عناصر الموضوع

مفهوم الأمية

الأمية في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الأمية وخلق الإنسان

الرسول الكريم والأمية

الأمية والرسالة

أنواع الأمية

علاج الأمية

أثر انتشار الأمية على الفرد والمجتمع

الأمية

مفهوم الأمية

أولًا: المعنى اللغوي:

الأمية: مؤنث الأمي ومصدر صناعي معناه: الغفلة أو الجهالة، والأمي: نسبة إلى الأم أو الأمة، وهو من لا يقرأ ولا يكتب، والعيي الجافي. والجمع: أميون1.

فالأمي: هو الذي على خلقته لم يتعلم الكتابة ولا القراءة، فهو على جبلته التي خلق عليها2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الأمية: الصفة التي هي على أصل ولادة أمه لم يتعلم الكتابة ولا قراءتها، أو هو من لا يحسن الكتابة؛ لأنه لا يقدر عليها3.

وبالرجوع إلى علماء التفسير نجدهم عرفوا الأمية بمعنيين: معنى عام، ومعنى خاص. أما المعنى العام: فيعني الجهل والضلالة والظلام، ولا ترتفع عن أمة حتى تخرج من الجهل والضلالة والظلام إلى العلم والهدى و، ولا يخرجها من هذا إلا نبي وكتاب، وأما المعنى الخاص فهو عدم معرفة الكتابة، ولا ترتفع الأمية عن أحد حتى يعرف الكتابة4.

والنبي صلى الله عليه وسلم ما مات إلا وقد رفع الأمية عن أمته بما يكفي لنقل هذا الدين كاملًا غير منقوص، من جيل الصحابة إلى جيل التابعين، إلى يومنا هذا.

فالمعنى الاصطلاحي موافق للمعنى اللغوي على المعنى الأول للمعنى الاصطلاحي، وعلى المعنى الثاني له يخص ببعض أجزاء المعنى اللغوي.

الأمية في الاستعمال القرآني

وردت الأمية في القرآن (٦) مرات 5 .

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المفرد

٢

( ) [الأعراف:١٥٧]

الجمع

٤

( ) [الجمعة:٢]

ولم يخرج الاستعمال القرآني لكلمة الأمي عن مدلولها اللغوي، وهو: من لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وهو الباقي على أصل ولادة أمه لم يتعلم الكتابة6.

الألفاظ ذات الصلة

الجهل:

الجهل لغة:

ضد العلم، وتجاهل: أظهر الجهل وهو ليس بجاهل، واستجهله: عده جاهلًا واستخفه، والجهالة: أن تفعل فعلًا بغير علم، وجهلت الشيء: إذا لم تعرفه، والجاهل: ضد العاقل، والجهل: ضد الخبرة، والجاهلية: زمن الفترة، وهي حال العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه ورسوله وشرائع الدين، وما كانوا عليه من المفاخرة بالأنساب، والكبر والتجبر وغير ذلك من الأخلاق المذمومة7.

الجهل اصطلاحًا:

«أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه»8.

الصلة بين الجهل والأمية:

الجهل عدم معرفة فرع من فروع العلوم الإنسانية أو الطبيعية؛ فالمهندس جاهل بعلوم الطب، والعكس صحيح، وهكذا، فالجهل نسبي يختلف من شخص لآخر.

أما الأمية فهي قد تعني: أمية أبجدية، أو أمية ثقافية، أو أمية تقنية، وأكثرها أمية أبجدية، وهكذا.

الفهم:

الفهم لغة:

العلم بالشيء ومعرفته9.

وفي لسان العرب: الفهم معرفتك الشيء، وهو حسن تصور المعنى10.

الفهم اصطلاحًا:

هو تصور الشيء من لفظ المخاطب، والقدرة على التفسير والشرح وإدراك المعلومات التي تعرض، أو إدراك ما يعنيه شخص بالقول أو بالعمل أو بالاستنباط11.

الصلة بين الفهم والأمية:

«ليس هناك علاقة ما بين الفهم والأمية، فربما تجد بعض الأميين أفهم من بعض المتعلمين، وأن القراءة والكتابة ليست هي الفيصل؛ لذلك تجد فلاحًا يعبر عن فهم ثقافي أكبر من إنسان حصل على شهادة عليا»12.

العلم:

العلم لغةً:

نقيض الجهل، والمعرفة، واليقين، والعلامة: النسابة، وهو من العلم13، ويقال: «علمت الشيء أعلمه علمًا: عرفته»14.

العلم اصطلاحًا:

عرفه الجرجاني: «العلم: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، ونقل عن الحكماء فقال: هو حصول صورة الشيء في العقل»15.

وأنكر ابن العربي تعريف العلم؛ لوضوحه وقال: «العلم أبين من أن يبين»16، وأنكر على من تصدى لتعريف العلم.

الصلة بين العلم والأمية:

العلم والأمية نقيضان، فالعلم اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحدث منه أثر في نفس المتعلم، وعكسه الأمية تمامًا17.

الأمية وخلق الإنسان

ولد الإنسان أميًا لا يعلم شيئًا، ووهب الله تعالى الإنسان وسائل إدراك الحقائق ومعرفة الموجودات، وهي السمع والأبصار والأفئدة، وهذا أيضًا يحتاج إلى القراءة والتأمل والتفكير العميق.

قال الله تعالى: ( ﯰﯱ ) [النحل: ٧٨].

ركز الإسلام على العلم؛ ليتمكن المسلم من الوصول إلى سر الكون وما وراء الكون، وبعد ذلك إلى الإيمان بالله، من خلال ما تركه في هذا الكون من آيات دالة على وجوده جل جلاله .

ثم ركز الله تعالى على الوعاء لهذا العلم ألا هو العقل فقد ذكره الله تعالى في مواضع متعددة من القرآن الكريم؛ إذ وصلت إلى أكثر من خمسين آية، ويمر الإنسان بمراحل متعددة حتى ينتقل من الأمية إلى العلم ذكرها الله تعالى بقوله: ( ﯰﯱ ) [النحل: ٧٨].

المرحلة الأولى: خروج الإنسان من بطن أمه:

قال تعالى: ( ) [النحل: ٧٨].

فالله هو من أخرجنا من بطون أمهاتنا، هو خروج الطفل من بطن أمه عن طريق ما جعل الله في جسم الأم من قدرة؛ لدفع مولودها إلى الخارج فيخرج من بطن أمه بحياة مستقلة عن أمه، فما أن يخرج المولود إلا ويستقل بحياة خاصة، فيتنفس باستقلالية عن أمه، ويهضم الطعام، وتعمل أجهزة جسمه باستقلالية عن التبعية التي كانت تعمل به وهو في بطن أمه؛ لأن الحق سبحانه أراد أن يخرجه خلقًا آخر، قال تعالى: ( ) [المؤمنون: ١٤]18.

وجاء لفظ الجلالة مبتدأ وخبره جملة فعلية، من باب الاختصاص، والله أخرجكم وحده من بطون أمهاتكم، وليس هناك من يفعل هذا غيره19.

المرحلة الثانية: المكان الذي يخرج منه الإنسان:

ذكر الله تعالى مكان الخروج هو ( ) والمقصود بالبطون: الأرحام؛ وذكر البطن؛ لأنه مكان الرحم، ويصدق على المولود أنه خرج من رحم أمه أو خرج من بطنها.

فالأم هي من ولدت، قال تعالى: ( )، وقال تعالى: ( ) [المجادلة: ٢]20.

«وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة: (إمهاتكم) هنا وفي والزمر والنجم، بكسر الهمزة والميم. وأما الكسائي فكسر الهمزة وفتح الميم؛ وإنما كان هذا للإتباع، الباقون بضم الهمزة وفتح الميم على الأصل، وأصل الأمهات: أمات، فزيدت الهاء تأكيدًا، كما زادوا هاء في أهرقت الماء، وأصله: أرقت»21.

المرحلة الثالثة: الإدراك عند الإنسان:

يولد الإنسان لا يدرك شيئًا، وكل ما يدركه إنما هو بعد الولادة بواسطة الحواس التي منحه الله إياها، قال تعالى: ( ) حال من الضمير في أخرجكم، فالمولود عند خروجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وما يفعله المولود من الصراخ ومصه اللبن من ثدي أمه، إنما هذا من الفطرة لا من العلم؛ لأن العلم كسبي؛ لأنه لا علم إلا بتعلم، و() يدل على النفي العام لأي علم عند هذا المولود22.

فالمولود يكون في غفلة عن كل شيء حتى عن نفسه التي بين جنبيه، إلا أن مسألة إدراك الحقائق تكمن فينا بصورة القوة لا الفعل، وبالتدريج تحصل لأعيننا قوة النظر ولآذاننا قوة السمع، ولعقولنا القدرة على الإدراك والتجزئة والتحليل، فننعم بهذه العطايا الإلهية الثلاث التي بواسطتها نستطيع أن ندرك كثيرًا من التصورات، ونودعها في العقل لكي ننشئ منها مفاهيم كلية، ومن ثم نصل إلى الحقائق العقلية.

قال القرطبي: «لا تعلمون شيئًا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم، أو لا تعلمون شيئًا مما قضي عليكم من السعادة والشقاء، أو لا تعلمون شيئًا من منافعكم»23.

المرحلة الرابعة: وسائل المعرفة:

إن رسم صورة الشيء الخارجي المراد في الذهن وبواسطة الوسائل المعينة لذلك، وعليه فمعرفتنا بالعالم الخارجي تكون عن طريق أجهزة خاصة هي السمع والبصر والفؤاد.

لذلك بينت الآية مسألة عدم علم الإنسان المطلق حين الولادة، ثم جعل الله تبارك وتعالى: ( ) لكي تحصلوا على حقائق الوجود وتدركوها.

ونشاهد تقديم ذكر السمع على البصر في الآية مع ما للعين من عمل أوسع من السمع، ولعل ذلك؛ لسبق الأذن في العمل على العين بعد الولادة، حيث إن العين كانت في ظلام دامس في رحم الأم، ونتيجة لشدة أشعة بعد الولادة فإنها لا تستطيع العمل مباشرة بسبب حساسيتها، وإنما تتدرج في اعتيادها على مواجهة حتى تصل للحالة الطبيعية المعتادة، ولذا نجد الوليد في بداية أيامه الأولى مغلق العين. أما بخصوص الأذن، فثمة من يعتقد بأن لها القدرة على السماع قليلًا أو كثيرًا وهي في عالم الأجنة، وأنها تسمع دقات قلب الأم وتعتاد عليها24.

