عناصر الموضوع
التطوع
أولًا: المعنى اللغوي:
وردت مادة (ط و ع) في معاجم اللغة العربية لعدة معانٍ، من أشهرها وأكثرها تداولًا:
وبتأمل المعاني اللغوية السابقة نلحظ: أن ثمة علاقة وثيقة بين مادة (ط و ع) والكلمات المشتقة منها، والمعاني التي تدل عليها تلك المشتقات؛ وأن ثمة تناسب واضح بينها وبين المعنى الأصلي للمادة الذي هو (الانقياد واللين)؛ كيفما قلبت حروفها.
فالطاعة مثلًا: فيها معنى الانقياد والخضوع، كما أنها تستلزم من المطيع تكلف الطاعة، ليتدرب على استطاعتها وإطاقتها؛ مع مجاهدة نفسه ليحملها عليها، وليكون هواه موافقًا لمرغوب ربه سبحانه؛ ليحصل له التلذذ بالطاعة بعد ذلك التكلف، وتصدر عنه الطاعة بسهولة ولين.
ومثل ذلك: ما يتطوع به العبد تنفلًا مما لم يجب عليه من عبادات، أو ما يتبرع به من وقت أو جهد أو مال مسارعة في الخيرات؛ فإن هذا أو ذاك إنما يصدر عنه طوعًا لا كرهًا، ولذا يجد نفسه منقادًا لفعل هذا الخير، فيفعله بسهولة طائعة به نفسه.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لقد عرف العلماء السابقون التطوع بتعريفات متعددة تشمل نوعي التطوع (التعبدي والاجتماعي)، من هذه التعريفات:
ما قاله الخليل: «التطوع: ما تبرعت به مما لا يلزمك فرضه»11.
وقول الجرجاني: « التطوع اسم لما شرع زيادة على الفرض والواجبات»12.
وقول المناوي: « هو التبرع بما لا يلزم كالنفل»13.
لكننا لما وجدنا الذهن ينصرف إلى التطوع الاجتماعي خاصة عند إطلاق مصطلح (التطوع) سنخص (التطوع الاجتماعي) بمزيد بيان في السطور التالية:
وبتأمل المعاني اللغوية السابقة: نجد أن التطوع الاجتماعي يتطلب هذه المعاني اللغوية السابقة جميعها؛ فالمتطوع: متبرع بوقته أو بدنه أو ماله أو بهما جميعًا، وهو يقوم بعمل نافلةٍ لا فرضٍ، ثم هو في تطوعه هذا منقاد وخاضع لله سبحانه وتعالى، متكلف ومجاهد نفسه على العمل التطوعي، سهل لين في تعامله مع الفئات المستفيدة من تطوعه14.
ولذا: عرف بعضهم التطوع الاجتماعي بأنه: «كل ما يقدمه الفرد من خدمات للآخرين بلا أجر مادي، سواء كان ما يبذل علمًا، أو مالًا، أو وقتًا، أو جهدًا بدنيًا، أو رأيًا، أو غيرها مما يملكه الفرد ويحتاجه الآخرون»15.
وعلى الرغم من كثرة التعريفات للتطوع: إلا أن الباحث يستحسن تعريف الدكتور محمد القاضي له بأنه: «كل جهد بدني أو فكري أو عقلي أو قلبي يأتي به الإنسان أو يتركه تطوعًا دون أن يكون ملزمًا به لا من جهة الشرع ولا من غيره»16.
لأن هذا التعريف يدخل فيه «التطوع بالترك» وأعني به الأعمال التطوعية التي يتركها الإنسان ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى دون أن يكون ملزمًا بتركها، كالتنازل عن الدية، ونصف المهر للمطلقة قبل الدخول، ونحو ذلك مما يترك تطوعًا، والتي سنأتي عليها بشيء من التفصيل في ثنايا هذا البحث بمشيئة الله تعالى.
فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن بعض معانيه اللغوية.
وردت مادة (طوع) في القرآن بصيغتين، بلغت(٣) مرات17.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة | عدد المرات | المثال |
الفعل المضارع | ٢ | (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٥٨] |
اسم الفاعل | ١ | (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [التوبة:٧٩] |
الأصل في التطوع: تكلف الطاعة، ثم غلب استعماله على التنفل بما لا يلزم من العبادات، ولم يخرج في الاستعمال القرآني عن هذا المعنى18.
الخير:
الخير لغة:
الخير: ضد الشر 19.
الخير اصطلاحًا:
الخير: ما يرغب فيه الكل، كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع 20.
الصلة بين التطوع والخير:
يمكننا تلخيص الصلة بين (التطوع) و(الخير): بأن الخير يشمل الواجب وغيره من نفل ومندوب، أما التطوع؛ فإنه يقتصر على ما لم يجب؛ فهو: «اسم لما شرع زيادة على الفرض والواجب»، أو: « هو التبرع بما لا يلزم» كما صرح بذلك الخليل والمناوي21.
والعمل التطوعي يندرج تحت عموم فعل الخير المأمور به في الكتاب والسنة؛ فكل من فعل معروفًا أو خيرًا لا يلزمه، يبتغي بذلك الأجر من الله عز وجل عد عمله هذا عملًا تطوعيًا.
الإحسان:
الإحسان لغة:
مصدر حسن، والحسن: ضد القبح ونقيضه، والإحسان: ضد الإساءة22
الإحسان اصطلاحًا:
إتقان الأعمال، والتطوع بالزائد عن الفرائض، ومقابلة الخير بأفضل منه، والشر بأقل منه23.
الصلة بين التطوع والإحسان:
أن الإحسان قد يكون واجبًا وقد يكون غير واجب، أما التطوع فلا يكون واجبًا؛ إذ الإيجاب والإلزام يفقد التطوع معناه.
إن مفهوم التطوع في القرآن الكريم يتسع ليشمل نوعي التطوع الرئيسين (التعبدي والاجتماعي)؛ إذ التطوع بمختلف ميادينه يندرج تحت عموم «فعل الخير» المأمور به في غير آية من القرآن الكريم؛ لعل أجمعها قوله سبحانه: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الحج: ٧٧]؛ بل إنه يعد من أسمى صور التعاون على البر والتقوى، الذي حث عليه القرآن الكريم في قوله سبحانه: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢].
وفضلًا عن ذلك: فإنه يعد صورة من صور شكر المنعم سبحانه وتعالى على نعمه وآلائه؛ حيث قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة)24.
والتطوع ينقسم إلى نوعين رئيسيين، هما:
الأول: التطوع التعبدي:
والذي يمكننا أن نعرفه-في ضوء التعريف اللغوي للتطوع المذكور سابقا - أنه: «عبادة زائدة عن الفرض يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، رغبة في نيل رضاه سبحانه ومحبته».
يعني: ما يفعله العبد من الشعائر التعبدية المعروفة كالصلاة والصيام والحج، ونحوها، تطوعًا من غير فريضة.
وهذا النوع من التطوع يصدق فيه قول الله عز وجل في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)25.
ومما ينبغي ملاحظته هنا: أن ثمرة التطوع التعبدي وإن كانت تعود على المتطوع نفسه بالمقام الأول، إلا أن للمجتمع فيها نوع فائدة تتمثل في أثر هذه العبادات في نفس المتطوع وخلقه؛ ففي ذلك نفع للمجتمع لا يخفى.
وباستقراء آيات القرآن الكريم نجد: أن «التطوع»26، قد ورد فيها مرتين بصيغة الفعل المضارع «تطوع»:
الأولى: في قوله تعالى (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ١٥٨].
والثانية: في قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة: ١٨٤].
كما ورد مرة ثالثة بصيغة اسم الفاعل «المطوعين» في قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [التوبة: ٧٩].
أما الآية الأولى: فقيل في المراد بالخير فيها: إنه الزيادة على الطواف شوطًا ثامنًا وتاسعًا، وقيل: المراد به الطواف بين الصفا والمروة في حجة تطوع أو عمرة تطوع.
وقيل: ليس المراد بالخير هنا خصوص السعي وإنما هو حكم كلي يعم كل أفعال الخير، فيشمل كل ما ليس بفرض من صلاة أو زكاة أو صيام، أو أي نوع من أنواع الطاعات؛ لأن (ﮊ) نكرة وردت في سياق الشرط فتفيد العموم، ولذلك عطفت بالواو دون الفاء؛ لئلا يكون الخير قاصرًا على الطواف بين الصفا والمروة، ولذا رجح كثير من المفسرين إفادة (ﮊ) لعموم فعل الخير من الطاعات والنوافل ولم يقصروها على خصوص السعي.
وعليه: فيكون معنى قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ) أي: من فعل خيرًا -أيًا كان هذا الخير- فإن الله عز وجل يجزيه خيرًا منه؛ لأنه سبحانه (ﮝ) لا يضيع أجر المحسنين: (ﮞ) لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء27.
وأما الآية الثانية: فقيل في المراد بالخير الأول فيها في قوله تعالى (ﮈ ﮉ ﮊ): إنه خصوص الصوم، يعني: أن الصوم مع وجود الرخصة في الفطر أفضل من تركه، وقيل: المراد به أن الزيادة على إطعام مسكين أفضل من الاقتصار عليه28.
وقد رجح ابن عاشور هذا القول الثاني قائلًا: «لا شك أن الخير هنا متطوعٌ به؛ وهو الزيادة من الأمر الذي الكلام بصدده وهو الإطعام لا محالة، وذلك إطعام غير واجب فيحتمل أن يكون المراد: فمن زاد على إطعام مسكينٍ واحد فهو خير، أو أن يكون: من أراد الإطعام مع الصيام فهو خير»29.
وأما (ﮌ) الثاني في قوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ)؛ فيجوز أن يكون المراد به: خيرًا آخر أي خير الآخرة، ويجوز أن يكون المراد به التفضيل، أي: فالتطوع بالزيادة أفضل من تركها30.
وأما الآية الثالثة: فقد نزلت بسبب حادث حدث في مدة نزول السورة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وجاء عاصم بن عدي بأوسقٍ كثيرة من تمر، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر؛ فقال المنافقون: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياءً، وأحب أبو عقيل أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات؛ فأنزل الله فيهم هذه الآية31.
الثاني: التطوع الاجتماعي:
وهذا النوع من التطوع هو المراد غالبًا عند إطلاق نحو مصطلح: العمل التطوعي، العمل الخيري، العمل الاجتماعي، وهي مصطلحات تدل على: «كل جهد بدني أو فكري أو عقلي أو قلبي يأتي به الإنسان أو يتركه تطوعًا دون أن يكون ملزمًا به لا من جهة الشرع ولا من غيره؛ ليحقق به نفعًا لغيره دون عوض مالي».
