عناصر الموضوع

مفهوم الإنسان

الإنسان في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الغاية من خلق الإنسان

خلق الإنسان

الإنسان بين الإيمان والكفر

صفات الإنسان

الإنسان والشيطان

نداءاتٌ ووصايا للإنسان

الإنسان

مفهوم الإنسان

أولًا: المعنى اللغوي:

تدور مادة (أ ن س) في اللغة حول معنيين رئيسين هما: الظهور والنسيان.

الأول: الظهور:

قال ابن فارسٍ: «الهمزة والنون والسين أصلٌ واحدٌ، وهو ظهور الشيء، وكل شيءٍ خالف طريقة التوحش. قالوا: الإنس خلاف الجن، وسموا لظهورهم. يقال: آنست الشيء، إذا رأيته، قال الله تعالى: ( ) [النساء: ٦]. والأنس: أنس الإنسان بالشيء إذا لم يستوحش منه»1. فالإنسان: من الإنس خلاف الجن، أو من الأنس خلاف النفور، والإنسي منسوبٌ إلى الإنس، يقال ذلك لمن كثر أنسه، ولكل ما يؤنس به2.

الثاني: النسيان:

أورد ابن منظور في لسان العرب عن ابن عباسٍ- رضي الله عنهما- أنه قال: «إنما سمي الإنسان إنسانًا؛ لأنه عهد إليه فنسي»3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

ذكر أبو البقاء الكفوي أن بعض الناس جعل الإنسان هو: المعنى القائم بالبدن، ولا مدخل للبدن في مسماه، وهو قول الأحناف والغزالي، وجعله آخرون الهيكل المحسوس، وهو قول جمهور المتكلمين4.

وقد أورد الأشعري في (مقالات الإسلاميين) تسعة عشر قولًا في تعريف الإنسان5، أرجحها القول الثالث، وذلك أن ماهية الإنسان وحقيقته لا تكون من دون جسدٍ وروحٍ، فالإنسان مجموع الروح والجسد، ولذا يسميه بعضهم حيٌ ناطقٌ أو حيوانٌ ناطقٌ،كما عرفه الجرجاني بقوله: الإنسان هو الحيوان الناطق6.

الإنسان في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أنس) في القرآن (٩٧) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٥

( ) [النساء:٦]

الفعل المضارع

١

( ) [:٢٧]

اسم الفاعل

١

( ) [الأحزاب:٥٣]

اسم

٩٠

( ) [الإنسان:٢]

وجاء الإنسان في القرآن على ثلاثة أوجه8:

الأول: آدم عليه السلام، ومنه قوله تعالى: ( ) [المؤمنون:١٢].

الثاني: جنس بني آدم، ومنه قوله تعالى: ( ) [النازعات:٣٥].

الثالث: أحد أبناء آدم بعينه، ومنه قوله تعالى: ( ) [العلق:٦]. أريد به: أبو جهل.

الألفاظ ذات الصلة

بنو آدم:

بنو آدم لغة:

بنو: أصلها: بنون، حذفت النون للإضافة، وهي جمع ابن، وتجمع أيضًا على أبناء9.

وآدم: أبو البشر.

وأديم كل شيء: ظاهر جلده، وأدمة الأرض: وجهها، وقيل سمي آدم عليه السلام لأنه خلق من أدمة الأرض، وقيل: بل من أدمةٍ جعلت فيه10.

بنو آدم اصطلاحًا:

هم الناس11، وبنو أبي البشر12.

الصلة بين الإنسان وبني آدم:

من الألفاظ التي يستعملها القرآن مرادفةً للفظ (الإنسان) لفظ (بني آدم)، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم سبع مراتٍ، ومن خلال القراءة المتأنية لهذه المواضع تبين أن هذه المواضع فيها تذكير بأن الإنسان له أصلٌ واحدٌ، وهو آدم عليه السلام، وفيها تذكيرٌ وإحالةٌ إلى الحيثيات الملابسة لقصة آدم عليه السلام، واستدعاء لأحداث تلك القصة وللمعاني المرتبطة بها.

الإنس:

الإنس لغة:

جماعة الناس، والجمع أناسٌ، وهم الأنس. تقول: رأيت بمكان كذا وكذا أنسًا كثيرًا، أي: ناسًا كثيرًا. والإنس: خلاف الجن، والإنس خلاف النفور، والإنسي منسوبٌ إلى الإنس. والإنس: البشر، الواحد إنسيٌ وأنسيٌ أيضًا، والجمع أناسي13.

الإنس اصطلاحًا:

لا يخرج عن معناه اللغوي، وهم: بنو آدم، سموا بذلك؛ لأنهم لا يعيشون بدون إيناسٍ، فهم يأنس بعضهم ببعضٍ، ويتحرك بعضهم إلى بعض14.

وقيل: سمي بذلك؛ لظهوره، وإدراك البصر إياه، فيقال: آنست الشيء: إذا أبصرته، فهو بذلك ضد الجن.

الصلة بين الإنسان والإنس:

الإنسان في الاستعمال القرآني غير الإنس وإن كان بينهما ملحظٌ مشتركٌ من الأصل اللغوي لمادة (أ ن س) في دلالتها على نقيض التوحش،إلا أن لفظ (الإنس) يأتي دائمًا مع لفظ (الجن) على وجه التقابل، يطرد ذلك ولا يتخلف في كل الآيات التي ورد فيها ذكر (الإنس) وعددها ثماني عشرة آية 15، ومن خلال القراءة المتأنية لتلك الآيات تبين أن الإنسية تعني عدم التوحش، وهو المفهوم صراحةً من مقابلتها بالجن في دلالتها أصلًا على الخفاء الذي هو قرين التوحش، وبهذه الإنسية يتميز جنسنا عن أجناسٍ أخرى خفيةٍ مجهولةٍ لا تنتمي إلينا ولا تحيا حياتنا 16.

الناس:

الناس لغة:

اسمٌ للجمع من بني آدم، واحده: إنسانٌ من غير لفظه، قيل: أصله أناسٌ، فحذف فاؤه لما أدخل عليه الألف واللام، وقيل: قلب من نسي، وأصله إنسيان على إفعلان، وقيل: أصله من ناس ينوس إذا اضطرب.

والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون غيرهم في تناوله اسم الناس تجوزًا، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية، وهو وجود الفضل والذكر وسائر الأخلاق الحميدة والمعاني المختصة به، فإن كل شيءٍ عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه 17.

قال الكفوي: الناس: هو اسم جمعٍ؛ ولذلك يستعمل في مقابلة الجنة: وهي جماعة الجن18.

الناس اصطلاحًا:

لا يخرج عن معناه اللغوي.

الصلة بين الإنسان والناس:

لفظ الإنسان في الاستعمال القرآني يختلف -كذلك- عن لفظ الناس، فقد ورد لفظ الناس في القرآن الكريم نحو مائتين وأربعين مرةً بدلالةٍ واضحةٍ على اسم الجنس لهذه السلالة الآدمية، أو هذا النوع من الكائنات في عمومه المطلق. قال تعالى: ( ﭿﮀ ﮅﮆ ) [الحجرات: ١٣]19.

البشر:

البشر لغة:

(بشر) الباء والشين والراء أصلٌ واحد: ظهور الشيء مع حسنٍ وجمال، فالبشرة ظاهر جلد الإنسان، والبشر: الإنسان.

البشر اصطلاحًا:

والبشر: هم الخلق، يقع على الأنثى والذكر والواحد والاثنين والجمع20 .

وإطلاق البشر على الإنسان اعتبارًا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوان الذي عليه نحو صوف أو شعر21 .

الصلة بين الإنسان والبشر:

الإنسان في الاستعمال القرآني يختلف- كذلك- عن البشر، فاستقراء مواضع ورود (بشر) في القرآن كله، يؤذن بأن البشرية فيه هي هذه الآدمية المادية التي تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، وفيها يلتقي بنو آدم جميعًا على وجه المماثلة التي هي أتم المشابهة. وبهذه الدلالة، ورد لفظ البشر، اسم جنس، في خمسةٍ وثلاثين موضعًا من القرآن الكريم، منها خمسة وعشرون موضعًا في بشرية الرسل والأنبياء، مع النص على المماثلة فيما هو من ظواهر البشرية وأعراضها المادية بينهم وبين سائر البشر.وقد تأتي الآيات في تقدير بشرية الرسل دون التصريح بلفظ المماثلة فيها لبشرية الناس جميعًا، لكن السياق فيها شاهد على هذه المماثلة وإن لم تذكر بلفظها نصًا22. والبشر يقتضي حسن الهيئة؛ وذلك أنه مشتقٌ من البشارة وهي حسن الهيئة، ولذلك استعمل في سياقاتٍ دالة على القدرة والإعجاز، في تخليق بشر ظاهر الهيئة من الماء أو الطين23.

الأنام:

الأنام لغةً:

الأنام هم ما على ظهر الأرض من جميع الخلق، ويجوز في الشعر: الأنيم24 .

الأنام اصطلاحًا:

هم الجن والإنس25.

الصلة بين الإنسان والأنام:

الإنسان في الاستعمال القرآني يختلف عن الأنام، فقد ورد لفظ الأنام في القرآن الكريم في موضعٍ واحدٍ، وذلك في قول الله عز وجل: ( ) [الرحمن: ١٠].

ونلحظ من خلال السياق العام للسورة الكريمة أن اللفظ يشمل الثقلين الإنس والجن على الراجح؛ لأن الخطاب في سورة الرحمن لهما 26.

الغاية من خلق الإنسان

إن الله تعالى خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات لغايةٍ يريدها، وحكمةٍ يعلمها، ولم يخلقهم سدًى، ولم يتركهم هملًا. قال تعالى: ( ) [المؤمنون:١١٥].

وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم تلك الغاية وهي متمثلة في أمرين: أحدهما: تحقيق العبودية لله عز وجل . والثاني: تحقيق عمارة الأرض. وفي المطلبين الآتيين تفصيلٌ لهذين الأمرين.

أولًا: تحقيق العبودية:

لعل الغاية الأسمى التي خلق لأجلها الإنسان هي تحقيق العبودية لله تعالى بجميع أنواعها.وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ( ) [الذاريات: ٥٦].

وتلك غايةٌ عظيمةٌ ساميةٌ عليها مدار سعادة الإنسان. قال الإمام النووي رحمه الله: « وهذا تصريحٌ بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلادٍ، ومركب عبورٍ لا منزل حبورٍ»27.

وأهل الإيمان يوقنون في قرارة أنفسهم بذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: « إن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته والإخلاص له»28.

لكن ما معنى العبودية؟ وما حقيقتها ؟

العبادة لغةً: معناها: الانقياد والذل والخضوع29.

قال الأزهري:« العبادة: الطاعة مع الخضوع. ويقال: طريقٌ معبدٌ إذا كان مذللا بكثرة الوطء»30.وقال الراغب: «العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها، لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى؛ ولهذا قال: ( ) [الإسراء:٢٣]»31.

والمعنى الاصطلاحي للعبادة، لا يخرج عن المعنى اللغوي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «العبادة هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة » 32.

ويضيف أيضًا: « وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها؛ كما قال الله تعالى: ( ) [الذاريات: ٥٦] »33.

وهذا تعريفٌ شاملٌ للعبادة بكل أنواعها وحالاتها. فالعبودية مفهومٌ شاملٌ لكل عملٍ إنساني صالحٍ يقصد به وجه الله في هذه الحياة.

قال الله عز وجل: ( ) [الأنعام: ١٦٢]. وتحقيق العبادة يقتضي أن يجعل الإنسان حياته وسائر أفعاله وتصرفاته وعلاقاته مع الناس وفق المناهج التي وضعتها الشريعة الإسلامية.

وحقيقة العبادة: « هي استسلام القلب والجوارح لله حبًا وخضوعًا له، وخوفًا من عقابه، لا شريك له في شيءٍ من ذلك ألبته، فهو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه»34.

وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى خاتمهم- كانت دعوتهم أساسها تحقيق العبودية لله عز وجل.

قال الله تعالى: ( ) [الأعراف: ٥٩].

وقال سبحانه: ( ﭞﭟ ﭮﭯ ﭿ ﮀﮁ ) [العنكبوت: ١٦-١٧].

وقال تعالى: ( ﯞﯟ ) [الأعراف: ٦٥].

وقال تعالى: ( ﯙﯚ ) [الأعراف: ٧٣].

وقال تعالى: ( ﭵﭶ ) [الأعراف: ٨٥].

وكذلك قال المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فيما أخبر الله عنه: ( ﯥﯦ ) [آل عمران: ٥١].

والعبودية لرب العالمين غاية كمال المتقين، فقد جعل الله سبحانه وتعالى العبودية وصف أكمل خلقه، وأقربهم إليه، وأعلاهم منزلة لديه في أشرف مقاماته، فقال تعالى: ( ﭡﭢ ) [الإسراء: ١].

وبها افتتح عيسى عليه الصلاة والسلام كلامه وهو في المهد فقال تعالى: ( ﮋﮌ ) [مريم: ٣٠].

يقول شارح الطحاوية رحمه الله: «واعلم أن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله تعالى، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته »35.

ثانيًا: عمارة الأرض:

لاشك أن الغاية الأساسية من وجود الإنسان هي تحقيق العبودية لله تعالى، إذ يقول سبحانه وتعالى: ( ) [الذاريات: ٥٦].

ومع هذا فليست الغاية من الخلق محصورةً فقط على العبادة كما ظن كثيرٌ من الناس، حيث إن الآية لم يقصد منها الاقتصار على أداء الشعائر التعبدية فحسب، ولكن الله عز وجل هيأ الإنسان لأمرٍ آخر لا يتعارض مع تحقيق العبودية، ألا وهو عمارة الأرض واستخلافه.

فالله سبحانه وتعالى استخلف البشر في الأرض بقصد عمارة الكون وإنمائه واستغلال كنوزه وثرواته.

قال صالح عليه السلام مخاطبًا قومه: ( ﯿ ) [هود:٦١].

لكن ما معنى الاستعمار؟ وما حقيقته؟

الاستعمار لغةً: طلب التعمير والسعي لتحقيق العمران 36.

يقول الراغب الأصفهاني: « العمارة نقيض الخراب، يقال: عمر أرضه يعمرها عمارةً، قال تعالى: ( ) [التوبة:١٩]. ويقال: عمرته فعمر فهو معمورٌ. قال: ( ) [الروم:٩].

( ) [الطور:٤].

وأعمرته الأرض واستعمرته: إذا فوضت إليه العمارة، قال: (ﯿ ) [هود:٦١]» 37.

والمعنى الاصطلاحي للاستعمار لا يختلف عن معناه اللغوي، فيراد به: طلب التعمير والسعي لتحقيق العمران، ويراد به كذلك: التمكين والتسلط، كما هو واضحٌ من قوله سبحانه: ( ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٠]. وقوله عز شأنه: ( )[البقرة: ٢٩].

وقال تعالى: ( )[الجاثية: ١٣].

وقال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢]. ( ) [طه: ٥٣].

( ﭯﭰ ) [الملك: ١٥]38.

والمقصود بعمارة الأرض: «جعلها عامرةً غير خلاءٍ وذلك بالبناء والغرس والزرع »39.

ويعد إعمار الكون ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية، فلا بد للإنسان من أن يكتشف ويخترع من أجل تذليل العقبات التي تعترض طريقه، وتحول بينه وبين تحقيق ما يطمح إليه من سبل العيش الآمن والحياة الكريمة. قال ابن عاشور عند تفسير قوله تعالى: ( ﰇﰈ ﰎﰏ) [النمل: ٨٨].

قال: «وهذا استدعاءٌ لأهل العلم والحكمة لتتوجه أنظارهم إلى ما في الكون من دقائق الحكمة، وبديع الصنعة. وهذا من العلم الذي أودع في القرآن ليكون معجزةً من الجانب العلمي يدركها أهل العلم، كما كان معجزةً للبلغاء من جانبه النظمي»40.

وذكر الألوسي أن معنى قوله سبحانه: (ﯿ ) [هود:٦١].

أي: جعلكم عمارها وسكانها فالاستفعال بمعنى الإفعال، يقال: أعمرته الأرض واستعمرته إذا جعلته عامرها وفوضت إليه عمارتها. وذكر معنى آخر، وهو أنه أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن، وحفر أنهار، وغرس أشجار، وغير ذلك، فالسين للطلب.

واستدل بالآية على أن عمارة الأرض واجبة لهذا الطلب». فلا تستقيم حياة الإنسان بدونها.

ولا يقصد هنا؛ أن تكون عمارة الأرض بالعلم المادي فقط، فلو كانت عمارة الأرض بالحضارة والتمدن والعلوم الدنيوية هي المقصود بحسن العمل، لما أرسل الله الرسل في التاريخ البشري أصلًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أثبت تميز الأمم أصلًا في عمارة الأرض وعمق علمها بالدنيا؛ كما قال تعالى عن الأمم السابقة:

( ) [الروم:٩].

وقال عن علمهم المدني ( ) [الروم:٧]. فالمقصود من عمارة الأرض تحكيم شريعة الله تعالى في أرضه؛ كما قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ) [الحج: ٤١].