أضف إلى ذلك أن الإنسان إنما يرى بعينه الأشياء الحسية فقط، في حين أن الأذن تعتبر وسيلة للتربية والتعليم في جميع المجالات، فالإنسان يصل بواسطة سماع الكلمات إلى معرفة جميع الحقائق، سواء ما كان منها في دائرة الحس أو ما كان خارجها، وليس للعين هذه السعة، وصحيح أن الإنسان يمكنه تحصيل العلم بواسطة القراءة، إلا أن القراءة ليست عامة لكل الناس، وسماع الكلمات أمر عام25.

والفؤاد جاءت هنا بمعنى: القلب والعقل الذي يعيش حالة التوقد، وبعبارة أخرى: يعيش حالة التفسير والتحليل والابتكار.

يقول الراغب الأصفهاني: «الفؤاد كالقلب، لكن يقال له فؤاد: إذا اعتبر فيه معنى التفؤد. أي: التوقد»26.

المرحلة الخامسة: ( ):

تعتبر نعمة أجهزة تحصيل العلم من أفضل النعم التي وهبها الله للإنسان، فلا يقتصر دور العين والأذن مثلًا على النظر إلى آثار الله في خلقه، والاستماع إلى كتاب الله تعالى وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتفهم ذلك وتدركه بالتحليل والاستنتاج، بل إن كل خطوة نحو التكامل والتقدم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذه الوسائل الثلاثة.

وغاية إعطاء هذه الوسائل إنما تستوجب شكر الواهب؛ لأنه من خلالها يمكن الحصول على العلم والمعرفة اللذين بهما امتاز الإنسان عن غيره من الحيوانات27.

قال القرطبي: «لعلكم تشكرون فيه تأويلان:

أحدهما: تشكرون نعمه.

الثاني: يعني: تبصرون آثار صنعته؛ لأن إبصارها يؤدي إلى الشكر»28.

وختمت هذه الآية التي تتحدث عن السمع الأبصار والأفئدة باستحقاق الشكر لله؛ لأنها نعم نستخدمها في كل لحظة، فهي لا تفارقنا في الليل ولا في النهار، فهي أدعى أن تذكرنا بشكر خالقنا على ما أنعم علينا، فالآيات الأخرى التي تتكلم عن هذه النعم، تدعونا إلى شكر الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: ( ) [المؤمنون: ٧٨].

وقال تعالى: ( ﯟﯠ ) [السجدة: ٩].

وقال تعالى: ( ﯾﯿ ) [الملك: ٢٣].

الرسول الكريم والأمية

تعددت الآيات القرآنية التي تثبت أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترد على الذين يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعلم هذا القرآن من قراءته في كتب الأولين.

ومن هذه الآيات قوله تعالى: ( ) [الجمعة: ٢].

وقوله تعالى: ( ﮮﮯ ﯖﯗ ) [الأعراف: ١٥٨].

وقال ابن عباس: «كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميًا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب»29.

أولًا: الأمية وصف كمال للرسول الكريم:

ومن أساليب المدح ذكره صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل كما في قوله تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف: ١٥٧].

لذا جاء الأمر بالإيمان به في قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٥٨].

وقد خصه السياق بالأمية مدحًا، «والأمية وصف خص الله به من رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه، مع أنها في غيره وصف نقصان... صارت أميته آية على كون ما حصل له إنما هو من عند الله تعالى »30.

كما قال الله في آية أخرى: ( ﮋﮌ ﮍﮎ ) [العنكبوت: ٤٨].

ويعلق الزمخشري على هذه الآية قائلًا: «وأنت أميٌ ما عرفك أحدٌ قط بتلاوة كتاب ولا خطٍ. () لو كان شيء من ذلك، أي: من التلاوة والخط. ( ) من أهل الكتاب، وقالوا: الذي نجده في كتبنا أميٌ لا يكتب ولا يقرأ... أو لارتاب مشركو مكة، وقالوا: لعله تعلمه أو كتبه بيده»31.

وصف الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه أمي، وهذا الوصف جاء في معرض إقامة الحجة على أهل الكتاب ومطالبتهم باتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا معناه: أن أميته لا تقدح إطلاقًا في رسالته، بل قد ذكرها الله لهم ليقول لهم: إني تقصدت أن يكون رسولي إليكم أميًا، وأنا آمركم أن تتبعوه؛ لأنه رسول ولأنه نبي ولأنه أمي.

وبالتالي فالأمية هي وصف اختاره الله تعالى في نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن يكون هذا الوصف من كماله صلى الله عليه وسلم .

قال أحمد شوقي32:

يا أيها الأمي حسبك رتبةً

في العلم أن دانت بك العلماء

الذكر آية ربك الكبرى التي

فيها لباغـي المعجزات غناء

صدر البيان له إذا التقت اللغى

وتقدم البلغاء والفصحاء

ثانيًا: حكمة كون النبي أميًا:

تجلت الحكمة الإلهية في اختيار النبي محمد صلى الله عليه وسلم أميًا لا يحسن القراءة والكتابة، فمن هذه الحكم:

١. إثبات صدق الرسالة، وأنها من عند الله تعالى.

محمد صلى الله عليه وسلم أمي ومعنى ذلك: أن ثقافته غير ثقافات البشر، علمه من رب البشر، فهو منزه عن أي علم أرضي يتفاخر به الناس فيما بينهم، وإنما تلقى علمه وأدبه وثقافته من خالق البشر جل جلاله، كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه الكريم حيث قال تعالى: ( ﯼﯽ ﯿ ) [النساء: ١١٣].

والمتأمل في أول آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى: ( ﭿ) [العلق: ١].

ليجد أنها تعالج قضية أمية النبي صلى الله عليه وسلم وتقضي على أي أثر سلبي لها.

فعندما سمع المصطفى صلى الله عليه وسلم خطاب الله له بـ () أجاب عليه الصلاة والسلام وبما يتناسب مع قدراته فقال: (ما أنا بقارئ!)، أي: لا أحسن القراءة، فقراءة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي باسم الذي علم بالقلم، وليست بتعليم أحد من أهل الأرض، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم هو المختار من قبل الله تعالى لحمل منهج الله، كانت أميته صلى الله عليه وسلم صونًا وحفظًا من الله تعالى لهذا المنهج ومن أي تدخل أرضي بشري33. فكانت أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلًا من أدلة صدقه ونبوته.

٢. التحدي والإعجاز.

أرسل الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العالمين بشيرًا ونذيرًا، وأيده بالمعجزات الدالة على صدقه، ومن أبرز هذه المعجزات أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمن الثابت تاريخيًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد أميًا، وظل على ذلك إلى أن بعثه الله للعالمين وهو أمي، وهذا كمالٌ في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته الشريفة.

يقول عنها ابن تيمية: «بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلومٌ لجميع قومه الذين شاهدوه، متواترٌ عند من غاب عنه وبلغته أخباره من جميع الناس -أنه كان أميًا لا يقرأ كتابًا، ولا يحفظ كتابًا من الكتب؛ لا المنزلة ولا غيرها، ولا يكتب بيمينه كتابًا، ولا ينسخ شيئًا من كتب الناس، المنزلة ولا غيرها»34.

إن الأمية بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم «وصف خص الله به من رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم ؛ إتمامًا للإعجاز العلمي العقلي الذى أيده الله به، فجعل الأمية وصفًا ذاتيًا له؛ ليتم بها وصفه الذاتي وهو الرسالة؛ ليظهر أن كماله النفساني كمال لدني إلهي، لا واسطة فيه للأسباب المتعارفة للكمالات، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه مع أنها في غيره وصف نقصان»35.

ولما تحقق المنهج وسلم من أي نسبة بشرية أرضية، كان من الطبيعي أن يتحدى الله تعالى البشر جميعًا أن يأتوا بمثله، بل بسورة من مثله، وكان من الطبيعي أن يكون صالحًا لكل زمان ومكان.

٣. القضاء على الشبهات.

كما أن أمية النبي صلى الله عليه وسلم تقضي على أي شبهة كان سيتمسك بها المشركون فيما لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن القراءة والكتابة، هذه الشبهة قد ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز حيث قال: ( ﮋﮌ ﮍﮎ ) [العنكبوت: ٤٨].

أي: لو كنت تتلو من قبل القرآن من كتاب، أو كنت كاتبًا تخط الكتاب بيمينك، لشكك المبطلون في صدق دعواك أن القرآن من عند الله تعالى، ولقالوا: نقله محمد من الكتب السابقة، أو جلس على تأليفه وجمعه وتنقيحه.

قال النحاس: «وذلك دليل على نبوته؛ لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب، فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم وزالت الريبة والشك»36.

لكن هذا لم يتم لهم؛ لأن الله تعالى الذي اختار نبيه أن يكون أميًا عن ثقافاتهم الأرضية، وهذا كان حجة دامغة عليهم؛ إذ كيف يكون القرآن وهو بهذا المستوى من العظمة والفصاحة والبلاغة والبيان، مع ما حوى من علوم ومعارف وتشريعات وقصص وعبر ومواعظ، كيف يكون من تأليف رجل أمي لا يحسن القراءة والكتابة؟

يقول ابن عاشور: «أفلا تعقلون أن مثل هذا الحال -من الجمع بين الأمية والإتيان بهذا الكتاب البديع في بلاغته ومعانيه- لا يكون إلا حال من أفاض الله عليه رسالته؛ إذ لا يتأتى مثله في العادة لأحدٍ»37.

ثانيًا: شبهات وردود حول أميته عليه السلام:

حاول بعض المشككين أن ينفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة الأمية؛ لأن ورود القرآن الكريم مصدقًا لما جاء في كتبهم من أخبار ونبوءات، وتنبؤه بالعديد من الأحداث المستقبلية -كهزيمة الفرس، وغير ذلك- دون تعليم، إنما يعد معجزةً عقليةً باهرةً لا ينكرها إلا المكابرون، وهؤلاء المكابرون يعلمون جيدًا أن أمية النبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في التوراة والإنجيل؛ مصداقًا لقول الله: ( ﭿ) [الأعراف: ١٥٧].

كما قال الله تبارك وتعالى في آية أخرى: ( ﯿ ) [آل عمران: ٧٠].

تشهدون أن صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابكم، ثم تكفرون به وتنكرونه، ولا تؤمنون به، وأنتم تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل: ( ) 38.

