخرة فلم يتورعوا عن أي إثم ولم يرعووا عن أي جرم، فكان عاقبتهم الهلاك والدمار.
وحذر الأنبياء أقوامهم من مصير الهالكين السابقين.
قال تعالى في قصة شعيب: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [هود:٨٩-٩٠].
وكثر في القرآن الكريم التحذير من مصارع الغابرين وسوء عواقب المكذبين بما فيه المزدجر، قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [القمر:٤-٥]. فالاعتبار بالسابقين والاتعاظ بمصيرهم مما يزجر النفس عن المعاصي ويصرفها عن القبيح، ويقيمها على طريق الرشاد.
ثانيًا: أسباب التغيير المذموم:
١. اتباع الشيطان وأعوانه.
الشيطان داعي الهوى، يزين القبيح، ويقبح الحسن، كم من معصية هونها، وكم من طاعة سوفها، وكم من بدعة حسنها، وكم من سنة صرف الناس عنها، وأعوانه من الشياطين يسعون إلى غواية الناس وإضلالهم وإفساد دينهم ودنياهم، وكذلك أعوانه من شياطين الإنس.
قال تعالى عن قوم سبأ وقد تغير حالهم وتبدل من النعمة إلى النقمة ومن الرخاء إلى الشدة، بإعراضهم وكفرانهم وتبطرهم: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [سبأ:٢٠-٢١]
تبين الآية الكريمة كيف وقع قوم سبأ في مصائد الشيطان فصدق عليهم ظنه: لما أعرضوا عن شكر النعم ونسوا المنعم، وأخلدوا إلى الترف، وتنافسوا في المتع والملذات، فوقعوا في حبائل الشيطان وانقادوا لوساوسه، فصدق عليهم قوله كما أخبر رب العزة: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ) [ص:٨٢-٨٣].
فتركوا له الزمام وأذعنوا له وساروا في ركابه، إلا من عصمهم الله من وساوسه ونجاهم من إغوائه. وما تسلط عليهم بقوة وقهر بل بمكره وحيله التي تنطلي على أهل الأهواء والشكوك.
وقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأنعام:١١٢-١١٣].
عن مالك بن دينارٍ رحمه الله أنه قال: «شياطين الإنس أشد علي من شياطين الجن؛ وذلك أني إنْ تعوذْت بالله منْ شياطين الجن ذهبتْ عني، وشياطين الإنس تجيئني فتجرني إلى المعاصي عيانًا»65.
عن ابْن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «إن للْجن شياطين يضلونهمْ مثْل شياطين الإنْس يضلونهمْ، قال: فيلْقى شيْطان الإنْس شيْطان الْجن، فيقول هذا لهذا: أضْللْه بكذا، وأضْللْه بكذا، قال: فهو قوْله تعالى (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)».
قال ابن الجوزي: «وأما قوله (ﭵ ﭶ ﭷ) فهو ما زين منه، وحسن، وموه»66، «يزين بعضهم لبعض ما يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة،فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقًا»67.
وقال البقاعي: «والغرور: هو الذي يعْتقد فيه النفع وليس بنافعٍ»68.
ويقول الشيخ عبد الحميد طهماز: «ولا يخفى ما في الآية من تحذيرٍ للمؤمنين من الوقوع في شراك الضالين المضلين، فعليهم أن يتجنبوا استماع كلامهم المزوق المزخْرف الذي يخفون في طياته السم الناقع، فما أكثر ما يخلطون السم بالدسم، فالاستماع إلى أقوالهم قد يؤدي إلى الرضا بها، ثم الاستجابة الفعلية لما فيها من إثم وفجور. وكأني بالآية الكريمة قد نزلت لهذا العصر الذي أصبح فيه لوسائل الإعلام سلطانٌ كبير، وتأثيرٌ شديدٌ على الناس، لقد وجه شياطين الإنس من أعداء الإنسانية بوحيٍ من شياطين الجن كثيرًا من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة إلى الشعوب الإسلامية، ليفتنوا المسلمين عن دينهم وأخلاقهم، وقد ملؤوها بالبرامج المزخرفة المموهة التي تستهدف في حقيقتها تشكيك المسلمين بدينهم، وإشاعة الفواحش والفجور في مجتمعاتهم»69.