والقرآن الكريم يربط بين عمارة الأرض والأخذ بهدي الأنبياء- عليهم السلام-، كما أن البعد عن هذا الهدي السماوي يجلب فيما يجلب التعاسة والحروب، وسقوط الحضارة.

يقول تعالى: ( ) [النحل:١١٢].

خلق الإنسان

يعد خلق الإنسان آيةً من آيات الله عز وجل العظيمة، خصوصًا إذا علمنا أن عملية الخلق هذه قد مرت بمراحل عديدةٍ وأطوار مختلفة.

قال تعالى: ( ) [نوح: ١٤].

ومن الواضح أنه قبل عملية الخلق هذه، قد أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن فيه الإنسان شيئًا مذكورًا، فأوجده الله بعد أن لم يكن موجودًا، كما في قوله تعالى: ( ) [الإنسان: ١].

وقوله عز وجل: ( ) [مريم: ٦٧]41.

وقد خلق الله عز وجل الإنسان على أربعة أوجهٍ:

الأول: خلق آدم عليه السلام من غير ذكرٍ ولا أنثى.

الثاني: خلق حواء من ذكرٍ بلا أنثى.

الثالث: خلق المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من أنثى بلا ذكر.

الرابع: خلق سائر البشر من ذكر وأنثى.

أولًا: خلق آدم عليه السلام:

أخبر الحق سبحانه وتعالى عن خلق آدم عليه السلام في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وكذلك ورد الحديث عن خلق آدم في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الآيات القرآنية الكريمة وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في خلق آدم عليه السلام يمكن أن نقول بأن «خلق آدم عليه السلام مر في ثلاثة أطوارٍ رئيسةٍ هي:

أولا: طور التخليق.

ثانيًا: طور التصوير.

ثالثًا: طور نفخ الروح » 42.

الطور الأول: طور التخليق.

ويتضمن أربع مراحل رئيسةٍ هي:

المرحلة الأولى: التراب.

يعد التراب المرحلة الأولى والبداية الحقيقية لخلق الإنسان الأول، أي: آدم عليه السلام.

قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [آل عمران: ٥٩]. فهذه الآية صريحة في أن آدم عليه السلام خلق من تراب، فالهاء في قوله: () تعود على آدم عليه السلام .

المرحلة الثانية: من طينٍ.

وهذه هي المرحلة الثانية التي يصير فيها التراب طينًا.

قال تعالى:( ) [ص:٧١].

وقال سبحانه: ( ﮨﮩ ) [السجدة: ٧]. والطين ناتج عن خلط التراب بالماء. ويلاحظ أن هذا الطين بالنسبة للإنسان الأول، وهو آدم عليه السلام ، كان: طينًا لازبًا. يصور ذلك قوله سبحانه: (ﮋﮌ ﮑﮒ ) [الصافات: ١١].

واللازب: هو الثابت شديد الثبوت43.

المرحلة الثالثة: خلقه من حمأ مسنونٍ.

بعد ذلك يتغير الطين اللازب إلى أن يصير طينًا متغير الرائحة أسود، وهو ما سماه القرآن الكريم بالحمأ المسنون، قال تعالى: ( ) [الحجر: ٢٦].

المرحلة الرابعة: خلقه من صلصالٍ كالفخار.

والمراحل السابقة مجتمعة أدت إلى مرحلة الصلصال هذه: قال تعالى: ( ) [الرحمن: ١٤].

والصلصال: الطين اليابس الذي تسمع له صلصلة، أي: صوتٌ إذا قرع بشيء44.

وهذا الصلصال يشبه الفخار إلا أنه ليس فخارًا؛ لأن الفخار مطبوخ بالنار بخلاف الصلصال، فهو طين يابس غير مطبوخ بالنار.

هذا هو الطور الأول: طور التخليق، بمراحله الأربعة السابق ذكرها.

الطور الثاني: طور التصوير.

يقول الله عز وجل: ( ) [الأعراف: ١١]. ويلاحظ من خلال هذه الآية الكريمة أن مرحلة التصوير ثانية بعد الخلق، حيث عطفت جملة صورناكم بحرف (ثم) الدالة على تراخي رتبة التصوير عن رتبة الخلق45.

الطور الثالث: طور نفخ الروح.

بعد أن سوى الله عز وجل الإنسان الأول وصوره، وهو آدم عليه السلام أراد أن يبث فيه الحياة، نفخ فيه من روحه، فصار بشرًا حيًا. قال تعالى: ( ) [الحجر:٢٨-٢٩].

والنفخ: إجراء الريح في الشيء؛ وإنما سمى إجراء الروح فيه نفخًا؛ لأنها جرت في بدنه مثل جري الريح فيه 46.

[انظر: آدم: مراحل خلق آدم]

ثانيًا: خلق حواء:

لما خلق الله عز وجل آدم عليه السلام خلق له زوجه حواء عليها السلام.

قال تعالى:( ﭨﭩ ) [النساء: ١].

وقال سبحانه: ( ) [الأعراف: ١٨٩].

وقال جل شأنه: ( ) [الزمر: ٦].

فدلت هذه الآيات الكريمات على أن آدم عليه السلام قد خلق أولا، وأن حواء قد خلقت بعده. حيث ذكر جمهور المفسرين أن المراد ب (النفس الواحدة): آدم عليه السلام، والمراد بقوله تعالى: (زوجها): حواء عليها السلام 47.

وقد اختلف العلماء في كيفية خلق حواء على قولين مشهورين، وهما:

القول الأول: وهو قول جمهور المفسرين، حيث ذهبوا إلى أن الآيات الكريمات قد نصت على أن حواء خلقت من آدم كما يقتضيه ظاهر قوله: ()، ولهذا قالوا بأن (من) في قوله تعالى: ( ) للتبعيض، ومعنى التبعيض أن حواء خلقت من جزءٍ من آدم عليه السلام48.

واختلفوا في الجزء الذي خلقت منه حواء على قولين:

الأول: قالوا بأنها خلقت من ضلع آدم، وممن قال بهذا الرأي: جماعةٌ من مفسري السلف رضوان الله عليهم.

واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة خلقت من ضلعٍ، لن تستقيم لك على طريقةٍ، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوجٌ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها»49.

الثاني: قالوا بأنها خلقت من بقية الطينة التي خلق منها آدم.

وقد حكى هذا القول ابن عاشور50، وشهاب الدين الخفاجي في (حاشيته على تفسير البيضاوي) 51،وابن عادل في تفسيره (اللباب في علوم الكتاب) 52.

القول الثاني: وهو اختيار أبي مسلمٍ الأصفهاني، أن المراد من قوله تعالى: ( ) أي: من جنسها.

وهو كقوله تعالى: ( ) [النحل: ٧٢].

وكقوله: ( ) [آل عمران: ١٦٤].

وقوله: ( ) [التوبة: ١٢٨]53.

والراجح - والله أعلم- أن حواء خلقت من جنس خلق آدم عليه السلام أي: من نفس العناصر التي خلق منها آدم، فالله خلق حواء من نفس نوع آدم كما خلق لنا من أنفسنا أزوجا.

قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮖﮗ ) [الروم: ٢١].

وأما ما جاء في الحديث (إن المرأة خلقت من ضلع) فلا يدل على أنه ضلع آدم، إنما يحمل على جهة التمثيل لاضطراب أخلاقهن، وكونهن لا يثبتن على حالة واحدة، أي: صعبات المراس، فهي كالضلع العوجاء، كما جاء ( ﭦﭧ) [الأنبياء: ٣٧].

ويؤيد هذا قوله (إن المرأة) فأتى بالجنس، ولم يقل حواء54.

[انظر: آدم: كيف خلقت حواء]

ثالثًا: خلق عيسى عليه السلام:

يعد خلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب معجزةً دالةً على عظيم قدرة الله التي لا تحدها حدود ولا يقف أمامها مانع ليظهر للناس أنه عز وجل على كل شيءٍ قدير. وقد تحدث القرآن الكريم عن خلق عيسى عليه السلام وحكى مراحل حياته المختلفة، وسأقتصر في حديثي عن خلق عيسى عليه السلام على أمرين:

الأول: البشارة بعيسى عليه السلام.

والثاني: الحمل بعيسى عليه السلام.

وفيما يأتي بيان لهذين الأمرين.

أولا: البشارة بعيسى عليه السلام.

قال تعالى: ( ﯿ ) [آل عمران: ٤٥ - ٤٦]

وقال سبحانه: ( ﭿ ﮯﮰ ﯖﯗ ) [مريم: ١٦ - ٢١]

لما بلغت مريم عليها السلام مبلغ النساء، خرجت ذات يومٍ من محرابها، وسارت جهة شرقي بيت المقدس، فبينما هي تسير، وقد ابتعدت عن أهلها وقومها،إذ فاجأها شاب وضيء الوجه، حسن الصورة، مستوي الخلق، ففزعت واضطربت وخافت على نفسها منه، ثم قالت له: ( ) [مريم: ١٨].

ولم يكن في خاطرها أنه ملك كريم، هو جبريل الأمين عليه السلام تمثل لها في صورة إنسان.قال سبحانه: ( ) [مريم: ١٧]

قال أبو حيان في تفسيره: « وإنما مثل لها الملك في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه، ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت، ولم تقدر على استماع كلامه، ودل على عفافها وورعها أنها تعوذت من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن، وكان تمثيله على تلك الصفة ابتلاءً لها وسبرًا لعفتها»55.

وحين ظهر لمريم بعد ذلك أن الذي عرض لها في خلوتها ليس بشرًا إنما هو ملك كريم، أنست واستبشرت به، ولكنها تعجبت من قوله حين بشرها بالغلام: ( ) فهي امرأة بكر لم تتزوج ولم يقربها أحد من الرجال، ولا تزال عذراء. وهي عفيفة لم تقارف إثمًا، فكيف يمكن أن يأتيها غلام مع عدم اتصال رجل بها؟! ( )

وقد كان جوابه لها أنها إرادة الله ومشيئته، فهو جل ثناؤه لا يعجزه شيء، وإذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، ( ﮯﮰ ﯖﯗ ) [مريم: ٢١].

وقال سبحانه في آية أخرى: ( ﭡﭢ ﭨﭩ ) [آل عمران: ٤٧].

أي: كمثل هذا الخلق البديع يخلق الله ما يشاء، فإن من شأنه الاختراع والإبداع56.

ثانيًا: الحمل بعيسى عليه السلام.

بعد أن سكنت مريم لأمر الله ورضيت بقضاء الله، وأيقنت أن تلك إرادة الله وحكمته، نفخ فيها روح القدس، كما قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٩١].

وقال سبحانه: ( ) [التحريم: ١٢]

فالذي عليه الجمهور من العلماء: أن المراد بذلك النفخ: نفخ جبريل فيها بإذن الله فحملت، ولا ينافي ذلك إسناد الله جل وعلا النفخ المذكور لنفسه في قوله: ()؛ لأن جبريل إنما أوقعه بإذنه وأمره ومشيئته، وهو تعالى الذي خلق الحمل من ذلك النفخ؛ فجبريل لا قدرة له على أن يخلق الحمل من ذلك النفخ، بل من أجل كونه بإذنه ومشيئته وأمره تعالى. وذكر المفسرون أن جبريل عليه السلام لما نفخ في جيب درعها، نزلت النفخة إلى فرجها فحملت من فورها . قال تعالى: ( ) [مريم: ٢٢].

واختلف العلماء في مدة الحمل على أقوال مضطربة متناقضة لا حاجة إلى ذكرها، والصحيح أنها حملت به حملًا طبيعيًا كما تحمل سائر النساء، ووضعته كما تضع النساء.

وفي قوله تعالى: ( ﭪﭫ) [النساء: ١٧١]. بينت هذه الآية الكريمة أن عيسى عليه السلام خلق بأمرين: بكلمة من الله، وروح منه.

الأمر الأول: خلق عيسى عليه السلام بكلمة الله (كن).

جاء في محكم التنزيل: ( ﮬﮭ ) [آل عمران: ٥٩]. وبهذا يتبين أن الله سبحانه وتعالى خلقه بكلمةٍ منه، وهي (كن)، كما خلق آدم، وكان عيسى بهذا كلمة الله ؛ لأنه خلقه بها 57. وقال سبحانه: ( ﯿ ) [آل عمران: ٤٥].

إن الكلمة من الله المذكورة في الآية مفسرة بأنها المسيح عيسى ابن مريم، بدليل أن الضمير في كلمة (اسمه) جاء مذكرًا مع أنه يعود على مؤنث (كلمة)، فلم يقل: بكلمة منه اسمها المسيح؛ لأن المراد بالكلمة مذكر، وهو عيسى عليه السلام، فذكر مراعاة للمعنى58.

الأمر الثاني: خلق الله عيسى عليه السلام بروح من الله.

قال تعالى: ( ﭪﭫ) [النساء: ١٧١].

ذكر الإمام فخر الدين الرازي وجوه اختلاف أهل العلم في تأويل قوله: ( ﭪﭫ):

الأول: أنه جرت عادة الناس أنهم إذا وصفوا شيئًا بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روحٌ، فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب وإنما تكون من نفخة جبريل - عليه السلام- لا جرم وصف بأنه روح، والمراد من قوله (منه) التشريف والتفضيل، كما يقال: هذه نعمةٌ من الله، والمراد كون تلك النعمة كاملة شريفة.

الثاني: أنه كان سببًا لحياة الخلق في أديانهم، ومن كان كذلك وصف بأنه روحٌ. قال تعالى في صفة القرآن:

( ﭖﭗ) [الشورى: ٥٢].

الثالث: ( ﭪﭫ) أي رحمة منه، قيل في تفسير قوله تعالى: ( ﭮﭯ) [المجادلة: ٢٢].

أي: برحمة منه، فلما كان عيسى رحمة من الله على الخلق من حيث إنه كان يرشدهم إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم لا جرم سمي روحًا منه.

الرابع: أن الروح هو النفخ في كلام العرب، فإن الروح والريح متقاربان، فالروح عبارة عن نفخة جبريل، وقوله (منه) يعني أن ذلك النفخ من جبريل كان بأمرٍ الله وإذنه فهو منه، وهذا كقوله: ( ) [الأنبياء: ٩١].

والراجح - والله أعلم- هو القول الأول، حيث إن عيسى عليه السلام سمي روحًا لكونه نشأ من الروح مباشرةً، ولأنه غلبت عليه الروحانية، وإن كان بشرًا كسائر البشر، يأكل ويشرب، ويمشي في الأسواق، و(من) هنا للابتداء، أي: أن الروح مرسل من عند الله تعالى، ونفخ بإذنه59. ويؤيد ذلك أن الآية جاءت في معرض الرد على النصارى الذين غالوا في المسيح عليه السلام .

رابعًا: خلق سائر بني آدم.

بعد أن خلق الحق سبحانه وتعالى الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام ، وخلق منه زوجه حواء عليها السلام بين لنا في كتابه العزيز أطوار خلق ذرية آدم ؛ إظهارًا لعظمته سبحانه وتعالى وقدرته، وقد دلت نصوص القرآن الكريم على أن الإنسان يخلق على أطورٍ ومراحل متتاليةٍ. قال تعالى: ( ) [نوح: ١٤].

وقال سبحانه: ( ﭪﭫ ﭰﭱ ﭵﭶ ) [الزمر: ٦أي: طورًا من بعد طورٍ.

ولقد تعرض القرآن الكريم إلى أطوار خلق الإنسان بأساليب مختلفةٍ، فمرةً يذكر أطوار الخلق كلها، وأخرى يكتفي بذكر طورٍ واحدٍ أو طورين، فالقرآن تناول الخلق في كل مرةٍ من زاويةٍ؛ لتكتمل الصورة، وذلك لحكمةٍ بيانيةٍ وبلاغيةٍ، لما يحققه هذا الأسلوب من العبرة والموعظة في إثبات القدرة الإلهية في مخلوقاته، والتي يرفضها الملحدون، لقصورٍ عقليٍ أو عنادٍ أو غرورٍ60. ومن خلال تتبع الآيات القرآنية المتعلقة بأطوار خلق الإنسان، نجد أن القرآن الكريم حدد أطوار خلق الإنسان الأساسية في ثلاثة أطوارٍ61:

الطور الأول: طور النطفة.

النطفة- بضم النون- في لغة العرب: تعني القليل من الماء، وقيل: الماء القليل يبقى في القربة، وقيل: هي الماء الصافي قل أو كثر، والجمع نطفٌ ونطافٌ.62. وقد ورد التعبير بالنطفة في اثني عشر موضعًا من كتاب الله 63.

والنطفة أنواع ثلاثة:

  1. نطفة الذكر: وهي الحيوانات المنوية الموجودة في المني.
  2. نطفة الأنثى: وهي البويضة.
  3. النطفة الأمشاج: وهي النطفة المختلطة من الحيوان المنوي الذي يلقح البويضة64.

    مراحل تكوين النطفة:

    يبدأ مصطلح النطفة من الحيوان المنوي والبويضة، وينتهي بمرحلة الحرث والانغراس، وتمر النطفة خلال تكونها بمراحل، أطلق القرآن الكريم على كل مرحلةٍ منها تسمية تتناسب مع تلك المرحلة، والمراحل التي تمر بها النطفة أربع65، وهي:

    أولًا: مرحلة الماء الدافق.