وبالرغم من شهادة تاريخ الحجاز في العصر الجاهلي، ومحيطه البدوي على أمية النبي وعشيرته وأقربائه، نجد المغالطات والتشكيكات أثيرت حول أمية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض الشبهات والرد عليها:

الشبهة الأولى:

قال الحداد: «محمد لم يكن أميًا بل تاجرًا دوليًا ومثقفًا ومطلعًا وبحاثة دينيًا».

واستدل بقوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮍﮎ ) [العنكبوت: ٤٨]39.

فلو نظر العاقل إلى كلمة الكتاب فإنها جاءت نكرة، فنفت جميع الكتب السماوية وغيرها، لم يشير باللام إلى الكتاب أو الكتب المعهودة كما في قوله تعالى: ( ﭖﭗ ﭧﭨ ) [الشورى: ٥٢].

وقال عز شأنه: ( ﭰﭱ ﭶﭷ ) [العنكبوت: ٤٧].

ترى أنه سبحانه عندما يشير إلى هذه الكتب المعهودة عرفها باللام إشارة إلى معهوديتها، فالآية فيها دليل على أن الهدف منها هو نفي مطلق التلاوة والكتابة عنه حيث عطف على الجملة الأولى: ( ) قوله: (ﮋﮌ ﮍﮎ)40.

ثم إن التجارة لا ترتبط بالقراءة والكتابة، فكم من أمي برع في فنون التجارة، بالإضافة إلى أن العرب لم يكونوا يديرون تجارتهم بكتابة العقود، وتوثيقها، وإنما كانت تجارة الرحلات تجارة مقايضة وتبادل البضائع، وبيع بالثمن العاجل.

الشبهة الثانية:

قالوا: إن قوله تعالى: ( ) قالوا: الأمي منسوب إلى مكة المكرمة باعتبارها أم القرى، وهي علم من أعلام مكة، كما يدل عليه قوله سبحانه: ( ) [الشورى: ٧].

وعلى ذلك فالمراد من الأمي: أنه مكي41.

وهذا كلام الأمي: مردود؛ لأن أم القرى كل مدينة هي أم ما حولها من القرى42، فيعلم من ذلك أن أم القرى مفهوم كلي يصح إطلاقه على أية بلدة تتصل بها قرى كثيرة بالتبعية، وهذه القرى تعتمد عليها في أمور حياتها، ويعاضد ما ذكرناه (كون أم القرى كليًا) قوله عز وجل: ( ) [القصص: ٥٩].

فالآية -بحكم رجوع الضمير في أمها إلى القرى- صريحة في أنها ليست علمًا لموضع خاص؛ لأن مشيئته تعم الأمم في هذا الأمر.

ولو صح قولهم فالصحيح عن النسبة لكانت النسبة إليها القروي لا الأمي.

ثم إن الله وصف نبيه في الآية بصفات تناسب موضوع النبوة، فلو كان الأمي فيها بالمعنى الذي ذكروه، لكان الإتيان به في ثنايا تلك الأوصاف والخصال إقحامًا لها.

الشبهة الثالثة:

استدلوا بحديث جاء في معاني الأخبار عن جعفر بن محمد الصوفي قال: «سألت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا فقلت: يا ابن رسول الله، لم سمي النبي الأمي؟ فقال: ما يقول الناس؟ قلت: يزعمون أنه سمي الأمي؛ لأنه لا يحسن أن يكتب، فقال: كذبوا، عليهم لعنة الله في ذلك، والله يقول في محكم كتابه: ( ) [الجمعة: ٢].

فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن، والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو قال: بثلاثة وسبعين لسانًا، وإنما سمي الأمي؛ لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله عز وجل: (ﮋﮌ ) [الأنعام: ٩٢]»43.

أولًا: الحديث النبوي وما ينسب لأئمة أهل البيت لا يؤخذ من الشيعة؛ لأنهم لا يتبعون منهجًا علميًا في رواية الحديث كمنهج أهل السنة44.

ثانيًا: الشيعة نسبوا لأئمتهم ما هو أكبر من هذا مثل: أن الله علمهم علم ما كان وما بقي، وأن الأئمة يتحكمون في الكون45.

قال د. موسى الموسوي: «والأدهى من ذلك -يقصد ادعاء عصمة الأئمة- أن بعض علمائنا ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقالوا: إن الإمام يعلم كل شيء، وله معرفةٌ بكل العلوم والفنون، ولست أدري أي فضيلة بالنسبة إليه أن يكون مهندسًا أو ميكانيكيًا أو عالمًا باللغة اليابانية؟ إنما الفضيلة بالنسبة للإمام أن يكون فقيهًا ورعًا وعالمًا ربانيًا في شئون الدين، وفي هذا كل الفضل»46.

ثالثًا: قوله: «إن النبي يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لسانًا» يعني: أنه كان مشغولًا بالقراءة والكتابة طيلة حياته، وهذا يخالف الروايات الصحيحة التي نقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الشبهة الرابعة:

استدل الدكتور عبد اللطيف الهندي بقوله سبحانه: ( ) [البينة: ٢-٣].

قال: هذا يدل على تحقق التلاوة منه أيام رسالته وفي رحاب دعوته، يعني أنه كان يقرأ ويكتب47.

قبل الرد على هذه الشبهة لابد أن نتعرف على تعريف التلاوة في اللغة:

فيتلو في اللغة من الفعل تلا تلاوة أي: قرأه، وتلا الكتاب والسنة: اتبع ما فيهما48.

بذلك يتضح لنا جليًا أن التفسير الذي فسروه لا علاقة له بالمعنى اللغوي، فالقراءة والإتباع غير الكتابة، ثم إن القرآن الكريم أثبت في غير ما موضع أمية النبي صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: ( ﮋﮌ ﮍﮎ ) [العنكبوت: ٤٨].

فالتلاوة كما تصدق على التلاوة عن الكتاب، تصدق على التلاوة عن ظهر القلب، ويؤيده قوله سبحانه: ( ﯜﯝ ) [الأعلى: ٧-٨].

إذ معناه: سنقرأ عليك القرآن فلا تنساه، ونجعلك قارئًا بإذن منه فلا تنسى ما تتلقاه من أمين الوحي، إلا بمشيئة منه سبحانه؛ فإن الإقراء والإنساء كليهما بيده سبحانه، فلا يدل إلا على تلاوة القرآن وقراءته عن ظهر القلب فقط، كما كان هو دأب النبي في تلاوة كل ما أوحي إليه.

قال الزمخشري: «بشر الله تعالى بإعطاء آية بينة، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ فيحفظه ولا ينساه»49.

قال الصابوني: «أي: يقرأ عليهم صحفًا منزهةً عن الباطل عن ظهر قلب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، قال القرطبي: أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب، يتلوها عن ظهر قلبه لا عن كتاب؛ لأنه عليه السلام كان أميًا لا يكتب ولا يقرأ»50.

فتلاوة القرآن تكون بالنظر وعن ظهر قلب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتلو عليهم الصحف المطهرة عن ظهر قلب.

فهذه الآية قاطعة الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميًا، ففهم المشككين حول الآية يعتبر فهمًا خاطئًا.

الشبهة الخامسة:

استدلوا برواية بدء الوحي على إنكار أمية النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: إنها تدل على تعلم النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنها من الأدلة القوية على أميته عليه السلام؛ إذ جعلوا قول النبي صلى الله عليه وسلم للملك -الذي كان يطلب منه القراءة- (ما أقرأ) استفهامًا عن المقروء، لا نفيًا للقراءة، مستدلين بما توهموه من عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم أميته، وإلا فما وجه استفهامه عن المقروء؟

حيث اقتطعوا من كتاب السيرة النبوية لفظة: (ما أقرأ) ولم يكملوا النص الذي نص صراحة على الأمية؛ إذ ورد فيها مباشرة بعد العبارة التي اقتطعوها قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي)51.

إن المنهج الذي اعتمدوه في بحث هذه المسألة منهج بعيد عن منهج البحث العلمي؛ لأنهم لم يعطوا أي قيمة للروايات الصحيحة التي تنص صراحة على الأمية؛ فقوله عليه السلام: (ما أنا بقارئ)52 تدل على أنه أمي.

ودليلهم على أن قوله: (ما أقرأ؟) استفهام صحيح، ولكن في الوقت نفسه يعتبر دليلًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ؛ ذلك؛ لأنه قد أوضح بنفسه أن طلبه من الملك تعيين ما يطلب منه قراءته لم يكن إلا لخوفه من أن يعود إلى ضمه، كما حدث في كل مرة نفى فيها معرفته للقراءة قبل ذلك53.

قال تعالى: ( ﭿ) [العلق: ١].

ولم يقل: (اقرأ اسم ربك)، فهذه الباء الدقيقة اللطيفة حلت الإشكال وأفهمتنا أن المراد ليس قراءة أحرف وكلمات؛ ولكن قراءة شيء ما مستعينًا باسم ربك.

وهذا يعني أن القراءة لا تعني أن يقرأ من مكتوب بل قد يقرأ من محفوظ.

واختار الله تعالى بدء رسالته لهذه الأمة بكلمة (اقرأ)؛ لأن دعوة الإسلام هي دعوة إلى تنوير العقول، وشفاء الصدور، والخروج من ظلمات الأمية إلى نور العلم، وهي دعوة إلى إعمار الكون، وإقامة الحق والعدل فيه.

الشبهة السادسة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عالمًا وتعلم على أيدي أشخاص من أهل الكتاب، مثل: عبدالله بن سلام وجبر الرومي وغيرهم.

لقد رد الله تعالى عليهم فقال: ( ﭗﭘ ) [النحل: ١٠٣].

فكيف لمن في لسانه أعجمي أن يعلم النبي هذا الكتاب العربي المبين الذي عجز العرب عن الإتيان بمثله؟ والقرآن يحتوي على حقائق علمية لا يوجد مثلها في الكتب السابقة المليئة بالأخطاء المخالفة للعلم صراحة بمقياس العلم الحديث54.

والقرآن فصل من أمور الغيبيات مثل: البعث والنشور والحشر والحساب والجنة والنار ما لا يوجد مثله في الكتب السابقة، ولم يسمع بها أهل الكتاب أنفسهم، مثل: خبر السامري، ومصير المسيح.

شبهات حول الأحاديث النبوية التي استشهدوا فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف القراءة والكتابة:

الحديث الأول:

عن ابن عباسٍ رضى الله عنهما قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجالٌ فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده)، فقال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله!! فاختلف أهل البيت، فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا). قال عبيد الله: فكان ابن عباسٍ يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم 55.