العلاقة بين التطوع الاجتماعي والتطوع التعبدي:
ثمة علاقة وثيقة بين التطوع التعبدي، والتطوع الاجتماعي؛ فالتطوع التعبدي وإن كان يخص (العبادات المحضة) من صلاة وصيام وحج، ونحوها، مما يتقرب به العبد لربه سبحانه ابتغاء مرضاته ومحبته، فكذلك التطوع الاجتماعي يتحول بالنية الصالحة إلى (عبادات غير محضة) ينال بها العبد رضا ربه سبحانه وتعالى ومحبته.
ومن ثم كان هذا النوع من التطوع خلق الأنبياء والمرسلين، وشعار الصالحين من عباد الله أجمعين:
فقد رغب نبينا صلى الله عليه وسلم في الأعمال التطوعية قولًا وعملًا؛فشارك بنفسه تارة في بعض الأعمال التطوعية: كحلف الفضول32، وإعادة بناء الكعبة33، وبناء مسجد المدينة34.
وتارة أخرى: رغب فيها قولًا في كثير من أحاديثه الشريفة: حتى أنه صلى الله عليه وسلم قد جمع لنا في حديث واحد أصنافًا من الأعمال التطوعية، كـ: الصلح بين المتخاصمين، ومساعدة المحتاج، والكلمة الطيبة، وإماطة الأذى عن الطريق، وإرشاد الضال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإفشاء السلام، وغيرها35 ترغيبًا لنا في فعلها.
وتارة ثالثة: نجده صلى الله عليه وسلم يكرم أصحاب الأعمال التطوعية ويهتم بشأنهم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلًا أسود، أو امرأةً سوداء،كان يقم المسجد؛ فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني به؟دلوني على قبره، أو قال: قبرها، فأتى قبرها فصلى عليها)36.
بل بين لنا صلى الله عليه وسلم: أن هذه الأعمال لا يقتصر مجالها على الإنسان فحسب؛ وإنما تشمل الحيوان والطير كذلك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (في كل ذات كبد رطبة أجرٌ)37.
وموسى عليه السلام: سقى للفتاتين وهو الغريب الذي لا يعرف ولا يعرف38.
والخضر: أقام جدار الغلامين اليتيمين حفظًا لمالهما بدون أجر39.
وذو القرنين: بنى السد تطوعًا40.
ويوسف عليه السلام: تطوع بتفسير رؤيا الملك دون أن يشترط لنفسه شيئًا41.
والصديق رضي الله عنه: حلب لجواري الحي منائحهم42، وتعهد سرًا امرأة عمياء يقضي لها أشغالها 43.
وذو النورين رضي الله عنه: اشترى بئر رومة وأوقفها على المسلمين44.
وعلي رضي الله عنه: كان يكنس بيت مال المسلمين بنفسه45.
وبذلك يكون قد تبين لنا بجلاء: أن التطوع الاجتماعي كان خلقًا أصيلًا عند الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله أجمعين.
لقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في الحث على التطوع، ما بين أمر بالمبادرة إليه، والثناء على فاعله، وبيان أنه أهل لمحبة الله تعالى ورضوانه، ووعده بالثواب العظيم، وما بين ذم لضد من هم على هذه الصفات من المثبطين للهمم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، وسنزيد ذلك بيانًا فيما يلي:
أولًا: دعوة القرآن للتسابق في العمل التطوعي:
لقد تنوع الخطاب القرآني في الدعوة إلى التسابق في فعل الخير على سبيل العموم؛ فتارة: أمر سبحانه باغتنام الفرص عن طريق المنافسة والمسارعة إلى فعل الخير وإيقاعه على أكمل الأحوال قبل فوات الأوان.
وتارة أخرى: قص علينا نماذج عملية للتسابق في فعل الخير.
وفي ثالثة: مدح أقوامًا اغتنموا الفرص وسارعوا إلى فعل هذه الخيرات.
فمن الأولى: قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٤٨]
وقوله سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المائدة: ٤٨]
فـ«الاستباق»: يعني التسابق، وهو يطلق مجازًا على المنافسة؛ لأن الفاعل للخير لا يمنع غيره من أن يفعل مثل فعله أو أكثر؛ فشابه التسابق، والمراد به هنا: المعنى المجازي وهو الحرص على فعل الخير والإكثار منه؛ فإن المبادرة إلى الخير محمودة، ومن ذلك: فضيلة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحديد: ١٠].
ومن الثانية: قوله سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ٤٤].
فهذه الآية الكريمة: تشير إلى أنهم تنافسوا - بل وتنازعوا-في شأن كفالة مريم حين ولدت، وأنهم استهموا لأجل الفوز بذلك الفضل؛ ولمعرفة أيهم ستكون مريم في كفالته وتحت كنفه ورعايته46.
وقوله سبحانه: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [النمل: ٣٨-٤٠].
فهنا أيضًا: صورة من صور التنافس في فعل الخير؛ وكلا المتنافسين يعرض مهاراته ومقوماته الشخصية التي تؤهله للفوز بهذا الشرف.
ومن الثالثة: مدحه عز وجل لطائفة من أهل الكتاب بأنهم: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ١١٤].
ومدحه لزكريا عليه السلام وأهله بأنهم: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنبياء: ٩٠].
فالقاسم المشترك بين المذكورين في الآيات السابقة والذي كان من جملة ما استحقوا لأجله هذا الثناء من رب الأرض والسماء هو أنهم (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي: يعملونها مبادرين غير متثاقلين، أو يجدون في طاعة الله ويتسابقون في فعل الطاعات وعمل الصالحات، أو يبادرون إلى أبواب الخير47.
كما ذكر سبحانه: أن المسارعة لفعل الخير من أخص صفات عباده المؤمنين؛ فقال سبحانه: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المؤمنون: ٦١].
أي: لأجلها فاعلون السبق، أو سابقون الناس إلى الطاعة48.
ثانيًا: وعد المتطوع بالثواب العظيم:
مما لا شك فيه: أن العمل التطوعي يندرج تحت عموم فعل الخير والعمل الصالح الموعود صاحبه بالثواب العظيم في آيات عديدة من القرآن الكريم، منها:
قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البينة: ٧-٨].
يعني: أن المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح هم خير الخليقة التي خلقها الله تعالى وبرأها، وأن جزاء ما قدموه من إيمان وعمل صالح(ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) ولهم زيادة على ذلك رضوان الله تعالى عليهم؛ فقد (ﭞ ﭟ ﭠ) بما قدموا في الدنيا من طاعات وأعمال صالحة،(ﭡ ﭢ) بما أعطاهم من الخيرات والكرامات، ثم ذيلت الآية بقوله تعالى (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) لبيان أن الحسنة هي ملاك الأمر والباعث على كل خير49.
كما بين الحق تبارك وتعالى: أن كل أعمال الإنسان ستكون عاقبتها الخسارة والبوار إلا الأعمال الصالحة؛ فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر: ١-٣].
ففي هذه السورة الكريمة: أقسم سبحانه بالعصر، وهو الدهر والزمان لأنه رأس عمر الإنسان، أو بصلاة العصر لفضلها وشرفها على أن الإنسان في خسران لتفضيله العاجلة على الآجلة (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: إلا من جمعوا بين الإيمان والأعمال الصالحة، (ﭝ ﭞ) وهو الخير كله من الإيمان التصديق وعبادة الرحمن، (ﭟ ﭠ) على الطاعات والشدائد وترك المحرمات؛ فهؤلاء وحدهم هم الفائزون50.
كما وعد سبحانه كل من يأتي بشيء من ذلك الخير الذي رغب فيه القرآن الكريم بالأجر العظيم؛ فقال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النساء: ١١٤].
يعني: لا خير في كثير من محاورات الناس وأحاديثهم التي يسرونها فيما بينهم، إلا ما اشتمل منها على دعوة إلى فعل خير كـ: (الصدقة، والمعروف، والإصلاح بين الناس)؛ فالنجوى: هي المسارة في الحديث.
والمقصود من الآية: التربية الاجتماعية للمسلم، فإن شأن المحادثات، والمحاورات أن تكون جهرة، فلا يصار إلى المناجاة إلا في أحوال شاذة يناسبها إخفاء الحديث، ومعنى (ﭒ ﭓ) أنه شر، بناء على المتعارف في نفي الشيء أن يراد به إثبات نقيضه، كقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [يونس: ٣٢].
وقد نفت الآية الخير عن كثير من نجواهم، فعلم من مفهوم الصفة أن قليلًا من نجواهم فيه خير، إذ لا يخلو حديث الناس من تناج فيما فيه نفع، كالتشاور في أمر نكاح ونحوه.
والاستثناء في قوله (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) على تقدير مضاف، أي: إلا نجوى من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس.، وهذه الثلاثة المستثناة: لو لم تذكر لدخلت في القليل من نجواهم الثابت له الخير، فكان ذكرها للعناية والتنويه بشأنها.
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) وعدٌ بالثواب على فعل المذكورات إذا كان لابتغاء مرضاة الله تعالى؛ فدل على أن كونها خيرًا وصف ثابت لها لما فيها من المنافع، ولأنها مأمور بها في الشرع، إلا أن الثواب لا يحصل إلا عن فعلها ابتغاء مرضاة الله تعالى؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات)51.
كما بين لنا القرآن الكريم: أن أي عمل من أعمال الخير والبر مهما دق في عين صاحبه فإنه يثاب عليه إذا كان خالصًا لوجه الكريم موافقًا للشرع الحكيم؛ وذلك في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزلزلة: ٧-٨].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النساء: ٤٠].
فهاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى: أن الله تعالى لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة، ولا كبيرة، خيرًا كانت أم شرًا، من مسلم كانت أم من كافر، لاسيما إذا كانت الذرة لا وزن لها.
وعليه قال ابن عباس رضي الله عنه: « فمن يعمل من الكفار مثقال ذرة خيرًا يره في الدنيا، ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يره في الدنيا، ولا يعاقب عليه في الآخرة ويتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرة من خير يقبل منه، ويضاعف له في الآخرة »52.
ثالثًا: القائمون بالأعمال التطوعية أهل لمحبة الله تعالى ورضوانه:
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [آل عمران: ١٣٣-١٣٤].
والعفو عن المسيء يعد من جملة التطوع بالترك، كما سيأتي لذلك مزيد بيان- بمشيئة الله تعالى-عند حديثنا عن مجالات التطوع الاجتماعي في القرآن الكريم.