    ثانيًا: مرحلة السلالة.

    ثالثًا:مرحلة النطفة الأمشاج.

    رابعًا: مرحلة الحرث.

    المرحلة الأولى من مراحل طور النطفة: مرحلة الماء الدافق.

    قال تعالى: ( ) [الطارق: ٥ - ٦]

    الدفق في كلام العرب صب الماء، وهو متعدٍ، يقال: دفقت الكوز فاندفق، وهو مدفوق.وأهل الحجاز يطلقون صيغة فاعل على المفعول كقولهم: هذا سرٌ كاتمٌ (أي مكتوم)، وهمٌ ناصبٌ (أي منصوب) 66.

    و() بمعنى مدفوق، اسم الفاعل بمعنى مفعول67. وقال الخليل وسيبويه: هو على النسب ك(لابن، وتامر)، أي: ذي دفق وهو صادق على الفاعل والمفعول.

    والراجح والله أعلم أن المراد: ماء ذي دفق؛ لأن تفسيرها على مدفوقٍ، يعد من صرف اللفظ عن ظاهره، فهم اعتبروا أن الماء الدافق مفعولًا وليس فاعلًا. ولكن الحقيقة أن للماء - بإذن الله- قوة دفق ذاتية. فهو بذلك فاعل وليس مفعولًا 68. فالدافق هو المندفق بشدة قوته 69. وقد أثبت العلم الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة كشرط أساسي للإخصاب. وأثبت العلم أيضًا أن ماء المرأة الذي يحمل البويضة يخرج متدفقًا إلى قناة الرحم (فالوب)، وأن اندفاعة البويضة لابد أن تكون حيوية متدفقة حتى يتم الإخصاب70.

    والمراد بالماء الدافق عند المفسرين: مني الرجل ومني المرأة، وعبر عنهما بماء وهو مفرد؛ لأن الإنسان مخلوقٌ منهما، ولكن جعلهما ماءً واحدًا لامتزاجهما 71.

    وقد وصف الله سبحانه وتعالى هذا الماء في آياتٍ أخرى بأنه ماء مهينٌ ضعيفٌ ليس كالماء العادي المنطلق، قال تعالى:( ) [المرسلات: ٢٠].

    وقال سبحانه: ( ) [السجدة: ٨].

    ووصفه الله جل وعلا في آيةٍ أخرى أنه نطفة أي قليل من الماء، قال تعالى: ( ) [القيامة: ٣٧].

    وقال سبحانه: ( ) [النجم: ٤٥ - ٤٦].

    ثم وصف الحق سبحانه وتعالى ذلك الماء الذي هو النطفة، بأنه يخرج من بين الصلب والترائب، ذلك في قوله تعالى: ( ) [الطارق: ٧].

    والصلب في اللغة: جمعه أصلبٌ وأصلابٌ وهو فقار الظهر، وهو عظم من لدن الكاهل (الكاهل من الإنسان هو مابين كتفه) إلى العجب (أي:أصل الذنب، وهو العصعص). ويقال: هو من صلب فلان: أي من ذريته. والصلب: الشديد، وباعتبار الصلابة والشدة سمي الظهر صلبًا 72.

    أما الترائب: فهي جمع تريبة، وقد اختلف في معناها على أقوالٍ73.

    والراجح- والله أعلم- هو ما ذهب إليه ابن جرير الطبري، وهو قول جمهور المفسرين، أن المراد بالترائب: هو موضع القلادة من الصدر، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم74.

    والمعنى: يخرج هذا الماء المنصب من موضع العمود الفقري وأضلاع الصدر التي تضع المرأة القلادة عليها75.

    المرحلة الثانية من مراحل طور النطفة: مرحلة السلالة:

    يقول الحق سبحانه وتعالى: ( ) [السجدة: ٨].

    هذه الآية تشير إلى المرحلة الثانية التي تمر بها النطفة عبر رحلتها الطويلة من المهبل إلى البويضة ليتم التلقيح وهي مرحلة السلالة. والسلالة في اللغة: على وزن (فعالةٌ)، من سللت الشيء من الشيء: إذا استخرجته منه، والسل: انتزاع الشيء وإخراجه في رفقٍ 76. وفعالة تأتي للقليل من الشيء، نحو: القلامة، والنخالة 77. والسلالة: الخلاصة، وأصلها ما ينسل ويخلص بالتصفية 78.

    وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ( ) قال: صفو الماء79. وقيل في تفسير السلالة إنها خلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية.

    ومن خلال معاني لفظة (سلالة) نستطيع أن نتلمس مدى انطباق هذه المعاني على النطفة (الحيوانات المنوية للرجل والبويضة للمرأة)، فقد ذكر علماء الطب أنه من بين مئات الملايين من الحيوانات المنوية التي توجد عادة في نطفة الرجل، ينسل حيوان واحد فقط منها كلها ليلقح بويضة المرأة التي تنسل هي بدورها من حويصلة البويضة، لتلتقي بسلالة الرجل في أنبوب الرحم. وبذلك تنشأ البويضة الملقحة، ويبدأ الحمل80. وهذا هو ما تدل عليه لفظة السلالة من (التصفية والانتقاء) وهذا يؤكد لنا أيضًا دلالة اللفظة على (القلة) فهي عبارة عن جزء يسير جدًا من نطفة الرجل والمرأة.

    ومن هنا نفهم سر الإعجاز الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيءٍ لم يمنعه شيءٌ)81.

    فالحديث صريحٌ في أنه ليس من كل الماء يكون الولد، وإنما من جزءٍ يسيرٍ منه82.

    ولم يكتشف الحيوان المنوي والبويضة إلا في القرن السابع عشر مع اكتشاف المجهر، ولم يعرف دورهما الحقيقي في تكوين الجنين إلا في القرن التاسع عشر. أما القرآن الكريم فقد أعطى الحيوان المنوي والبويضة اسم (السلالة) وهي التسمية الأبلغ والأسهل والأصح علميًا، إذ إنها تعني النخبة المستخلصة والمنسلة من الشيء، وهي من صفات الحيوان المني وميزاتهما83.

    المرحلة الثالثة من مراحل طور النطفة: مرحلة النطفة الأمشاج.

    أشار القرآن الكريم إلى هذه المرحلة من مراحل النطفة في قوله تعالى: ( ) [الإنسان: ٢].

    والمشج في اللغة: الخلط، يقال: مشج يمشج مشجًا إذا خلط، والأمشاج: الأخلاط84.

    قال ابن فارس: « الميم والشين والجيم أصلٌ صحيحٌ، وهو الخلط. ونطفةٌ أمشاجٌ، وذلك اختلاط الماء والدم. ويقال إن الواحد مشجٌ ومشج ومشيج» 85.

    ومن خلال استقراء أقوال أهل التفسير حول معنى (أمشاج) تبين أن أغلبهم متفقون على أن الأمشاج هي الأخلاط من ماء الرجل (الحيوان المنوي) وماء المرأة (بويضتها). ولكن الخلاف الذي وقع بين المفسرين هو في المقصود بذلك الخلط، وكيفيته. وهذه النطفة الأمشاج تعرف علميًا عند بدء تكوينها (بالزيجوت) 86.

    وقد كانت العرب وبعض الأمم تعتقد أن تكوين الجنين إنما يكون من الرجل، وليس للمرأة إلا الحمل والرعاية، وليس كذلك، بل إن الجنين يتكون من عملية التلقيح بين الحيوان المنوي للرجل والبويضة للأنثى ليكونا خلية واحدة تحمل الصفات الوراثية لكل منهما، وهي النطفة التي جاء وصفها في القرآن الكريم ب (النطفة الأمشاج) 87.

    ويمكن تقسيم النطفة الأمشاج إلى:

    • طور الخلق: وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الطور في قوله تعالى: ( ) [عبس: ١٨ - ١٩]
    • طور التقدير: ذكر الحق سبحانه وتعالى التقدير بعد الخلق مباشرة بوصفهما عمليتين متعاقبتين في أول تطورات النطفة الأمشاج، وهذا هو ما يتحقق يقينًا، فبعد ساعات من تخلق إنسان جديد، تبدأ عملية أخرى تتحدد فيها الصفات التي ستظهر على الجنين88.

      المرحلة الرابعة من مراحل طور النطفة: مرحلة الحرث (الانغراس).

      هذه المرحلة هي آخر مرحلةٍ في طور النطفة، وبنهايتها تنتقل النطفة الأمشاج لتنغرس في بطانة الرحم بما يشبه انغراس البذرة في التربة في عملية الحرث، وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث، ويكون عمر النطفة حينئذٍ ستة أيامٍ89.

      والحديث عن مرحلة الحرث يقتضي الحديث عن المكان الذي تستقر فيه النطفة في جسد المرأة، ألا وهو رحم المرأة، وقد وصف الحق سبحانه وتعالى هذا المكان بوصفين جامعين في قوله تعالى: ( ) [المؤمنون: ١٣].

      وقوله جل وعلا: ( ) [المرسلات: ٢٠ - ٢٣].

      هذان الوصفان هما (قرار) و(مكين)، وهما يعبران أتم التعبير عن أهم خصائص الرحم ومميزاته. والقرار: المستقر، وهو موضع الاستقرار، والمراد بالقرار: الرحم، ومكينٌ: أي متمكنٌ قد هيئ لاستقراره فيه إلى بلوغ أمده الذي جعل له 90.

      الطور الثاني: طور التخليق.

      ويشمل هذا الطور أربع مراحل هي: العلقة، والمضغة، والعظام، واللحم.

      ومن أهم ما يميز هذا الطور هو التكاثر السريع للخلايا ونشاطها الفائق في تكوين الأجهزة، ولأن هذه العمليات التخليقية تتم بسرعة كبيرة، فقد استعمل القرآن الكريم حرف الفاء للربط بين مراحل هذا الطور.

      قال تعالى: ( ) [المؤمنون: ١٤]91.

      المرحلة الأولى: مرحلة العلقة.

      تطلق العلقة في اللغة على عدة معانٍ منها:

    1. التشبث بالشيء، يقال: علق الصيد في الحبلة، وعلق دم فلانٍ بزيدٍ إذا كان زيد قاتله92.
    2. دودة في الماء تمص الدم 93.
    3. الدم الجامد الغليظ 94.

      وقد ورد ذكر العلقة في القرآن الكريم ست مراتٍ في خمسة مواضع على النحو الآتي:

      قال تعالى: ( ) [الحج: ٥]

      وقال سبحانه: ( ) [المؤمنون: ١٢ - ١٤].

      وقال جل وعلا: ( ) [غافر: ٦٧].

      وقال عز وجل: ( ) [القيامة: ٣٧ - ٣٨].

      وقال تعالى: ( ﭿ ) [العلق: ١ - ٢]

      وفي سبب تسميتها بذلك يقول ابن الجوزي: «سميت علقة لرطوبتها وتعلقها بما تمر به، فإذا جفت فليست علقة» 95.

      ومن خلال تتبع أقوال المفسرين في تفسير معنى العلقة، تبين أن أغلبهم فسروا العلقة بالدم الجامد أو العبيط96.

      بيد أنه من المعروف علميًا أن الإنسان لا يمر بمرحلة الدم المتجمد أو كتلة الدم97.

      لكن إذا عرفنا أن حجم العلقة عند انغرازها لا يزيد عن ربع مليمتر أدركنا على الفور لماذا أصر المفسرون على أن العلقة هي الدم الغليظ. فالعلقة لا تكاد ترى بالعين المجردة، وهي مع ذلك محاطة بالدم من كل جهاتها، فتفسير العلقة إذن بالدم الغليظ ناتج عن الملاحظة بالعين المجردة، ولم يبعد بذلك المفسرون عن الحقيقة كثيرًا، فالعلقة العالقة بجدار الرحم والتي لا تكاد ترى بالعين المجردة محاطةٌ بدمٍ غليظٍ يراه كل ذي عينين98.

      وبعد أن تقدم العلم لاحظ العلماء أيضًا أن الجنين في هذه المرحلة يفقد شكله المستدير ويستطيل حتى يأخذ شكل دودة العلقة، وفي هذه المرحلة يتشبث الجنين بالمشيمة بواسطة ساقٍ موصلةٍ تصبح فيما بعد هي الحبل السري وهو ما يتفق مع معنى (التشبث بالشيء)99.

      وبهذا نلاحظ أن لفظة (علقة) جاءت مطلقةً في القرآن الكريم لتشتمل على كل المعاني اللغوية السابقة، حيث إن اسم (علقة) يتسع ليشمل وصف الهيئة العامة للجنين كدودة العلقة، كما يدل لفظ (علقة) على تعلق الجنين بالمشيمة. كذلك نجد أن المظهر الخارجي للجنين وأكياسه يتشابه مع الدم المتخثر الجامد الغليظ100.

      المرحلة الثانية: مرحلة المضغة.

      المضغة في اللغة: فعلةٌ من مضغ، وهي تطلق على عدة معانٍ منها:

    1. الشيء الذي لاكته الأسنان 101.
    2. الشيء الصغير من المادة، مأخوذةٌ من قولنا: مضغ الأمور، أي صغارها 102.
    3. القطعة من اللحم قدر ما يمضغ103.

      وقد ورد ذكر المضغة في القرآن الكريم ثلاث مراتٍ في موضعين على النحو الآتي:

      قال تعالى: ( ﮥﮦ ﯕﯖ ﯥﯦ) [الحج: ٥].

      وقال سبحانه: ( ﯕﯖ ) [المؤمنون: ١٤].

      وفي سبب تسميتها بذلك يقول ابن قتيبة: « وسميت بذلك؛ لأنها بقدر ما يمضغ، كما قيل: غرفة لقدر ما يغرف»104.

      وقد فسرت المضغة بقطعة اللحم الصغيرة بقدر ما يمضغ105، وهو ما يتطابق مع المعاني اللغوية، وقد أوضح علم الأجنة الحديث مدى الدقة في اختيار القرآن الكريم لتسمية (مضغة) من حيث ارتباطها بالشكل الخارجي للجنين، وتركيباته الداخلية الأساسية. فقد وجد أنه بعد تخلق الجنين والمشيمة في هذه المرحلة، فإن الجنين يتلقى الغذاء والطاقة، وبذلك تتزايد عملية النمو بسرعةٍ، ويبدأ ظهور الكتل البدنية المسماة فلقات، والتي تتكون منها العظام والعضلات. ونظرًا لتعدد الفلقات التي تتكون، فإن الجنين يبدو وكأنه مادةٌ ممضوغة عليها طبعات أسنانٍ واضحة 106.

      أطوار المضغة:

      يقول الحق سبحانه وتعالى: ( ﮥﮦ ) [الحج: ٥]. يتضح من هذه الآية أن هناك طورين للمضغة هما، الأول:طور المضغة المخلقة. والثاني:طور المضغة غير المخلقة.

      وقد اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: ( )، وهل هي من صفات النطفة أم من صفات المضغة 107. والراجح- والله أعلم- أن معنى مخلقة، أي: تامة، وغير مخلقة، أي: غير تامة، وأن هذا من صفات المضغة، لأن ذلك تطورٌ من تطورات المضغة، والتخليق صيغةٌ تدل على تكرير الفعل، أي خلقًا بعد خلقٍ، والنطفة لا يمكن وصفها بذلك، كما أن تفسير (المخلقة) بتامة الخلق أو مستبينة الخلق، و(غير المخلقة): بغير ذلك، هو المشهور من كلام العرب.

      المرحلة الثالثة: مرحلة العظام.

      هذه المرحلة من أطوار خلق الإنسان وردت في قوله تعالى: ( ﯕﯖ ) [المؤمنون: ١٤]

      العظام: جمع عظمٍ، وهو ما منه تركيب الجسد للإنسان والدواب108. والعظام المرادة في الآية هي عظام الجنين، جعلها سبحانه متصلبة ؛ لتكون عمودًا للبدن على أشكال مخصوصة 109.

      وفي قوله تعالى: ( ) نلاحظ أن استعمال حرف (ف) يشير إلى أن مرحلة العظام تنمو بعد مرحلة المضغة بفترةٍ قصيرةٍ؛ لأن حرف الفاء يفيد الترتيب والتعقيب، بخلاف حرف (ثم) الذي يفيد الترتيب والتراخي110.

      والمعنى: أن المضغة بعد أن تخلقت، وتميزت أجزاؤها، جعلها الله تعالى عظامًا، أي: جعل من هذه المضغة عظامًا صلبةً تتحمل111.

      ومن ثم فإن المضغة لا تتحول كلها إلى عظامٍ- كما ذكر ذلك بعض المفسرين-، وإنما يتحول جزءٌ منها فقط، وهذا متفقٌ مع ما كشفه علم الأجنة. قال الألوسي وأبو السعود: قوله تعالى: ( ) أي: غالبها ومعظمها أو كلها 112.

      المرحلة الرابعة: مرحلة اللحم.