فهم البعض أن قوله: (أكتب لكم كتابًا) دليلٌ أنه يقرأ ويكتب.

وهذا غير صحيح، فنداء النبي لهم دليلٌ أنه كان كالعادة سيملي عليهم وهم يكتبون، وإلا لكتب بنفسه خصوصًا بعد أن قال لهم: (قوموا)، ومعلومٌ أن هذه الوصية لم تكتب.

الحديث الثاني:

احتج البعض أنه يعرف القراءة والكتابة بما حدث في صلح الحديبية عن البراء بن عازبٍ: (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله)56.

وقد رد ابن كثير على ذلك عند تفسير قوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮍﮎ ) [العنكبوت: ٤٨].

فقال: «ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية: «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله» فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري «ثم أخذ فكتب»، وهذه محمولةٌ على الرواية الأخرى «ثم أمر فكتب»، ولهذا اشتد النكير من فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي وتبرءوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالًا وخطبوا به في محافلهم، وإنما أراد الرجل -أعني الباجي- فيما يظهر عنه أنه كتب ذلك على وجه المعجزة، لا أنه كان يحسن الكتابة»57.

الحديث الثالث:

احتج البعض بإخبار النبي عن الدجال بأنه: (مكتوبٌ بين عينيه كافر)58، وفي رواية: (ك ف ر، يقرؤها كل مؤمن) بأنه يعرف القراءة والكتابة.

وهذا غير دليل، فالذي أوحى له الحروف المقطعة (الم) (حم) (عسق) (كهيعص). أوحى له (ك ف ر).

الحديث الرابع:

وما أورده بعضهم من الحديث: أنه لم يمت عليه السلام حتى تعلم الكتابة، فضعيفٌ لا أصل له، ولا يوجد حديث صحيح واحد يدل أنه عليه السلام تعلم القراءة والكتابة59.

الأمية والرسالة

أولًا: حكمة إرسال الرسول إلى الأميين:

هناك حكم كثيرة لاختيار بلاد الأميين لتكون مهد الرسالات السماوية فيهم، فمن هذه الحكم على سبيل المثال حكم خلقية، وحكم علمية، وحكم فكرية ثقافية، ومنها أيضًا حكم سياسية وجغرافية، وأخرى اجتماعية؛ وهناك حكم نفسية وعقلية. والباحثون اكتشفوا أخيرًا دقة خط مكة المكرمة وأنها وسط العالم.

قال الله تعالى: ( ) [البقرة: ١٤٣].

فمعنى قوله: ()؛ أي: وسطًا في المكان، وسطًا في الخلقة، وسطًا في المشاعر والأحاسيس، وسطًا في الأخلاق، بل وسطًا في الدعوة إليه سبحانه وتعالى ووسطًا في كل شيء60.

هذه الوسطية تكتشف الاختيار الإلهي؛ لظهور الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الدين الجديد، في هذا الموضع من الأرض في هذا الزمان، إن هنالك نظامًا مقدورًا أو قصدًا مقصودًا، وتدبيرًا معينًا، وترتيبًا موضوعيًا لتلتقي هذه الظواهر كلها حيث التقت؛ كي تؤدي دورًا معينًا أقل نتائجه تخطيط خريطة العالم في عالم الظاهر، وفي عالم الشعور على هذا الوضع الذي صارت إليه الأمور منذ ذلك التاريخ البعيد61.

والنبي صلى الله عليه وسلم نشأ في تلك البيئة الجاهلية، وأنه عليه الصلاة والسلام كان أميًا، ككثير من أبناء قريش؛ ولكنه لم يمارس ما مارسوه، وتربوا عليه حال كونه أميًا في بيئة جاهلية، وهذا ما يدعو للعجب والدهشة.

قال تعالى: ( ﭓﭔ ﭛﭜ ﭤﭥ ﭫﭬ ﭰﭱ ﭿ ﮁﮂ ﮋﮌ) [الفتح: ٢٩].

قال الضحاك في تفسير قوله تعالى: ( ) [الجمعة: ٢قال: هو محمد، ( ) [الجمعة: ٢قال: القرآن؛ ( ) [الجمعة: ٢] قال: هو الشرك62.

فبيئة الأميين بعيدة عن الأفكار الهدامة المبتكرة عقديًا، وتنعم بتلك الأفكار السطحية، فقد ظلت الجزيرة العربية، وكأنها واحة حصينة آمنة من الغزو، إلا في بعض أطرافها، آمنة من انتشار الدعوات الدينية، نصرانية أو مجوسية، إلا في قليل من قبائلها، وهذه ظاهرة قد تبدو في التاريخ عجيبة، لولا ما يفسرها من موقع بلاد العرب ومن طبيعتها، وما للموقع والطبيعة من أثر في حياة أهلها، وفى أخلاقهم وميولهم ونزعاتهم63.

كان الأميون يعيشون في ظلمة من الجهالة البسيطة والحالة الفطرية الأولى، فكان يغلب عليهم بسبب ذلك أن يضلوا الطريق إلى تلك القيم الإنسانية، فيقتلوا الأولاد بدافع الشرف والعفة، ويتلفوا الأموال الضرورية بدافع الكرم، ويثيروا فيما بينهم المعارك بدافع الإباء والنجدة.

وهذه الحالة هي التي عبر الله عز وجل عنها بالضلال حينما وصفهم بقوله: ( ﮋﮌ ) [البقرة: ١٩٨].

ومن المعلوم أن الله عز وجل قد جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنًا، وجعله أول بيت وضع للناس للعبادة وإقامة الشعائر الدينية، وحقق في ذلك الوادي دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن لوازم هذا كله ومتمماته: أن تكون هذه البقعة المباركة نفسها مهدًا للدعوة الإسلامية، التي هي ملة أبينا إبراهيم، وأن تكون بعثة خاتم الأنبياء ومولده فيها، كيف لا وهو من نسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟

واقتضت حكمة الله تعالى أن تكون اللغة العربية هي لغة الدعوة الإسلامية، وأن تكون هي الأداة المباشرة الأولى64.

ثانيًا: الأمية ووراثة النبوة:

بعد أن فسد بنو إسرائيل ولم يتحملوا أمانة حمل الرسالة كان لا بد من تسليمها لأمة أخرى تقوم بأعباء حمل الرسالة، وليس من صفات هذا الشعب أنه غبي، ولا ساقط؛ لأن الغبي والساقط لا يتولى القيادة، وإنما هو شعب مبارك، ولكنه أمي؛ ليظهر عظمة الله تعالى في جعل أمة أمية تتعلم وتتولى قيادة العالم ( ) [الجمعة: ٢].

واليهود كانوا ينتقصون المسلمين؛ لأنهم أميون، فأعلمهم الله تعالى أن ذلك فضل منه يؤتيه من يشاء، والمنة ظاهرة في اختيار الله للأميين؛ ليجعلهم أهل الكتاب المبين، وليرسل فيهم رسولًا منهم؛ ليرفعهم إلى مقام كريم، ويخرجهم من أميتهم بتلاوة آيات الله عليهم، وتغيير ما بهم، وتمييزهم على العالمين، ويعلمهم الكتاب فيصبحون أهل كتاب، ويعلمهم الحكمة فيدركون الحقائق، ويكونون ورثة النبوة65.

وفي العهد الجديد أن الأمة الإسلامية هي وارثة النبوة وستتولى قيادة البشرية، وتسير على النهج الذي رسمه الله تعالى لها، ليست مثل اليهود الذين نقضوا عهد الله تعالى: «أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره»66.

و أيضًا: «قالت له المرأة -أي: لعيسى عليه السلام: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون: إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب... ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق»67.

وفي رحلة الإسراء، انتقلت الرسالة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، بعد أن كانت في بني إسرائيل.

قال تعالى: ( ) [المائدة: ٢٠].

لكنهم غيروا وبدلوا، وطال عليهم الأمد وقست قلوبهم، اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا، قتلوا الأنبياء ونقضوا العهود، أوقدوا الحروب، وقالوا: يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا.

قال تعالى: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ﯴﯵ ﯿﰀ ﰇﰈ ﰎﰏ ﰓﰔ ) [المائدة: ٦٤].

لذلك انتقلت الرسالة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، حيث تسلمها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حضور كل الأنبياء، ليلة الإسراء، في مكانٍ طيب هو المسجد الأقصى ( ) [الإسراء: ١].

وفي أفضل الأعمال وهي الصلاة، وتسلمت أمته الرسالة منه بعد وفاته؛ لتكون لها العزة والكرامة، والعهد الأمانة.

قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأحزاب: ٧٢].

والله تعالى لا يفضل أحدًا على أحدٍ إلا بالتقوى، ولا يختار أحدًا على أحدٍ إلا بالعمل الصالح، وإنما يتفاضل الناس عند الله بإيمانهم وتقواهم، وإذا غيرنا أو بدلنا أو قصرنا في هذه الرسالة العظيمة؛ فإن الله تعالى سيأتي بأقوام آخرين، لهم صفات غير صفاتنا وأخلاق غير أخلاقنا.

قال تعالى: ( ﯘﯙ ﯟﯠ ) [المائدة: ٥٤].

وسورة الإسراء وضحت كيف ورثت هذه الأمة النبوة من الأمم السابقة، فكان الانتقال من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما قال تعالى: ( ﭡﭢ ) [الإسراء: ١].

ثم جاء ذكر الكتاب الذي انتقل من نوح إلى موسى عليهما السلام.

فقال تعالى: ( ﭹﭺ ) [الإسراء: ٢-٣].

ولما فرطت بنو إسرائيل في الكتاب ( ﮋﮌ) [الإسراء: ٤].

ووصل الكتاب إلى أمة محمد.

قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٩].

وقال تعالى: ( ) [الإسراء: ٤٥].

وقال تعالى: ( ﭔﭕ ) [الإسراء: ١٠٥-١٠٦].

وسورة الإسراء تدعو لعدم التخلي عن القرآن كما فعلت الأمم السابقة لما تخلوا عن الكتاب استبدلهم الله بأمم أخرى تحافظ على الكتاب68.

وذكر الشهرستاني: وكان المنحدر منه إلى بني إسرائيل ظاهرًا، و المنحدر منه إلى بني إسماعيل مخفيًا، وهكذا، فقد كان نور بني إسماعيل مخفيًا إلى أن بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

فمحمد هو ابن عبد الله بن عبد المطلب لكنه ابن إبراهيم روحيًا. فأولى الناس بإبراهيم هم الذين اتبعوه منذ البدء، وأتباعه هم الأميون.

قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٦٨].

والذين آمنوا هم الذين اتبعوا الإسلام69.

أنواع الأمية

أولًا: أمية القراءة والكتابة:

معنى كلمة اقرأ في قوله تعالى: ( ﭿ) [العلق: ١].

هو مجرد فعل القراءة، وجاء الفعل مكسور الهمزة من قرأ يقرأ اقترأ الكتاب بمعنى: نطق بالمكتوب فيه، وألقى النظر عليه وطالعه. وقرأ الكتاب: تتبع ما فيه، وقرأ الآية: نطق بها70، و أقرأ: اسم تفضيل من قرأ، أي: أجود قراءة، واستقرأه: طلب منه أن يقرأ، والقراء: الحسن القراءة71.

وقيل للعرب: الأميون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة72.

قال الرازي: «إنه تعالى وصف محمدًا في هذه الآية بصفات تسع... إلى أن قال: الصفة الثالثة كونه أميًا، قال الزجاج: معنى الأمي الذي هو على صفة أمة العرب، قال عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)73.

فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرءون، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك؛ فلهذا السبب وصفه بكونه أميًا»74.

وقال البيضاوي: «الأمي: لا يكتب ولا يقرأ، وصفه به؛ تنبيهًا على أن كمال علمه مع حاله هذا إحدى معجزاته»75.

وقال سيد قطب: «إن العرب سموا أميين؛ لأنهم كانوا لا يقرءون ولا يكتبون في الأعم الأغلب، واقتضت حكمة الله أن يكون هذا النبي من العرب، من الأميين؛ إذ علم الله أن يهود قد فرغ عنصرها من مؤهلات القيادة الجديدة الكاملة للبشرية، وأنها زاغت وضلت، وأنها لا تصلح لحمل الأمانة، بعد ما كان منها في تاريخها الطويل»76.

قال ابن فارس: «(أم) له أصل واحد يتفرع منه أربعة أبواب، وهي: الأصل، والمرجع، والجماعة، والدين، قال الخليل: كل شيء تضم إليه ما سواه مما يليه، فإن العرب تسمي ذلك: أمًا، ومن ذلك أم الرأس: وهو الدماغ، أم التنائف: أشدها وأبعدها، أم القرى: مكة، وكل مدينة هي أم ما حولها من القرى، وأم القرآن: فاتحة الكتاب، وأم الكتاب: ما في اللوح المحفوظ، وأم الرمح: لواؤه وما لف عليه، وتقول العرب للمرأة التي ينزل عليها: أم مثوى، وأم كلبة: الحمى، وأم النجوم: السماء، وأم النجوم: المجره... إلى أن عد كثيرًا من هذه التراكيب، فقال: الأمي في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلة الناس لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه»77.

وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أول مرة فقال: (ما أنا بقارئ)، وإنه عاجز عن القراءة التي بمعنى فعل القراءة فكان مصيبًا، أي: غير قادر على القراءة و الكتابة.

وكرر الله تعالى القراءة مرتين في هذه السورة فقال: ( ﭿ ﮋﮌ) [العلق: ١-٤].

وذكر القلم كأداة للتعليم وإشارة إلى أهميته واهتمام الشريعة به؛ لذا سميت سورة من القرآن بالقلم، واستهلت بالقسم به.

قال المراغي في تفسير قوله تعالى: ( ﭿ)، أي: «صر قارئًا بقدرة الله الذي خلقك، وقد جاء الأمر الإلهي بأن يكون قارئًا وإن لم يكن كاتبًا، وسينزل عليه كتابًا يقرؤه وإن كان لا يكتبه»78.

وقال الألوسي: «قوله عليه السلام لجبريل عليه السلام حين قال له: اقرأ فقال: (ما أنا بقارئ) يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ، وأنا أمي، فقيل () الذي أمرك بالقراءة مفتتحًا ومبتدًا باسمه ( ﮋﮌ) أي: علم ما علم بواسطة القلم لا غيره تعالى، فكما علم سبحانه القارئ بواسطة الكتابة بالقلم يعلمك بدونها»79.

إن تخلف أمة من الأمم عن القراءة والكتابة يؤدي بها إلى عدم العلم والمعرفة والابتعاد عن الحضارة، فيكون مقدمة للضلال والانحراف.

فيبعث الله تعالى النبي لعلاج الحال الذي هم عليه من الأمية، فيعلمهم الكتاب والحكمة، قال تعالى: ( ) [الجمعة: ٢].

وقال تعالى: ( ) [هود: ٤٩].

وقال تعالى: ( ﯼﯽ ﯿ ) [النساء: ١١٣].

وعلى هذا كل إنسان قبل التعليم أمي، والقرآن الكريم عالج مشكلة الأمة الإسلامية بقوله تعالى: ( ) [ال عمران: ١٦٤].

فيفهم من هذا السياق أن سبب أميتهم عدم معرفتهم بالكتاب، وعدم التزكية لنفوسهم، ولأجل هذا الداء جاءت الرسالة بذلك الدواء80.

ثانيًا: أمية الظنون والأوهام:

لا يختص مفهوم الأمية بأمية القراءة والكتابة بل هناك أمية من نوع آخر، وهي أمية الضلال والظنون والأوهام.

قال تعالى في وصفه لطائفة من اليهود: ( ) [البقرة: ٧٨]. ذكرت الآية طائفة من اليهود حيث إن أميتهم ناشئة من عدم معرفتهم بالكتاب إلا أماني، فقالوا ظلمًا: نحن أبناء الله وأحبائه، وأنه لا يعذبهم، إلى غير ذلك من أمانيهم81.

قوله سبحانه: ( ) توضيح لقوله: أميون، أي: منهم أمة منقطعون عن كتابهم لا يعلمون منه إلا أوهامًا وظنونًا يتلوها عليهم علماؤهم، الذين يحرفون كتاب الله وكلماته عن مواضعها، ويحسب هؤلاء السذج أنه الكتاب المنزل إليهم من ربهم. ولذلك قال سبحانه في الآية التالية: ( ﭵﭶ ﭿ) [البقرة: ٧٩]82.

فلو كانوا عارفين بالكتاب قادرين على قراءته وتلاوته لما اغتروا بعمل المحرفين، ولميزوا الصحيح من الزائف، غير أن أميتهم وجهلهم به حالت بينهم وبين أمنيتهم.

وفسر الزمخشري قوله تعالى: ( ) بأنهم لا يحسنون الكتاب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها83.

فلامهم على تكذيبهم وعنادهم، فلو كانوا يحسنون القراءة والكتابة فليس في ذلك مدح، ولو كانوا يجهلونهما فليس في ذلك ذم؛ إذ كل ذلك منصب على الطاعة لله ولرسوله.

يقول الفخر الرازي: «اعلم أن المراد بقوله: ( ) اليهود، ثم بين فرقة رابعة من اليهود المعاندين للحق ووصفهم بالأمية؛ لأنهم كانوا يقلدون في المعارف، ويمتنعون من قبول الحق»84.

قال محمد رشيد رضا في تفسير: ( ): «لا علم لهم بشيء من الكتاب ولا معرفة لهم بالأحكام وما عندهم من الدين، فهو أماني... إلى أن يقول: وهذا محل الذم، لا مجرد كونهم أميين -بمعنى عدم معرفة القراءة والكتابة-، فإن الأمي قد يتلقى العلم عن العلماء الثقات ويعقله عنهم فيكون علمه صحيحًا، وهؤلاء لم يكونوا كذلك»85.

وعلق سيد قطب على هذه الآية بقوله: «ثم يستطرد القرآن الكريم ويذكر للمسلمين من أحوال بني إسرائيل أنهم فريقان: فريق أمي جاهل لا يهتدي شيئًا من كتابهم الذي نزل عليهم، ولا يعرف منه إلا أوهامًا وظنونًا وإلا أماني في النجاة من العذاب بما أنهم شعب الله المختار، وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية»86.

وبالتأمل في كلام المفسرين عندما يفسرون الأمية فإنهم يوكدون على أنها أمية الضلال والظنون، والأوهام والجهل، وعدم معرفتهم بكتابهم السماوي المنزل من عند الله تعالى .

علاج الأمية

يختلف مفهوم الأمية من دولة إلى أخرى، ففي البلدان العربية مثلًا نقصد بالأمية الإنسان الذي لم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب بلغة ما. أما في البلدان المتقدمة فيقصد بالأمية الشخص الذي لم يصل إلى المستوى التعليمي الذي يجعله يفهم التعليمات الكتابية في المواضيع التقنية في عمله.

فالأمية ظاهرة عالمية خطيرة من أبرز المشكلات التي تواجه المجتمعات الإنسانية، باعتبارها مشكلة مؤثرة في التقدم الاجتماعي والحضاري والاقتصادي.

والإسلام أول دين أعلن الحرب على الأمية ودعا إلى التعليم، ورفع مكانة العلم والعلماء، وحتى جعل العلم فريضة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، قال تعالى: ( ﯺﯻ ﯿ) [الزمر: ٩]. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)87.

لذا يجب نشر ثقافة أن العلم فريضة على كل مسلم، حيث إن هذا المبدأ يغرس في النفوس العزم والتصميم على التعليم والإيمان بضرورته، ومتى ما استقر الإيمان بوجوب التعلم، وأيقن كل مسلم أن دينه لا يستقيم إلا إذا تعلم ثم عمل بعلمه، فإن ذلك سيكون أفضل حافز للقضاء على الأمية.

وحسبنا أن أول آيات نزلت من القرآن على قلب النبي الكريم كانت إشادة بفضل القراءة والقلم والعلم، والتعليم بالقلم: ( ﭿ ﮋﮌ ) [العلق: ١-٥].

وذكر الله تعالى في كتابه العزيز سورة كاملة باسم القلم، وسميت بذلك؛ لأن الله أقسم فيها بالقلم وما يسطره به الكاتبون من علم وحكمة، قال تعالى: (ﮉﮊ ﮋﮌ ) [القلم: ١].

ويقسم الله في القرآن بالشيء؛ تنبيهًا على عظيم منفعته، ولفتًا لأنظار الخلق إليه، وأي شيء أعظم نفعًا من القلم مثبت العلم، وناقله إلى الأجيال؟

ولقد حارب الإسلام الأمية بالحث على الكتابة في عدة أمور:

منها كتابة الدين، قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٨٢]. وكذلك كتابة الوصية، كما في الحديث: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبةٌ عنده)88.