رابعًا: ذم أولئك الذين يحول داعي الشح والبخل بينهم وبين التطوع:
لقد ذم الله تعالى البخل في غير آية من كتابه الكريم، وبين أنه قد يحمل صاحبه على الإمساك عن إخراج الواجب؛ فضلًا عن المستحب، وأن أولئك الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله على المحاويج من عباده، قد أضروا بدينهم ودنياهم.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [آل عمران: ١٨٠].
فالآية هنا تبين لأولئك البخلاء حال البخل وشؤم عاقبته، وتخطئة أهله في توهم خيريته، كما أكدت أن البخل شرٌ لهم؛ إذ التنصيص على شريته هنا مع فهمها من نفى الخيرية إنما ورد للمبالغة53.
وفي تذييل الآية بقوله تعالى (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) تنبيه لأولئك الغافلين إلى أن ثمة شيء من رواسب الجاهلية قد ران على قلوبهم، وأن تلك الرواسب تتنافى مع نور الإيمان الذي يدرك معه المؤمن أن ما استخلفه الله عليه في هذه الدنيا إنما هو ملكية مجازية، وأن الملكية الحقيقية المطلقة لله الواحد القهار خالق القوى والقدر، فهو سبحانه له ميراث السموات والأرض؛ فتدفع تلك العقيدة المؤمن دفعًا لإنفاق المال تطوعًا في سبيل الله عن اطمئنان ورضا، «أما حين يقفر القلب من نور الإيمان الصحيح، فالشح الفطري يهيج في نفسه كلما دعي إلى نفقة أو صدقة، والخوف من الفقر يتراءى له فيقعد به عن البذل، فيبقى سجين شحه وخوفه بلا أمن ولا قرار54.
وفي ختام هذا المبحث أود أن أشير لأمرين:
أولهما: أن الأعمال التي قد تعد من قبيل المشترك الإنساني والتي لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات؛ كمساعدة الفقراء والمحتاجين ونحو ذلك، أضفى عليها الإسلام مفهومًا خاصًا ينبع من شموليته؛ ويؤكد على استقلال هوية من يدينون به؛ فمساعدة الفقراء والمحتاجين مثلًا، والتي قد تأخذ في بعض المجتمعات مسمى(المعونات) أو نحوه، سماها الإسلام (صدقة) وجعلها لا تقتصر على إعطاء الفقير والمحتاج فقط؛ وإنما تتسع لتشمل الكثير من أعمال الخير والبر كـ: العدل بين المتخاصمين، وإماطة الأذى عن الطريق، وغيرها من أفعال الخير التي لا تحصى.
ثانيهما: أن ديننا الإسلامي قد أعلى من شأن الأعمال التطوعية، عندما قرن حبيبنا صلى الله عليه وسلم بين بعض مجالاتها وبين الإيمان؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون-أو بضع وستون-شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)55.
لقد أسلفنا في فاتحة هذا البحث أن العمل التطوعي يدخل في عموم فعل الخير المأمور به في كثير من آيات القرآن الكريم: التي من أجمعها قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الحج: ٧٧].
فـ (ﮝ) هنا أعم من الطاعة الواجبة والمندوبة؛ يعني: افعلوا كل ما يصح أن يطلق عليه لفظ «خير» من الصلة، والإحسان، وحسن المعاملة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وسائر مكارم الأخلاق56.
ومن ثم كانت هذه الدعوة القرآنية (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) تصلح أن تكون بمفردها دافعًا رئيسًا يدفع المسلم دفعًا للمساهمة في الأعمال التطوعية ابتغاء الأجر من الله تعالى.
وفي ضوئها: يمكننا تلخيص الدافع الرئيس الذي يدفع المسلم للقيام بالأعمال التطوعية، ويميزه عن غيره ممن يقومون بمثل هذه الأعمال في: نيل رضا الله تعالى ومحبته، وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه.
ويعد العمل التطوعي:
أولًا: من أسمى صور التعاون على البر والتقوى المأمور بهما شرعًا.
في نحو قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢].
فالبر لغة: يعني التوسع في فعل الخير، كما أسلفنا، وهو في الآية يعني: الصلة والخير والاتساع في الإحسان والصدقة، وسائر أعمال الخير المقربة إلى الله تعالى57.
ثانيًا: صورةً من صور شكر المنعم سبحانه وتعالى.
فالشكر الحقيقي يكون باللسان قولًا، وبالجوارح عملًا؛ فيبذل العبد جوارحه في طاعة المنعم سبحانه، ويكفها عن معصيته.
قال تعالى حكاية عن داود وسليمان عليهما السلام: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [سبأ: ١٠-١٣].
فبعد أن عدد سبحانه نعمه على داود وسليمان عليهما السلام، عقب ذلك بقوله سبحانه: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) أي: اشكروا يا آل داود ربكم على هذه النعم الجليلة واعملوا بطاعته شكرًا له سبحانه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: وقليل من العباد من يقوم بهذا الشكر، ولعل حديث السلامى المشار إليه -سابقًا- يؤيد هذا المعنى ويؤكده.
ثالثًا: وسيلة مهمة لاستثمار الوقت.
الذي يستشعر المسلم قيمته وأهميته في حياته، عندما يتدبر القسم الوارد في القرآن الكريم في نحو قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الضحى: ١-٣].
وغيرها من الآيات الكريمة التي يقسم فيها ربنا سبحانه بالزمن أو أجزائه.
وعندما يتدبر إشارة القرآن الكريم إلى تعاقب الليل والنهار على الإنسان؛ ليعمل في النهار، ويستريح في الليل، وأن ذلك آية من آياته سبحانه؛ وذلك في قوله سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الروم: ٢٣].
فيفهم المسلم-من التنصيص على تلك القضية-ضرورة احترام الوقت، وأهميته في حياته.
وفضلًا عن هذا وذاك: فإن في كتاب الله تعالى ما يدفع المسلم دفعًا لاستثمار كل لحظة من لحظات عمره فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، عندما يقرأ نحو قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [المنافقون: ٩-١١].
أقول: لو استشعر المسلم تلك اللحظة التي قد يتمنى فيها مهلة قصيرة يقدم فيها عملًا صالحًا، بعد أن ضيع عمرًا طويلًا هدرًا؛ لدفعه ذلك دفعًا لاستثمار كل لحظة من لحظات عمره فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه.
ثم إن مما ينبغي التأكيد عليه في معرض حديثنا عن دوافع التطوع: أنه إن كانت «الراحة النفسية التي يشعر بها المتطوع من جراء مساعدة الآخرين دون مقابل، أو الرغبة في زيادة احترام الذات، أو الرغبة في شغل أوقات الفراغ»58 «أو اكتساب مهارات وخبرات جديدة قد يحتاجها المتطوع مستقبلًا في حياته العملية، والتي قد لا تتوفر له إلا من خلال مراكز التطوع»59، أو غيرها من الدوافع الأخرى هي التي تدفع المتطوعين للتطوع في مختلف المجالات والميادين؛ فإنا نجد المسلم: وإن شاركهم فيها أو في بعضها يتميز عنهم بدافع آخر اكتسبه من هويته الإسلامية؛ فتميز به على سائر المشتغلين بالعمل التطوعي، وهو الدافع الذي أشرنا إليه من قبل وهو: (نيل رضا الله تعالى ومحبته وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه). وهو الذي تشهد له نصوص القرآن الكريم.
فالمستقرئ لنماذج التطوع الاجتماعي المبسوطة في القصص القرآني يجد أن القاسم المشترك بين أبطال هذه الأعمال التطوعية والدافع الرئيس الذي دفعهم للقيام بها هو: ابتغاء الأجر من الله تعالى وحده سبحانه.
فموسى عليه السلام: سقى للفتاتين وهو الغريب الذي لا يعرف ولا يعرف (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [القصص: ٢٤].
سقى لهما ولم ينتظر أجرًا على ما فعل، لم ينتظر منهما جزاء ولا شكورًا؛ وما دفعه إلى ذلك إلا ما أودعه الله تعالى في قلبه وفطره عليه من حب الخير والمسارعة فيه ابتغاء رضا ربه ومولاه.
والخضر: لما أنكر عليه موسى بناء الجدار بدون أجر وقال له: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الكهف: ٧٧].
قال له: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الكهف: ٧٨]. أي: هذا وقت الفراق بيننا حسبما قلت أنت: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الكهف: ٧٦].
إن دافعه لبناء الجدار أكبر وأعظم من الأجر الدنيوي، إنه طاعة ربه سبحانه وابتغاء فضله ورحمته.
وذو القرنين: لما قالوا له (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) أي: نفرض لك جزءا من أموالنا ضريبة وخراجًا (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الكهف: ٩٤].
أي: لتبني لنا سدًا يحمينا من شر يأجوج ومأجوج؛ رد عليهم ردًا ينبئ عن شهامة الرجال، ويبرز معدن أهل الصلاح؛ حيث رفض قبول المال وتطوع ببناء السد، واكتفى بمعونة الرجال له في البناء؛ فقال: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الكهف: ٩٥].
أقول: إن المستقرئ للآيات الكريمة التي تحكي لنا القصص المشار إليها آنفًا: يجد أن الدافع الرئيس الذي يجمع بين من قاموا بتلك الأعمال المشار إليها في الآيات السابقة هو: نيل رضا الله تعالى ومحبته وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه.
بل إن المستقرئ لآيات القرآن الكريم يجد هذا الدافع متأصلًا في كل دعوة خير وصلاح في القرآن الكريم؛ خذ مثلًا:
قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الليل: ١٧-٢٠]. أي: لا يفعل ذلك مكافأة لأحد على نعمة أنعمها عليه، وإنما إنفاقه لوجه الله وابتغاء مرضاته60.
وقوله تبارك اسمه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الإنسان: ٨-٩].
أي: ويطعمون الطعام مع حبهم وشهوتهم له وحاجتهم إليه، ولكنهم يؤثرون المحتاجين على أنفسهم، أو أن حبهم لله أنساهم حبهم للطعام فآثروا به غيرهم، وهم حين يفعلون ذلك فإنما يفعلونه (ﭫ ﭬ) وابتغاء مرضاته وطلب ثوابه، فلا يبغون مكافأة الناس ولا حمدهم وثناءهم، وإنما حسبهم رضا ربهم سبحانه61.
نعم: إن الدافع الرئيس للعمل التطوعي عند المسلم هو (نيل رضا الله تعالى ومحبته وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه)؛ فذلكم هو المحرك الرئيس الذي يدفع المسلم لفعل الخير على سبيل العموم، ويجعله أكثر إقبالًا من غيره على العمل التطوعي؛ ففي دراسة ميدانية: «حصلت الأعمال الخيرية المرتبطة مباشرة بطلب الأجر والثواب من الله تعالى على تراتيب متقدمة ضمن قائمة المجالات التطوعية المرغوبة من وجهة نظر أفراد عينة الدراسة» 62.