وقال تعالى ناهيًا ومحذرًا من خطوات الشيطان التي يستدرج بها الإنسان حتى يوقعه في الحرام: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة:١٦٨]، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور:٢١]
«قال الضحاك: هي الخطايا التي يأمر بها، وقال أبو إسحاق: أي: لا تقفوا آثاره؛ لأن ترككم شيئًا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان»70.
فلا يزال الشيطان بالإنسان حتى يدفعه إلى تعاطي الحرام، من المآكل والمشارب والمناكح، فالحذر الحذر من وساوسه وخطواته، وحبائله وخطراته التي يستدرج بها أهل الغفلة، فإذا تعاطى الناس الحرام فشا الظلم وخيم الضلال، وانتشر الخنا والفجور، وفسدت المجتمعات وتردت إلى الهاوية.
٢. اتباع الهوى .
واتباع الهوى: «السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي أو النزول على حكم العاطفة من غير تحكيم العقل أو الرجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة»71.
واتباع الهوى يفضي إلى الانسياق وراء الملذات والانغماس في الشهوات، والنفور من الحق، وكراهيته، وما ينبثق عن ذلك من ظلمٍ وافتراء، وتردي الأخلاق، وانفراط عقد المجتمع، وفقدان نعمة الأمن وتلاشي العدالة الاجتماعية، وسقوط المجتمع في براثن الطغيان والاستبداد، وتسلط الظلمة، وتصدر الفسقة، وتمكن المنافقين ومرضى القلوب. ولقد حذرنا المولى عز وجل في كتابه الكريم من إتباع الهوى، وأنذر الذين ملك الهوى زمام قلوبهم، ودعا إلى تجنب أصحاب الأهواء، قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف:٢٨].
قال ابن عباس: ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه. وقال الشعبي: إنما سمى الهوى لأنه يهوي بصاحبه72.
فصاحب الهوى لا يرى إلا الهوى، والهوى طريق الهلكة والضياع: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ منْجياتٌ، وثلاثٌ مهْلكاتٌ: فأما الْمنْجيات: فالْعدْل في الْغضب والرضا، وخشْية الله في السر والْعلانية، والْقصْد في الْغنى والْفقْر، وأما الْمهْلكات: فشحٌ مطاعٌ، وهوًى متبعٌ، وإعْجاب الْمرْء بنفْسه)73.
ولقد أورد ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى آثارًا للسلف في ذلك منها ما رواه عن مالك بن دينار: أنه قال: بئس العبد عبدٌ همه هواه وبطنه، وقال ابن السماك: إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك، داؤك هواك ودواؤك ترك هواك74.
واتباع الهوى من الأسباب الرئيسة في تردي المجتمعات وانتكاسها؛ فإن الإعراض عن الحق والنكوب عن الهدى، والميل إلى الهوى، مما يعمي القلوب والأبصار، ويفسد المجتمعات؛ لأنه يفضي إلى الظلم والفوضى والتخبط حين يترك العنان لكل نفسٍ وما تهوى.
والأهواء متباينة ومتنازعة، ولذا جاءت بصيغة الجمع.
من آثار اتباع الهوى على النفس والمجتمع:
١. التخبط والضلال والجور في الحكم.
فإن من أسباب التخبط والجور في الأحكام وما يعقبها من مظالم تهدم المجتمعات، فإما حكم بين الناس بالحق وإما اتباع للأهواء المضلة.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [ص:٢٦].
والمتبع للهوى يحرم نفسه من نعمة الهداية، إذ لم ينتفع بعلمه وأغلق سمعه وبصره عن قوارع الحق وشواهده.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الجاثية:٢٣].
٢. الانتكاس والسقوط.
ولا شك أن في اتباع أهل الأهواء مع وضوح الحق وقيام حجته مفسدة عظيمة سيما ممن نال حظا من العلم، وهو مع ذلك ينساق للجهال، فيضيع نفسه ويضيع غيره.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأعراف:١٧٥-١٧٦].