      بعد خلق العظام تأتي مرحلةٌ تاليةٌ تتميز بكساء جميع العظام باللحم من كل الجهات، فبذلك يتغير شكل الجنين، ويصير هنالك تناسقٌ بين الأعضاء، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: ( ) [المؤمنون: ١٤].

      أي: فأنبتنا عليها اللحم فصار لها كاللباس113.

      ومن خلال تتبع أقوال المفسرين نلاحظ أنهم لم يخوضوا في تفصيلات إنبات اللحم على العظم، وإنما اكتفوا بما ذكرناه أو نحوًا منه بإيجاز شديد.لكن السؤال الذي يرد هنا، هل هذا اللحم من لحم المضغة أم لحمًا آخر خلقه الله على العظام؟

      ذكر الألوسي قولين في تفسيره: الأول: أن ذلك اللحم يحتمل أن يكون من لحم المضغة بأن لم تجعل كلها عظامًا، بل بعضها ويبقى البعض فيمد على العظام حتى يسترها.

      الثاني: يحتمل أن يكون لحمًا آخر خلقه الله تعالى على العظام من دمٍ في الرحم114.

      هذان القولان مبنيان على ما سبق ذكره من كون بعض المفسرين ذهب إلى أن المضغة كلها تتحول إلى العظام، وبعضهم ذهب إلى أن التحويل يكون لجزءٍ منها. وقد مال البيضاوي إلى القول الأول قائلًا: «قوله تعالى: ( ) مما بقي من المضغة، أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها»115.

      الطور الثالث: طور النشأة.

      قال تعالى: ( ﯕﯖ ) [المؤمنون: ١٤]. والإنشاء كما ذكر الراغب: إيجاد الشيء وتربيته116.والإنشاء هو الإحداث حالًا بعد حالٍ من غير احتذاء على مثال، ومنه يقال: نشأ الغلام وهي ناشئ: إذا نما وزاد شيئًا فشيئًا، وقال بعضهم: الإنشاء: ابتداء الإيجاد من غير سببٍ117.

      وقوله تعالى: ( ﯕﯖ) بيان لما انتهت إليه أطوار خلق الإنسان، أي: ثم صيرنا هذا الإنسان بشرًا سويًا، بعد أن كان نطفةً، فعلقةً، فمضغةً، فعظامًا، فلحمًا يكسو هذه العظام، وهذا كله يدل على كمال قدرة الله تعالى وعلى أنه حق، إذ قدرته- سبحانه- لا يعجزها شيء118. وعليه: فقد صير الله تعالى هذا الإنسان خلقًا مباينًا للخلق الأول، حيث جعله حيوانًا، وكان جمادًا،وناطقًا وسميعًا وبصيرًا، وكان بضد هذه الصفات119.

    الإنسان بين الإيمان والكفر

    1. خلق الله عز وجل الإنسان وسواه بيده، ونفخ فيه من روحه، وكرمه وفضله على كثيرٍ من المخلوقات.

      قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٧٠].

      وكان من مظاهر تشريف وتكريم الله للإنسان تكليفه، ومنحه نعمة العقل التي بها يوازن بين ما ينفع وما يضر، وبها يتلقى دعوات الأنبياء وما نزل به الوحي من السماء، وجعله مختارًا يستطيع أن يختار بين البدائل ما يشاء دون قسرٍ أو إجبارٍ، فله حرية الاختيار بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الانضواء في حزب الله أو حزب الشيطان.

      وتظهر جليًا حرية الاختيار التي ميز الله بها الإنسان، من خلال قصة آدم عليه السلام الذي كان يملك القدرة على الاختيار بين طاعة الله ومعصيته.

      قال الله تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ﮯﮰ ) [طه: ١١٦ - ١٢١]

      فالخطاب الموجه من الله تبارك وتعالى لآدم عليه السلام يدل دلالةً واضحةً على أنه موجه لمن يتمتع بحرية الاختيار، ولمن يمتلك الاستعداد نحو الطاعة والمعصية، ولمن هو موضع التكليف، ولذلك مارس آدم عليه السلام كامل حريته، وعصى الله، فالحرية مغروسةٌ في فطرة الإنسان منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام 120.

      فالله تعالى أودع في الإنسان استعدادات وقدرات للتمييز بين الخير والشر وبين الهدى والضلال، ومن الآيات الدالة على فطرية الحرية الإنسانية.

      قوله تعالى: ( ) [البلد: ٨ - ١٠].

      وقوله سبحانه: ( ) [الإنسان: ٢ - ٣].

      وقوله تعالى: ( ﭵﭶ ﭼﭽ ﭿ ﮄﮅ) [الكهف: ٢٩].

      وقوله عز وجل: ( ) [التكوير: ٢٧ - ٢٨].

      وقوله سبحانه: ( ﭶﭷ ﭿ ﮀﮁ ) [الزمر: ١٥].

      وبناءً على ذلك فالإنسان حرٌ في اختيار نوع الطريق الذي يسلكه في الحياة الدنيا، فإما أن يختار طريق الحق والاستقامة أو أن يختار طريق الغواية والضلال121، لكن الحق سبحانه وتعالى إذ جعله مختارًا لم يتركه سدًى، وإنما أرسل له الرسل وأنزل له الكتب وأرشده إلى الطريق الصحيح.

      وقد جعل الحق سبحانه وتعالى طبيعة الإنسان صالحةً للميل إلى الخير كما أنها صالحة للميل إلى الشر، فقال تعالى: ( ) [الشمس: ٧ - ٨].

      وقال سبحانه: ( ) [الإنسان: ٢ - ٣].

      وقرن سبحانه صلاحية طبيعته للفجور والتقوى بمنحه القدرة على تحقيق ما تميل إليه نفسه، وبين له أن نتيجة اختياره وثمرة عمله ستعود عليه، ومن نوع ما عمل.

      قال تعالى: ( ) [الشمس: ٩ - ١٠]122.

      وإذا كانت طبيعة الإنسان صالحةً للميل إلى الخير وللميل إلى الشر، فإن الميل إلى الخير هو الجانب الأغلب في هذه الطبيعة، حيث إن الله عز وجل فطر الإنسان على الإخلاص والتوحيد إذ هو ما تقتضيه العقول السليمة.

      قال تعالى: ( ﯗﯘ ﯞﯟ) [الروم: ٣٠].

      وإنما كفر من كفر لعارضٍ أخرجه عن أصل فطرته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)123.

      ( ﯣﯤ ) [الروم: ٣٠].

      يعني يخلق الله الفطرة التي خلق الناس عليها من الإيمان، ومعنى أن الله لا يبدلها أي: لا يخلق الناس على غيرها، ولكن يبدلها شياطين الإنس والجن بعد الخلقة الأولى124.

      وليس معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة) أنه يخرج من بطن أمه وهو يعلم هذا الدين ويعرفه، ولكن المراد أن فطرته موجبةٌ ومقتضيةٌ لمعرفة كل ما هو حقٌ، فقد صرح القرآن أن الإنسان يولد وهو لا يملك من المعرفة شيئًا، ثم يتم اكتساب مهارات وقيم من خلال أدوات الطاقة التي منحه الله تعالى إياها.

      قال الله تعالى: ( ﯰﯱ ) [النحل: ٧٨].

      كما بين القرآن أن الإنسان إذا بلغ مبلغ الرشد، وأصبح مسئولًا عن تصرفاته فإنه ينقسم- بسبب اختياره وإرادته- إلى مؤمنٍ وكافرٍ، أو طائعٍ وعاصٍ، أو مهتدٍ وضالٍ، وتلك هي المرحلة التي نراها في كثيرٍ من آيات الله البينات، وقد حكم على الإنسان فيها بأحد الوصفين125.

      ويلاحظ أن القرآن الكريم في تقسيمه الإنسان إلى مؤمنٍ وكافرٍ، إنما يفعل ذلك بعد أن يذكر بعض النعم التي أسبغها على عباده جميعًا مما يستلزم الشكر والاعتراف بالجميل والإقرار بالفضل.

      ففي قوله تعالى: ( ) [الإنسان: ٢ - ٣].

      نلمس المساواة بين الأفراد جميعًا في كل ما ذكر، ونجد أن النعم التي تحدث القرآن عنها لا دخل للفرد فيها، ولا إرادة له في الحصول عليها أو الحرمان منها، وإنما هي هبةٌ من الله له، أما ما بعد ذلك من قوله سبحانه في الآية نفسها: ( ) فهو ينطق بإسناد الشكر أو الكفر إلى الإنسان، وهو ما يحقق التفرقة بين من يعترف بالجميل ومن يجحد الفضل ولا يقدر النعمة.

      وفي قوله تعالى: ( ) [التين: ٤]. لا تخطئ المساواة التامة في ذلك بين أفراد النوع كله.

      لكن التفرقة جاءت في قوله سبحانه: ( ) [التين: ٥ - ٦].

      وهي تفرقةٌ مشروعةٌ ومسببة.

      وفي قوله عز وجل: ( ) [الإسراء: ٧٠].

      تبرز المكانة التي أعدها الله لهذا الإنسان في هذه الحياة، وهي مرحلة الاختبار والابتلاء، وكما قرر القرآن وقررت الأديان السماوية جميعًا، لا بد من نتيجةٍ لهذه المرحلة.

      ولا بد من تفرقةٍ بين من شكر النعمة ومن جحد بها وأنكرها، وهو ما نجده في الآيتين التاليتين: ( ﮥﮦ ) [الإسراء: ٧١ - ٧٢].

      وفيما قصه القرآن الكريم من شأن آدم عليه السلام نجد هذا المنهج واضحًا جليًا، فمن ذلك قوله تعالى: ( ﯿ ﰄﰅ ﭔﭕ ) [البقرة: ٣٧ - ٣٩].

      وقوله عز وجل: ( ﯡﯢ ﯥﯦ ﯿ) [طه: ١٢٣ - ١٢٤].

      فهداية الله إلى عباده والممثلة في رسالاته وهديه عامةٌ وشاملة، أما أثر هذه الهداية في الناس فيختلف باختلاف موقفهم منها وعليهم تبعات هذا الموقف. وهذا الذي وجه إلى آدم عليه السلام في أول عهد الإنسان بالحياة، وجه إلى ذريته كذلك

      يقول جل شأنه: ( ﯕﯖ ) [الأعراف: ٣٥ - ٣٦]126.

      ويلاحظ أنه ما من أمةٍ بعث الله إليها رسولًا إلا انقسم أهلها قسمين لا ثالث لهما: مؤمن وكافر، وإن تفاوتت درجاتهم في الدنيا واختلفت درجاتهم ودركاتهم في الآخرة. فالمؤمنون منهم السابقون، ومنهم أصحاب اليمين ؛ والكافرون تختلف دركاتهم، فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار، حيث يعلوهم إخوانهم الكفار.

      قال تعالى: ( ﭾﭿ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [النحل: ٣٦].

      بين سبحانه أنه ما ترك أمةً من غير نذيرٍ، بل بعث في كل أمةٍ رسولها بالحق، وهذا من رحمة الله بعباده، حيث لم يتركهم دون عون لهم في صراعهم المستمر طول وجودهم في هذه الحياة، بل أنار أمامهم الطريق وتعهدهم في أطوار حياتهم بالرسالات التي بينت لهم ما تتطلبه الحياة الصالحة في كل عصر.

      قال تعالى: ( ﭿ ) [فاطر: ٢٤].

      وقد تلقى الناس رسالة الرسل الهادية المرشدة ما بين مهتد مؤمن، وما بين ضالٍ قد حقت عليه الضلالة.

      ( ) أي: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله، فوفقه لتصديق رسله والقبول منها، والإيمان بالله، والعمل بطاعته، ففاز وأفلح، ونجا من عذاب الله، ( ﮈﮉ) أي: وممن بعثنا رسلنا إليه من الأمم، آخرون حقت عليهم الضلالة فجاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله، وكذبوا رسله، واتبعوا الطاغوت فأهلكهم بعقابه، وأنزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين127.

      وقال تعالى: ( ) [النمل: ٤٥].

      يعني: مؤمنون وكافرون128.

      وقد ذكر الله عز وجل هذه الخصومة في قوله: ( ﭼﭽ ﭿ ﮋﮌ ) [الأعراف: ٧٥ - ٧٦].

      وهذا أيضًا دليلٌ واضحٌ جدًا، على أنهم كانوا فريقًا واحدًا قبل أن يرسل الله إليهم صالحًا مجتمعين على الكفر، ثم انشق منهم فريقٌ آخر وهم نبي الله صالح ومن آمن به، ومن لم يؤمن بقي في الفريق الأول، ولا ثالث لهما.

    صفات الإنسان

    1. وصف الحق سبحانه وتعالى الإنسان بصفاتٍ عديدةٍ في القرآن الكريم، نتوصل من خلالها إلى فهم أنفسنا ومعرفتها، كي نحافظ على الجيد منها، ونعالج الرديء؛ ليستطيع الإنسان أداء رسالته، وهذه الصفات بعضها فطريٌ جبليٌ، وبعضها الآخر مكتسبٌ، وفي المطلبين الآتيين سأتناول تفصيل تلك الصفات.

      أولًا: صفاتٌ فطرية:

      ١. الضعف.

      وصف الله عز وجل الإنسان بأنه مخلوقٌ ضعيفٌ، فقال تعالى: ( ) [النساء: ٢٨].

      أي خلقه الله والضعف ملازمٌ له، وليس الضعف المذكور هو الضعف البدني فقط، بل يشمل الضعف النفسي، وضعف العزيمة والإرادة، وضعف القدرة على الضبط الدائم تجاه دوافع نفسه وغرائزه وشهواته وأهوائه129.

      وقال الراغب: ووصف الإنسان بأنه خلق ضعيفًا إنما هو باعتباره بالملأ الأعلى، نحو: ( ﮋﮌ ) [النازعات: ٢٧].

      أو باعتباره بنفسه دون ما يعتريه من فيض الله ومعونته، أو اعتبارًا بكثرة حاجاته، وافتقار بعضهم إلى بعض، أو اعتبارًا بمبدئه ومنتهاه، كما قال تعالى: ( ) [الروم: ٥٤].

      وأما إذا اعتبر بعقله، وما أعطاه من القوة التي يتمكن بها من خلافة الله في أرضه، ويبلغ بها في الآخرة إلى جواره تعالى فهو أقوى ما في هذا العالم،ولهذا قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٧٠]130.

      وإذ خلق الله الإنسان ضعيفًا، فقد قضت حكمته عز وجل أن يراعي هذا الواقع فيه، في أحكامه وشرائعه لعباده، وفي أصول وقواعد محاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم، وفي وسائل تربيتهم وتعليمهم.

      ٢. العجلة.

      قال تعالى: ( ﭾﭿ ) [الإسراء: ١١].

      أي في طبعه العجلة في الأمور، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير.وكما في قوله سبحانه: ( ﭦﭧ) [الأنبياء: ٣٧].

      والعجل هو العجلة والتسرع والسبق إلى مخاطر الأمور من غير تفكيرٍ، ومعنى أنه خلق من عجل، المبالغة في عجلته، كما يقال: خلق من كرمٍ مبالغة في الكرم، والعرب قد تسمي المرء بما يكثر فيه. وليس أصل فطرة العجلة من النقائص في تكوين الإنسان الفطري؛ لأنها تمثل في الإنسان عنصرًا مهمًا من حوافز الجد والعمل، ولكنها تغدو من النقائص حين يسيء الإنسان إدارتها، أو يهملها، إذ المفروض فيها أن تكون خاضعة لعقل الإنسان وإرادته، فإذا انعكس الأمر فصارت هي المسيطرة على العقل والإرادة، اختل توازن الإنسان وجانب سبيل الحكمة في الأمور131.

      ٣. الجدل.

      وصف الله عز وجل الإنسان بأنه أكثر شيءٍ جدلًا، فقال تعالى: ( ) [الكهف: ٥٤].

      أي: وكان الإنسان بحسب جبلته، أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل132.

      قال الراغب: «الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل، أي: أحكمت فتله، ومنه الجديل، وجدلت البناء أحكمته، ودرعٌ مجدولةٌ» 133.

      وذهب الألوسي إلى أن الأليق بالمقام أن يراد به هنا الخصومة بالباطل والمماراة وهو الأكثر استعمالًا 134. والسبب في كون الإنسان أكثر شيءٍ جدلا أن القدرات الفكرية التي زود الله الإنسان بها، قد مكنته من استخدام حيلٍ كثيرةٍ، تعتمد على الإظهار والإخفاء، والمراوغة والمخادعة بمكرٍ عظيمٍ، فهو بذلك قادرٌ على أن يكون طويل النفس في المجادلة بالحق أو بالباطل135.

      وقوله: ( ) [الكهف: ٥٤].

      هذا وقع في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالبٍ وزوجه فاطمة رضي الله عنها حين جاء إليهما ذات ليلةٍ ووجدهما نائمين فقال: (ألا تصليان)، قال علي رضي الله عنه : «إن أنفسنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا»، فانصرف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يضرب فخذه ويقول: ( )136 .

      ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. فعذر الناسي والنائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك، ولكنه يريد أن يحثهما، وأراد عليٌ رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها 137.

      ٤. التقتير.