يبنى العمل التطوعي على أسس، منها:
أولًا: الإيمان.
فالإيمان بالله تعالى هو القاعدة الأساسية لقبول الأعمال؛ فمن تطوع بأي عمل دون إيمان كان تطوعه مردودًا عليه؛ لقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [التوبة: ٥٤].
وقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [التوبة: ١٧]؛ فكفرهم كان مانعًا من قبول نفقاتهم في الآية الاولى، وعمارتهم للمساجد في الآية الثانية63.
ثانيًا: الإخلاص لله عز وجل.
لأنه إذا كان الدافع الرئيس للمسلم نحو العمل التطوعي هو (نيل الثواب من الله عز وجل) - كما أسلفنا- وإذا كانت الأمور بمقاصدها، ولا ثواب إلا بالنية، كما يفهم من قوله تعالى (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البينة: ٥].
وكما يفهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) 64 فإنه يتأكد لنا أن الإخلاص هو روح أي عمل؛ «وأن العمل لا يكون صالحًا أو مقبولًا إلا بتوسط الإخلاص الذي هو عمل القلب» 65؛ فرب صائم لا حظ له من صيامه إلا العطش، ورب قائم لا حظ له من قيامه إلا السهر، إن دخل الرياء، وغاب الإخلاص.
ومن ثم: فإنه يجب على المتطوع أن يخلص عمله لله عز وجل وحده، لا يريد بذلك حمدًا من الناس ولا ثناءً، ولا سمعة ولا عجبًا ولا رياء، ولا جلب نفع، أو دفع ضر، وذلك أمر لا يقوى عليه إلا من وفقه الله تعالى له.
يضاف إلى ذلك: أن هذا الإخلاص - فضلًا عن أنه معيار قبول العمل- يحول التطوع الاجتماعي إلى عبادة، ينال بها العبد الثواب والأجر من الله تعالى؛ وبسببه يعظم الجزاء مع قلة العمل، وقصة بغي بني إسرائيل، التي سقت كلبًا؛ فغفر الله لها مشهورة معروفة66.
ثالثًا: مراعاة حال الناس وأعرافهم.
فرب متطوع بعمل أو شيء لفئة يستهدفها بتطوعه وهو يظن أنه يوفر لهم شيئًا ضروريًا به قوام معاشهم، ولكن لجهله بعاداتهم وأعرافهم، تذهب ثمرة تطوعه سدى، ولا ينتفعون به؛ ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك: ما ذكره الشيخ عبدالرحمن السميط رحمه الله من أن أهل الصومال لا يأكلون الدجاج، وينظرون إلى من يأكل الدجاج منهم نظرة استصغار، بل إن بعضهم لا يزوجه ولا يتزوج منه، وأن أحد أهل الخير قد أخبر الشيخ أنه يريد التبرع بمليون دجاجة لمسلمي الصومال؛ فأخبره الشيخ بعادتهم تلك؛ وطلب منه أن يتبرع بشيء آخر.
رابعًا: الترجيح بين الأعمال التطوعية إذا تزاحمت.
وذلك الترجيح يتسق تمام الاتساق مع فقه الأولويات، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد الذي أشار إليه القرآن الكريم في بعض آياته الكريمة، منها: قوله تعالى حكاية عن الرجل الصالح (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الكهف: ٧٩].
فكما أن المفاسد تتفاوت، وبعضها أفسد من بعض؛ فكذلك المصالح بعضها أهم من بعض؛ فيوازن ويرجح بينها بتقديم الأهم على المهم؛ والمصلحة العامة على الخاصة، والدائمة على المنقطعة، والمتيقنة على المظنونة، والجوهرية على الشكلية - على التفصيل الذي قرره الفقهاء والأصوليون في بابه67.
وعليه: فإن العمل التطوعي الذي يستهدف تحقيق الضروريات، يقدم بلا شك على غيره من الأعمال التطوعية التي تستهدف الحاجيات أو التحسينيات، وعمل تطوعي نفعه عام يقدم بلا شك على تطوع نفعه خاص؛ لاسيما وقد قرر الفقهاء« أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة»68.
ثمة عقبات كثيرة قد تقف في طريق التطوع، كغياب ثقافة العمل التطوعي الذي يشجع الفرد على القيام به، أو سوء التنظيم والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة في العمل التطوعي الواحد، أو شح الموارد المالية الذي يحول بين تنفيذ برامج العمل التطوعي أو التوسع فيها، وغيرها من العقبات التي يمكن مراجعتها فيما كتبه المتخصصون في هذا المجال69.
غير أنه لما كان بحثنا لموضوع «التطوع» في ضوء القرآن الكريم،كان من المهم أن نلفت النظر هنا إلى أمرين رئيسين أشار إليهما القرآن الكريم قد يكونا عقبتين رئيستين في طريق التطوع، أولهما: نفسي أو داخلي وهو الشح والبخل، والثاني: يمكننا أن نعده عقبة خارجية، وهو لمز المطوعين، وبيان ذلك فيما يلي:
أولًا: الشح والبخل وهو عقبة نفسية تحول دون التطوع.
لقد ذم الله تعالى البخل في غير آية من كتابه الكريم، وبين أنه قد يحمل صاحبه على الإمساك عن إخراج الواجب؛ فضلًا عن المستحب.
كما بينت لنا آيات أخرى: أن نفس الإنسان مجبولة على الشح الذي هو: «عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له»70، وذلك في نحو قوله تعالى (ﭤ ﭥ ﭦ) [النساء: ١٢٨].
كما أنها مجبولة على حب المال والحرص عليه؛ وذلك في نحو قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الفجر: ٢٠]. يعني حبًا كثيرًا.
غير أنه مما ينبغي الإشارة إليه هنا: أنه إذا كان حب المال، والحرص عليه أمرًا فطريًا؛ فإن القرآن الكريم قد حرص على اقتلاع هذا الحرص-إن تحول عن طوره الإيجابي الدافع لعمارة الأرض بالجد المثمر والعمل النافع إلى حرص(مرضي)-من نفوس المؤمنين، فذكرهم المرة بعد المرة لاسيما في ختام الآيات الآمرة بالبذل والإنفاق:
أن: (ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٩٦].
وأن: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الحديد: ١٠].
وأن: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [محمد: ٣٨].
وأن مثل الحياة الدنيا (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الحديد: ٢٠].
ليربي النفس المؤمنة على البذل والعطاء، و يقتلع منها داء الحرص والشح؛ «فمن سلم من الشح أفلح وأنجح»71. وقد صدق الله العظيم حين قال: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحشر: ٩].
ثانيًا: السخرية من المتطوعين.
لقد قص الله تعالى علينا لونًا من خبث المنافقين؛ ومحاولاتهم الخبيثة لتثبيط همم المؤمنين عن البذل والعطاء، وذلك في قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [التوبة: ٧٩].
فكما لم يسلم من تطوع بماله من أذاهم وعيبهم، لم يسلم من سخريتهم-كذلك-من تطوع بجهده وعمله؛ ففي سبب نزول الآية كما هو عند مسلم عن أبي مسعود قال: «أمرنا بالصدقة؛ قال: فكنا نحامل، قال: فتصدق أبو عقيل بنصف صاع، قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه؛ فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا؛ وما فعل هذا الآخر إلا رياء؛ فنزلت (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ...)72، فكما سخر المنافقون ممن تطوع بالمال، سخروا كذلك من أولئك الذين لا يجدون سبيلًا إلى إيجاد ما يتصدقون به إلا طاقتهم وجهد أبدانهم، فلم يسلم من عيبهم ولمزهم أحد في جميع الأحوال.
والذي نود التنبيه إليه هنا: ونحن في معرض الحديث عن الاستهزاء كعقبة خارجية في طريق التطوع، هو أنه إذا كان لمز المنافقفين وعيبهم لم يفت في عضد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن حائلًا بينهم وبين التطوع بالخير؛ فإن الشيطان قد يجد في ذلك سبيلًا ومدخلًا إلى بعض ضعاف الإيمان؛ فيصرفهم عن فعل الخير، أو التطوع به؛ لئلا يكونوا وسيلة لاستهزاء المستهزئين، أو سخرية المنافقين.
مجالات التطوع الاجتماعي في القرآن
إن ميدان التطوع الاجتماعي في القرآن الكريم يتسع ليشمل كل خير يفعله المسلم ابتغاء فضل ربه سبحانه ورضوانه؛ بل إنه يتسع أكثر ليشمل ما لم يفعله الإنسان؛ وإنما يتركه ابتغاء الثواب من الله عز وجل.
وعليه: سيكون حديثنا عن مجالات التطوع الاجتماعي في القرآن الكريم، في ضوء التقسيم الرئيس التالي: (التطوع بالفعل، والتطوع بالترك).
وباستقراء آيات القرآن الكريم وقفنا على بعض مجالات للتطوع الاجتماعي التي رغب القرآن الكريم فيها وحث عليها، والتي سنلخصها في السطور التالية تحت النوعين المشار إليهما أعلاه:
أولًا: التطوع بالفعل.
وله صور، منها:
١. الكفالة.
وهي لغة: بمعنى الالتزام؛ أو الضم، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة..)73 .
أي: ضام اليتيم إلى نفسه، ونعني بها هنا: معناها اللغوي الأعم من المعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء74؛ ليدخل فيها: كفالة ورعاية اليتيم والمعوز والمحتاج.
ودليلها من القرآن الكريم قوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [يوسف: ٧٢].
قال ابن عباس: الزعيم الكفيل75، وقوله تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [القلم: ٤٠].
يعني: سل يا محمد هؤلاء المكابرين تهكمًا بهم، أيهم كفيل وضامن لهذا الذي يزعمون76.
ثم ساق لنا القرآن الكريم نموذجًا للتسابق في هذا النوع من العمل التطوعي؛ فقال تعالى حكاية عن بني إسرائيل: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ٤٤].
فبينت الآية: اختصامهم وتنافسهم على كفالة مريم عليها السلام، حتى أنهم استهموا لأجل ذلك77، كما سيأتي مفصلًا في موضعه من المبحث التالي بمشيئة الله تعالى
وعليه: فالكفالة تعد من مجالات التطوع الاجتماعي التي أشار إليها القرآن الكريم.
٢. الشفاعة الحسنة للضعفاء وأرباب الحاجات عند أصحاب الجاه والغنى.