قال الشيخ رشيد رضا: «وهذا الرجل صفته كصفة الْكلْب في حالته هذه، وهي أخس أحْواله وأقْبحها، والْمراد -والله أعْلم- أنه كان منْ إخْلاده إلى الْأرْض، واتباع هواه في أسْوأ حالٍ، خلافًا لما كان يبْغي منْ نعْمة الْعيْش وراحة الْبال، فهو في همٍ دائمٍ مما شأْنه أنْ يهْتم به، وما شأْنه ألا يهْتم به منْ صغائر الْأمور وخسائس الشهوات، كدأْب عباد الْأهْواء وصغار الْهمم تراهمْ كاللاهث من الْإعْياء والتعب، وإنْ كان ما يعْنون به، ويحْملون همه حقيرًا لا يتْعب ولا يعْيي، ولا ترى أحدًا منْهمْ راضيًا بما أصابه منْ شهواته وأهْوائه، بلْ يزيد طمعًا وتعبًا كلما أصاب سعةً وقضى أربًا:
فما قضى منْها أحدٌ لبانته
ولا انْتهى أربٌ إلا إلى أرب75
٣. الإفراط.
والإفراط يفضي إلى التقصير والعجز، وإضاعة الحقوق.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف:٢٨] .
أي: «ضياعًا وهلاكًا، وهو من التفريط والتضييع، أو من الإفراط والإسراف، فإن الغفلة عن ذكر الله تعالى تؤدي إلى اتباع الهوى المؤدي إلى التجاوز والتباعد عن الحق والصواب»76.
وفي قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ) تسفيهٌ لهؤلاء المشركين، وما هم فيه من عناد يسوقهم إلى الهلاك، ويخرجهم من الدنيا، وقد خسروا الدنيا والآخرة جميعًا77.
٤. الإعراض عن الحق مع جلائه.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [القصص:٤٩-٥٠]. فلا أضل ممن ساقه الهوى، وبعد عن الهدى.
٥. الخذلان والحرمان من ولاية الله ونصرته.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الرعد:٣٧].
فجزاء اتباع أهل الأهواء الخذلان والضياع. أخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) قال: من أحد يمنعك من عذاب الله تعالى78.
٦. العمى والصمم عن الحق.
فمتبع الهوى له عين لا يبصر بها وله أذن لا يسمع بها وله عقل لا يعقل به، فحياته كالبهائم بل أضل، إذ البهيمة لا تخرج عن دورها في الحياة، (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الفرقان:٤٣-٤٤]. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) قال: كلما هوى شيئًا ركبه وكلما اشتهى شيئًا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى79.
وقال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [محمد:١٦]. فقرنت الآية بين الطبع على قلوبهم وبين اتباع الأهواء، فداء القلب وعماه في اتباع الأهواء.
٣. الركون وترك العمل.
لا شك أن الخلود إلى الراحة والدعة وترك العمل والاشتغال بأسباب الترف أو الكلام والجدل مما يفسد النفس والمجتمع، فمن قل عمله كثرت شهواته، والترف مفسدةٌ عظيمة، ومهلكةٌ خطيرةٌ، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [هود:١١٦-١١٧].
فهلا كان فيمن قبلكم أولو معادن نفيسة، ونفوس زكية، وهمم عالية،، ينهون الناس عن الفساد في البلاد، إلا قليلًا ممن أنجاهم الله تعالى بصلاحهم ونصحهم، واتبع الذين ظلموا سبيل الترف، فنافسوا على الرياسة والسلطان والثراء، لينعموا بالمال والجاه، وسلكوا لذلك كل سبيل، وكانوا مجرمين بفجورهم وفسادهم، ونكوبهم عن طريق الصلاح ومحاربتهم للحق، فاستحقوا الهلاك، فالترف من أسباب الفسوق والانحلال الموجب للنقمة والعقوبة التي لا تكون إلا للمفسدين.
قال صاحب الظلال: «لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما اهتموا بالتنعم والترف والانغماس في الشهوات والتطلع إلى الرياسة والسعي لها وجمع الثروة وطلب العيش الهنيء، ورفضوا ما وراء ذلك مما ينفعهم في الآخرة ونبذوه وراء ظهورهم. فالترف يغلظ القلوب ويفقدها الحساسية ويفسد الفطرة ويغشيها فلا ترى دلائل الهداية فتستكبر على الهدى وتصر على الباطل ولا تتفتح للنور»80.
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الإسراء:١٦-١٧].