      وصف الله عز وجل الإنسان بأنه قتورٌ في أصل فطرته، فقال تعالى: ( ﮣﮤ ) [الإسراء: ١٠٠].

      والقتر والتقتير في اللغة: يعني الرمقة من العيش. والإقتار يقصد به: التضييق على الإنسان في الرزق، ولذا يقال: أقتر الله رزقه أي ضيقه وقلله. والقتر: ضيق العيش، يقال أيضًا: قتر الرجل على عياله: أي ضيق عليهم في النفقة 138.

      وكلمة (قتور) صيغة مبالغةٍ على وزن فعول، وقد جاءت في القرآن دالةً على الإنسان البخيل الشحيح الذي يمسك عن الإنفاق.قال المفسرون في قوله تعالى: ( ) أي: بخيلًا مضيقًا139.

      وبين الحق سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى أن بخل الإنسان سببه حبه للمال، فقال تعالى: ( ) [العاديات: ٨].

      ومما يدل كذلك على أن الشح صفةٌ ملازمةٌ للنفس الإنسانية بوجهٍ عام قوله تعالى: ( ﭦﭧ) [النساء: ١٢٨].

      ٥. الهلع.

      وصف الحق سبحانه وتعالى الإنسان بأنه خلق هلوعًا، فقال تعالى: ( ﭿ) [المعارج: ١٩].

      والهلع: بعد الحرص. رجلٌ هلعٌ هلوعٌ هلواعٌ هلواعةٌ: جزوعٌ حريصٌ140.وقيل: الهلع:الجزع وقلة الصبر141، وقيل: الهلع: أفحش الجزع142، وقيل: الهلوع: الضجور143، وقيل: الهلوع: الذي يفزع ويجزع من الشر144.

      هذا ما فسر به بعض من أئمة اللغة لفظة (الهلع)، ولكن ابن عاشور علق على ما أورده أئمة اللغة قائلًا: « الجزع أثر من آثار الهلع وليس عينه، فإن ذلك لا يستقيم في قول عمرو بن معديكرب 145:

      ما إن جزعتُ ولا هلعـ

      ـتُ ولا يرد بكاي زندا

      إذ عطف نفي الهلع على نفي الجزع، ولو كان الهلع هو الجزع لم يحسن العطف، ولو كان الهلع أشد الجزع كان عطف نفيه على نفي الجزع حشوًا. والذي استخلصته من تتبع استعمالات كلمة الهلع أن الهلع قلة إمساك النفس عند اعتراء ما يحزنها أو ما يسرها أو عند توقع ذلك والإشفاق منه» 146.

      وقد فسر أكثر المفسرين وأهل اللغة الهلع الموجود في فطرة الإنسان بأنه ( ) [المعارج: ٢٠ - ٢١].

      فقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وغيرهما عن عكرمة قال: سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الهلوع، فقال: هو كما قال الله تعالى: ( ) [المعارج: ٢٠ - ٢١].

      وأخرج ابن المنذر عن الحسن أنه سئل عن ذلك أيضًا فقرأ الآية. وحكى نحوه عن ثعلب قال: قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع ؟ فقلت: قد فسره الله تعالى ولا يكون تفسير أبين من تفسيره سبحانه، يعني قوله تعالى: ( ) [المعارج: ٢٠- ٢١]147.

      ٧. الظلم والجهل.

      وصف الإنسان بالظلم وبالجهل في قوله تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأحزاب: ٧٢].

      والظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه. والظلم: الميل عن القصد، والعرب تقول: الزم هذا الصواب ولا تظلم عنه، أي: لا تجر عنه148. والظلم: الاعتداء على حق الغير، وأريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له بتحمل الأمانة، وهو حق الوفاء بالأمانة 149.

      والجهل في اللغة: هو عدم العلم أو هو نقيضه. وفي قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٧٣]150.

      والمراد به هنا انتفاء علم الإنسان بمواقع الصواب فيما تحمل به151.

      قال المفسرون: ( )، أي: إنه كان مفرطًا في الظلم مبالغًا في الجهل-بحسب غالب أفراده-152 حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها، وضمنها ثم خان بضمانه فيها 153.

      وصفة الظلم والجهل أصل في الإنسان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والإنسان خلق ظلومًا جهولًا ؛ فالأصل فيه عدم العلم، وميله إلى ما يهواه من الشر؛ فيحتاج دائمًا إلى علمٍ مفصلٍ يزول به جهله، وعدلٍ في محبته وبغضه، ورضاه وغضبه، وفعله وتركه، وإعطائه ومنعه»154.

      ٨. الطغيان.

      بين الحق سبحانه وتعالى أن الإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد متى رأى نفسه في غنًى، قال تعالى: ( ) [العلق: ٦ - ٧]. والطغيان في اللغة: مجاوزة الحد في كل شيءٍ، يقال: طغى الماء وطغى السيل إذا جاء بماءٍ كثيرٍ، وطغى البحر: هاجت أمواجه، وطغى الإنسان طغيانًا: جاوز القدر في الكبر والمعصية والكفر، وفيه إفراط ومبالغة في الشر والكبر155.

      قال ابن عاشور: «التعريف في (الإنسان) للجنس، أي من طبع الإنسان أن يطغى إذا أحس من نفسه الاستغناء، واللام مفيدة الاستغراق العرفي، أي أغلب الناس في ذلك الزمان إلا من عصمه خلقه أو دينه. وعلة هذا الخلق أن الاستغناء تحدث صاحبه نفسه بأنه غير محتاج إلى غيره وأن غيره محتاج، فيرى نفسه أعظم من أهل الحاجة، ولا يزال ذلك التوهم يربو في نفسه حتى يصير خلقًا لا وازع يزعه من دين أو تفكير صحيح، فيطغى على الناس لشعوره بأنه لا يخاف بأسهم»156. ولما كانت صفة الطغيان ملازمة لمن يرى من الناس أنه استغنى، كان من التربية الربانية للناس أن الله تبارك وتعالى قد جعل الإنسان حبيس الحاجة والافتقار، في كل أمرٍ من أموره، حتى يرجع دائمًا إلى ربه157.

      ٩. الكنود.

      قال جل وعلا: ( ) [العاديات: ٦].

      والكنود في اللغة: وصف من أمثلة المبالغة من كند، يقال:كند يكند كنودًا: كفر النعمة؛ ورجلٌ كنادٌ وكنودٌ . وقيل: الكنود هو الجحود 158.

      وأصل الكنود الأرض التي لا تنبت شيئًا، شبه بها الإنسان الذي يمنع الخير ويجحد ما عليه من واجبات159، ولغات العرب مختلفة في معناه، فهو في لغة مضر وربيعة: الكفور بالنعمة، وبلغة كنانة: البخيل، وفي لغة كندة وحضرموت: العاصي. والمعنى: لشديد الكفران لله160.

      والتعريف في (الإنسان) تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالبًا، قال المفسرون: ( ): أي طبع الإنسان على كفران النعمة161، وهذا عارضٌ يعرض لكل إنسانٍ على تفاوت فيه، ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكمل أهل الصلاح؛ لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه وهو أمرٌ في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكر حق غيره162.

      وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتدرون ما الكنود؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: الكنود الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده163.

      أي: أنه لا يعطي شيئًا مما أنعم الله به عليه، ولا يرأف بعباده كما رأف به؛ فهو كافر بنعمته، مجانف لما يقضي به العقل والشرع164. وسر هذه الجبلة- أن الإنسان يحصر همه فيما حضره، وينسى ماضيه، وما عسى أن يستقبله؛ فإذا أنعم الله عليه بنعمة غرته غفلته، وقسا قلبه، وامتلأ جفوة على عباده165.

      ١٠. الفرح.

      الفرح في اللغة: نقيض الحزن، وهو السرور، يقال: فرح يفرح فرحًا: سر وابتهج. وفي ذلك يقول تعالى: ( ﯪﯫ) [الروم: ٤ - ٥].

      والفرح أيضًا: البطر، يقال: فرح فلان: أي استخفته النعمة فأبطرته، فهو فرح وفرحان166.

      وقد وصف الإنسان في القرآن الكريم بالفرح على سبيل الذم وذلك بصيغة المبالغة (فرح) على وزن (فعل) للدلالة على بطر ذلك الإنسان الجاحد في قوله تعالى:( ﯓﯔ ) [هود: ١٠].

      فلفظ (فرح) مثال مبالغة، أي: شديد الفرح. وشدة الفرح: تجاوزه الحد والبطر والأشر.

      قال تعالى: ( ) [القصص: ٧٦]167.

      فإن قيل ما وجه ذم الإنسان على الفرح وقد وصف الله الشهداء فقال: (فرحين)؟ أجاب عن ذلك ابن الأنباري فقال: إنما ذمه بهذا الفرح؛ لأنه يرجع إلى معنى المرح والتكبر عن طاعة الله.

      قال الشاعر:

      ولا ينسيني الحدثان عرضي

      ولا ألقي من الفرح الإزارا

      يعني من المرح. وفرح الشهداء فرحٌ لا كبر فيه ولا خيلاء، بل هو مقرون بالشكر فهو مستحسن168.

      وذهب بعض المفسرين إلى تمييز الفرح الممدوح من المذموم حسب وروده مقيدًا أو مطلقًا في القرآن، فقالوا: إن الفرح إذا جاء مطلقًا فهو مذموم، ولا يأتي ممدوحًا إلا مقيدًا بما فيه خير، كقوله: ( ) [آل عمران: ١٧٠]169.

      ١١. الفخر.

      الفخر في اللغة: التمدح بالخصال والافتخار وعد القديم، وهو المباهاة والتعاظم والتكبر، يقال: فخر فخرًا وفخارًا، فهو فاخرٌ وفخورٌ: تباهى وتكبر170.

      قال الراغب: الفخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه، ويقال له: الفخر، ورجلٌ فاخرٌ وفخورٌ وفخيرٌ على التكثير171.

      وقد وصف الإنسان في القرآن الكريم بالفخر والمباهاة، وذلك بصيغة المبالغة (فخور) على وزن (فعول) ؛ للدلالة على شدة التكبر والتعاظم عند الإنسان الجاحد في قوله تعالى:( ﯓﯔ ) [هود: ١٠].

      وفي هذه الآية بيان لحال ذلك الإنسان إذا منحه الله الصحة والسلامة والغنى بعد أن كان في ضرٍ من فقرٍ أو مرضٍ أو خوفٍ، لم يقابل ذلك بما يليق به من الشكر لله سبحانه، بل يقول مباهيًا بجحوده: ذهب السيئات، أي المصائب التي ساءته، وأصبح بطرًا أشرًا، متعاظمًا على الناس بما أوتي من النعم مشغولًا بذلك عن القيام بحقها 172.

      والفخر فيه أمران مفسدان للنفس: الأمر الأول: المطاولة على الغير وغمط الناس حقوقهم. الأمر الثاني: إنكار نعمة المنعم معتقدًا أنه مجهوده وعمله وليس بعطاءٍ من الله، وإن التفاخر يوهم صاحبه أنه في حالٍ لم يصل إليها غيره فيتخيل ما ليس عنده، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا حين قال: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرفٍ ولا مخيلةٍ)، وقال تعالى: ( ) [النساء: ٣٦]173.

      ثانيًا: صفاتٌ مكتسبةٌ.

      ١. الكفر.

      من أبرز وأكثر صفات الإنسان المكتسبة التي وردت في القرآن الكريم، صفة الكفر، وقد وردت خبرًا عن الإنسان في ستة مواضع، وهي صفةٌ قبيحةٌ ذمها الله تعالى حتى قال سبحانه: ( ) [عبس: ١٧].

      والكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص،والزراع لستره البذر في الأرض، والكفر:نقيض الإيمان، وقيل: الكفر: كفر النعمة، وهو نقيض الشكر. ويقال: رجل كفار وكفورٌ: أي كافر، والكافر الجاحد لأنعم الله، ويطلق الكافر أيضًا على: البحر، والوادي العظيم، والنهر الكبير، والسحاب المظلم، والدرع174.

      وقال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق175.

      وقد عبر القرآن الكريم عن كفر الإنسان بصيغة المبالغة (كفار) على وزن (فعال) وهي تفيد كثرة المزاولة للفعل وتكراره، و(كفور) على وزن (فعول) وهي تفيد الدلالة على المبالغة مع التجدد والاستمرار176؛ وذلك للتشنيع على هذا الكفر الذي يقابل به الإنسان نعم ربه عليه.

      ومن خلال استقراء أقوال المفسرين للمواضع الستة التي وردت فيها صفة الكفر خبرًا عن الإنسان، تبين أن كفر الإنسان في القرآن الكريم نوعان:

      النوع الأول: الكفر المقابل للشكر، أو كفران النعمة، كما يدل عليه قوله عز وجل: ( ﮫﮬ ) [الشورى: ٤٨].

      وقوله سبحانه: ( ) [هود: ٩].

      وقوله تعالى: ( ﭚﭛ ﭠﭡ ) [الإسراء: ٦٧].

      وقد قرن القرآن بين الظلم وهذا النوع من الكفر لأنهما يتقاربان في هذا السياق: ( ﭕﭖ ﭜﭝ ) [إبراهيم: ٣٤].

      والنوع الثاني: الكفر المقابل للإيمان، كما في قوله عز وجل: ( ) [الإسراء: ٨٩].

      ومن تجليات هذا الكفر عدم إخلاص العبادة لله وحده وإشراك غيره معه: ( ﮉﮊ ) [الزخرف: ١٥].

      وقد بالغ هنا في إظهار فظاعة هذا الكفر حين وصفه بالمبين؛ أي بين الكفر.

      ٢. الفجور.

      وصف الإنسان في القرآن الكريم بصفة الفجور، وذلك في قوله تعالى:( ) [القيامة: ٥].

      والفجور في اللغة: الانبعاث في المعاصي، يقال: فجر الإنسان يفجر فجرًا وفجورًا: انبعث في المعاصي، وقيل: فجر: إذا ركب رأسه غير مكترث.177.والفجور: فعل السوء الشديد ويطلق على الكذب، ومنه وصفت اليمين الكاذبة بالفاجرة178. وأصل الفجور: الميل، وسمي الفاسق والكافر: فاجرًا، لميله عن الحق179.

      والآية الكريمة التي عبرت عن فجور الإنسان تقفنا على حقيقة ذلك الإنسان الكافر الذي يرغب ألا يقيد أهواءه قيدٌ، بل يريد أن يمضي قدمًا على معاصي الله ما عاش راكبًا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب، ومن ثم فهو ينكر اليوم الآخر لما يترتب على إيمانه به من قيود وضوابط 180.

      ٣. المخاصمة.

      صفة الخصام من صفات الإنسان المكتسبة، وقد عبر عنها القرآن بصيغة المبالغة () في موضعين؛ في قوله تعالى: ( ) [النحل: ٤].

      وفي قوله جل وعلا: ( ﮋﮌ ) [يس: ٧٧].

      خصيمٌ: صيغة مبالغةٍ على وزن (فعيلٌ) بمعنى: شديد الخصومة، أو كثير الخصام، ويجوز أن تكون بمعنى مخاصم، وإتيان الفعيل بمعنى المفاعل كثيرٌ في كلام العرب،كالخليط بمعنى المخالط، والقعيد بمعنى المقاعد، والجليس بمعنى المجالس، ونحو ذلك، ومعنى (خصيمٌ) جدول بالباطل181. ومبينٌ: اسم فاعل أبان اللازمة، بمعنى بان وظهر182. ومعنى المبين: المظهر لما يقوله، الموضح له بقوة عارضته وطلاقة لسانه 183.

      وجاء التعقيب في الموضعين بذكر هذه الصفة بعد الحديث عن خلق الإنسان، والتنبيه على أن الله عز وجل خلقه من نطفة، أي من ماءٍ مهينٍ، وصوره ونقله من حالٍ إلى حالٍ، وأخرجه إلى ضياء الدنيا وغذاه ورزقه وقواه، حتى إذا استوى، كفر بخالقه وجحد نعمته، بل خاصمه في أمر عظيم كأمر البعث، فأنكره وساق حججه على ذلك فقال: ( ) [يس: ٧٨].

      وعبد ما لا يضره وما لا ينفعه: ( ﯿ ﰂﰃ ) [الفرقان: ٥٥].ونسي خلقه، وانتقاله من ماء، إلى علقة، إلى مضغة، إلى عظم، إلى تصوير، إلى خروج إلى الدنيا، وضعف إلى قوة، وضعف بعد قوة184.

      وجاءت صفة الخصام في هذين الموضعين مقترنة بصفة الإبانة: () التي كانت من أعظم منن الله على الإنسان بعد منة الخلق: ( ﭿ ) [الرحمن: ٣ - ٤].

      ٤. اليأس.

      اليأس في اللغة: القنوط، ضد الرجاء أو قطع الأمل، يقال: يئس من الشيء ييأس: أي انقطع أمله. ويئست المرأة: أي عقمت فهي يائسة. ويقال: رجلٌ يائسٌ ويئوسٌ: أي شديد اليأس185. ويئوس: فعولٌ من قول القائل يئس فلانٌ من كذا فهو يئوس إذا كان صفة له186.