دليلها: قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء: ٨٥].
والشفاعة: هي الوساطة في إيصال خير أو دفع شر، سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا، وجملة (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) تذييل لجملة (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) لإفادة أن الله يجازي على كل عمل بما يناسبه من حسن أو سوء، و« المقيت» هو: الحافظ، والرقيب، والشاهد، والمقتدر78.
وعليه فيكون المقصود من الآية: الترغيب في التوسط في الخير والترهيب من ضده.
ويدخل في هذا النوع من الشفاعة: ما حكاه الله تعالى من مجادلة إبراهيم عليه السلام في شأن قوم لوط حيث قال سبحانه: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [هود: ٧٤-٧٥].
فـإبراهيم عليه السلام جادل ربه سبحانه (ﭸ ﭹ ﭺ) أي: في عقابهم، على تقدير مضاف. ومجادلته عليه السلام قيل إنها: كانت دعاء ومناجاة سأل بها إبراهيم ربه العفو عن قوم لوط خشية إهلاك المؤمنين منهم79.
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النوع من الشفاعة: فقال فيما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) 80. ولكن يستثنى من ذلك الحدود إذا رفعت للسلطان فلا شفاعة فيها81؛ لمعاتبته صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد عندما شفع للمخزومية قائلًا: (..أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة)82.
٣. حفظ الوديعة.
والوديعة: ما يودع من مال وغيره لدى من يحفظه، وهي من أبواب التعاون على البر والتقوى، إن علم المستأمن من نفسه قدرة على حفظها وعدم إفسادها.
دليلها: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [البقرة: ٢٨٣]
وقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء: ٥٨].
وإنه: وإن كانت الآية الأولى قد نزلت في شأن الدين خاصة، فالخطاب في الآية الثانية يعم كل أحد وكل أمانة83.
وعليه: فامتثال المسلم للأمر الوارد في هذه الآية الكريمة؛ وحفظه للمال، وتسليمه لصاحبه عند الطلب، دون أن يأخذ أجرًا على الحفظ؛ يعد من جملة الأعمال التطوعية.
٤. القرض الحسن.
أطلق هذا المصطلح في القرآن الكريم وأريد به معنيان:
الأول: ما يدفع للفقراء والمحتاجين، وفي سائر وجوه الخير، دون نية استرجاع، طلبًا لثواب الآخرة.
الثاني: إقراض مال ونحوه بنية إرجاع مثله.
ومن جملة الآيات القرآنية التي ورد فيها هذا المصطلح قوله تعالى: (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ) [الحديد: ١١].
فـ«يقرض» في هذه الآية يحتمل كلا المعنيين السابقين، إلا أنه يكون مجازًا على المعنى الأول: «على تقدير مضاف، أي: يقرض عباد الله المحاويج»84. لتعاليه تعالى عن ذلك، وعليه: يكون التعبير بـ«يقرض» هنا «على سبيل التأنيس والتقريب للناس بما يفهمونه، فالله تعالى هو الغني الحميد؛ لكنه تعالى شبه إنفاق المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض»85، يعني: كما أن قضاء القرض واجب على المقترض؛ فكذلك الثواب الموعود للمنفق في سبيل الله تعالى واصل إليه لا محالة.
أو كما هي عبارة الجصاص رحمه الله: «إنما هو استدعاء إلى أعمال البر والإنفاق في سبيل الخير بألطف الكلام وأبلغه؛ وسماه قرضًا تأكيدًا لاستحقاق الثواب به؛ إذ لا يكون قرضًا إلا والعوض مستحق به»86. ويكون حقيقة على المعنى الثاني: وإنما علق باسم الجلالة؛ لأن الذي يسلف الناس طمعًا في الثواب، يكون كأنه أقرض الله تعالى؛ أو لأن القرض من الإحسان الذي أمر الله تعالى به، لما فيه من توسعة على المسلم وتفريج عنه87.
ولقد رغب القرآن الكريم في هذا النوع من القروض الذي ما وصف بأنه «حسن» إلا لأنه لا تشوبه شائبة حرام، ولا منٍ ولا أذىً أو نفع دنيوي مشروط يعود على المقرض، وإنما ينفقه صاحبه محتسبًا طيبة به نفسه، وهذا لا يقوى عليه إلا من كمل إيمانه فآثر ما يبقى على ما يفنى.
وإنما كان ذلك من التطوع الاجتماعي: لأن المنفق تطوع بإنفاق ماله طمعًا في ثواب الآخرة، هذا لو استعملنا القرض في معناه المجازي، أما لو استعملناه في معناه الحقيقي الذي هو (إقراض مال ونحوه بنية إرجاع مثله)؛ فدخوله في باب التطوع لا يحتاج إلى مزيد إيضاح؛ لأن قضاء القرض وإن كان واجبًا على المقترض؛ إلا أن المقرض بإقراضه إياه يكون قد أعانه في وقت ضيق، وفرج عنه كربة من ناحية، ويكون كالمتطوع والمتبرع بفائدة ونتاج هذا المال في مدة القرض من ناحية أخرى.
٥. الإصلاح بين المتخاصمين.
وهذا المجال من أهم مجالات العمل التطوع الاجتماعي؛ فبذل الوقت والجهد والمال في سبيل الإصلاح بين المتخاصمين قربة عظيمة يحبها الله تعالى ووعد فاعلها بالأجر العظيم؛ فقال تعالى:
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النساء: ١١٤]. فأفادت الآية: أن من يفعل ما أمر به من البر والمعروف والإصلاح بين الناس طلبًا لرضا الله تعالى لا لشيء من أغراض الدنيا؛ فإن الله تعالى سوف يعطيه ثوابًا جزيلًا وهو الجنة88.
وبين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذا العمل من أعظم القربات والطاعات؛ فقال صلى الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة)89.
٦. إطعام الطعام.
وهو من الصفات الطيبة التي حرص الإسلام على تأصيلها في نفوس المسلمين، وترغيبهم فيها بما وعد عليها من الثواب العظيم، وبما حكاه لنا القرآن الكريم من مشاهد كرم أنبياء الله ورسله، والصالحين من عباده وإطعامهم للطعام، لا يريدون بذلك سوى الأجر العظيم من ربهم الغني الكريم.
فقال تعالى في شأن إبراهيم عليه السلام: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الذاريات: ٢٤-٢٧].
والآيتان الأخيرتان هما شاهدنا في تلك القصة: (ﯫ ﯬ ﯭ) أي: مضى إليهم في سرعة وخفية عن ضيفه؛ لأن من أدب المضيف أن يبادر بإحضار الضيافة دون أن يشعر به الضيف لئلا يمنعه(ﯮ ﯯ ﯰ) أي: فجاءهم بعجل سمين مشوي، واختاره لهم سمينًا زيادة في إكرامهم(ﯲ ﯳ) وهذا أيضًا من أدب الضيافة؛ فهو لم يضعه بعيدًا ويطلب منهم الاقتراب، وإنما وضعه قريبًا منهم، ثم قال لهم بتلطف ولين(ﯵ ﯶ) على سبيل العرض والتلطف كما يقول القائل: إن أردت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل90.
كما حكى القرآن الكريم نموذجًا آخر لهذا النوع من الأعمال التطوعية الاجتماعية؛ فقال سبحانه: في شأن بعض خواص عباده الصالحين - الذين وصفهم في الآية السابقة على موضع الشاهد بأنهم «عباد الله»-: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الإنسان: ٨-٩].
أي: إنما نفعل ذلك ابتغاء مرضات ربنا سبحانه وطلب ثوابه، فلا نبغي مكافأة الناس ولا حمدهم وثناءهم.
ثم أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى المستفاد من الآية الكريمة؛ فقال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) 91.
٧. التطوع بالنصيحة.
وهذا باب من الدعم المعنوي للمنصوح، سواء أكان نصحه لإيصال خير إليه، أو لتحذيره من شر سينزل به، لاسيما إذا سكت المجموع؛ فالمتكلم حينئذ يكون كالمتطوع بالكلام، ولهذا النوع من التطوع الاجتماعي شواهده من القرآن الكريم، منها:
قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القصص: ٢٠].
فهذا الرجل أشفق على موسى عليه السلام؛ فجاء من أبعد أطراف المدينة يشتد ويسرع في مشيه حتى انتهى إلى موسى عليه السلام؛ فبذل له النصح بالخروج لئلا يقتله فرعون وجنوده؛ وهو لم يبتغ بتلك النصيحة سوى الأجر من الله تعالى92.
ومن ذلك: ما قصه لنا القرآن الكريم من خبر النملة التي نصحت رفيقاتها بدخول بيوتهم ليسلموا من إيذاء سليمان عليه السلام وجنوده لهم بدون علم.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النمل: ١٨].
وكأن هذه الآية وهي تقص علينا تطوع هذه النملة بالنصيحة لرفيقاتها تحذرهم من شر محتمل، ترشدنا إلى أن هذا الأمر ينبغي أن يكون متأصلًا في نفس بني الإنسان من باب أولى.
ومما ينبغي الإشارة له هنا: أن للنصيحة جملة من الآداب، أهمها فيما يتعلق بالناصح: (الإخلاص) فينبغي على الناصح أن لا يبغي من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح حب الخير للمنصوح له، وابتغاء مرضاة الله تعالى.
٨. التطوع بالإيثار.
لما كان الإيثار يعني: « تقديم الغير على النفس في النفع له، والدفع عنه»93 كان درجة سامية لا يقوى عليها إلا من عظمت هممهم وخلصت سرائرهم، وهانت الدنيا في أعينهم؛ فباعوها بجنة عرضها السموات والأرض.
ولقد مدح الله تعالى الأنصار الذين اتخذوا المدينة منزلًا قبل المهاجرين بحبهم لإخوانهم المهاجرين ومواساتهم لهم بأموالهم؛ حيث أنزلوهم منازلهم وأشركوهم في أموالهم، وهم مع ذلك لم يجدوا في قلوبهم غيظًا ولا حسدًا، عندما قسم النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير للمهاجرين دونهم؛ وإنما طابت أنفسهم بتلك القسمة.
فأثنى عليهم ربهم سبحانه بقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الحشر: ٩].
بل إنهم قد بلغوا منزلة فوق تلك المنزلة؛ وهي أنهم: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الحشر: ٩] إنهم يؤثرون إخوانهم بالمال على أنفسهم، حتى ولو كانوا في غاية الفقر؛ فإيثارهم ليس عن غنى وإنما عن حاجة وفقر، وذلك غاية الإيثار94.