فالمترفون هم الذين يقودون عجلة الحضارة إلى الدمار بفسقهم ومجونهم، وقسرهم ضعفاء القلوب على الكفر والضلال، حتى يكون الهلاك الذي يعمهم جميعًا، بعد أن أمرهم الله بالطاعة فبادروا إلى التمرد والعصيان، قرئ (أمرنا)81: أي أكثرنا فصاروا هم الكثرة الفاسدة، الأغلبية الطاغية. والمترف عالة على مجتمع، لا يعمل ولا ينتج، بل هو نديم الشهوات قعيد الملذات، لا يفكر إلا في ملء بطنه وإفراغ شهوته، فالترف داعية السرف المفضي إلى الفسوق والعصيان والظلم والإجرام، يظهر هذا في الكبار والموسرين، ثم ينعكس على الفقراء المعوزين فتسوء حال الأمم وتتدهور أخلاقها.
قال الألوسي: «وإنما خص الله تعالى المترفين بالذكر مع توجه الأمر بالطاعة إلى الجميع، لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال، وما وقع من سواهم إنما وقع باتباعهم وإغوائهم، فكان توجه الأمر إليهم آكد»82، فالأمم إنما يهلكها بطرها واستكبارها وغفلتها عن الحق واستغراقها في شهواتها الدنيوية دون تدبر وترو، وإنما يصلحها تدبرها وبصيرتها واعتدالها وسلوكها طريق الحق وتفكيرها في العواقب وعدم إسرافها في متع الحياة وشهواتها.83
والصلة بين الانغماس في الترف والتشبث به وبين الإجرام وثيقة، فالمترف والباحث عن الترف قد لا يتورع عن سلوك أي طريق وركوب أي حيلة ليعيش حياة الترف، والترف من دواعي القعود عن عزائم الأمور والركون للدعة.
وقد مضت سنة الله في المترفين الذين أبطرتهم النعمة فكذبوا رسل الله وردوا دعوة الله أن يهلكهم ويذيقهم العذاب في الدنيا كما يذيقهم العذاب في الآخرة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ) [الأنبياء:١١-١٥].
تصور الآيات الكريمة مشهد العذاب الذي حل بالظلمة المترفين، فانطلقوا يركضون هربًا من ملاحقته، فيقال لهم على سبيل الاستهزاء: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة، «وارْجعوا إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، ارجعوا إلى ما أترفتم فيه من العيش والرفاهية والحال الناعمة»84.
وتأمل في حال قوم سبأ حين تبطروا على هذه النعم وطلبوا زوالها وتمنوا لو كان السفر طويلًا، وبلغ الترف ببعضهم والدعة أن اشتكى بعضهم من بعد الأسفار جحودًا وإنكارًا لنعم الله تعالى، وظلموا أنفسهم بجحودهم وغفلتهم، وتمللهم، فجعلناهم عبرةً يتحدث الناس بها ويتعجبون من أخبارهم وبؤسهم بعد عيشهم الرغيد، وتفرقهم بعد اجتماع شملهم وذلهم بعد عزهم، حتى صار تفريقهم مثلًا سائرًا فقالوا في الأمثال: ذهبوا أيْدي سبا وتفرقوا أيْدي سبا85، قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [سبأ:١٨-١٩].
٤. الأمن من مكر الله.
من أسباب التغيير: الأمن من مكر الله تعالى، فيغتر العبد ويتمادى في الذنوب والعصيان، ويمسي ويصبح في غفلةٍ لا يلقي بالا لما قدمته يداه.
قال الراغب رحمه الله: مكر الله: صفة حقيقة على ما يليق بجلال الله وكماله، ومن لوازمها إمهال العاصي وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله86.
والمراد: المسرف على نفسه، العاصي لربه، وقد يوسع على العبد الصالح تمكينًا له لصلاحه وإكرامًا.
وقال ابن حجر الهيتمي: «الأمن من مكر الله يتحقق بالاسترسال في المعاصي مع الاتكال على الرحمة»87.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف:٩٧-٩٩].
أفأمن أولئك الذين يكذبون بآيات الله ويجحدونها إمهال الله لهم واستدراجهم؛ بإمدادهم بالنعم في دنياهم من صحة البدن ورخاء العيش فيأخذهم على غرة بعذاب لا رجعة فيه ولا مهرب منه، وهم في نومٍ ورقادٍ، أو في لعبٍ ومرحٍ، أفأمن أولئك العصاة مكر الله بهم ونقمته عليهم فلا يأمن مكر الله إلا أهل الخسران.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)، فما وراء الأمن والغفلة والاستهتار إلا الخسار. وما يغفل عن مكر الله هكذا إلا الذين يستحقون هذا الخسار! أفأمنوا مكر الله؛ وهم يرثون الأرض من بعد أهلها الذاهبين، الذين هلكوا بذنوبهم، وجنت عليهم غفلتهم؟ أما كانت مصارع الغابرين تهديهم وتنير لهم طريقهم؟88.