      وقد ورد لفظ (يئوس) في القرآن الكريم في أكثر من موضعٍ بصيغة المبالغة دالًا على وصف الإنسان باليأس الشديد إذا أصابه شرٌ أو ضررٌ أو سلبت منه نعمة، كما في قوله تعالى: ( ) [هود: ٩].

      وقوله سبحانه: (ﭿ ) [فصلت: ٤٩].

      وقوله جل وعلا: ( ﯚﯛ ) [الإسراء: ٨٣]

      ففي هذه الآيات الكريمة بيانٌ لحال الإنسان الكافر في اختبار الله له بزوال النعمة أو إصابته بالشدة والضر، فإنه يصير يئوسًا؛ وذلك لأنه يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى، فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس. وكل ذلك لأنه مادي لا يؤمن إلا بالمادة، ولا يرجو ما عند الله الذي يعطي ويمنع ويعز ويذل187.

      ٥. القنوط.

      القنوط في اللغة: مصدر قنط، يقال: قنط يقنط ويقنط قنوطًا، وقنط قنطًا وهو قانطٌ: يئس. فالقنوط: اليأس، وقيل: اليأس من الخير، وقيل: أشد اليأس من الشيء188.

      وقد ورد لفظ (قنوط) بصيغة المبالغة في القرآن الكريم في موضعٍ واحدٍ فقط، دالًا على شدة يأس الإنسان، في قوله جل وعلا: (ﭿ ) [فصلت: ٤٩].

      أي: يئوس من الخير، قنوطٌ من الرحمة. وقيل: قنوطٌ أي: سيء الظن بربه، كأنه يقول: لا يكشف الله تعالى ما بي من البلاء والشدة189.

      وقد فرق بعض المفسرين بين اليأس والقنوط؛ إذ لو كانت الكلمتان متطابقتين لاستغنى السياق القرآني عن واحدة منها، فقالوا: اليأس من صفة القلب، وهو قطع الرجاء من رحمة الله تعالى، والقنوط من صفة البدن، بأن يظهر أثر اليأس في بدنه، فيتضاءل ويحزن وينكسر ويتذلل190.

      وقال بعضهم: هما مترادفان؛ وذكرهما معًا للتأكيد191.

      وقد جاءت تربية الشريعة للأمة على ذم القنوط.

      قال تعالى حكايةً عن إبراهيم: ( ) [الحجر: ٥٦]192.

    الإنسان والشيطان

    1. بين لنا القرآن الكريم- في آياتٍ كثيرةٍ - أن علاقة الشيطان بالإنسان علاقة عداوة، وهي من سنن الله الكونية التي قررها الله عز وجل في قوله: ( ﭴﭵ) [فاطر: ٦].

      والهدف منها واضحٌ جليٌ ( ) [فاطر: ٦].

      ويرجع تاريخ تلك العداوة إلى اليوم الذي شكل الله عز وجل فيه آدم عليه السلام قبل أن ينفخ فيه الروح، فأخذ الشيطان يطيف به، ويقول: لئن سلطت علي لأعصينك، ولئن سلطت عليك لأهلكنك. فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لما صور الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك»193. فلما نفخ الله في آدم الروح، وأمر الملائكة بالسجود لآدم، وكان إبليس يتعبد الله مع ملائكة السماء فشمله الأمر، فسجدوا جميعًا إلا إبليس أبى أن يسجد لآدم عليه السلام.

      قال تعالى: ( ) [البقرة: ٣٤]. فكان الاستعلاء والاستكبار من قبل إبليس ردًا على الأمر الإلهي بالسجود، إذ يعتقد بأفضليته وخيريته على آدم فقال: ( ) [الأعراف: ١٢].

      وقال: ( ) [الإسراء: ٦١]. والحسد على تكريم الله إياه، قال: ( ) [الإسراء: ٦٢].

      فكان جزاؤه أن عامله الحق سبحانه وتعالى بنقيض قصده، حيث كان قصده التعاظم والتكبر، فأخرجه الله صاغرًا حقيرًا ذليلًا، ( ) [الأعراف: ١٣].

      لكن إبليس لم يرد أن يترك جهلًا محادته لله سبحانه وتعالى ( ) [الأعراف: ١٤].

      أي: أمهلني فلا تعجل بموتي إلى يوم يبعثون، وقد ذكر ما يريد عمله من ذلك الإمهال وهو إضلال الناس، فأجابه الله إلى طلبه ( ) [الأعراف: ١٥].

      وقطع اللعين على نفسه عهدًا بإضلال آدم وذريته والكيد لهم: ( ﭿ ﮋﮌ ﮏﮐ ) [الأعراف: ١٦ - ١٧].

      وابتدأ اللعين يعد عدته ويدبر للفتك بآدم وذريته، فبعد أن أكرم الله عز وجل آدم بأنواع التكريم، وأسجد له ملائكته، وبعد ما تحقق من إبليس ما تسبب في طرده- لعنه الله- من الجنة، زاد حقده على آدم أن يسكن الجنة التي طرد منها بسببه.

      فعقد العزم على إغواء أبينا آدم، فجاءه وزوجه بطريق الوسوسة: ( ) [الأعراف: ٢٠].

      ( ﮯﮰ ﯡﯢ ﯥﯦ ) [طه: ١٢٠ - ١٢٣]

      بل أقسم على إضلال آدم وذريته، كما أخبر القرآن الكريم على لسانه: ( ﯜﯝ ﯩﯪ ) [الإسراء: ٦٢ - ٦٥].

      وقد أطال القرآن في تحذيرنا من الشيطان وبيان عداوته للإنسان، فقد ورد ذكره بصفة المفرد في سبعين آية، وبصفة الجمع في ثماني عشرة آية، وذلك لشدة عداوته وفتنته، ومهارته في الإظلال، ودأبه وحرصه على ذلك.

      ومن خلال تتبع آيات القرآن الكريم في ذكره لكلمة (عدو) نجد أنها وردت مقرونةً بوصف (مبين) تسع مراتٍ، ثمانية منها في شأن العداوة مع الشيطان.

      قال تعالى: ( ﯲﯳ ) [البقرة: ١٦٨].

      وقال سبحانه: ( ﯘﯙ ) [البقرة: ٢٠٨].

      وقال جل وعلا: ( ﯥﯦ ﯮﯯ ) [الأنعام: ١٤٢].

      وقال تعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ﰄﰅ ) [الأعراف: ٢٢].

      وقال تعالى: ( ﭚﭛ ) [يوسف: ٥].

      وقال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [يس: ٦٠].

      قال تعالى: ( ﭟﭠ ) [الزخرف: ٦٢].

      وقال تعالى: ( ﮅﮆ ﮊﮋﮌ ) [الإسراء: ٥٣].

      ومعنى قوله: ( ) بين العداوة لا يخفيها ولا يطويها، عداوته جلية واضحة194.

      والموضع الوحيد الذي وصفت فيه عداوة غير الشيطان بهذا الوصف هو قوله تعالى: ( ) [النساء: ١٠١].

      وزد على ذلك أن (الخسران) لم يوصف بأنه مبيٌن إلا في سياق العلاقة مع الشيطان!

      وذلك في قوله تعالى: ( ) [النساء: ١١٩].

      وعداوة الشيطان للإنسان مستمرةٌ لانهاية لها بل هي باقيةٌ أبد الدهر، بيد أنه لا يعدو الشيطان في حياة الإنسان أنه مخلوقٌ باستطاعته أن يوسوس في صدر الإنسان بالشر، ويزين له ارتكاب الخطيئة بإرادته، ويعد مسئولا عنها مسئولية تامة.ففي المفاهيم الإسلامية عدة حقائق عن الشيطان تبين موقعه في حياة الإنسان، وأثره على إرادته، والحكمة الربانية من وجوده.

      الحقيقة الأولى: تتلخص في أن الشيطان ليس له سلطانٌ على إرادة الإنسان، إلا من سلم قيادة نفسه له وتبعه مختارًا لنفسه طريق الغواية، ونجد الدليل على هذه الحقيقة في عدة نصوصٍ قرآنيةٍ، منها قول الله تعالى يخاطب إبليس رأس الشياطين:

      ومنها قول الله تعالى: ( ) [الحجر: ٤٢].

      ومنها قول الله تعالى:( ﯩﯪ ) [الإسراء: ٦٥].

      ومنها قول الله تعالى: ( ) [النحل: ٩٨ - ١٠٠].

      فمن الظاهر في هذه النصوص أن الله تبارك وتعالى لم يجعل للشيطان سلطانًا على الإنسان، وأن سلطانه لا يكون إلا على الذين يتولونه، ويجعلونه قائدًا لهم، ويتبعونه مختارين لأنفسهم طريق الغواية.

      ومن أجل ذلك فإن الشيطان سيعلن هذه الحقيقة يوم القيامة للذين استجابوا لوساوسه في الدنيا.

      ويدل على ذلك قول الله تعالى: ( ﮨﮩ ﮯﮰ ﯗﯘ ) [إبراهيم: ٢٢].

      ( ) أي: ما أنا بقادرٍ على إغاثتكم وما أنتم بقادرين على إغاثتي، حينما يصرخ كلٌ منا طالبا من صاحبه أن يغيثه فيرفع عنه عذاب الله.

      الحقيقة الثانية: تتلخص في أن وظيفة الشيطان في حياة الإنسان إنما هي الوسوسة في صدره وليس له قدرة على أكثر من ذلك، ويشعر الإنسان بهذه الوسوسة في صورة خواطر تزين له الإثم والمعصية، وتزين له الانحراف عن سواء السبيل، وقد تصوغ له ذلك بحججٍ مغرية.

      قال الله تعالى: ( ﮋﮌ ) [الناس: ١ - ٦]

      وقال الله تعالى: ( ﮣﮤ ) [محمد: ٢٥].

      أي: غرهم بالأماني والآمال في وساوسه وتسويفاته، وهذا ما فعله مع آدم وحواء، إذ كانا في الجنة فوسوس لهما فأخرجهما من الجنة. فكيد الشيطان في الإضلال كيدٌ ضعيفٌ، وبذلك وصفه الله بقوله: ( ) [النساء: ٧٦].

      الحقيقة الثالثة: تتلخص في أن الله تبارك وتعالى جعل الشيطان في حياة الإنسان لإقامة التوازن بين دوافع الخير ودوافع الشر والمحرضات عليهما، وليطرح الإنسان عليه قسمًا من مسئولية الخطيئة التي يقع بها، فيجد لنفسه عذرًا بأن فعل الشر ليس من فطرته، وإنما كان بتأثير وساوس قرينه الشيطان الملازم له.وبهذا لا تظل صورة الخطيئة القبيحة ماثلةً في نفس الإنسان، إذ يشعر بأن القبح في العمل ليس من شأنه. وهذا الشعور الذي يشعر به المخطئ، قد يساعده على تقويم نفسه، مستعيذًا بالله من الشيطان، ساعيًا في التخلص مما علق به من أدناس المعاصي، كما يساعده على نسيان خطيئته إذا هو استغفر الله وتاب إليه؛ إذ من وسائل الإصلاح التربوي فتح باب العذر لمن نربيه إذا ارتكب الخطيئة، ولو عاقبناه عليها نظرًا إلى مسئوليته، وذلك لنبقى له مجالًا يحتفظ فيه بصورة الكمال التي يجب أن يتصورها الناس فيه، ولنبق له مجالًا للارتقاء في مراتب الكمال الإنساني195.

      [انظر: آدم: آدم وإبليس]

    نداءاتٌ ووصايا للإنسان

    1. جاءت النداءات والوصايا من الله عز وجل للإنسان في القرآن الكريم كي ترشد الإنسان إلى الطريق القويم ليفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة، فالله عز وجل إذا كان قد جعل الإنسان مختارًا فإنه لم يتركه سدى، بل أرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، وأرشده إلى الطريق الصحيح، ولذا كان حريٌ بالإنسان أن يعنى بتلك النداءات والوصايا، وقد ورد نداء الإنسان في القرآن في موضعين، وفي استخدام أسلوب النداء تلطفٌ بالمخاطب، بخلاف مواجهة المخاطب بالأمر والنهي مباشرة فإن فيها جفوة وقسوة، كما جاءت وصية الله للإنسان في ثلاثة مواضع جميعها توصية بالإحسان إلى الوالدين، وفي استخدام أسلوب الوصية أثرٌ بالغٌ في النفس وأقوى في الامتثال من أسلوب الأمر والتكليف، وفي المطلبين الآتيين بيان لتلك النداءات والوصايا.

      أولًا: نداءات الله للإنسان:

      ورد نداء الله عز وجل للإنسان في القرآن الكريم في موضعين:

      الموضع الأول: قوله تعالى: ( ) [الانفطار: ٦ - ٨].

      النداء هنا للتنبيه، تنبيهًا يشعر بالاهتمام بالكلام والاستدعاء لسماعه، فليس النداء مستعملًا في حقيقته، إذ ليس مرادًا به طلب إقبال، ولا هو موجه لشخصٍ معينٍ أو جماعةٍ معينةٍ، بل مثله يجعله المتكلم موجهًا لكل من يسمعه بقصدٍ أو بغير قصدٍ196.

      والتعريف في (الإنسان) تعريف للجنس، وعلى ذلك حمله جمهور المفسرين، أي: ليس مرادًا إنسانًا معينًا، وقرينة ذلك سياق الكلام عقبه: ( ﭿ ) [الانفطار: ٩ - ١٠]197.

      وهذا العموم مراد به الذين أنكروا البعث198.

      وقد خاطب الله عز وجل الإنسان بصفة الإنسانية التي تميزه على المخلوقات؛ ليرعوي ويتذكر أنه إنسان مكرمٌ حريٌ به أن يستجيب لمن أكرمه بالنعم التي لا تعد ولا تحصى. ففي هذا الخطاب: استدعاء لمعاني الإنسانية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، من قوى عاقلة مدركة، من شأنها أن تميز بين الخير والشر، وتفرق بين الإحسان والإساءة199.

      فتصدير الآية القرآنية بقوله سبحانه وتعالى: ( )، أي: تنبه!!

      إن الصفة التي أعطيتك إياها ما كان ينبغي أن يوجد معها الغرور، ومع ذلك وجد منك الغرور، واغتررت بربك الكريم، فلو أنك اغتررت بالذي وهب لو كان غير كريم لكان من الممكن أن تكون حفيظة نفسك قد أثرت فيك، ولكنه سبحانه وتعالى رب كريم، فما داعي الغرور إذًا؟!.

      ويلاحظ أن جملة النداء وليها الجملة الاستفهامية ( ) وهي تقرر وتوضح كرم الربوبية، وفي ذلك لفت وإثارة، والمعنى: أي شيءٍ خدعك وجرأك على عصيان ربك الكريم الذي أنعم عليك بنعمة الوجود والعقل والتدبر، ولا تزال أياديه تتوالى عليك، ونعمه تترى لديك؟200.

      روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: ( ) فقال: جهله، وقاله عمر رضي الله عنه وقرأ: ( ) [الأحزاب: ٧٢]201.

      وقيل: غره عدوه المسلط عليه. وقيل: غره ستر الله تعالى عليه. وقيل: غره كرم الله تعالى. وقيل: غره طمعه في عفو الله عنه202.

      قال ابن جزي: «ولا تعارض بين هذه الأقوال؛ لأن كل واحدٍ منها مما يغر الإنسان، إلا أن بعضها يغر قومًا، وبعضها يغر قومًا آخرين»203.

      ثم يفصل الله عز وجل شيئًا من هذا الكرم الإلهي، الذي أجمله في النداء الموحي العميق الدلالة، المشتمل على الكثير من الإشارات المضمرة في التعبير. يفصل شيئًا من هذا الكرم الإلهي المغدق على الإنسان المتمثل في إنسانيته التي ناداه بها في صدر الآية، فيشير في هذا التفصيل إلى خلقه وتسويته وتعديله204.

      قال تعالى: ( ) وهذه صفاتٌ مقررةٌ للربوبية مبينةٌ وموضحةٌ لكرم الله على الإنسان.حيث إنه تعالى لما وصف نفسه بالكرم، ذكر هذه الأمور الثلاثة (الخلق والتسوية والتعديل)، كالدلالة على تحقق ذلك الكرم، فقوله تعالى: ( ) لا شك أنه كرمٌ؛ لأنه وجود، والوجود خير من العدم، والحياة خير من الموت، كما قال تعالى: ( ﯢﯣ) [البقرة: ٢٨].

      وقوله تعالى: () أي: جعلك سويًا سالم الأعضاء، ونظيره قوله تعالى: ( ) [الكهف: ٣٧].

      أي: معتدل الخلق والأعضاء205.

      وقوله: () أي: عدل أعضاءك بعضها ببعض، أي وازن بينها، فلم يجعل إحدى اليدين أطول من الأخرى ولا إحدى العينين أكبر من الأخرى، ولا إحداهما كحلى والأخرى زرقاء، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود، وشبه ذلك من الموازنة206.

      ويلاحظ في هذه الآية الكريمة تعدد الصلات وإن كان بعضها قد يغني عن البعض، فإن التسوية حالة من حالات الخلق، وقد يغني ذكرها عن ذكر الخلق كقوله: ( ) [البقرة: ٢٩].