والنبي الأمي الذي لم يكن يتلو من كتاب، ولا يخطه بيمينه حتى لا يرتاب المبطلون، لم يقتصر على الحث النظري والترغيب في تعلم القراءة والكتابة، بل جاهد عليه الصلاة والسلام ودبر الوسائل العملية لنشر التعليم، ومحاربة الأمية ما وجد إلى ذلك سبيلًا.

ومن هذه الوسائل انتهاز فرصة وقوع عدد من أسرى قريش المشتركين في غزوة بدر في أيدي المسلمين، وكانوا يحسنون الكتابة، ولا يملكون مالًا؛ ليفدوا أنفسهم، فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لفدائهم أن يعلم كل منهم عشرة من أولاد المسلمين الكتابة.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان ناسٌ من الأسرى يوم بدرٍ لم يكن لهم فداءٌ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة»89.

فكان هذا أول مشروع ينظمه رئيس الدولة الإسلامية لإعلان الحرب على الأمية في تاريخ هذه الأمة، بل لعله في تاريخ البشرية كلها. وكان من الذين استفادوا من هذا المشروع من أبناء الأنصار: الفتى العبقري زيد بن ثابت، كاتب الوحي، وجامع القرآن بعد ذلك، والذي كلفه الرسول الكريم تعلم لغة (يهود) حتى يقرأ له رسائلهم إليه صلى الله عليه وسلم، ويكتب له رسائله إليهم.

وحين انتشر العلم في أوساط المسلمين اتجه الرسول إلى فرض التكافل بين المسلمين في هذا الجانب، كما فرضه في الجانب المادي المعيشي، فالعالم عليه أن يعلم الجاهل، والقارئ عليه أن ينور الأمي ويأخذ بيده.

فعن علقمة بن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيرًا ثم قال: (ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم! وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون! والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون، أو لأعجلنهم العقوبة) ثم نزل، فقال قوم: من ترونه عنى بهؤلاء؟ قال: الأشعريين، هم قوم فقهاء ولهم جيران جفاة من أهل المياه والأعراب، فبلغ ذلك الأشعريين، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذكرت قومًا بخير وذكرتنا بشر، فما بالنا؟ فقال: (ليعلمن قوم جيرانهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون، أو لأعجلنهم العقوبة في الدنيا) فقالوا: يا رسول الله أنفطن غيرنا؟ فأعاد قوله عليهم، فأعادوا قولهم: أنفطن غيرنا؟ فقال ذلك أيضًا، فقالوا: أمهلنا سنة، فأمهلهم سنة؛ ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( ) [المائدة: ٧٨]90.

فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يقر قومًا على الأمية بجانب قوم متعلمين، واعتبر بقاء الجاهلين على جهلهم وامتناع المتعلمين عن تعليمهم عصيانًا لأوامر الله وشريعته يوجبان اللعنة والعذاب.

وأعلن الحرب والعقوبة على الفريقين حتى يبادروا إلى التعلم والتعليم، وأعطاهم مهلة عام واحد للقضاء على آثار الأمية فيما بينهم.

والحادثة قد وردت بشأن الأشعريين العلماء وجيرانهم الجهلاء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن ذلك المبدأ بصفة عامة، لا بخصوص الأشعريين وحدهم بدليل أن الأشعريين لما جاءوا يسألونه عن سر تخصيصهم بهذا الإنكار كما فهم الناس، لم يقل لهم أنتم المرادون بذلك، بل أعاد القول العام الذي سلف ثلاث مرات دون أن يخصصه بالأشعريين، إشعارًا بأن القضية قضية مبدأ عام غير مخصوص بفئة ولا عصر معين.

وبذلك يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعلن مكافحة الأمية قبل أن تعلنه الدول المتحضرة في عصرنا هذا بأربعة عشر قرنًا.

فلذا يجب على العلماء تعليم الأميين من هذه الأمة وذلك عن طريق:

  1. تفعيل دور المساجد: من خلال قيام أئمة المساجد بتسليط الضوء على هذه المشكلة، والتوعية بأضرار الأمية من خلال خطب الجمعة مثلًا، ويمكن أن يساعد المسجد في حملة القضاء على الأمية إذا استندت قضية التعليم على أسس دينية.
  2. استنهاض الهمم نحو مقاومة الأمية في كل الأعمار صغارًا، وكبارًا، رجالًا ونساءً، وأن يطرح مشروع محو الأمية كمشروع إسلامي قومي وطني بأولوية.
  3. وضع برامج عمل للتنسيق بين الأئمة والمساجد ووزارات التربية والشركات التجارية، والخبرات العلمية والتربوية، محددة بجداول زمنية ونسبة مئوية للقضاء على مرض الأمية، يجب أن يعود للأئمة والمساجد دورهم في إصلاح أوطانهم وأمتهم، وأن يعطوا الفرصة لاستعادة الدور الحقيقي للمسجد في خدمة المجتمع، وتحقيق أمنه وتحقيق استقراره وترابط أبناءه.
  4. تربية الفرد على أن يكون مسلمًا حقًا بالمعنى الصحيح لكلمة مسلم، وهي: الاستسلام لخالق الكون والانقياد له سبحانه وتعالى، حيث لا يمكن للإنسان أن يسلم قياده لإنسان مثله غير قادر على تصريف أموره. قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [الانعام: ١٦٢-١٦٣].
  5. التثقيف الأسري، وتوعية الوالدين بتربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة.
  6. إقامة الدورات والبرامج المتخصصة لإعداد وتأهيل معلمي محو الأمية والرفع من درجة أدائهم؛ لأن معظم المعلمين في مجال الأمية لم يعدوا أصلًا لهذه المهنة، وإنما هم معلموا ومديروا المدارس الابتدائية.
  7. فرض التعليم الإلزامي وتعميمه، والعمل بجد ومثابرة على محو أمية الكبار. ويجب أن تركز المرحلة الإلزامية على التربية العلمية والوظيفية بدلًا من أن تكون مجرد محو للأمية الأبجدية فقط.
  8. سن القوانين والتشريعات المناسبة من أجل القضاء على مشكلة الأمية.
  9. الدعم المالي للتنظيمات، والأجهزة، والمناهج اللازمة لمحو الأمية، وسن التشريعات الخاصة بها. وتقديم الحوافز للأميين للالتحاق بمراكز تعليم الكبار ومحو الأمية.
  10. علاج المناهج الدراسية، فالمناهج في الغالب هي مناهج التعليم الابتدائي، والمدرسون هم معلمو التعليم الابتدائي أو العاطلون عن العمل والحاصلون على الثانوية العامة. وطرائق التدريس هي الطرائق المستخدمة في التعليم التقليدي. وتركز المناهج المدرسية على تنمية وإعداد الفرد إعدادًا عقليًا وجسميًا وإهمال الجانب الإيماني.

أثر انتشار الأمية على الفرد والمجتمع

  1. أولًا: آثار الأمية على الفرد:

    الأمية عقبة تعوق تقدم الفرد، وتعطل تطور المجتمع من مختلف النواحي، وتقف حجر عثرة أمام تحقيق أهداف الفرد والمجتمع، وقد باتت الأمية تمثل مشكلة حقيقية.

    فحياة الأمي في المجتمع المعاصر شديدة الصعوبة، لذلك يمكن اعتبار الأمية أم المشكلات الاجتماعية؛ لأنها كثيرًا ما تلد مشكلات تربوية واقتصادية وثقافية وسياسية صعبة ومستعصية. وتعد الأمية قاسمًا مشتركًا بين الجهل والفقر والمرض، فالأمية هي أهم صور الجهل، ومن أهم نتائجها الفقر والمرض.

    إن الأمية تسير قدمًا بقدم مع الفقر والتخلف، كما أن التفاوت بين الذين يملكون والذين لا يملكون ليس تفاوتًا ماديًا في حد ذاته ولكنه تفاوت تعليمي، فالأفراد الذين لا يملكون مهارات ومعلومات أو معرفة مهنية لا يقدرون على رفع مستوى معيشتهم91.

    فالقضاء على الأمية يؤدي إلى التخلص من براثن الفقر، فالشخص المتعلم المثقف يكون أكثر إنتاجية، ولذا أصبح الدور الذى يلعبه التعليم في التنمية من الأهمية بحيث يمكن اعتبارهما مترادفين، فالتعليم جزء من الصالح العام وعامل في تطوير نوعية الحياة.

    من آثار الأمية: يجد الأمي نفسه غير قادر على الحصول على وظيفة مناسبة يخدم فيها أمته، ويجلب فيها رزقًا حلالًا إلى نفسه، فيضطر بعد ذلك بإقناع شيطاني أن يلتفت إلى سبل الحرام والمتاجرة بالمحرمات أيًا كان ذلك النوع، إما أن يفتتح محلًا للفيديو يبيع فيه أفلامًا لا يعرف إلا اسم هذا الفيلم أو ذلك الفيلم، أو يفتح محلًا يبيع فيه الأغاني والأشرطة، أو يتاجر بأمور محرمة، أو يخاطر بمخدرات يمنعها الشرع ويعاقب عليها القانون.

    من آثار الأمية: الفقر وتأثيره واضح على العقيدة.

    قال تعالى: ( ﯘﯙ ﯞﯟ ) [البقرة: ٢٦٨ٍ].

    فإذا لم يكن الفقير قوي الإيمان، حيث قد يصيبه الشك والريبة في حكمة الخالق، حينما يرى الغني المترف القاعد المتبطل، ثم يرى نفسه مع جده وعمله لا يجد شيئًا؛ لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر مع الكفر، فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)92.

    وعن أبي هريرة كان عليه السلام يقول: (إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أَظْلِم أو أُظْلَم)93.

    فالفقر له دور سلبي، وخطر على الاعتقاد، حيث إنه يجعل صاحبه مشغولًا بضرورات الحياة لنفسه وعياله، فلا يبقى له وقت للتفكير في محو أميته94.

    وأما خطر الأمية على الأخلاق والسلوك فكبيرة جدًا إلا إذا بلغ صاحبه مبلغًا كبيرًا في الإيمان والتقوى، يقول الشيخ القرضاوي: «فإن الأمي المحروم كثيرًا ما يدفعه بؤسه وحرمانه، وخاصة إذا كان إلى جواره الطامعون الناعمون، إلى سلوك ما لا ترضاه الفضيلة والخلق الكريم، ولهذا قالوا: صوت المعدة أقوى من صوت الضمير، وشر من هذا أن يؤدي ذلك الحرمان إلى التشكيك في القيم الأخلاقية نفسها، وعدالة مقاييسها»95.