التطوع بالدعاء: أعني دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب؛ وهو نوع من التطوع التلقائي؛ حين يذكر المسلم أن أخاه في ضيق أو كرب، فيلهج بالدعاء له أن يفرج الله كربه وييسر أمره؛ فيكون بذلك داعمًا لأخيه بدعائه.
ولقد مدح الله تعالى من جاء بعد المهاجرين والأنصار من المؤمنين التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين بدعائهم لإخوانهم بظهر الغيب قائلين: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحشر: ١٠].
ثانيًا: التطوع بالترك.
إن هذا النوع من التطوع «التطوع بالترك» يدل على سعة مفهوم التطوع في القرآن؛ فالمسلم الذي لا يستطيع أن يقدم عملًا نافعًا للآخرين؛ يمكنه أن يسهم بحظ ونصيب في نفعهم حين يكف شره عنهم؛ فهذا الكف يعد صدقة منه على نفسه وعلى الناس.
وإنما سمينا هذا النوع من التطوع «تطوعًا بالترك»؛ لأن المتطوع هنا لم يفعل شيئًا، وإنما ترك ما كان سيفعله من الشر؛ فصار متطوعًا بترك فعل هذا الشر.
ومثال ذلك: لو أن مجموعة من الشباب تطوعوا بالمساعدة في إزالة ما يتأذى منه الناس في الطريق؛ فهذا عمل تطوعي؛ فمن لم يساهم في هذا العمل بالفعل، ولكنه امتنع عن إلقاء المهملات والقاذورات في غير الأماكن المخصصة لها، فامتناعه هذا يعد عملًا تطوعيًا بالترك، لأن المجتمع أفاد من تركه لفعل هذا الشر.
ويستأنس لذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه لما قال صلى الله عليه وسلم: (إرشادك ابن السبيل صدقة، وإماطتك الأذى صدقة، قالوا: يا رسول الله فمن لم يستطع ذلك؟ قال: يكف شره عن الناس؛ فإنها صدقة يتصدق بها على نفسه)95. ومن صور التطوع بالترك في القرآن الكريم:
١. كف الأذى عن المسلمين.
لقد توعد الله تعالى في كتابه الكريم كل من يؤذي المؤمنين والمؤمنات- ظلمًا بغير حق- فقال سبحانه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأحزاب: ٥٨].
هذا الإيذاء الذي اختلف في كيفيته تبعًا للاختلاف في سبب نزول الآية؛ حيث قيل: نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليًا كرم الله تعالى وجهه ويسمعونه مالا خير فيه، وقيل: نزلت في رماة عائشة رضي الله عنها، وقيل: نزلت في زناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن96.
قلت: وتعدد الأقوال في سبب نزول الآية يفهم منه أن الوعيد الوارد فيها يلحق كل من يؤذي المؤمنين بأي نوع من الإيذاء.
ويستأنس لذلك بقول الألوسي رحمه الله: «والظاهر عموم الآية لكل ما ذكر ولكل ما سيأتي من أراجيف المرجفين»97.
فإذا كانت: الآية السابقة قد توعدت كل من يؤذي المؤمنين- ظلمًا بغير حق- فيكون: كف الأذى عنهم يتضمن نفعهم بوجه من الوجوه، ويكون فاعله أهلًا لنيل رضا الله سبحانه وتعالى وثوابه العظيم؛ لكف أذاه عن المسلمين ولتصدقه على نفسه بهذا الترك؛ لحديثه صلى الله عليه وسلم المشار إليه آنفا (يكف شره عن الناس؛ فإنها صدقة يتصدق بها على نفسه)98، وفي رواية البخاري: (فيمسك عن الشر فإنه له صدقة)99.
وإذا كان: من يؤذي المؤمنين والمؤمنات يوجب لنفسه العذاب الأليم بما احتمله من الذنب العظيم المعبر عنه بالبهتان في قوله تعالى (ﮘ ﮙ) أي: ذنبًا شنيعًا، وكذبًا فظيعًا(ﮚ ﮛ) أي: ظاهرًا بينًا واضحًا بسبب إيذائهم للمؤمنين.
فيكون: من يكف الأذى عن المسلمين أهلًا للثواب والأجر العظيم؛ ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)100.
٢. التنازل عن الحقوق المالية الواجبة.
مثل: دية القتل الخطأ، ونصف المهر للمطلقة قبل الدخول، والتجاوز عن المدين المعسر، ونحو ذلك:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء: ٩٢].
يعني: إلا أن يتصدق أهل المقتول على القاتل فيعفون عنه بلا دية؛ فالعفو عن الدية هنا: يعد تطوعًا بالترك؛ لأن صاحب الحق أسقط حقًا كان واجبًا له.
مع ملاحظة: أن الدية حق موروث لجميع ورثة المقتول كسائر الأموال، فيجري عليها ما يجري على التركة؛ وعليه: فلا يجوز لولي الصغير العفو عن الدية؛ لأنه لا يملك إسقاط حقه101.
وفي العفو عن نصف المهر الواجب للمطلقة قبل الدخول يقول تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ٢٣٧].
فالمخاطب بــ (ﯫ ﯬ ﯭ) هي المطلقة، أو وليها، يعني: يعفون عن نصف المهر فيتركونه للزوج. (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) يعني: الزوج يعفو فيكمل لها الصداق ويعطيها المهر كله؛ كما روي أن جبير بن مطعم رضي الله عنه تزوج وطلق قبل الدخول؛ فأكمل الصداق، وقال: أنا أحق بالعفو102.
٣. العفو عن المسيء.
وهو خلق كريم يحتاج إلى همة عالية، ومزيد من مجاهدة الإنسان لنفسه؛ وإنما كان(تطوعًا بالترك) لأن صاحب الحق لما ترك حقه والانتصار لنفسه ابتغاء الأجر من الله تعالى، كان كالمتطوع بهذا الترك.
وعندما نستقرئ آيات القرآن الكريم نجده قد رغب في هذا الخلق الكريم في غير آية من آياته الكريمة، منها:
قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النور: ٢٢].
فهذه الآية: نزلت في الصديق رضي الله عنه حين حلف ألا ينفع ابن خالته مسطح بن أثاثة بنفع، بعدما خاض مع أهل الإفك في شأن عائشة رضي الله عنها؛ فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة، شرع تبارك وتعالى يعطف الصديق على قريبه مسطح؛ فلما نزلت هذه الآية وفيها (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) قال الصديق: بلى، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا. ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة103.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [آل عمران: ١٣٣-١٣٤].
فـ(ﭣ ﭤ) هم الذين إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم؛ فلا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، وإنما يكظمون غيظهم، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم بإساءته(ﭥ ﭦ ﭧ) تشمل: العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم؛ لأن العفو ترك المؤاخذة مع مسامحة المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بمكارم الأخلاق، وتاجر مع الخلاق سبحانه، فعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانًا إليهم، ليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه، لا على العبد الفقير، لقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشورى: ٤٠]104.
وقوله تعالى في وصف عباده المؤمنين (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الشورى: ٣٧].
يعني: أن خلقهم وطبعهم يقتضي الصفح والعفو عن الناس؛ فإذا غضبوا على أحد ممن اعتدى عليهم عفوا وصفحوا105.
بل رغب القرآن الكريم في العفو عن الجاني الذي استوجب الحد فقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المائدة: ٤٥] يعني: من تصدق من أصحاب الحق وعفا فهو كفارة له أي: للمتصدق؛ لعفوه وإسقاطه حقه106.
ولقوله سبحانه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الشورى: ٤٠].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو (ﯕ ﯖ ﯗ) أي فإن الله يأجره على ذلك107.
وقال السعدي: ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم؛ فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، ومرتبة الفضل: العفو عن المسيء، ولهذا قال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا، وأما مرتبة الظلم: فقد ذكرها بقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم108.
وقد زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلق تأصيلًا في نفوس المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) 109.
فـ(عزًا) في قوله: (ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا) تحتمل عز الدنيا وعز الآخرة.
أما عز الدنيا: فبأن يعظم شأنه في قلوب الناس ويزيد عزه، وأما عز الآخرة: فبأن يكون أجره على عفوه في الآخرة وعزته هناك110.
عندما نستقرئ آيات القصص القرآني نجدها تقدم لنا نماذج واضحة لبعض الأعمال التطوعية ما بين أعمال تطوعية جماعية، وأخرى فردية، والتي سنلخص الحديث عنها في النقاط الآتية:
أولًا: التطوع الفردي:
ويعرف كذلك بـ« التطوع التلقائي»؛ لأنه غالبًا ما يكون: فردي الأداء، عفوي التوجه، تلقائيًا -أي: وليد ساعته- يأتي استجابة لظرف طارئ، ويصدر بنازع النخوة والشهامة، والفطرة السليمة، كإنقاذ غريق، أو نحو ذلك111.
ومن نماذج هذا النوع من التطوع في القرآن الكريم:
١. كفالة زكريا لمريم عليهما السلام.
سبق وأن بينا أننا نعني بالكفالة هنا المعنى اللغوي الأعم من معناها الذي اصطلح عليه الفقهاء112؛ ليدخل فيها: كفالة ورعاية اليتيم والمعوز والمحتاج.
وقد ساق لنا القرآن الكريم نموذجًا للتسابق في هذا النوع من التطوع الاجتماعي؛ فقال تعالى حكاية عن زكريا وقومه في شأن كفالة مريم وأيهم أولى بذلك؛ فقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ٤٤].
يعني: أنك لم تكن حاضرًا يا محمد حين اجتمع زكريا وقومه واقترعوا في شأن مريم؛ لينظروا أيهم يكفلها ويضمها إليه، واختصموا في أمرها؛ فالآية الكريمة وإن كانت قد سيقت - في المقام الأول: شاهدًا وبرهانًا على صدق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنها بينت كذلك: اختصامهم وتنافسهم على كفالة مريم عليها السلام، حتى أنهم استهموا لأجل ذلك، غير أن الله تعالى قد خص زكريا عليه السلام بتلك المهمة العظيمة؛ فجعله كافلًا لمريم، وقائمًا على شؤونها113، كما قال ربنا عز وجل: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [آل عمران: ٣٧].
٢. تطوع يوسف عليه السلام بتفسير رؤيا الملك دون أن يشترط لنفسه شيئًا.
. (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [يوسف: ٤٣-٤٩].