      ولكن قصد إظهار مراتب النعمة، وهذا من الإطناب المقصود به التذكير بكل صلة والتوقيف عليها بخصوصها، ومن مقتضيات الإطناب مقام التوبيخ207.

      ثم أجمل ما فصله أولًا بقوله: ( ):أي ركبك في صورةٍ هي من أبهى الصور وأجملها، وأدلها على بقائك الأبدي في نشأة أخرى بعد هذه النشأة، فإن الكريم يوفي كل مرتبة من الوجود حقها، فمن خص بهذه المنزلة الرفيعة لا ينبغي أن يعيش كما يعيش سائر الحيوان، ويموت كما يموت الوحش وصغار الذر، وإنما الذي يليق بعقله وقوة نفسه أن تكون له حياة أبدية لا حد لها، ولا فناء بعدها، يوفى كل ذي حق حقه، وكل عامل جزاء عمله 208.

      نخلص من ذلك: إلى أن هذا النداء للإنسان فيه توبيخٌ له على جحود النعم وتحذيرٌ له من الانهماك في الدنيا، فالله عز وجل خلقه في أحسن تقويم، كما قال تعالى:( ) [التين: ٤].

      ومنحه من النعم ما لا يعد ولا يحصى ( ﭜﭝ ) [إبراهيم: ٣٤].

      وأهم هذه النعم ما يتعلق بنفسه، حيث خلقه الله من نطفة ولم يك شيئًا، وجعله سليم الأعضاء منتصب القامة، متناسب الأعضاء، وصوره في أحسن الصور وأعجبها، ومنحه عقلًا امتاز به على كثير من المخلوقات: ( ) [الإسراء: ٧٠]؛ كي يحقق العبودية لله تعالى، كما قال جل شأنه:( ) [الذاريات: ٥٦].

      فهل يليق بالإنسان بعد هذا الإكرام أن يكفر بنعمة المنعم أو يجحد إحسان المحسن؟.

      والموضع الثاني: قوله سبحانه: ( ﭿ ﮋﮌ ) [الانشقاق: ٦ - ١٥]

      والخطاب عام لكل إنسانٍ، فاللام في قوله (الإنسان) لتعريف الجنس وهو للاستغراق، كما دل عليه التفصيل في قوله: ( ﭿ) إلى قوله: ( ) 209.فهو يشمل كل فردٍ من أفراد الناس الموضوعين في الحياة الدنيا موضع الامتحان، بأسلوب الخطاب الإفرادي، لإعلام كل فرد فأنه محل عناية الرب في خطابه210.

      والمقصود الأول من هذا وعيد المشركين؛ لأنهم الذين كذبوا بالبعث. فالخطاب بالنسبة إليهم زيادة للإنذار، وهو بالنسبة إلى المؤمنين تذكير وتبشير211.

      وفي هذا الخطاب كذلك يستدعي الحق سبحانه وتعالى في الإنسان صفة الإنسانية التي تفرده في هذا الكون بخصائص من شأنها أن يكون أعرف بربه، وأطوع لأمره، ولعل في طبيعة هذا النداء ما يلفت الانتباه إلى هذه الربوبية، والدعوة للعودة إليها، بما يوحيه هذا النداء من بلاغةٍ في الخطاب، وذلك بما فيه من التخصيص لكل فردٍ فيه.

      فهي دعوة تمتلئ شفقة ورحمة بالإنسان ليعود إلى ربه بما تحمله كلمة الرب من معاني العناية والرعاية، وكذلك بما توحيه أداة النداء التي للبعيد تنبيهًا على أن معاصيه أبعدته عن القرب من الله، فقال تعالى: ( ) [الانشقاق: ٦]

      و(الكادح): العامل بشدةٍ وسرعة واجتهاد مؤثر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته حدوثًا أو كدوحًا في وجهه يوم القيامة)212.

      والمعنى: يا أيها الإنسان المجد في سعيه، النشيط في عمله السريع في تحصيل معاشه وكسبه: إنك تكدح في طلب الدنيا، حتى استبطأت حركة الزمن، وكم تمنيت نهاية اليوم أو الشهر أو العام لتحصل على طلبك، أيها الإنسان ما أجهلك!!

      ألم تعلم بأن هذا كله من عمرك، وأنت تكدح صائرًا إلى ربك، وتجدك واصلًا إلى نهايتك وموتك.

      قال الشاعر:

      يسر المرء ما ذهب الليالي

      وكان ذهابهن له ذهابا

      فأنت تجد في السير إلى ربك، فتلاقي عملك هناك أوضح من الشمس، فاعمل في دنياك على هذا الأساس. ستلاقي ربك يوم القيامة، وستلاقي عملك يوم يقوم الناس للعرض على الملك الجبار ( ) [الحاقة: ١٨]213.

      وقد خلق الله الإنسان ضمن ظروف هذه الحياة الدنيا في محيط الكبد، كما قال تعالى: ( ) [البلد: ٤].

      أي: في محيطٍ من الشدة والمشقة والضيق، لذلك فهو بحاجة لتحقيق مطالبه من خيرٍ أو شرٍ إلى الكدح، أي: إلى السعي والعمل بنصبٍ ومشقةٍ.

      فالإنسان حريصٌ على البقاء، ومن أجل ذلك فهو يتحمل أنواعًا من الكدح والمكابدة، فلا نكاد نجد في الناس إنسانًا غير كادحٍ، وهذه حقيقةٌ مشاهدة في السلوك الدائم للإنسان.

      وهي التي جعلت المعري يقول214:

      تعبٌ كلها الحياة فما أع

      جب إلا من راغبٍ في ازدياد

      ولا يشترط أن يكون الكدح في عملٍ جسديٍ، بل قد يكون في حركاتٍ نفسيةٍ ذات مشقةٍ على النفس أكثر من حركات الكد الجسدي، فمن الكدح ما يعانيه الإنسان من أمراضٍ، وأوجاع، وآلامٍ، جسديةٍ ونفسيةٍ. ومن الكدح ما يعانيه الإنسان من آلام المصائب في الأموال والأنفس، وفقد الأحبة.

      ويستمر كدح الإنسانٍ حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وملاقاة ربه بالموت، وبعد ملاقاته ربه بالموت تبدأ مرحلة ملاقاة حسابه، وفصل القضاء بشأنه، ومجازاته على ما كسبه بإرادته في رحلة امتحانه، وأكبر ذلك ما يكون يوم الدين215.

      وما دام الإنسان في ظروف الحياة التي تتطلب منه أن يكون كادحًا في الخير أو في الشر، فإن العقل السديد والرأي الرشيد يوجبان عليه أن يكدح كدحًا يحقق له النجاح في الدنيا، وأكبر حظٍ من سعادة النفس فيها، ثم يحقق له مرضاة الله والسعادة الخالدة عنده يوم الجزاء الأكبر216.

      وقد فصًل الحق سبحانه وتعالى الإجمال الذي في قوله: ( ) مبينًا أحوال الإنسان عندما يلاقي ربه، ( ﭿ ) [الانشقاق: ٧ - ٩].

      أي: وهناك في موقف الحساب، يؤتى كل إنسانٍ كتابه: ( ﮣﮤ ) [١٣- ١٤: الإسراء].

      فأما من أوتى كتابه بيمينه، فهو من أهل السلامة والنجاة. إنه يحاسب حسابًا يسيرًا، لا رهق فيه، لا عسر. فما هو إلا أن يعرض في موقف الحساب، حتى يخلى سبيله. ففترة العرض والانتظار، هي هذا الحساب اليسير. ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حوسب يوم القيامة عذب). قالت: فقلت: يا رسول الله: أليس قد قال الله: ( ﭿ ) [الانشقاق: ٧ - ٨]. فقال: (ليس ذلك الحساب، إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب)217.

      ثم ينقلب من هذا الحساب- وقد برئت ساحته- يزف إلى أهله من إخوانه المؤمنين بشرى نجاته وسلامته، وقد غمره السرور، وفاض عليه البشر فلا يملك إلا أن يهتف بكل من يلقاه من أهل المحشر: ( ) [١٩: الحاقة]218.

      يلحظ مما سبق أن النداء بـ( ) لم يأت إلا في موضعين؛ الموضع الأول: في سورة الانفطار، والموضع الثاني: في سورة الانشقاق، وقد جاء النداء فيهما بعد الحديث عن أهوال القيامة وبداية اللقاء الأخروي، وتذكيره بأمره وبمصيره الذي هو صائر إليه، وهذا يدل على الرعاية الحانية للإنسان كي يتنبه قبل فوات الأوان، وهذا واضحٌ جدًا من أسلوب الخطاب في الموضعين.كما يلحظ أن (الإنسان) عندما ينادى في القرآن فهو وإن كان عامًا إلا أن ملاحظة معنى الإنسانية مراد ومطلوب، بخلاف (الناس) فإن ملاحظة الجنس هي المطلوبة أولًا. وكلا النداءين يقتربان في أن المطلوب من الإنسان فيهما أن يعلم أنه ملاقٍ ربه فعليه أن لا يغتر بكرمه فيعمل ليوم الدين، كما ترشد إلى ذلك آية الانفطار، كذلك آية الانشقاق تلتقي مع أختها في ضرورة أن يعمل الإنسان في سعيه خيرًا فهو لا محالة ملاقٍ ربه.

      ثانيًا: وصايا الله للإنسان:

      الوصية كما عرفها الراغب الأصفهاني: «التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنًا بوعظٍ، من قولهم: أرضٌ واصيةٌ: متصلة النبات، ويقال: أوصاه ووصاه، قال: ( ) [البقرة: ١٣٢].

      وقرئ: (وأوصى) قال الله عز وجل: ( ) [النساء: ١٣١].

      ( ) [العنكبوت: ٨].

      ( ) [النساء: ١٢].

      ( ﮋﮌ) [المائدة: ١٠٦].

      ووصى: أنشأ فضله، وتواصى القوم: إذا أوصى بعضهم إلى بعضٍ، قال: ( ) [العصر: ٣].

      ( ﭠﭡ ) [الذاريات: ٥٣]»219.

      والوصية شأنها في نفس من تربى على الإيمان أعمق وأبعد أثرًا، لاسيما حينما تكون من صاحب نعمة، ومن صاحب الأمر والتدبير وموجد الخلق أجمعين، فهي تحمل معنى الأمر وتحمل معنى الالتزام.

      والفرق بين الأمر الصريح والوصية، أن آخر ما استقر الأمر عليه الوصية، وبهذا تكون الوصية خالدة مخلدة، وهي أيضًا في قوتها أقوى من الأمر وفي أثرها أبلغ منه .ومن هنا كان أسلوب الإيصاء أقوى في البعث على الامتثال من أسلوب الأمر والتكليف.

      وإذا كان هذا هو شأن الوصية، فقد وصى الله عز وجل الإنسان بالإحسان إلى والديه؛ لأنهما سبب وجوده، ولهما عليه غاية الفضل والإحسان، وذلك في ثلاثة مواضع من الكتاب العزيز:

      الموضع الأول: قوله تعالى: ( ﭡﭢ ﭭﭮ ) [العنكبوت: ٨]

      الموضع الثاني: قوله تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ﮔﮕ ﮙﮚ ﮟﮠ ) [لقمان: ١٤-١٥]

      الموضع الثالث: قوله جل شأنه: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭺﭻ ﭿ ) [الأحقاف: ١٥-١٦]

      وجاءت وصية الله عز وجل للإنسان بالفعل (وصى) المشدد فقال تعالى: ( ) للدلالة على المبالغة والتكثير، ووصية الله عز وجل للإنسان- في هذه المواضع الثلاثة- هي أمرٌ وعزيمةٌ وتكليفٌ.

      ذكر بعض المفسرين: أن هذه المواضع الثلاثة التي ورد فيها توصية الله عز وجل الإنسان بوالديه نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص 220. والراجح- والله أعلم- أن الآيات عامة في جميع الناس، وإن كانت نزلت في شأن شخص عين، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي نزلت الآية من أجله.ويكون المراد بالإنسان في قوله تعالى: ( ) جنس الإنسان.

      فهي وصيةٌ صادرةٌ من خالق الإنسان لجنس الإنسان كله، قائمةٌ على أساس إنسانيته، وهي وصية بالإحسان إلى الوالدين مطلقة من كل شرطٍ ومن كل قيدٍ، فصفة الوالدية تقتضي هذا الإحسان بذاتها، دون الحاجة إلى أية صفة أخرى.

      ولا ترد وصية الوالدين بالأولاد إلا نادرة، ولمناسبة حالات معينة؛ ذلك أن الفطرة وحدها تتكفل برعاية الوالدين للأولاد، رعاية تلقائية مندفعة بذاتها لا تحتاج إلى مثير221.

      ونلحظ أن الآيات في الموضعين الأول والثالث جاءت منوهة بالحسن في وصيتها بلفظ () في الموضع الأول، وبلفظ () في الموضع الثالث، أما الموضع الثاني فقد تركت الوصية مفتوحة.

      فما المراد بالإحسان؟ وهل هناك فرق بين لفظي () و () ؟

      قال الراغب الأصفهاني: «الإحسان يقال على وجهين: أحدهما: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلانٍ، والثاني: إحسانٌ في فعله، وذلك إذا علم علمًا حسنًا، أو عمل عملًا حسنًا، وعلى هذا قول أمير المؤمنين رضي الله عنه:(الناس أبناء ما يحسنون) أي: منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة» 222.

      ومعنى () أي: وصيناه فعلًا ذا حسن، أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه، والحسن خلاف القبح، ثم أقام الصفة مقام الموصوف؛ وهو الأمر، ثم حذف المضاف وهو (ذا) وأقام المضاف إليه مقامه، وهو (حسن)؛ من: حسن يحسن حسنًا، ومعنى () :أي تحسن إليهما إحسانًا، من: أحسن يحسن إحسانًا، والإحسان خلاف الإساءة223.

      وقد جاءت الوصية من الله عز وجل مباشرةً بالوالدين بالإحسان إليهما، فقال تعالى: ( ﭡﭢ) [العنكبوت: ٨].

      يأمر الحق سبحانه وتعالى الإنسان بالإحسان إلى الوالدين؛ لأنهما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق.

      ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما، في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: ( ) [العنكبوت: ٨].

      أي: وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، ( ) فإن مرجعكم إلي يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا 224.

      وفي الموضع الثاني تأتي الوصية مفتوحة أو مطلقة ففي قوله: ( ) ذكر عز وجل ضعف الأم بصفة الوهن، والوهن: الضعف وقلة الطاقة على تحمل شيءٍ225.كأنه عز وجل لما ذكر ضعف الأم بوصفه ( ) ترك الوصية مطلقةً فلم يحددها بالقول إحسانًا أو حسنًا، فإن مراتب هذه المفردات على سموها لا تفي حق الوالدين، وإن كان ذكر الأم على التخصيص دون الأب مع أن الوصية بكليهما؛ لأنه ادعى للشفقة، فهو لمما يدر هذه الشفقة تجاه الوالدين.كما أن هذا الحمل أظهر وأوضح في وقوعه، وهو أيضًا من الأشياء التي تنسى بسهولةٍ بعد حصولها، كما أنها هي الأصل الظاهر في وجود هذا الإنسان، وإن كان للأب لا شك دورٌ جوهريٌ، أضف إلى ذلك عملية تعميق دور الأم ورسالتها بذكر الحمل ووهنه على وجه الخصوص، ولذلك كان الوصف لصورة هذه الأم الواهنة الكارهة للحمل، ولكن الوصية للاثنين والشكر لهما معا، كما أن رفض الطاعة في الإشراك بالله لكليهما إن صدر من كليهما.

      ونرى هذا التنديد بالشرك واضحًا عندما نبه على أن شكر الوالدين جاء مقرونًا بشكر الله، ثم نوه على المرجعية إليه في قوله: ( ) [لقمان:١٤].

      وفي الآية اللاحقة أكد صراحةً رفض الشرك حينما قال: ( ﮋﮌ ﮔﮕ ﮙﮚ ﮟﮠ ) [لقمان: ١٥]

      فالوصية بهم والإحسان إليهم لا يجب أن يؤدي بحالٍ من الأحوال إلى الشرك حتى في أقصى الظروف من مجاهدتهم إياكم، والسبيل إلى ذلك باتباع سبيل من أناب إلى الله وأدرك مرجعيته الحقة، وإن كان ولابد في كل هذه الظروف من الإبقاء على مصاحبة الوالدين بالمعروف.

      وهنا تبرز قدرة المؤمنين على هذا التوازن الدقيق بين قوة الإيمان الرافضة للإشراك وهي قوة النفس المصاحبة بالحسن للأبوين المشركين بالمعروف المألوف226.

      وفي الموضع الثالث نجد أن الإحسان جاء في مقابلة الكره الذي تعانيه الأم، حيث يصور القرآن تلك التضحية النبيلة الكريمة الواهبة التي تتقدم بها الأمومة، والتي لا يجزيها أبدًا إحسان من الأولاد مهما أحسنوا القيام بوصية الله في الوالدين: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ) [الأحقاف:١٥].