    وهناك أحاديث كثيرة تدل على العلاقة بين الأمية والدين والمغرم وبين سوء الأخلاق، فعن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ويقول: (الله إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ -يا رسول الله- من المغرم؟ قال: (إن الرجل إذا غرم حدث، فكذب، ووعد فأخلف)96.

    قال الحافظ ابن حجر: «يستفاد من هذا الحديث: سد الذرائع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدين؛ لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، مع صاحب الدين عليه من المقال»97.

    فالأمي يجد صعوبة في التعامل مع الآخرين وعدم القدرة على اتباع التعليمات الخاصة باستخدام الآلات الحديثة، ولا يدرك الواعي بأهمية الالتزام بقواعد الأمن الصناعي، وكذلك فقـدان وسيلة الاتصال السهلة، لهذا كان العمال الأميون أكثر العناصر في الخروج على نظام المؤسسات وعدم احترام مواعيد العمل والتمارض.

    ثانيًا: آثار الأمية على المجتمع:

    إن الأمية مظهر من مظاهر تخلف أي مجتمع، بل وعائق يقف أمام تطوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويحول دون مواكبته لحضارة العصر الذي يعيشه، ولم تعد الأمية مشكلة فردية تخص المواطن الأمي بل أصبحت ظاهرة اجتماعية تخص الفرد والمجتمع على السواء؛ لأن آثارها لا تقتصر على الأمي فقط، بل تتعداه إلى أبنائه وأسرته ومجتمعه98.

    والتعليم حق أقرته الشريعة الإسلامية، وكان الدعامة الأساسية لازدهار الحضارة العربية الإسلامية، لذلك فإن حرمان الفرد من حقه في التعليم يعد أحد مظاهر القهر والتسلط في التعليم؛ لأنه بالتعليم يتشكل عقل الإنسان وفكره ووعيه السياسي والاجتماعي.

    فما بليت أمة من الأمم، وما رمي مجتمع من المجتمعات بمثل الأمية وعدم المعرفة، وما شرفت أمة من الأمم، وما سعدت المجتمعات إلا بالعلم والمعرفة المنبثقة عن العلم بوحدانية الله وحده وبهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلامة إرادة الله لعبده الخير الفقه في الدين، فعن معاوية بن أبي سفيان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)99. ومن سمو درجات العلم وشرف المنتسبين إليه، والساعين في تحصيله، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وأن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب)100 .

    فهل بعد هذه الفضائل يستوي العلماء والأميون؟ قال تعالى: ( ) [الزمر: ٩].

    كلا. بل رفع الله منازل أهل العلم وأكرمهم بقوله: ( ) [المجادلة: ١١].

    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)101.

    قال الإمام الشافعي رحمه الله 102:

    ومن لم يذق ذل التعلم ساعة

    تجرع ذل الجهل طول حياته

    ومن فاته التعليم وقت شبابه

    فكبر عليه أربعًا لوفاته

    وذات الفتى والله بالعلم والتقى

    إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

    فمن نتاج الأمية الفهم الخطأ للإسلام بالرغم من علو الشهادات العلمية، نجد كثيرًا من الأميين يريدون طمس الشخصية الإسلامية، والاكتفاء بإبراز هوية مسلم لكن بشخصية غير إسلامية؛ لأن البديل هو التبعية للآخرين سواء بالفكر أو الاعتقاد، فتجد من يدعي أنه مسلم بالهوية فيما هو علماني أو ماركسي. فالعلمانية عملت على غرس فكرة فصل الدين عن منهج الحياة، وقصر الدين على العبادة دون السلوك، وبالتالي لم يعد يهم الشاب الاطلاع على أمور دينه ما دامت محصورة في الصلاة والصيام وهذه يعرفها، وشيوع مفاهيم خطأ مثل: الدين تزمت، الدين عبادة فقط، الدين للمشايخ فقط.

    وهذا الفهم الخطأ سببه الانبهار بالغرب بسبب تقدمهم، ففي اللحظات التي تحررت فيها أوربا من سلطان الكنيسة التي قطعت أنفاس الناس باسم الدين، فأراد الأوربيون التخلص منها بشتى الصور حتى إنهم رحبوا بنظرية دارون؛ للتخلص من الروحانية التي تسعى إليها الكنيسة بالحديد والنار، وبعد هذا التحرر تقدمت علميًا وتكنولوجيًا، وكانت المجتمعات العربية المسلمة آنذاك في وهن وضعف، فلما انفتحوا على الغرب بهرتهم حضارتهم، وأرادوا التقدم مثلهم بخلع الدين، وتركه وراء ظهورهم متناسين أن الأفكار العلمانية لا تنقل من مجتمع لتطبق في آخر؛ لاختلاف ظروف نشأتها.

    إن تدني المستوى الثقافي لكثير من الآباء والأمهات، جعلهم أقل اندفاعًا لتعليم أبنائهم وبناتهم، ما زاد من نطاق الأمية وانتشارها؛ لأن قلة وعي أولياء الأمور بأهمية التعليم، ينعكس غالبًا سلبًا على أبنائهم وبناتهم، ويقلل من حصولهم على فرص الذهاب إلى المدرسة.

    إن المجتمع الأمي يفرز عادة أميين، كما يفرز المجتمع المتعلم متعلمين، وإن أبناء المتعلمات والمتعلمين أكثر تفوقًا في الدراسة، وأقل رسوبًا وتسربًا في تعليمهم من أبناء الأميات والأميين.

    لقد ساهمت الأمية في ضعف الاستقرار السياسي في كثير من الدول العربية جعل أنظمتها التربوية كثيرة التغير والتبديل، ما أدى إلى عدم ثبات التشريعات، والقرارات، والأنظمة، والسياسات التربوية، كما أن التغيير المستمر لمعظم وزراء التربية العرب، وتعمد بعضهم هدم وإلغاء ما بناه أسلافهم جعل المشكلة أكثر صعوبة، وأشد تفاقمًا.

    ومن آثار الأمية على المجتمع: أنها تؤدي إلى إهمال أبسط القواعد الصحية، الأمر الذي يسهل انتقال أمراض خطيرة مثل الملاريا والكوليرا ونقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وكثرة الأمراض، حيث إن معظم الأمراض تعود أسبابها إلى سوء التغذية، ويعود تأثيرها على الإنسان بالموت، أو الإنهاك وإلى عدم وجود الدواء المناسب الصالح، ومع الأسف الشديد فإن العالم النامي -وعلى رأسه عالمنا الإسلامي- يفتقد الأمرين بنسبة كبيرة103.

    ومن آثار الأمية: التلازم بينها وبين الفقر، فحيثما كانت الأمية وجد الفقر -وخاصة المدقع-، فيؤثر تأثيرًا مباشرًا، ويؤدي إلى تحقيق التخلف للمجتمع، فالفقير الجائع غير قادر على المساهمة الجادة في تحقيق التنمية104.

    مما يؤدي ذلك إلى التفكك الأسري وزيادة الطلاق، أو عدم الزواج أصلًا، حتى إن الإسلام أمر من كان فقيرًا بالعفاف، فقال تعالى: ( ) [: ٣٣].

    ولخطورة الفقر على الأسرة، فالزوج العائل إذا لم يجد مالًا ينفق على عياله الذين يتضورون جوعًا، أو يموتون بسبب عدم الدواء والغذاء يفكر في أية وسيلة؛ لتحصيل المال، ولذلك يستغل تجار المخدرات هؤلاء الفقراء، ويغرونهم بالمال حتى يوقعوهم في شباك التهريب والترويج لسموم الموت، بل إن الله تعالى أشار إلى ما كان يفعله الجاهليون من قتل أولادهم بسبب الفقر فعلًا، أو الخوف من وقوعه فقال تعالى: ( ﯦﯧ ) [الأنعام: ١٥١].

    وقال تعالى: ( ﭾﭿ ﮂﮃ )[الاسراء: ٣١ٍ].

    وقد أجاز الفقهاء التطليق قضاءً بسبب الإعسار وعدم القدرة على الإنفاق105.

    ومن آثار الأمية: زيادة الجرائم بين الشباب، والنساء، والأطفال، فلا شك أن للفقر أثره الكبير في زيادة الجرائم التي تقع. فالأحوال الاقتصادية السيئة تحتل المرتبة الأولى في مسئولية الجنوح نحو الإجرام، وأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الجريمة والدورات الاقتصادية، فالبيئة التي فيها الفقر والبطالة هي البيئة التي تكثر فيها جرائم المال والاغتصاب والقتل ونحوها.

    وأوضحت بعض الدراسات: أن أكثر الفئات تعاطيًا للمخدرات هم الفقراء الأميون، وذلك لشيوع الجهل فيما بينهم والهروب من المشاكل وغير ذلك106.

    ومن أكثر الجرائم انتشارًا البغاء والدعارة، فمناطق الأميين هي أكثر المناطق التي يكثر فيها البغاء، وقد أجريت مقابلات مع النساء الداعرات في تركيا، فتبين أن نسبة كبيرة منهن دفعتهن إلى البغاء الأمية والجهل، ولذلك فرق بعض الباحثين بين البغاء في المجتمعات الأمية المرتبطة بالحاجة، والبغاء في المجتمعات المتقدمة الذي يرتبط بالتحلل الجنسي والترفيه107. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة... ويظهر الزنا)108.

    وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استحلت أمتي ستًا فعليهم الدمار... واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء)109.

    ومن آثار الأمية: الاستبداد السياسي، والتبعية السياسية في الداخل من خلال أن القوة تكون لأصحاب الأموال والنفوذ، وشراء الذمم في الداخل، والتبعية السياسية للخارج، أي: للدول الاستعمارية المانحة للقروض والمساعدات.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تأتي على الناس سنواتٌ خداعاتٌ، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيهم الرويبضة). قيل: يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: (الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)110.

    والواقع الفعلي للشعوب الأمية أنها تعاني من الاستبداد والطغيان، وأن الأمية لها دور في صنع المستبد والدكتاتور الذي يعتمد على الشعارات البراقة وعلى دعم الطبقات الجاهلة، وإبعاد الطبقات المتعلمة والسياسية عن مراكز القرار، والمشاركة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وبالمقابل إعطاء الدور الأكبر للعسكر، والإنفاق العسكري111، لذلك يظهر لنا بوضوح أن هناك خطة؛ لتطبيق سياسة التجهيل والتجويع والإفقار في عالمنا الإسلامي؛ لإعداده للاحتلال المباشر من جديد.