وسأكتفي هنا ببيان شاهد موضوعنا في الآيات السابقة114؛ فأقول مستعينًا بالله تعالى: إن الإجابة السريعة من يوسف عليه السلام تشهد لكرم نفسه ونبل أخلاقه؛ فتأويله لرؤيا الملك دون أن يفكر في استغلال الموقف لصالحه، أو يعاتب الساقي على نسيانه ذكر قصته وصفته وأمانته عند الملك عسى أن يخلصه مما يعانيه؛ حيث قال له من قبل (ﯙ ﯚ ﯛ) [يوسف: ٤٢].
أقول: لم يشتغل يوسف عليه السلام بهذا ولا بذاك؛ لما علم من الرؤيا أن البلاد مقبلة على خطر عظيم ومجاعة محققة؛ إن لم يستعدوا لذلك بالعمل في الرخاء لأيام البلاء، ويستعينوا بسعتهم على ضيقهم، ولكن من ذا الذي سيفهمهم ذلك ويدلهم عليه، إنه الصديق الذي علمه ربه تأويل الأحاديث؛ فبادر بتأويل الرؤيا؛ تلك المبادرة التي تفهم من نظم الآيات وسياقها (..ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ...) هكذا دون أن يفكر في جني منفعة لنفسه، وإنما فكر في الصالح العام؛ فلم يشترط الخروج أو مقابلة الملك لكي يعبر الرؤيا؛ بل إنه لكرم نفسه ومروءته ونخوته قرن لهم تعبير الرؤيا بفوائد ونصائح تفيدهم في محنتهم القادمة؛ وأرشدهم إلى كيفية التصرف السليم حيالها.
نعم: إنها أخلاق الأنبياء بشهامتهم ومروءتهم وكرم أنفسهم؛ فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
٣. تطوع موسى عليه السلام بمساعدة الضعيف ونصرة المظلوم.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [القصص: ١٥-١٦].
تقص علينا الآيات قصة دخول موسى عليه السلام مصر في وقت لم يعتد أهلها دخوله فيه؛ فوجد فيها رجلين يقتتلان، أحدهما من شيعته (بني إسرائيل) والآخر من قبط مصر المخالفين له في الدين؛ فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام وطلب منه أن يعينه على القبطي؛ الذي يظلمه؛-« فقد روي أنه كان خبازًا وأراد أن يجبر الإسرائيلي على حمل حطب له؛ فأبى الإسرائيلي فضربه»115-فضرب موسى القبطي بكفه فقتله؛ فقال موسى عليه السلام: هذا من عمل الشيطان؛ «لأنه أغضبه فبالغ في شدة الوكز، أو لأن حفظ النفس المعصومة من أصول الأديان كلها»116، وسماه ظلمًا، واستغفر منه جريًا على سنن المقربين في استعظام ما فرط منهم ولو كان من محقرات الصغائر117.
٤. تطوع موسى عليه السلام بالسقيا للفتاتين.
قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [القصص: ٢٣-٢٤].
لقد خرج موسى عليه السلام من مصر، فانتهى به السفر الشاق الطويل إلى ماء لمدين، وصل إليه وهو مجهود مكدود؛ فبينا هو على تلك الحالة إذا به يطلع على مشهد لم تسترح إليه نفسه ذات المروءة والفطرة السليمة؛ فماذا رأى؟ رأى جماعة من الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء، ووجد هناك امرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء، فأنكرت فطرته السليمة هذا الأمر؛ فالأولى عند ذوي المروءة أن تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامهما أولًا، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما.؛ فلم يقعد موسى ليستريح من تعبه وهو يشاهد هذا المنظر المنكر المخالف للمعروف.
وتقدم للمرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب قائلًا: (ﭮ ﭯ) فأطلعتاه على سبب انزوائهما وذودهما لغنمهما عن ورود الماء وأجابتا قائلتين(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ).
إنه الضعف، فهما امرأتان وهؤلاء الرعاة رجال، وأبوهما شيخ كبير لا يقدر على الرعي ومجالدة الرجال!، فثارت نخوة موسى- عليه السلام- وفطرته السليمة، وتقدم ليسقي للمرأتين - وهو غريب في أرض لا يعرف فيها أحدًا، ولا يعرفه أحد (ﭼ ﭽ) مما يشهد بشهامته ومروءته ونبل نفسه التي صنعت على عين الله. (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) مما يشير إلى أن الأوان كان أوان قيظ وحر(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: يا رب إني فقير إلى فضلك وإحسانك118.
وشاهدنا في هذه القصة: هو أنه عليه السلام تطوع فسقى للفتاتين بدون أجر، وهو الذي كان في أمس الحاجة إلى الأجر في ذلك الوقت؛ لما روي أنه مكث سبعة أيام لا يأكل إلا بقل الأرض119.
ولما دعاه الرجل الصالح ليطعمه جزاء سقايته لابنتيه120، دخل موسى عليه السلام عليه فإذا هو بالعشاء؛ فقال له الرجل الصالح: كل؛ فقال موسى عليه السلام: أعوذ بالله! قال: ولم؟ ! ألست بجائع؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضًا لما سقيت لهما؛ وأنا من أهل بيت لا نبتغي شيئًا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبًا؛ فقال: لا والله ولكن عادتي وعادة آبائي أن نقري الضيف ونطعم الطعام؛ فجلس موسى عليه السلام فأكل121.
نعم، إنهم صفوة خلق الله، صنعهم الله تعالى على عينه؛ فكانوا القدوة والمثل لمن يريد لنفسه المثل الأعلى في الشهامة والنخوة والمروءة، وكل الخصال الكريمة، والشمائل الحميدة.
ثانيًا: التطوع الجماعي:
ويعرف كذلك بالتطوع «المنظم»؛ لأنه لا يأتي استجابة لظرف طارئ؛ بل يأتي نتيجة الإيمان بفكرة أو قضية ما؛ ومن ثم الدعوة لهذه الفكرة وتلك القضية 122.
ومن أهم خصائص هذا النوع من التطوع: التنظيم، والقناعة، والإيمان المسبق برسالة أو فكرة أو قضية123.
ومن أمثلته في القرآن الكريم:
١. تطوع الخضر ببناء الجدار.
قال تعالى حكاية عن موسى والخضرعليهما السلام: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الكهف: ٧٧].
فهذه الآية: تحكي طرفًا من قصة موسى مع الخضر عليهما السلام؛حيث كان الجوع قد بلغ منهما مبلغًا؛ فطلبا طعامًا من أهل قرية دخلوها؛ فلم يطعموهما؛ فقد كانوا بخلاء، لا يطعمون جائعًا، ولا يستضيفون ضيفًا، وبينا هما كذلك وجدا جدارًا مائلًا يكاد ينهدم؛ فاشتغل الخضر بإقامة الجدار دون مقابل!!!
وهنا تعجب موسى من موقف الرجل؛ ما الذي يدفعه لإقامة جدار يهم بالانقضاض في قرية لم يقدم لهما أهلها الطعام وهما جائعان؛ أفلا أقل من أن يصب عليه أجرًا يأكلان منه؟ فقال له: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)124.
وهذا الموضع من الآية الكريمة هو شاهدنا في هذه القصة: فالجدار الذي أقامه الخضر كان يغيب وراءه مالًا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة؛ فلو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته المال ولم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه؛ فحفظ لهما بذلك مالهما، وهو في ذلك: لم يأخذ أجرًا على إقامته للجدار، ولم ينتظره؛ وإنما حسبه رضا ربه سبحانه؛ فهو وحده الذي ينتظر منه الأجر.
وإنما أدرجنا هذا النموذج تحت (العمل التطوعي الجماعي) مع أن الآية تسند بناء الجدار للخضر وحده؛ لأنه يبعد أن يشتغل الخضر بإقامة الجدار ويتركه موسى بلا عون أو مساعدة؛ فإن هذا أبعد ما يكون عن أخلاق ذوي المروءة والنخوة من عامة الناس فضلًا عن أنبياء الله ورسله؛ وإنما أسند الفعل إلى الخضر وحده في الآية؛ لأنه البادئ بالفعل أو الآمر به.
٢. تطوع ذي القرنين ببناء السد.
قال تعالى حكاية عن ذي القرنين: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ) [الكهف: ٩٣-٩٧].
وسأقصد هنا أيضًا إلى موضع الشاهد في القصة قصدًا: فأقول مستعينًا بالله تعالى: «إن كل ما يؤخذ من النص أن ذا القرنين وصل إلى منطقة بين حاجزين طبيعيين أو صناعيين، يفصلهما ممر؛ فوجد هنالك قومًا(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)؛ لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم، فلما وجدوه فاتحًا قويًا، وتوسموا فيه الصلاح؛ عرضوا عليه أن يبني لهم سدًا يقيهم شر يأجوج ومأجوج الذين يغيرون عليهم من ذلك الممر، وذلك في مقابل جزء من المال يجمعونه له من بينهم كخراج أو ضريبة؛ فقالوا له: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)»125.
ولكن تبعًا لمنهج أهل الصلاح الذين تخلقوا بأخلاق الأنبياء، رد عليهم الملك الصالح الفاتح عرضهم الذي عرضوه من المال، وتطوع لهم بإقامة السد بلا مقابل؛ لأنه يعلم علم اليقين أن خراج ربه سبحانه خير من خراجهم؛ فربه وخالقه ومليكه خير الرازقين، بل قد رأى بعين اليقين أن ما آتاه الله في الدنيا خير مما آتاهم؛ فكان قوله كقول سليمان عليه السلام: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النمل: ٣٦].
ثم شرع في تنظيم العمل وتوزيع الأدوار: «فرأى أن أيسر طريقة لإقامة السد هي ردم الممر الذي بين الحاجزين؛ فطلب منهم أن يعينوه بقوتهم المادية والعضلية (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) فجمعوا له قطع الحديد، وكومها في الفتحة بين الحاجزين، فأصبحا كأنهما صدفتان تغلفان ذلك الكوم بينهما(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) وأصبح الركام بمساواة القمتين (ﰎ ﰏ) على النار لتسخين الحديد (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) كله لشدة توهجه واحمراره (ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) أي نحاسًا مذابًا يتخلل الحديد، ويختلط به فيزيده صلابة.، وبذلك التحم الحاجزان، وأغلق الطريق على يأجوج ومأجوج (ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ) فيتسوروه (ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) فينفذوا منه»126.
وإنما أدرجنا هذا النموذج تحت (العمل الجماعي)؛ لما فيه من تنظيم وتوزيع للأدوار على فريق العمل، وتلك سمة من أهم سمات العمل الجماعي المنظم، كما أشرنا من قبل.
٣. تطوع الأنصار للمهاجرين بالمال والسكن، وإيثارهم لهم على أنفسهم.
ذلك النموذج المشرق الذي سطره لنا القرآن الكريم بحروف من نور في معرض مدحه سبحانه للأنصار بقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الحشر: ٩].