      وتركيب الألفاظ وجرسها يكاد يجسم العناء والجهد والضنى والكلال: ( ﭚﭛ ) لكأنها آهة مجهد مكروب ينوء بعبء ويتنفس بجهد، ويلهث بالأنفاس!

      إنها صورة الحمل وبخاصة في أواخر أيامه، وصورة الوضع وطلقه وآلامه! ويتقدم علم الأجنة فإذا به يكشف لنا في عملية الحمل عن جسامة التضحية ونبلها في صورة حسية مؤثرة227.

      كما توضح الآيات أن الإنسان تدرج في أطواره من وقت فصاله إلى أن بلغ أشده، فهو موصى بوالديه حسنًا في الأطوار الموالية لفصاله، فيوصيه وليه في أطوار طفولته، ثم عليه مراعاة وصية الله في وقت تكليفه228.

      فقال سبحانه: ( ﭿ ) [الأحقاف: ١٥].

      والأشد: حالة اشتداد القوى العقلية والجسدية229.

      ويلحظ في الموضعين الثاني والثالث أن الله تعالى جعل لكلٍ من الأم والوالد نصيبًا من الوصية، ثم خصص الأم بدرجة ذكر الحمل، وبدرجة الرضاع، فتحصل للأم ثلاث مراتب، وللأب واحدة، وأشبه ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم - حين قال له رجلٌ-: من أبر؟ قال: (أمك، قال:ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) 230، فجعل له الربع من المبرة كالآية231.

      يتبين من خلال ما سبق: أن تلك الوصايا الصادرة من خالق الإنسان إنما هي لجنس الإنسان كله، حيث إنها قائمةٌ على أساس إنسانيته، توصيه بالإحسان لوالديه، مبينة على وجه الخصوص مبلغ متاعب الأم بولدها، فقد ( ) [لقمان: ١٤]، كما ( ﭚﭛ ) [الأحقاف: ١٥].

      إشعارًا بمبلغ استحقاقها للإحسان والرعاية، شكرًا لها على ما قدمت من عطاء دفعت إليه دوافع الرحمة.

      ولما كانت العناية الربانية هي المهيمنة على الإنسان منذ نشأته، والمسايرة له مدى وجوده، كان من حقه على عباده أن يشكروه. ( ) [لقمان:١٤].

      فشكر الوالدين حق وواجب لكنه مسبوق وهو تابع. فإن اختلفت العقيدة سقط حق الطاعة لهما ( ﭭﭮ ) [العنكبوت: ٨].

      ( ﮋﮌ ﮔﮕ ﮙﮚ ﮟﮠ ) [لقمان: ١٥].

      موضوعات ذات صلة:

      آدم، الأجل، الناس، النفس


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٤٥.

2 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٨.

3 لسان العرب، ابن منظور ١/١٤٧.

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، ٨/٢٦٨٧، رقم ١٥١١٣.

4 الكليات، الكفوي ص١٩٨-١٩٩.

5 مقالات الإسلاميين، الأشعري ٢/٢٥-٢٨.

6 التعريفات، الجرجاني ص٣٨.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٩٣-٩٤، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٢٦٨-٢٦٩.

8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ٦٨، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/٣١-٣٥، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص١٧٦-١٨٣، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ١/١٢٩-١٣٢.

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٤/٨٩ .

10 انظر: العين،الفراهيدي، ٨/٨٨ .

11 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ١/١٣ .

12 انظر: المفردات، الأصفهاني، ص١٤

13 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/٩٠٤، مختار الصحاح، الرازي ص٢٤، لسان العرب، ابن منظور ١/١٤٧.

14 القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ١/٢٠.

15 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، محمد فؤاد عبدالباقي ص١١٥.

16 انظر: القرآن وقضايا الإنسان، عائشة بنت الشاطئ ص١٨.

17 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٠٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ص٩٦٢.

18 الكليات، الكفوي ص٩١٢.

19 انظر: القرآن وقضايا الإنسان، عائشة بنت الشاطئ ص١٧.

20 انظر: لسان العرب،ابن منظور، ٤/٥٩.

21 انظر: التعاريف، المناوي، ص١٣٢ .

22 القرآن وقضايا الإنسان، عائشة بنت الشاطئ ص١٥-١٧.

23 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٧٦، معجم الفروق الدلالية في القرآن الكريم، محمد داود ص ٨٤.

24 انظر: العين، الفراهيدي، ٨/٣٨٨ .

25 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٣٧ .

26 انظر: معجم الفروق الدلالية في القرآن الكريم، محمد داود ص٨٣.

27 رياض الصالحين، النووي ص٩-١٠.

28 مجموع فتاوى ابن تيمية ١/٢٣.

29 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٢/٢٣٤، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٢٠٥-٢٠٧، لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٧٧٦.

30 تهذيب اللغة، ٢/٢٣٤.

31 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣١٩.

32 العبودية، ابن تيمية ص١٩.

33 المصدر السابق.

34 العبادة، سليمان العثيم ص١٣.

35 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي ص١٠٤.

36 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٢/٣٨٣، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣١٠١، تاج العروس ١٣/١٢٩.

37 المفردات، ص٣٤٧.

38 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي ٨/٦٣٨٧.

39 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٥٧.

40 المصدر السابق ٢٠/٤٨-٤٩.

41 الموسوعة القرآنية المتخصصة، مجموعة مؤلفين ص٧٧٩.

42 مراحل خلق الإنسان في آيات القرآن، منى رفعت ص١٦.

43 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٤٩.

44 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٩١، النكت والعيون، الماوردي ٣/١٥٧.

45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٣٦.

46 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤٠٠.

47 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٠٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٤٠٨.

48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/٢١٥.

49 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم ١٤٦٨، ١/٦٧٣.

50 التحرير والتنوير ٤/٢١٥.

51 حاشية شهاب الدين الخفاجي ٣/٢٤٥.

52 اللباب في علوم الكتاب ٦/١٤١

53 تفسير أبي مسلم الأصفهاني ص٩٦.

54 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٣/١٦٣.

55 البحر المحيط، أبو حيان ٦/١٧٠.

56 النبوة والأنبياء ص٢٠١-٢٠٢.

57 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/١٩٨٠.

58 مراحل خلق الإنسان في آيات القرآن، منى رفعت ص٣٣.

59 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/١٩٨١.

60 الإنسان وجوده وخلافته في الأرض في ضوء القرآن الكريم، عبدالرحمن المطرودي ص٥١.

61 الطور بالفتح: التارة، يقال: طورًا بعد طورٍ، أي تارةً بعد تارةٍ.

انظر: تاج العروس، ١٢/٤٣٩.

62 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٤٠، لسان العرب، ابن منظور ١٦/٤٤٦١، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٨٥٧.

63 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص٧٩٨.

64 انظر:خلق الإنسان بين الطب والقرآن، محمد البار ص١٠٩، إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، محمد فياض ص٦٦.

65 انظر: علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة، عبدالمجيد الزنداني ص١٧-٢٧، مراحل خلق الإنسان في آيات القرآن الكريم، منى رفعت ص٥٧.

66 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٩/٥٢، لسان العرب، ابن منظور ٢/١٣٩٦، القاموس المحيط الفيروزآبادي ص٨٨٣.

67 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٨/٥٨٤.

68 انظر: مراحل تطور خلق الإنسان في القرآن، منى رفعت ص١٨٣، إعجاز آيات القرآن في خلق الإنسان، محمد فياض ص٦٧.

69 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٢/٢٠٦، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢٠/٢٦٢.

70 انظر: إعجاز آيات القرآن في خلق الإنسان، محمد فياض ص٦٧-٦٩، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، محمد البار ص ١٢٣-١٢٤.

71 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٢/٢٠٦، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤٤٩.

72 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٤٧٦، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٠٥، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ص٥١٩.

73 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٩٦، ، الكشف والبيان، الثعلبي ١٠/١٧٩، النكت والعيون، الماوردي ٦/٢٤٧.

74 جامع البيان٢٤/٢٩٦.

75 تفسير جزء عم، مساعد الطيار ص١١٥.

76 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/٢٩٢، العين، الفراهيدي ٧/١٩٢، لسان العرب، ابن منظور ٣/٢٠٧٤، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٠١٥.

77 انظر: معاني القرآن، الزجاج ٤/٢٠٥، معاني القرآن، النحاس ٤/٤٤٦.

78 انظر: روح المعاني، الألوسي ١١/١٢١، محاسن التأويل، القاسمي ١٣/٤٨١٢.

79 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٦٠١.

80 من علم الطب القرآني، عدنان الشريف ص٤٠.

81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب حكم العزل، رقم ١٣٣، ١/٦٥٦.

82 خلق الإنسان بين الطب والقرآن، محمد البار ص٣٨٧.

83 من علم الطب القرآني، عدنان الشريف ١٦٦.

84 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/٥٥١، لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٢٠٧، تاج العروس، الزبيدي ٦/٢١٤.

85 مقاييس اللغة ٥/٣٢٦.

86 علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة، عبدالمجيد الزنداني ص٤٤.

87 الإنسان وجوده وخلافته في الأرض، عبدالرحمن المطرودي ص٤٠.

88 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، محمد فياض ص٧٩.

89 المصد السابق ص٨٠.

90 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٨، التفسير البسيط، الواحدي ١٥/٥٣٨.

91 انظر:إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، محمد فياض ص٨٥، مراحل خلق الإنسان في آيات القرآن، منى رفعت ص١٥٤.

92 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٤٣.

93 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١٢٦، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٠٧٥.

94 انظر: المصادر السابقة.

95 زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٤٠٦.

96 انظر: الكشاف ٤/١٧٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٩، فتح القدير، الشوكاني ٣/٥٩٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٩٧.

97 التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي ص٢٤٢.

98 خلق الإنسان بين الطب والقرآن، محمد البار ص٢٠٦.

99 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، محمد فياض ص٨٦.

100 المصدر السابق.

101 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٣٠، تاج العروس، الزبيدي ٢٢/٥٦٨، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ص٨٧٤.

102 لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٢٢٢.

103 تهذيب اللغة، الأزهري ٨/١٨-٢٠، الصحاح، الجوهري ٤/١٣٢٦، تاج العروس، الزبيدي ٢٢/٥٦٩.

104 غريب القرآن ص٢٩٦.

105 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٩، روح المعاني، الألوسي ٩/١١٢.

106 انظر:إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، محمد فياض ص٩٣، مراحل خلق الإنسان في آيات القرآن، منى رفعت ص١٧٠.

107 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٤٦٢، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٧/٤٨٤٤، النكت والعيون، الماوردي ٤/٧.

108 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٢٣.

109 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٦٤٩.

110 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، محمد فياض ص١٠١.

111 زهرة التفاسير ٩/٥٠٥٣.

112 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٤/٥٢، روح المعاني، الألوسي ٩/٢١٦.

113 مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢٦١.

114 روح المعاني ٩/٢١٧.

115 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٤٦٤.

116 المفردات ص٤٩٣.

117 الفروق اللغوية، العسكري ص٨٠.

118 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١٠/١٨.

119 البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٥٦٥.

120 المبادئ التربوية لطبيعة الإنسان في القرآن، هشام بني خلف ص١١-١٢.

121 المصدر السابق.

122 انظر: مقومات الإنسانية في القرآن الكريم، أحمد مهنا، ص٨-٩.

123 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، ٢/١٠٠، رقم ١٣٨٥.

124 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٦٧،١٦٨.

125 مقومات الإنسانية في القرآن الكريم، أحمد مهنا ص١٨-١٩.

126 المصدر السابق ص١٩-٢٢.

127 جامع البيان، الطبري ١٤/٢١٧.

128 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٤٩٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٦/١٨٠.

129 الأخلاق الإسلامية وأسسها، الميداني ١/٣٧٠.

130 المفردات ص٢٩٥-٢٩٧.

131 الأخلاق الإسلامية وأسسها، الميداني ١/٣٩٠ .

132 روح المعاني، الألوسي ٨/٣٨٣ .

133 المفردات ص٨٩ .

134 روح المعاني ٨/٣٨٣ .

135 الأخلاق الإسلامية وأسسها، الميداني ١/٣٦١ .

136 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب تحريض النبي، صلى الله عليه وسلم، على قيام الليل، رقم ١٢٧، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام أجمع حتى أصبح، رقم ٧٧٥.

137 تفسير القرآن الكريم، سورة الكهف، ابن عثيمين ص٩٧ .

138 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٣٥٢٥.

139 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٩٨، تفسير السمرقندي ٢/٢٨٥.

140 العين، الفراهيدي ١/١٠٧.

141 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٦٨٥.

142 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٧٧٦.

143 انظر:تهذيب اللغة، الأزهري ١/١٤٣.

144 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٦٨٥.

145 البيت في ديوانه ص٥٩١.

146 التحرير والتنوير ٢٩/١٦٧ .

147 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٥/٦٩.

148 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٦٨، لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٧٥٦.

149 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١٣٠.

150 انظر: لسان العرب ١/٧١٣.

151 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١٣٠.

152 انظر: روح المعاني، الألوسي ١١/٢٧١.

153 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/٤٩.

154 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٤/٣٨.

155 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤١٢، تهذيب اللغة، الأزهري ٨/١٥٣.

156 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٤٤.

157 الأخلاق الإسلامية وأسسها، الميداني ١/٣٧٩.

158 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٣٣١، لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٩٣٦.

159 تفسير المراغي ٣٠/٢٢٢.

160 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٥٠٢.

161 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٢/٤٣٦.

162 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٥٠٣.

163 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم ١٦٠، ص٦٥.

164 تفسير المراغي ٣٠/٢٢٢.

165 المصدر السابق.

166 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٣٧٢.

167 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٤.

168 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٨١.

169 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٤٧، البحر المحيط، أبو حيان ٥/٢٠٧.

170 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٤٥٥.

171 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٧٤.

172 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٦٧٧، روح المعاني، الألوسي ٦/٢١٦.

173 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٦٧٤.

174 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/١٩٣-٢٠٢.

175 انظر: الوسيط، الواحدي ١/٨٣، معالم التنزيل، البغوي ١/٦٤.

176 انظر: معاني الأبنية في العربية ص٩٤-١٠٠.

177 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٣٥٢.

178 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٣٤١.

179 معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٨١.

180 انظر: مفاتيح الغيب ٣٠/٢١٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٤٧٢.

181 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٢٦١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١٠٢.

182 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٢٦١.

183 فتح البيان، القنوجي ١١/٣٢٥.

184 انظر:الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٦/٣٩٥٠.

185 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٩٤٥، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٥٨٢.

186 جامع البيان، الطبري ١٢/٣٣٩.

187 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/١٩٩، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٦٧٣.

188 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٧٥٢، تاج العروس، الزبيدي ٢٠/٥٦.

189 تفسير القرآن، السمعاني ٥/٥٩.

190 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/٤٨٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٠.

191 حدائق الروح والريحان، الهرري ٢٦/١٣.

192 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١١.

193 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب،باب خلق الإنسان خلقًا لا يتمالك، رقم ٢٦١١، ٢/١٢١٠.

194 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/٤٩٩.

195 الأخلاق الإسلامية وأسسها، الميداني ١/١٧٣.

196 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/١٧٣.

197 المصدر السابق.

198 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٥٤٤، روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٦٩.

199 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٦/١٨٤٠.

200 تفسير المراغي ٣٠/٦٦.

201 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٨/٥٥٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٢/١٢٢.

202 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٥٤٤، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٦١٠.

203 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٥٤٤.

204 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨٤٧.

205 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢٠/١٩٨.

206 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٨/٥٥٤، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٥٤٥.

207 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/١٧٥.

208 تفسير المراغي ٣٠/٦٦.

209 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٢١.

210 معارج التفكر ودقائق التدبر، الميداني ١٥/٩٣.

211 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٢١.

212 أخرجه أحمد في مسنده ٧/٢٥٩، رقم ٤٢٠٧، وأبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة، ٢/١١٦، رقم ١٦٢٦، والنسائي في سننه، باب حد الغنى، ٥/٩٧، رقم ٢٥٩٢، وابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب من سأل عن ظهر غنى، ١/٥٨٩، رقم ١٨٤٠.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٨٩٩، رقم ٤٩٩.

213 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٨/٥٦٨.

214 معارج التفكر ودقائق التدبر، الميداني ١٥/٩٨.

215 المصدر السابق.

216 الأخلاق الإسلامية، الميداني ١/٣٤٦.

217 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من سمع شيئًا فلم يفهمه، ١/٣٢، رقم ١٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إثبات الحساب، ٤/٢٢٠٤، رقم ٢٨٧٦.

218 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٦/١٥٠٣.

219 المفردات ص٥٢٥.

220 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٢٥٧، روح المعاني، الألوسي ١٠/٣٤٤.

221 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦١.

222 المفردات ص١١٩.

223 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٥٣٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٣٤٠.

224 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٦٥.

225 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٥٧.

226 ملامح الطبيعة الإنسانية في القرآن، أروى التل، ص٢٨٥.

227 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦٢.

228 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٣١.

229 المصدر السابق.

230 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، رقم ٥٩٧١.

231 المحرر الوجيز، ابن عطية ٧/٤٧.