    إن الأمية أحد أسباب الفوضى والاضطراب، وأن معظم المشاكل السياسية تعود إلى الأمية، وأن تعليم الشعب أحد أهم الأسباب لاستتباب الأمن؛ لأن الأمن من مصلحته ومصلحه ماله فيحافظ عليه.

    إن الأمية تساعد على وجود الحكومات الظالمة، وعدم وجود الحكومة العادلة التي تعمل لمصالح الشعوب، وتحب شعبها، وهم يحبونها، بحيث تعمل لأجل الشعب، وليس لأجل نفسها، ومصالحها فقط، فتبحث بإخلاص وجد ومثابرة وتفان للنهوض بشعبها، ولتحقيق التنمية الشاملة والتعمير، والتقدم والحضارة، وتجمع بين القديم الصالح، والجديد النافع، وتأخذ بكل الأساليب الحديثة التي تعود بالنفع على شعبها، وتستعين في كل ذلك بأهل الاخلاص والاختصاص والخبرة والقوة والأمانة وتستشيرهم وتلتزم بآرائهم. ولعدم وجود هذه المواصفات في معظم الحكومات في العالم الثالث يوجد التأخر بدل التقدم، والهدم بدل البنيان، والتخلف بدل التعلم والتحضر.

    والعلم بالدين يمنع الاضطرابات والحروب الداخلية، حيث أوجب على المسلمين أن تكون وسائل التعبير عن الآراء داخل المجتمع المسلم محصورة في الوسائل السلمية، قال تعالى: ( ﯾﯿ ﰍﰎ ) [النساء: ٥٩].

    أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وذلك بامتثال أمرهما، وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية.

    فالرد إليهما شرط في الإيمان، فلهذا قال: ( ﰍﰎ) فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها () أي: الرد إلى الله ورسوله ( ) فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم112.

    موضوعات ذات صلة:

    الجاهلية، العلم، القراءة، الكتابة، محمد صلى الله عليه وسلم


1 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٢٢، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/٢٧.

2 انظر: لسان العرب،ابن منظور ١/١٣٥، تاج العروس، الزبيدي ٣١/٢٣٧.

3 انظر: الكليات، الكفوي، ص ١٨٢.

4 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١/١٢٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٨١٦.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٨١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص ١٨٠.

6 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ١/١٢٢، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص ٦٣.

7 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١١/١٢٩، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، ٣/٣٢٢.

8 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٢٠٩.

9 انظر: المعجم العربي الأساسي، جماعة اللغويين العرب، ص ٩٥٣.

10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٤٥٩.

11 مفاتيح الغيب، الرازي، ١/٤٢٠.

12 انظر: أبعاد الشخصية المصرية بين الماضي والحاضر، طلعت رضوان، ص١١٢.

13 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٢/٤١٨، لسان العرب، ابن منظور، ٤/٣٠٨٣.

14 الصحاح، الجوهري، ٥/١٩٩٠.

15 التعريفات، ص ١٩١.

16 فتح الباري، ابن حجر، ١/١٤١.

17 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/١٠٩، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٣٤٤.

18 انظر: تفسير الشعراوي، ١٣/٨١١٢.

19 انظر: الدر المصون، السمين الحلبي، ٧/٢٧٢.

20 انظر: تفسير الشعراوي، ١٣/٨١١٢.

21 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/١٣٧.

22 انظر: الدر المصون، السمين الحلبي، ٧/٢٧١.

23 الجامع لأحكام القرآن، ١٠/١٣٧.

24 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب، ٩/١١٦٦.

25 انظر: التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني، سامي القدومي، ١/١٥٧.

26 المفردات، ص٦٤٦.

27 انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ٨/٢٧٥.

28 الجامع لأحكام القرآن،١٠/١٣٧.

29 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/٢٩٨.

30 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/١٣٣.

31 الكشاف، ٣/٤٦٢.

32 ديوان أحمد شوقي، ١/٧.

33 انظر: الجواب الصحيح، ابن تيمية، ٥/٣٣٨.

34 المصدر السابق.

35 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/١٣٣.

36 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/٣٥١.

37 التحرير والتنوير، ١١/١٢٣.

38 جامع البيان، الطبري، ٦/٥٠٣.

39 القرآن والكتاب، ص ٤١٠.

40 انظر: مفاهيم القرآن، السبحاني، ٣/٣٠١.

41 انظر: المصدر السابق.

42 مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٢٣.

43 معاني الأخبار، الصدوق، ص٥٤.

44 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، ١٣/٥٨.

45 انظر: بحار الانوار، المجلسي، ٢٦/١١١.

46 الشيعة والتصحيح، ص٨٢

47 انظر: مفاهيم القرآن، السبحاني، ٣/٣٢٤.

48 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٣٥١.

49 الكشاف، ٤/٧٣٨.

50 صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٥٨٧.

51 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ١/١٤٩.

52 أخرجه البخاري، في كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي، رقم ٦٩٨٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله، رقم ١٦٠.

53 انظر: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الفكر الاستشراقي المعاصر، لخضر شايب، ص٣٩٩.

54 انظر: التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، موريس بوكاي، ص١٧٤.

55 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب قول المريض قوموا عني ٧/١٢٠، رقم ٥٦٦٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية ٣/١٤١٠، رقم ١٧٨٣.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا، ٣/١٨٤، رقم ٢٦٩٩.

57 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٨٦.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب الجعد، ٧/١٦٢، رقم ٥٩١٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه ٤/٢٢٤٨، رقم ٢٩٣٣.

59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٨٦.

60 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/١٣١.

61 انظر: في التاريخ فكرة ومنهاج، سيد قطب، ص٤٩.

62 انظر: الدر المنثور، السيوطي، ٦/٣٥٠.

63 انظر: حياة محمد، هيكل، ص ٧٢.

64 انظر: فقه السيرة،البوطي، ص ٣٠-٣٣.

65 انظر: المصدر السابق.

66 إنجيل متى، ٢١: ٤٣.

67 إنجيل يوحنا، ٤: ١٩- ٢٣.

68 انظر: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل، فاضل السامرائي، ص ٢٨.

69 انظر: الملل والنحل، الشهرستاني، ٢/١٣.

70 المنجد في اللغة والأعلام، الأزدي، ص ٦١٧.

71 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/٢٥٣.

72 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٢٢، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/٢٧.

73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، ٢/٧٦١، رقم ١٠٨٠.

74 مفاتيح الغيب ٤/ ٣٠٩.

75 أنوار التنزيل، ٣/٢٣٠.

76 في ظلال القرآن، ٦/٣٥٦٤.

77 مقاييس اللغة، ١/٢٨.

78 تفسير المراغي،٣٠/١٩٨.

79 روح المعاني، الألوسي، ١٥/٤٠٢.

80 تاريخ القرآن الكريم، محمد الكردي، ص٥٦.

81 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢٢٤، مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ٣/١٣٨.

82 انظر: المصادر السابقة.

83 الكشاف، ١/٢٢٤.

84 مفاتيح الغيب، ٣/١٣٨.

85 تفسير المنار، ١/٣٥٨.

86 في ظلال القرآن، ١/١١٠.

87 أخرجه ابن ماجه في صحيه، كتاب أبواب السنة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم ١/١٥١، رقم٢٢٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٨٠٨.

88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(وصية الرجل مكتوبةٌ عنده)، ٤/٢، رقم ٢٧٣٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الوصية، ٣/١٢٤٩، رقم ١٦٢٧.

89 أخرجه أحمد في مسنده، ٤/٩٢، رقم ٢٢١٦.

وصححه الشيخ أحمد شاكر.

90 كنز العمال، المتقي الهندي، ٣/٦٨٥ رقم ٨٤٥٨. وقال ابن السكن: «إسناده صالح».

91 انظر: تفسير الشعراوي، ١٧/١٠٨٠٥.

92 أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، ٤/٣٢٤، رقم ٥٠٩٠، والنسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب التعوذ في دبر الصلاة، ٣/٧٣، رقم ١٣٤٧.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ١/١٧٢، رقم ١٢١٠.

93 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب فضائل القرآن، باب في الاستعادة، ٢/٦٤٤، رقم ١٥٤٤، والنسائي في سننه، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الذلة، ٨/٢٦١، رقم ٥٤٦٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٧٦، رقم ١٢٨٧.

94 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب، ١٤/٩٤٢، في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٨٥.

95 مشكلة الفقر، القرضاوي، ص ١٣.

96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، ١/١٦٦، رقم ٨٣٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ١/٤١٢، رقم ٥٨٩.

97 فتح الباري، ٥/٦١.

98 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣/١٠١، القرآن ونقض مطاعن الرهبان، صلاح الخالدي ص ٧٣٧.

99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، بابٌ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ١/٢٥، رقم ٧١، مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، ٢/٧١٩، رقم ١٠٣٧.

100 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، ٥/٤٨٥، رقم ٣٦٤١، وابن ماجه في سننه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، ١/٨١، رقم ٢٢٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٧٩، رقم ٦٢٩٧.

101 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب يقل الرجال ويكثر النساء، ٧/٣٧، رقم ٥٢٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان.

102 ديوان الإمام الشافعي ص١٢.

103 انظر: التوجيه والإرشاد النفسي، حامد زهران، ص٤٦٨.

104 انظر: التلازم بين التخلف والفقر والجوع، إسماعيل حمادي، ص ٢٢٩.

105 انظر: الجريمة والمجتمع، سامية الساعاتي، ص ١١٢.

106 انظر: علم الاجتماع الجنائي، السيد علي الشتا، ص ١٦٥.

107 انظر: تأملات إسلامية في قضايا الإنسان والمجتمع، رشدي فكار، ص ١٤٨.

108 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب يقل الرجال ويكثر النساء، ٧/٣٧، رقم ٥٢٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، ٤/٢٠٥٦، رقم ٢٦٧١.

109 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ١/٥٩، رقم ١٠٨٦.

وقواه الألباني في تحريم آلات الطرب ص٦٨.

110 أخرجه ابن ماجه في سننه، أبواب الفتن، باب شدة الزمان، ٢/١٣٣٩، رقم ٤٠٣٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٨١، رقم ٣٦٤٧.

111 انظر: علم الاجتماع الجنائي، السيد على الشتا، ص ١٦٥، تأملات إسلامية، رشدي فكار، ص ١٤٨.

112 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٨٤.