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام:٤٤])89.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك)90.
وسياق آيات الأعراف وإن كانت في المكذبين الكافرين إلا أن الواجب على المؤمن الحذر من سوء العاقبة بإفراطه وتفريطه.
وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل:٤٥-٤٧].
أنكر عليهم كيف يأمنون عقاب الله مع ما هم عليه من إدمان الذنوب، أفأمنوا أن يخسف الله بهم الأرض فتبتلعهم في بطنها، أو يأتيهم العذاب وهم في غفلة من نوم أو لهو، ومن حيث لا يحتسبون أو يتوقعونه فيعجزون عن دفعه، أو يأتيهم في أسفارهم وهم يتقلبون من بلد إلى بلد في البر أو البحر، فلا يستطيعون دفع العذاب أو التخلص منه، أو يأخذهم وهم في حذر ويقظةٍ فلا تغني عنهم شيئًا، إذ لا يخطئهم العذاب، أو يأخذهم بالتدرج دون أن يشعروا بهذا التنقص يومًا بعد يوم حتى يفاجئوا، فالتغيير الكبير قد يكون نتيجة تراكمية للتغييرات الصغيرة التي لا يشعر بها الإنسان غالبًا.
قال الشنقيطي: «أنكر الله جل وعلا على الذين يعملون السيئات من الكفر والمعاصي، ومع ذلك يأمنون عذاب الله ولا يخافون أخذه الأليم، وبطشه الشديد، وهو قادر على أن يخسف بهم الأرض، ويهلكهم بأنواع العذاب»91.
فالآيات وإن كانت عن الكفرة العصاة لكن على المؤمن أن يحذر من سوء العاقبة بإدمان المعاصي والتفريط في الطاعات.
مجالات التغيير شاملة وميادينه متشعبة، فالتغيير منظومة متكاملة وعلاج شامل، لن يحقق الثمرة المرجوة ما لم يجمع بين التغيير في العقائد والأفكار والتغيير في الأخلاق والسلوك، كما سنبين في هذا المبحث:
أولًا:التغيير في العقائد:
جاءت دعوات الأنبياء بالتغيير ولا شك أن أول خطواته وأركانه إصلاح العقيدة، والتطهر من أدران الشرك والتحرر من الخرافات والأوهام، فبدأ كل نبي دعوته إلى التوحيد.
قال تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء:٢٥].
كان النبي صلى الله عليه وسلم في بدء دعوته يطوف بالأسواق ويذهب إلى منازل الحجيج يدعوهم لقول لا إله إلا الله.
عن ربيعة بن عباد الديلي، وكان جاهليًا أسلم، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني بسوق ذي المجاز، يقول: (يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا)92.
فكلمة التوحيد هي الكلمة الطيبة التي ينبثق منها كل خيرٍ، هي النبتة الطيبة بأصولها الثابتة وفروعها المثمرة.
والتغيير في العقائد هو الأساس؛ لا نجاح لأي تغيير وإصلاح بدون إصلاح العقيدة، ولقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يربي أصحابه على العقيدة الصحيحة وأصول الأحكام ومكارم الأخلاق، وركزت السور المكية على إصلاح العقيدة وإصلاح المجتمع من تقاليد الجاهلية وعاداتها السيئة، وإعداد الفرد المسلم وصياغة شخصيته. وبعد بيعة العقبة الأولى أرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه ليعلم أهل يثرب، فما من بيت إلا ودخله الإسلام، فنشأ جيلٌ مباركٌ شارك في حمل رسالة الإسلام.
وتوحيد الله تعالى ومعرفته هو النور الذي يمحو كل ظلمة والحق الذي يفند كل شبهة، والحقيقة التي تبدد الأوهام والأساطير والخرافات التي تستبد بكثير من الناس وتستهويهم وتطاردهم، فتنكد عيشهم وتكدر صفوهم، أما عقيدة التوحيد فإنها تجمع القلوب وتشرح الصدور، وتؤلف النفوس وتنير العقول وتشحذ الهمم وتسمو بالأرواح وتنهض بالمجتمعات.
قال تعالى: ( ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ) [الطلاق:١٠-١١].