فالآية مستأنفة؛ لمدح الأنصار بخصال حميدة، من جملتها: محبتهم للمهاجرين، ورضاهم باختصاص فيء بني النضير بالمهاجرين وحدهم؛ فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمه على المهاجرين؛ إذ لم يكن لهم أموال، ولم يعط منه الأنصار إلا ثلاثة نفر لشدة حاجتهم، وهم: أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة-وكل ذلك تصرف باجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جعل تلك الأموال له - ولم يكن في نفوس الأنصار شيء من حسد أو غيظ لإخوانهم المهاجرين بسبب اختصاصهم بذلك الفيء؛ وليس ذلك فحسب؛ بل إنهم ضربوا أعظم الأمثلة للتضحية والإيثار، حين آثروا إخوانهم المهاجرين وقدموهم على أنفسهم وأبنائهم في كل شيء من أسباب المعاش127.
موضوعات ذات صلة: |
الإحسان، البر، الخير، العطاء |
1 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/٥٧٠.
2 القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٩٦٢ مادة طاع.
3 انظر: الصحاح، الجوهري، ٣/١٢٥٥، لسان العرب، ابن منظور، ٨/٢٤٣
4 العين، الفراهيدي ٣/٦٦، الصحاح، الجوهري ٣/١٢٥٦، تاج العروس، الزبيدي، ١٦/٤٦٢.
5 العين، الفراهيدي ٣/٦٦، الصحاح، الجوهري ٣/١٢٥٦.
6 العين، الفراهيدي، ٣/٦٥، الصحاح، الجوهري ٣/١٢٥٥.
7 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/٥٧٠.
8 انظر: كتاب العين، الفراهيدي، ٣/٦٥.
9 العين، الفراهيدي ٣/٦٦.
10 العين، الفراهيدي، ٣/٦٥، الصحاح، الجوهري ٣/١٢٥٥.
11 العين، الفراهيدي ٣/٦٥، تاج العروس، الزبيدي ١٦/٤٦٦
12 التعريفات، الجرجاني، ص٥٥.
13 التوقيف، المناوي، ص٣٥.
14 انظر: التربية على العمل التطوعي وعلاقته بالحاجات الإنسانية، عبداللطيف الرباح، ص٤-٥.
15 المصدر السابق، ص٥.
16 الأعمال التطوعية في الإسلام، محمد القاضي، ص٣.
17 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٣٠-٤٣١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص ٧٢٥-٧٢٦.
18 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٤٢٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٥١٩-٥٢٠.
19 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١١/ ٢٣٨.
20 روح البيان، إسماعيل حقي ٧/ ٣٤٨.
21 انظر: العين، الفراهيدي، ٣/٦٦، التوقيف، المناوي، ص٣٥.
22 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/١١٧.
23 التفسير المنير، الزحيلي ١٤/ ٢١٢.
24 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من أخذ بالركاب ونحوه، رقم ٢٨٥٦.
25 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم ٦١٦٤.
26 الذي هو فعل غير الواجب بلا مقابل.
27 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢/٦٤، في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/١٥٠.
28 انظر: التحرير والتنوير، ٢/٦٤.
29 المصدر السابق، ٢/١٦٧- ١٦٨.
30 المصدر السابق، ٢/١٦٨.
31 انظر: أسباب النزول، الواحدي، ص١٠٣، الدر المنثور، السيوطي،٤/٢٤٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور،٢/١٦٧.
32 السيرة النبوية، ابن هشام، ١/٨٧.
33 المصدر السابق، ١/١٢٤.
34 انظر القصة في: صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، رقم ٤٢٨.
35 كما أن سياق الحديث- المشار إليه- يدل على: أن هذه الأعمال إنما هي بمثابة الشكر للمنعم سبحانه وتعالى، الذي وهب الإنسان نعمة الصحة والعافية، وأن كلها أعمال تطوعية، لا سيما وأن نافلة الضحى تجزيء عنها.
36 انظر القصة في: صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم ١٦٥١.
37 الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء، رقم ٢٢٦٢.
38 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٨٥-٢٦٨٨.
39 انظر: المصدر السابق ٤/٢٢٨٠-٢٢٨١.
40 انظر: المصدر السابق ٤/٢٢٩٢-٢٢٩٤
41 انظر: المصدر السابق ٤/١٩٩٢-١٩٩٥.
42 انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، طبقات البدريين من الأنصار، ٣/١٨٦.
43 انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ١/٣٩٧.
44 انظر: سنن الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، رقم ٣٧٩٠، وقال: حسن صحيح غريب.
45انظر: فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، فضائل علي بن أبي طالب، رقم ٨٧٤،٩٠٥.
46 روح المعاني، الألوسي، ٣/١٥٩.
47 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/١٤٠، صفوة التفاسير، الصابوني، ١/١٢٨، ٢/١٨٠.
48 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٠٧، صفوة التفاسير، الصابوني،٢/٢١٩.
49 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣١٣، البحر المديد، ابن عجيبة، ٨/٣٣٦، صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٥٨٣.
50 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي،٢٠/١٧٩، البحر المديد، ابن عجيبة، ٨/٣٤٩، صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٥٣.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، رقم ١.
وانظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور،٥/١٩٨.
52 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل،٢٠/٤٥٠.
53 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود: ٢/١٢٠.
54 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٤٣٧.
55 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، رقم ٨٠.
56 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/١٢١، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٧/٣٤٦.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٣٣٥.
58 انظر: التربية على العمل التطوعي، عبداللطيف رباح، ص١٠.
59 تفعيل العمل التطوعي، صالح التويجري، ص ٣.
60 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٠٦، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/١٦٨، صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٥٦٦.
61 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/١٩٩، صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٤٩٢.
62 دراسة استطلاعية لاتجاهات بعض أفراد المجتمع نحو مفهوم العمل التطوعي واتجاهاته من وجهة نظرهم، عبدالحكيم موسى، نقلا عن: التربية على العمل التطوعي، عبداللطيف رباح، ص ٢٥.
63 انظر: التطوع في القرآن الكريم، المثنى محمود، ص٤.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، رقم ١.
65 مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ١١/٨١.
66 أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، رقم ٣١٦٨، عن أبي هريرة رضي الله عنه،.
67 انظر: الأشباه والنظائر، السيوطي٨٨، فقه الأولويات،يوسف القرضاوي، ص١١.
68 انظر تفصيل ذلك في: أثر القواعد الأصولية في تأصيل العمل الخيري، عبد الجليل ضمرة، بحث مقدم إلى مؤتمر العمل الخيري الخليجي الثالث، دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، بدبي، ٢٠٠٨م، ص ٣٠، وما بعدها.
69 انظر: العمل التطوعي أهميته، معوقاته، عوامل نجاحه، حميد الشايخي، مقالة منشورة إلكترونيًا على موقع أسبار للبحوث والدراسات والإعلام بتاريخ سبتمبر٢٠٠٧م.
70 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٨٧.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/١٨٦.
72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحمل أجرة يتصدق بها والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق، رقم ١٧٦٦.
73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيمًا، ٥٦٨٢، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
74 الذي هو: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة.
انظر: الذخيرة، لشهاب الدين القرافي، ٩/١٨٩.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/١٣٠.
76 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/٣٢٨، السراج المنير، الخطيب الشربيني ٤/٣٩٦، صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٤٢٣.
77 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٣٨، روح المعاني، الألوسي ٣/١٥٨.
78 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٤٣، ١٤٤.
79 المصدر السابق ١٢/١٢٣.
80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا، رقم ٦٠٢٦، ٦٠٢٧، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم ٢٥٨٥.
81 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١٢/٦٦.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع للسلطان، رقم ٦٤٣٥.
83 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/٤٠٥.
84 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/٢٥٧،
85 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢٤٢.
86 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٥٤٧.
87 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٨١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢٤٢.
88 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٣٦٤، صفوة التفاسير، الصابوني ١/١٨٨.
89 أخرجه أحمد في المسند، رقم ٢٧٥٤٨، ٦/٤٤٤، وأبوداود في سننه، كتاب الأدب، باب إصلاح ذات البين، رقم ٤٩١٩، والترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة، رقم ٢٥٤٦.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٥٩٥.
90 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٦، صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٢٤٤.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام، رقم ١٢، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
92 انظر: لباب التأويل، الخازن ٥/١٦٩.
93 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص ٥٩.
94 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٨/١٢٩، صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٣٤٥.
95 أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء، ١٢٦٩٦، وقال: غريب من حديث الأعمش فلم يروه عنه إلا أبوبكر و أبوعوانة.
96 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٢٢/٨٨.
97 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢٢/٨٨، التفسير الواضح، محمود حجازي، ١/٢٠٦٧.
98 سبق تخريجه .
99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة، رقم ٥٦٩٩.
100 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، رقم ٤٨٧٤، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
101 المغني، ابن قدامة ٩/٤٧٦.
102 البحر المحيط، أبو حيان، ٢/٢٤٥
103 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣١.
104 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٤٨.
105 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢١٠، صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/١٢٩.
106 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٠/٣٦٩، صفوة التفاسير، الصابوني، ١/٢٤٤.
107 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٤١.
108 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٧٦٠.
109 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع،رقم ٤٨١٧.
110 انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، ٨/٥٩.
111 انظر: مشكلة العمل التطوعي بين الانتهازية والوجاهة الاجتماعية، فايز الشهري، ص٣.
112 الذي هو: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة.
انظر: الذخيرة، لشهاب الدين القرافي، ٩/١٨٩.
113 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٣٨، روح المعاني، الألوسي، ٣/١٥٨.
114 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ١٩٩٢- ١٩٩٥.
115 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/٥٩.
116 المصدر السابق،٩/٥٩.
117 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/٦.
118 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٦٨٥- ٢٦٨٨ .
119 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ٩/٢٩٦١، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٢٤٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٢٦٩.
120 ورد ذلك في رواية لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ٩/٢٩٦٥ الرواية رقم ١٦٨٣٥.
121 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٦/٤٠٧.
122 انظر: مشكلة العمل التطوعي بين الانتهازية والوجاهة الاجتماعية، فايز الشهري، ص٤.
123 التطوع، يوسف العثيمين، ص ٥، ورشة عمل: إدارة التطوع، مركز دراسات وبرامج التنمية البديلة، ص١٠.
124 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٢٨٠،٢٢٨١ .
125 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٥/٢٤٤، في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٢٩٢ .
126 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٢٩٣-٢٢٩٤ .
127 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٨/٢٢٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٨/٦٢.