من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، من ظلمات الجهل والأوهام إلى نور العلم، من ظلمات الشك والحيرة إلى نور اليقين. فأي تغيير أعظم من التغيير في العقائد فهو منبع كل تغيير.
ثانيًا:التغيير في الأخلاق:
جاء القرآن بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وتقويم السلوك؛ فاشتمل القرآن الكريم على جميع محاسن الأخلاق يدعو إليها ويرغب فيها، ونهى القرآن عن جميع مساوئ الأخلاق ونفر منها، وجعل لنا في حياة الأنبياء والصالحين المثل العليا لمكارم الأخلاق؛ فما من خلق كريم إلا وفي قصص القرآن نموذج يحتذى منه، وما من خلق رديء إلا وفي قصص الغابرين مثال له حتى ننفر منه ونحذره.
بل وجاء القرآن بآيات جامعة لمكارم الأخلاق من ذلك أجمع آية في كتاب الله.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل:٩٠].
قال ابن مسعود: أجمع آية في القرآن لخيرٍ وشرٍ آية في النحل (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) الآية.
وقال قتادة: ليس من خلق حسن، كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به وليس من خلق سييء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عز وجل عنه93.
ثالثًا:التغيير في المعاملات:
جاء القرآن الكريم بإصلاح المعاملات فدعا إلى حسن المعاملة والوفاء بالحقوق، وفي مقدمتها بر الوالدين وصلة الأرحام وحسن العشرة الزوجية، والإحسان إلى الجار والصاحب، وشرع كل معاملة حسنة، ونهى عن كل معاملة سيئة، فأحل البيع وحرم الربا، و نهى عن أكل أموال اليتامى ظلمًا، ودعا لحسن التعامل والصبر على مخالطة الناس، وتحمل أذاهم والعفو والإحسان.
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الإسراء:٢٣-٢٧].
وقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام:١٥١-١٥٣].
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء:٣٦].
فاشتمل القرآن المكي وكذلك المدني على هذه الفضائل في المعاملات، التوحيد الذي هو أساس الشريعة والأخلاق، والدعوة إلى بر الوالدين، فهم السبب في وجودنا، ومهما بذلنا من إحسان، فلن نوفيهما حقوقهما، كما دعا إلى مراعاة حق القرابة والجوار، وحق الضعيف وحق الخادم وملك اليمين وحق اليتيم والمسكين وابن السبيل، ونهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونهى عن الربا وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل، وجاء الإسلام بالتشريعات التي تحفظ الحقوق وتصون الكرامات.
ولعل من أصدق التعبيرات عن مجيء الإسلام بالتغيير لما كان عليه العرب من الواقع المرير الذي أثقل كاهل المجتمعات قبل بزوغ فجر الإسلام، وكيف كان منهج التغيير: مقالة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بين يدي النجاشي ملك الحبشة؛ وذلك حينما هاجر المسلمون الأوائل إلى حمى ذلك الملك العادل؛ فرارًا بدينهم، فأبى الظالمون إلا متابعتهم ورصدهم فأرسلوا في طلبهم، فكان ذلك الحوار الذي دار بين يدي النجاشي.
وفيه: (فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت أم سلمة: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرًا من سورة مريم (ﭑ ﭒ)الآيات... قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا)94.
وهذا ربعي بن عامر رضي الله عنه لما سأله رستم قائد الفرس: فقال ما جاء بكم؟ قال: «الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه»95.
للتغيير الإيجابي ثمراته المباركة، وللتغيير السلبي آثاره السلبية على الفرد والمجتمع، كما سنبين في هذا المبحث:
أولًا: ثمرة التغيير الممدوح:
من أعظم ثمرات التغيير: التمكين للمؤمنين.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور:٥٥] .
والتمكين تحول في مسار الأمة من ضعف وفرقة إلى قوة ومنعة وعزة، فللتمكين مقدماته ومؤهلاته، والتي من أهمها الإيمان والعمل الصالح، وله عوامل تحفظه، وهو القيام بواجبات العبودية لله والإصلاح.
وللتغيير ثمراته الطيبة فهو سبيل النجاة وطريق الفلاح، وبه تلتمس البركات. وهو متاحٌ لكل من شرع فيه وأخذ بأسبابه مهما كان من فساد حاله وضلاله قبل التغيير.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [المائدة:٦٥-٦٦].
وقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:١٠٣].
وقال عن المنافقين: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النساء:٦٦-٦٨].
وقال عن سائر المكذبين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف:٩٦].
فالتغيير متاح أمام جميع المخالفين، مهما سلف منهم، ومهما أوغلوا في طريق الضلال، فالفرصة لا تزال سانحة أن يغيروا من أحوالهم، بدءًا من إصلاح العقيدة بالإيمان إلى إصلاح السلوك بالتقوى، والتوبة الصادقة والاستجابة للمواعظ ففي ذلك خير الدنيا والآخرة وتحصيل بركات الدنيا وثواب الآخرة.
ثانيًا: آثار التغيير المذموم:
أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين هداة ومصلحين، فاستجاب لهم الصادقون وكفر وأعرض الجاحدون المنكرون، فابتلاهم الله تعالى بالشدائد والمحن لعلهم يرجعون ويتضرعون، لكن القلوب قاسية والأعين متحجرة، والعقول في غفلة وذهول، وهنا يبتليهم الله بالنعم والرخاء؛ استدراجًا لهم، فيزدادون بطرًا وعجبًا وغفلةً، ويمهلهم فيتمادون في الغي والطغيان، فتحل عليهم النقم ويغشاهم العذاب الذي لا كاشف له ولا عاصم منه.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[الأعراف:٩٤ -٩٦]
وقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام:٤٢-٤٥].
ومن آثار التغيير المذموم:
١. ضيق العيش في الدنيا والعمى في الآخرة.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [طه:١٢٣-١٢٤].
فالإعراض عن منهج الله من أسباب الشقاء والنكد والضيق وتبدل الحال.
٢. الغشاوة على القلوب.
قال تعالى: (ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [المطففين:١٤].
فمن أسباب التغيير إلى الأسوأ، غشاوة القلوب بإدمان الذنوب والمعاصي مما يحجب عنه نور الهداية.
٣ . هلاك الأمم وخراب الديار.
قال تعالى عن الأمم الهالكة بذنوبها: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [العنكبوت:٤٠].
فتراكم الذنوب من أسباب الهلاك والدمار الذي يحل بالأمم المكذبة، فيتبدل حالها من خفض عيش ورغد وأمن إلى هلاكٍ وخراب وتدميرٍ، فلا تبقى لهم باقية.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلًا: (كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادًا، فأججوا نارًا، وأنضجوا ما قذفوا فيها).
موضوعات ذات صلة: |
الإصلاح، التدرج، التربية، الدعوة |
1 لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٣٤.
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، ١/ ٥٠، رقم ٤٩.
3 الكليات، الكفوي ص ٤٥١.
4 المفردات ص٦١٩.
5 التعريفات ص٨٧.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٥٠٧- ٥٠٨.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٣٤.
8 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/ ١٤٢.
9 انظر: التبيان في تفسير غريب القرآن، ابن الهائم ص٥١.
10 القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ١/٢١٥.
11 لسان العرب، ابن منظور ١١/ ٤٨.
12 المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد ٩/ ٣١٨.
13 البحر المحيط، أبو حيان ٣/ ٥٠٧.
14 الفروق اللغوية، العسكري ١/ ١١٣.
15 لسان العرب، ابن منظور ١١/ ٤٨.
16 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٢/ ١٣.
17 انظر: الكليات، الكفوي ص ١٥٤.
18 المنار، رشيد رضا ٣/ ٢٢٦.
19 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٤١
20 علم الاجتماع، أنطوني جيدنز، ترجمة فايز الصباغ ص ١٠٥.
21 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢٣١.
22 جامع البيان، الطبري ١٣/١٨ .
23 البحر المحيط، أبو حيان ٣/٥٠٧.
24 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٨ .
25 محاسبة النفس، ابن أبي الدنيا، ص ٢٦، إغاثة اللهفان، ابن القيم، ص٩٦.
26 أخلاق أهل القرآن، الآجري ص٣٩.
27 حتى يغيروا ما بأنفسهم، جودت سعيد ص١٥.
28 فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٣١٨ .
29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨ / ٣١٥ .
30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٠٩ .
31 انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ٤/٢٧١ من قول أبي عبدالرحمن السلمي.
32 المنار ٩/٤٦٣.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الطلاق، رقم ٤٦٢٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء، رقم ١٤٧٩ .
34 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي، رقم ١٢١٨.
35 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٢/٢٦٩ .
36 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٢١، ٣٢٧ .
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب: قصة يأجوج ومأجوج، رقم ٣١٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم ٢٨٨٠ .
38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، رقم ٢٣٦١
39 حتى يغيروا ما بأنفسهم، جودت سعيد ص ١٠٢.
40 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩ / ١٨.
41 معالم التنزيل، البغوي ٥ / ١٦١ .
42 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣ / ٢٦٢ .
43 معالم التنزيل، البغوي ٢/٦٨.
44 معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٨٦.
45 الأنوار الساطعات لآيات جامعات، عبدالعزيز السلمان ٣ / ٤٥٧.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٣٦١، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٣/٢٠٢٣.
47 جامع البيان، الطبري ١١/٣٦١.
48 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٥/٢٧٦.
49 البحر المحيط ٧/١٢٧.
50 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٦٥.
51 مجمع الأمثال، الميداني ١ / ٢٧٥ .
52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٨٩.
53 انظر: في ظلال القرآن ٦/٣٩٦٦.
54 خصائص المجتمع الإسلامي، محمد الخطيب ص ١٨- ١٩.
55 نقض المنطق، ابن تيمية ص ٨.
56 أين الخلل؟ د. يوسف القرضاوى ص٢١.
57 ديوان هاشم الرفاعي ص١٩٦.
58 الدر المنثور، السيوطي ١٥ / ٩٧ .
59 المصدر السابق ١٥ / ٩٦ .
60 التسهيل، ابن جزي ٣ / ٢٥٥ .
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج، رقم ٣١٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم ٢٨٨٠.
62 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧/٨٢.
63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٩٩.
64 في ظلال القرآن ٢/٤٨٠.
65 معالم التنزيل، البغوي ٣/١٨٠.
66 زاد المسير ، ابن الجوزي ٢/٣٩٦.
67 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٦٩.
68 نظم الدرر، البقاعي ٣/١١٣.
69 بصائر الحق في سورة الأنعام، عبدالحميد طهماز ص ١٠٦-١٠٧.
70 معاني القرآن ١/١٥٤.
71 آفات على الطريق، سيد نوح ٢/١٦.
72 ذم الهوى لابن الجوزي ص١٦.
73 أخرجه البزار في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كما في كشف الأستار عن زوائد البزار، رقم ٨٠، ١/٥٩.
وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح، رقم ٥١٢٢.
74 انظر: ذم الهوى، ابن الجوزي ص١٢.
75 المنار، رشيد رضا ٩/٣٤٢.
والبيت من ديوان المتنبي ٢/١٩٦، ومعنى البيت: لم يقض أحد حاجته من الليالي؛ لأن حاجات الإنسان لا تنقضي، ولا انتهى أربٌ إلا إلى أرب. واللبانة الحاجة والأرب الغرض.
76 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٢٢٣.
77 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٢/٥٠.
78 الدر المنثور، السيوطي ٨/٤٦٥.
79 المصدر السابق ١١/١٨٢.
80 في ظلال القرآن ٦/٨٥.
81 قال أبو حيان في البحر : «قرأ ابن عباس وأبو عثمان النهدي والسدي وزيد بن علي وأبو العالية : أمرْنا بتشديد الميم وروي ذلك عن علي والحسن والباقر وعاصم وأبي عمر وعدي أمر بالتضعيف، والمعنى أيضًا كثرنا». البحر المحيط ٦/١٢.
82 روح المعاني، الألوسي ١٥/٤٢.
83 التفسير الحديث، محمد عزة دروزة ١/١٨٥٨.
84 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٧٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٢٧٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٤٦.
85 مجمع الأمثال، الميداني ١/٢٧٥.
86 المفردات، الراغب ص٤٧١.
87 انظر : الزواجر، ابن حجر الهيتمي ١/٨٧.
88 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/٢٦٣.
89 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٥٤٧.
90 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، ٤/٢٠٩٧، رقم ٢٧٣٩.
91 أضواء البيان ٢/٣٨٠.
92 أخرجه أحمد في مسنده ٢٥/٤٠٤.
93 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٦/٤٠٧٣.
94 أخرجه أحمد في مسنده ١/٢٠١، رقم ١٦٤٩، عن أم سلمة رضي الله عنها.
95 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ٢/٤٠١، البداية والنهاية، ابن كثير ٧/٣٩.